logo
"إسرائيل الكبرى" مروراً بـ "قمة ألاسكا"

"إسرائيل الكبرى" مروراً بـ "قمة ألاسكا"

الوطنمنذ 10 ساعات
غضبٌ وإدانة واستنكار «بأشد العبارات» لإثارة «رؤية إسرائيل الكبرى»، ثم ماذا؟ بنيامين نتنياهو يتحدّث عن ارتباطه بتلك الرؤية كـ«مهمة تاريخية وروحية»، فلا يختلف عن أي طاغية يخوض حروبه ويدّعي بأنها «وحي إلهي». بتسلئيل سموتريتش يصف مشروعه الاستيطاني بأنه مصمَّم لـ«دفن» الدولة الفلسطينية. الجيش الإسرائيلي يكمل استعداداته لاحتلال قطاع غزّة بكامله، وميليشيات ايتمار بن غفير من المستوطنين تواصل الاعتداءات وأعمال التهجير في الضفة الغربية، ثم ماذا؟.. ولا يلقى كلّ ذلك سوى تصريحات رفض وإدانة عربية وحتى غربية (باستثناء الولايات المتحدة). قادة إسرائيل يستخدمون القوة الغاشمة مرتكبين الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فتصرخ الجهات المستنكرة مذكّرة بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، لكن هذين يُعاملان أميركياً وإسرائيلياً، كالعادة، بأسوأ تجاهل وتحقير.
«إسرائيل الكبرى»، كما شرح مؤرخون وبحاثة، مشروع ومخطط معروفان، قديمان مستجدّان وكامنان في عقلية اليمين المتطرف الإسرائيلي، سبق أن اختُصرا بـ «من النيل إلى الفرات» كشعار للحدود المفترضة للدولة. وبعد معاهدتي السلام مع مصر والأردن، ثم بعد «اتفاقات أوسلو» مع منظمة التحرير الفلسطينية، ولاحقاً بعد اعتماد المبادرة العربية للسلام (قمة بيروت 2002)، وأخيراً بعد توقيع «الاتفاقات الإبراهيمية» (2020)، ساد اعتقادٌ بأن البحث عن تسوية سلمية ديبلوماسية ربما يطوي هذا المشروع ويحول دون تداوله ليس فقط لأنه نقيضٌ للسلام، بل خصوصاً لأنه ينمّ عن عقلية توسعية وعدوانيةٍ راسخة يُضفى عليها بعدٌ ديني توراتي.
غير أن كل تلك الخطوات أُحبطت وحُرّفت فلم تتوصّل إلى بداية حلّ لقضية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، كما أن اتفاقات التطبيع الأخيرة تزامنت مع طرح «صفقة القرن» الترامبية، فاستغلّتها إسرائيل لتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية تمهيداً لضمّها، ولتشديد الحصار على قطاع غزّة. وما إن وقعت عملية «طوفان الأقصى» (7/10/2023) حتى استعيدت إسرائيلياً مخططات التوسّع التي عبّر عنها نتنياهو عشية الاجتياح البرّي للقطاع بـ «تغيير وجه الشرق الأوسط». وحين تعمّد أخيراً إعادة «إسرائيل الكبرى» إلى الواجهة كان يستبعد مسبقاً «صفقة شاملة» تعدّ لها مصر وقطر بالتنسيق مع واشنطن، وكذلك مع «حماس». بل كان يُقصي أيضاً فكرة «إنهاء الحرب» لأن مشروعه أكبر من غزّة وقضم أجزاء منها، وأكبر من استعادة الرهائن ومن «القضاء على حماس». فمنذ منتصف العام الماضي لم تعد الحرب سوى وسيلة للبقاء في الحكم وللحفاظ على ائتلافه الحكومي مع المتطرفين، وغدت غزّة رأس الحربة التي استخدمها لترهيب الضفة وتقويض قوة «حزب إيران/ حزب الله» في لبنان ثم غزو الأراضي السورية قبل خوض حرب على إيران.
في قمة ألاسكا الأميركية- الروسية، كانت نقطة القوّة الرئيسية لدى فلاديمير بوتين أن جيشه يحتلّ المناطق الأوكرانية التي استهدفها وأعلنت موسكو «ضمّها»، ثم توسّع باحتلال أراضٍ إضافية يمكن التخلّي عنها بالتفاوض على «معاهدة سلام» تتضمن «اعتراف» كييف بالوضع الجديد، أي بخسارة مناطقها الشرقية وبعضاً من أراضيها الجنوبية، وبموجب المعاهدة تحصل أوكرانيا والدول الأوروبية المتاخمة لها على «تعهّد» روسي وضمانات أميركية بعدم الاعتداء عليها. واشنطن سمّت ذلك «تبادل أراضٍ من أجل السلام» لكنه واقعياً فرضٌ لأمر واقع «باعتداء دولة على أراضي دولة أخرى والاستيلاء عليها بالقوة». وإذ طالت الحرب ولامست الخطر النووي في قلب أوروبا فإن إنهاءها يحتّم البحث عن السلام خارج «صندوق» القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة: هذا يتناسب مع عقلية ترمب (صفقات ومقايضات)، ويتطابق مع أهداف بوتين (استعادة الإمبراطورية الروسية)، ولا يبقى أمام أوروبا الأطلسية سوى الحصول على «ضمانات» للتأقلم مع واقع «التفاهم» الأميركي- الروسي الجديد.
هذه التسوية للمأزق الأوكراني تتناسب أيضاً مع طموحات الصين بالنسبة إلى «استعادة تايوان»، وقال ترمب لـ «فوكس نيوز» إن شي جين بينغ أبلغه أنه «لن يغزو تايوان طالما أنه (ترمب) في البيت الأبيض»، وبرّر ذلك بأن «الصين صبورة، وتستطيع أن تنتظر».
أما نتنياهو وزمرته فلا يريدون/ ولا يستطيعون الانتظار طالما أنهم حققوا خطوات متقدمة نحو «إسرائيل الكبرى»، ويريدون استثمار النتائج المحققة في غزّة ولبنان وسوريا للذهاب إلى «ما بعد بعدها»، من الضفة الغربية إلى إعادة جغرافية سوريا، إلى ما كان يُفترض أن تصبح عليه قبل «سايكس- بيكو»، وبالتالي سعياً إلى إعادة صوغ المنطقة على حساب مصالح مصر والأردن وغيرهما... لو أن الاعترافات «الغربية» بدولة فلسطينية حصلت فعلاً عندما طُرحت قبل عام ونيّف لبدت أكثر جدوى في ردع الجنون الإسرائيلي مما هي الآن بصيغتها الافتراضية الخجول، «من دون عقوبات»... قد يكون نتنياهو «مشكلة في ذاته» (رئيسة وزراء الدانمارك) أو أنه «فقد صوابه» (رئيس وزراء نيوزيلندا) أو «مجرم مختلّ عقلياً ينفذ إبادة جماعية» (كما وصفه الأمير تركي الفيصل)، لكن نتنياهو يتحدّى المنطقة والمجتمع الدولي متأبطاً دعماً مطلقاً من ترمب.
* ينشر بالتزامن مع موقع «النهار العربي»
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

استئناف إدخال شاحنات المساعدات الإنسانية لغزة من معبر رفح
استئناف إدخال شاحنات المساعدات الإنسانية لغزة من معبر رفح

العربية

timeمنذ 2 ساعات

  • العربية

استئناف إدخال شاحنات المساعدات الإنسانية لغزة من معبر رفح

بدأ، صباح الأحد، دخول القافلة السادسة عشرة من شاحنات المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة من بوابة معبر رفح البري إلى معبر كرم أبو سالم، حيث خضعت الشحنات لعمليات تفتيش وفحص للمساعدات. يذكر أن عدد الشاحنات التي دخلت من معبر رفح البري على مدى 3 أسابيع، منذ 27 يوليو (تموز) الماضى، بلغ 2331 شاحنة، حملت أكثر من 15 ألف طن من المساعدات الإنسانية والإغاثية المتنوعة. السلطات المصرية تواصل إرسال المساعدات إلى #غزة مع بدء دخول القافلة الـ16 من الشاحنات الإنسانية #مصر #أخبار_الصباح #قناة_العربية — العربية (@AlArabiya) August 17, 2025 وقد عاودت السلطات الإسرائيلية فتح معبر كرم أبو سالم، صباح اليوم الأحد، لعبور المساعدات الإنسانية إلى غزة. كما واصلت السلطات المصرية إرسال المساعدات الإنسانية المختلفة من معبر رفح إلى معبر كرم أبو سالم ضمن الدفعة الـ16 التي يجري إرسالها إلى غزة، وذلك عقب توقف إرسال المساعدات الإنسانية إلى كرم أبو سالم في عطلتي الجمعة والسبت، وقد تم إرسال 50 شاحنة مساعدات بعد تجهيزها من قبل الهلال الأحمر المصري بشمال سيناء. وتم إرسال شاحنات المساعدات الإنسانية والغذائية والإغاثية والسولار إلى غزة وذلك وفقا للآلية والاتفاق الجديد بين مصر وإسرائيل وبرعاية أميركية، بأن يجري إرسال المساعدات الإنسانية من معبر رفح من الجانب المصري إلى معبر كرم أبو سالم من الجانب الإسرائيلي، وذلك لخضوع شاحنات المساعدات الإنسانية إلى التفتيش من قبل السلطات الإسرائيلية في معبر كرم أبو سالم، ثم إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة عن طريق معبري زكيم وكرم أبو سالم. الجيش الإسرائيلي يعلن استعداده بدء "إجلاء الفلسطينيين" إلى جنوب #غزة تمهيدا لتنفيذ خطة احتلال القطاع #أخبار_الصباح #قناة_العربية — العربية (@AlArabiya) August 17, 2025 وميدانيا، قُتل 40 فلسطينيا بينهم أطفال، غالبيتهم من منتظري المساعدات، بنيران الجيش الإسرائيلي في غزة، وفق ما ذكر الدفاع المدني ومصادر طبية، أمس السبت، مع تكثّف العمليات العسكرية في حي الزيتون بشمال القطاع حيث تتواصل الحرب منذ 22 شهرا. وكان الجيش الإسرائيلي أكد، الجمعة، أن قواته البرية بدأت "العمل في منطقة الزيتون على أطراف مدينة غزة". وأضاف في بيان عسكري أن الجنود يعملون على "كشف العبوات الناسفة، وتدمير البنى التحتية العسكرية فوق الأرض وتحتها". ويأتي ذلك بعدما أقر المجلس الأمني الإسرائيلي في وقت سابق من أغسطس (آب)، خطة للسيطرة على مدينة غزة. وفي بيان السبت، قالت حماس، إن الطائرات الحربية الإسرائيلية والمدفعية والروبوتات المتفجرة "منذ قرابة الأسبوع تعمل على تدمير ممنهج لحي الزيتون"، مشيرة إلى أن إسرائيل تشن "هجوما مستمرا على الأحياء الشرقية والجنوبية من مدينة غزة، ضمن حرب الإبادة" الساعية لتدمير قطاع غزة وكل صور ووسائل الحياة فيه. وبالتزامن، أعلن الجيش الإسرائيلي في بيان، أنه سيتم اعتبارا من الأحد "تجديد توفير الخيم ومعدات المأوى لسكان القطاع"، مضيفا "سيتم نقل المعدات عن طريق معبر كرم أبو سالم بواسطة الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية بعد خضوعها لتفتيش دقيق" عند المعابر. ووضع الجيش ذلك في إطار "تحضيرات لنقل السكان المدنيين من مناطق القتال إلى جنوب قطاع عزة". وتزداد الأزمة الإنسانية تفاقما يوما بعد آخر في القطاع المحاصر. وأعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، السبت، أنها سجّلت "11 حالة وفاة بينهم طفل خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية نتيجة المجاعة وسوء التغذية"، لافتة إلى أن ذلك يرفع إلى "251 حالة وفاة، من بينهم 108 أطفال عدد ضحايا المجاعة وسوء التغذية". وتحذّر الأمم المتحدة من أن كل سكان القطاع مهدّدون بالمجاعة، فيما تنفي إسرائيل ذلك. واندلعت الحرب في القطاع إثر هجوم غير مسبوق لحماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على جنوب إسرائيل، أسفر عن مقتل 1219 شخصا، معظمهم من المدنيين، وفق تعداد يستند إلى بيانات رسمية. وأسفرت الهجمات والعمليات العسكرية الإسرائيلية منذ بدء الحرب عن مقتل 61,827 شخصا على الأقل، غالبيتهم من المدنيين، بحسب وزارة الصحة التي تديرها حماس في قطاع غزة، وهي أرقام تعتبرها الأمم المتحدة موثوقة.

نائب إيراني يتحدث عن سيناريو لاستهداف مدن أميركية من البحر
نائب إيراني يتحدث عن سيناريو لاستهداف مدن أميركية من البحر

Independent عربية

timeمنذ 7 ساعات

  • Independent عربية

نائب إيراني يتحدث عن سيناريو لاستهداف مدن أميركية من البحر

وسط تصاعد التوترات بين إيران والدول الغربية، أطلق أحد النواب الإيرانيين المقربين من "الحرس الثوري" تصريحات مثيرة للجدل تضمنت تهديدات لأوروبا والولايات المتحدة، وذلك بعد تحذير هيئة الأركان الإيرانية للولايات المتحدة وإسرائيل من ارتكاب أي "أخطاء" مؤكدة أن طهران لن "تتحلى بضبط النفس" إذا حدث أي عمل عسكري ضدها. وقال النائب أمير حياة مقدم، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية وهو جنرال في "الحرس الثوري"، إن "إيران قادرة على استهداف الولايات المتحدة من البحر". وقال: "ربما لن يصيب الصاروخ الإيراني المقبل واشنطن ونيويورك، لكن يمكننا استهداف أميركا من داخل البحر". وأشار إلى أن "الوحدة الصاروخية في (الحرس الثوري) قد عملت لمدة 20 عاماً على استهداف أميركا عبر السفن والقطع البحرية الإيرانية". وأضاف: "حتى لو لم نصل بعد إلى هذه التكنولوجيا، فإن أميركا تبعد عنا نحو 10 آلاف كيلومتر، ويمكننا إرسال سفننا إلى مسافة ألفي كيلومتر من سواحلها، ومن هناك نستطيع ضرب واشنطن ونيويورك ومدن أخرى بالصواريخ". وفي نفس السياق، أضاف حياة مقدم أن "جميع الدول الأوروبية الآن في مرمى صواريخنا، ويمكننا باستخدام الصواريخ الحالية ضرب كل هذه الدول. صواريخنا لا تصل فقط إلى فرنسا، بل إلى ألمانيا وبريطانيا وجميع أنحاء أوروبا الغربية والشرقية". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) "آلية الزناد" أما بشأن رسالة "الترويكا" واستعدادها لتفعيل "آلية الزناد"، قال: "آلية الزناد لا محل لها من الإعراب؛ لأن إيران تعيش أصلاً في ذروة العقوبات، عندما يبلغ المنحنى قمته لا يمكن أن يرتفع أكثر، ومن ثم فإن أي خطوة جديدة لن تؤدي إلى تفاقم الوضع". وأوضح في تصريح لموقع "إيران أوبزرفر" أن "العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة اليوم بلغت أقصى ما يمكن أن يُفرض على دولة، ومن ثم فإن إعادة عقوبات مجلس الأمن لن تضيف شيئاً جديداً، بل تمثل مجرد خطوة سياسية". وأضاف حياة مقدم أن "الولايات المتحدة تقف خلف معظم العقوبات، وحتى إذا أضاف الأوروبيون بعضها، فلن يكونوا أقوى من الأميركيين"، معتبراً أن وضع إيران تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة "لا يشكل تهديداً جديداً، إذ لن يجعل الظروف أسوأ من الوضع الراهن". ولفت إلى أن "الأوروبيين يحاولون تمديد مهلة تفعيل آلية الزناد، وإذا تحقق ذلك فلن يكون هناك أي أساس قانوني لإعادة القرارات الملغاة بموجب القرار 2231، ومن ثم لن تُدرج إيران تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة". وقال إن "الظروف الحالية تختلف جذرياً عن فترة توقيع الاتفاق النووي"، مضيفاً أن "هيبة مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل قد انهارت بالنسبة لإيران". وأوضح حياة مقدم: "في السابق كانت مواجهة أميركا وإسرائيل تُعد تحدياً كبيراً، لكننا اليوم خضنا مواجهات مباشرة معهما، وأثبتنا قدرتنا على الرد؛ لذلك لا نخشى من اندلاع حرب جديدة، بل أعتقد أن الولايات المتحدة وإسرائيل لن تبادرا إلى مهاجمة إيران؛ لأنهما تدركان حجم رد الفعل الإيراني". وأضاف أن إيران "أثبتت قدرتها في الحرب من خلال قصف إسرائيل بالصواريخ"، معتبراً ذلك "تحولاً مهماً في موازين الردع".

"إسرائيل الكبرى" مروراً بـ "قمة ألاسكا"
"إسرائيل الكبرى" مروراً بـ "قمة ألاسكا"

الوطن

timeمنذ 10 ساعات

  • الوطن

"إسرائيل الكبرى" مروراً بـ "قمة ألاسكا"

غضبٌ وإدانة واستنكار «بأشد العبارات» لإثارة «رؤية إسرائيل الكبرى»، ثم ماذا؟ بنيامين نتنياهو يتحدّث عن ارتباطه بتلك الرؤية كـ«مهمة تاريخية وروحية»، فلا يختلف عن أي طاغية يخوض حروبه ويدّعي بأنها «وحي إلهي». بتسلئيل سموتريتش يصف مشروعه الاستيطاني بأنه مصمَّم لـ«دفن» الدولة الفلسطينية. الجيش الإسرائيلي يكمل استعداداته لاحتلال قطاع غزّة بكامله، وميليشيات ايتمار بن غفير من المستوطنين تواصل الاعتداءات وأعمال التهجير في الضفة الغربية، ثم ماذا؟.. ولا يلقى كلّ ذلك سوى تصريحات رفض وإدانة عربية وحتى غربية (باستثناء الولايات المتحدة). قادة إسرائيل يستخدمون القوة الغاشمة مرتكبين الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فتصرخ الجهات المستنكرة مذكّرة بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، لكن هذين يُعاملان أميركياً وإسرائيلياً، كالعادة، بأسوأ تجاهل وتحقير. «إسرائيل الكبرى»، كما شرح مؤرخون وبحاثة، مشروع ومخطط معروفان، قديمان مستجدّان وكامنان في عقلية اليمين المتطرف الإسرائيلي، سبق أن اختُصرا بـ «من النيل إلى الفرات» كشعار للحدود المفترضة للدولة. وبعد معاهدتي السلام مع مصر والأردن، ثم بعد «اتفاقات أوسلو» مع منظمة التحرير الفلسطينية، ولاحقاً بعد اعتماد المبادرة العربية للسلام (قمة بيروت 2002)، وأخيراً بعد توقيع «الاتفاقات الإبراهيمية» (2020)، ساد اعتقادٌ بأن البحث عن تسوية سلمية ديبلوماسية ربما يطوي هذا المشروع ويحول دون تداوله ليس فقط لأنه نقيضٌ للسلام، بل خصوصاً لأنه ينمّ عن عقلية توسعية وعدوانيةٍ راسخة يُضفى عليها بعدٌ ديني توراتي. غير أن كل تلك الخطوات أُحبطت وحُرّفت فلم تتوصّل إلى بداية حلّ لقضية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، كما أن اتفاقات التطبيع الأخيرة تزامنت مع طرح «صفقة القرن» الترامبية، فاستغلّتها إسرائيل لتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية تمهيداً لضمّها، ولتشديد الحصار على قطاع غزّة. وما إن وقعت عملية «طوفان الأقصى» (7/10/2023) حتى استعيدت إسرائيلياً مخططات التوسّع التي عبّر عنها نتنياهو عشية الاجتياح البرّي للقطاع بـ «تغيير وجه الشرق الأوسط». وحين تعمّد أخيراً إعادة «إسرائيل الكبرى» إلى الواجهة كان يستبعد مسبقاً «صفقة شاملة» تعدّ لها مصر وقطر بالتنسيق مع واشنطن، وكذلك مع «حماس». بل كان يُقصي أيضاً فكرة «إنهاء الحرب» لأن مشروعه أكبر من غزّة وقضم أجزاء منها، وأكبر من استعادة الرهائن ومن «القضاء على حماس». فمنذ منتصف العام الماضي لم تعد الحرب سوى وسيلة للبقاء في الحكم وللحفاظ على ائتلافه الحكومي مع المتطرفين، وغدت غزّة رأس الحربة التي استخدمها لترهيب الضفة وتقويض قوة «حزب إيران/ حزب الله» في لبنان ثم غزو الأراضي السورية قبل خوض حرب على إيران. في قمة ألاسكا الأميركية- الروسية، كانت نقطة القوّة الرئيسية لدى فلاديمير بوتين أن جيشه يحتلّ المناطق الأوكرانية التي استهدفها وأعلنت موسكو «ضمّها»، ثم توسّع باحتلال أراضٍ إضافية يمكن التخلّي عنها بالتفاوض على «معاهدة سلام» تتضمن «اعتراف» كييف بالوضع الجديد، أي بخسارة مناطقها الشرقية وبعضاً من أراضيها الجنوبية، وبموجب المعاهدة تحصل أوكرانيا والدول الأوروبية المتاخمة لها على «تعهّد» روسي وضمانات أميركية بعدم الاعتداء عليها. واشنطن سمّت ذلك «تبادل أراضٍ من أجل السلام» لكنه واقعياً فرضٌ لأمر واقع «باعتداء دولة على أراضي دولة أخرى والاستيلاء عليها بالقوة». وإذ طالت الحرب ولامست الخطر النووي في قلب أوروبا فإن إنهاءها يحتّم البحث عن السلام خارج «صندوق» القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة: هذا يتناسب مع عقلية ترمب (صفقات ومقايضات)، ويتطابق مع أهداف بوتين (استعادة الإمبراطورية الروسية)، ولا يبقى أمام أوروبا الأطلسية سوى الحصول على «ضمانات» للتأقلم مع واقع «التفاهم» الأميركي- الروسي الجديد. هذه التسوية للمأزق الأوكراني تتناسب أيضاً مع طموحات الصين بالنسبة إلى «استعادة تايوان»، وقال ترمب لـ «فوكس نيوز» إن شي جين بينغ أبلغه أنه «لن يغزو تايوان طالما أنه (ترمب) في البيت الأبيض»، وبرّر ذلك بأن «الصين صبورة، وتستطيع أن تنتظر». أما نتنياهو وزمرته فلا يريدون/ ولا يستطيعون الانتظار طالما أنهم حققوا خطوات متقدمة نحو «إسرائيل الكبرى»، ويريدون استثمار النتائج المحققة في غزّة ولبنان وسوريا للذهاب إلى «ما بعد بعدها»، من الضفة الغربية إلى إعادة جغرافية سوريا، إلى ما كان يُفترض أن تصبح عليه قبل «سايكس- بيكو»، وبالتالي سعياً إلى إعادة صوغ المنطقة على حساب مصالح مصر والأردن وغيرهما... لو أن الاعترافات «الغربية» بدولة فلسطينية حصلت فعلاً عندما طُرحت قبل عام ونيّف لبدت أكثر جدوى في ردع الجنون الإسرائيلي مما هي الآن بصيغتها الافتراضية الخجول، «من دون عقوبات»... قد يكون نتنياهو «مشكلة في ذاته» (رئيسة وزراء الدانمارك) أو أنه «فقد صوابه» (رئيس وزراء نيوزيلندا) أو «مجرم مختلّ عقلياً ينفذ إبادة جماعية» (كما وصفه الأمير تركي الفيصل)، لكن نتنياهو يتحدّى المنطقة والمجتمع الدولي متأبطاً دعماً مطلقاً من ترمب. * ينشر بالتزامن مع موقع «النهار العربي»

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store