
دولرة الليرة السورية... اقتصاد حائر بسعر صرف لا يعترف به أحد
وفي ثنائية الأمن والاقتصاد، لا يمكن تجاهل خطوات الحكومة السورية في الملف الأمني، من عودة مظاهر الطمأنينة، وإرساء الحلول السلمية بدلاً من الانتقام، والحلول الدبلوماسية بدلاً من العنف واستخدام القوة، في نتائج فاقت التوقعات. لكن، هل يكفي هذا؟ أم أنه يبقى في دائرة الهشاشة إن لم تُبنَ تحته قاعدة اقتصادية صلبة؟ فلا أمن يدوم إذا لم تُشترَ السلع، ولا استقرار يتحقق إن بقيت الأسعار تُنطح السقف، و"الرواتب" الخجولة تجرجر نفسها، في بلدٍ يُذهلك بتناقضاته، من غلاءٍ يفوق التوقّعات في أسعار وإيجارات عقاراته، وارتفاع أسعار سلعه، أمام دخلٍ هو أقرب إلى الصفر المتحرّك، ما يجعل الأمن على حافةٍ قد تنهار سريعاً، لا قدّر الله.
الدولار بين تسعيرتَين
المفارقة أن مصرف سورية المركزي حدّد سعر الدولار بـ11 ألف ليرة سورية، في حين يتداول الناس الدولار في السوق السوداء بسعر يتأرجح بين 9,500 و10,200 ليرة، في تفاوتٍ غريب بين السعر الرسمي وسعر السوق غير النظامية. فأيهما يملك القيمة الحقيقية؟ أمام امتناع المركزي عن بيع الدولار أو شرائه، وترك موازين العرض والطلب مفتوحة أمام السوق، فإن ذلك يدل صراحةً على أن المركزي لا يملك القدرة على مجاراة السوق، وأنه فقير بالقطع الأجنبي والعملة المحلية.
السعر المتداول لا يمكن أن يكون حقيقياً، وإلّا فأين إعلان الدولة عن تخفيض سعر الدولار؟ ولماذا لم يشعر به أحد؟ بل على العكس، فرغم التحسّن المزعوم، ما تزال الأسعار مرتفعة، ما يعني أن الدولار لا يُسعّر على أساس اقتصادي، فالميزان التجاري مختل تماماً على خلفية الواردات والصادرات، أمام انفتاح السوق السورية المتعطّشة للسلع وشرائها بالدولار، مقابل وارداتٍ متواضعة جداً حتّى اللحظة.
إذاً، السعر الرسمي الذي لا تعترف به السوق هو سعرٌ نظري، لا يُصرف به الدولار في الواقع، وبالتالي يصبح بلا قيمة عملية، ما قد يُضعف شرعية المؤسّسة النقدية، ويؤدي إلى فقدان ثقة المواطن والمستثمر، خصوصاً أن المركزي لا يوفّر الدولار، لا للمواطن ولا للمستورد، ما يدفع الجميع إلى التوجّه نحو السوق السوداء لتأمين العملة الصعبة، وبالتالي تعكس هذه السوق السعرَ الحقيقي الناتج عن العرض والطلب.
المشكلة الكبرى تكمن في انعكاس هذا التفاوت على آلية التسعير: هل يجري التسعير على أساس السعر الرسمي أم سعر السوق؟
الباحث الاقتصادي ملهم جزماتي اعتبر أن الفجوة بين سعر الصرف في المصرف المركزي والسوق السوداء هي إحدى أشكال التشوّهات الاقتصادية، ودلالة على شح السيولة النقدية لدى المركزي، لذلك لا يستطيع شراء العملة الأجنبية بالسعر الأعلى الذي يحدّده بنفسه.
كما رأى أن تأثير هذه الفجوة يتمثل في اتساع رقعة الاقتصاد غير الرسمي، وتذبذبٍ مستمر لسعر صرف الليرة مقابل العملات الأجنبية، وبالتالي فقدان الثقة بالعملة المحلية، وتفضيل أكبر للاحتفاظ بالعملة الأجنبية، وفقدان المركزي السوري لدوره الأساسي ضابطاً للسوق النقدية في البلاد.
وأضاف أن هذه الحالة من شأنها إضعاف الثقة بالاقتصاد السوري على المدى البعيد من المستثمرين، الذين يرغبون بوجود هيكل إداري قادر على إدارة السياسة النقدية، واستمرار هذه الحالة سيثير الشكوك حول أهلية المركزي في أداء أدواره الاقتصادية التقليدية.
هل يعكس سعر الصرف عجز الدولة؟
لا تحتاج قراءة الواقع المعيشي للمواطن السوري، إلى أرقامٍ مبهرة أو تقارير أممية لتوصيفه. الراتب الشهري، في كثير من الحالات، لا يتجاوز مئة دولار، بينما إيجار غرفة واحدة قد يتخطّى هذا الرقم. الأسعار قد تقفز، ربما ليس بفعل ارتفاع الدولار، بل أحياناً بفعل الإشاعة، أو المزاج، أو انقطاع مادة معينة. الناس يأكلون أقل، يسافرون أقل، يضحكون أقل.
نعم، الحكومة تتحدث عن خطط ورؤى ومشاريع استثمارية وعلاقات اقتصادية خارجية، لكن المواطن لا يراها سوى وعود، قد تتحول إلى هواجس بشأن قدرة الدولة على أداء دورها بوصفها ضامناً اقتصادياً، وبأن الحكومة عاجزة عن ضبط السوق، وتوفير السلع والخدمات والطاقة، وحماية الرواتب من التآكل.
ولا بدّ من التذكير بأن سعر الصرف هو مؤشّر، لا على وضع العملة فحسب، بل على حال الاقتصاد كلّه، فعندما ترتفع الليرة في السوق السوداء، ليس بالضرورة أن يكون ذلك مدعاة للفرح أو التفاؤل، لأنها ظاهرة قد تكون نتيجة جمود اقتصادي، أو تباطؤ في الطلب على الدولار، أو تراجع في الاستيراد. إذاً، كلها مؤشرات على الركود لا على التعافي.
ما يعني، في قراءة أعمق، أن أدوات السياسة النقدية باتت تلهث خلف السوق بدل أن تقودها. فلا يخفى على المراقب الحصيف أن هذه الظاهرة لا تُقرأ بالأرقام وحدها، بل هي في عمقها تعبيرٌ عن خللٍ مزدوج في وظيفة الدولة ومنطق الاقتصاد. فالسعر الرسمي، الذي لطالما اعتُبر أداة سيادية لضبط السوق، أصبح حبراً على ورق، بينما السوق الموازية، التي يُفترض أن تكون جريمة مالية، تحوّلت إلى ملاذٍ آمن للناس والمؤسّسات، وحتى لبعض دوائر الدولة نفسها.
ولا نعني بذلك رفع يد الدولة أو السيطرة بالقوة، بل الدعوة إلى إدارة السوق بأدوات رقابية حقيقية لضبط الأسعار ومنع التلاعب، إضافة إلى تعزيز ثقة المواطن بأن البنوك قادرة على تلبية احتياجات السوق من العملات الأجنبية والمحلية، بوصفها مؤسساتٍ فاعلة، وبشفافيةٍ تشجّع المغتربين على التحويل من خلال المصارف المعتمدة.
سورية تعلن اعتمادها على مواردها
في تأكيدٍ لتصريحٍ سابق، أكد حاكم مصرف سورية المركزي عبد القادر حصرية أنّ بلاده لن تستدين من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، وأن سورية، بأمرٍ من الرئيس أحمد الشرع، لن تلجأ إلى الديون الخارجية، مبرّراً الخطوة بسعي الحكومة لبناء اقتصادٍ صحي قائم على الإنتاج والصادرات، من دون الاعتماد على فوائد مرتفعة أو مغريات استثمارية محفوفة بالمخاطر.
تصريحٌ تُرفع له القبعة، كما يُقال، لكن أين هذه الموارد؟ إذا كان النفط خارج السيطرة، والزراعة، بصفتها مقوّماً من مقوّمات الاقتصاد السوري الرئيسية، تصارع الجفاف وتقنياتٍ منتهية الصلاحية، والصناعة في الرمق الأخير، والسياحة معطّلة، فما هي المقوّمات إذاً؟ وأين البيئة الاستثمارية المؤهلة لتوفير عوائد مستقرة للمستثمرين؟ وما هي ملامح استعادة النشاط الكامل لقطاعات الاستثمار التي صرّح بها المسؤول؟، فبعيداً عن الانتقاد المنفلت، هي مجرد أسئلة بسيطة، تضع المواطن أمام تناقض الخطاب الرسمي والواقع الاستثماري والمعيشي، ليتولّد ما هو أخطر من الفقر؛ وهو الشّك.
عند سؤال الأكاديمي والمحلل الاقتصادي فراس شعبو، قال إنّ القرار، من وجهة نظر اقتصادية، صحيح، والمشكلة ليست في الدَّين، فهناك دولٌ متقدمة وناشئة تتعامل بالدين، لكنها تستطيع إدارة هذا الدين واستثماره بوجود مؤسساتٍ قوية. وأضاف أن المشكلة لدى الدول النامية تكمن في تحويل هذا الدين إلى مشاريع استهلاكية، لا إنتاجية، مثل مصر ولبنان وتونس، ما أغرقها بسبب الفوائد الكبيرة وعدم قدرتها على السداد.
وبالعودة إلى الواقع والسياق السوري، اعتبر شعبو أن الوضع قد لا يتوافق مع أي فكر اقتصادي، خصوصاً أن معظم الموارد تحتاج وقتاً أطول لإعادة تأهيلها واستثمارها، وبالتالي، سيسهم ضعف التمويلات والدعم الخارجي في إبطاء عملية التنمية وسرعة التعافي. واعتبر أن القرارات الحكومة في الخصخصة، وفي دعم القطاع الخاص وتخفيف تدخل الحكومة، وإزالة الدعم عن المحروقات والخبر، وتحرير سعر الصرف، تتوافق مع شروط صندوق النقد الدولي، فإمكانية الاقتراض على شكل منح أو ديون ممكنة، ومطلوبة إن توجهت توجهاً صحيحاً في الاستثمار ودعم الإنتاج. ويبقى سؤال المواطن السوري الأبرز؛ متى ستقرّر الحكومة السورية تبديل العملة التي ما تزال تذكّرهم بالنظام السابق، وإلى متى سيحملون أكياساً مكدّسة بالأوراق النقدية لشراء سلعة بسيطة؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 43 دقائق
- العربي الجديد
مبيعات "تايوان لأشباه الموصلات" تقفز 26% وسط طفرة في الذكاء الاصطناعي
سجّلت شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات (TSMC) ارتفاعاً في مبيعاتها بنسبة 26% خلال الشهر الماضي، في مؤشر واضح على تسارع وتيرة الإنفاق العالمي على تقنيات الذكاء الاصطناعي . وذكرت الشركة، التي توفر رقائق الذكاء الاصطناعي لشركات متخصصة في أجهزة الذكاء الاصطناعي مثل "نفيديا كورب" و"أدفانسد ميكرو ديفايسز" (AMD)، أنّ مبيعاتها الشهر الماضي بلغت 323.2 مليار دولار تايواني جديد (ما يعادل 10.8 مليارات دولار أميركي). وأفادت وكالة بلومبيرغ الأميركية بأنّ هذا النمو جاء مطابقاً لتوقعات الخبراء، الذين رجّحوا زيادة بنسبة 25% في عائدات الشركة خلال الربع الثالث من العام الجاري. ورغم التحديات الناتجة عن ارتفاع قيمة الدولار التايواني، واصلت شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات تسجيل معدلات نمو قوية هذا العام. فقد حققت زيادة بنسبة 38% في مبيعاتها خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني حتى يوليو/ تموز، مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي، مدفوعة بجهودها المتواصلة لسد الفجوة بين المعروض وحجم الطلب المتنامي. وشهد سهم الشركة، ومقرها العاصمة التايوانية تايبيه، ارتفاعاً قياسياً، يوم أمس الخميس، بعد إعلان إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب استثناءها من الرسوم الجمركية المفروضة على الرقائق الإلكترونية ، نظراً لاستثماراتها الكبيرة في المنتجات الأميركية. أسواق التحديثات الحية القيمة السوقية لشركة الرقائق التايوانية تتجاوز تريليون دولار تُعد "تايوان لصناعة أشباه الموصلات" أكبر شركة في العالم لصناعة أشباه الموصلات بالاعتماد على عقود التصنيع، وتلعب دوراً محورياً في سلسلة توريد الرقائق الإلكترونية عالمياً. وقد شهد الطلب على الرقائق المستخدمة في الذكاء الاصطناعي ارتفاعاً حاداً خلال العامين الماضيين، في ظل تسابق الشركات على تطوير تقنيات تعتمد على التعلم الآلي والنماذج اللغوية التوليدية. وتُعتبر الشركة مورداً أساسياً لشركات التكنولوجيا العملاقة، من بينها آبل وكوالكوم، إلى جانب شركتي نفيديا و"إيه إم دي"، اللتين تقودان حالياً ثورة الذكاء الاصطناعي في العتاد الصلب. يعكس الأداء القوي لشركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات مكانتها المتقدمة في سوق الرقائق العالمية، وسط ازدهار الذكاء الاصطناعي واستمرار ارتفاع الطلب على البنى التحتية التكنولوجية المتطورة. ورغم التحديات المرتبطة بتقلبات العملة العالمية والسياسات التجارية، يبدو أن الشركة ماضية في تعزيز نموها مستفيدة من تحوّل العالم نحو الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي بوصفهما قوة دافعة للنمو خلال السنوات المقبلة. (أسوشييتد برس، العربي الجديد)


العربي الجديد
منذ 4 ساعات
- العربي الجديد
الإمارات تحظر رحلات السودان الجوية
أوقفت الإمارات رحلات الطيران من السودان وإليه، ما اعتبره بعض المتابعين تهديداً مباشراً لمصالح آلاف العمال والقطاعات المرتبطة بالاستثمار الإماراتي، كما أن ذلك يضع السودان في خانة الدول عالية المخاطر أمام أي استثمار أجنبي محتمل، مما سيؤدي إلى مزيد من التدهور في سعر العملة الوطنية، الجنيه، وتفاقم التضخم وانهيار منظومة الصادرات والواردات. وأصدرت السلطات الإماراتية قراراً مفاجئاً بحظر جميع الرحلات الجوية من الإمارات إلى السودان والعكس، اعتباراً من الساعة الثانية صباح الأربعاء الماضي. وأُبلغت شركات الطيران السودانية بالقرار عبر مكالمات هاتفية وردت في ساعات الفجر الأولى. وردت سلطة الطيران المدني السودانية على الخطوة حيث أصدرت بيانا الأربعاء، أكدت فيه أنها فوجئت بالخطوة التي اتخذتها السلطات الإماراتية دون سابق إنذار، والتي شملت منع إحدى الطائرات السودانية من الإقلاع من مطار أبوظبي، إلى جانب حظر هبوط جميع رحلات شركات الطيران السودانية في المطارات الإماراتية. وقال عاملون في شركات طيران سودانية إن سلطات الطيران المدني الإماراتية أبلغت الشركات السودانية بوقف رحلاتها من مطاري دبي والشارقة وإليهما، وقررت سلطات الطيران في الإمارات حظر شركتي بدر وتاركو السودانيتين من دون إبداء أي أسباب. وأكدوا أن القرار تسبب في حالة ارتباك بمطار بورتسودان، لأنه صدر بعدما أنهى مسافرون على متن طائرة لشركة تاركو إجراءات الخروج. ووفقاً لشهود عيان، فوجئ الركاب المتوجهون إلى الإمارات بإيقاف رحلاتهم ومنعهم من الصعود إلى الطائرات، رغم إتمام بعضهم لإجراءات السفر ودخولهم صالات المغادرة. وأفادت مصادر داخل المطار أن الخطوط الجوية السودانية تلقت إخطاراً عاجلاً بوقف الرحلات إلى الإمارات فوراً، ما أدى إلى إرجاع جميع المسافرين. ويقول مراقبون إن الخطوة ستُسهم في تفاقم الأزمات الداخلية، خاصة أن الإمارات تملك استثمارات ضخمة في السودان، كما ساهمت الإمارات في العديد من المجالات الاقتصادية والاستثمارات طويلة الأمد، سواء في البنوك أو شركات الاتصالات والأدوية والسيارات وعمليات التنقيب عن الذهب والنقل الجوي والخدمات اللوجستية، إضافة إلى العقارات وتوظيف الآلاف من السودانيين. تأثير وقف الرحلات وقال الخبير الاقتصادي إبراهيم إسماعيل، لـ"العربي الجديد"، إن الإمارات من أهم الدول التي كانت تدعم السودان منذ سبعينيات القرن الماضي، ولها استثمارات كبيرة داخل السودان، وتُعتبر الوجهة الثانية بعد المملكة العربية السعودية التي يقصدها السوداني مغترباً لأجل العمل، وفيها حوالي 300 ألف سوداني و50 ألف طالب سوداني داخل مدارس وجامعات الإمارات، وهو عدد كبير بالفعل ومؤثر في سوق العمل الإماراتي. وأشار إلى أنه لا يوجد رجل أعمال سوداني إلا وله مصالح داخل الجهاز المصرفي الإماراتي، حيث إن تحويلات النقد الأجنبي لعمليات صادرات السودان مرتبطة بالدرهم الإماراتي أكثر من الدولار الأميركي، للالتفاف على العقوبات الأميركية التي ظلت تحاصر النظام المصرفي السوداني منذ العام 1997. هذا بخلاف أن هناك مليوناً ونصف مليون سوداني يعتمدون على تحويلات أبنائهم الذين يعملون في الإمارات. وقال إن الإمارات تُعد من أكبر المستثمرين في السودان، وكانت تمثل شرياناً رئيسياً لدعم السودان في قطاعات حيوية كالموانئ والبنية التحتية والزراعة، وهو ما يجعل القرار محفوفاً بتبعات اقتصادية خطيرة قد تعجّل بانهيار ما تبقّى من مؤسسات الدولة. اقتصاد عربي التحديثات الحية السودان.... مصانع أدوية تستأنف العمل رغم الحرب وأعلنت الحكومة السودانية، في مارس/ آذار الماضي، وقف تصدير الذهب إلى الإمارات، وقال وزير المالية جبريل إبراهيم حينها إنهم ماضون في الترتيب لأسواق بديلة، من بينها قطر وتركيا ومصر والسعودية، ولم توضّح الحكومة، بعد مضي أكثر من ثلاثة أشهر على قرارها، الأسواق البديلة لصادر الذهب، خاصة أن 80% من إنتاج المعدن الأصفر موجهة إلى القطاع الخاص. ولا تزال الحكومة تُصدر الذهب إلى الإمارات بعدما فشلت في إيجاد أسواق بديلة للمعدن الذي يساهم بنحو 50% من قيمة الصادرات السودانية، بما يعادل نحو 2.3 مليار دولار. ويتم تصدير الذهب بنظام الدفع المقدّم، أي يودع المُصدر القيمة الدولارية لصادر الذهب قبل الشحن للخارج. وتعوّل الحكومة على التنقيب عن الذهب من أجل سد الفجوة في الإيرادات الناتجة من فقدانها حوالي 70% من عائدات النفط بعد انفصال دولة الجنوب في العام 2011. ووفقاً لتقارير صادرة عن الأمم المتحدة، فإن الاقتصاد السوداني تراجع بنسبة تصل إلى 42% من جراء الاشتباكات المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ نحو عامين. وقال رئيس شعبة الصاغة وتجار ومُصدري الذهب في السودان، عاطف أحمد، إن دبي تعتبر السوق الرئيسة لتصدير ذهب السودان بفضل إجراءاتها المبسطة وتحويل الأموال المباشر عبر مجلس الذهب العالمي.


العربي الجديد
منذ 4 ساعات
- العربي الجديد
إعادة هيكلة قطاع الطاقة في سورية
يشهد قطاع الطاقة في سورية أزمة حادة نتيجة سنوات الحرب والتدهور الاقتصادي، حيث تضررت البنى التحتية بشكل كبير، وانخفض إنتاج النفط والغاز بشكل ملحوظ. ومع ذلك، تظهر مؤشرات حديثة على تحرّكات حكومية لإعادة تأهيل القطاع، بدعم من استثمارات عربية وأجنبية، وابتكارات في مجال الطاقة والمياه، وسط تحديات اقتصادية معقدة لا تزال تعيق تحقيق التعافي الكامل. وفي تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، كشف مدير الاتصال الحكومي في وزارة الطاقة السورية، أحمد سليمان، أن إعادة هيكلة قطاع الطاقة في سورية تحتاج إلى استثمارات تتجاوز ثلاثة مليارات دولار، منها نحو مليار دولار لإعادة تأهيل المنشآت النفطية التي تعرضت لخسائر كبيرة منذ عام 2011، حيث انخفض إنتاج النفط من 400 ألف برميل يومياً إلى نحو 100 ألف برميل فقط. وأضاف أن هناك خططاً لتطوير الحقول النفطية لاستعادة إنتاجها السابق وتجاوزه بعد استعادة السيطرة الكاملة على المناطق المنتجة. وأشار إلى مذكرة تفاهم حديثة مع أذربيجان تم بموجبها ضخ 3.4 ملايين متر مكعب من الغاز يومياً عبر خط الغاز التركي، بدعم من صندوق قطر للتنمية، ما سيسهم في توليد 700 إلى 800 ميغاواط من الكهرباء. استثمارات في قطاع الطاقة هذا التطور سيسمح بزيادة ساعات تشغيل الكهرباء من 4–5 ساعات إلى حوالي 10 ساعات يومياً، مقابل 14 ساعة تقنين. وبيّن سليمان وجود نحو عشرين حقل غاز في سورية، أغلبها حقول صغيرة الإنتاج، مع استكشافات جديدة وحقل قيد التطوير حالياً. وتطرّق إلى البنية التحتية القديمة التي تشمل خط نفط كان يربط العراق بسواحل المتوسط عبر سورية، مؤكداً أن الخط متهالك ويحتاج إلى استثمارات ضخمة لإعادة تأهيله، وهناك نقاشات مع الجانب العراقي لوضعه ضمن مشاريع استثمارية مستقبلية. وكشف عن دخول استثمارات سعودية قوية إلى السوق السورية، خُصص جزء منها لقطاع الطاقة، مع توقع تنفيذ أكثر من خمسة مشاريع في الفترة المقبلة لتحسين الواقع المعيشي ورفع كفاءة الكهرباء. كما تحدث عن مشروع لتحلية المياه من طرطوس إلى جنوب دمشق، مستفيدين من التجربة السعودية في هذا المجال، باستخدام تقنيات متقدمة ومعايير عالمية. وأضاف أن الإنتاج المحلي من الغاز يصل إلى 6 ملايين متر مكعب يومياً، مع إضافة الغاز الأذربيجاني، وخطط للوصول إلى 12 مليون متر مكعب يومياً. اقتصاد عربي التحديثات الحية قرار مصرف سورية المركزي بحظر الهدايا: ترسيخ الحوكمة وسط ثغرات محتملة وأوضح أن خط الغاز بين تركيا وسورية قادر على استيعاب حتى 6 ملايين متر مكعب يومياً، ما يتيح زيادة الكميات مستقبلاً. أما عن تعرفة الكهرباء، فأشار إلى أنها شبه مجانية حالياً ولا تتجاوز 0.01 سنت للكيلوواط، ما يجعلها غير مجدية اقتصادياً ويعيق صيانة المحطات واستيراد الوقود. وهناك دراسة لإعادة النظر بالتعرفة بما يحقق توازناً بين قدرة المواطن على الدفع وتوفير موارد للوزارة. بدوره، قال الخبير الاقتصادي الدكتور سامر الأيوبي لـ"العربي الجديد" إن قطاع الطاقة يعاني من أزمات مركبة تشمل البنى التحتية المتضررة، والقيود المالية، والعقوبات الدولية، ما يؤثر سلباً على القطاعات الحيوية والحياة اليومية للمواطنين. وأكد الأيوبي أن دخول استثمارات من دول خليجية وأذرية يعزز فرص التعافي، لكن نجاحها مرتبط ببيئة استثمارية مستقرة ومبسطة، فضلاً عن ضرورة تنويع مصادر الطاقة لتشمل المتجددة كالطاقة الشمسية والرياح. وشدد على أن رفع تعرفة الكهرباء يجب أن يتم بحذر مع آليات دعم للشرائح الضعيفة، لتفادي تحميل المواطنين أعباء إضافية في ظل تدهور الوضع الاقتصادي. وتشير بيانات وزارة النفط والثروة المعدنية "سابقاً" إلى أن الخسائر المتراكمة في قطاع النفط والغاز منذ عام 2011 تجاوزت 340 مليار دولار، ما يبرز حجم الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الحيوية للقطاع.