
مسارالنظام العالمي في الرمق الأخير
ومن هذا المنطلق تبرز الصين بوصفها قوة عظمى منافسة، لا تصطدم مع الغرب عسكريًا، وإنما تتغلغل فيه وفي العالم اقتصاديًا عبر استراتيجيات بعيدة المدى بتحالفات ومبادرات مثل مبادرة الحزام والطريق، التي حولت بكين إلى شريك اقتصادي لا بديل سواه عند مئات الدول. وفي المقابل، تجابه واشنطن أزمات داخلية تكشف عن انقسام مجتمعي وسياسي يقيد فاعليتها الدولية، فيما يبدي حلفاؤها التقليديون في أوروبا وآسيا ترددًا متزايدًا في اتباع سياساتها، لا سيما بعد التراجع الأخلاقي والعسكري الأميركي في ملفات مثل فلسطين وأوكرانيا. أما روسيا، فرغم العقوبات الغربية المفروضة عليها، فقد أفلحت في توطيد تحالفاتها مع دول الجَنُوب العالمي، مستثمرة السخط المتنامي من النيوليبرالية الغربية.
وعلى هذا النحو، لم يعد التنافس بين هذه القُوَى محكومًا بقواعد واضحة المعالم كما كان الحال إبان الحرب الباردة، بل صار صراعًا مكشوفًا على النفوذ والمصالح، يُدار في جُلّه عبر حروب بالوكالة وأزمات مصطنعة، مما يزيد من احتمالات انهيار ما تبقى من التوازن الدُّوَليّ الراهن. وفي غمرة هذا التشرذم، تتصاعد الأزمات الإقليمية لتتحول إلى تهديدات كونية. فالصراع الكامن بين الهند وباكستان النوويتين، والتوترات المتجددة مع إيران، والعدوان الإسرائيلي المتواصل على الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين، جميعها شواهد على أن العالم لم يعد يمتلك آلية فاعلة لدرء الحروب أو حماية المدنيين. ففي غزة، على سبيل المثال المؤلم، تحولت إسرائيل إلى نموذج فاضح للإفلات من العقاب، مدعومة من الغرب ومحمية بفيتو أميركي في مجلس الأمن، فيمَا يقف المجتمع الدُّوَليّ عاجزًا حتى عن إدانة المجازر التي تجاوز ضحاياها ستين ألفًا. كما كشفت الحرب في أوكرانيا هشاشة النظام الأمني الأوروبي، وأظهرت الأزمات في أفريقيا والشرق الأوسط عجز الأمم المتحدة عن تقديم حلول جذرية، بل إنها باتت أحيانًا أداة لإضفاء الشرعية على التدخلات الانتقائية.
ولا تقتصر مظاهر تقوض النظام العالمي على الصراعات المسلحة، بل تمتد إلى الحقل الاقتصادي والأمن الغذائي وملفات إنسانية وتنموية أخرى، حيث تكابد الدول النامية تبعات التضخم وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، لتتسع الهوة بين الشمال والجنوب.
وعند هذا المفترق التاريخي يبدو أن العالم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن يشهد ميلاد نظام دوليّ جديد أكثر عدالة وتعددية، مؤسس على احترام الحقوق، وإما أن يغرق في فوضى متصاعدة تتحمل الشعوب الضعيفة وزرها. وفي ظل غياب رؤية عالمية إنسانية مشتركة، يظل السؤال الأكثر إلحاحًا: هل بالإمكان إنقاذ ما تبقى من النظام العالمي قبل انهياره التام، أم أن البشرية مقبلة على عهد جديد من الفوضى، حيث لا رابح سوى من يملك القوة لفرض إرادته على الآخرين؟
مسارات
قال ومضى:
إذا غابت الهِمّة... استحال صعود القِمّة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة سبق
منذ 8 دقائق
- صحيفة سبق
حملة ترمب ضد الهجرة غير النظامية تثير مخاوف حول الأمن الغذائي الأميركي
أثارت الحملة الأمنية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضد المهاجرين غير النظاميين قلقًا متزايدًا في الأوساط الزراعية، وسط تحذيرات من تأثيراتها العميقة على الأمن الغذائي وسلاسل الإمداد. وقالت المزارعة ليزا تايت من مقاطعة فينتورا بولاية كاليفورنيا، التي تعمل عائلتها بالزراعة منذ عام 1876، إن المداهمات التي ينفذها عناصر حرس الحدود في المزارع «تهدد الاقتصاد بأكمله» وتؤثر على شبكة واسعة من العاملين في الحقول وسائقي الشاحنات ومراكز التعبئة والمبيعات. وأكدت أن الجميع يشعرون بالخوف حتى ملاك المزارع الأميركيين أنفسهم. ويعاني القطاع الزراعي الأميركي منذ سنوات من نقص مزمن في العمالة، حيث تشير بيانات وزارة الزراعة إلى أن نحو 42% من العاملين في الزراعة يفتقرون إلى تصاريح عمل رسمية. ومع ارتفاع أعداد العمال الموسميين المعتمدين بثلاثة أضعاف خلال العقد الماضي، بات المزارعون يعتمدون بشكل متزايد على العمالة الأجنبية لتغطية المهام الشاقة التي يرفضها معظم المواطنين الأميركيين. وقال ميغيل، أحد عمال المزارع في جنوب كاليفورنيا، إنه رغم عمله في الزراعة لثلاثة عقود: «مع طريقة تحرك الحكومة حالياً، سيكون الجميع خاسراً… العمال يخسرون وظائفهم، وأصحاب المزارع يخسرون عمالهم، والولايات المتحدة تخسر إنتاجها الغذائي». وتحذّر تايت وآخرون من أن استمرار هذه السياسة سيؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وربما لجوء الولايات المتحدة إلى استيراد منتجات كانت تنتجها داخليًا لعقود. وطالبت بتشريع جديد يوازن بين حماية العمال وتأمين احتياجات السوق، قائلة: «نحتاج إلى برنامج يضمن سلامة العمال ويحقق عدالة في التجارة الدولية ويلبي احتياجاتنا المحلية».


عكاظ
منذ 17 دقائق
- عكاظ
لأسباب أمنية.. روسيا تُلغي عرضاً بحرياً بمناسبة «يوم الأسطول»
أعلنت السلطات الروسية إلغاء العرض البحري السنوي الكبير، الذي كان من المقرر إقامته في مدينة سان بطرسبرغ بمناسبة «يوم الأسطول الروسي»، والذي يصادف الأحد الأخير من شهر يوليو من كل عام، وأرجعت السلطات هذا القرار إلى «أسباب أمنية». ولم تكشف السلطات الروسية تفاصيل محددة حول التهديدات المحتملة، وسط تصاعد التوترات في ظل الحرب المستمرة مع أوكرانيا، وهو القرار الذي بعد هجوم بطائرات مسيرة أوكرانية على منطقة قريبة من سان بطرسبرغ، مما أدى إلى إصابة امرأة وتعطيل حركة الطيران في مطار بولكوفو. وأعلنت السلطات المحلية في سان بطرسبرغ إلغاء العرض، الذي كان من المقرر أن يشمل عرض السفن الحربية والغواصات، إضافة إلى عروض جوية وعروض للقوارب الشراعية والمراكب الآلية. وفي البداية، أشار بيان لجنة النقل في المدينة إلى إلغاء الألعاب النارية والعرض الرئيسي، لكن البيان تم تعديله لاحقاً ليوضح أن وزارة الدفاع هي الجهة المسؤولة عن تنظيم الحدث. وأفادت مصادر محلية، أن العرض كان من المقرر أن يُستبدل بمراسم وضع أكاليل الزهور واحتفالات محدودة في ساحة القصر بسان بطرسبرغ، ولم توضح السلطات طبيعة التهديدات الأمنية، لكن التوقيت يتزامن مع تصاعد الهجمات الأوكرانية على الأهداف الروسية، بما في ذلك العمليات البحرية في البحر الأسود، مما أثار تساؤلات حول التحديات الأمنية الداخلية التي تواجهها روسيا. ويُعد يوم الأسطول الروسي، الذي أعيد إحياؤه في عام 2017 بقرار من الرئيس فلاديمير بوتين، مناسبة رئيسية لعرض القوة البحرية الروسية، ويُقام العرض الرئيسي عادةً في مدينة سان بطرسبرغ الساحلية، حيث تُعرض السفن الحربية والغواصات والطائرات البحرية في استعراض مهيب يحضره كبار المسؤولين، بما في ذلك الرئيس بوتين في معظم الأحيان. ويهدف الحدث إلى إبراز قوة البحرية الروسية وتعزيز الروح الوطنية، إضافة إلى إرسال رسائل سياسية وعسكرية إلى المجتمع الدولي، وفي السنوات الأخيرة، اكتسب العرض أهمية رمزية متزايدة في ظل التوترات المتفاقمة مع الغرب، خصوصاً بعد ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014 وتفاقم الصراع مع أوكرانيا منذ الغزو الروسي الشامل في فبراير 2022. ووفقاً لتقارير، فإن قرار الإلغاء هذا العام جاء بعد تحذيرات من أجهزة الأمن الروسية بشأن هجمات محتملة على السفن المشاركة في العرض. في عام 2024، تم إلغاء جزء من العرض في مدينة كرونشتات القريبة من سان بطرسبرغ لأسباب مماثلة، مما يعكس تصاعد المخاوف الأمنية، كما أفادت وزارة الدفاع الروسية بإسقاط 100 طائرة مسيّرة أوكرانية ليلة الأحد، منها 10 بالقرب من سان بطرسبرغ، مما تسبب في اضطرابات في مطار بولكوفو وإصابة مدنية. أخبار ذات صلة


الشرق السعودية
منذ 18 دقائق
- الشرق السعودية
قرار ترمب الجديد يهدد مبدأ المواطنة بالولادة في أميركا
تمنح أميركا الجنسية تلقائياً لكل من وُلد على أراضيها وفق التعديل الرابع عشر للدستور، لكن ترمب سعى لإلغاء هذا الحق عن أبناء المهاجرين غير الشرعيين بأمر تنفيذي عام 2025، ما أثار جدلاً دستورياً واسعاً حول مدى مشروعية القرار وإمكانية تغييره دون تعديل دستوري.