logo
اليوم التالي للتهجير

اليوم التالي للتهجير

البيانمنذ 3 أيام

يعود الحضور الأول للجالية اليهودية في فرنسا، التي تقدر راهناً بنحو نصف مليون نسمة، إلى العهد الروماني قبل أكثر من ألفي عام، وإذا نحينا جانباً بعض التفاصيل وجدنا أنه تم الاعتراف باليهود كونهم فرنسيين متساوين، ولهم كل حقوق المواطنة عام 1791، أي بعد عامين فقط من الثورة الفرنسية، وبذلك انتقلوا من يهود يعيشون في فرنسا إلى فرنسيين يدينون باليهودية.
هذا الوجود الموغل في القدم، والمتغلغل في كل تضاعيف المجتمع، في دولة رائدة لجهة طقوس العلمانية وشعارات الإخاء والحرية والمساواة والتعلق بالمثل الديمقراطية، لم يشفع لأبناء هذه الجالية كي يعيشوا بمفازة من القلق والتوتر، وعدم الارتياح والتوجس والخوف من مباغتات ومضايقات عدائية، مصدرها أصولهم العرقية، ومعتقداتهم الدينية المختلفة.
في تحقيق أجري مؤخراً بالخصوص ذكرت عناصر من هذه الجالية أنهم «يحاولون التمويه على يهوديتهم، وإنكار صلتهم بإسرائيل ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. وتتجه عائلات متزايدة منهم لسحب أبنائهم من المدارس العامة، بسبب تعرضهم للشتم، وأحياناً للعنف الجسدي، كما أنهم يفضلون الانتقال إلى مناطق ريفية، لأن المدن تعد خطيرة بالنسبة لهم».
يستسهل بعض المعنيين بتحري مدارات حياة الجماعات اليهودية تعليق هذا المشهد البغيض على شماعة ما يعرف بالعداء للسامية، وبالقدر ذاته من الاستسهال ينسب هؤلاء ما يحدث من تباغض تجاه جاليات أخرى إلى الفوارق والتمايزات في الدين أو لون البشرة أو المنابع الجهوية، ومن هنا تشيع مصطلحات من قبيل الإسلاموفوبيا والأفروفوبيا والآسيوفوبيا.
ليس هنا مقام وضع هذه المصطلحات تحت مبضع استبيان مدى صحتها أو منطقيتها من عدمه. ما يعنينا أنها موجودة بدرجات متفاوتة من الفعالية والتأثير، بين ظهراني معظم مجتمعات عالم الغرب، ولنا أن نفهم من ذلك كيف أن الأمم والشعوب تملك ذاكرة صلبة، تختزن فيها منظورات ومقاربات بعينها للذات وللآخر. ومع إدراكنا لأهمية الأطر القانونية والأخلاقية والثقافية في محاربة الجوانب الكريهة من هذا المخزون، تلك التي تتوفر أكثر في الدول «الديمقراطية»، التي تجرّم وتحرّم التمييز بكل أنماطه بين المواطنين، إلا أننا نلاحظ فشل هذه الأطر والمحددات في عمليات الضبط والتحكم، وصولاً إلى احتمال وقوع صدامات واصطكاكات بين الجماعات في لحظات فارقة بعينها.
كأن مفهوم المواطنة بكل إشعاعاته وتجلياته الحقوقية والثقافية لا يكفي لمنع هذا الاحتمال حتى في أعتى الديمقراطيات. وفي بعض النماذج لا تخفي الجماعة المسيطرة انحيازها ضد شريحة بعينها، ضاربة بقيم المواطنة وفروضها عرض الحائط. لنتأمل بهذا الخصوص تعامل إسرائيل الدولة مع مواطنيها من فلسطينيي 48.
نستحضر هذه التعميمات، ونجادل بصدقيتها، بالنسبة للمجتمعات الراسخة في كينونتها الدولية، والتي يفترض أن جماعاتها تعايشت تحت مظلة الوطن والمواطنة لحقب ممتدة، بمعنى أن هذا التعايش بتفاعلاته وتشبيكاته ومظلته لم ولا يشكل ضمانة نهائية لعدم إطلال الصدوع والمشاحنات بين هذه الجماعات ذاتها، ومن المؤكد أن تتجلى نوازع التميز والكراهية أكثر فأكثر من جانب هذه الجماعات معاً، بحق الوافدين من خارج الدائرة الوطنية أوالقومية، كاللاجئين والمهاجرين «الأجانب». ولسنا بحاجة هنا للإشارة إلى الشواهد التي تتوالى على تفاقم هذه الظاهرة، وانجراف أو انحراف قطاعات شعبية وسياسية إليها، بين يدي ما يعرف بتنامي الأحاسيس الشوفينية الشعبوية في معظم بلاد «العالم الحر».
ترى، والمشهد الدولي على هذا النحو، كيف يجيز البعض لأنفسهم طرح خيار تهجير أبناء الأرومة الفلسطينية، من غزة أوغيرها، ونقلهم إلى مواطن أخرى ؟! لا نتحدث هنا فقط عن العيوب الحقوقية، التي تجعل من عمليات الاقتلاع والتهجير قسراً في الظاهر والباطن، أو طوعاً في الظاهر وقسراً في الباطن، جريمة حقوقية وإنسانية تاريخية مكتملة الأركان، توجب إحالة مقترفيها إلى المحاكم الدولية، أو إلى مصحات الأمراض العقلية، إنما يشغلنا أيضاً وبصفة إجرائية، عدم اكتراث أصحاب هذا الخيار القميء، بتوابع الجرأة على تنفيذ هذه الجريمة، على صعد فلسفية أعمق.
الفلسطيني المهجر سيحمل معه الحنين لجذور هويته ومفردات ثقافته الوطنية الأولى أينما كان، لا سيما أنه لن يلقى العزة والأريحية في المجتمعات، التي يساق إليها بالسيف. كيف لا يحدث هذا، وقد راحت بعض أرسخ هذه المجتمعات على صراط الديمقراطية، وحقوق الإنسان تتأفف، من المختلفين داخلها لسبب أو آخر، رغم اندماج الكل فيها على قاعدة الوطن والمواطنة مئات السنين ؟!
تروي إحدى المواطنات الفرنسيات اليهوديات أنها ووجهت ذات مرة بمواطنة فرنسية كاثوليكية تصيح في وجهها «لماذا لا تعودي إلى تل أبيب ؟!». هذه الواقعة التي تتعلق في الأصل بمواطنتين فرنسيتين كابراً عن كابر، مرشحة بقوة للتكرار مع الفلسطيني، الذي سيكون حديث عهد باللجوء أو الهجرة أوالاستضافة أو حتى المواطنة، في أي بلد يسوقه قدر التهجير إليه.
وبالمناسبة فإن على المروجين لفكرة أن المهجرين الفلسطينيين إلى الرحاب الإقليمية سيحظون بمعاملة أو كرم استثنائيين بوصفهم «عرباً بين عرب»، إعادة حساباتهم. أدبيات اللجوء الفلسطيني منذ 1948، والشواهد التاريخية والوقائع المنظورة، تتعارض مع هذا التصور إلى أبعد الحدود، ندفع بذلك، وفي الفم ماء كثير.
mohamedalazzar@hotmail.com
د. محمد خالد الأزعر

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

دعوات في ألمانيا لإعادة فرض التجنيد الإجباري في الجيش
دعوات في ألمانيا لإعادة فرض التجنيد الإجباري في الجيش

الإمارات اليوم

timeمنذ ساعة واحدة

  • الإمارات اليوم

دعوات في ألمانيا لإعادة فرض التجنيد الإجباري في الجيش

دعا رئيس رابطة الجيش الألماني، أندريه فوستنر، إلى إعادة فرض التجنيد الإجباري لمواجهة المتطلبات الدفاعية الجديدة لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، والتي تستلزم إضافة ما يصل إلى 60 ألف جندي نشط إلى قوام الجيش الألماني. وأعرب فوستنر، في مقابلة مع إذاعة "دويتشلند فونك" أوردتها وكالة الأنباء الألمانية اليوم، عن شكوكه في إمكانية تحقيق هذا الهدف الضخم عبر التطوع وحده، مطالبا الائتلاف الحكومي بتمهيد الطريق لعودة محتملة للتجنيد. وكان وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، أكد حاجة الجيش لهذا العدد الإضافي من القوات. وشدد الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، على أن "الحلف بحاجة إلى المزيد من القوات والقدرات لتنفيذ خططه الدفاعية بالكامل"، محدداً أولويات تتمثل في الدفاع الجوي والصاروخي، والأسلحة بعيدة المدى، ووحدات كبيرة من القوات البرية.

روسيا: يمكن إعادة أو استخدام وقود أميركا النووي في زابوريجيا
روسيا: يمكن إعادة أو استخدام وقود أميركا النووي في زابوريجيا

سكاي نيوز عربية

timeمنذ ساعة واحدة

  • سكاي نيوز عربية

روسيا: يمكن إعادة أو استخدام وقود أميركا النووي في زابوريجيا

وأضاف ليخاتشوف أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية يمكن أن تضطلع بدور الوساطة لحل هذه المسألة الحساسة، مشيراً إلى أن الجانبين يبحثان آليات محتملة للتعامل مع هذا الملف. وجاءت هذه التصريحات عقب لقاء جمع ليخاتشوف بالمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي ، الذي قال بدوره في تصريحات تلفزيونية إن الوكالة، التابعة للأمم المتحدة، مستعدة للقيام بدور الوسيط لتيسير معالجة الوضع في محطة زابوريجيا ، التي تُعد الأكبر من نوعها في أوروبا. زابوريجيا تحت السيطرة الروسية ومصدر قلق دولي تقع محطة زابوريجيا النووية جنوب شرق أوكرانيا ، وهي أكبر منشأة نووية في أوروبا، وتضم ستة مفاعلات نووية. ومنذ مارس 2022، تخضع المحطة لسيطرة القوات الروسية، رغم أنها لا تزال مملوكة من الناحية القانونية لشركة " إنيرغوأتوم" الأوكرانية. وكانت شركة " ويستنغهاوس" الأميركية قد بدأت في تزويد أوكرانيا بالوقود النووي منذ عام 2014 كجزء من مساعي كييف لتقليص اعتمادها على الوقود الروسي، وتم تزويد بعض مفاعلات زابوريجيا بالفعل بوقود أميركي قبل اندلاع الحرب. لكن سيطرة روسيا على المحطة خلقت وضعاً غير مسبوق من الناحية التقنية واللوجستية، حيث بات الوقود الأميركي تحت إشراف روسي، ما يثير تساؤلات حول المسؤولية القانونية وسلامة تشغيل المفاعلات. مخاوف أمنية وتوترات مستمرة حول الموقع وقد حذّرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مراراً من مخاطر محتملة على سلامة المحطة في ظل القصف المتبادل بالقرب منها، وحثت الجانبين الروسي والأوكراني على ضمان عدم تعريضها لأعمال عسكرية. ويقوم خبراء من الوكالة حالياً بزيارات دورية للمحطة لمراقبة وضعها الفني وضمان التزامها بالمعايير الدولية للسلامة النووية. وفي تقريرها الصادر في مايو 2024، أكدت الوكالة وجود مستويات مقبولة من الإشراف الفني داخل المنشأة، لكنها أبدت قلقاً من استمرار الوجود العسكري وتأثيره على بيئة العمل وعمليات الصيانة. البُعد السياسي للمقترح الروسي يشير مقترح "روساتوم" باستخدام الوقود الأميركي أو إعادته إلى واشنطن إلى محاولة لتقليل المخاطر السياسية والتقنية المرتبطة بالمحطة، وقد يمهد لمزيد من التعاون الفني بين الأطراف المعنية. ومع ذلك، تبقى الخطوة مرهونة بموافقة الجانب الأميركي والأوكراني، كما تعتمد على صيغة توافقية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ويأتي هذا التطور في وقت تتزايد فيه المخاوف من استخدام المواقع النووية كورقة تفاوض في النزاع الروسي الأوكراني. وفي وقت سابق، أكدت تقارير لوكالة "رويترز" و"نيويورك تايمز" أن البنية التحتية النووية في أوكرانيا باتت من أبرز بؤر القلق في النزاع، خصوصاً بعد تكرار الاتهامات المتبادلة حول استهداف منشآت محيطة بمحطة زابوريجيا.

إسرائيل تمنع الجيش اللبناني من تفتيش موقع في بيروت قبل قصفه
إسرائيل تمنع الجيش اللبناني من تفتيش موقع في بيروت قبل قصفه

صحيفة الخليج

timeمنذ 2 ساعات

  • صحيفة الخليج

إسرائيل تمنع الجيش اللبناني من تفتيش موقع في بيروت قبل قصفه

بيروت ـ (أ ف ب) قال مسؤول عسكري لبناني الجمعة: «إن إسرائيل حالت دون قيام الجيش بتفتيش موقع في الضاحية الجنوبية لبيروت قبل قصفه ليل الخميس». وشنّت إسرائيل غارات على الضاحية الجنوبية التي تعد معقلاً للحزب، للمرة الرابعة منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين حيّز التنفيذ أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني، بعد نزاع امتد لأكثر من عام على خلفية الحرب في غزة. أهداف تابعة لحزب الله وأكّد الجيش الإسرائيلي ضرب أهداف تابعة لـ«الوحدة الجوية» في حزب الله خصوصاً منشآت لإنتاج الطائرات المسيّرة، بعدما أصدر المتحدث باسمه إنذاراً بإخلاء محيط مبانٍ في الضاحية تمهيداً لقصفها. رسالة إسرائيلية وقال المسؤول العسكري اللبناني: «أرسل الإسرائيليون خلال النهار رسالة مفادها أن هناك هدفاً في الضاحية الجنوبية لبيروت يستفسرون عنه للاشتباه بأنه قد يحتوي أسلحة». وأضاف: «استطلع الجيش اللبناني المكان الذي كان مشروع أبنية مدمرة ورد الجيش عبر الميكانيزم (آلية وقف إطلاق النار ولجنة الإشراف على تطبيقه) بأن المكان لا يحتوي على شيء». وفي حين أشار إلى أن الإسرائيليين لم يبعثوا بأي رسالة عبر لجنة الإشراف بشأن المواقع التي يعتزمون استهدافها خلال الليل، أوضح: «عندما انتشر بيان المتحدث الإسرائيلي بأمر الإخلاء، حاول الجيش اللبناني أن يتجه إلى أول موقع أشار إليه لكن ضربات إسرائيلية تحذيرية حالت دون أن يكمل الجيش اللبناني مهمته». وتضم اللجنة لبنان وإسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا وقوة الأمم المتحدة الموقتة في جنوب لبنان (يونيفيل) وتتولى مراقبة تطبيق وقف إطلاق النار الساري بين إسرائيل وحزب الله منذ أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني. وحذّر الجيش اللبناني في بيان الجمعة من أن «إمعان إسرائيل في خرق الاتفاقية ورفضه التجاوب مع لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية، ما هو إلا إضعاف لدور اللجنة والجيش ومن شأنه أن يدفع المؤسسة العسكرية إلى تجميد التعاون مع لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية».

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store