logo
«مستقبـل البيتكـويـن»  هل سيعيد التاريخ أزماته بأدوات رقمية مشفّرة؟

«مستقبـل البيتكـويـن» هل سيعيد التاريخ أزماته بأدوات رقمية مشفّرة؟

الرياضمنذ 4 أيام
لقد دخلنا مرحلة جديدة من التاريخ المالي العالمي، تتشابك فيها المضاربة في السوق المشفرة مع السياسات العامة والنفوذ السياسي، لدرجة تجعل من الصعب التمييز بين الابتكار الحقيقي والمخاطر المقنّعة، خاصة بعد خطوة بنك «جي بي مورجان» نحو إقراض العملاء مقابل حيازاتهم من العملات المشفرة، فرغم أن هذا قد يبدو كجزء من تطور طبيعي لدمج الأصول المشفرة بالاقتصاد الحقيقي، إلا أنه، تكرار لنمط تاريخي مرعب من تهاون تنظيمي ينتهي بأزمات مالية ذات طابع كارثي. وتقول، رانيا جول، كبير محللي الأسواق في XS.com- بمنطقة الشرق: «ببساطة البيتكوين ليس أصلاً يمكن التعويل عليه في إطار مالي تقليدي، بتقلب يتجاوز أربعة أضعاف المؤشرات الكبرى، وعدم ارتباطه بأي إنتاج فعلي أو قيمة جوهرية، يصبح من الصعب تبريره كأداة للإقراض المؤسسي. والأسوأ من ذلك هو ارتباط العملات المشفرة بتمويل الإرهاب، والجريمة الإلكترونية، وتجاوز القوانين، دون أن يكون هناك حافز حقيقي للجهات السياسية لوضع حد لذلك، ففي الوقت الذي كان من المفترض أن تكون الجهات التنظيمية حازمة، اخترقت جماعات الضغط المشهد السياسي بقوة المال، مُنفقة عشرات الملايين من الدولارات لضمان تمرير قانون «جينيوس»، وهو تشريع يبدو في ظاهره تنظيمياً، لكنه في جوهره تفكيكٌ آخر للنظام المالي لصالح فئة ضيقة من المضاربين.
وبرأيي التاريخ يعيد نفسه بطريقة لا تخطئ. فما جرى عام 2000 مع تحرير المشتقات المالية خارج البورصة، والذي قاد في النهاية إلى أزمة 2008 عبر مقايضات الائتمان، يبدو كالمخطط المكرر نفسه الذي نشهده اليوم مع العملات المستقرة والبيتكوين، لكن الفارق هو أن الأداة الجديدة -العملات المشفرة- أكثر هشاشة وتطرفًا في تقلباتها من أي منتج مالي سابق، وعندما يُتوقع أن ينمو سوق العملات المستقرة من 200 مليار دولار إلى 2 تريليون، وفقاً لتقديرات وزير الخزانة الأميركي، فإن هذا لا يعكس نمواً صحياً بل فقاعة تتضخم وسط غياب الحذر التنظيمي. والمشكلة الأكبر أن التشريع الجديد -تماماً مثل سابقيه- لا يحمي الاقتصاد الكلي، بل يخلق انطباعاً زائفاً بالأمان، الادعاء بأن العملات المستقرة مدعومة بنسبة 1:1 بالدولار الأميركي لا يعالج جذور التقلب أو يقي النظام المالي من الانهيار عند أول صدمة، فنحن لا نتعامل هنا مع أصل استثماري تقليدي يمكن التنبؤ بسلوكه، بل مع أداة ذات «معامل بيتا» مرتفع جداً أي أنها لا تتحرك بشكل منفصل عن السوق، بل بشكل مضاعف لها. فبيتكوين، على سبيل المثال، يمتلك معامل بيتا يبلغ 2.6 مقارنة بمؤشر ستاندرد آند بورز، ما يعني أن أي هزة في الأسواق التقليدية ستنعكس بصورة أكبر على قيمة العملات المشفرة. وفي ظل ضبابية السياسة النقدية واحتمالات ارتفاع التضخم مجددًا، فإن أي تحرك من الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة قد يؤدي إلى انهيارات حادة في السوق، وهذا لا يهدد فقط المستثمرين الأفراد، بل يطال المؤسسات المالية – خاصة تلك التي باتت تحتفظ بأصول مشفرة في ميزانياتها العمومية. والتهديد هنا لا يتعلق فقط بالخسائر، بل بإمكانية تجميد أسواق الائتمان وخلق ذعر مالي لا يختلف في طبيعته عن أزمة 2008، لكنه يأتي هذه المرة في ثوب رقمي.
ثم يأتي الخطر الهيكلي الأكبر: التأثير المحتمل على سوق سندات الخزانة الأميركية. في لحظة أزمة، قد تضطر شركات العملات المشفرة إلى بيع كميات ضخمة من السندات لتغطية عمليات الاسترداد، مما يخلق دوامة هبوط في أسعار السندات، ويرفع من تكاليف الاقتراض الحكومية. عندها ستُفرض ضغوط على الحكومة الأميركية، مرة أخرى، لإنقاذ المؤسسات المالية – ولكن هذه المرة لإنقاذ المضاربين في عالم رقمي لا تحكمه قواعد واقعية أو رقابة صارمة. وفي هذه اللحظة، ندخل مرحلة الاضطراب السياسي الحقيقي. وهو أحد أخطر تجليات هذه الأزمة المحتملة ويتمثل في انعدام ثقة المواطنين بالنظام الاقتصادي والسياسي السائد. فلقد أسهم تحرير الأسواق في التسعينيات، ثم أزمة 2008، في تفكيك العقد الاجتماعي بين الدولة والطبقة الوسطى، مما مهّد لصعود الشعبوية السياسية – من بينها ظاهرة ترامب. واليوم، نكرر الخطأ ذاته، عبر دعم تشريع مثل «قانون جينيوس»، الذي يحظى بتأييد الحزبين، ويأتي في وقت تتآكل فيه ثقة المواطن بالديمقراطية. وليس من قبيل الصدفة أن يشارك إريك ترامب كمتحدث رئيس في مؤتمرBitcoin Asia 2025. لإن انخراط هذه الرموز السياسية في ترويج العملات المشفرة ليس فقط جزءًا من استراتيجية انتخابية، بل دليل على توظيف الأدوات المالية عالية المخاطر كسلاح سياسي لتعبئة الغضب الشعبي، والتشكيك بالنظام القائم. ونحن نعلم أن الفوضى الاقتصادية هي الأرض الخصبة الأكثر مثالية لصعود الشعبوية، وهو ما يهدد ليس فقط الاقتصاد الأميركي، بل النظام المالي العالمي ككل. ولقد تجاوزت العملات المشفرة كونها أداة مالية إلى كونها أداة سياسية وثقافية وفكرية، ومع توسع دعمها المؤسسي في آسيا، وتحوّلها إلى جزء من استراتيجيات الشركات الكبرى، كما نرى في هونغ كونغ واليابان، فإن خطر انهيارها لم يعد مقتصرًا على الولايات المتحدة فقط. بل أصبح انهيارًا عالميًا محتملاً، سيطال البنوك، والشركات، والحكومات، وحتى ثقة الناس بالمال ذاته.
ومن وجهة نظري، الوقت ما زال متاحًا لاتخاذ خطوات تصحيحية. لكن ما نحتاجه ليس فقط تنظيمًا ماليًا صارمًا، بل إرادة سياسية لوقف اندماج الابتكار غير الناضج مع رأس المال السياسي. فلا توجد عملة -مشفرة أو ورقية- يمكنها أن تُقيم اقتصادًا ما لم تكن مبنية على أساس من الشفافية والمساءلة، أما إذا استمررنا في هذا الاتجاه، فإن السؤال لن يكون ما إذا كنا سنواجه أزمة، بل متى.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ما دور الجهات الرقابية في تعزيز المنافسة العادلة؟.. أكاديمي يوضح
ما دور الجهات الرقابية في تعزيز المنافسة العادلة؟.. أكاديمي يوضح

صحيفة عاجل

timeمنذ 26 دقائق

  • صحيفة عاجل

ما دور الجهات الرقابية في تعزيز المنافسة العادلة؟.. أكاديمي يوضح

فريق التحرير أوضح أستاذ الإدارة الدولية في جامعة الملك فيصل، محمد القحطاني، دور الجهات الرقابية في تعزيز المنافسة العادلة في المملكة، وانعكاس ذلك على المناخ الاستثماري. وأضاف «القحطاني»، بمداخلة لـ «الشرق بلومبيرج»، أننا ندخل عصرا جديدا في ظل رؤية المملكة 2030، ونعمل في بيئة تنافسية شفافة وعادلة أدت إلى تحسين المنتجات والتنافس على مستوى أسعار المنتجات والخدمات. وأكمل، أن الاقتصاد السعودي به فرص كثيرة مما يجذب استثمارات أجنبية تضيف إليه قيمة، فضلا عن الاهتمام الكبير بمراقبة السوق والاقتصاد السعودي الذي أصبح تحت المجهر، وبه أكثر من 1.5 مليون شركة. ما هو دور الجهات الرقابية في تعزيز المنافسة العادلة في #السعودية ، وانعكاس ذلك على المناخ الاستثماري؟.. أستاذ الإدارة الدولية في جامعة الملك فيصل، محمد القحطاني يُجيب لـ"الشرق" @DrMDMQ @SaharElMizari #أسواق_الشرق #اقتصاد_الشرق — اقتصاد الشرق - السعودية (@AsharqbKSA) August 4, 2025

حكومة نتنياهو تصوت لإقالة المدعية العامة
حكومة نتنياهو تصوت لإقالة المدعية العامة

الشرق الأوسط

timeمنذ 26 دقائق

  • الشرق الأوسط

حكومة نتنياهو تصوت لإقالة المدعية العامة

صوتت الحكومة الإسرائيلية اليمينية، الاثنين، لصالح إقالة جالي بهاراف ميارا من منصبها كمدعية عامة، مشيرة إلى عدم الثقة في قدرتها على أداء واجبات الوظيفة. وذكرت وسائل الإعلام المحلية أنه تم اتخاذ القرار بالإجماع، على الرغم من أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لم يشارك في التصويت. ومن المتوقع أن تراجع المحكمة العليا عملية الإقالة، ويتوقع العديد من المراقبين أن يتم إلغاؤها. ويلعب المدعي العام دوراً حاسماً في الإشراف على شرعية الإجراءات الحكومية، وقد اختلفت بهاراف ميارا في كثير من الأحيان مع نتنياهو حول إجراءات اعتبرتها غير قانونية.

ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء الكويتي يستعرضان سبل تعزيز التعاون الثنائي
ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء الكويتي يستعرضان سبل تعزيز التعاون الثنائي

الشرق الأوسط

timeمنذ 26 دقائق

  • الشرق الأوسط

ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء الكويتي يستعرضان سبل تعزيز التعاون الثنائي

استعرض الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، مع الشيخ أحمد عبد الله الأحمد الصباح، رئيس مجلس الوزراء الكويتي، الاثنين، العلاقات التاريخية بين البلدين، وأوجه التعاون الثنائي وسبل تعزيزه وتطويره في مختلف المجالات. جاء ذلك خلال استقبال ولي العهد السعودي في قصر نيوم، رئيس الوزراء الكويتي؛ حيث تبادلا الأحاديث حول عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك. حضر الاستقبال من الجانب السعودي، الأمير سلطان بن سعد بن خالد، سفير السعودية لدى الكويت، والأمير تركي بن محمد بن فهد بن عبد العزيز، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء، وهندي السحيمي، مساعد وزير المالية، ويزيد الحميد، نائب المحافظ رئيس الإدارة العامة للاستثمار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في صندوق الاستثمارات العامة. وحضر من الجانب الكويتي، الشيخ مشعل جابر الأحمد الصباح المدير العام لهيئة تشجيع الاستثمار المباشر، والشيخ سعود بن سالم عبد العزيز الصباح العضو المنتدب للهيئة العامة للاستثمار.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store