
روسيا تتهم أوروبا بممارسات عسكرية عدوانية وتلمح مجددا للخيار النووي
المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، اتهم الدول الأوروبية اليوم الأربعاء بإنفاق مبالغ طائلة على الأسلحة لتأجيج الحرب في أوكرانيا، ونقلت عن وكالات أنباء روسية قوله إن "من الصعب جدا بالتأكيد التنبؤ بأي شيء في ظل هذه الحالة الانفعالية، التي تكاد تكون لاعقلانية، التي تسود القارة الأوروبية".
كما أشار بيسكوف إلى العقيدة النووية لروسيا التي تم تعديلها مؤخرا، وتنص على أن مجرد "تحريض" الدول غير النووية على اتخاذ إجراءات عدائية ضد روسيا من جانب القوى النووية يعد عملا عدوانيا.
وقال المتحدث باسم الكرملين أن روسيا تدعو جميع الأطراف إلى "ممارسة الضغط على أوكرانيا"، من أجل الدفع نحو جولة جديدة من المفاوضات لوقف الحرب الدائرة بين البلدين.
وساطة ترامب
ونقلت وكالة أنباء "سبوتنيك" الروسية عن بيسكوف قوله للصحفيين: "ندعو الجميع للقيام بذلك. وفي هذه الحالة، فإن الجهود الرئيسية هي جهود الوساطة التي تبذلها الولايات المتحدة، الرئيس (الأميركي دونالد) ترامب وفريقه. قد صدر العديد من التصريحات، وعبر الكثير منها عن خيبة الأمل. بالطبع، نأمل أن يمارس الضغط بالتوازي مع ذلك على الجانب الأوكراني (لمواصلة المفاوضات)".
وكان بيسكوف قد صرح، في وقت سابق بأن روسيا لا تزال مستعدة لجولة ثالثة من المفاوضات مع أوكرانيا، ولم تتلق بعد أي مقترحات من كييف لعقد اجتماع.
وأضاف بيسكوف، ردا على سؤال صحفي بشأن تقييم الكرملين لقرار الرئيس ترامب بيع أسلحة إلى أوروبا لتوريدها إلى أوكرانيا: "إنها مسألة تجارية. كانت هناك إمدادات من قبل. لم يوقفها أحد. المسألة ببساطة هي من يدفع ثمنها"، بحسب "سبوتنيك".
خلافات في أوروبا
وأشار بيسكوف إلى أن "الكرملين يراقب عن كثب جميع التصريحات المتعلقة بتوريد الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا، وأن هذا الموضوع يتصدر جدول الأعمال"، مؤكدا أنه "ستكون هناك خلافات في أوروبا حول من سيدفع ثمن إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا".
وتابع: "حتى الآن، نرى أن الأوروبيين يظهرون نزعة عسكرية متطرفة، ويعلنون عن نيتهم إنفاق مبالغ طائلة على شراء الأسلحة بهدف استمرار الحرب".
وأشار بيسكوف إلى أن "روسيا تنطلق من حقيقة أنه لا يوجد حديث حتى الآن عن إرسال الولايات المتحدة صواريخ بعيدة المدى إلى كييف"، وتابع: "كما نعلم صدرت تصريحات من الرئيس ترامب تفيد بأنه لا يوجد في خطط أميركا أي حديث عن توريد مثل هذه الصواريخ (صواريخ بعيدة المدى إلى أوكرانيا)".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 9 دقائق
- الجزيرة
لماذا تغيب روسيا عن التطورات الأخيرة في سوريا؟
في الوقت الذي تشهد فيه الساحة السورية سلسلة من التحولات العميقة داخليا وخارجيا، يخيم الصمت على الموقف الروسي، فموسكو التي كانت حتى وقت قريب اللاعب الأكثر حضورا وتأثيرا في الملف السوري، تكتفي اليوم بالمراقبة من بعيد، دون تعليق يُذكر على الأخبار الواردة عن تطبيع محتمل أو الاتفاقيات الأمنية المطروحة بين سوريا وإسرائيل، أو الحراك السياسي داخل دمشق، أو حتى التوترات الميدانية في مناطق مثل السويداء وشمال شرق البلاد. هذا الصمت لا يبدو عابرا أو ناتجا عن انشغال مؤقت، بل يعكس -على ما يبدو- تحولا في أولويات الكرملين، وربما إدراكا بأن النفوذ الروسي في سوريا يواجه مرحلة تراجع، أمام تمدد لاعبين جدد، وتغير المزاج الإقليمي والدولي تجاه مستقبل البلاد. فلماذا تغيب موسكو عن المشهد السوري الآن؟ وهل ما زالت تملك أوراقا تؤهلها للعودة إلى قلب اللعبة؟ أم أن روسيا التي زرعت قواعدها في الساحل السوري باتت تكتفي بالمراقبة بعد خسارتها لأدوات الضغط والتأثير في الواقع السوري الجديد؟ تحوّل في السياسة الخارجية الروسية يرى مراقبون أن الغياب الروسي عن تفاصيل المشهد السوري لا يمكن فصله عن تحوّلات أوسع في السياسة الخارجية الروسية تجاه منطقة الشرق الأوسط ، فموسكو التي طالما اعتمدت نهج التدخل المباشر والتصريحات الحادة في ملفات الإقليم، باتت تعتمد خطابا أكثر هدوءا، وسلوكا يميل إلى الانكفاء والترقب. ولعل أبرز المؤشرات على هذا التحول ما يراه محللون في إقالة المبعوث الروسي الخاص إلى الشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، التي اعتُبرت من قبل عدد من الخبراء خطوة تتجاوز البعد الشخصي، وتعكس توجها جديدا في مقاربة روسيا للمنطقة. ويؤكد الباحث في معهد الدراسات الإستراتيجية، إيغور زاباروجتسوف، في تعليقه للجزيرة نت، أن "إقالة بوغدانوف لم تكن عقوبة له، وإنما تمثل بداية لتحول شامل في السياسة الخارجية الروسية، فرضته التطورات المتسارعة في الشرق الأوسط، وعلى رأسها تغير النظام في سوريا، والحرب بين إيران وإسرائيل، إضافة إلى اهتزاز منظومة التحالفات القديمة التي بنت موسكو عليها حضورها الإقليمي". وبالنسبة لانعكاس هذا التحول في السياسة الخارجية الروسية على الملف السوري، يرى سمير العبدالله مدير وحدة تحليل السياسات في المركز العربي لأبحاث سوريا المعاصرة، أن "الصمت الروسي لا يعكس حيادا بقدر ما يُشير إلى تحول في المقاربة تجاه الملف السوري، فموسكو باتت تفضّل الرصد والمراقبة بدلا من اتخاذ خطوات علنية قد تفتح عليها جبهات جديدة مع القوى الغربية". ويضيف العبدالله، في حديثه للجزيرة نت، أن "النهج التقليدي الذي اعتمدته روسيا سابقا في سوريا لم يعد مجديا، لا سيما مع تغيّر الفاعلين المحليين، وتحوّل الديناميكيات الداخلية، والضغوط المتزايدة من البيئة الإقليمية والدولية، مما قد يدفع موسكو لإعادة النظر في إستراتيجيتها تجاه سوريا في المستقبل القريب". انشغال الكرملين بالحرب الأوكرانية مع احتدام الحرب في أوكرانيا وتصاعد التوترات مع الغرب، باتت سوريا ملفا ثانويا في أجندة الكرملين، فروسيا التي خاضت سنوات من التدخل العسكري والسياسي العميق في سوريا، تبدو اليوم منشغلة على جبهة أخرى أكثر إلحاحا، وتواجه تحديات متراكبة تستنزف قدراتها وتعيد رسم أولوياتها. وجاءت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم 14 يوليو/تموز لتزيد الضغوط على موسكو، بإعلانه عن اتفاق مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) لتزويد أوكرانيا بالأسلحة، التي تتولى واشنطن تصنيعها بينما يتكفّل الناتو بتمويلها. وهدّد ترامب بفرض تعريفات جمركية بنسبة 100% على الواردات الروسية، إلى جانب عقوبات ثانوية على الدول التي تواصل شراء النفط من موسكو، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام خلال 50 يوما. في هذا السياق، يرى الباحث في العلاقات الدولية أمجد جبريل أن "روسيا باتت أكثر انشغالا بالأزمة الأوكرانية وتداعياتها الأوروبية والأميركية، إلى جانب سعيها لتوثيق تحالفاتها مع الصين وكوريا الشمالية، وهو ما أدى إلى تراجع أهمية الملف السوري في أجندتها". ويضيف جبريل في حديثه للجزيرة نت "بعد سقوط نظام بشار الأسد وصعود ترامب مجددا إلى سدة الحكم، بدأت موسكو تتعامل مع سوريا بوصفها ورقة استُنفدت أغراضها الجيوسياسية، وأصبحت تركز على ترسيخ دورها كقوة إقليمية مؤثرة، لا كمنافس مباشر على زعامة النظام الدولي". وفي المقابل، تقلل الأوساط المقربة من صناع القرار الروسي من احتمال أن تكون هذه الانشغالات قد أضعفت موسكو، إذ يوضح المستشار في شؤون السياسة الروسية، رامي الشاعر أن الحرب في أوكرانيا، رغم تعقيداتها لم تخرج موسكو عن نطاق سيطرتها الإستراتيجية. ويؤكد في حديثه للجزيرة نت أن "روسيا لا تعتبر هذه الحرب استنزافا لقدراتها، بل جزءا من إعادة صياغة التوازنات الدولية، فهي دولة نووية كبرى، ذات إمكانيات عسكرية واقتصادية هائلة، ومساحة جغرافية تمثّل نحو ثلث مساحة العالم، ولا يمكن لأي قوة أن تتجاوز موقعها أو تهدد مكانتها". مصالح روسيا مؤمنة وسط التساؤلات المتزايدة عن غياب روسيا عن المشهد السوري بعد سقوط النظام المخلوع، يرى محللون أن الهدوء الروسي ليس انعكاسا للضعف أو الانكفاء، بل ناتج عن قناعة بأن مصالح موسكو الحيوية في سوريا لم تتعرض لأي تهديد حقيقي، وأن إعادة التموضع الجيوسياسي لا تقتضي بالضرورة الحضور العلني في كل منعطف. فمنذ التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015، كان الهدف الأبرز للكرملين هو تأمين موطئ قدم إستراتيجي دائم في شرق المتوسط، وهو ما تحقق فعلا من خلال تطوير قاعدة "حميميم" الجوية، التي تحولت في السنوات الأخيرة إلى جسر جوي عسكري وسياسي نحو أفريقيا، وأداة للنفوذ الروسي العابر للإقليم. ومع التغيرات الأخيرة في بنية الحكم داخل دمشق، تؤكد موسكو تمسّكها بعلاقاتها مع سوريا، مع الإشارة إلى استمرار التنسيق بين الطرفين، إذ قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين في 14 يوليو/تموز الجاري، في تصريح لوكالة نوفوستي "نواصل اتصالاتنا مع دمشق بشأن جميع القضايا، بما في ذلك مسألة القواعد الروسية في سوريا"، مشددا على أن "العلاقات مع الشعب السوري كانت دائما ودّية وتقليدية". من جانبه يرى الباحث سمير العبدالله أن "ما يجري في سوريا بعد سقوط نظام الأسد لا يُشكل تهديدا جوهريا للمصالح الروسية". ويوضح العبدالله أنه "رغم التغيرات العميقة التي تشهدها البلاد، لا تزال القوات الروسية متمركزة في مواقع إستراتيجية، أبرزها قاعدة حميميم ومطار القامشلي، كما أن موسكو ما زالت تتابع عن كثب ملفات استثمارية واقتصادية تخصها، بعضها أمام المحاكم المختصة، مما يشير إلى التزام روسي واضح بحماية المصالح لا أكثر". وكان الرئيس السوري أحمد الشرع أكد في أول تعليق له على علاقات بلاده مع روسيا في أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي أن الأخيرة هي ثاني أقوى دولة في العالم ولها أهمية كبيرة، مضيفا أن دمشق لا تريد أن تخرج روسيا بطريقة لا تليق بعلاقتها الطويلة مع سوريا. سوريا تغير بوصلتها السياسية من بين الأسباب التي قد تفسر الصمت الروسي تجاه التغيرات الجارية في سوريا، يبرز التحول الإستراتيجي في بوصلة السياسة السورية الجديدة، التي باتت تُراهن بشكل متزايد على الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، كبديل عملي وفعّال عن موسكو، التي يرى مراقبون أنها استنزفت حضورها دون أن تقدم حلولا حقيقية بعد عقد من الانخراط العسكري والدبلوماسي. ففي الأشهر الأخيرة، كثّفت واشنطن حراكها السياسي في الملف السوري، عبر سلسلة من الخطوات اللافتة، من أبرزها التسهيلات المتسارعة في ملف العقوبات، وإعادة تنشيط مسار السلام مع إسرائيل، بالإضافة إلى ربط مستقبل سوريا بمنظور إقليمي أوسع، يجمع بين الاعتبارات الأمنية والسياسية والاقتصادية. ويرى مراقبون أن هذا المشروع الأميركي يسعى إلى إعادة تعريف سوريا الجديدة كجزء من هندسة إقليمية شاملة، تتطلب إخراج موسكو من دائرة التأثير، لصالح شراكة أوثق مع الغرب. وفي هذا السياق، يقول الباحث في العلاقات الدولية أمجد جبريل إن الحكومة السورية الجديدة اتخذت توجها مختلفا عن النظام السابق، وانتقلت من الرهان على المحور الشرقي، إلى التقارب مع المعسكر الغربي، وعلى رأسه الولايات المتحدة. ويتابع جبريل أن واشنطن تملك مفاتيح رفع العقوبات، والقدرة على دعم إعادة الإعمار، وشرعنة الحكومة السورية الجديدة في المحافل الدولية، وهي أمور لا تستطيع روسيا تأمينها بسبب تراجع علاقاتها مع المجتمع الدولي. ولا تقتصر هذه المقاربة الجديدة على الولايات المتحدة فقط، بل تشمل أيضا الحلفاء الإقليميين لواشنطن، مثل تركيا والسعودية، اللتين تبنّتا نهجا داعما للإدارة السورية الجديدة، على المستويين السياسي والاقتصادي، وساهمتا في تسهيل عدد من الاتفاقات الميدانية والإدارية، خصوصا في المناطق الحدودية والشمالية، بحسب جبريل. من ناحيتها، اعتبرت دراسة لبرنامج الأمن القومي الأميركي في مايو/أيار الماضي أن سقوط الأسد ورفع العقوبات يمثلان تحوّلا إستراتيجيا في سوريا، يعكس ثقة حذرة بدمشق الجديدة، ويوجه في الوقت نفسه ضربة للنفوذ الروسي الذي لم يحقق مكاسب تُذكر، وسط تغير مرتقب في موازين القوى الإقليمي. وتعكس هذه التحولات -بحسب مراقبين- إعادة تموضع لسوريا الجديدة ضمن تحالفات جديدة، تنظر إلى الغرب لا بوصفه خصما، بل كـ"ضامن ممكن" للشرعية والمساعدات، وهي نظرة تُضعف تلقائيا الحاجة إلى الدور الروسي أو النفوذ الإيراني، وتفسّر بشكل غير مباشر صمت موسكو وميلها إلى المراقبة دون تدخل. روسيا ليست غائبة بل تتابع باهتمام في مواجهة توصيفات السياسة الروسية تجاه ما يجري في سوريا، يرى المستشار رامي الشاعر أن الكرملين لا يتخلف عن المشهد، بل يتابع باهتمام تطورات سوريا، مشدّدا على أن صمت روسيا لا يعني اللامبالاة. وأوضح الشاعر أن روسيا تعتبر محادثات سوريا وإسرائيل شأنا سياديا سوريا لا يجوز التدخل فيه، فروسيا تؤكد دائما على احترام قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتعترف بحدود سوريا الطبيعية وضرورة انسحاب إسرائيل من الجولان. وأضاف أن التحولات الإدارية والسياسية التي تشهدها دمشق بعد إسقاط الأسد تُعد شأنا داخليا سوريا، ولا تعطي لأي طرف حق التدخل. وبحسب الشاعر، فإن روسيا تقود انتقال العالم إلى تعددية قطبية، مع تعزيز دور الأمم المتحدة واحترام ميثاقها، إذ ليس هناك صمت بل عمل ونشاط دولي يساهم في عالم متعدد الأقطاب. وتؤكد روسيا حضورها في مجلس الأمن بتصريحات واضحة حول الأراضي السورية، لا سيما في ملف الجولان، فعلى سبيل المثال عبّر مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، عن دعم موسكو لموقف سوريا في مطالبتها بانسحاب إسرائيل. ويؤكد الشاعر أن هذا هو التوجه ذاته الذي عكسه الموقف الروسي في مارس/آذار الماضي، حين تعاونت موسكو مع واشنطن لإصدار بيان رئاسي لمجلس الأمن يدين أعمال العنف الطائفية في اللاذقية وطرطوس، مؤكدا على وحدة سوريا وسيادتها.


الجزيرة
منذ 9 دقائق
- الجزيرة
الوقائع والحقائق حول السياسة الصناعية الصينية
في الآونة الأخيرة، قام بعض السياسيين ووسائل الإعلام في الدول الغربية بتحريف تفسير السياسة الصناعية الصينية، مدّعين أن الصين تقدم إعانات كثيرة لدعم مؤسساتها المحلية وتستوعب الطاقة الإنتاجية الفائضة من خلال التصدير، مما يؤثر على السوق العالمية تأثيرًا سلبيًا. يشوّه هذا الخطاب "الإعانات الصناعية" ويسيء استخدام مفهوم "فائض الطاقة الإنتاجية"، وينتهك المبادئ الأساسية للاقتصاد، ويحتوي على تضليل خطير، مما يجعله قضية زائفة لا أساس لها من الصحة. تُعد سياسة الإعانات الصناعية الصينية معقولة ومتوافقة مع القواعد. إن استخدام سياسة الإعانات الصناعية لتوجيه التنمية الصناعية وتعديل الهيكل الصناعي هو ممارسة شائعة تتبناها دول العالم، والمفتاح هو الامتثال لقواعد منظمة التجارة العالمية. تتمسك سياسة الإعانات الصناعية الصينية بمبادئ الانفتاح والإنصاف والامتثال للقواعد، وتركّز على مرحلة البحث والتطوير وجانب الاستهلاك، ولا ترتبط بالتصدير، وتنطبق على جميع أنواع اللاعبين في السوق على قدم المساواة، ولا تحتوي على إعانات محظورة، وفقًا لقواعد منظمة التجارة العالمية. وتعتمد التنمية الصناعية الصينية على الابتكار التكنولوجي المستمر وتحسين نظام سلاسل الصناعة والإمداد والمنافسة الكاملة في السوق، بدلًا من الاعتماد على الإعانات. في المقابل، زادت الولايات المتحدة وأوروبا بشكل كبير من حجم الإعانات في السنوات الأخيرة، مع اعتماد عدد كبير من الممارسات الاستبعادية والتمييزية. على سبيل المثال، تتعامل سياسة الإعانات للسيارات الكهربائية في قانون "خفض التضخم" في الولايات المتحدة مع الشركات الصينية بشكل تمييزي، وتنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية بشكل واضح. كما وافقت المفوضية الأوروبية على عدد كبير من خطط الإعانات. لا تعني الصادرات الصينية الكثيرة وجود "فائض الطاقة الإنتاجية". في ظل العولمة الاقتصادية، أصبح العالم منذ فترة طويلة وحدة غير قابلة للتجزئة، حيث يتم التوفيق والتنظيم بين الإنتاج والاستهلاك على نطاق عالمي بشكل فعال. تشارك مختلف البلدان في التعاون الدولي لتقسيم العمل بناءً على المزايا النسبية، وتشكل هياكل صناعية وأحجام طاقة إنتاجية مختلفة، وذلك لا يرفع كفاءة تخصيص الموارد العالمية فحسب، بل يعزز أيضًا رفاهية شعوب مختلف البلدان. إن وضع علامة "فائض" على الدولة التي تتجاوز قدرتها الإنتاجية الطلب المحلي، هو أمر يتعارض مع الحقائق والقوانين الموضوعية. إن الترويج لـ "فائض الطاقة الإنتاجية" يعكس في الواقع فائض القلق. استخدام "فائض الطاقة الإنتاجية" كذريعة لتشويه الصين وقمعها يعكس في الواقع العقلية القلقة للدول المعنية على القدرة التنافسية لمنتجاتها وحصتها في السوق. إن فرض القيود على تصدير المنتجات الصينية والتعاون الاستثماري مع الصين من خلال "إلصاق التهمة" هو حمائية صريحة، وتدخل وتجزئة مصطنعة للسوق العالمية، وذلك ينتهك القوانين الاقتصادية ومبادئ السوق ويقوّض التجارة والاستثمار واستقرار سلاسل الصناعة والإمداد العالمية، ولن تتمكن الدول المعنية من وقف تقدم الصين، بل ستتعثر هي فقط. لقد أثبت التاريخ والواقع لمرات عديدة أن الحمائية تضر بالآخرين ولا تفيد الذات ولا رابح فيها. تعتبر الصين وقطر من المؤيدين الأقوياء والمستفيدين من العولمة الاقتصادية والتجارة الحرة. ويركز تعاونهما على الطاقة كمحور رئيسي، والبنية التحتية كأولوية، والاستثمار المالي والابتكار العلمي والتكنولوجي كنقاط نمو جديدة، مما يشكل نمط تعاون يتميز بتكامل المزايا والمنفعة المتبادلة والكسب المشترك، ويضع نموذجًا للتعاون متبادل المنفعة في ظل العولمة الاقتصادية، ويخدم بشكل فعال التنمية عالية الجودة للبلدين، ويعود بالنفع على شعبي البلدين، ويقدم مساهمات مهمة في النمو الاقتصادي العالمي. ستواصل الصين تعزيز الانفتاح عالي المستوى على الخارج، وبناء بيئة أعمال من الدرجة الأولى موجهة نحو السوق وقائمة على القانون وذات طابع دولي، وتقاسم الفرص الجديدة للتحديث صيني النمط مع دول العالم. وفي الوقت نفسه، سنعمل بحزم على حماية نظام التجارة متعدد الأطراف، وفي القلب منه منظمة التجارة العالمية (WTO)، وندعم بحزم تحرير وتيسير التجارة والاستثمار، ونعارض بشدة الحمائية التجارية. إن الصين مستعدة لتعميق التعاون في سلاسل الصناعة والإمداد مع قطر وغيرها من دول العالم، وتعزيز الابتكار التكنولوجي والتنمية الصناعية، ودفع العولمة الاقتصادية المتّسمة بالشمول والنفع للجميع، والعمل معًا لبناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.


الجزيرة
منذ 39 دقائق
- الجزيرة
كيف تربح أميركا من حرب روسيا على أوكرانيا؟
مقدمة الترجمة يستعرض هذا المقال تحليلا لأفكار المدير السابق لفريق تخطيط السياسات بالإدارة الأميركية، جون فينر، ومحلل السياسة الخارجية والعضو السابق بمجلس الأمن القومي، ديفيد شيمر، وذلك حول أهمية دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا، ليس من أجل حماية أوروبا وصد التمدّد الروسي فحسب، كما تذهب الكثير من التحليلات الداعمة لكييف، بل أيضا لأجل واشنطن ذاتها. حيث يطرح الكاتبان اللذان خَدَما تحت إدارة جو بايدن ، رؤية مفادها أن الصناعات العسكرية الأميركية التي لم تخُض حربا على نطاق واسع منذ حربيْ أفغانستان والعراق، فاتتها الكثير من الطفرات المتعلقة باستخدام المسيّرات والذكاء الاصطناعي. ومن ثمَّ تستطيع أوكرانيا، بوصفها ساحة حرب مفتوحة، أن تكون مَعملا لتطوير واختبار أحدث أنواع الأسلحة، كما أن الطفرات التي حققتها كييف في الصناعة المكثَّفة والاستخدام الميداني للمسيّرات المحلية، في خضم قيود وضغوطات الحرب؛ تمنح الولايات المتحدة فرصة التعلم الميداني المباشر من شريك وحليف يخوض حربا غير مسبوقة مع روسيا، مما يُعطي البنتاغون بيانات يومية عن خصومه، كما يمنحه القدرة على الاستفادة من الإنتاج الرخيص في أوكرانيا إلى جانب التكنولوجيا المتطورة الأميركية. يمنحنا المقال فرصة لقراءة مجريات الحرب من المنظور الأميركي، كما يمنحنا معلومات عن تطورات الحرب الأوكرانية وأثرها الدفاعي والصناعي، لا سيما أنها في الأخير حرب بين دولة كبرى (روسيا) ودولة صغيرة حصلت على استقلالها منذ بضعة عقود (أوكرانيا). مما يعني أن بعض الدروس المستفادة داخل أوكرانيا قد تكون مفيدة للدول المتوسطة والصغيرة في العالم الثالث، بغض النظر عن عدم قدرتها على الاستفادة من التحالف مع الغرب مثلما تفعل أوكرانيا، لكنها تكشف عن التقنيات والاستراتيجيات التي تستخدمها الدول الصغيرة في مواجهة خصم كبير ذي إمكانيات صناعية وعسكرية ضخمة. وقد زار جون فينر وديفيد شيمر -أثناء عملهما في إدارة بايدن- منشآت إنتاج المسيّرات في أوكرانيا، والتقيا بمُصنّعيها، وشاهدا التعاون الدقيق بين شركات التكنولوجيا والقوات على الجبهات والطيارين، وكيف يُفضي إلى تحسين مستمر لتلك الأنظمة وفقا للتطورات الحاصلة على أرض المعركة ساعة بساعة. نص الترجمة بدأت الحرب الأوكرانية بهجوم بري وجوي بادرت به روسيا، ثم تحولت إلى مواجهة مدفعية شبيهة بصراعات منتصف القرن 20، لكنها تطورت اليوم لتصبح أول صراع في العالم يُخاض بواسطة الطائرات المسيرة بالأساس. في العام الماضي، نفّذت أوكرانيا سلسلة من الضربات الناجحة باستخدام مسيّرات بعيدة المدى استهدفت مستودعات ذخيرة على بُعد مئات الأميال داخل الأراضي الروسية، وهي ضربات لم تتوقف منذ ذلك الحين، حيث تُطلق القوات الأوكرانية آلاف المسيّرات قصيرة المدى يوميا للدفاع عن نفسها بوجه الهجمات البرية الروسية، مستبدلة بذلك قذائف الهاوتزر التي كانت تمثل العمود الفقري للمعركة في السابق. تخوض كييف الآن سباق تسلّح على مستوى التكنولوجيا والإنتاج كي تضمن أن تكون مسيّراتها كافية من حيث الكم، وفعَّالة من حيث النوع؛ لمواجهة التشويش الروسي وإجراءات المواجهة المضادة التي تستخدمها موسكو. في يونيو/حزيران، تسبَّبت مسيّرات أوكرانية في أضرار بمليارات الدولارات لطائرات عسكرية روسية متقدمة في مناطق نائية من روسيا. وقد لعبت الولايات المتحدة دورا محوريا في هذا الإنجاز الأوكراني، إذ دعمت توسّع الصناعات الدفاعية في أوكرانيا، وموّلت أبرز مُصنّعي المسيّرات هناك، مما ساعد كييف في تحقيق مستوى إنتاج كان مستحيلا في السابق، حيث تنتج أوكرانيا الآن الملايين من أنظمة المسيّرات الذاتية سنويا. إن هذا الابتكار المتسارع، الناتج عن ظروف ميدانية قاسية لا توجد في أي مكان آخر، يُتيح اليوم فرصة أمام الولايات المتحدة. ولاغتنامها، يتوجّب على وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) والصناعات الدفاعية الأميركية التعلّم من التجربة الأوكرانية في المسيّرات وغيرها من أشكال التكنولوجيا العسكرية. صحيح أن هذا الصراع لا يُماثل بالضرورة السيناريوهات التي قد تواجهها الولايات المتحدة، لكن الحرب الأوكرانية تزخر بالدروس التقنية القيّمة والابتكارات التي لا يمكن تجاهلها. على مدار الفترة الماضية (3.5 سنوات)، طوَّرت أوكرانيا صناعة دفاعية متقدمة. ورغم استمرار اعتمادها على الولايات المتحدة في بعض القدرات التقليدية المتطورة مثل صواريخ الدفاع الجوي " باتريوت" وبعض منصات إطلاق الصواريخ، فإنها باتت تنتج محليا أنواعا جديدة ورخيصة من المسيّرات قصيرة وبعيدة المدى، ونُظم مضادة للطائرات المسيّرة، وأنظمة روبوتات، ودفاعات جوية تكتيكية. لم يشهد معظم بلدان العالم -بما فيها الولايات المتحدة- هذا النوع من القتال من قبل، لذا فهي متأخرة كثيرا عن أوكرانيا في هذا المضمار. فلا الجيش الأميركي ولا أي جيش أوروبي قادر على إنتاج هذا الكم من الأنظمة الرخيصة والقابلة للتكيّف بسرعة. إعلان كما أنه من غير الواضح هل سيتحرك الجيش الأميركي بسرعة كافية لدمج دروس المعركة الأوكرانية في عقيدته القتالية. في المقابل، تُواصل أوكرانيا وروسيا تطوير تقنياتهما، مع دمج تدريجي للذكاء الاصطناعي في المسيّرات والتجهيزات الدفاعية الأخرى. ومع أن الذكاء الاصطناعي يَعِد بتغيير شكل الحروب كما عرفناها، تماما مثلما يُعيد تشكيل الكثير من مناحي الحياة اليومية، فإن معقل التحولات المرتبطة بالحروب اليوم ليس سان فرانسيسكو، بل كييف. تُقدّم هذه اللحظة حُجة قوية للرد على الأصوات التي طالما شككت في جدوى استمرار دعم أوكرانيا من داخل الولايات المتحدة؛ إذ يمكن لواشنطن أن تجني فوائد تقنية واستخبارية من التجربة الأوكرانية الفريدة. ولذلك يرى جون فينر وديفيد شمير ضرورة التراجع عن قرار الرئيس دونالد ترامب الأخير تجميدَ المساعدات الأمنية الحيوية لكييف، لما يحمله من تداعيات، منها عرقلة التعاون التكنولوجي العميق بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، والذي يقولون إن واشنطن تستفيد منه على المدى البعيد بالقدر نفسه الذي تستفيد منه أوكرانيا. لقد أعربت إدارة ترامب عن التزامها بالابتكار الدفاعي. وفي هذا الصدد فإن أوكرانيا تُعَدّ الآن مختبرا رائدا لهذا النوع من الابتكار. وفي المقابل، يراقب داعمو روسيا، مثل الصين وإيران وكوريا الشمالية، الحرب عن كثب، مستخلصين دروسهم الخاصة. فإيران تختبر مسيّراتها وصواريخها في الحرب، بينما تراقب كوريا الشمالية أداء ذخائرها وجنودها، أما الصين فتُقيّم مدى فاعلية مساهماتها في الصناعات الدفاعية الروسية. وحتى تضمن الولايات المتحدة تفوّقها واستعدادها لصراعات محتملة في المحيط الهادئ أو الشرق الأوسط، سيتوجب عليها تعزيز شراكتها التكنولوجية مع أوكرانيا. يعني ذلك استمرار الدعم العسكري لأوكرانيا مع الوصول إلى تفاهم بأن تشارك كييف معرفتها وخبرتها التقنية في المقابل، بما يشمل تصاميم أفضل مسيّراتها، واستراتيجيتها لتحديثها أمام التدابير الروسية، وبيانات عن أداء السلاح الروسي ونقاط ضعفه وقوته. وفي رأي فينر وشيمر، سيكون هذا التعاون المُتبادل نافعا للبلدين، إذ تساعد أوكرانيا الولايات المتحدة في بناء مسيّرات من الطراز الأول، بينما تواصل واشنطن دعم كييف للدفاع عن نفسها. والعكس صحيح، فتراجُع الدعم الأميركي يعني تراجعا في مشاركة الخبرات والبيانات التي يمكن أن تستفيد منها الولايات المتحدة. ثورة في قلب النيران لقد طوّرت أوكرانيا صناعة المسيّرات الخاصة بها في خضم صراع وطني من أجل البقاء. فمنذ بدء الغزو الروسي الكامل في فبراير/شباط 2022، نجح الجيش الأوكراني في صد الهجوم على كييف واستعاد أكثر من نصف الأراضي التي سيطرت عليها موسكو. وفي الوقت نفسه، كان رجال الأعمال والمهندسون في المصانع والمختبرات البعيدة عن الجبهة، يعملون على تطوير طائرات تُستخدم ضد القوات الروسية. وقد احتاج هؤلاء المبتكرون إلى التمويل والمواد الخام. لذا وفّرت الحكومة الأميركية هذا الدعم بهدوء، ففي خريف 2022، بدأت إدارة بايدن جهودها لتطوير صناعة المسيّرات الأوكرانية التي كانت في مَهدها آنذاك. جاءت نقطة التحوّل في صيف 2023، عندما فشل الهجوم الأوكراني المضاد في اختراق الدفاعات الروسية، مما كشف حدود القدرات التقليدية. في المقابل، سبّبت المسيّرات الروسية أضرارا فادحة بالمدرعات الأوكرانية. وردا على ذلك، قرّرت الولايات المتحدة تسريع دعمها لصناعة المسيّرات الأوكرانية، وضمّن البيت الأبيض هذا التوجه في موازنة الأمن القومي عام 2024، مما أتاح تمويل شركات أوكرانية واعدة، وتوفير مكونات أساسية للإنتاج. إعلان وفقا لما عرضه فينر وشمير على الرئيس فولوديمير زيلينسكي في زيارته لواشنطن في تلك الفترة، فقد وُجِّه أكثر من 1.5 مليار دولار من الولايات المتحدة لهذا القطاع، كما ساهمت دول أخرى في دعم القاعدة الصناعية الدفاعية الأوكرانية. وقد أثمر هذا الاستثمار عن نتائج هائلة، إذ ارتفع إنتاج أوكرانيا من المسيّرات قصيرة وبعيدة المدى ارتفاعا غير مسبوق عام 2024. وبحسب الحكومة الأوكرانية، ارتفع عدد الطائرات التي يتسلَّمها الجيش شهريا من 20 ألفا إلى 200 ألف بحلول بداية 2025. ومع تطوّر إجراءات روسيا المضادة، تعلَّمت الشركات الأوكرانية كيف تقوم بتحديثات برمجية وتصميمية بسرعة لمواجهتها. في مطلع هذا العام، نجحت أوكرانيا في تطويع إمكانياتها لاستخدام مسيّرات بعيدة المدى واستهداف مواقع عسكرية في عمق روسيا، واستخدام مسيّرات قصيرة المدى ضد الوحدات الروسية المتمركزة على خطوط النار بين الجيشين، بالتوازي مع إنتاجها الكثيف من مضادات المسيّرات والصواريخ وأنظمة الروبوتات ونظم الدفاع الجوي التكتيكية. دروس لواشنطن من أرض المعركة ثمة فرصة قائمة أمام الولايات المتحدة للتعلم من التجربة الأوكرانية، لكنها قد لا تدوم طويلا. فقد أثبتت المسيّرات الأوكرانية فعاليتها وتكلفتها المعقولة؛ حيث تُنتج أوكرانيا هذا العام ملايين الطائرات قصيرة المدى بكلفة تقارب 400 دولار للوحدة، وآلاف الطائرات بعيدة المدى بسعر يقارب 200 ألف دولار للوحدة. في المقابل، تبلغ كلفة نظيرتها الأميركية قصيرة المدى أكثر من 100 ألف دولار، وتصل كلفة الأنظمة ذات المدى الأبعد إلى ملايين الدولارات. كما أن مُشغِّلي المسيّرات الأوكرانيين يقولون إن الأنظمة الأميركية أقل فعالية وتكيّفا مع الظروف الميدانية والتدابير المضادة من روسيا، مقارنة بالمسيّرات المحلية. تعود هذه الفروقات، جزئيا، إلى طبيعة الظروف. فأوكرانيا تخوض معركة بقاء ضد خصم أكبر، ومواردها محدودة، بينما ظل البنتاغون، تاريخيا، مترددا في تمويل التقنيات الناشئة والشركات المبتدئة، مُفضّلا التعامل مع المتعاقدين التقليديين الذين يعملون على أنظمة قديمة ومعروفة. ويكمن جزء من المشكلة في أن هؤلاء المتعاقدين لديهم دوافع لبناء كميات محدودة من الأسلحة باهظة الثمن، ذات هامش الربح العالي. لكن الحرب في أوكرانيا جاءت لتبدد أحد الهواجس المشروعة لدى وزارة الدفاع الأميركية: الشك في فعالية هذه التقنيات على أرض الواقع. فقد وفّرت هذه الحرب تجربة فريدة لاختبار الأسلحة وتمويل البحوث والتطوير بمليارات الدولارات في ظروف قتالية غير مسبوقة. ورغم استمرار الحاجة إلى أنظمة ذاتية متقدمة ومكلفة، تحتفظ فيها الولايات المتحدة بميزة نسبية، فإن القدرة الإنتاجية الهائلة لأوكرانيا تمنحها تفوقا مُكمّلا لا يمكن تجاهله. فالشركات الأوكرانية قريبة من خطوط المواجهة، وأساليب إنتاجها مرنة وسريعة، وأسعارها منخفضة، ما يتيح تعديل النماذج أو حتى التخلص منها بسهولة عند الحاجة. ومع دخول الذكاء الاصطناعي في تكنولوجيا المسيّرات، ستراقب الصين وإيران وكوريا الشمالية هذا التحوّل عن كثب وتتعلم منه، وكلما تطوّرت تكنولوجيا "أسراب" المسيّرات المُوجّهة بالذكاء الاصطناعي، ازداد وزن الكثرة العددية كعامل حاسم في المعركة. إن حلفاء واشنطن وشركاءها الذين يواجهون خصوما أقوى، في أمسّ الحاجة اليوم إلى هذا النوع من القدرات غير المُتماثلة (Asymmetric) التي تطوّرها أوكرانيا. ولنأخذ تايوان على سبيل المثال، التي قد تستفيد من مسيّرات رخيصة وقابلة للتكيّف دفاعا عن نفسها إذا ما قررت بكين التصعيد في ملف تايوان. ومن جهتها، على الولايات المتحدة أن توفّر لحلفائها قدرات مماثلة، وتساعدهم في بناء صناعات محلية مستقلة، لكن المسألة بالنسبة لواشنطن لا تقتصر على دعم الأصدقاء فحسب، بل تتعلق أيضا بأمنها الخاص. فنجاحات أوكرانيا الهجومية ضد روسيا، مثل الهجوم الأخير بالمسيّرات من شاحنات متمركزة في عمق الأراضي الروسية، تكشف عن ثغرات محتملة في أنظمة الدفاع الأميركية، وحتى داخل أراضيها. وهنا، يمكن للخبرة الأوكرانية أن تسد هذه الفجوات. دعم أوكرانيا من أجل الصناعات الأميركية إن تعلُّم الدروس الصحيحة من التجربة الأوكرانية لتعزيز قدرات الولايات المتحدة يجب أن يمر بعدة خطوات أساسية: أولا، ينبغي لوزارة الدفاع الأميركية أن تتعاون مع الشركات الأوكرانية لإنتاج المسيّرات داخل الولايات المتحدة، على أن تُمنح هذه المسيّرات لكل من الجيشين الأميركي والأوكراني. هذا النوع من الشراكة، المعروف بالإنتاج المشترك، يُعد مكسبا للطرفين، بحيث تستفيد الولايات المتحدة من خبرة المُصنّعين الأوكرانيين مباشرة، ويحصل البلدان على الطائرات. إعلان كما ينبغي للبنتاغون أن يبرم اتفاقا مع وزارة الدفاع الأوكرانية لترخيص تكنولوجيا وتصاميم المسيّرات، مما يتيح للجيش الأميركي إنتاج هذه الطائرات الرخيصة والمُجرّبة ميدانيا بشكل مستقل، وبناء البنية التحتية المحلية اللازمة لتوسيع الإنتاج. يمكن للولايات المتحدة أن تتبع النهج ذاته مع تقنيات أوكرانية أخرى، مثل أنظمة التصدي للمسيّرات، عن طريق الإنتاج المشترك والاستحواذ على حقوق الملكية الفكرية المرتبطة بها. لقد نجح قطاع الصناعات الدفاعية الأوكراني جزئيا بفضل قدرته على التحديث السريع استنادا إلى نتائج ميدانية فعلية. وينبغي للولايات المتحدة أن تستغل هذه الفرصة أيضا لإرسال تقنيات أميركية تجريبية إلى أوكرانيا، وقياس أدائها على الأرض، ومن ثم تعديلها وفقا للنتائج. الخطر الأساسي في هذا المسار هو احتمال أن تصبح واشنطن معتمدة على شريك أجنبي في بعض قطاعات إنتاجها الدفاعي، كما تعتمد روسيا حاليا على المسيّرات الإيرانية. لكن البديل أسوأ، نظرا لتفوّق أوكرانيا الحالي في المعرفة والإنتاج، لذا يجب أن يكون التركيز على سد هذه الفجوة. وينبغي أن تنظر الولايات المتحدة إلى تعاونها مع أوكرانيا باعتباره مُسرّعا تكنولوجيًّا قصير الأمد، لا حلا طويلا. وعلى وزارة الدفاع، بالتعاون مع الصناعة الأميركية، أن تسعى لاكتساب الخبرات الأوكرانية بسرعة، والبدء بإنتاج هذه الأنظمة المتطورة، ثم الانتقال لاحقا إلى نماذج وتصاميم مستقلة خاصة بها. أما إذا تراجعت الولايات المتحدة عن دعم أوكرانيا، فإنها تخاطر بفقدان الوصول إلى تكنولوجيا دفاعية مُثبَتة الفعالية، وخبرات ميدانية قيّمة، وبيانات جوهرية حول أداء الجيش الروسي. في الوقت ذاته، ينبغي لأوروبا أن تنظر إلى الولايات المتحدة وأوكرانيا على أنهما نموذجان متكاملان في مجال الإنتاج الدفاعي. وبينما يواصل القادة الأوروبيون استثمارهم في صناعاتهم الدفاعية، تستطيع الولايات المتحدة تقديم الإرشاد في كيفية بناء أنظمة ذاتية متقدمة، بالإضافة إلى قدرات تقليدية مثل المدفعية والصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي الاستراتيجية. أما أوكرانيا، فيمكنها أن تقدم النموذج الأمثل في إنتاج المسيّرات بكميات كبيرة، وكذلك التقنيات المرتبطة بها. تُمثل معركة أوكرانيا لحظة فاصلة في تطوّر الحرب الحديثة، فقد أثبتت كييف أنه يمكن صدّ هجوم من خصم أقوى باستخدام مسيّرات متقدمة، وزهيدة التكلفة، وقابلة للتكيّف والتطوير، إلى جانب تقنيات دفاعية أخرى. وفي رأي فينر وشيمر، يجب على الولايات المتحدة أن تواصل دعمها لأوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي لهذا السبب، فبينما تسعى إدارة ترامب إلى مكاسب أكبر، ينبغي على أوكرانيا أن تُسهم بدورها في تسريع وتيرة الابتكار الأميركي، إذ يُمكن لواشنطن وكييف أن تخرجا من هذا التعاون أقوى وأكفأ من ذي قبل. ________________