
باحثون: تحفيز الأذن بنبضات كهربائية خفيفة يعزز التعاطف مع الذات
وانتهت الدراسة إلى أن الدمج بين تحفيز العصب المبهم والتأمل الذهني ربما يكون وسيلة فعالة لتعزيز التعاطف الذاتي، وهو أمر محوري في علاج العديد من المشكلات النفسية.
والتعاطف مع الذات هو القدرة على معاملة النفس بلطف وفهم، خصوصًا في أوقات الفشل أو الألم أو الضعف، بدلاً من اللجوء إلى النقد الذاتي القاسي أو الشعور بالعار، وهو لا يعني التراخي أو تبرير الأخطاء، بل يتضمن إدراك أن المعاناة والتقصير جزء طبيعي من التجربة الإنسانية، وأنه لا يمكن لأي شخص أن يكون مثاليًا طوال الوقت.
وعندما يمارس الإنسان التعاطف مع ذاته، فإنه يعترف بألمه دون تهويل، ويمنح نفسه الدعم والرعاية التي يحتاجها كما لو كان يقدمها لصديق عزيز.
وأظهرت أبحاث علم النفس أن التعاطف مع الذات يرتبط بانخفاض مستويات القلق والاكتئاب، وتحسن المرونة النفسية، وزيادة الشعور بالرضا والثقة بالنفس؛ كما يساعد الأفراد على تجاوز الأزمات والمواقف الصعبة بطريقة أكثر اتزانًا، ويعزز قدرتهم على اتخاذ قرارات صحية دون الوقوع في دوامة جلد الذات أو التهرب من المسؤولية.
وتشجع تلك القدرة على النمو الشخصي وتطوير الذات؛ إذ تخلق بيئة داخلية آمنة تحفّز التغيير البنّاء دون ضغط أو خوف.
ومع تزايد الضغوط النفسية في العصر الحديث، أصبح التعاطف مع الذات مهارة حياتية ضرورية، لا تقل أهمية عن أي تدخل علاجي، بل إنها غالبًا ما تكون حجر الأساس لنجاح تقنيات التأمل والعلاج المعرفي السلوكي والعلاج بالقبول والالتزام.
العصب المبهم
وتخطو الدراسة التي نُشرت في دورية "فيزيولوجكال ميديسين" خطوة إضافية نحو فهم كيفية تفاعل الجهاز العصبي مع أساليب التأمل الذهني، خاصة أن العصب المبهم يُعد أحد المكونات الرئيسية في نظام "الراحة والهضم" الذي يعمل على تهدئة الجسم وعكس استجابة "الكرّ والفرّ" المرتبطة بالضغوط النفسية.
والعصب المبهم أطول الأعصاب القحفية، ويصل بين الدماغ ومعظم الأعضاء الحيوية في الصدر والبطن، مثل القلب والرئتين والأمعاء. وهو مسؤول عن إرسال إشارات من الجسم إلى الدماغ، ما يتيح له التأثير على العمليات النفسية، مثل التفاعل الاجتماعي وتنظيم العواطف.
واستخدم الباحثون في جامعة لندن البريطانية تقنية تحفيز العصب المبهم غير الجراحي عبر الجلد، بوضع جهاز صغير يرسل نبضات كهربائية غير مؤلمة إلى منطقة "التراجُس" في صيوان الأذن وهي قطعة الغضروف الصغيرة أمام فتحة قناة الأذن.
وتحتوي هذه المنطقة على ألياف عصبية قريبة من سطح الجلد، ما يجعلها نقطة فعالة لتحفيز العصب دون الحاجة إلى تدخل جراحي.
وبخلاف الطرق الجراحية التي تتطلب زرع أقطاب داخل الجسم، فإن هذه الطريقة تُعد أكثر أمانًا وسهولة، وأظهرت تجارب سابقة قدرتها على تقليل الالتهاب وحماية الأعضاء الحيوية من الأضرار الناتجة عن نقص التروية الدموية.
شارك في الدراسة 120 متطوعًا من الأصحاء، جرى تقسيمهم إلى 4 مجموعات بهدف اختبار تأثير تحفيز العصب المبهم على فعالية التأمل الذاتي، وتلقت المجموعة الأولى تحفيزًا للعصب المبهم مصحوبًا بتدريب على التعاطف مع الذات، بينما تلقت المجموعة الثانية تحفيزًا مزيفًا مع نفس التدريب، في حين خضعت المجموعة الثالثة لتحفيز العصب المبهم مع تدريب لا يركز على التعاطف، أما المجموعة الرابعة فمثّلت مجموعة التحكم وتلقت تحفيزًا مزيفًا وتدريبًا غير مخصص لتعزيز التعاطف.
نبضة كهربائية
قبل بدء التحفيز، درب الباحثون، المشاركين على استخدام الجهاز وتحديد "عتبة الإحساس الكهربائي"، بحيث يتم ضبط شدة التيار عند مستوى أقل من هذه العتبة بنحو 1.5 ميلي أمبير، لتفادي الإزعاج وضمان تحفيز عصبي فعّال دون شعور ملموس؛ وكانت الأجهزة مبرمجة مسبقًا وتم التحكم بها عن بُعد، مع متابعة يومية بالفيديو لضمان التزام المتطوعين وتفادي أية مضاعفات.
وأظهرت النتائج أن المجموعة الأولى، التي جمعت بين تحفيز العصب المبهم وتدريب التأمل المخصص لتعزيز التعاطف مع الذات، حققت أعلى مستويات من التحسن الفوري في التعاطف الذاتي، مقارنةً بالمجموعات الأخرى، كما سجل هؤلاء المشاركون تحسنًا تراكميًا في "الوعي الذاتي" مع مرور الوقت عبر جلسات التدريب المتكررة.
وقال المؤلف الرئيسي للدراسة سونجيف كامبوج، الباحث في قسم علم النفس وعلوم اللغة بجامعة لندن: "وجدنا أن تطبيق نبضة كهربائية خفيفة على الأذن لتحفيز العصب المبهم يمكن أن يعزز تأثير بعض تقنيات التأمل، خاصة تلك التي تركز على تنمية التعاطف مع الذات".
وأضاف أن تحفيز العصب المبهم وحده لم يُظهر فوائد كبيرة، لكنه يعمل كمُعزز فعّال لتدريبات التأمل الذهني، التي أصبحت تُستخدم على نطاق واسع لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من مشكلات نفسية وجسدية.
وتابع كامبوج: "التأمل ليس بالأمر السهل، بل يتطلب التزامًا ومثابرة، لذا فإن ابتكار طرق لتسريع وتحسين فعاليته ربما يكون تقدمًا مرحبًا به من قِبل المعالجين والمرضى على حد سواء"، أضاف كامبوج.
ورغم النتائج الإيجابية، أشار الباحثون إلى ضرورة إجراء المزيد من الدراسات طويلة المدى لفهم مدة تأثير التحفيز، وكيف يمكن تحسين التقنية.
واقتصرت الدراسة الحالية على مشاركين أصحاء لا يعانون من اضطرابات نفسية، لذا فإن السؤال الأهم الذي يتطلب دراسة مستقبلية هو: هل يمكن أن يستفيد مرضى القلق أو الاكتئاب أو الصدمات النفسية من هذا النوع من التحفيز العصبي المصاحب لتأمل التعاطف؟
وتأتي هذه النتائج بعد أسبوع فقط من نشر دراسة أخرى شارك فيها باحثون من جامعة لندن أيضًا، وجدت أن تحفيز العصب المبهم ربما يساعد أيضًا في تحسين اللياقة البدنية وتحمل التمارين الرياضية، ما يعزز الفرضية القائلة بأن هذا العصب يشكل بوابة واعدة لتحسين وظائف جسدية ونفسية متعددة.
وكشف الباحثون أن تحفيز العصب المبهم عبر الأذن باستخدام نبضات كهربائية غير مؤلمة يمكن أن يعزز القدرة على ممارسة الرياضة، عبر تعديل التوازن العصبي الذاتي وتقليل الالتهابات في الجسم.
وعززت هذه النتائج التوجه المتزايد نحو استخدام تقنيات التحفيز العصبي غير الجراحي كأدوات مساعدة في تحسين الصحة الجسدية والنفسية؛ فالتمارين البدنية المنتظمة، خصوصًا النشاط البدني المبرمج متوسّط إلى عالي الشدة، تُعد من أكثر التدخلات الصحية فعالية وكفاءة في تحسين صحة القلب والأوعية، الوقاية من السكري النوع الثاني، وتقليل خطر الإصابة بأمراض التنكس العصبي والسرطان.
ولكن رغم وعي الجهات الصحية العامة بهذه الفوائد، فإن السياسات العامة لتشجيع النشاط البدني لم تُحدث الأثر المرجو على نطاق واسع، فالعوائق السلوكية والبدنية والنفسية تظل حاضرة في حياة كثير من الأفراد.
ولا تعتمد القدرة على ممارسة الرياضة فقط على عضلات قوية أو رئتين سليمتين، بل هي رهينة لجهاز عصبي دقيق يُنسق استجابة الجسم لمتطلبات النشاط البدني، خاصة من خلال توازن دقيق بين الجهازين الودي (المرتبط بردود الفعل السريعة) واللاودي (الباراسمبثاوي)، الذي يهيمن عليه العصب المبهم، هذا العصب الطويل الذي يمتد من الدماغ إلى أحشاء الجسم يلعب دورًا حاسمًا في تعديل دقات القلب، وتنظيم التنفس، ومكافحة الالتهابات.
رغم أن التحفيز لم يُقصد به أن يحل محل التمارين الرياضية، إلا أن نتائجه واعدة إذ أن البيانات تشير إلى أن التحفيز المنتظم للعصب المبهم ربما يحسّن من الأداء القلبي التنفسي، وربما يساعد في تحفيز الاستجابة المضادة للالتهاب المرتبطة عادة بالرياضة، في حالات مثل فشل القلب أو ضعف اللياقة البدنية المرتبط بالعمر، ربما يشكل هذا النوع من التحفيز أداة مساعدة في رفع القدرة على التحمل وتحسين جودة الحياة.
وبينما لا تزال هناك حاجة للمزيد من البحث، فإن النتائج تفتح الباب أمام تطبيقات جديدة للتقنيات العصبية في العلاج النفسي والتطوير الذاتي، خاصة في وقت يبحث فيه العالم عن أدوات فعالة لتحسين الصحة العقلية دون آثار جانبية دوائية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 2 ساعات
- الشرق الأوسط
خطأ شائع في تناول الطعام قد يعوق إنقاص الوزن
كشفت دراسةٌ جديدة أن هناك خطأ شائعاً بسيطاً يتعلق بتناول الطعام يمكن أن يعوق إنقاص الوزن. وهذا الخطأ يرتبط بتوقيت تناول الوجبات خلال اليوم. ووفق صحيفة «نيويورك بوست» الأميركية، فقد تابعت الدراسة ما يقرب من 1200 بالغ يعانون زيادة الوزن والسمنة في إسبانيا، شاركوا في برنامج لإنقاص الوزن لمدة 16 أسبوعاً. وكان نحو 80 في المائة منهم من النساء، بمتوسط أعمار 41 عاماً. وقام الباحثون بحساب درجة الخطورة الجينية المتعددة لمؤشر كتلة الجسم، وهو مقياس وراثي لخطر السمنة. كما تتبعوا أوقات تناول المشاركين للطعام، وصنفوهم إلى «مبكرين» و«متأخرين»، بناءً على توقيت تناول وجباتهم، خاصة الأولى والأخيرة. وبعد متابعةٍ استمرت 12 عاماً، وجد الباحثون أن المشاركين اكتسبوا وزناً إضافياً بنسبة 2.2 في المائة لكل ساعة تأخّر فيها تناول وجبتهم. وأشار الفريق أيضاً إلى أن وجود استعداد جيني للسمنة يفاقم المشكلة. فخلال فترة الدراسة، شهد المشاركون ذوو الاستعداد الوراثي العالي للسمنة ارتفاعاً في مؤشر كتلة الجسم لديهم بأكثر من نقطتين لكل ساعة تأخروا فيها عن تناول الطعام. ولم يُلاحظ أي ارتباط من هذا القبيل لدى الأشخاص ذوي المخاطر الجينية المنخفضة. وكتب الباحثون، في دراستهم: «كان لدى الأشخاص المعرضين لخطر وراثي مرتفع للإصابة بالسمنة، والذين يتناولون وجباتهم في وقت متأخر أعلى مؤشر كتلة جسم، بينما حافظ مَن يتناولون الطعام مبكراً على انخفاض مؤشر كتلة جسمهم». وأضافوا: «تشير هذه النتائج إلى أن تناول الطعام مبكراً قد يكون ذا أهمية خاصة للأفراد الذين لديهم استعداد وراثي للسمنة». وتُشير التقديرات الحالية إلى أن هناك أكثر من مليار شخص يعانون السمنة في جميع أنحاء العالم. وحذّرت دراسة عالمية، نُشرت في مارس (آذار) الماضي، من أن أكثر من نصف سكان العالم، بواقع 3.8 مليار شخص بالغ، وثلث الأطفال والمراهقين (746 مليون شخص)؛ مهددون بخطر زيادة الوزن أو السمنة بحلول عام 2050، ما لم تُتخذ إصلاحات سياسية عاجلة وإجراءات فعّالة.


الشرق الأوسط
منذ 3 ساعات
- الشرق الأوسط
لهذا السبب... باحثون ينصحون الحوامل بتناول الفلفل الحار
توصلت دراسة جديدة إلى أن تناول النساء الحوامل للفلفل الحار، مرة واحدة على الأقل شهرياً، يمكن أن يقلل خطر الإصابة بسكري الحمل. ووفق صحيفة «نيويورك بوست» الأميركية، فقد أُجريت الدراسة على 1397 امرأة حاملاً جرت متابعة استهلاكهن للفلفل الحار وتأثيره على مستويات السكر لديهن، وعلى احتمالية إصابتهن بالسكري في الثلث الأخير من الحمل. وانخفضت احتمالية إصابة النساء اللاتي تناولن الفلفل الحار مرة واحدة شهرياً بسكري الحمل بنسبة 3.5 في المائة؛ أيْ أقل من نصف نسبة الخطر البالغة 7.4 في المائة لدى النساء اللاتي لم يتناولنه قط. وأشار الباحثون المنتمون لجامعة بافالو الأميركية إلى أن السبب في ذلك قد يرجع لاحتواء الفلفل الحار على الكابسيسين، وهو المركب المسؤول عن حرارته وحرقته المميزة. وقد أثبتت الدراسات التي أُجريت على البشر والحيوانات فعاليةً واعدةً لهذا المركب في تنظيم سكر الدم عن طريق إبطاء امتصاص الغلوكوز وتعزيز حساسية الإنسولين. وقال الدكتور شياو تشونغ وين، الباحث الرئيسي للدراسة: «يمكن دمج الاستهلاك المعتدل للفلفل الحار في نظام غذائي متوازن لعلاج سكري الحمل، إلى جانب التوصيات السريرية الأخرى، مثل الفحص المبكر والتشخيص وممارسة الرياضة وتناول الأدوية حسب الحاجة». ويحدث سكري الحمل عندما تتداخل هرمونات الحمل مع قدرة الجسم على استخدام أو إنتاج الإنسولين، الذي يساعد على تنظيم سكر الدم، وفقاً لعيادة كليفلاند. وإذا لم يُسيطر على ارتفاع سكر الدم أثناء الحمل، فقد يزيد ذلك من المخاطر الصحية على الأم، بما في ذلك زيادة احتمالية الإصابة بتسمم الحمل والولادة القيصرية. وقد يتأثر الأطفال أيضاً بهذا الأمر، فالأطفال المولودون لأمهات مصابات بسكري الحمل غير المُعالَج هم أكثر عرضة للولادة المبكرة، وزيادة الوزن عن المعدل الطبيعي، وصعوبة التنفس. كما تُواجه كل من الأم والطفل زيادة طفيفة في خطر الإصابة بداء السكري من النوع الثاني في وقت لاحق من الحياة.


الرجل
منذ 5 ساعات
- الرجل
دراسة عالمية تفسر ميل البعص لتصديق نظريات المؤامرة
أظهرت دراسة دولية حديثة، نُشرت في المجلة الأوروبية لعلم النفس الاجتماعي، أن الأفراد الذين يميلون لرؤية أنفسهم كضحايا لظلم شخصي أكثر عرضة لتبني نظريات المؤامرة، بما في ذلك تلك المتعلقة بتغيّر المناخ واللقاحات. قاد البحث دانيال توريبيو-فلوريس Daniel Toribio-Flórez من جامعة كِنت، بالتعاون مع أكثر من 70 باحثًا من مؤسسات في أوروبا والأميركتين وآسيا وأوقيانوسيا. في المرحلة الأولى، استخدم الباحثون بيانات من استطلاعين في ألمانيا شملوا 743 مشاركًا من أعمار وخلفيات متنوعة. قاس المشاركون درجة الحساسية للعدالة من منظور الضحية عبر مقياس مكون من عشرة أسئلة، إلى جانب مقياس مكون من خمسة أسئلة لقياس الميل العام لتصديق المؤامرات. النتائج أظهرت ارتباطًا إيجابيًا صغيرًا إلى متوسط بين الشعور بالاضطهاد الشخصي والميل إلى التفكير المؤامراتي، حتى بعد ضبط سمات مثل انعدام الثقة والحاجة إلى السيطرة والانتماء السياسي. كيف يرتبط الشعور بالظلم الشخصي بالإيمان بالمؤامرات؟ وسع الفريق البحثي نطاق الدراسة من خلال مشروع Trust in Science and Science-Related Populism (TISP) ManyLabs، حيث جمعوا بيانات من نحو 15 ألف مشارك في 15 دولة، من بينها أستراليا وألمانيا والمكسيك والولايات المتحدة. استخدم الاستبيان مقياسًا مختصرًا من سؤالين لقياس الحساسية للظلم الشخصي، إضافة إلى ثلاثة مقاييس للإيمان بالمؤامرات: الاعتقاد العام بأن السلطات تخفي الحقيقة، ونظرية مؤامرة تغيّر المناخ، ونظرية مؤامرة اللقاحات. الحساسية الفردية للظلم - المصدر: shutterstock أظهرت التحليلات الإحصائية أن الحساسية الفردية للظلم ارتبطت بشكل ثابت بمستويات أعلى من الإيمان بالمؤامرات داخل معظم الدول، وكان الارتباط أقوى مع المعتقدات العامة وأضعف مع نظريات المناخ. حتى بعد ضبط العوامل الديموغرافية والانتماء السياسي ومستوى التدين، بقي هذا الارتباط قائمًا، ما يشير إلى أن الشعور بالاضطهاد الشخصي يلعب دورًا مستقلًا عن العوامل الأخرى. لماذا يختلف ارتباط الاضطهاد بالمؤامرات بين الدول؟ أوضحت الدراسة أن قوة العلاقة بين الشعور بالاضطهاد الشخصي والميل إلى تصديق نظريات المؤامرة تختلف من بلد لآخر. ففي دول مثل الولايات المتحدة ونيوزيلندا وأستراليا، كانت العلاقة أقوى بكثير، بينما كانت ضعيفة أو شبه معدومة في دول مثل كوستاريكا وتشيلي وكولومبيا. بحث الباحثون في تأثير عوامل مثل الثروة الوطنية، وعدم المساواة، ومستوى الفساد، والثقافة السائدة بين الفردية والجماعية، والتجارب التاريخية للعنف أو القمع السياسي، إلا أنهم لم يجدوا سببًا واضحًا يفسر هذه الفروق. وأشاروا إلى احتمال أن تكون المجتمعات الفردية أكثر عرضة لظهور هذا الارتباط، لكن النتيجة لم تكن حاسمة. وأكد الفريق البحثي أن طبيعة الدراسة الارتباطية لا تسمح بالجزم باتجاه العلاقة، أي ما إذا كان الشعور بالاضطهاد يؤدي إلى تبني نظريات المؤامرة أو أن الإيمان بالمؤامرات يزيد من الشعور بالاضطهاد، داعين إلى المزيد من الأبحاث التجريبية لاستكشاف هذه الديناميكية.