
هل تستطيع إدارة ترامب الاستغناء عن "سبيس إكس"؟
وتأتي هذه الخطوة بعد أيام فقط من كتابة ترامب لمنشور على منصة "تروث سوشيال"، دعا فيه إلى إنهاء العقود الحكومية مع شركات ماسك، في محاولة لتقليص الإنفاق الحكومي.
وطلب مسؤول رفيع في إدارة الخدمات العامة من وزارة الدفاع ملء جدول بيانات بجميع العقود الحالية مع "سبيس إكس"، ضمن ما عُرف داخليا بـ"بطاقات الأداء"، التي تشمل أيضا تقييما لما إذا كان يمكن لمنافسين آخرين تنفيذ المهام ذاتها بشكل أكثر كفاءة.
ورغم التهديدات العلنية بقطع العلاقات، خلصت المراجعة الأولية إلى أن معظم العقود مع "سبيس إكس" لا يمكن إلغاؤها نظرا لأهميتها الفائقة لمهام وزارة الدفاع (البنتاغون) ووكالة الفضاء الأميركية (ناسا).
وأشار التقرير إلى أن الشركة، التي حصلت على أكثر من 20 مليار دولار من العقود الفدرالية، تحتل موقعا محوريا في القدرات الفضائية الأميركية، سواء في عمليات إطلاق الصواريخ أو في خدمات الإنترنت الفضائي عبر أقمار "ستارلينك".
كما أبرزت المراجعة الدور المهيمن الذي تلعبه "سبيس إكس" عالميا باعتبارها المزود الرئيسي لإطلاق الصواريخ والاتصال الفضائي، في وقت تعاني فيه الشركات المنافسة من تأخيرات فنية وتحديات في تطوير تقنياتها.
علاقة متوترة
وكان ماسك قد لعب دورا سابقا في إدارة ترامب، حيث ترأس "وزارة كفاءة الحكومة"، وهي مبادرة هدفت إلى تقليص التكاليف وتحسين الأداء الحكومي. إلا أن العلاقة بين الطرفين تدهورت بعد أن انتقد ماسك علنا سياسات الرئيس الأميركي الاقتصادية، خصوصا قانون الضرائب والإنفاق، مما أدى إلى تصعيد في التوترات الشخصية بينهما.
وفي خضم هذا التوتر، هدد ماسك بوقف تشغيل مركبة "كرو دراغون" التابعة لسبيس إكس، وهي المركبة الأميركية الوحيدة المعتمدة حاليا لنقل رواد الفضاء إلى محطة الفضاء الدولية، مما أثار قلقا داخل وكالة ناسا.
وقال مسؤولون حكوميون إن الوكالات الفدرالية توسع شراكتها مع "سبيس إكس" بسبب التكنولوجيا المتقدمة والأسعار التنافسية التي تقدمها الشركة.
ومع ذلك، تحاول الإدارة الأميركية، حسب التقرير، تحفيز المنافسة في قطاع الفضاء من خلال إعادة تصميم العقود ودفع الشركات الأخرى لتطوير حلول بديلة، وإن كانت لا تزال تواجه تحديات تقنية وتأخيرات كبيرة.
في السياق نفسه، التقت رئيسة "سبيس إكس" غوين شوتويل بمسؤولي البيت الأبيض خلال الأسابيع الأخيرة بينما كانت المراجعة جارية، وذلك بهدف تأكيد التزام الشركة بمهماتها الحكومية.
استمرار الهيمنة
ورغم الخلاف بين ماسك وترامب، واصلت "سبيس إكس" حصد العقود الحكومية المهمة. ففي أبريل/نيسان الماضي، فازت الشركة بعقد جديد من البنتاغون بقيمة 5.9 مليارات دولار يتضمن تنفيذ 28 عملية إطلاق ضمن برنامج الأمن القومي.
كما أطلقت قمرا اصطناعيا متطورا لنظام تحديد المواقع العالمي (جيه بي إس) في مايو/أيار، وتستعد وكالة ناسا لإرسال طاقم جديد إلى محطة الفضاء الدولية على متن مركبة تابعة لها.
إضافة إلى ذلك، وسعت "سبيس إكس" أعمالها في تقديم الإنترنت للوكالات الحكومية عبر منظومة "ستارلينك"، إلى جانب تقديم خدمات أمن قومي عبر فرعها "ستارشيلد"، الذي سبق أن حصل على عقد سري مع وكالة استخبارات أميركية مسؤولة عن تشغيل أقمار التجسس.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
تلغراف: التسجيلات السرية التي قد تكشف حقيقة علاقة ترامب بإبستين
قالت صحيفة تلغراف إن ما يقرب من 100 ساعة من التسجيلات قد تكشف تاريخا متشابكا من الامتيازات والصراعات والولاء الممزق بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والممول جيفري إبستين ، الذي انتحر أثناء انتظار محاكمته بتهمة الاتجار بالجنس. وأشارت الصحيفة -في تقرير بقلم إد كامينغ- إلى أن مايكل وولف الذي كتب 4 من أكثر الكتب مبيعا عن رئاسة ترامب، كان قد بدأ بتسجيل مئات المقابلات مع إبستين قبل 5 سنوات من وفاته عام 2019، وحضر فعاليات حصرية في شقته بنيويورك. ومع ذلك لم يجرؤ أي ناشر ولا مذيع على الاقتراب من الملف المتفجر، الذي يزعم صاحبه أنه يمتد لما يقرب من 100 ساعة من التسجيلات، مقسمة على حوالي 30 جلسة، بل إن وولف نفسه لم ينشر حتى الآن سوى مقتطفات من هذه التسجيلات التي أصبحت الآن من أكثر المواد طلبا في أميركا. وذكّر الكاتب بأن إبستين انتحر وهو ينتظر المحاكمة بتهمة الاتجار بالجنس، عبر توفير بائعات هوى بعضهن قاصرات، لأصدقائه ومعارفه، وقد ظلت قاعدة ترامب المؤيدة له من حركة "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" (ماغا) تطالب بالإفراج عن وثائق سرية حول قضيته، معتقدة أنها قد تدين شخصيات بارزة، وخاصة الرئيس السابق بيل كلينتون. إستراتيجيتهم ترتد عليهم وقد استغل ترامب، الذي كان صديقا لإبستين لسنوات قبل الخلاف المرير بينهما عام 2004، الموقف على أكمل وجه، مشيرا مرارا وتكرارا إلى وجود مواد متفجرة بحوزة السلطات، ستظهر إذا أعيد انتخابه، وذلك مع تلميح بأن إبستين ربما لم يمت منتحرا. ولكن مع تراجع ترامب عن وعوده بالكشف عن ملفات إبستين، بدأ معلقو "ماغا" ينقلبون عليه، وذكّره حليفه السابق الجنرال المدان مايك فلين، بأن "قضية إبستين لن تنتهي"، لترتد على ترامب وفريقه إستراتيجيتهم، بعد أن أججوا نظريات مؤامرة إبستين، وأنه احتفظ بقائمة العملاء. إعلان يقول وولف في تقرير له إن ترامب وإبستين كانا في وقت ما متقاربين أكثر مما كان يعتقد سابقا، كانا ثريين في أعمار متقاربة، واختلطا في مجالات متشابهة وتواصلا اجتماعيا بشكل متكرر، ووصف ترامب إبستين بأنه "رجل رائع" وبأنه "يحب النساء الجميلات بقدر ما أحبهن، وكثيرات منهن في الفئة العمرية الأصغر". وفي ملفات صوتية نشرت سابقا في بودكاست لوولف بعنوان "النار والغضب"، قال إبستين إنه كان "أفضل صديق" لترامب لمدة 10 سنوات، وقد كان لديهما المال والطائرات، وتجاهل تام لقواعد الطبقة المتوسطة. يقول وولف "كانت لديهما نفس الاهتمامات. فعلا نفس الأشياء، ومارسا نفس الأنشطة، وسعيا في كثير من الأحيان إلى نفس النساء. اتصل بي أحدهم، وقال ألا تقصد أن ترامب كان مهتما بالفتيات الصغيرات؟ فقلت له "لا … كانا مهووسين بعارضات الأزياء". يقول وولف إن الصداقة بين الرجلين تركزت في بالم بيتش فلوريدا، حيث كانا جارين، و"كانت لدى إبستين مجموعة من 12 صورة لترامب حول مسبحه"، يصف الكاتب 3 منها يظهر فيها ترامب مع نساء عاريات الصدور، ويقول إنها كانت محفوظة في خزنة إبستين التي استولى عليها مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) عندما داهم منزليه في نيويورك وبالم بيتش في يوليو/تموز 2019. وأشار الكاتب إلى أن تقريرا لصحيفة وول ستريت جورنال زعم في الأسبوع الماضي أن ترامب أرسل إلى إبستين بطاقة في عيد ميلاده الـ50 عام 2003، عليها رسم لامرأة عارية، وكتب عليها "أتمنى أن يكون كل يوم سرا رائعا آخر"، ولكن ترامب نفى ذلك على الفور، وقال "هذه ليست لغتي… ليست كلماتي". خلاف حاد وفي أعقاب هذه القصة، منع البيت الأبيض صحيفة وول ستريت جورنال من تغطية رحلة الرئيس المرتقبة إلى أسكتلندا بسبب "السلوك الزائف والتشهيري"، وتحرك ترامب لمقاضاة الصحيفة المملوكة ل روبرت مردوخ مطالبا بتعويض قدره 10 مليارات دولار، وتحدث عن تعرضه "لحملة شعواء". والاثنين الماضي، صرح مدير الاتصالات في البيت الأبيض ستيفن تشيونغ، بأن ترامب طرد إبستين من ناديه لكونه "مريبا"، ووصف الادعاءات المتعلقة به بأنها "أخبار كاذبة قديمة معاد تدويرها". وذكر الكاتب أن خلافا "حادا" نشب بين ترامب وإبستين عام 2004، بعد عقود من الصداقة، بشأن صفقة عقارية، وبعد ذلك بدأت الاتهامات الجنائية تتراكم حول إبستين، وبلغت ذروتها في الحكم عليه بالسجن 13 شهرا بتهمة الدعارة عام 2008. في عام 2014، تواصل إبستين مع وولف، وهو صحفي مرموق، وكاتب عمود في مجلة فانيتي فير، بهدف الكتابة عنه، وذلك في وقت بدأ فيه وولف بالكتابة عن ترامب، قبل أن يصدر كتاب "النار والغضب"، أول رواياته عن فترة الرئيس في البيت الأبيض. ويتذكر وولف أن إبستين قال له "يمكنك أن تسألني عن أي شيء، ليس لدي ما أخفيه، وأنت تحكم بنفسك على صدقي"، وبعد محادثتين "مثيرتين للاهتمام للغاية"، بدأ وولف بحضور الفعاليات التي أقامها إبستين في قصره، يقول وولف "كان الأمر استثنائيا نوعا ما"، كان الناس هناك رائعين، من بيل غيتس إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك. ويقول وولف "كان إبستين يدير هذه الأمور على مائدة طعامه. كان الناس يتوافدون من الصباح حتى المساء. كان هناك عدد قليل جدا من النساء، وكان المكان أشبه بناد للرجال. لكن بصراحة، كان الأمر لا يقاوم، وأعترف أنني استمتعت بوقتي. كانت المواضيع هي السياسة الخارجية والاقتصاد. لا فتيات، لم يكن هذا الموضوع مطروحا أبدا". يعتقد أن ترامب أبلغ عنه ويفصل وولف في مقال نشر عام 2020 بعنوان "الأيام الأخيرة لجيفري إبستين"، الخلاف بين إبستين وترامب، إذ يصف إبستين ترامب "بالأحمق"، ويطلق ادعاءات مهينة حول أسلوب قيادته"، وبعد الخلاف حول صفقة العقارات، اعتقد إبستين -حسب وولف- أن ترامب الذي كانت تربطه علاقات وثيقة بأجهزة إنفاذ القانون في فلوريدا، هو من أبلغ عنه قبل سجنه بتهمة استغلال العاهرات عام 2008. بعد الخلاف حول صفقة العقارات، اعتقد إبستين أن ترامب الذي كانت تربطه علاقات وثيقة بأجهزة إنفاذ القانون في فلوريدا، هو من أبلغ عنه قبل سجنه بواسطة مايكل وولف يقول وولف إن آخر رسالة كتبها له إبستين تلقاها مساء الجمعة، ثم مات إبستين صباح السبت، وملاءة السرير حول رقبته، ثم أصبحت ظروف وفاة إبستين مصدر قلق كبير لمنظري المؤامرة، لأنه عثر عليه فجر العاشر من أغسطس/آب 2019، معلقا على جانب سرير زنزانته، وحكم بانتحاره شنقا، ولكن محاميه طعنوا في هذه الرواية، خاصة أن الحارسين اللذين كان من المفترض أن يتفقداه قد ناما، وتعطلت كاميرتا مراقبة مثبتتان أمام زنزانته في اللحظة الحاسمة. يقول وولف "يبدو من غير المعقول أن يكون قد انتحر بالطريقة التي يزعم أنه كان سيقتل بها نفسه، ولكن من غير المعقول أيضا أن يكون قد قتل وأن جميع الأشخاص، وعملاء مكتب التحقيقات الفدرالي ومساعدي المدعين العامين الأميركيين على علم بالأمر والتزموا الصمت بشأنه. لا أعرف". وفي السنوات التي تلت وفاة إبستين، حاول وولف لفت الانتباه إلى ما يزعم أنه المدى الحقيقي لعلاقته بترامب، لكنه لم يحظَ باهتمام كبير حسب الكاتب. ويقول وولف إنه عرض معالجات أوسع نطاقا "لكميات لا حصر لها من تسجيلاته". ويقول المؤلف إنه يعتقد جزئيا أن الصحافة لم تكن مستعدة لمواجهة صداقة ترامب مع إبستين بشكل أكبر، "كان هناك رأي بين الصحافة المحترمة، بأن هذا الموضوع مقزز للغاية. الناس الطيبون لا يناقشون هذا. يعتقدون أنه سيكون ساخنا جدا بحيث لا يمكن التعامل معه، سيصرخ علينا الجناح اليميني وسيصرخ علينا الجناح اليساري وستصرخ علينا النساء وسيصرخ علينا ترامب. لن نكون أبطالا في نظر أحد إذا روينا هذه القصة".


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
ماذا تعرف عن المؤرخ الذي توقع صعود ترامب واقتحام الكونغرس؟
في صيف عام 2010، نشر بيتر تورشين، عالم البيئة الروسي المولد الذي قرر التحول إلى مؤرخ، تنبؤًا غريبًا ومثيرًا في مجلة "نيتشر" العلمية. استند الرجل في ورقته البحثية إلى مجموعات بيانات ونماذج رياضية تبدو غامضة، مدعيًا أن المجتمع الأميركي سيشهد موجة دراماتيكية من التوتر السياسي والاجتماعي في وقت ما حوالي عام 2020. مرّ كلام تورشين مرور الكرام على دوائر السياسة وصناع القرار، ولم يُعره أحد اهتمامًا يُذكر. بعد 10 سنوات وبضعة أشهر، وفي يناير/كانون الثاني 2021، وبينما كانت قنابل الغاز تتساقط في ساحة "لافاييت" بقلب العاصمة الأميركية واشنطن، مستهدفة أنصار الرئيس الأميركي الخاسر في الانتخابات حينها دونالد ترامب ، الذين كانوا يحاصرون مبنى الكابيتول (مقر الكونغرس)، فيما عُرف بتمرد السادس من يناير، بدا تحذير تورشين نبوءةً صادقة بشكل مخيف. تورشين لم يعتبر نفسه نبيًا يوحى إليه، لكن المتابعين رأوا صعود ترامب تأكيدًا لما قاله، ورأوا في اقتحام مبنى الكابيتول اعترافًا بمصداقية الأدوات التحليلية والنماذج الرياضية التي استخدمها للتنبؤ. إنه عالم، وما يمارسه هو العلم الذي أطلق عليه اسم "ديناميكيات التاريخ" (Cliodynamics)، وهو تخصص يتعامل مع التاريخ باعتباره نظامًا فيزيائيًا، يخضع للرياضيات، وتحكمه دورات، وتؤثر فيه حلقات التغذية الراجعة، وتميزه نقاط التحول. فقد قال تورشين في مقابلة عام 2023 مع بودكاست "التبسيط العظيم" (The Great Simplification): "إننا الآن في وضع حساس للغاية.. إن فردًا واحدًا فقط يُمكنه دفع المسار إما إلى حرب أهلية فوضوية، وإما إلى الإصلاح والتجديد". لكن إذا كان تورشين قد تنبأ بهذه القلاقل، فماذا عن تنبؤاته الأخرى؟ والسؤال الأهم، هل يسير التاريخ بهذه الدقة الرياضية بالفعل؟ وإن كان كذلك، فما الذي نحتاج أن نعرفه عن أدواته؟ وهل يمكننا استخدامها للتنبؤ بمستقبلنا أيضًا؟ إعلان تورشين وصعود ترامب وانهيار الحضارة يمثل بيتر تورشين، عالم العلوم المعقدة ورائد علم الكليوديناميكس، الذي صاغ المصطلح عام 2003 لأول مرة، شخصية محورية في مجال تخصصه الذي يُعنى بفهم الديناميكيات التاريخية للمجتمعات والدول. يصف تورشين الشخصيات -مثل دونالد ترامب- بأنهم نماذج كلاسيكية لما يطلق عليها "النخب المضادة"، من حيث كونهم أفرادا يتمتعون بامتيازات عالية في مجتمعاتهم، لكن طموحاتهم تُحبَط بسبب تضخم النخب السياسية التقليدية، مما يدفعهم إلى التطرف وتعبئة الجماهير الذين يميلون إلى القوميات الوطنية لتحدي النظام القائم. كما ينظر إلى هذه " الشعبوية" التي يمثلها ترامب تحت شعار "أميركا أولا"، كنتيجة مباشرة لعدم المساواة في الثروة وتضخم النخب المسيطرة، وهي عوامل يسلط نموذج "الكليوديناميكس" الضوء عليها كمحركات للتفكُك المجتمعي والاضطرابات السياسية. وفقًا لتورشين، يُعد صعود شخصيات مثل ترامب ظاهرة ليست في ذاتها السببَ الجذري لعدم الاستقرار، بل إن هذا الصعود عَرَضٌ للمحركات الهيكلية الكامنة في المجتمع. يمثل ترامب نموذجًا "للنخب المضادة" التي تَظهر نتيجة للإفراط في إنتاج النخبة وإفقار الجماهير، والتي تستغل السخط الشعبي وعدم المساواة في الثروة لتحدي النظام القائم، فالولايات المتحدة تمر حاليًا "بمرحلة ممتدة من الانهيار المنهجي"، وتبدو فيها المعارك الانتخابية مجرد "معركة واحدة في حرب مستمرة" حيث تسعى النخب المضادة إلى إزاحة "الدولة العميقة" المتجذرة. ومع ذلك، فإن نجاح هذه النخب المضادة ليس مضمونًا، وقد تؤدي التوترات الأيديولوجية والشخصية داخل تحالفاتهم إلى تفككها. ويستدل على ذلك بالسوابق التاريخية، فالخروج من هذه الأزمات غالبًا ما ينطوي على عنف شديد، وحروب أهلية، وثورات، وفقدان كبير للأرواح، وتدهور اجتماعي واسع النطاق، مما يؤدي إلى "إعادة ضبط" الدورة المجتمعية. في كتابه "أزمنة النهاية" (End Times) المنشور عام 2023، بعد نهاية فترة ولاية ترامب الأولى، وقبل فوزه على الرئيس السابق جو بايدن ، يستخدم تورشين فترة ترامب لتوضيح كيف تتجلى الضغوط البنيوية الديموغرافية الكامنة في السياسة المعاصرة، حيث تستغل النخبة المظالم الشعبية والمشاعر القومية واليمينية المتنامية لتحقيق طموحاتها في السلطة، وبالتالي تحقيق أهداف ومشاريع سياسية متطرفة. أما مستقبلا، فيتوقع تورشين أن تستمر الاضطرابات ما لم تُتخذ إجراءات لمعالجة الأسباب الهيكلية الكامنة في سياسات السلطة، والتي يترأسها أمثال ترامب بكل ما يمثّل من ممارسات ليست مألوفة، في حين يعتمد المستقبل على مدى إدراك النخب الحالية للمخاطر النظامية، وهل ستتخذ إجراءات استباقية لإعادة التوازن المجتمعي، أم أنها ستواصل خلق الضغوطات التي ستؤدي إلى مزيد من الاضطرابات، وربما إلى انهيار الحضارة كما نعرفها. المسار الغريب لبيتر تورشين يتميز المسار الفكري لتورشين بغرابة منهجه، تمامًا كنظرياته. وُلد في الاتحاد السوفياتي عام 1957، وهو ابن عالم الكمبيوتر المنشق فالنتين تورشين، وهاجر إلى الولايات المتحدة في سبعينيات القرن الماضي. في الأصل، درس تورشين ليكون عالم أحياء ورياضيات، وبنى مسيرته المهنية في نمذجة ديناميكيات أعداد الحشرات. ولكن في حوالي عام 2000، مر بما يسميها "أزمة منتصف العمر الفكرية"، فانطلق نحو السؤال الطموح: لماذا تنهار المجتمعات؟ منحته دراسته وخلفيته المتنوعة منظورًا متعدد التخصصات، من خلاله، يرى المجتمعات البشرية كأنظمة معقدة قابلة للتحليل الكمي، وهو يتولى حاليا منصب أستاذ بجامعة كونيتيكت الأميركية، كما تركز اهتماماته البحثية على منحنيات التطور التاريخي، وعلم الاجتماع التاريخي الكلي، والتحليل الكمّي للتغيرات الاجتماعية على المدى القريب والبعيد. وقد نشر كثيرًا من المقالات في مجلات علمية محكّمة، بالإضافة إلى تأليفه بضعة كتب، أحدثها كتاب "أزمنة النهاية" عام 2023، وهو أيضا يُدير مشروعا يستهدف توفير بنية تحتية لجمع وتحليل البيانات التاريخية للأمم بشكل منهجي، مما يدعم النتائج التجريبية التي تستشرف تلك التغيرات والتطورات التي تحدث في المجتمعات، كما يدعم عبر قاعدة بياناته الضخمة إمكانية تطبيق هذا المنهج الكمي على التاريخ الإنساني. يقول تورشين: "كان التاريخ هو التخصص الوحيد الذي لم يُحلل رياضيًا". وبناء على المبادئ الدقيقة لعلم التعقيد (Complexity science)، بدأ تورشين بناء نماذج للإمبراطوريات والثورات بالطريقة التي قد يرسم بها عالم الأحياء خرائط لديناميكيات المفترس والفريسة. كانت النتيجة هي علم الكليوديناميكس، الذي يمكن ترجمته إلى الديناميكيات الكلية للتاريخ، وهو نهجٌ يعتمد على البيانات والمحاكاة لرصد إيقاعات التاريخ، بالاعتماد على سجلاتٍ تمتد لآلاف السنين. قد تكون تواريخ الحروب، أو سجلات الأجور، أو الإيرادات الضريبية، أو إحصاءات جرائم قتل سياسية، كل هذا يغذّي الآلة بأنماطٍ متوالية تُمكن العالم من رصدها والتنبؤ بمستقبلها. وأشارت النتائج إلى استنتاجٍ مثير: تمر المجتمعات بموجاتٍ -يمكن توقعها إلى حدٍ ما- من النمو، وعدم المساواة، وعدم الاستقرار، والانهيار. تستند نظريات تورشين إلى إرث فكري عميق، حتى لو لم تُصغ بنفس الطريقة أو تستخدم ذات الأدوات. ففي القرن 14 الميلادي، قدم ابن خلدون في كتابه "المقدمة" إحدى أقدم النظريات حول صعود الحضارات وانهيارها بشكل دائري. فقد رأى ابن خلدون أن الدول تنشأ في رحم العصبية (أي التماسك الاجتماعي)، وتزدهر مع الرخاء، ثم تبدأ بالاضمحلال عندما يقوّض الترف وحدة الجماعة، وهي أفكار تتناغم مع نموذج تورشين حول فائض النخب وتفاقم البؤس الاجتماعي. وحديثًا، رصد مفكرون -مثل أرنولد توينبي- إيقاع التحدي والاستجابة في الحضارات، بينما طوّر عالم الاجتماع السياسي جاك غولدستون نظرية ديموغرافية بنيوية في التسعينيات، حدَّد فيها الضغوط السكانية وتزاحم النخب كعوامل تؤدي إلى الثورات، وهي الأسس التي يستند إليها تورشين صراحةً. حتى جوزيف تاينتر، الذي ربط في دراساته حول انهيار المجتمعات المعقدة، بين فشل المجتمعات والعوائد المتناقصة على التعقيد المؤسسي، سبق تورشين في تحذيراته. لقد سعى هؤلاء المفكرون، عبر قرون وثقافات متعددة، إلى كشف الآليات الخفية التي تحكم صعود الحضارات وسقوطها، وهو التقليد الفكري الذي يحييه تورشين اليوم من خلال النماذج الرياضية، والبيانات التاريخية. خلافًا للمفكرين التاريخيين السابقين عليه، قدم تورشين علم الديناميكيات التاريخية الذي يهتم بتطبيق التحليل الإحصائي حيال التطور التاريخي للمجتمعات. ويفعل ذلك من خلال دمج علم الاجتماع التاريخي الكلي، بما يحوي من تمثلات ثقافية وسياسية واقتصادية، مع البيانات الرياضية للعمليات الاجتماعية طويلة الأمد. كل ذلك بهدف اكتشاف مبادئ ومرتكزات عامة تفسر عمل وتطور تلك المجتمعات عبر التاريخ. ومن خلال هذه الطريقة، يجعل من التاريخ علمًا تحليليًا يتجاوز السرديات والتأريخ الجامد، ليختبر الفرضيات بدقة مقابل البيانات التجريبية، ومن ثم يتنبأ بالتطورات التي ستحدث مستقبلا. هكذا يُعيد علم الكليوديناميكس تعريف الهدف من البحث التاريخي، من حيث وصف الأحداث الماضية، ومسبّباتها، مستندا إلى بنك بيانات ضخم، ومن ثم ينتقل إلى تحديد الآليات الكامنة التي يمكن أن تتنبأ بالتطورات المجتمعية المستقبلية، كما يسعى إلى "قوانين تاريخية" عالمية، وإن كان ذلك مع التحفظات بهدف مراعاة تباينات التطور الثقافي والسلوكي للمجتمعات، وللإجابة أيضا على أسئلة مثل: لماذا تحدث التطورات بطريقة نمطية؟ وماذا قد يحدث بعد ذلك في ظل ظروف مماثلة؟ هذا الطموح التنبؤي له تداعيات عميقة على صنع سياسات الأنظمة الحاكمة، كما له تداعيات حول سؤال: لماذا تصعد هذه الأنظمة من الأساس؟ وكيف نتجنب صعودها؟ لقد أظهرت تطبيقات الكليوديناميكس قدرتها على تفسير أحداث تاريخية سابقة، مثل انهيار الإمبراطورية الرومانية والثورات الأوروبية الصاعدة في القرنين 17 و19، وحتى الثورة المصرية عام 2011، من خلال تحليل كمي للبيانات التاريخية لتلك المجتمعات. كما استطاع تورشين تقديم رؤى حول "قصص النجاح" التاريخية، حيث تمكنت مجتمعات مثل الولايات المتحدة خلال العصر التقدمي، وهي فترة امتازت بالإصلاح السياسي (1897 – 1920)، وبريطانيا في فترة حركة الميثاقية، وهي كذلك حركة قادتها الطبقة العاملة من أجل الإصلاح السياسي في البلاد بين عامي 1838 و1848، كما في روسيا خلال إصلاحات ألكسندر الثاني بداية من عام 1961؛ تمكنت هذه المجتمعات من تجنب الثورات الكبرى وأحداث العنف من خلال سياسات إصلاحية استباقية. كما يُعد "بنك بيانات سيشات" أداة البحث الرئيسية لدى مدرسة تورشين، حيث تُجمع البيانات التاريخية التجريبية لاختبار التنبؤات النظرية حول استشراف التطورات الاجتماعية بما يشمل صعود وانهيار وتأزم المجتمعات، كذلك كيفية تفادي أو تأجيل أو الخروج من تلك الانهيارات، بالإضافة إلى معالجة الضغوطات التي تواجهها. كما يساعد "سيشات" في الإجابة على أسئلة رئيسية حول تطور المجتمعات البشرية المعقدة، ودورات الضغوط الاجتماعية، وسبب خروج بعض المجتمعات من الأزمات سالمة بينما تعاني أخرى. لكن، إلى أي أسس ومرتكزات نظرية تستند إليها مدرسة تورشين وعلم الكليوديناميكس؟ تاريخ العالم يتسق مع نظرياته "في الوقت الحاضر، قد تواجه الحضارة الغربية المصير ذاته نظرًا لوجود علامات واضحة على أزمات متنوعة، مثل اتساع فجوة التفاوتات الاقتصادية والانقسامات السياسية والصراعات العنيفة، فضلًا عن الكوارث البيئية. ويَعتبر بعض المتابعين أن ما يحدث مؤشر على أزمات عالمية متعددة تُشكل تهديدًا خطيرًا، ربما يكون وجوديًّا للمجتمعات المعاصرة".. هكذا وصف بيتر تورشين، تنبؤاته حول تصدّعات الحضارة الغربية، في مقال نشرته مجلة "نيو ساينتيست" في ديسمبر/كانون الأول 2023. يطبق تورشين إطاره المفاهيمي على سياقات تاريخية مختلفة، مثل فرنسا في القرن 14 الميلادي، والحرب الأهلية الإنجليزية بين عامي 1642-1651، وتمرد تايبينغ في الصين عام 1850، وروسيا ما قبل الثورة البلشفية عام 1917، ويرسم أوجه تشابه متعددة مع المناخ الحالي في الولايات المتحدة. ففي الحرب الأهلية الإنجليزية، أسهمت عوامل مثل تضخم النخب الدينية والعسكرية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية للشعب، وضعف السلطة الملكية، في تأجيج الصراع الذي أدى إلى انهيار النظام القائم. ومن أبرز الأمثلة في أبحاث بيتر تورشين هي الصين في أواخر عهد أسرة تشينغ، حيث أدى ازدهار التعليم إلى واحد من أدمى الصراعات في تاريخ البشرية، وهي ثورة تايبينغ (1850-1864). في صميم هذه الأزمة كان نظام امتحانات الخدمة المدنية، وهو نظام بيروقراطي عمره قرون، كان يختار المسؤولين على أساس الجدارة العلمية الكونفوشيوسية. ومع تزايد عدد السكان في القرنين الثامن عشر وأوائل التاسع عشر، استثمرت المزيد من العائلات في تعليم النخبة، مما أغرق النظام بعدد هائل من المرشحين الطامحين. لكن عدد المناصب الرسمية بقي ثابتا نسبيا، مما أدى إلى فائض من الطامحين النخبويين المحبطين، وهم رجال تلقوا تدريبا نخبويا ولديهم طموحات عالية، لكنهم وجدوا أنفسهم بلا طريق نحو السلطة أو المكانة. يصف تورشين هذا الخلل بما يسميه "فائض النخب"، ويعتبره عاملا أساسيا في زعزعة الاستقرار. كثير من هؤلاء المتعلمين المحبطين أصبحوا راديكاليين مؤدلجين، وانضموا إلى الحركات المناهضة لأسرة تشينغ أو حتى قادوها. أحدهم كان هونغ شيوتشوان، الذي كان مرشحا خاسرا في امتحانات الدولة قبل أن يعيد تعريف هويته ليصبح "أخًا ليسوع المسيح"، وقاد ثورة تايبينغ التي أسفرت عن مقتل أكثر من 20 مليون شخص. في نموذج تورشين لم تكن هذه الانتفاضة دينية أو سياسية فحسب، بل كانت حتمية بنيويًّا بمجرد أنْ تجاوز فائض النخب قدرة النظام على الاستيعاب. شهدت أوروبا في العصور الوسطى ديناميكية مشابهة، لا سيما في إنجلترا وفرنسا خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر. ففي إنجلترا، أدّى السلام الطويل إلى نشوء جيل من النبلاء والفرسان لم تعد هناك حاجة إلى خدماتهم العسكرية. ومع انخفاض عدد الحروب وفرص المناصب في البلاط الملكي، وجد أبناء النبلاء الأصغر سنًّا أنفسهم مهمّشين، فاتجه كثير منهم إلى الحروب الخاصة، أو افتعال الفوضى، أو الانضمام إلى الفصائل المتنافسة. بلغ التوتر ذروته في صراعات مثل حرب الوردة، وهي حرب أهلية نخبوية طويلة بين أسرتَيْ لانكاستر ويورك. وفي فرنسا خلال الفترة ذاتها، حدّ تركّز السلطة الملكية تحت حكم آل فالوا من نفوذ أمراء الإقطاع، رغم تزايد أعدادهم. وقد انفجر الغضب بين هؤلاء النبلاء المهمّشين في انتفاضات عنيفة مثل ثورة الجاكوري، ثم أسهم في إذكاء نيران حروب فرنسا الدينية لاحقا. في كلا البلدين، أصبحت الهرمية الاجتماعية ثقيلة في قمتها: عدد كبير من النخب، مقابل عدد محدود من المناصب النخبوية المتاحة. وتكمن بصيرة تيرتشين في أن ما حدث لم يكن فشلا أخلاقيا أو مجرد مصادفة، بل نتيجة نظامية ناجمة عن تفاعلات ديموغرافية ومؤسسية تراكمت عبر الزمن. ما يربط بين هذه اللحظات التاريخية وغيرها هو الضغط الناتج عن تجاوز أعداد الطموحين لعدد الفرص المتاحة، حين تُنتج المجتمعات عددا من الأفراد ذوي التطلعات النخبوية يفوق قدرة النظام على استيعابهم. هؤلاء الطامحون المحبطون يتحولون إلى ما يسميه تورشين النخب المضادة، وهم الأشخاص الذين يمتلكون التعليم، والعلاقات، والضغائن الكافية لتنظيم الاضطرابات السياسية. سواء في الصين في القرن التاسع عشر أو إنجلترا في القرن الخامس عشر، فإن هذه الديناميكيات تخلق تصدعات في النظام السياسي يمكن أن تنفجر في شكل ثورة، أو تمرد محدود أو حرب أهلية. وتكمن مساهمة تورشين في إظهار أن مثل هذه الأحداث ليست انفجارات عشوائية، بل تتبع إيقاعات بنيوية يمكن ملاحظتها وقياسها، وفي بعض الحالات يمكن التنبؤ بها. كما يستشهد تورشين باقتحام مبنى الكابيتول في 6 يناير/كانون الثاني 2021 كحدث يؤكد جوانب مماثلة من تنبؤاته، فقد كان الاقتحام بمثابة مشهد ختامي لفترة رئاسية مليئة بعدم احترام المؤسسات الأميركية، والتفاف السُلطة والقرار حول شخص ترامب النرجسي. وما يُمكن ملاحظته أكثر هو تجلي هذه الممارسات والسلوكيات في الفترة الرئاسية الحالية لترامب. وتُعد الولايات المتحدة دراسة حالة مركزية، تقدم الأبحاث أيضًا أمثلة محددة للإفراط في إنتاج النخب وعواقبه في دول غربية أخرى مثل كندا وأستراليا. في أستراليا، ورغم تشجيع التعليم العالي، يذهب حوالي نصف الأجور في جامعاتها الكبرى للأكاديميين فقط، بينما يواجه العديد من الخريجين ديونًا كبيرة، مما يشير إلى مشكلات تتعلق بالإفراط في إنتاج النخب، وهي إشكالية أساسية في التفاف الثروة حول نخبة بعينها. أما كندا، التي تتمتع بأعلى نسبة من العمال ذوي التعليم العالي في مجموعة الدول الصناعية السبع، فتعاني بشكل متناقض من انخفاض الإنتاجية، وعدم تطابق كبير بين المهارات الأكاديمية ومتطلبات سوق العمل، وأدى ذلك إلى ارتفاع معدل البطالة بين الشباب ، وهو ما اعتبره بنك كندا "حالة طوارئ اقتصادية". يرى تورشين أن الفترة منذ سبعينيات القرن العشرين شهدت تضخما هائلا في التعليم، فقد تزايدت أعداد الشهادات الجامعية والعليا بشكل كبير، دون أن يواكب ذلك توفر وظائف ذات مكانة عالية، مما أدى إلى إيجاد فائض من النخب المحبطة. ويتزامن هذا مع ما يسميه "مضخة الثروة"، حيث أدت زيادة الإنتاجية إلى إثراء النخب، في حين ظلت الأجور على حالها بالنسبة لمستويات المعيشة وغلاء الأسعار، مما ترك الغالبية متخلّفة عن ركب الثراء. ويحذر تورشين من أن هذه الأنماط تزيد من احتمالات التفكك السياسي، حتى لو كان توقيت الانفجار الفعلي غير قابل للتنبؤ. نموذج تورشين يفسر صعود زهران ممداني في نيويورك في هذا السياق، يمكن اعتبار صعود زهران ممداني في سباق رئاسة بلدية نيويورك لعام 2025 نتيجة بنيوية للقوى نفسها التي وثّقها تورشين. فقد شكّل صعوده السريع، من مرشح بعيد بنسبة 1% في فبراير/شباط إلى فوزه في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي بنسبة 56%، دليلا على تصاعد المشاركة السياسية من قِبل مجموعات جديدة تمّت تعبئتها سياسيا. وتشمل هذه المجموعات الناخبين الشباب من حملة الشهادات الجامعية، وكثير منهم يمتلكون مؤهلات أكاديمية دون آفاق مهنية حقيقية -وهم مثال واضح على النخب الفائضة التي تحدث عنها تورشين- وقد التفّوا حول برنامج ممداني الذي يدعو إلى تجميد الإيجارات، والمواصلات المجانية، وزيادة الضرائب على الأثرياء. وبلغة تورشين فإن هؤلاء يمثلون طامحين نخبويين لم تتحقق تطلعاتهم عبر القنوات التقليدية للسلطة أو الاقتصاد. أما قاعدة دعم ممداني الشعبية فقد تكونت بالأساس من طلاب الجامعات المرموقة وخريجيها، والمجتمعات المهاجرة في الولايات المتحدة، ونشطاء من الطبقة المهنية المثقفة، وهي مجموعات تحمل طموحات نخبوية وتركّز على التغيير البنيوي للنظام. ويعكس دعمهم له ما وصفه تورشين بغضب الخاسرين، وهم أفراد يمتلكون مؤهلات أو تطلعات نخبوية لكنهم مستبعدون من الدوائر النخبوية التقليدية. وبالنسبة للعديد من الناخبين من أصول جنوب آسيوية، أو المسلمين، أو التقدميين في ظل صعود اليمين، شكّلت حملة ممداني بوابتهم إلى المشهد السياسي، فهي تتناغم مع رؤاهم بشأن الثروة وتوزيعها ومواقفهم المناهضة للمؤسسة. وتعكس تعبئة هذه المجموعات الفائض من النخب الواعية سياسيا التي تسعى إلى منافذ بديلة للتأثير والتمثيل. إن الهجوم المضاد من قِبل رجال الأعمال، والنخب السياسية التقليدية، وحتى حملات التشويه والإسلاموفوبيا ضد ممداني، كلها تُعد أمثلة حية على ما يتحدث عنه تورشين، إذ يشير الرجل إلى أن المنافسة الشديدة بين النخب، سواء كانت من أجل دعم رجال أعمال ضد آخرين أو ضد الجماهير، أو الحصول على التأييد، أو فرض الهيمنة الأيديولوجية، غالبا ما تؤدي إلى تفكك التماسك السياسي وتغذية الاستقطاب. وفي مدينة نيويورك، تعكس حالة القلق في الأوساط الاقتصادية والانقسامات داخل الحزب الديمقراطي كيف أن النخب التقليدية تقاوم أي فرصة وصول للوافدين الجدد إلى مراكز صنع القرار، مما يسهم في حالة من عدم الاستقرار السياسي. في حالة النخب العتيقة المناهضة لممداني، ظهر ذلك بجلاء خلال الأسبوع الماضي عندما قرر أندرو كومو، المرشح الديمقراطي الخاسر أمام زهران في الانتخابات التمهيدية، الترشح مستقلا على منصب العمدة، فهذه النخب لن تتوقف عن القتال حتى النهاية. إضافات تورشين النظرية لم تكن إضافة تورشين تتعلق بالأدوات فحسب، بل بالأفكار أيضًا. وتُعد النظرية البنيوية الديموغرافية (SDT) مساهمة تورشين الأساسية، وهي إطار مفاهيمي لفهم الضغوط الاجتماعية طويلة الأمد التي يمكن أن تؤدي إلى الاحتجاجات والثورات والحروب الأهلية، وغير ذلك من أحداث جماعية تؤدي إلى انهيار الدول والحضارات. تفترض هذه النظرية أن المجتمعات البشرية المعقدة تتكون من ثلاثة مكونات رئيسية متفاعلة وهي: السكان، والنخب، والدولة، وينشأ عدم الاستقرار من خلال شبكة التفاعلات المتبادلة بين هذه المكونات. تُظهر النظرية أن مؤشرات اجتماعية متباينة، مثل الأجور، والديون، ومستويات التعليم، ترتبط وتتفاعل مع بعضها، بل وتساهم في عدم الاستقرار السياسي. على سبيل المثال، يؤدي النمو السكاني السريع في الدول إلى التوسع الحضري وزيادة الاستهلاك، بما يضغط على الأجور ويزيد من إمكانية تعبئة الجماهير لعدم كفاية هذه الأجور لمتطلبات العيش الجديدة والمُتجددة، بفعل العيش في زمن الاستهلاك. في الوقت نفسه، يمكن أن يؤدي انخفاض الأجور للعامة إلى زيادة إيرادات النخب، بما يُسبب وفرة باهظة لدى تلك النخب، تساعد على زيادة المنافسة والصراع داخلها، وهو ما يُسبب عدم استقرار نظام الحكم. هذا الصراع، بالإضافة إلى استياء الشعب من الفجوات الطبقية التي تظهر وتتضح في كل التمظهرات العمرانية والاستهلاكية، يُضعف سلطة الدولة ويزيد من ضائقتها المالية الرسمية، بما يخلق حلقة مفرغة تؤدي إلى تآكل الثقة وزيادة الانقسامات المُجتمعية وحدوث الاضطرابات، وهذا يعني أن الحفاظ على الاستقرار السياسي والأمن المجتمعي يتطلب نهجًا شموليًا يراعي المساواة بين كل هذه المكونات. وتُظهر أعمال بيتر تورشين الأخرى مسارًا ثابتًا لتطوير نظرياته وتحسينها من خلال تطبيقها على سياقات تاريخية متنوعة وتجميع البيانات التجريبية، مثل الديناميكيات التاريخية: لماذا تنهض الدول وتسقط؟ (2003)، وهو عمل تأسيسي سابق يقدم نماذج رياضية لشرح العمليات التاريخية، وهو بمثابة مقدمة عامة لأهداف وطرق علم الكليوديناميكس. وفي كتابه "الحرب والسلام والحرب.. صعود وسقوط الإمبراطوريات" (2006)، يستكشف تورشين ديناميكيات الدول الإمبراطورية ودور الحرب والتعاون في تطور المجتمعات. أما في كتاب "الدورات العلمانية"، فيدرس الدورات الديموغرافية البنيوية طويلة الأمد في المجتمعات ما قبل الصناعية، ويقدم أدلة تجريبية على الطبيعة الدورية للديناميكيات التاريخية. كما يقدم في كتابه "عصور الفتنة.. تحليل بنيوي ديموغرافي للتاريخ الأميركي" (2017)، تحليلا مفصلا لتاريخ الولايات المتحدة من منظور النظرية البنيوية الديموغرافية، ويُظهر دورتين من الارتفاع الحاد في مؤشر الإجهاد السياسي، بينما يقدم في كتابه "فهم الماضي" إحصائيات تاريخية واسعة، مؤكدًا على الأساس التجريبي والنظري لعلم الكليوديناميكس. يركز بيتر تورشين على أمثلة تاريخية مثلما حدث في فرنسا، بهدف توضيح دورات الازدهار والانهيار المجتمعي. ففي القرن 13 الميلادي، كانت الدولة الفرنسية مزدهرة، لكنها شهدت انهيارًا في خمسينيات القرن 14. كان هذا الانهيار مدفوعًا بصراعات داخلية بين الفصائل النخبوية، بالإضافة إلى النزاعات مع الإنجليز، مما أدى إلى مذابح متبادلة استمرت حتى معركة أجينكور الشهيرة عام 1415. تبع ذلك فترة ثانية من الانهيار حتى عام 1453، حيث بقي الجنود الإنجليز في فرنسا لنهب ما تبقى من ثروات الدولة. خلال هذه الفترة، انخفض عدد سكان فرنسا إلى النصف تقريبًا، ليصل إلى حوالي 10 ملايين نسمة، ما أدى إلى انخفاض عدد النبلاء، أي النخبة الرأسمالية بالمفهوم الحديث، بمقدار ثلاثة أرباع، مما أتاح المجال المجتمعي لبداية دورة جديدة من الاستقرار والنمو مرة أخرى، حيث إن الزيادة السكانية مع ارتكاز الثروة بيد نخبة قليلة، بالإضافة إلى تصارعها فيما بينها حول هذه الثروة، فضلا عن الصراع مع الإنجليز أو أي قوى خارجية، تُضعف الدولة وتمهد الطريق إلى انهيارها. يؤكد هذا التطور في كتابات تورشين وتعدد النماذج التي يرصدها، استمراريته في البحث عن التكامل النظري. ففي "الديناميكيات التاريخية" وضع الأساس النظري، وقدم "الدورات العلمانية" بهدف التحقق التجريبي، ثم طبق "عصور الفتنة" النظرية على تاريخ الولايات المتحدة، وأخيرًا قام في "أزمنة النهاية" بتوليف هذه النتائج لجمهور كبير، ما يوضح الالتزام بتوليد الفرضيات، والاختبار، والنشر العام، ويعزز من ادعاء أهمية علم الكليوديناميكس وتأثيره على صناعة السياسات التي تحكم المجتمعات والدول معًا. لكنه لم يسلم من الانتقادات شهد علم الكليوديناميكس دعمًا متزايدًا في المجتمع العلمي خلال العقدين الأخيرين، مما أدى إلى إطلاق مجلته الأكاديمية الخاصة " Clio Dynamics: The Journal of Quantitative History and Cultural Evolution " في عام 2010. لكن، ورغم الدعم، انتقد العديد من المؤرخين والباحثين من ذوي التخصصات المتباينة، نظريات وكتابات تورشين ومدرسته النظرية، وغالبًا ما كانت ردود أفعالهم سلبية تجاه التغطية الصحفية الشعبية المثيرة التي حظيت بها أعماله. ويشبّه الكثيرون منهم أسلوب تورشين بالتنجيم! كما تشمل مخاوفهم من صحة البيانات لفترات زمنية واسعة، وإمكانية حصر الأحداث التاريخية في سرد دوري مادي محض، ولذلك هو يلقى مقاومة من المتخصصين لنماذج تخصصاتهم، والذين لا يؤمنون بحتمية تكرار التاريخ لذاته، والذين قد ينظرون إلى "النظريات الكبرى للتاريخ" بتشكك بسبب الإخفاقات السابقة. في المقابل، يجادل المؤيدون بأن النموذج البنيوي الديموغرافي قد أثبت قدرته على تقديم تفسيرات جيدة لحالات تاريخية كثيرة من التمرد والثورة. برزت تجربة تورشين مع استقبال تنبُئه في عام 2010، حول الاضطرابات التي ستحدث في الولايات المتحدة، والتي لم تحظ باهتمام كبير إلا بعد أحداثٍ مثل 6 يناير/كانون الثاني 2021. يشير هذا النمط إلى "مشكلة كاساندرا"، ما يعني تجاهل التحذيرات الدقيقة في البداية، ليس من التشكك الأكاديمي فحسب، ولكن أيضًا من تردد نفسي أو سياسي في مواجهة الحقائق غير المريحة حول هشاشة المجتمعات وقابليتها للانهيار والتفكك. ورغم ادعاءاته العلمية، يحمل علم الكليوديناميكس دلالة معيارية قوية، كما يوفر أدوات للمجتمعات لتجنب الانهيار، مما يشير إلى ضرورة أخلاقية كامنة للعمل على منع الكوارث، إذ تمنح تلك الأدوات ونتائجها فرصا لتجنب -أو على الأقل تأجيل- الحروب الأهلية والثورات والانهيارات المجتمعية، كما تتضمن التحديات والاتجاهات المستقبلية للمجال اكتساب قبول أوسع، وتحسين النماذج، وتعزيز "بنك بيانات سيشات". كذلك، يهدف علم الكليوديناميكس إلى توفير رؤى سياسية لتجنب أو تخفيف الأزمات المستقبلية، بما يشير إلى أن المجتمعات يمكن أن تخرج من أزماتها سالمة "نسبيًا" من خلال إجراءات حازمة وموحدة من قبل النخب الحاكمة والإصلاحات السياسية. في النهاية، قدم بيتر تورشين مساهمات جوهرية في العلوم الاجتماعية من خلال ريادته لعلم الكليوديناميكس وتطويره للنظرية البنيوية الديموغرافية. ويبرز عمله المتجذر في خلفية متعددة التخصصات، إمكانية تطبيق المنهج العلمي على دراسة المجتمعات البشرية، ويسعى إلى تحديد الأنماط والدورات المتكررة التي تفسر صعود الحضارات وسقوطها. لا يدّعي تورشين معرفة كيفية إيقاف الثورة القادمة التي قد تُسقط حضارة ما، لكنّ لديه أفكارًا لما قد يأتي بعد تلك الثورة. فالمساءلة الديمقراطية، وإعادة توزيع الثروات، وضبط النخب، هي العوامل التي يراها في المجتمعات التي نجت من الانهيار. ولكن، قد تكمن موهبة تورشين الحقيقية في كيفية إعادة صياغة الزمن نفسه. وفي مواجهة صخب عناوين الأخبار المتلاحقة، يقدم تورشين رؤية بعيدة المدى، إذ يرى القرون لا السنوات، ويحلل الأنماط التاريخية، ولا ينقد السياسات الآنية.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
الاتحاد الأوروبي يلوّح بـ"أداة مكافحة الإكراه" كخط دفاع في حربه التجارية مع أميركا
ذكرت وكالة بلومبيرغ أن أداة مكافحة الإكراه تمثل أقوى وسيلة يمتلكها الاتحاد الأوروبي للرد على الضغوط الاقتصادية الخارجية، وتتيح له فرض إجراءات عقابية شاملة تتجاوز نطاق السلع إلى الخدمات والاستثمار، في حال تعرضه لما يعتبره "إكراها اقتصاديا" من قبل دولة ثالثة. فرض ضرائب على شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة. تقييد الاستثمارات الأميركية في أوروبا. حظر الشركات الأميركية من التنافس على العقود العمومية داخل الاتحاد. ورغم أن جوهر الأداة ردعي وليس انتقاميا، بحسب التقرير، فإن طبيعة الإجراءات المنصوص عليها فيها تجعل من التهديد بتفعيلها وسيلة ضغط فعالة، حيث تدفع الشركاء التجاريين المحتملين إلى التراجع عن استخدام التجارة كسلاح دبلوماسي. وهو ما يراه مسؤولو الاتحاد ضروريا في ظل السياسات الأميركية المتصاعدة، التي باتت تربط التجارة بقضايا غير اقتصادية مثل الهجرة والضرائب ومكافحة المخدرات. فرنسا تتصدر الدعوة للتفعيل.. وبرلين تراقب وقالت بلومبيرغ إن فرنسا تقود التحرك داخل الاتحاد لحشد الدعم لتفعيل الأداة في حال مضى الرئيس الأميركي دونالد ترامب قدما في فرض الرسوم دون التوصل إلى اتفاق بحلول مطلع أغسطس/آب. وبحسب ما نقلته الوكالة، تحظى هذه الدعوة بدعم متزايد بين الدول الأعضاء، رغم التحذيرات الأميركية بأن أي رد أوروبي سيقابل بإجراءات انتقامية أشد. وتتطلب عملية التفعيل موافقة الأغلبية المؤهلة داخل المجلس الأوروبي، أي دعم 55% من الدول الأعضاء تمثل ما لا يقل عن 65% من سكان الاتحاد، مما يجعل الموقفين الفرنسي والألماني حاسمين في ترجيح الكفة. وإذا قررت أن الوضع يستدعي استخدام الأداة، فعليها أولا فتح تحقيق لتأكيد وجود إكراه اقتصادي، ثم تقديم توصية رسمية إلى المجلس، الذي يملك 10 أسابيع لاتخاذ القرار. جذور الأداة وسياقها السياسي وأشارت بلومبيرغ إلى أن المفوضية الأوروبية كانت قد اقترحت الأداة عام 2021، استجابة لما وصفته بـ"سلسلة من الصدمات"، شملت آنذاك الحرب التجارية التي شنها ترامب خلال ولايته الأولى، فضلا عن الحظر التجاري غير الرسمي الذي فرضته الصين على ليتوانيا بسبب علاقاتها مع تايوان. وقد شكّلت هذه الحوادث، وفقا للتقرير، لحظة وعي أوروبي بضرورة التسلح بآليات سيادية لحماية المصالح الإستراتيجية في مواجهة الابتزاز التجاري. ومنذ ذلك الحين، تبنّى الاتحاد مبدأ "الاستقلال الإستراتيجي المفتوح"، الذي يتيح له التحرك منفردا في الملفات الحساسة، دون التخلي عن التعاون المتعدد الأطراف حين يكون ممكنا. ماذا يعني الإكراه التجاري؟ وبحسب بلومبيرغ، يُعرّف الاتحاد الإكراه التجاري بأنه استخدام أدوات مثل الرسوم أو الحصص أو تدابير مكافحة الإغراق بهدف فرض كلفة اقتصادية على طرف آخر ضمن نزاع سياسي أو دبلوماسي، دون مبرر في قواعد التجارة الدولية أو وجود اختلال تجاري حقيقي. وهذا التعريف ينطبق على سلوك ترامب الحالي تجاه أوروبا، كما ترى مصادر أوروبية مطلعة تحدثت للوكالة. وفي موازاة الأداة، يستعد الاتحاد لحزمة ردود إضافية في حال فشل التفاوض، على رأسها "رسوم إعادة التوازن" التي قد تطال صادرات أميركية بقيمة 72 مليار يورو (نحو 84 مليار دولار)، تشمل طائرات " بوينغ"، السيارات، ومشروبات "البوربون". وفي ختام تقريرها، قالت بلومبيرغ إن الاتحاد الأوروبي يواجه الآن اختبارا دقيقا لتوازن الردع والحوار، إذ أن أي قرار بتفعيل الأداة قد يفتح الباب أمام تصعيد غير مسبوق بين ضفتي الأطلسي. إلا أن مؤيدي تفعيل الأداة يرون أن الرسالة واضحة: لن يقف الاتحاد مكتوف الأيدي أمام ما يعتبره "ابتزازا اقتصاديا منهجيا"، وأنه مستعد لاستخدام كامل أدواته السيادية للحفاظ على مصالحه.