
حسام أبو صفية لمحاميته: هل ما زال أحد يذكرني؟
هكذا وصفت المحامية الفلسطينية غيد قاسم لبودكاست "غزة اليوم"، كواليس زيارتها الأخيرة لموكلها الطبيب الغزي الشهير حسام أبو صفية طبيب الأطفال ومدير مستشفى كمال عدوان الذي تم اعتقاله في نهاية ديسمبر كانون الأول الماضي.
ووفق المتحدثة، مرّ الدكتور حسام أبو صفية منذ لحظة اعتقاله بالكثير من الأوضاع المتقلبة، فبداية تم احتجازه في معتقل سدي تيمان في سجن انفرادي، ثم بعد مرور شهر ونصف أو شهرين تم ضمه لعشرة مساجين من قطاع غزة في زنزانة رقم واحد، في قسم 24 بسجن عوفر.
تحت الأرض
وهنا لا بد من التنويه إلى أن المعتقلين الغزيين تُخصص لهم أقسام بعينها في السجون الإسرائيلية بحيث لا يختلطوا بغيرهم. هذه الأقسام تحت الأرض، ما يعني أنهم لا يرون ضوء الشمس ولا يعرفون أي شيء عما يحدث في العالم الخارجي، تضيف المحامية الشابة.
وعن معدل الزيارات المسموح بها لها كمحامية لزيارة موكلها تقول: "إدارة السجن تحاول جاهدة ألا تمنحني أكثر من تصريح لزيارة واحدة في الشهر، كما أن هناك تضييق على الزيارات الخاصة بأبو صفية تحديداً".
بي بي سي تواصلت مع الجيش الإسرائيلي لعرض شهادة أبو صفية وما يتعرض له من انتهاكات، وأجاب في بيان إنه "يرفض تماماً الادعاءات المتعلقة بوجود إساءة منهجية بحق المحتجزين".
"وأنه يتم إحالة الشكاوى الملموسة المتعلقة بسوء التصرف أو بظروف الاحتجاز غير الملائمة إلى الجهات المختصة، ويتم التعامل معها وفقاً للأنظمة والإجراءات المتبعة".
تتابع المحامية غيد قاسم، "عندما زرته وجدته منعزلاً تماماً عن العالم الخارجي، لا يعلم أي شيء عما يدور حوله، لدرجة أنه لم يعرف أن هناك حرباً نشبت بين إسرائيل وإيران لمدة 12 يوماً، كان خلالها يسمع أصوات الصواريخ الإيرانية وهي تنفجر في محيط السجن، دون أن يعلم ما هذه الأصوات وما الذي يحدث".
وعلى إثر هذه الزيارة، كانت غيد قاسم قد نشرت عبر حسابها الشخصي على موقع فيس بوك منشوراً أثار الكثير من الجدل حول الحالة الصحية وأوضاع احتجاز الطبيب الغزي حسام أبو صفية.
وتعليقاً على هذا المنشور، أكدت قاسم في حديثها لبي بي سي أن موكلها خسر 40 كيلوغراماً من وزنه خلال فترة اعتقاله، وأضافت: منذ أول شهرين فقد أبو صفية 20 كيلوغراماً، واليوم بعد مضي أكثر من 200 يوم على اعتقاله فقد حوالي 40 كيلوغراماً من وزنه.
وعن نوعية الطعام الذي يقدم له، وأدى به إلى هذا الوضع الصحي قالت: "موكلي يتناول يومياً ملعقتين من الأرز وربما كمية قليلة من الخبز. وهنا لابد من التنويه لحيلة يقوم بها المعتقلون كي يشعروا بالشبع، ويوهموا أنفسهم بأنهم تناولوا وجبة كاملة، وهي أنهم يقومون بجمع كل عينات الطعام التي توفرها لهم إدارة السجن ليتناولوها دفعة واحدة مساء، ما يعطيهم شعوراً بأنهم أكلوا وجبة كاملة".
ومضت تشرح "فمثلاً، تقدم لهم إدارة السجن صباحاً ملعقة من اللبنة أو المربى، ثم على وجبة الغداء ملعقتين من الأرز، وأخيراً على وجبة العشاء ملعقة من الحمص، هم يقومون بجمع كل ذلك على مدار اليوم ويتناولونه دفعة واحدة".
وعن ظروف الاحتجاز تقول المحامية "يُسمح لموكلي بالاستحمام دون صابون مرتين فقط في الأسبوع، وأحياناً توفر لهم إدارة السجن كمية ضئيلة جداً من الصابون لتوزع على كل المعتقلين، على ألا تزيد مدة الاستحمام عن دقيقة واحدة".
يوم الاعتداء
وفيما يتعلق بتفاصيل واقعة الاعتداء عليه التي تضمنها منشورها الرائج على فيسبوك قالت: "بعدما قصفت إيران مستشفى سوروكا في بئر السبع أثناء حرب 12 يوماً، يبدو أن إدارة السجن قررت الانتقام من الأطباء، فاقتحم عدد منهم زنزانة الدكتور حسام أبو صفية، واعتدوا عليه بالضرب على قدميه ويديه وقفصه الصدري، وعندما طلب أن يتم عرضه على طبيب، خاصة وأنه منذ حدوث هذه الواقعة يشعر بعدم انضباط في ضربات القلب قوبل طلبه بالرفض".
وتضيف قاسم "في هذه الواقعة تم كسر النظارة الطبية التي يرتديها موكلي، بعدما عانيت لمدة ثلاثة أشهر من أجل إدخالها له، إذ نفت إدارة السجن إصابة موكلي بضعف النظر وحاجته للنظارة، لكنني صممت على أن تجرى له الفحوصات اللازمة التي أثبتت أنه بحاجة لنظارة طبية، فما كان منهم إلا أن كسروها له أثناء الاعتداء عليه، والآن يضطر موكلي لارتداء نظارته مكسورة العدسة".
مصحف بالتناوب
ولفتت إلى أن الشيء الوحيد التي تمكنت من إدخاله له هو مصحف، ومع ذلك لم يكن هذا المصحف من نصيبه منفرداً، إذ يشاركه فيه باقي زملاء الزنزانة ويمر عليهم بالتناوب للتلاوة.
وأكدت على أن الملابس الشتوية التي ظهر بها أبو صفية في بداية اعتقاله، والتي سربها له صحفي إسرائيلي، هي ذاتها الملابس التي شاهدته بها في الزيارة، فهو كغيره من المعتقلين محروم حتى من ملابس السجن، لدرجة أنه يضطر لغسل ملابسه الداخلية ثم يرتديها وهي مبللة لأنه لا يملك غيرها.
وبخصوص وضعه النفسي، وصفت المحامية موكلها بالأيقونة والجبل الذي لا يقهره شيء، مؤكدة أنه يفيض بالمعنويات المرتفعة على كل من حوله، ورغم أنه فقد ابنه قبل الاعتقال، وفقد والدته بعد الاعتقال، إلا أن كل ما يشغل باله هو وضع الكوادر الطبية والمستشفيات وحالة الجرحى في قطاع غزة.
وعما إذا كان أبو صفية قد علم بخبر وفاة والدته بعد اعتقاله تقول: "هو يعلم بوفاتها منذ بدايات الاعتقال، عن طريق معتقلين جدد انضموا له في الزنزانة وأخبروه بما يجري خلف أسوارها".
وعن أول سؤال سأله لها في زيارتها الأخيرة له قالت: "سألني عما إذا كان باقي أفراد أسرته على قيد الحياة، وعما إذا كان منزله قصف أم لا، كما سألني هل مازالت الناس مهتمة بقصتي وما يحدث لي؟ هل ما زال أحد يتذكرني؟"
الرد الإسرائيلي
تواصل فريق بي بي سي نيوز عربي مع المكتب الإعلامي للجيش الإسرائيلي للوقوف على الوضع الصحي للطبيب المعتقل حسام أبو صفية، وللحصول على رد رسمي على ما جاء في تصريحات المحامية، فأفاد بما يلي:
"تعمل قوات الدفاع الإسرائيلية وفقاً للقانون الإسرائيلي والقانون الدولي، وتحرص على حماية حقوق الأفراد المحتجزين في منشآت الاحتجاز الخاضعة لمسؤوليتها، وتعد أي إساءة إلى المحتجزين، سواء أثناء احتجازهم أو خلال استجوابهم، انتهاكاً للقانون وتعليمات قوات الدفاع الإسرائيلية، وهو أمر محظور بشكل صارم".
وتابع: "تتعامل قوات الدفاع الإسرائيلية مع مثل هذه الانتهاكات بمنتهى الجدية، نظراً لتعارضها مع القيم الأساسية للقوات، وتُجري فحصاً دقيقاً لأي ادعاءات ملموسة تتعلق بإساءة معاملة المحتجزين، كما ترفض تماماً الادعاءات المتعلقة بوجود إساءة منهجية بحق المحتجزين".
وجاء في الرد الإسرائيلي أنه يتم إحالة الشكاوى الملموسة المتعلقة بسوء التصرف أو بظروف الاحتجاز غير الملائمة إلى الجهات المختصة، ويتم التعامل معها وفقاً للأنظمة والإجراءات المتبعة، وفي الحالات المناسبة، تُتخذ إجراءات تأديبية بحق أفراد طاقم المنشأة، وتُباشر تحقيقات جنائية عندما يكون هناك اشتباه مبني على أسباب معقولة بارتكاب جريمة تبرر فتح مثل هذا التحقيق.
وفيما يتعلق بعدم تبديل الدكتور أبو صفية لملابسه الشتوية حتى الآن، قال الجيش الإسرائيلي إن كل محتجز يتسلم مجموعة من الملابس المناسبة للطقس.
وبخصوص توفير أدوات النظافة الشخصية للمعتقلين والسماح لهم بالاستحمام، قال المكتب الإعلامي: "يتم تزويد جميع المحتجزين بوسائل الحفاظ على النظافة الشخصية الأساسية، ولديهم وصول منتظم إلى المراحيض داخل منشأة الاحتجاز، التي يتم تنظيفها بانتظام لضمان النظافة والصحة، كما يُسمح لهم بالاستحمام بانتظام".
وعن توفير الرعاية الطبية اللازمة، قال: "عند دخولهم إلى المنشأة، يخضع المحتجزون لفحوصات طبية، وتُجرى جولات طبية منتظمة داخل المنشأة، كما يتلقى المحتجزون رعاية طبية مناسبة وفقاً للقانون، وإذا لزم الأمر، يتم تحويلهم لتلقي العلاج تحت إشراف وزارة الصحة".
وفيما يتعلق بتكبيل المعتقلين بأصفاد حديدية حتى أثناء زيارة المحامي، يقول المكتب: "يُطبّق التقييد لفترات طويلة أثناء الاحتجاز فقط في حالات استثنائية، وعندما تكون هناك اعتبارات أمنية تقتضي ذلك، مع أخذ الحالة الصحية للمحتجز بعين الاعتبار، ونحن لا نجبر المحتجزين على البقاء في وضعية القرفصاء".
واختتم المكتب الإعلامي التابع للجيش الإسرائيلي تصريحاته بالرد على فقدان أبو صفية أربعين كيلوغراماً من وزنه، قائلاً: "يتلقى المحتجزون ثلاث وجبات يوماً، وفقاً للكمية والأنواع المعتمدة من قبل اختصاصي تغذية للحفاظ على صحتهم، كما يتوفر لديهم دائماً ماء للشرب."

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


خبرني
منذ 6 ساعات
- خبرني
29 فلسطينياً قُتلوا خلال اعتداءات مستوطنين في الضفة الغربية خلال عامين
خبرني - قضى ناشط فلسطيني ارتبط اسمه بفيلم "لا أرض أخرى" الحائز على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي في مارس/آذار 2025، متأثراً بإصابته برصاص مستوطن في الضفة الغربية. عودة الهذالين، واحد من تسعة وعشرين فلسطينياً قُتلوا خلال اعتداءات مستوطنين في الضفة الغربية، منذ أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفق ما صرّح به عبد الله أبو رحمة مدير دائرة العمل الشعبي في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية لبي بي سي. وكان الهذالين من أبرز النشطاء المناهضين للتوسع الاستيطاني في منطقة جنوب الخليل، كما عمل مدرساً للغة الإنجليزية في مدرسة ثانوية ببلدة يطا، وهو أب لثلاثة أطفال. وقالت وزارة الصحة، إن عودة البالغ من العمر31 عاماً، توفي صباح يوم الثلاثاء، متأثراً بطلق ناري أصابه في صدره مساء الاثنين، في قرية أم الخير شرق يطا. بدوره، أوضح علاء الهذالين، ابن عم الضحية، أن جثمانه لا يزال محتجزاً لدى السلطات الإسرائيلية، ومن المقرر نقله للتشريح في معهد الطب العدلي "أبو كبير" في تل أبيب. وكانت الشرطة الإسرائيلية قد أعلنت في وقت سابق، أنها تحقق في "حادث وقع قرب الكرمل"، وهي مستوطنة مجاورة لأم الخير. وجاء في بيان للشرطة: "تم احتجاز مواطن إسرائيلي في مكان الحادث، ثم اعتقلته الشرطة للاستجواب". وأضاف البيان: "اعتقل جنود جيش الدفاع الإسرائيلي أربعة فلسطينيين على خلفية الحادث، بالإضافة إلى سائحين أجنبيين كانا في مكان الحادث". وتابعت الشرطة: "بعد الحادث، تأكدت وفاة فلسطيني، ويجري التحقق من تورطه الدقيق في الحادث". ويقول نشطاء إن المستوطن الذي أطلق النار يُدعى "ينون ليفي"، وهو مدرج بالفعل على قائمة العقوبات الأوروبية والبريطانية، وفقاً لموقع تتبع عقوبات الاتحاد الأوروبي. مقتل 6 فلسطينيين في الضفة الغربية على يد مستوطنين خلال 2025 وأفاد نشطاء من منطقة مسافر يطا، بأن الناشط عودة هذالين قُتل جرّاء اقتحام مجموعة من مستوطني "كرمائيل" والبؤرة الاستيطانية "شمعون" محيط منازل المواطنين، وتنفيذهم أعمال حفر استفزازية، استكمالاً لمحاولات سابقة لتوسيع السيطرة على أراضي القرية. وخلال محاولة الشبان منع المستوطنين من الاقتراب، قام أحدهم بدهس الشاب أحمد الهذالين بمقدمة حفّار، ما أدى لإصابته برضوض وكدمات وُصفت بالمتوسطة، نُقل إثرها إلى مستشفى يطا الحكومي. لاحقاً، أطلق أحد المستوطنين النار على عودة هذالين، وأصابه في صدره، فيما منعت القوات الإسرائيلية طواقم الإسعاف من الوصول إليه، قبل أن يُنقل إلى مستشفى "سوروكا" في بئر السبع، حيث أُعلن عن وفاته. ونقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن شاهد عيان أنه قدّم إسعافات أولية للهذالين الذي كان فاقداً للوعي، وأنه حاول إنعاشه عدة مرّات قبل أن يصل إسعاف إسرائيلي، لكن الإصابة كانت قاتلة. واعتبرت وزارة الخارجية الفرنسية الثلاثاء، أن أعمال العنف التي يرتكبها مستوطنون إسرائيليون في الضفة الغربية هي "أعمال إرهابية" بعد عملية "قتل" ناشط نسبت إلى مستوطنين. وقال ناطق باسم الوزارة "تشجب فرنسا جريمة القتل هذه بأشد العبارات فضلاً عن كل أعمال العنف المتعمدة التي يرتكبها مستوطنون متطرفون بحق الفلسطينيين والتي تكثر في أرجاء الضفة الغربية"، مضيفاً أن "أعمال العنف هذه هي أعمال إرهابية". وبحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، نفّذ المستوطنون أكثر من 2.153 اعتداء خلال النصف الأول من العام الجاري، تسببت بمقتل 6 فلسطينيين على الأقل. ويعيش في الضفة الغربية حوالى ثلاثة ملايين فلسطيني إلى جانب ما يقرب من نصف مليون إسرائيلي يقيمون في مستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي. وفي حادثة أخرى، أعلنت الهيئة العامة للشؤون المدنية الفلسطينية أن الشاب محمد الجمل (27 عاماً) قُتل برصاص الجيش الإسرائيلي قرب مدخل مدينة الخليل الشمالي، حيث احتجز جثمانه. وفي بيان للجيش الإسرائيلي، قال إن الشاب ألقى حجراً باتجاه الجنود خلال "نشاط عملياتي" في المدينة، وأن الجنود "أطلقوا النار عليه لإزالة التهديد. تم تحييده، دون وقوع إصابات في صفوف قواتنا"، وفق تعبير البيان. وفي سياق منفصل، نفّذت القوات الإسرائيلية فجر يوم الثلاثاء حملة مداهمات واعتقالات واسعة في مناطق متفرقة بالضفة الغربية. وبحسب مصادر محلية، أعاد الجيش الإسرائيلي اعتقال ثلاثة من السجناء المحررين في صفقة التبادل الأخيرة بين حماس وإسرائيل، وهم: سعيد ذياب وسامح الشوبكي وسائد الفائد، بعد اقتحام منازلهم في مدينة قلقيلية. إلى ذلك، أدانت السعودية مطالبة الكنيست الإسرائيلي بفرض السيطرة على الضفة الغربية وغور الأردن، وما تُمثله من تقويض لجهود السلام، مشددة على رفضها التام لانتهاكات السلطات الإسرائيلية للقوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة. وأكد مجلس الوزراء السعودي يوم الثلاثاء، تطلع البلاد إلى أن يسهم "المؤتمر الدولي رفيع المستوى حول التسوية السلمية للقضية الفلسطينية"؛ في كل ما من شأنه تسريع الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وإرساء مسار توافقي لتنفيذ حل الدولتين، وتعزيز أمن دول المنطقة واستقرارها.

سرايا الإخبارية
منذ 7 ساعات
- سرايا الإخبارية
من هو "أبو شباب"؟ .. تحقيق يُعرّي الميليشيا التي تحكم بالمساعدات التي تنهبها وتُهدد مستقبل غزة
سرايا - من هو "ياسر أبو شباب"؟ وكيف ظهر فجأة في قطاع غزة على رأس ميليشيا مسلحة تحظى بحماية ودعم من جيش الاحتلال الإسرائيلي؟ وهل هو مجرد أداة عبث أمني، أم مشروع حُكم بديل يُدار بأوامر خارجية؟ أسئلة ملتهبة بدأت تطفو على السطح مع تصاعد التقارير والتحقيقات التي تكشف عن دور خطير ومثير للجدل لشخصية مجهولة إلى حدٍ كبير، تحوّلت بسرعة إلى فاعل ميداني وسط الفوضى الناتجة عن العدوان الإسرائيلي، وأصبحت محط اتهامات علنية بالخيانة، والنهب، وتنفيذ مخطط سياسي وأمني يمس مستقبل غزة برمّته. "أبو شباب" ظهر إلى الواجهة خلال انهيار النظام الأمني في غزة عقب العدوان الإسرائيلي المستمر منذ أكتوبر 2023. وخلال هذه الفوضى، أنشأ شبكة مسلحة صغيرة، سرعان ما اتُهمت بالنهب والترويع وتنفيذ عمليات تهجير قسري للفلسطينيين. وقد حاول أكثر من مرة تبرير نشاطه عبر تصريحات لوسائل إعلام عبرية، مدّعيًا أن مجموعته توزع المساعدات، إلا أن تقارير أممية، وأخرى صحفية، وثّقت انتهاكات خطيرة ارتكبها هو وعناصره، وسط حماية إسرائيلية مباشرة. وفي تصريحات مثيرة للجدل، قال "أبو شباب" إنه يعمل بتنسيق مع أجهزة أمن السلطة الفلسطينية. هذا الادعاء دفع السلطة للخروج علنًا لنفي علاقتها به، مما زاد الغموض حول حقيقة دوره ومن يقف خلفه، خاصة في ظل حديثه المتكرر عن استعداده لتسلّم إدارة غزة بعد سقوط "حماس". تحقيق موسّع أجرته منصة 'إيكاد' كشف لأول مرة عن الهيكل التنظيمي للمجموعة، ونشاطها الميداني، وارتباطاتها العلنية وغير العلنية مع الاحتلال، إضافة إلى دعم إداري من السلطة الفلسطينية في بعض المناطق. الميليشيا نشأت في ظل انهيار الخدمات والمؤسسات الرسمية، لتملأ فراغًا أمنيًا واجتماعيًا خطيرًا. وتشير التحقيقات إلى أن هدفها يتجاوز السيطرة على المساعدات أو فرض الأمن، إلى تنفيذ خطّة هندسة سكانية، تتقاطع مع خطط إسرائيلية لتغيير ديمغرافية غزة. ووفق التحقيق، فإن "أبو شباب" كان معتقلًا في غزة على خلفية قضايا تهريب سلاح ومخدرات، لكنه فرّ من أحد سجون الداخلية عقب قصف إسرائيلي. وظهر لاحقًا على قناة 'كان' العبرية في 6 يوليو 2025 مؤكدًا تعاونه مع جيش الاحتلال في توزيع المساعدات، بل وأعلن استعداده لحكم غزة في حال سقوط "حماس". اتهامات الأمم المتحدة – التي نقلتها صحيفة "واشنطن بوست" – وثّقت أن ميليشيا "أبو شباب" استولت على 80 شاحنة مساعدات من أصل 100 دخلت القطاع، وتورطت في جرائم قتل ضد سائقي شاحنات، إلى جانب انتشار مقاطع فيديو تُظهر عناصره وهم ينهبون ويستعرضون الغنائم. فريق "إيكاد" اعتمد على منهجية التحقيق المفتوح، وحلل أكثر من 50 حسابًا رقميًا على فيسبوك وتيك توك، بالإضافة إلى صور أقمار صناعية، لتحديد مواقع انتشار الميليشيا ورسم خريطتها التنظيمية. ووفق المعلومات التي جُمعت عبر تتبع رقمي وميداني، تتضح معالم بنية ميليشيا باتت لاعبًا غير شرعي لكنه فاعل على الأرض في ظل انهيار السلطة وانفلات الوضع الأمني بعد الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة. يتربع ياسر أبو شباب على رأس هذه الشبكة المسلحة بوصفه القائد العام، إلى جانبه نائبه غسان الدهيني، المعروف بسجله في التهريب وارتباطه بجماعات مسلحة في سيناء، وكذلك عصام النباهين، الذي قاتل سابقًا في صفوف تنظيم داعش قبل أن يعود إلى غزة مع اندلاع الحرب. تضم الدائرة الميدانية نخبة من العناصر الذين ظهروا مرارًا في مقاطع فيديو وصور متداولة، يحملون السلاح ويؤمّنون قوافل المساعدات بأساليب تؤشر إلى سيطرة شبه كاملة على نقاط التوزيع، من بينهم بكر الوقيلي، يوسف أبو ناصر، صدام أبو زكار، وطارق أبو حسن. أما الطبقة التنفيذية، فتضم مجموعة من العناصر المنفذين الذين شاركوا صراحة في عمليات نهب وتوزيع مساعدات مشروطة، ووثّقوا تلك الأفعال على وسائل التواصل دون إظهار أي خشية من المساءلة. ومن بين هؤلاء: نمر، كريم، عبود أبو الحصين، وأبو أنيس. وتتمركز هذه الميليشيا في مناطق محددة من جنوب القطاع مثل الشوكة، البيوك، وشرق رفح، وهي مناطق تخضع لمراقبة مباشرة من جيش الاحتلال الإسرائيلي. وتشير صور أقمار صناعية إلى أن عناصر "أبو شباب" أقاموا سواتر ترابية قرب معبر كرم أبو سالم لاعتراض شاحنات المساعدات، كما أنشأوا مخيمات مؤقتة في رفح الشرقية، ظهروا فيها وهم يوزعون مساعدات تحمل شعار برنامج الأغذية العالمي. المثير أن هذه المخيمات أُنشئت في الموقع ذاته الذي دعا وزير المالية الإسرائيلي المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، إلى استخدامه كمركز لإعادة توطين نازحي غزة ضمن خطة تهجير ناعمة تحت غطاء الإغاثة. رغم أن السلطة الفلسطينية نفت رسميًا علاقتها بأبو شباب، إلا أن تقارير عبرية تحدثت عن "دعم إداري غير مباشر" تلقّته هذه الميليشيا، في إطار تفاهمات مع الاحتلال لملء الفراغ الأمني في المناطق الخارجة عن سيطرة "حماس". وقد لمح الوزير الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان إلى مثل هذه التفاهمات حين أشار إلى "تسليح جماعات محلية" في غزة للمساعدة في إدارة القطاع وفق الرؤية الإسرائيلية. ويظهر التحقيق أن المساعدات الإنسانية لم تُستخدم فقط لأغراض الإغاثة، بل تحوّلت إلى وسيلة ضغط سياسي وأداة هيمنة ميدانية. المساعدات تُوزّع وفق الولاء، أو تُصادر علنًا تحت حماية الاحتلال، ما يعكس حالة من التواطؤ المكشوف في استغلال معاناة المحاصرين. هذه الممارسات ترسم ملامح "هندسة أمنية" جديدة تقودها إسرائيل بأدوات محلية، تهدف إلى تفكيك النسيج الاجتماعي الفلسطيني، وفرض وقائع ميدانية تخدم مشروع الاحتلال في تقويض كل أشكال المقاومة المنظمة. أدوات الاحتلال الناعمة: الإغاثة، الفوضى، والميليشيات ما جرى توثيقه يتجاوز مجرد حالة فوضى أو نهب جماعي، نحن أمام نموذج جديد من الحرب يُدار عبر واجهات محلية؛ حيث الاحتلال هو المُخرج، الميليشيا هي الأداة، المعابر والمساعدات هي وسائل السيطرة، والضحية هو الشعب الفلسطيني. أسئلة كبرى بلا إجابات في ظل غياب رقابة دولية أو محاسبة حقيقية، تبقى أسئلة ملحّة بلا إجابات واضحة ما مصير ياسر أبو شباب؟ وهل دوره مؤقت في مرحلة انتقالية؟ أم أن المشروع أكبر من مجرد فرد، ويهدف إلى إعادة صياغة من يحكم غزة؟ وهل سيتحرّك المجتمع الدولي قبل أن تُكرّس معادلة الاحتلال والميليشيا كبديل عن الحكم الشرعي والمقاومة؟. رأي اليوم


صراحة نيوز
منذ 8 ساعات
- صراحة نيوز
فوضى الإعلام الرقمي في الأردن: غياب هيئة الإعلام وحضور التضليل تحت غطاء التسويق'
صراحة نيوز – كتب أيمن الراشد يشهد الفضاء الرقمي في الأردن حالة متزايدة من الفوضى الإعلامية، وسط غياب فعّال لدور هيئة الإعلام، وتفاقم ظواهر التضليل واغتيال الشخصية، وكل ذلك يجري غالبًا تحت غطاء قانوني يتمثل في 'شركات تسويق رقمي' مرخصة، تمارس نشاطًا إعلاميًا بحتًا دون رقابة حقيقية. إعلام بلا تنظيم.. وهيئة بلا موقف رغم أن هيئة الإعلام هي الجهة الرسمية المنوطة بتنظيم المحتوى الإعلامي في المملكة، إلا أن حضورها على الساحة الرقمية يكاد يكون غائبًا. منصات مثل 'فيسبوك' و'تويتر' و'تيك توك' أصبحت أدوات يستخدمها البعض لبث الإشاعات، وتأجيج الرأي العام، وتنفيذ اغتيالات معنوية ممنهجة، في ظل غياب أي رقابة واضحة أو مساءلة قانونية. الأخطر من ذلك، أن العديد من هذه الصفحات والمحتويات المضللة تصدر عن شركات تسويق مرخصة، تستغل الترخيص التجاري لممارسة عمل إعلامي دون الالتزام بأي معايير مهنية أو أخلاقية. صناعة التضليل بالإعلانات في واقع جديد أصبح فيه الإعلان سلاحًا، تُستخدم أدوات التسويق الرقمي للتأثير على الرأي العام وتصفية الحسابات. إعلانات ممولة على 'فيسبوك' و'إنستغرام' تظهر بصورة جذابة، لكنها تحمل في طياتها رسائل تحريض، تشهير، أو تضليل ممنهج. هذه الإعلانات تمرّ من تحت أعين القانون، لأنها صادرة عن جهات مرخصة، رغم أن المحتوى في جوهره لا يمتّ للتسويق بأي صلة، بل يتعدى إلى ممارسة عمل إعلامي غير مشروع، دون رقيب أو حسيب. الضحية: الثقة والمجتمع في خضم هذا المشهد، تُفقد المعلومة مصداقيتها، ويتحوّل الجمهور إلى متلقٍّ فريسةً لخطاب مليء بالتحامل والكذب والتلاعب. الإعلام المهني يُستبعد، وصوت الحقيقة يُغرق في طوفان من المعلومات المضللة. الثقة في المنصات تهتز، وتضعف قدرة المجتمع على التمييز بين الصحيح والمغلوط. أين العدل يا هيئة الإعلام؟ هنا يُطرح سؤال مشروع: أين دور هيئة الإعلام في ضبط هذه الفوضى؟ لماذا تُترك شركات التسويق الرقمي تمارس عملًا إعلاميًا دون أي إطار رقابي أو أخلاقي؟ أليس من واجب الهيئة أن تُميّز بين التسويق التجاري والإعلام الجماهيري، وتفرض على كل جهة تشتغل بالإعلام الرقمي الالتزام بضوابط المهنة؟ غياب الهيئة عن هذا المشهد، أو اكتفاؤها بموقف المتفرج، يسمح بترسيخ مناخ إعلامي مريض، يهدد السلم المجتمعي، ويغتال القيم الأخلاقية والمهنية التي يجب أن تحكم الإعلام. خاتمة ما نشهده في الأردن من فوضى إعلامية رقمية ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل أزمة متكاملة الأركان، تهدد النسيج المجتمعي، وتضع مؤسسات الدولة أمام مسؤولياتها. لا يمكن القبول بأن تتحول أدوات الإعلان إلى منصات اغتيال معنوي، وأن تظل الرقابة غائبة عن مسرح بهذا الحجم من التأثير.