
الخليج والذّكاء الاصطناعي: الرّيادة التكنولوجيّة في اقتصاد الخوارزميّات
تشهد منطقة الخليج العربي تحوّلاً متسارعاً نحو ترسيخ موقعها في مجال الذكاء الاصطناعي. وفي مقدّمة هذه الدول تبرز الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، برؤية تنموية واضحة واستثمارات استراتيجية طويلة الأجل، في وقت تتسابق فيه دول العالم على تأمين حصتها في الثورة التكنولوجية.
في الإمارات، بدأت ملامح هذا التحول منذ تعيين أول وزير دولة للذكاء الاصطناعي عام 2017، ثم تأسيس جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، وتطوير صندوق MGX الذي ضخ مليارات الدولارات في شركات رائدة مثل OpenAI. كما طورت الدولة منصة "Falcon" المفتوحة لدعم المحتوى العربي، وأطلقت مشاريع حضرية ذكية مثل منطقة Hub71 ومدينة الذكاء الاصطناعي في أبو ظبي، التي تحتضن شركات ناشئة ومراكز بحث عالمية، ضمن بيئة تشجع على التجريب والتطوير المفتوح. ووفق مؤشر Oxford Insights للجاهزية الحكومية للذكاء الاصطناعي لعام 2024، جاءت الإمارات في المرتبة 12 عالمياً، والأولى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، متقدمة على اقتصادات كبرى مثل كوريا الجنوبية وإيطاليا.
أما السعودية، فتبنّت نهجاً مؤسسياً عميقاً، حيث أنشأت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (SDAIA)، واستثمرت في بنية تحتية رقمية ضخمة، ومراكز بيانات عالية الكفاءة، ومبادرات لتوطين التقنيات، من بينها مشروع "Human" الذي يسعى إلى بناء نماذج ذكاء اصطناعي محلية تخدم اللغة والسياق العربي. ووفق المؤشر نفسه، جاءت السعودية في المرتبة 14 عالمياً، ما يعكس تقدمها في دمج الذكاء الاصطناعي في الحوكمة العامة والتخطيط الاقتصادي، مع طموحات واضحة لتكون من بين أفضل 10 دول في هذا المجال بحلول 2030.
وقد نجحت الديبلوماسية الخليجية في استثمار هذا التوجه التقني ضمن سياق دولي متقلب، حيث طُرحت شراكات واستثمارات لافتة بالتزامن مع زيارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب للمنطقة، في مشهد يعكس ترابط التحولات التكنولوجية بالمناخ الجيوسياسي المتغير. وتعمل دول الخليج على تقديم مساهمات نوعية في مجالات محددة مثل تطوير النماذج اللغوية باللغة العربية، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحكومة الذكية، والأنظمة القضائية، وإدارة الطاقة والمياه. ولا عجب أن أبدت تقارير أميركية، منها Wall Street Journal وWashington Post، قلقاً متزايداً من توسّع نفوذ الاستثمارات الخليجية في الذكاء الاصطناعي، خاصة مع قدرة هذه الدول على الدخول في شراكات مرنة مع عمالقة التكنولوجيا العالميين خارج الاستقطابات التقليدية.
على الصعيد الاقتصادي، يُعد الذكاء الاصطناعي أحد أعمدة استراتيجية التنويع الاقتصادي. فوفق تقديرات PwC، قد تبلغ مساهمة الذكاء الاصطناعي في الناتج المحلي الخليجي نحو 320 مليار دولار بحلول عام 2030، منها 100 مليار في الإمارات و135 ملياراً في السعودية. وتُترجم هذه الأرقام عبر تحسين الكفاءة الحكومية، وزيادة الإنتاجية، وتوسيع فرص العمل في القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والنقل والخدمات اللوجستية. كما تعكس التوجه نحو بناء اقتصاد معرفي مرن، أقل تأثراً بتقلبات أسعار النفط وأسواق الطاقة التقليدية.
ورغم هذه الخطوات الطموحة، ما زالت هناك تحديات تتعلق بندرة الكفاءات المحلية المتخصصة، والحاجة إلى تطوير نماذج معرفية تفهم اللغة العربية وسياقاتها الثقافية، فضلاً عن تسريع التشريعات المتعلقة بحوكمة البيانات وبناء الثقة المجتمعية في تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ومن هنا، تبرز ضرورة بلورة تحالف خليجي موحّد للذكاء الاصطناعي، لتنسيق جهود البحث والابتكار، وتعزيز التكامل في البنية التحتية للبيانات، كما يمكن لدول الخليج، بالشراكة مع جامعة الدول العربية، أن تطلق مبادرة إقليمية لتوحيد الجهود في هذا المجال، عبر تطوير بنوك بيانات، ونماذج لغوية، ومسرعات أعمال، تجعل من الذكاء الاصطناعي أداة معرفية ومشروع تضامن عربي يتجاوز الجغرافيا ويواكب المستقبل.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى البلد
منذ 3 ساعات
- صدى البلد
OpenAI تطلق ميزة "وضع التسجيل" لمستخدمي macOS
أعلنت شركة OpenAI عن إطلاق ميزة جديدة تدعى "وضع التسجيل" Record Mode ضمن تطبيق ChatGPT المخصص لأجهزة macOS، بهدف تسهيل إدارة الاجتماعات، وتدوين الأفكار، وتحويل اللحظات العفوية إلى خطوات عملية قابلة للتنفيذ. ووفقا لـ OpenAI، تم طرح الميزة الجديدو تدريجيا لمستخدمي خطط ChatGPT Pro وEnterprise وEdu دون أي تكلفة إضافية. وفي منشور على منصة إكس (تويتر سابقا)، قالت الشركة:"وضع التسجيل يبدأ بالوصول اليوم لمستخدمي ChatGPT على خطط Pro وEnterprise وEdu، ومتوفر في تطبيق سطح المكتب على macOS". تتيح الأداة للمستخدمين تسجيل المحادثات مباشرة عبر التطبيق، ليقوم الذكاء الاصطناعي بعد ذلك بتحويل الصوت إلى نص، واستخلاص النقاط الرئيسية، واقتراح مهام لاحقة أو حتى مقاطع برمجية حسب السياق. وتستهدف هذه الميزة بشكل خاص من يرغبون في تفويض مهام تدوين الملاحظات أو حفظ الأفكار أثناء التنقل. دردشة وصور عبر واتساب بالتوازي مع هذا التحديث، أتاحت OpenAI أداة توليد الصور المدعومة بالذكاء الاصطناعي لجميع مستخدمي واتساب. وكانت الأداة قد ظهرت لأول مرة في ديسمبر الماضي عبر روبوت تجريبي يدعى 1-800-ChatGPT، وتتيح للمستخدمين إنشاء صور والتفاعل مع ChatGPT مباشرة من داخل تطبيق واتساب، دون الحاجة لتطبيق منفصل أو تسجيل دخول. وتتيح هذه الميزة لمستخدمين واتساب طلب إنشاء صور من ChatGPT عبر محادثاتهم النصية، مما يجعل تجربة التفاعل مع رؤوبوت الدردشة أكثر تنوعا وابتكارا. وعلى الرغم من أن الميزة لا تزال في مراحلها الأولى وقد تواجه بعض القيود، إلا أنها توفر للمستخدمين طريقة سهلة ومباشرة للوصول إلى إمكانيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة داخل تطبيقهم المفضل. تعكس هذه التحديثات توجه OpenAI المتواصل نحو دمج أدوات الذكاء الاصطناعي في سيناريوهات الحياة اليومية، سواء في العمل أو الترفيه، بهدف جعل هذه التقنيات أكثر سهولة وفائدة للمستخدمين. جدير بالذكر أن شركة OpenAI أطلقت مؤخرا مجموعة جديدة من الميزات الموجهة لمستخدمي ChatGPT في قطاع الأعمال، تشمل تكاملات مع خدمات سحابية متعددة، تسجيل وتحويل اجتماعات العمل إلى نصوص، ودعم بروتوكول MCP للربط مع أدوات البحث العميق.


صدى البلد
منذ 6 ساعات
- صدى البلد
هل يستطيع ترامب الوفاء بوعده بشأن هاتف Trump T1وخدمة الموبايل؟
رغم وعود الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بإطلاق هاتفه الذكي الخاص "Trump T1" وخدمة المحمول التابعة له "Trump Mobile"، فإن العديد من الخبراء يشككون في قدرة المشروع على النجاح أو حتى الإطلاق ضمن الجدول الزمني المعلن. الهاتف، الذي تم الإعلان عن بيعه بسعر 499 دولارًا في سبتمبر المقبل، يأتي بمواصفات تعتبر قوية نسبيًا، مثل شاشة 6.8 بوصة، ذاكرة وصول عشوائي 12 جيجابايت، سعة تخزين 256 جيجابايت، بالإضافة إلى منفذ سماعات الرأس ودعم بطاقات microSD. وتشير بعض المزاعم إلى أنه سيتم تجميع الجهاز في ولايات أميركية مثل ألاباما وكاليفورنيا وفلوريدا، وهي خطوة تُروَّج لها كدليل على "إعادة التصنيع إلى الداخل الأميركي". لكن محللي صناعة التكنولوجيا ينظرون للأمر بشك عميق. فحسب تأكيداتهم، لم تعد الولايات المتحدة تمتلك سلسلة التوريد المتكاملة الضرورية لتصنيع هاتف ذكي بالكامل محليًا، بدءًا من الشاشات والرقائق وحتى أبسط المكونات مثل البلورات وأجهزة الاستشعار – وهي عناصر يتم تصنيعها غالبًا في الصين، تايوان، وكوريا الجنوبية. ومما يثير مزيدًا من الجدل، أن تصميم ومواصفات هاتف T1 يشبهان بشكل لافت هاتفًا صينيًا منخفض التكلفة يُعرف باسم REVVL 7 Pro، ويُباع حاليًا مقابل أقل من 180 دولارًا. هذا التشابه دفع البعض للاعتقاد بأن T1 ما هو إلا هاتف صيني معاد تسميته، أُنتج عبر شركة تصميم وتصنيع أصلية (ODM) – وهو أمر شائع في الصناعة، لكنه يناقض تمامًا ادعاءات "Trump Mobile" بشأن التصنيع الأميركي. بل إن هذا التناقض، وفقًا للمراقبين، قد يجعل من المشروع بأكمله "مهزلة سياسية"، إذ إن تسويق منتج صيني على أنه رمز للسيادة الاقتصادية الأميركية، بينما يُباع تحت شعار مكافحة النفوذ الصيني، سيُفقده أي مصداقية أمام الجمهور. خدمة Trump Mobile على الجانب الآخر، يُعتقد أن خدمة Trump Mobile قد تكون أكثر قابلية للتحقيق والربح مقارنة بالهاتف نفسه. تُقدم الخدمة بخطة شهرية تبلغ 47.45 دولارًا – وهي أعلى من العديد من المنافسين مثل Charter (30 دولارًا)، Comcast (40 دولارًا)، وBoost Mobile (25 دولارًا). كما تقدم شركات مثل Visible by Verizon وMint Mobile خططًا تبدأ من 20 دولارًا فقط شهريًا. ورغم ذلك، يقول المحلل روجر إنتنر إن الخدمة يمكن أن تحقق التعادل المالي بعدد مشتركين يتراوح بين 200,000 إلى 300,000 مستخدم فقط، بشرط تقليل النفقات التشغيلية مثل عدم فتح متاجر فعلية والاعتماد الكامل على البيع عبر الإنترنت. تظل المنافسة في سوق الاتصالات شرسة، ولا تملك Trump Mobile ميزة سعرية أو تقنية واضحة. لكن يمكنها أن تستهدف شريحة معينة من المستخدمين الموالين لترامب سياسيًا، ما قد يساعدها على تحقيق عائد محدود، رغم عدم قدرتها على منافسة العلامات التجارية الراسخة من حيث الانتشار أو القيمة المضافة. خلاصة بينما يبدو أن مشروع Trump T1 قد يواجه عوائق واقعية تتعلق بالإنتاج والمصداقية، فإن Trump Mobile – رغم ارتفاع أسعارها – قد تنجح في تأسيس نموذج تجاري محدود ضمن جمهور معين. ومع ذلك، فإن مستقبل المشروعين سيعتمد على مدى شفافيتهما، واستدامتهما الاقتصادية، ومصداقية تنفيذ الوعود في بيئة تكنولوجية لا ترحم الشعارات السياسية.


النهار
منذ 9 ساعات
- النهار
الخليج والذّكاء الاصطناعي: الرّيادة التكنولوجيّة في اقتصاد الخوارزميّات
تشهد منطقة الخليج العربي تحوّلاً متسارعاً نحو ترسيخ موقعها في مجال الذكاء الاصطناعي. وفي مقدّمة هذه الدول تبرز الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، برؤية تنموية واضحة واستثمارات استراتيجية طويلة الأجل، في وقت تتسابق فيه دول العالم على تأمين حصتها في الثورة التكنولوجية. في الإمارات، بدأت ملامح هذا التحول منذ تعيين أول وزير دولة للذكاء الاصطناعي عام 2017، ثم تأسيس جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، وتطوير صندوق MGX الذي ضخ مليارات الدولارات في شركات رائدة مثل OpenAI. كما طورت الدولة منصة "Falcon" المفتوحة لدعم المحتوى العربي، وأطلقت مشاريع حضرية ذكية مثل منطقة Hub71 ومدينة الذكاء الاصطناعي في أبو ظبي، التي تحتضن شركات ناشئة ومراكز بحث عالمية، ضمن بيئة تشجع على التجريب والتطوير المفتوح. ووفق مؤشر Oxford Insights للجاهزية الحكومية للذكاء الاصطناعي لعام 2024، جاءت الإمارات في المرتبة 12 عالمياً، والأولى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، متقدمة على اقتصادات كبرى مثل كوريا الجنوبية وإيطاليا. أما السعودية، فتبنّت نهجاً مؤسسياً عميقاً، حيث أنشأت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (SDAIA)، واستثمرت في بنية تحتية رقمية ضخمة، ومراكز بيانات عالية الكفاءة، ومبادرات لتوطين التقنيات، من بينها مشروع "Human" الذي يسعى إلى بناء نماذج ذكاء اصطناعي محلية تخدم اللغة والسياق العربي. ووفق المؤشر نفسه، جاءت السعودية في المرتبة 14 عالمياً، ما يعكس تقدمها في دمج الذكاء الاصطناعي في الحوكمة العامة والتخطيط الاقتصادي، مع طموحات واضحة لتكون من بين أفضل 10 دول في هذا المجال بحلول 2030. وقد نجحت الديبلوماسية الخليجية في استثمار هذا التوجه التقني ضمن سياق دولي متقلب، حيث طُرحت شراكات واستثمارات لافتة بالتزامن مع زيارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب للمنطقة، في مشهد يعكس ترابط التحولات التكنولوجية بالمناخ الجيوسياسي المتغير. وتعمل دول الخليج على تقديم مساهمات نوعية في مجالات محددة مثل تطوير النماذج اللغوية باللغة العربية، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحكومة الذكية، والأنظمة القضائية، وإدارة الطاقة والمياه. ولا عجب أن أبدت تقارير أميركية، منها Wall Street Journal وWashington Post، قلقاً متزايداً من توسّع نفوذ الاستثمارات الخليجية في الذكاء الاصطناعي، خاصة مع قدرة هذه الدول على الدخول في شراكات مرنة مع عمالقة التكنولوجيا العالميين خارج الاستقطابات التقليدية. على الصعيد الاقتصادي، يُعد الذكاء الاصطناعي أحد أعمدة استراتيجية التنويع الاقتصادي. فوفق تقديرات PwC، قد تبلغ مساهمة الذكاء الاصطناعي في الناتج المحلي الخليجي نحو 320 مليار دولار بحلول عام 2030، منها 100 مليار في الإمارات و135 ملياراً في السعودية. وتُترجم هذه الأرقام عبر تحسين الكفاءة الحكومية، وزيادة الإنتاجية، وتوسيع فرص العمل في القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والنقل والخدمات اللوجستية. كما تعكس التوجه نحو بناء اقتصاد معرفي مرن، أقل تأثراً بتقلبات أسعار النفط وأسواق الطاقة التقليدية. ورغم هذه الخطوات الطموحة، ما زالت هناك تحديات تتعلق بندرة الكفاءات المحلية المتخصصة، والحاجة إلى تطوير نماذج معرفية تفهم اللغة العربية وسياقاتها الثقافية، فضلاً عن تسريع التشريعات المتعلقة بحوكمة البيانات وبناء الثقة المجتمعية في تقنيات الذكاء الاصطناعي. ومن هنا، تبرز ضرورة بلورة تحالف خليجي موحّد للذكاء الاصطناعي، لتنسيق جهود البحث والابتكار، وتعزيز التكامل في البنية التحتية للبيانات، كما يمكن لدول الخليج، بالشراكة مع جامعة الدول العربية، أن تطلق مبادرة إقليمية لتوحيد الجهود في هذا المجال، عبر تطوير بنوك بيانات، ونماذج لغوية، ومسرعات أعمال، تجعل من الذكاء الاصطناعي أداة معرفية ومشروع تضامن عربي يتجاوز الجغرافيا ويواكب المستقبل.