logo
إهانات ترامب ليست الأولى ولن تكون الأخيرة

إهانات ترامب ليست الأولى ولن تكون الأخيرة

النهارمنذ 5 أيام
الطريقة التي سخر بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب من نظرائه في موريتانيا وغينيا بيساو وليبيريا وأهانهم، خلال اجتماعه الأخير في واشنطن مع عدد من قادة دول غرب إفريقيا، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة.
سجل ترامب حافل في هذا المجال. وها هو يثير الجدل مجدداً، حين قاطع، على غير المألوف في الأعراف الديبلوماسية الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني قائلاً: "ربما علينا الإسراع قليلاً لأن جدولنا مزدحم"، ثم وجّه حديثه مباشرة إلى رئيس غينيا بيساو أومارو سيسوكو إمبالو، طالباً منه التعريف بنفسه وبلده بشكل مقتضب، وهو ما اعتُبر على نطاق واسع تصرفاً مهيناً ينطوي على كثير من الاحتقار.
لم يُكلّف ترامب نفسه عناء التعرف مسبقاً إلى أسماء الرؤساء الحاضرين، رغم الطابع الرسمي للّقاء الذي رُوّج له باعتباره "فرصة لتعزيز التعاون الأميركي - الإفريقي".
في اللقاء ذاته، أعرب ترامب عن إعجابه بإنكليزية رئيس ليبيريا جوزف بواكاي، وخاطبه قائلاً: "تتحدث إنكليزية جميلة، من أين تعلمتها؟"، وهو ما اعتبره كثيرون سخرية مبطّنة من رئيس دولة ناطقة بالإنكليزية، وتعبيراً عن جهل ترامب بتاريخ ليبيريا وثقافتها.
الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا لم يسلم بدوره من سهامه، ففي أيار/ مايو 2025، وأثناء زيارته لواشنطن، عرض ترامب خلال اللقاء معه في البيت الأبيض مقاطع فيديو تزعم اضطهاد البيض في جنوب إفريقيا، ما حوّل الاجتماع إلى ما يشبه "محاكمة سياسية" لرامافوزا، الذي تعامل مع الموقف برباطة جأش.
وفي لقاء آخر داخل المكتب البيضوي، أدلى ترامب بتصريحات لاذعة بحق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وصفت بأنها أقرب إلى مشهد من فيلم عصابات منها إلى اجتماع دولي رفيع المستوى.
وخلال ولايته الأولى في البيت الأبيض، صبّ ترامب، أثناء مكالمة هاتفية، جام غضبه على رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي، قائلاً لها بكل صراحة إنه لا يثق بتقديراتها بشأن حادثة تسميم العميل الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته في مدينة سالزبوري البريطانية في آذار/مارس 2018، ووجّه إليها كلمات قاسية.
أما رئيس الوزراء الكندي السابق جاستن ترودو، فقد تعرّض لانتقادات ترامب خلال قمة مجموعة السبع، عندما وصفه بأنه "مخادع وضعيف".
وتلقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أيضاً نصيبه من هجمات ترامب، عبر "تويتر" سابقاً، بحيث انتقد نسبة تأييده الشعبي وارتفاع معدلات البطالة في فرنسا، واصفاً إياه بـأنه "ضعيف".
ولم تسلم منه أيضاً المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل، فقد وصفها ترامب خلال إحدى قمم حلف الناتو بأنها "خاضعة للسيطرة الروسية" بسبب اعتماد بلادها على الغاز الروسي.
وبشأن كوريا الشمالية، سبق لترامب أن أطلق أوصافاً مهينة على زعيمها كيم جونغ أون. ففي عام 2017، ومع تصاعد التوترات بسبب تجارب بيونغ يانغ النووية، قال ترامب من على منبر الأمم المتحدة: "كيم جونغ أون رجل صواريخ صغير، في مهمة انتحارية!"، وأضاف في تصريح آخر: "إذا واصلت كوريا الشمالية تهديداتها، فسنُطلق عليها ناراً وغضباً لم يشهدهما العالم من قبل".
لكن، سبحان مبدّل الأحوال. ففي خطوة مفاجئة، أعلن البيت الأبيض لاحقاً أن ترامب وافق على لقاء كيم، لتُعقد أول قمة في التاريخ بين رئيس أميركي وزعيم كوري شمالي في سنغافورة (حزيران/يونيو 2018)، تلتها قمة هانوي في فيتنام (شباط/فبراير 2019)، التي فشلت في التوصل إلى اتفاق.
وفي حزيران/يونيو 2019، جرى لقاء ثالث مفاجئ في المنطقة المنزوعة السلاح، ليصبح ترامب أول رئيس أميركي تطأ قدماه أراضي كوريا الشمالية.
لاحقاً، قال ترامب: "أنا وكيم وقعنا في حب بعضنا"، واصفاً إياه بأنه "رجل ذكي جداً ويحترمني كثيراً". وقد أثارت هذه التصريحات دهشة حتى داخل إدارته، إذ اتهمه بعض المسؤولين بـ"تقديم شرعية دولية مجانية" الى نظام ديكتاتوري من دون الحصول على التزامات نووية حقيقية.
وبات واضحاً أن ترامب يحب الظهور في مواقف استثنائية، وأن لقاء زعيم منبوذ دولياً شكّل مغنماً إعلامياً له.
لقد أثار تصرف ترامب المهين وغير الديبلوماسي مع رؤساء موريتانيا وغينيا بيساو وليبيريا، انزعاجاً ديبلوماسياً واسعاً. ووصف خبراء في العلاقات الدولية اللقاء بأنه "نموذج لسوء البروتوكول"، و"فخ ديبلوماسي" استُغل فيه حضور القادة الأفارقة لخدمة رسائل داخلية يوجّهها ترامب الى من يهمهم الأمر.
لن يمر هذا السلوك من دون تداعيات. فمن المؤكد أنه سيزعزع ثقة هؤلاء القادة بواشنطن كشريك استراتيجي، وربما يدفعهم إلى تعزيز علاقاتهم مع قوى بديلة مثل الصين وروسيا، التي تتعامل بأسلوب أقل وصاية وأكثر احتراماً للبروتوكول، بل إن هذا النهج قد يغذّي التيارات القومية واليسارية في إفريقيا، التي ترى أن "الاستعمار الجديد" لم ينتهِ، بل يُعاد إنتاجه بصيغة أكثر وقاحة.
والأخطر أن سلوك ترامب قد يدفع العديد من رؤساء الدول إلى إعادة النظر في الزيارات المستقبلية للبيت الأبيض، والتفكير ملياً قبل التوجه إلى واشنطن.
إن ما جرى في البيت الأبيض الأسبوع الماضي لا يمكن اعتباره "حادثة معزولة" أو "زلة لسان" فحسب، بل هو خلاصة نهج متواصل في تعاطي ترامب مع القادة الأجانب. وإذا كان هذا الأسلوب قد جلب له تأييداً داخلياً بين أنصاره، فإن تكلفته الدولية قد تكون باهظة، وقد تؤدي إلى تآكل نفوذ واشنطن في دول الجنوب .
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

وزير الدفاع الإسرائيلي: سياستنا في سوريا صحيحة ومسؤولة وتعكس القوة
وزير الدفاع الإسرائيلي: سياستنا في سوريا صحيحة ومسؤولة وتعكس القوة

صوت بيروت

timeمنذ 2 ساعات

  • صوت بيروت

وزير الدفاع الإسرائيلي: سياستنا في سوريا صحيحة ومسؤولة وتعكس القوة

كشف وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس اليوم الاثنين أن السياسة الإسرائيلية في سوريا تتضمن وجود الجيش في جبل الشيخ ومنطقة الحزام الأمني وحماية الدروز، وفق تعبيره. وقال كاتس إن الضربات الإسرائيلية على السويداء ودمشق في الأسبوع الماضي تتماشى مع هذه السياسة، مهاجما من انتقد تلك الهجمات. وأضاف كاتس أن 'من انتقد تلك الهجمات لا يرى الحقائق'، معتبرا أن السياسة الإسرائيلية المتبعة بخصوص سوريا 'صحيحة ومسؤولة وتعكس القوة وتشكل ضمانة'، بحسب زعمه. وادعى كاتس أن الضربات الإسرائيلية على السويداء ودمشق 'كانت السبيل الوحيد لوقف مجزرة الدروز' الذين يسعى الجيش الإسرائيلي لحمايتهم، وفق وصفه. وانتقد زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد الهجمات الإسرائيلية على دمشق، قائلا إن 'كان الرد في المكان الخطأ، وبدا الأمر كأننا ثملون بالسلطة، والآن نهاجم في الشرق الأوسط أينما نشاء دون سياسة واضحة'. وأضاف زعيم المعارضة الإسرائيلية 'رد فعلنا في دمشق كان متسرعا، وغير ضروري'. كما كشفت تقارير إعلامية إسرائيلية عن حالة من القلق والانزعاج داخل البيت الأبيض إزاء السياسة العسكرية التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية في سوريا، وسط انتقادات حادة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي وصفه مسؤولون أميركيون بأنه 'يتصرف كالمجنون'. وتحت ذريعة 'حماية الدروز' استغلت إسرائيل الاضطرابات الأخيرة في السويداء وصعّدت عدوانها على سوريا، إذ شنت الأربعاء الماضي غارات مكثفة على 4 محافظات ومقري وزارة الدفاع وهيئة الأركان ومحيط القصر الرئاسي في دمشق مما خلف قتلى وجرحى. في غضون ذلك ذكرت القناة 12 الإسرائيلية أن الفرقة 210 التابعة للجيش الإسرائيلي في الجولان السوري المحتل انتهت من تحصين أجزاء من السياج الأمني المعروف بخط وقف إطلاق النار عام 1974، لمنع تسلل مواطنين دروز على خلفية الأحداث في السويداء. وشملت الإجراءات وضع جدران إسمنتية وأسلاك شائكة قرب مجدل شمس، وإعلان بعض المناطق مناطق عسكرية مغلقة، إلى جانب تعزيزات عسكرية وشرطية وإغلاق طرق ونصب حواجز فيها.

25 دولة تطالب إسرائيل بوقف العدوان على غزة وترفض المدينة الإنسانية
25 دولة تطالب إسرائيل بوقف العدوان على غزة وترفض المدينة الإنسانية

صدى البلد

timeمنذ 4 ساعات

  • صدى البلد

25 دولة تطالب إسرائيل بوقف العدوان على غزة وترفض المدينة الإنسانية

أصدرت الحكومة البريطانية اليوم الاثنين بيانا موقع من 25 دولة تطالب إسرائيل بإنهاء الحرب على قطاع غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية ويعارض بشدة أي خطوات للتغيير الديموغرافي والإقليمي للأراضي الفلسطينية المحتلة. وأعلن البيان رفضه لمخطط المدينة الإنسانية التي ترغب إسرائيل في تنفيذه ومجددا دعمه لمصر وقطر والولايات المتحدة. 25 دولة تطالب بوقف العدوان على غزة ووقع على البيان وزراء خارجية أستراليا، النمسا، بلجيكا، كندا، الدنمارك، إستونيا، فنلندا، فرنسا، أيسلندا، أيرلندا، إيطاليا، اليابان، لاتفيا، ليتوانيا، لوكسمبورغ، هولندا، نيوزيلندا، النرويج، بولندا، البرتغال، سلوفينيا، إسبانيا، السويد، سويسرا، والمملكة المتحدة. واستهلت الحكومة البريطانية البيان المشترك بالقول: "نحن الموقعون أدناه، نجتمع برسالة بسيطة وعاجلة: يجب أن تنتهي الحرب في غزة الآن". وقال البيان: "لقد بلغت معاناة المدنيين في غزة مستويات غير مسبوقة، إن نموذج الحكومة الإسرائيلية في تقديم المساعدات خطير، ويؤجج عدم الاستقرار، ويحرم سكان غزة من كرامتهم الإنسانية". استشهاد منتظري المساعدات وأدان البيان توزيع المساعدات بالتنقيط، والقتل اللاإنساني للمدنيين، بمن فيهم الأطفال، الذين يسعون إلى تلبية احتياجاتهم الأساسية من الماء والغذاء، إنه لأمر مروع أن يُقتل أكثر من 800 فلسطيني أثناء سعيهم للحصول على المساعدة". وتابع أن حرمان الحكومة الإسرائيلية السكان المدنيين من المساعدات الإنسانية الأساسية أمر غير مقبول، ويجب على إسرائيل أن تمتثل لالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي. وأضاف: "لا يزال الرهائن المحتجزون بقسوة لدى حماس منذ 7 أكتوبر 2023 يعانون معاناة شديدة، ندين استمرار احتجازهم، وندعو إلى إطلاق سراحهم فورًا ودون قيد أو شرط". وأشار البيان إلى أن وقف إطلاق النار المتفاوض عليه هو أفضل أمل لإعادتهم إلى ديارهم وإنهاء معاناة عائلاتهم. ودعا البيان حكومة الاحتلال الإسرائيلية إلى رفع القيود المفروضة على تدفق المساعدات فورًا، وتمكين الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية غير الحكومية بشكل عاجل من القيام بعملها لإنقاذ الأرواح بأمان وفعالية. المدينة الإنسانية في غزة وأكد البيان أن مقترحات نقل السكان الفلسطينيين إلى "مدينة إنسانية" غير مقبولة تمامًا، وأن التهجير القسري الدائم انتهاك للقانون الإنساني الدولي، مشيرا إلى المعارضة الشديدة لأي خطوات نحو تغيير جغرافي أو ديموغرافي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقال البيان إن خطة الاستيطان E1 التي أعلنتها الإدارة المدنية الإسرائيلية، في حال تنفيذها، ستقسم الدولة الفلسطينية إلى قسمين، ما يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، ويقوض حل الدولتين بشكل خطير، وفي غضون ذلك، تسارع بناء المستوطنات في جميع أنحاء الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، بينما تصاعد عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين يجب أن يتوقف هذا". واختتم البيان: "نحث الأطراف والمجتمع الدولي على التوحد في جهد مشترك لإنهاء هذا الصراع المروع، من خلال وقف إطلاق نار فوري وغير مشروط ودائم فالمزيد من إراقة الدماء لا طائل منه، ونؤكد مجددًا دعمنا الكامل لجهود الولايات المتحدة وقطر ومصر لتحقيق ذلك، ونحن مستعدون لاتخاذ المزيد من الإجراءات لدعم وقف إطلاق نار فوري ومسار سياسي نحو الأمن والسلام للإسرائيليين والفلسطينيين والمنطقة بأسرها".

طوفان الخرائط بين لبنان وسوريا... هندسة بالدمّ بدل الحبر
طوفان الخرائط بين لبنان وسوريا... هندسة بالدمّ بدل الحبر

النهار

timeمنذ 5 ساعات

  • النهار

طوفان الخرائط بين لبنان وسوريا... هندسة بالدمّ بدل الحبر

تحولّت التسريبات الصحافية، تحت مسمّى "مصادر" وتصريحات عشوائية، وربما يكون بعضها لملء "الهواء"، إلى أكثر من مادّة للتجاذب... إلى هاجس حول مصير فرضته التطورات الأخيرة في سوريا ولبنان وغزة تحديداً. فحين يخرج أحدهم ليذكّرنا بشرق أوسط "جديد" لم نتنه من فهم قديمه وتخطّي مشكلاته، فإن هذا يعني أن عقلية "سايكس - بيكو" وهندسة خرائط الدول على مقاس المصالح ما زالت تتحكم بمفاصل يومياتنا. في التعريف العام والواضح لهذا المصطلح، الذي كانت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس أول من استخدمه خلال حرب تموز/يوليو 2006، واستخدمته إسرائيل والولايات المتحدة لاحقاً وما تزالان، فإن هذا الشرق سيُعاد فيه ترسيم الحدود والنفوذ والتحالفات وفرض شروط جديدة، وسيكون فيه لإسرائيل كالمعتاد اليد العليا. توم برّاك وبلاد الشام والحدود الوهمية في مجرى "الشرق الأوسط الجديد"، تصبّ تصريحات حملت أكثر من دلالة: حذّر المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص توم برّاك من سيطرة قوى إقليمية على لبنان إن لم تنجح حكومته في التغلب على إشكالية سلاح حزب الله، قائلاً لصحيفة "ذا ناشيونال" إنّ لبنان قد يواجه تهديداً وجودياً: "إسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى، والآن سوريا تتجلّى بسرعة كبيرة، وإذا لم يتحرّك لبنان فسيعود إلى بلاد الشام من جديد. فالسوريون يقولون لبنان منتجعنا الساحلي". سبق موقف برّاك هذا قوله إن الغرب فرض قبل قرن من الزمان خرائط وانتدابات وحدوداً مرسومة بالحبر، وإن اتفاقية "سايكس بيكو" قسمت سوريا والمنطقة لأهداف استعمارية وليس من أجل السلام، معبراً عن إيمانه بأن ذلك التقسيم كان خطأ مكلفاً دفعت ثمنه أجيال بأكملها، ولن يتكرّر مرة أخرى؛ وأن زمن التدخل الغربي انتهى والمستقبل سيكون لحلول تنبع من داخل المنطقة، عبر الشراكات القائمة على الاحترام المتبادل. دخل برّاك بتصريح من هنا، وبمنشور على إكس من هناك، عمق لبنان وسوريا، بتهديدات غير معلنة تلمّح إلى احتمال رسم خرائط جديدة للمنطقة بالدمّ أو الحبر أو بالتفاهمات... لا يهمّ، فالمهمّ أنه تحدّث بلسان الرئيس الأميركي دونالد ترامب العائد إلى البيت الأبيض تحت شعار "Let's make a deal"... وإلّا! ولو كنا لا نعرف برّاك، والمهمة التي يجوب المنطقة من أجلها، لما انتابنا الشكّ بشأن تزامن تصريحاته مع تقارير إسرائيلية لم يؤكدها أي موقف رسمي سوري ولم ينفها، تدّعي بأنّ هناك سيناريوين مطروحين حالياً للتسوية السياسية المقبولة بين إسرائيل وسوريا: السيناريو 1: تحتفظ إسرائيل بمناطق استراتيجية في مرتفعات الجولان تعادل ثلث أراضيها، وتسلّم ثلثاً لسوريا، وتستأجر الثلث الآخر من سوريا لمدة 25 عاماً. السيناريو 2: تحتفظ إسرائيل بثلثي هضبة الجولان، وتُسلم الثلث إلى سوريا، مع إمكانية تأجيره، على أن يرافق ذلك تسليم مدينة طرابلس اللبنانية، القريبة من الحدود اللبنانية-السورية، وربما مناطق لبنانية أخرى في شمالي لبنان وسهل البقاع، إلى سوريا. مسألة طرابلس بحسب التبرير الإسرائيلي، تسعى سوريا إلى استعادة السيادة على طرابلس، انطلاقاً من مزاعم تفيد بأنها واحدة من خمس مناطق اقتطعها الانتداب الفرنسي من سوريا لتأسيس لبنان. يجب أيضاً أن تشمل التسوية تسليم طرابلس ومناطق لبنانية أخرى ذات أغلبية سنية إلى سوريا، بشرط السماح لإسرائيل بتمديد خط أنابيب لنقل المياه من الفرات إلى إسرائيل، وذلك في إطار اتفاق مائي يشمل تركيا وسوريا وإسرائيل. وفي تصريح صادم، ذهب الناشط السوري كمال اللبواني أبعد من ذلك، قائلاً: "لبنان ليس دولة ولا نعترف به. وإن جرى أخذ اللاذقية وطرطوس (من منطلق تقسيم سوريا)، فنحن مضطرون لضم طرابلس وصيدا إلى سوريا بالقوّة"، واصفاً لبنان بأنه "كذبة تاريخية وخطأ جغرافي صنعته فرنسا". يقول المؤرخ اللبناني الراحل كمال الصليبي في كتابه "بيت بمنازل كثيرة" إن الحكم العثماني في المنطقة بدأ بعد معركة مرج دابق في 1516، وأدرجت "مملكة طرابلس" السابقة -وكانت تابعة للمماليك– تحت سلطة إيالة دمشق العثمانية، التي أنشئت حديثًا آنذاكِ. وفي عام 1521، تحولت طرابلس موقتًا إلى إيالة مستقلّة، ثم أنشئت إيالة طرابلس رسميًا فى عام 1579، ممتدة على طول الساحل من المنحدرات الجنوبية لجبال الأمانوس، وشملت جبال العلويين والأجزاء الشمالية من جبل لبنان، وصولاً إلى وادى المعاملتين، وشملت -إلى جانب مدينة طرابلس- مدن اللاذقية وجبلة وطرطوس وجيبل، وأحيانًا حمص وحماة، وكانت تتمتع بتنوع سكاني يشمل السنة والعلويين والإسماعيليين والموارنة والأرثوذكس، إلى جانب أقلية يهودية صغيرة. وقد استمر هذا التعيين حتى زمن الإصلاحات العثمانية في 1864، حين تم دمج طرابلس فترة وجيزة في ولاية سوريا المنشأة حديثًا (1864-1888)، ثُم ألحقت بولاية بيروت في عام 1888. وفي عام 1920، ضُمت طرابلس ومنطقتها إلى متصرفية جبل لبنان من ولاية بيروت، وليس من ولاية سوريا، فتأسست دولة لبنان الكبير. لا نعرف علام استند اللبواني أو التقرير الإسرائيلي، لكن التاريخ لا يُروى من وجهات نظر بل من وقائع، ومنها أن لبنان لم يُولد مع الانتداب الفرنسي، كما يظن البعض، بل كان منذ قرون كياناً قائماً في داخل النظام العثماني، يتمتع بخصوصية إدارية وسياسية، وبأنظمة ضريبيّة محليّة وبحكم ذاتي نسبيّ تحت قيادة أمراء، أبرزهم فخر الدين المعني الثاني. هذا الكيان لم يكن هامشياً، بل كان جزءاً فاعلاً من التوازنات الإقليمية داخل السلطنة. أما نشأة الجمهورية اللبنانية الحديثة، فلم تكن نتاج "خطأ استعماري"، بل نتيجة مسار سياسي طويل، خاضته نخب من مختلف الطوائف اللبنانية —من موارنة ودروز وسنة وشيعة— فأثمر نضالهم قيام دولة لبنان الكبير في عام 1920، التي شكّلت بداية تأسيس لبنان الحديث. الخريطة أتى من وزير الخارجية الأميركي الراحل هنري كيسنجر. فبحسب تقارير تسربت من الخارجية الأميركية، خطط كيسنجر لتقسيم الشرق الأوسط في عام 1974، إذ رأى أن الأفضل هو تفتيت الدول الوطنية وإقامة دويلات تمثل الأقليات العرقية والطائفية، مؤمناً بأن التقسيم الرأسي والعمودي يمكّن إسرائيل من التعامل مع دويلات الأقليات بدلاً من كونها الحالة الشاذة الوحيدة، ويسهل بناء علاقات أميركية مع الدويلات الطائفية من موقع اليد العليا. فقد أدرك كيسنجر أن عزل مصر عن الجبهة العربية يُضعف العرب -تحديداً سوريا والأردن، إضافة إلى منظمة التحرير الفلسطينية- في مواجهة إسرائيل، فطبّق ذلك بتفكيك التحالف العربي وتشجيع التفاوض المنفصل، وعزل الدول العربية بعضها عن بعض. وبحسب الوثائق المسربة نفسها، رسم كيسنجر خطة لإعادة توطين المسيحيين اللبنانيين في الغرب للسماح للاجئين الفلسطينيين بالاستقرار في لبنان، وإلغاء ما يسمى "حق العودة". لم يكن كيسنجر وحده من خطط لتقسيم المنطقة. فقد وضع المستشرق برنارد لويس خطة لتفتيت البلدان العربية والإسلامية إلى دويلات عرقية ودينية وطائفية، وإضعاف الوحدة الإسلامية، وتدمير الدول الكبرى في المنطقة، وخلق توازن قوى بين الدول وحتى بين الأديان. كذلك خطط المحلل الإسرائيلي عوديد ينون في عام 1982 لتحويل إسرائيل إلى قوة إمبراطورية إقليمية، بتفكيك جميع الدول العربية إلى دويلات صغيرة، وتقسيم سوريا والعراق على أسس عرقية ودينية. أما الجنرال الأميركي المتقاعد رالف بيترز فنشر في عام 2006 خريطة "الشرق الأوسط الجديد"، بعدما أعاد رسم حدود المنطقة بناءً على الانقسامات العرقية والطائفية، فشملت خريطته دولةً درزية في جبل العرب، ودولة علوية في الساحل السوري، ودولة سنية تترامى أطرافها إلى طرابس اللبنانية التي ستكون معبراً بحرياً للدولة السنية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store