logo
ارتفاع معدل البطالة في المملكة المتحدة إلى 4.7%

ارتفاع معدل البطالة في المملكة المتحدة إلى 4.7%

العربي الجديد١٧-٠٧-٢٠٢٥
في تطور لافت يعكس التحديات التي يواجهها الاقتصاد البريطاني في مرحلة ما بعد الجائحة والتغيرات السياسية، ارتفع معدل البطالة في المملكة المتحدة إلى 4.7%، اليوم الخميس، وهو الأعلى منذ أربع سنوات، وفقًا لأحدث بيانات "هيئة الإحصاءات الوطنية" (ONS). يسلط هذا الارتفاع الضوء على هشاشة سوق العمل في ظل مجموعة من العوامل الضاغطة، أبرزها تبعات أول ميزانية لحكومة
حزب العمال
الجديدة، التي رافقتها زيادات ضريبية كبيرة ورفع في الحد الأدنى للأجور، إضافة إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم.
وتأتي هذه التطورات في وقت حساس بالنسبة لبنك إنكلترا، الذي يواجه ضغوطًا متزايدة لاتخاذ قرارات حاسمة بشأن خفض أسعار الفائدة لضبط التوازن بين دعم الاقتصاد وكبح التضخم. وارتفع معدل البطالة إلى 4.7% خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في مايو/أيار، مقارنة بـ4.6% في الفترة السابقة. وأظهرت بيانات ضريبية منفصلة أن عدد الموظفين المسجلين على جداول الرواتب انخفض بأكثر من 41 ألفًا في يونيو/حزيران، وهو تراجع أسوأ من الانخفاض المتوقع البالغ 35 ألفًا، بحسب الاقتصاديين، وفقًا لـ"بلومبيرغ".
وبينما تُظهر الإحصاءات استمرار التأثير السلبي لرفع
الحد الأدنى للأجور
وزيادة ضريبة الرواتب بقيمة 26 مليار جنيه إسترليني (35 مليار دولار)، التي فرضتها حكومة حزب العمال في إبريل/نيسان، إلا أنها تشير أيضًا إلى أن التأثير على الوظائف قد لا يكون بالحدة التي كان يُعتقد سابقًا. فقد تم تعديل أرقام انخفاض الرواتب في مايو/أيار من 109 آلاف إلى 25 ألفًا فقط، وهو تغيير عزته الهيئة إلى "سمات خاصة" بدورة إعداد التقارير في ذلك الشهر.
وتذبذب الجنيه الإسترليني بعد صدور البيانات، حيث انخفض في البداية قبل أن يعاود الارتفاع بعد إعلان التعديلات. وبقيت التوقعات بشأن خفض أسعار الفائدة من بنك إنكلترا شبه ثابتة، إذ لا يزال المتداولون يتوقعون خفضًا بمقدار 50 نقطة أساس هذا العام، مقارنة بـ51 نقطة يوم الأربعاء. وأظهر تقرير
الوظائف
تباطؤًا واسع النطاق في سوق العمل، ما يعزز مبررات إجراء مزيد من خفض أسعار الفائدة في الأشهر المقبلة. وكان محافظ بنك إنكلترا أندرو بيلي قد أشار سابقًا إلى تدهور سوق العمل باعتباره عاملا رئيسيا في توجه البنك نحو تخفيف السياسة النقدية، فيما يراهن المتداولون على احتمال يفوق 80% لخفض ربع نقطة في الشهر المقبل، نقلاً عن "بلومبيرغ".
سيارات
التحديثات الحية
بريطانيا تطلق حزمة حوافز ضخمة لتشجيع شراء السيارات الكهربائية
وبحسب "بلومبيرغ"، قال بول دايلز، كبير الاقتصاديين في المملكة المتحدة لدى Capital Economics، إن تأثير ميزانية حزب العمال الأولى على الوظائف "لم يكن بالقدر الذي كنا نتخوف منه". وأضاف: "مع ذلك، فإن تراجع التوظيف وتباطؤ نمو الأجور يعني أن بنك إنكلترا سيواصل خفض أسعار الفائدة، على الرغم من بيانات التضخم القوية التي صدرت أمس". ولا تزال جداول
الرواتب
أقل بـ185 ألف وظيفة مقارنة بما كانت عليه في أكتوبر/تشرين الأول، قبل أن تعلن وزيرة المالية رايتشل ريفز تغييرات الميزانية التي زادت تكاليف التوظيف على الشركات. وهذا الرقم يُعد تحسنًا مقارنة بتقديرات الهيئة الشهر الماضي، التي أشارت إلى انخفاض بـ276 ألف وظيفة.
وتراكمت الأدلة على التداعيات الاقتصادية لميزانية ريفز الأولى في البيانات الأخيرة. فقد أُشير إلى الضرائب المرتفعة باعتبارها أحد العوامل وراء الانكماش المتتالي في الناتج المحلي الإجمالي خلال إبريل/نيسان ومايو/أيار، كما حُمِّلت جزئيًا مسؤولية ارتفاع التضخم إلى 3.6% في بيانات يونيو/حزيران التي صدرت يوم الأربعاء. ورغم تحذيرات "مكتب الميزانية البريطاني" من أن المزيد من الضرائب قد يعيق النمو، فإن ريفيز قد تُضطر إلى فرض زيادات ضريبية إضافية في الخريف. وكانت قد صرحت العام الماضي بأن الميزانية التي تضمنت زيادات ضريبية "مرة واحدة فقط" كانت ضرورية لسد فجوة مالية خلّفتها حكومة المحافظين السابقة.
بدوره، قال سانجاي راجا، الاقتصادي في "دويتشه بنك" – المملكة المتحد، لـ"بلومبيرغ": رغم الارتفاع المفاجئ في التضخم، فإن التراخي في سوق العمل يجب أن يمنح بنك إنكلترا سببًا لمواصلة تخفيف السياسة النقدية بشكل تدريجي". وأضاف: "النهج التدريجي والحذر يبدو مناسبًا في الوقت الحالي، ولا نعتقد أن الظروف تستدعي خفضًا أسرع للفائدة في الوقت الراهن. السوق يتراخى، ولكن ليس بالسرعة التي أشارت إليها البيانات غير المعدلة".
وقد أثارت التعديلات الكبيرة في البيانات شكوكًا حول حجم التراجع الفعلي في التوظيف، وهو ما قد يؤدي إلى تغيير السرد حول حالة سوق العمل في وقت حساس، حيث يحاول بنك إنكلترا تحديد مدى إمكانية خفض الفائدة أكثر.
أبرز ما كشفه تقرير الوظائف:
1. انخفض نمو الأجور (باستثناء المكافآت) إلى 5% خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في مايو، مقارنة بـ5.3% سابقًا، وهو لا يزال أعلى قليلاً من التوقعات البالغة 4.9%.
2. تراجعت الوظائف الشاغرة في الأشهر الثلاثة المنتهية في يونيو بمقدار 56 ألفًا لتصل إلى 727 ألفًا، ما يجعلها تنخفض أكثر عن مستويات ما قبل الجائحة.
3. سُجِّل انخفاض حاد في عدد الأشخاص غير النشطين اقتصاديًا (أي غير العاملين وغير الباحثين عن عمل)، حيث انتقل 139 ألف شخص إلى سوق العمل مقارنة بالربع السابق، ما خفّض عدد غير النشطين إلى 9.1 ملايين شخص. وكانت النسبة الأكبر من هذا الانخفاض نتيجة تراجع عدد الأشخاص الذين "يرعون شؤون المنزل".
4. بعد احتساب التضخم، ارتفع الأجر الحقيقي المنتظم بنسبة 1.8%، وهو الارتفاع الثاني والعشرون على التوالي، لكنه يُعد الأبطأ منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، نتيجة لتسارع التضخم وتباطؤ نمو الأجور في الفترة الأخيرة.
إن التباين في أرقام التوظيف والمراجعات الكبيرة التي طرأت على بيانات الرواتب يعكسان حالة من الغموض والتقلب في سوق العمل البريطاني، ما يصعّب على صناع القرار، وعلى رأسهم بنك إنكلترا، صياغة سياسة نقدية مستقرة. وبينما تشير بعض المؤشرات إلى أن تأثير ميزانية حكومة العمال لم يكن كارثيًا كما خشي البعض، فإن استمرار انخفاض عدد الوظائف وارتفاع معدل البطالة يُظهر أن الضغوط على الشركات، وخاصة الصغيرة منها، لا تزال قائمة.
اقتصاد دولي
التحديثات الحية
بريطانيا: تراجع حاد لنشاط البناء بأسرع وتيرة منذ كورونا
في المقابل، فإن التحسن الطفيف في الأجور الحقيقية، رغم تباطؤه، والزيادة في أعداد الداخلين إلى سوق العمل من فئات غير نشطة سابقًا، يدلان على مرونة نسبية في بنية سوق العمل البريطاني. غير أن هذه المرونة قد لا تكون كافية لتعويض الأثر طويل الأمد للسياسات المالية المتشددة، خاصة إذا ما تم اعتماد زيادات ضريبية إضافية في الخريف كما يُرجح.
ومع دخول الاقتصاد البريطاني في مرحلة دقيقة من التباطؤ والبحث عن توازن ما بين ضبط الإنفاق العام وتحفيز النمو، يبقى مصير
أسعار الفائدة
رهن تفاعل عناصر عدة: اتجاهات التضخم، قدرة سوق العمل على امتصاص الصدمات، ومدى فعالية السياسة المالية في تحقيق الاستقرار دون خنق النشاط الاقتصادي. وما لم تتمكن الحكومة من التوفيق بين احتياجات السوق وتحقيق العدالة الضريبية، فقد تشهد البلاد مزيدًا من التوترات الاقتصادية والاجتماعية في الفترة المقبلة، مع تزايد المخاوف من تباطؤ أشمل وأعمق في الاقتصاد البريطاني.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

5 سنوات على انفجار بيروت: آمال حذرة بالتقدم في التحقيقات
5 سنوات على انفجار بيروت: آمال حذرة بالتقدم في التحقيقات

العربي الجديد

timeمنذ 4 ساعات

  • العربي الجديد

5 سنوات على انفجار بيروت: آمال حذرة بالتقدم في التحقيقات

مشهدان يختصران خمسة أعوام من تاريخ وقوع انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020، الأول يتمثّل باستمرار محاولات الانقلاب على التحقيقات والإفلات من العقاب، والثاني إصرار أهالي ضحايا انفجار بيروت على تنفيذ تحركاتهم الشهرية ووقفاتهم الاحتجاجية ومتابعتهم للملف بلا استسلام أو مساومة، ولو أنّ الذكرى السنوية اليوم تحلّ على وقع تطورات بارزة من شأنها أن تعيد الأمل، ولو كان "حذراً"، بإمكان الوصول إلى الحقيقة والعدالة الكاملة المنتظَرة. انفجار بيروت في ذكراه الخامسة وفي الذكرى الخامسة لأكبر تفجير غير نووي في التاريخ الحديث، ينفذ أهالي الضحايا اليوم الاثنين، مسيرة في بيروت، للتأكيد أن من دمّر العاصمة وقتل ناسها لا يمكن أن يُترَك بلا حساب، ولرفع الصوت باتجاه التسريع في إصدار القرار الاتهامي، وذلك بعد أعوامٍ من العرقلة وشلّ عمل القضاء، خصوصاً أن المخاوف لا تزال موجودة من استغلال المدعى عليهم ثغرات قانونية أو اختلاق بدعٍ تحول دون استكمال التحقيقات. وأودى انفجار بيروت الذي وقع عند الساعة السادسة وسبع دقائق مساءً، في 4 أغسطس آب 2020، بحياة 218 شخصاً، وإصابة 7 آلاف تقريباً، متسبباً في دمار واسع، وصلت أضراره إلى مسافة 20 كيلومتراً. وتبين أن الانفجار نجم عن انفجار مئات الأطنان من مادة نترات الأمونيوم سريعة الاشتعال، بقيت مخزنة في مرفأ بيروت منذ عام 2014، من دون أدنى درجات الوقاية. وفي 9 سبتمبر/أيلول 2020، قدّر البنك الدولي، في تقرير أولي، الخسائر الناجمة عن انفجار بيروت بما بين 6.6 مليارات دولار و8.1 مليارات دولار، بينها أكثر من 3 مليارات دولار خسائر اقتصادية. ماريانا فادوليان: نعمل للإبقاء على إهراءات القمح في مرفأ بيروت، كذاكرة جماعية للوطن بأكمله ويعوّل أهالي ضحايا انفجار بيروت على عهدٍ جديدٍ دخلت فيه البلاد منذ انتخاب قائد الجيش جوزاف عون رئيساً للجمهورية في يناير/كانون الثاني الماضي، وتأليف حكومة الرئيس نواف سلام في فبراير/شباط الماضي، من أجل كسر حاجز التدخلات في التحقيق ومنع تعطيله، خصوصاً في ظلّ التعهدات الرسمية بكشف الحقيقة ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار، علماً أنّهم ينتظرون ترجمة الالتزامات إلى أفعال، ورفع الحماية والحصانات عن كل المسؤولين الضالعين في الانفجار. تقارير عربية التحديثات الحية العفو الدولية: لرفع أي غطاء عن المتورطين في انفجار بيروت وتشدد ماريانا فادوليان، (شقيقة الضحية غايا، ومن جمعية أهالي الضحايا)، في حديث مع "العربي الجديد"، على "أننا نريد العدالة الشاملة والكاملة ونرفض تجزئة الملف بما يسمح بتهريب الأشخاص من المحاسبة أو إفلاتهم من العقاب"، مشيرة إلى أن "جميع المسؤولين عن هذه الجريمة يجب أن يُحاسبوا، ومن يثق ببراءته عليه أن ينزل إلى التحقيق لا أن يعرقله بالحصانات أو الدعاوى التي يرفعها". وتتوقف فادوليان عند التمسّك بالإبقاء على أهراءات القمح في مرفأ بيروت، كذاكرة جماعية للوطن بأكمله وليس للضحايا فقط، وهو ما يعملون عليه ضمن حملة "الشاهد الصامت" مع مجموعة من المهندسين والمواطنين والمنظمات، بحيث يجب أن تبقى وفق تعبيرها، درساً للأجيال المقبلة، يتعرّفون من خلاله إلى 4 أغسطس، ويقفون في وجه الإفلات من العقاب ومنع تكرار جريمة كهذه. وبعد عامين من التعطيل، قرر المحقق العدلي في قضية انفجار بيروت القاضي طارق البيطار استئناف التحقيقات في مطلع فبراير الماضي، على الرغم من ادعاء القاضي غسان عويدات (النائب العام التمييزي السابق)، عليه، بتهمة اغتصاب السلطة، ومنعه من السفر، واتخاذه قراراً بإخلاء سبيل الموقوفين في القضية، ومنع جميع الأجهزة الأمنية من تنفيذ قراراته، في خطوة وُصِفت بالانقلابية، واعتُبرت ردّاً على استئناف البيطار عام 2023 التحقيقات، وادعائه على أشخاص جُدد في الملف، من ضمنهم عويدات، وذلك قبل أن يقوم النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار في مارس/آذار الماضي، بإلغاء قرار عويدات. وشكّل التراجع عن قرار عويدات محطة أساسية سمحت بإزالة عقبة واجهها التحقيق، خصوصاً أنها أعادت التعاون بين البيطار والأجهزة الأمنية كما النيابة العامة، ولا سيما على صعيد الاستدعاءات والتبليغات، لتتوالى بعدها التطورات في الملف، لعلّ أبرزها، مثول 21 مدعى عليهم أمام البيطار واستجوابهم خلال الأشهر الستة الماضية بحسب ما أحصت "المفكرة القانونية" عددهم، يضمّون موظفين من المرفأ والجمارك وضباطاً من الأمن العام وأمن الدولة وقضاة ووزراء سابقين ورئيس الحكومة الأسبق حسّان دياب، الأمر الذي ساهم "بإعادة بناء الثقة بمسار العدالة"، خصوصاً أن معظم هؤلاء لم يحضر الجلسات سابقاً، وسجلوا تحفظاتهم على صلاحية القضاء العدلي بالتحقيق أو تذرعوا بدعاوى المخاصمة التي رفعوها ضد البيطار. وفي ندوة نظمتها "المفكرة القانونية" بمناسبة مرور 5 أعوام على الانفجار، أفادت المحامية غيدة فرنجية من "المفكرة القانونية"، بأن 3 مدعى عليهم رفضوا المثول أمام البيطار الذي بدوره تريث باتخاذ إجراءات بحقهم، كما فعل مع الذين مثلوا أمامه إلى حين ختم التحقيق، وهم: الأول، رجل الأعمال الأوكراني فلوديمير فربونول، الذي يُعتقد أنه مالك أو مدير شركة "سافارو" التي تملك شحنة نترات الأمونيوم، وهو خارج لبنان وبُلِّغ لصقاً. الثاني، القاضي غسان عويدات الذي نفذ انقلاباً على التحقيق، وللتذكير فهو نظر بموضوع تخزين النترات في المرفأ قبل حصول الانفجار، وذلك بناءً على تحقيق مديرية أمن الدولة. والثالث، هو النائب غازي زعيتر، الذي تولى وزارة الأشغال بين 2014 و2016، ويستند الادعاء عليه إلى أنه كانت لديه سلطة مباشرة على المرفأ، وقد علم بوجود النترات من دون اتخاذه إجراءات لحماية العاصمة وسكانها، مشيرة إلى أن "عويدات وزعيتر رفضا الاعتراف بصلاحية المحقق العدلي لملاحقتهما". وتوقفت فرنجية عند تطور حصل في الفترة الماضية على صعيد دور القضاء بمحاسبة الوزراء، على أمل انسحابه على ملف انفجار مرفأ بيروت، وهو إقرار مجلس النواب والنيابة العامة التمييزية بصلاحية القضاء العدلي بالتحقيق مع وزيرين سابقين بشبهات فساد، هما وزير الاقتصاد السابق أمين سلام، ووزير الصناعة السابق النائب جورج بوشكيان، الذي رُفعت أيضاً الحصانة عنه. وتحدثت كذلك عن ثلاث خطوات أساسية منتظرة لصدور القرار الاتهامي: الأولى، ورود أجوبة على الاستنابات وطلبات المعلومات التي أرسلها البيطار إلى دول أخرى، والثانية، ختم التحقيق واتخاذ الإجراءات بحق الأشخاص الذين مثلوا ولم يمثلوا من المدعى عليهم، والثالثة، مطالعة النيابة العامة التمييزية بالأساس، أي رأيها بمضمون التحقيقات، وهي كبيرة وتتجاوز 60 مدعى عليهم، وفيها مئات من الصفحات والمستندات والتحقيقات. يوسف لحود: أبرز التطورات التي حصلت هي ترسيخ اجتهادات قانونية مكَّنت التحقيق العدلي من الاستمرار هيبة تخدم القانون في المقابل، توقفت فرنجية عند عقبات قد تظهر في مراحل لاحقة، واحدة منها أن المجلس العدلي الذي يفترض أن تؤول القضية إليه، معطّل بسبب فقدان النصاب، بانتظار تعيين قضاة من قبل الحكومة، إلى جانب مصير الدعاوى التي لا تزال عالقة والتي تهدف إلى إزاحة البيطار، بحيث هناك نحو 10 دعاوى بحسب رصد المفكرة القانونية لم تبتّ بعد، إلى جانب الدعوى المقدَّمة من عويدات بحق البيطار، علماً أنه بالرغم من تشكيل الهيئة الاتهامية الخاصة بهذه القضية منذ إبريل/نيسان الماضي، إلا أن القضية لا تزال عالقة ولم يسجَّل تطور فيها. من جهته، يقول عضو مكتب الادعاء في نقابة المحامين عن انفجار مرفأ بيروت، يوسف لحود، لـ"العربي الجديد"، إن أبرز التطورات التي حصلت هي ترسيخ اجتهادات قانونية مكَّنت التحقيق العدلي من الاستمرار والوصول إلى خواتيمه، مثل عدم توقيف التحقيق إزاء طلبات ردّ قاضي التحقيق العدلي أو مخاصمته، وعدم وجوب توقف قاضي التحقيق العدلي عن مهامه حكماً في حال الادعاء عليه، كذلك إن التحقيق العدلي قام بمئات ساعات الاستجواب مع المدعى عليهم والشهود لتكوين القناعة الثابتة حول كيفية وأسباب التفجير كذلك لناحية تحديد المسؤوليات والمسؤولين. ويعتبر لحود أن من أبرز المحطات التي يمكن التوقف عندها في العهد الجديد هي استجابة بعض المسؤولين الكبار من سياسيين وأمنيين للحضور أمام المحقق العدلي لاستجوابهم بصفة مدعى عليهم فيما كانوا سابقاً يتذرعون بطلبات رد ومخاصمة المحقق العدلي، مضيفاً: "أما سبب مثولهم، فأعتقد أن جزءاً منه يعود إلى أن كل حكم جديد يطلّ بهيبة تخدم دولة القانون، وأملنا أن تكون هيبة الدولة مساراً غير منقطع أو متبدّل بين أول العهود وآخرها، كذلك لا ننكر التأثير الذي أضفاه إصرار المحقق العدلي على متابعة تحقيقاته، رغم العوائق الضخمة، ما جعل المتمنّعين عن الحضور يبدلون مواقفهم". ويشير لحود إلى أن "توقيت صدور قرار الاتهام منوط بحضرة قاضي التحقيق العدلي دون سواه، وإننا نبدأ بالعدّ التنازلي لمهلة إصدار هذا القرار عند اكتمال التحقيقات، التي تتأكد عندما يحيل قاضي التحقيق الملف على النائب العام التمييزي لإبداء المطالعة بأساس الدعوى، إذ بعد ورود هذه المطالعة يعكف قاضي التحقيق على كتابة قرار الاتهام وأعتقد أنه حينها سيصدره بأقصى سرعة ممكنة". أما المسار بعد ذلك، وفق شرحه، "فيكون بعد صدور قرار الاتهام إذ يحال ملف الدعوى أمام المجلس العدلي الذي يباشر مهامه في المحاكمة لحين سماع المرافعات واختتام المحاكمة ومن ثم إصدار الحكم". على صعيد ثانٍ، يلفت لحود إلى أن التقرير الفرنسي الذي صدر أخيراً بالملف، لم يتضمن أي معلومات فنية حاسمة، بل تحقيقات سبقهم فيها البيطار، وبالتالي لم نستفد منها، كذلك فإنها تدور حول الإهمال وليس حول جريمة متعمّدة. من جهتها، تقول رينا وهبي، منسقة الحملات المعنية بالملف اللبناني في منظمة العفو الدولية، لـ"العربي الجديد": "شعرنا بالارتياح عندما سمعنا التصريحات الأولى للرئيسين عون وسلام، بأن لا حصانات فوق القانون، وأن العدالة لضحايا انفجار بيروت أولوية، فهذا تطور إيجابي على مستوى الخطاب السياسي". لكن بنظرها، فإن "الخطاب وحده لا يكفي، والمطلوب اليوم ترجمة هذه التعهدات إلى خطوات عملية تبدأ بإزالة أي غطاء سياسي عن المتورطين، وإقرار إصلاحات تضمن استقلال القضاء بما يتلاءم مع المعايير الدولية وتحمي التحقيق حتى يصل إلى الحقيقة والمحاسبة، وتوفير بيئة تمكّن التحقيق من المضي قدماً دون تدخل أو عرقلة". تقارير عربية التحديثات الحية "حصر السلاح" على طاولة الحكومة اللبنانية: محاولات لحسم الجدول الزمني

من الصين إلى تركيا... التفكير في المستقبل
من الصين إلى تركيا... التفكير في المستقبل

العربي الجديد

timeمنذ 5 ساعات

  • العربي الجديد

من الصين إلى تركيا... التفكير في المستقبل

من وسط الصين إلى تركيا، انطلق قبل بضعة أسابيع قطارا شحن يحملان ألفي طنٍّ من البضائع، ضمن ما يسمّى "الممرّ الأوسط"، الذي يربط مدينتي تشنغدو وتشونغشينغ الصينيتَين بأوروبا عبر وسط آسيا، وسيكون واحداً من ثلاثة ممرّات رئيسة تصل من خلالها البضائع الصينية إلى أسواقها الأوروبية، إلى جانب الممرّ الجنوبي الذي يعبر إيران، والبحري عبر قناة السويس. يمثّل هذا الخطّ المنتظم الذي يتوقّع أن يسير فيه نحو ألف قطار لشحن البضائع سنوياً تعبيراً عن جدوى مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي تجاوزت في هذا العام (2025) عشر سنوات من العمل الدؤوب في تطوير البنى التحتية وشقّ الطرق وتطوير الموانئ، كي توسّع الصين من خلالها صلاتها التجارية مع العالم، وأسواقها، ومن ثمّ حضورها السياسي والمعنوي شريكاً مؤثراً في سياسات الدول المستفيدة من مشروعات المبادرة، ومنها تركيا التي باتت نقطة وصل بين الصين وأوروبا، بعد أن استثمرت نحو 300 مليار دولار في بنيتها التحتية خلال العقدَين الأخيرَين، كما قال وزير النقل التركي عبد القادر أورال أوغلو، محتفلاً بانطلاق القطارَين نحو بلاده يوم 9 الشهر الماضي (يوليو/ تموز). التحدّي اليوم أن تتمكّن الصين من رفع قيمة صادراتها إلى الأسواق العالمية، خصوصاً الأوروبية ذات القوة الشرائية والاستهلاكية العالية المعنى الجوهري لانطلاق تلك القطارات أن الصين لم تكن مخطئةً في توظيف نجاحاتها الاقتصادية والمالية في مشروع دولي ضخم، حين قرّرت إطلاق مبادرة الحزام والطريق قبل عقد ونيّف، فقد كانت تستشرف ما يحدث معها اليوم من ضغوط اقتصادية تهدّد بإغلاق السوق الأميركية في وجه بضائعها، عبر فرض رسوم جمركية هائلة عليها، لا تتوافق موضوعياً مع السياسات المالية الدولية المترسّخة منذ نهاية الحرب الباردة. لذا، استعدّت الصين وهي تبحث من خلال المبادرة عن فتح آفاق الأسواق الأوروبية أمام بضائعها، عبر ابتكار طرق نقل جديدة، تسهّل وصول البضائع وتقلّل تكلفة شحنها ومدّة نقلها، ولولا ذلك الاستشراف والتخطيط الاستراتيجي لكانت الصين اليوم في ورطة كبيرة. لكنّ الصين فعلت ما في وسعها لتجنّب الضرر الكبير ممّا كان متوقّعاً عاجلاً أم آجلاً، أي مواجهة ضغوط أميركية على تصدير بضائعها جزءاً من مواجهة تحوّل النجاح الاقتصادي الصيني نجاحاً سياسياً يؤثّر في قطبية الولايات المتحدة الأحادية في النظام العالمي. صحيحٌ أن السوق الأميركية مهمّة جدّاً للصادرات الصينية، إذ بلغ حجم الصادرات الصينية إلى العالم في العام الماضي (2024) ما يربو على 3.5 تريليونات دولار، منها نحو 438 مليار دولار إلى الولايات المتحدة، أي بنسبة تزيد على 12.5% من إجمالي الصادرات، إلا أن التحدّي اليوم أن تتمكّن الصين من رفع قيمة صادراتها إلى الأسواق العالمية، خصوصاً الأوروبية ذات القوة الشرائية والاستهلاكية العالية، بنسبة تجسّر الفجوة التي يمكن أن تتسبّب بها السياسات المالية والاقتصادية الأميركية الجديدة، وأولها فرض الرسوم الجمركية العالية على الواردات الصينية. لم يكن ممكناً أن تراكم الصين نجاحات اقتصادية هائلة عبر أكثر من أربعة عقود، منذ بدأت سياسة الإصلاح الاقتصادي والانفتاح على العالم، من دون أن تتوقّع خططاً أميركية لعرقلتها. رغم ذلك، لا يمكن الجزم بعد إن كانت الصين ستنجح تماماً في تجاوز التهديدات الأميركية وعدم الرضوخ لها. لو أمكن استعمال التنافس التجاري مؤشّراً إلى ذلك، فإن منظّمة التجارة العالمية توقّعت بعد أيام من قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض الرسوم الجمركية مطلع إبريل/نيسان الفائت، انكماش التجارة بين الصين والولايات المتحدة، بنسبة 81%، مقابل ارتفاعها بين الصين والعالم بنسبة تتراوح بين 4 و9%. لمحصّلة بين التوقّعَين أن تحافظ الصين إلى حدّ كبير على حجم تجارتها الدولية، فتتجاوز التأثيرات السالبة الكبرى للضغوط التجارية الأميركية. لكن هذا يعني أن مبادرة الحزام والطريق ستخلص إلى مواجهة المحاولات الأميركية لدفع الاقتصاد الصيني إلى الوراء، لكنّها لن تساهم في دفعه (الاقتصاد الصيني) إلى الأمام بما يتناسب ومساعي الصين للتفوّق، فيصير اقتصادها الأكبر في العالم قبل منتصف القرن الحالي. لم يكن ممكناً أن تراكم الصين نجاحات اقتصادية هائلة من دون أن تتوقّع خططاً أميركية لعرقلتها المعنى التاريخي لهذه التطوّرات على صعيد التنافس التجاري، أن الصين راوحت بين مساعيها الدفاعية عن نجاحاتها الاقتصادية وخططها التنموية الداخلية من جهة، وتطلّعاتها الخارجية، التي تنطوي على تغيير النظام العالمي والتحوّل قطباً عالمياً رئيساً، من جهة ثانية. ليس صحيحاً إذاً أن الصين أطلقت مبادرة الحزام والطريق في عام 2013 مع وصول الرئيس شي جين بينغ إلى السلطة لخدمة تطلّعاتها العالمية وحسب، بل كذلك لحماية إنجازاتها المتراكمة من مواجهة الانهيار يوماً ما. لقد فهمت الصين بعد أربعين عاماً من الانفتاح على العالم أنها مكشوفة أمام الولايات المتحدة، التي يمكنها أن تحاصرها تجارياً وتقيّد قدراتها التصديرية متى تشاء، فأدركت أن خير وسيلة للدفاع عن نفسها أن تبادر إلى التغلغل في العالم. اليوم يبدو أن الصين أحسنت صنعاً حين استبقت الضغوط الأميركية، لكن ذلك لا يعني أنها بلغت النقطة التي يمكنها فيها أن تتغافل عن مثل تلك الضغوط تماماً. وهذا يعني أيضاً، من زاوية أخرى، أن الولايات المتحدة تستبق اليوم وصول الصين إلى تلك المرحلة من المقدرة على مواجهة الضغوط الأميركية. من الزاوية الأميركية، تُحسن واشنطن صنعاً إذ تضغط على بكين تجارياً الآن، قبل أن تصير الصين أكثر استغناءً عن السوق الأميركية. تراهن الولايات المتحدة على أن الصين ستظلّ وراءها، اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، كما هي اليوم، وتراهن الصين على العكس إذا أحسنت إدارة هذه المواجهة التجارية والاقتصادية عبر افتتاح أسواق عالمية جديدة وتعزيز الاستهلاك المحلّي، من جهة، والتفاوض مع واشنطن، من جهة ثانية، لأن بكين ما تزال محتاجةً للتفاهم مع الأميركيين ودرء خطرهم. ومن يتمكّن من تحقيق أهدافه في هذه المواجهة الاقتصادية اليوم، سيكون قادراً على إدارة العالم في المستقبل.

سورية بين الرهان على الداخل والرهانات الإقليمية والدولية
سورية بين الرهان على الداخل والرهانات الإقليمية والدولية

العربي الجديد

timeمنذ 5 ساعات

  • العربي الجديد

سورية بين الرهان على الداخل والرهانات الإقليمية والدولية

تأمّل كثيرون في زيارة وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، روسيا قبل أيام، ولقائه مسؤوليها، وفي مقدّمتهم رئيسها فلاديمير بوتين، مصنّفين هذه الزيادة في خانة التصالح مع دول العالم الذي تنتهجه السلطة السورية بعد سقوط نظام الأسد الذي أدخل البلاد في عزلة دولية. وتندرج هذه الزيارة في خانة نهج تتبعه السلطة في الرهان على الدول العربية وبقيّة الدول، من أجل الأخذ بيدها للخروج من أزمات موروثة وأخرى بعد السقوط، نشأت نتيجة عدم حسم الخيارات تجاه المضي في معالجة تركة الأسد، وعدم اتباع خيّارات مغايرة لخياراته في التصالح مع الشعب والتركيز في حلّ مشكلاته الحياتية والمعيشية والخروج من حالة الانغلاق والمراوحة في المكان، ما أدّى إلى بقاء أسباب التأزم من دون معالجة. لا يحتاج المراقب كثير تبصّر لكي يرى توجُّه الحكم في سورية نحو الاعتماد على الدعم الخارجي، عبر الرهان على الخارج من أجل إعادة بناء الاقتصاد السوري، وبالتالي، تغيير أوضاع البلاد بعد سنواتٍ من الخراب الذي أورثه الأسد الهارب للسوريين. وكان من جديد تمظهرات هذا النهج المؤتمر الاستثماري السوري السعودي، الذي اختُتم قبل أيام في دمشق، وصدرت منه توصيات، وخطط لاستثمار ما يزيد عن ستة مليارات دولار في سورية، التي ما تزال تواجه تحدّيات كثيرة. وعلى الرغم من أهمية هذا المنتدى، فإن فيه (في ظلّ البنية التحتية المدمّرة واستمرار بؤر التوتّر) يختلط الفرح مع المخاوف من ألا تجد الاتفاقات المُوقّّعة طريقها إلى التنفيذ في أرض الواقع، نتيجة المعوقات ذاتها من توتّر أمني في عدّة مناطق، وبقاء كثير من العقوبات الغربية، والتهديد بإعادة عقوبات أزيلت في حال استمرّ النظام في المعالجة الأمنية للمشكلات المناطقية والطائفية. ويأتي هذا في الوقت الذي يُعوِّل فيه السوريون على إصلاح ما يمكن إصلاحه من قطاعات اقتصادية وانتاجية في البلاد، وعقد مؤتمرات للمصالحة الوطنية، وتنفيذ توصيات مؤتمر الحوار السوري، خصوصاً منها المتعلّق بمسألة العدالة الانتقالية، من أجل الإسهام في تعافي البلاد، وتحضير بيئة مناسبة لاستقبال استثمارات كهذه. قرار إجراء انتخابات مجلس الشعب بآلية جديدة أتى بعدما أدركت السلطة أهمية المجلس وضرورته من أجل تشريع الاتفاقات ومع توقيع هذه الاتفاقات الجديدة، ينظر السوريون إلى التي سبقتها، ووُقِّعت مع دول كثيرة، ويتساءلون عن سبب عدم سلوكها الطريق سريعاً للتنفيذ، لأهميتها في تحريك عجلة الاقتصاد، والمضي بإعادة الإعمار، خصوصاً ما يتعلّق منها بقطاع الطاقة من نفط وغاز، الضروريَّين من أجل تحسين وضع الكهرباء. ربّما يكون سبب التأخير هو القصور بالتشريعات وبالنصوص القانونية، وبعدم اكتمال بناء مؤسّسات البلاد التشريعية، المخوّلة بإقرار اتفاقات كهذه لتأخذ صفة الشرعية. فانتخابات مجلس الشعب، وبعدما استبعدتها السلطة بسبب بقاء ملايين السوريين في دول ومخيّمات اللجوء والنزوح، عادت وقرّرت إجراءها عبر آلية جديدة، يعيّن الرئيس بمقتضاها ثلث أعضاء المجلس، ويجري انتخاب الباقين، وهو قرار ربّما يكون قد أتى بعدما أدركت السلطة أهمية المجلس وضرورته من أجل تشريع الاتفاقات. ولكن هل هذه الخطوة (وغيرها ممّا نفّذته الحكومة) كافية من أجل الاستفادة من جو الانفتاح الدولي على سورية، وبروز محاولات لمساعدة سورية على التغلّب على مشكلاتها والنهوض؟ حين مات الرئيس الأسبق حافظ الأسد ( 2000)، وحصل التوافق الدولي على تنصيب ابنه بشّار رئيساً، سارع أصحاب رؤوس أموال من دول الخليج، وشركات تجارية وبنوك وغيرها من القطاعات الاقتصادية، إلى سورية لدعمه، أملاً بسورية مختلفة عن سورية الأسد الأب. لذلك عقدوا مؤتمرات مماثلة لمؤتمر الاستثمار السعودي السوري، وأعلنوا عبر مؤتمرات صحافية خططاً استثمارية كبيرة، ولكن ما الذي حصل؟... تعثّرت تلك الخطط، ولم يسجّل أيُّ استثمار عربي في الاقتصاد السوري على مدى السنوات الخمس التي تلت تنصيب بشّار، وسبقت اغتيال رفيق الحريري. أمّا الأسباب فهي أن بشّار لم يقطع مع سياسة والده في التعاطي الأمني مع جميع المسائل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في سورية. كما بقيت القبضة الأمنية عبر قانون الطوارئ والأحكام العرفية قائمةً، ولم يُجرِ مصالحةً وطنيةً كانت ضرورية للقطع مع جرائم والده، فهو لم يرث السلطة فحسب، بل ورث معها المعتقلين السياسيين، من يساريين وإسلاميين كان والده قد وضعهم في المعتقلات، خوفاً ممّا يشكّلونه من رمزية بالنسبة إلى المعارضة. إضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من بعض التشريعات التي أصدرها بشّار، وتعديلات في قانون الاستثمار رقم 10، بقيت بيئة الاستثمار متخلّفةً مع غياب العمل المصرفي العصري، إضافة إلى القبضة الأمنية والمالية، والتوجّه إلى سيطرة العائلة على الاقتصاد، علاوة على العقوبات الدولية التي لم يُقدِم بشّار على أيّ خطوة تساعد في إزالتها. إذا استهان رجال الدولة بعامل الثقة، تضاءلت فرص تحقيق الاستقرار والازدهار، وظهرت الفجوات بين الحكم والشعب هنالك حالات كثيرة، تكون فيها الرهانات على الخارج مغلقة، من أسبابها عدم ترتيب البيت الداخلي للتخلّص من الفوضى الداخلية التي تعاني منها الدولة التي تراهن على الخارج، وتصطدم بفشل تغيب عن بالها أسبابه، على الرغم من وضوح تلك الأسباب لمراقبين ومحلّلين وجمهور عريض لا يتوقّف عن الإشارة إليها على مدار الساعة. لكن، يبقى أمر معالجة مشكلات البلاد متعلّقاً بالسوريين أنفسهم، لأنهم الأكثر قدرة من غيرهم على تشخيص أزمات بلادهم وطرائق الحلّ. لذلك صُدم كثيرون بالأخبار التي ظهرت حول استيراد الغاز من أذربيجان لتغذية محطّات توليد الطاقة. كذلك الإعلان عن مباحثات لتوريد الأردن 40 ألف أسطوانة غاز منزلي يومياً، في الوقت التي أعلنت فيه الحكومة قبل أشهر اتفاقات مع جهات خارجية لاستثمار قطاع الطاقة، من أجل إدخال آبار النفط والغاز السورية في الخدمة. هل سيتحسّن واقع الشعب السوري في حال استمرّ نهج الحكم في الرهان على الخارج؟... تفيد الوقائع بأن الوضع الأمني يزداد تفاقماً، وهو قابل في أيّ لحظة للتفجّر كما حدث أخيراً في السويداء. وإذا ما وضعنا النهج المتّبع بالتعامل مع الأقلّيات وفق منطق القوة، وتغليب فئة من الشعب على فئة أخرى، فإن كلّ يوم يَحلّ يحمل معه قصّةً من قصص الانتهاكات بحقّ مدنيين وحوادث خطف النساء في الساحل والموت تحت التعذيب. وليس خافياً على أحد أن أعين الساسة في الغرب مفتوحة على سورية طوال الوقت، يراقبون سلوك حكومتها، ومدى التزامها بتنفيذ الشروط التي وضعتها تلك الدول للمضي برفع العقوبات. فهل ستفعل ذلك الحكومة؟ إن كان من الصعب عليها محاربة الإرهاب من دون مساعدة الآخرين، فليس دمج الفصائل، وضبط تفلّت السلاح الذي ظهر في فزعة العشائر إلى السويداء، بالصعب، وهو شرط يحتاجه الداخل ليزداد عنده عامل الثقة. وإن استهان رجال الدول بعامل الثقة، تضاءلت فرص تحقيق الاستقرار والازدهار، وظهرت الفجوات بين الحكم والشعب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store