logo
هل تنجح «حكومة بورتسودان» في معركتي الحرب والضرائب؟

هل تنجح «حكومة بورتسودان» في معركتي الحرب والضرائب؟

التغيير٠٩-٠٨-٢٠٢٥
الخرطوم، 9 أغسطس 2025، جبراكة نيوز- بينما تكابد الأسواق في السودان ويلات الحرب والانهيار الاقتصادي، أعلن وزير المالية، جبريل إبراهيم، حزمة جديدة من السياسات الضريبية، تهدف إلى 'توسيع القاعدة الضريبية'، في محاولة لزيادة الإيرادات العامة. وتشمل خطة جبريل التي كشفها مؤخرا عن استكمال ميكنة النظام الضريبي، وتوسيع نطاق التحصيل الإلكتروني، إلى جانب تطوير قدرات الكوادر العاملة في القطاع الضريبي.
وفي الوقت الذي تشرع فيه حكومة رئيس الوزراء، كامل إدريس، في تنفيذ هذه القرارات وتعتبرها جزءا من الاصلاحات المالية الضرورية، ينظر إليها كثير من التجار وأصحاب الأعمال بعين قلقة، معتبرين أنها قد تزيد من أعبائهم مثلما زادت مع تداعيات الحرب المندلعة لأكثر من سنتين.
في هذا التقرير تستطلع 'جبراكة نيوز' آراء خبراء اقتصاديين وتجار ومصدرين حول هذه السياسات، وتطرح عليهم سؤالا جوهريا: هل تصبح الضرائب أداة إنقاذ مالي لـ'حكومة بورتسودان' أم عبئا جديدا عليهم؟
رفض شعبي
رغم أن وزارة المالية تبرر التوسع في المظلة الضريبية بضعف الإيرادات العامة وحاجة الدولة إلى موارد بديلة لتمويل الخدمات، فإن هذه السياسات تُقابل برفض واسع وسط المواطنين. إذ يعتبر كثيرون أن الضرائب المفروضة لا تصب في صالح الخدمات أو إعادة الإعمار، بل تُستخدم لتمويل الحرب.
يقول أحد المواطنين من سكان الولاية الشمالية، لـ'جبراكة نيوز': 'صحيح. الحرب تستنزف اقتصاد الدولة، لكنهم بدلا من إيقافها، يمارسون ضغطا مضاعفا على المواطن من خلال التوسع في الضرائب والجبايات التي لا نراها إلا تمويلا مباشرا للحرب، وما يؤكد هذا هو استمرار الحرب الحالية'، وتابع: 'نحن كمواطنين نرفض هذا القرار، خاصة في ظل أوضاع معيشية خانقة، حيث كثيرون بلا رواتب ولا قوت يومي.'
هذا التباين بين الرؤية الحكومية ومعاناة المواطنين اليومية يعكس تحديات تطبيق السياسات الضريبية في سياق الحرب، ويثير تساؤلات حول جدواها وأولوياتها في ظل واقع إنساني متدهور.
خطوة غير مدروسة
يرى محمد الفكي، أحد التجار النازحين من الخرطوم إلى غرب شندي، وكان يعمل قبل الحرب في تجارة السلع الغذائية بسوق أم درمان، أن قرار وزارة المالية بتوسيع المظلة الضريبية جاء في توقيت غير مناسب.
ومضى في حديثه لـ'جُبراكة نيوز' قائلا: 'بعد اندلاع الحرب، لم أغادر الخرطوم إلا بعربية كوريلا 2005 بعتها واستأنفت بها العمل مرة أخرى'.
ويؤكد أن السوق بالنسبة لهم كتجار، بالكاد بدأ يتعافى رغم نزوح أكثريتهم داخليا وخارجيا، معتبرا أن هذه الخطوة غير مدروسة وسوف تزيد من تعقيد الواقع الاقتصادي للناجين من الحرب.
عبء غير منظم
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي د. وائل فهمي، أن قرارات وزير المالية بشأن تقوية أداء ديوان الضرائب وتوسيع المظلة الضريبية، تأتي ضمن خطة إصلاحية أوسع لبرنامج إصلاحي تعكف عليه بإصدار قانون جديد يستوعب كافة التطورات، في سياق اتجاه الوزارة لتطبيق النظام المتكامل لمعلومات الإدارة، يسنده مشروع استخدام نظام IFMIS وهو (نظام إلكتروني متكامل لإدارة المعلومات المالية الحكومية)، ونظام TSA وهو (حساب خزانة موحد تديره وزارة المالية أو البنك المركزي، تُجمع فيه جميع إيرادات الدولة وتُدار منه جميع مدفوعاتها إلكترونيا)، وذلك لإحداث الربط الشبكي بين المالية والجمارك والسجل التجاري، بحيث تكون الوزارة ملتزمة بتطبيق برنامج التحصيل والسداد الإلكتروني بعد نجاحه في عملية تحكم المالية في الإيرادات.
وأشار د. فهمي إلى أن البرنامج الحكومي يركز على توسيع المظلة الضريبية لتشمل القطاع غير المنظم. إحكام النظام الضريبي بحيث لا يتم أي إجراء مالي للمكلفين دون إخلاء طرف من الضرائب، مع تشديد العقوبات على المتهربين، لكنه حذر من أن التطبيق العملي لهذه الخطة سيصطدم بعقبات كبيرة لا يمكن معالجتها في المدى القصير.
وأضاف: 'رغم أن أزمة الموازنة العامة قبل الحرب الحالية كانت ولا تزال تكمن في جانبها الإيرادي منذ زمن طويل، إلا أن البرنامج المعلن سيواجه العديد من العقبات من حيث التنفيذ. فنظريا، يعتبر هذا البرنامج جيدا بغض النظر عن أوضاع الحرب الحالية من عدمها'.
واستطرد في حديثه لـ'جبراكة نيوز'، قائلا: 'بغض النظر عن ما قد يتعرض له البرنامج من مشاكل توفر الكهرباء وشبكات الاتصالات، وتوفر الأجهزة ذات الصلة بالبرنامج على أوسع نطاق ممكن بالبلاد، إلا أن أخطر ما يتعرض له يكمن في ما يتعرض له الاقتصاد السوداني حاليا من احتمال انقسام سياسي بعد إعلان إقامة حكومة في غرب البلاد، مع حصار 'الدعم السريع' للفاشر، إلى جانب مناطق سيطرتها الأخرى ذات النشاط الاقتصادي المنكمش بفعل الأعمال العسكرية بها، كل هذا سيعمل حتما على تقليل طموح الأهداف، خاصة كمية الإيرادات المستهدفة لمقابلة النفقات المستهدفة وأولوياتها بالموازنة العامة'.
إصلاح ضريبي محفوف بالمخاطر
وتابع: 'من ناحية أخرى، هناك عقبة القطاع غير الرسمي، غير المحدد من حيث الحجم ونطاق الأعمال، وما يتم تداوله داخله من سلع وخدمات، لتحديد حجم الإيرادات الضريبية والرسوم المستحقة للخزينة العامة. إلى جانب هذا، فإن القطاع غير الرسمي، الذي اتسع بصورة غير مسبوقة نتيجة الحرب وتوقف الرواتب، وتضرر القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية، بات المحرك الأساسي للاقتصاد، لكنه خارج نطاق الرقابة والقياس، وهنا تبرز معضلة حقيقية: كيف يمكن للسلطات الضريبية تقييم حجم الذمة المالية لملايين الأفراد خارج النظام المصرفي والقانوني؟'.
ويمضي في حديثه: 'في المقابل، يظل التهرب الضريبي داخل القطاع الخاص الرسمي أيضا معضلة أخرى، لاسيما في ظل تدخلات سياسية وحكومية غير معلنة لبعض أصحاب رؤوس الأموال، هذا يضعف من أثر القوانين الجديدة، ويفاقم أزمة الإيرادات في ظل استمرار الحرب والحصار المالي الدولي، أضف إلى ذلك اتساع شبكات تهريب السلع لدول الجوار وعبرها، خاصة الغذائية والمعادن بكميات لا حصر لها حاليا، مما يبدد جزءا كبيرا من الموارد المحتملة ويقوض أهداف البرنامج'. ويردف موضحا: 'بالتالي، رغم أهمية البرنامج من حيث المبدأ، إلا أن التحديات التي تواجهه ليست مجرد صعوبة فنية، بل عقبات بنيوية مرتبطة بطبيعة الحرب، وتفكك مؤسسات الدولة، وغياب خطة مالية واضحة لإرادة الاقتصاد في هذا الظرف الاستثنائي'.
ويرى د. فهمي أن البرنامج رغم ضرورته، لن يحقق نتائج ملموسة في المدى القريب ما لم يرتبط باصلاحات أوسع، تمثل إعادة الإعمار وبناء مؤسسات الدولة، وتهيئة بيئة آمنة تسمح بعودة النشاط الرسمي، وتوسيع قاعدة الممولين.
تثقل كاهل الاستيراد
وفي الإطار ذاته، أوضح الأمين العام السابق لغرفة المستوردين، هيثم التجاني، أن قرارات توسيع المظلة الضريبية في البلاد، بالتزامن مع زيادات متتالية في الضرائب والجمارك والرسوم، سوف يكون لها أثر مباشر وسلبي على حركة الاستيراد، وستسهم في ارتفاع تكاليف السلع الأساسية وعلى رأسها الغذاء والدواء.
وأوضح التجاني في حديثه لـ'جُبراكة نيوز' أن 'كل زيادة ضريبية تنعكس مباشرة على تكلفة السلع المستوردة، ما يؤدي تلقائيا إلى ارتفاع أسعارها، وبالتالي نقل الأعباء للمستهلك النهائي'، مضيفا أن 'الواقع الراهن شهد انسحاب عدد كبير من المستوردين الصغار من السوق، لعجزهم عن الوفاء بالالتزامات الضريبية الجديدة'.
وأشار إلى أن هذا الوضع سيزيد من معدلات التضخم، ويفتح الباب أمام ازدهار التهريب عبر الحدود، نتيجة محاولة التجار تفادي الرسوم المرتفعة، مما ينعكس سلبا على إيرادات الدولة وزاد من فوضى السوق.
وشدد التجاني على أن واحدة من أكبر المشكلات تكمن في غياب التشاور مع أصحاب المصلحة عند إعداد السياسات، إلى جانب تقلب القرارات وتعدد الجهات المنظمة (مثل وزارة المالية، الجمارك، وبنك السودان المركزي)، ما يؤدي إلى إرباك المستثمرين والمستوردين على حد سواء.
وفي ما يخص أبرز التحديات، أشار التجاني إلى أن تذبذب سعر الدولار الجمركي وغياب سياسة واضحة لسعر الصرف، إضافة إلى تعدد وتداخل الجبايات، بما في ذلك غير القانونية، تضعف من قدرة المستوردين على تحقيق أرباح مجدية، هذا بجانب انهيار سلاسل التوريد بسبب الحرب، وانعدام الأمن في الطرق والموانئ، مما أدى إلى تعطيل حركة السلع بشكل ملحوظ.
منافسة غير عادلة
وقال التجاني في حديثه لـ'جبراكة نيوز' إن المستوردين الرسميين يواجهون منافسة غير متكافئة من القطاع غير المنظم، الذي لا يخضع للضرائب أو الرسوم، ما يمكنه من البيع بأسعار أقل.
وأضاف أن بعض المهربين والتجار الموازيين يستغلون المعابر الحدودية ومناطق النزاع لتجاوز الرقابة، مما يُضعف ثقة المستهلكين في جودة السلع المتداولة.
واقترح التجاني عدة حلول لدمج هذا القطاع ضمن المنظومة الرسمية، من بينها منح حوافز للتسجيل الرسمي كالإعفاء المؤقت والدعم الفني، وتبسيط إجراءات الترخيص، وتخفيض تكلفة الدخول للسوق، إلى جانب حملات التوعية المجتمعية، وتشديد الرقابة على المعابر الحدودية.
السلع الحيوية في خطر
وفي ما يتعلق بتأثير الإجراءات الحكومية على استيراد السلع الحيوية، أكد التجاني أن توفر الأدوية أصبح مهددا بسبب صعوبة الحصول على النقد الأجنبي، وتعقيدات التراخيص، كما أدت الرسوم المرتفعة إلى زيادة أسعار الغذاء، ما أسهم في تفاقم الفقر وسوء التغذية.
وأضاف: 'لا توجد حاليا آليات فاعلة لحماية هذه السلع أو دعمها'، لافتا إلى أن إعلانات الحكومة بشأن إعفاء بعض السلع الاستراتيجية من الرسوم تبقى غير واضحة أو غير مفعّلة عمليا، كما أن غياب صناديق تثبيت الأسعار أو آليات دعم للفئات الضعيفة يزيد العبء على المواطن والمستورد معا.
واختتم التجاني بالإشارة إلى أن 'البيئة الحالية تتطلب إصلاحات هيكلية جادة'، تشمل الشفافية في الرسوم والجبايات، تمكين القطاع الخاص، ضبط السوق الموازي، وابتكار أدوات لحماية السلع الحيوية'.
وأكد أن استمرار السياسات الحالية سيؤدي إلى مزيد من الفوضى وعدم التنظيم في السوق، ويدفع المستثمرين والموردين بعيدا عن القنوات الرسمية.
من جانبهم يشكو صغار التجار وأصحاب الأعمال في المدن المختلفة من فرض رسوم ضريبية وجبائية جديدة، على رأس كل شهر تقريبا، ويقول التاجر حسن عثمان، صاحب مغلق في شارع الوادي بأم درمان، إن الحكومة تعمل على التضييق عليهم وتدفعهم دفعا للخروج من السوق.
ويتساءل عثمان، في حديثه لـ'جبراكة نيوز': 'لا ندري بالضبط ماذا يريدون، لقد صمدنا أكثر من عامين في ظل حرب قاسية وعنيفة، والآن تشن علينا الحكومة حربا من نوع آخر بفرض الرسوم والضرائب العالية، وكأنها تريد القضاء علينا تماما.. ماذا نفعل؟'.
الأمين السابق لغرفة المستوردين التجاني اختتم إفادته لـ'جبراكة نيوز' بالإشارة إلى أن 'البيئة الحالية تتطلب إصلاحات هيكلية جادة'، تشمل الشفافية في الرسوم والجبايات، تمكين القطاع الخاص، ضبط السوق الموازي، وابتكار أدوات لحماية السلع الحيوية.
وأكد أن استمرار السياسات الحالية سيؤدي إلى مزيد من الفوضى وعدم التنظيم في السوق، ويدفع المستثمرين والموردين بعيدا عن القنوات الرسمية.
ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء فيه هذه المادة من إعداد (جبراكة نيوز) لتعكس ملامح لحركة الاقتصاد السوداني في ظل الحرب، إذ يشير الخبراء وفئة التجار إلى تزايد المعاناة الاقتصادية التي تفاقم منها السياسات الحكومية.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

هل تنجح «حكومة بورتسودان» في معركتي الحرب والضرائب؟
هل تنجح «حكومة بورتسودان» في معركتي الحرب والضرائب؟

التغيير

time٠٩-٠٨-٢٠٢٥

  • التغيير

هل تنجح «حكومة بورتسودان» في معركتي الحرب والضرائب؟

الخرطوم، 9 أغسطس 2025، جبراكة نيوز- بينما تكابد الأسواق في السودان ويلات الحرب والانهيار الاقتصادي، أعلن وزير المالية، جبريل إبراهيم، حزمة جديدة من السياسات الضريبية، تهدف إلى 'توسيع القاعدة الضريبية'، في محاولة لزيادة الإيرادات العامة. وتشمل خطة جبريل التي كشفها مؤخرا عن استكمال ميكنة النظام الضريبي، وتوسيع نطاق التحصيل الإلكتروني، إلى جانب تطوير قدرات الكوادر العاملة في القطاع الضريبي. وفي الوقت الذي تشرع فيه حكومة رئيس الوزراء، كامل إدريس، في تنفيذ هذه القرارات وتعتبرها جزءا من الاصلاحات المالية الضرورية، ينظر إليها كثير من التجار وأصحاب الأعمال بعين قلقة، معتبرين أنها قد تزيد من أعبائهم مثلما زادت مع تداعيات الحرب المندلعة لأكثر من سنتين. في هذا التقرير تستطلع 'جبراكة نيوز' آراء خبراء اقتصاديين وتجار ومصدرين حول هذه السياسات، وتطرح عليهم سؤالا جوهريا: هل تصبح الضرائب أداة إنقاذ مالي لـ'حكومة بورتسودان' أم عبئا جديدا عليهم؟ رفض شعبي رغم أن وزارة المالية تبرر التوسع في المظلة الضريبية بضعف الإيرادات العامة وحاجة الدولة إلى موارد بديلة لتمويل الخدمات، فإن هذه السياسات تُقابل برفض واسع وسط المواطنين. إذ يعتبر كثيرون أن الضرائب المفروضة لا تصب في صالح الخدمات أو إعادة الإعمار، بل تُستخدم لتمويل الحرب. يقول أحد المواطنين من سكان الولاية الشمالية، لـ'جبراكة نيوز': 'صحيح. الحرب تستنزف اقتصاد الدولة، لكنهم بدلا من إيقافها، يمارسون ضغطا مضاعفا على المواطن من خلال التوسع في الضرائب والجبايات التي لا نراها إلا تمويلا مباشرا للحرب، وما يؤكد هذا هو استمرار الحرب الحالية'، وتابع: 'نحن كمواطنين نرفض هذا القرار، خاصة في ظل أوضاع معيشية خانقة، حيث كثيرون بلا رواتب ولا قوت يومي.' هذا التباين بين الرؤية الحكومية ومعاناة المواطنين اليومية يعكس تحديات تطبيق السياسات الضريبية في سياق الحرب، ويثير تساؤلات حول جدواها وأولوياتها في ظل واقع إنساني متدهور. خطوة غير مدروسة يرى محمد الفكي، أحد التجار النازحين من الخرطوم إلى غرب شندي، وكان يعمل قبل الحرب في تجارة السلع الغذائية بسوق أم درمان، أن قرار وزارة المالية بتوسيع المظلة الضريبية جاء في توقيت غير مناسب. ومضى في حديثه لـ'جُبراكة نيوز' قائلا: 'بعد اندلاع الحرب، لم أغادر الخرطوم إلا بعربية كوريلا 2005 بعتها واستأنفت بها العمل مرة أخرى'. ويؤكد أن السوق بالنسبة لهم كتجار، بالكاد بدأ يتعافى رغم نزوح أكثريتهم داخليا وخارجيا، معتبرا أن هذه الخطوة غير مدروسة وسوف تزيد من تعقيد الواقع الاقتصادي للناجين من الحرب. عبء غير منظم من جهته، يرى الخبير الاقتصادي د. وائل فهمي، أن قرارات وزير المالية بشأن تقوية أداء ديوان الضرائب وتوسيع المظلة الضريبية، تأتي ضمن خطة إصلاحية أوسع لبرنامج إصلاحي تعكف عليه بإصدار قانون جديد يستوعب كافة التطورات، في سياق اتجاه الوزارة لتطبيق النظام المتكامل لمعلومات الإدارة، يسنده مشروع استخدام نظام IFMIS وهو (نظام إلكتروني متكامل لإدارة المعلومات المالية الحكومية)، ونظام TSA وهو (حساب خزانة موحد تديره وزارة المالية أو البنك المركزي، تُجمع فيه جميع إيرادات الدولة وتُدار منه جميع مدفوعاتها إلكترونيا)، وذلك لإحداث الربط الشبكي بين المالية والجمارك والسجل التجاري، بحيث تكون الوزارة ملتزمة بتطبيق برنامج التحصيل والسداد الإلكتروني بعد نجاحه في عملية تحكم المالية في الإيرادات. وأشار د. فهمي إلى أن البرنامج الحكومي يركز على توسيع المظلة الضريبية لتشمل القطاع غير المنظم. إحكام النظام الضريبي بحيث لا يتم أي إجراء مالي للمكلفين دون إخلاء طرف من الضرائب، مع تشديد العقوبات على المتهربين، لكنه حذر من أن التطبيق العملي لهذه الخطة سيصطدم بعقبات كبيرة لا يمكن معالجتها في المدى القصير. وأضاف: 'رغم أن أزمة الموازنة العامة قبل الحرب الحالية كانت ولا تزال تكمن في جانبها الإيرادي منذ زمن طويل، إلا أن البرنامج المعلن سيواجه العديد من العقبات من حيث التنفيذ. فنظريا، يعتبر هذا البرنامج جيدا بغض النظر عن أوضاع الحرب الحالية من عدمها'. واستطرد في حديثه لـ'جبراكة نيوز'، قائلا: 'بغض النظر عن ما قد يتعرض له البرنامج من مشاكل توفر الكهرباء وشبكات الاتصالات، وتوفر الأجهزة ذات الصلة بالبرنامج على أوسع نطاق ممكن بالبلاد، إلا أن أخطر ما يتعرض له يكمن في ما يتعرض له الاقتصاد السوداني حاليا من احتمال انقسام سياسي بعد إعلان إقامة حكومة في غرب البلاد، مع حصار 'الدعم السريع' للفاشر، إلى جانب مناطق سيطرتها الأخرى ذات النشاط الاقتصادي المنكمش بفعل الأعمال العسكرية بها، كل هذا سيعمل حتما على تقليل طموح الأهداف، خاصة كمية الإيرادات المستهدفة لمقابلة النفقات المستهدفة وأولوياتها بالموازنة العامة'. إصلاح ضريبي محفوف بالمخاطر وتابع: 'من ناحية أخرى، هناك عقبة القطاع غير الرسمي، غير المحدد من حيث الحجم ونطاق الأعمال، وما يتم تداوله داخله من سلع وخدمات، لتحديد حجم الإيرادات الضريبية والرسوم المستحقة للخزينة العامة. إلى جانب هذا، فإن القطاع غير الرسمي، الذي اتسع بصورة غير مسبوقة نتيجة الحرب وتوقف الرواتب، وتضرر القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية، بات المحرك الأساسي للاقتصاد، لكنه خارج نطاق الرقابة والقياس، وهنا تبرز معضلة حقيقية: كيف يمكن للسلطات الضريبية تقييم حجم الذمة المالية لملايين الأفراد خارج النظام المصرفي والقانوني؟'. ويمضي في حديثه: 'في المقابل، يظل التهرب الضريبي داخل القطاع الخاص الرسمي أيضا معضلة أخرى، لاسيما في ظل تدخلات سياسية وحكومية غير معلنة لبعض أصحاب رؤوس الأموال، هذا يضعف من أثر القوانين الجديدة، ويفاقم أزمة الإيرادات في ظل استمرار الحرب والحصار المالي الدولي، أضف إلى ذلك اتساع شبكات تهريب السلع لدول الجوار وعبرها، خاصة الغذائية والمعادن بكميات لا حصر لها حاليا، مما يبدد جزءا كبيرا من الموارد المحتملة ويقوض أهداف البرنامج'. ويردف موضحا: 'بالتالي، رغم أهمية البرنامج من حيث المبدأ، إلا أن التحديات التي تواجهه ليست مجرد صعوبة فنية، بل عقبات بنيوية مرتبطة بطبيعة الحرب، وتفكك مؤسسات الدولة، وغياب خطة مالية واضحة لإرادة الاقتصاد في هذا الظرف الاستثنائي'. ويرى د. فهمي أن البرنامج رغم ضرورته، لن يحقق نتائج ملموسة في المدى القريب ما لم يرتبط باصلاحات أوسع، تمثل إعادة الإعمار وبناء مؤسسات الدولة، وتهيئة بيئة آمنة تسمح بعودة النشاط الرسمي، وتوسيع قاعدة الممولين. تثقل كاهل الاستيراد وفي الإطار ذاته، أوضح الأمين العام السابق لغرفة المستوردين، هيثم التجاني، أن قرارات توسيع المظلة الضريبية في البلاد، بالتزامن مع زيادات متتالية في الضرائب والجمارك والرسوم، سوف يكون لها أثر مباشر وسلبي على حركة الاستيراد، وستسهم في ارتفاع تكاليف السلع الأساسية وعلى رأسها الغذاء والدواء. وأوضح التجاني في حديثه لـ'جُبراكة نيوز' أن 'كل زيادة ضريبية تنعكس مباشرة على تكلفة السلع المستوردة، ما يؤدي تلقائيا إلى ارتفاع أسعارها، وبالتالي نقل الأعباء للمستهلك النهائي'، مضيفا أن 'الواقع الراهن شهد انسحاب عدد كبير من المستوردين الصغار من السوق، لعجزهم عن الوفاء بالالتزامات الضريبية الجديدة'. وأشار إلى أن هذا الوضع سيزيد من معدلات التضخم، ويفتح الباب أمام ازدهار التهريب عبر الحدود، نتيجة محاولة التجار تفادي الرسوم المرتفعة، مما ينعكس سلبا على إيرادات الدولة وزاد من فوضى السوق. وشدد التجاني على أن واحدة من أكبر المشكلات تكمن في غياب التشاور مع أصحاب المصلحة عند إعداد السياسات، إلى جانب تقلب القرارات وتعدد الجهات المنظمة (مثل وزارة المالية، الجمارك، وبنك السودان المركزي)، ما يؤدي إلى إرباك المستثمرين والمستوردين على حد سواء. وفي ما يخص أبرز التحديات، أشار التجاني إلى أن تذبذب سعر الدولار الجمركي وغياب سياسة واضحة لسعر الصرف، إضافة إلى تعدد وتداخل الجبايات، بما في ذلك غير القانونية، تضعف من قدرة المستوردين على تحقيق أرباح مجدية، هذا بجانب انهيار سلاسل التوريد بسبب الحرب، وانعدام الأمن في الطرق والموانئ، مما أدى إلى تعطيل حركة السلع بشكل ملحوظ. منافسة غير عادلة وقال التجاني في حديثه لـ'جبراكة نيوز' إن المستوردين الرسميين يواجهون منافسة غير متكافئة من القطاع غير المنظم، الذي لا يخضع للضرائب أو الرسوم، ما يمكنه من البيع بأسعار أقل. وأضاف أن بعض المهربين والتجار الموازيين يستغلون المعابر الحدودية ومناطق النزاع لتجاوز الرقابة، مما يُضعف ثقة المستهلكين في جودة السلع المتداولة. واقترح التجاني عدة حلول لدمج هذا القطاع ضمن المنظومة الرسمية، من بينها منح حوافز للتسجيل الرسمي كالإعفاء المؤقت والدعم الفني، وتبسيط إجراءات الترخيص، وتخفيض تكلفة الدخول للسوق، إلى جانب حملات التوعية المجتمعية، وتشديد الرقابة على المعابر الحدودية. السلع الحيوية في خطر وفي ما يتعلق بتأثير الإجراءات الحكومية على استيراد السلع الحيوية، أكد التجاني أن توفر الأدوية أصبح مهددا بسبب صعوبة الحصول على النقد الأجنبي، وتعقيدات التراخيص، كما أدت الرسوم المرتفعة إلى زيادة أسعار الغذاء، ما أسهم في تفاقم الفقر وسوء التغذية. وأضاف: 'لا توجد حاليا آليات فاعلة لحماية هذه السلع أو دعمها'، لافتا إلى أن إعلانات الحكومة بشأن إعفاء بعض السلع الاستراتيجية من الرسوم تبقى غير واضحة أو غير مفعّلة عمليا، كما أن غياب صناديق تثبيت الأسعار أو آليات دعم للفئات الضعيفة يزيد العبء على المواطن والمستورد معا. واختتم التجاني بالإشارة إلى أن 'البيئة الحالية تتطلب إصلاحات هيكلية جادة'، تشمل الشفافية في الرسوم والجبايات، تمكين القطاع الخاص، ضبط السوق الموازي، وابتكار أدوات لحماية السلع الحيوية'. وأكد أن استمرار السياسات الحالية سيؤدي إلى مزيد من الفوضى وعدم التنظيم في السوق، ويدفع المستثمرين والموردين بعيدا عن القنوات الرسمية. من جانبهم يشكو صغار التجار وأصحاب الأعمال في المدن المختلفة من فرض رسوم ضريبية وجبائية جديدة، على رأس كل شهر تقريبا، ويقول التاجر حسن عثمان، صاحب مغلق في شارع الوادي بأم درمان، إن الحكومة تعمل على التضييق عليهم وتدفعهم دفعا للخروج من السوق. ويتساءل عثمان، في حديثه لـ'جبراكة نيوز': 'لا ندري بالضبط ماذا يريدون، لقد صمدنا أكثر من عامين في ظل حرب قاسية وعنيفة، والآن تشن علينا الحكومة حربا من نوع آخر بفرض الرسوم والضرائب العالية، وكأنها تريد القضاء علينا تماما.. ماذا نفعل؟'. الأمين السابق لغرفة المستوردين التجاني اختتم إفادته لـ'جبراكة نيوز' بالإشارة إلى أن 'البيئة الحالية تتطلب إصلاحات هيكلية جادة'، تشمل الشفافية في الرسوم والجبايات، تمكين القطاع الخاص، ضبط السوق الموازي، وابتكار أدوات لحماية السلع الحيوية. وأكد أن استمرار السياسات الحالية سيؤدي إلى مزيد من الفوضى وعدم التنظيم في السوق، ويدفع المستثمرين والموردين بعيدا عن القنوات الرسمية. ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء فيه هذه المادة من إعداد (جبراكة نيوز) لتعكس ملامح لحركة الاقتصاد السوداني في ظل الحرب، إذ يشير الخبراء وفئة التجار إلى تزايد المعاناة الاقتصادية التي تفاقم منها السياسات الحكومية.

كواليس المال في «حكومة بورتسودان»..الإيرادات الضخمة.. أين تذهب؟
كواليس المال في «حكومة بورتسودان»..الإيرادات الضخمة.. أين تذهب؟

التغيير

time٠٨-٠٨-٢٠٢٥

  • التغيير

كواليس المال في «حكومة بورتسودان»..الإيرادات الضخمة.. أين تذهب؟

رغم تعاقب الحكومات وتغير الظروف السياسية في السودان، استمر نهج تفريغ الوزارات من مؤسساتها الإيرادية عبر إنشاء هيئات مستقلة، ما أضعف ولاية المالية وأدى لتحالفات فساد بين قوى سياسية وحركات مسلحة، مستفيدة من غياب الشفافية والمحاسبة، خاصة خلال الحرب التي عمّقت الاختلال الإداري وأعاقت أي إصلاح مالي حقيقي.. التغيير: تقرير انسحاب القوات المشتركة من منطقة المثلث الحدودي بشمال السودان جاء بهدف الضغط علي الحكومة في بورتسودان لتغيير موقفها من التشكيل الوزاري الأخير لرئيس الوزراء كامل إدريس الذي كان يعتزم تشكيل حكومة كفاءات بحسب التسريبات التي راجت في مواقع التواصل الاجتماعي، وقتها. سواء صحت هذه الأنباء أم لم تصح، فإن المؤكد أن حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، انسحب قبيل لحظات من لقاء رئيس الوزراء، كامل إدريس، حين طالبت فيه حركات الكفاح المسلح، التي تقاتل إلى جانب الجيش ضد قوات الدعم السريع، بتطبيق ما ورد في اتفاق جوبا لسلام السودان الموقع في 2020 بمنحها نسبة 25% من الجهاز التنفيذي للدولة. نجحت الحركات في مبتغاها، واحتفظت بمعظم الوزارات، وفشل رئيس الوزراء الجديد في فرض رأيه، بيد أن ثمة أموراً يبدو أنها تمت في الخفاء لتقسيم السلطة خاصة فيما يتعلق بالسلطات وعائدات الأموال والتقسيم الإداري للوزارات. وزراء القوة المشتركة شملت التعيينات نور الدائم محمد أحمد طه وزيرًا للمعادن، وهو مساعد رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي لشؤون الإعلام. كما عُين معتصم أحمد صالح آدم وزيرًا للموارد البشرية والرعاية الاجتماعية، وهو يتولى منصب الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم. ووفقًا للتعيينات، سُمي سيف النصر التجاني هارون جابر وزيرًا للبنية التحتية والنقل، وهو يمثل تجمع قوى تحرير السودان الذي يرأسه عضو مجلس السيادة عبد الله يحيى. كما احتفظ د. جبريل إبراهيم بمنصبه وزير للمالية، والذي ظل يشغل المنصب منذ العام 2021.والقيادي في «حركة جيش تحرير السودان» هارون عبد الكريم عبد الله وزيراً للشؤون الدينية والأوقاف. كما عُين القيادي في «الحركة الشعبية لتحرير السودان» محمد كرتكيلا، وزيراً للحكم الاتحادي. هيئة المواني البحرية لا مساس تُعد هيئة الموانئ البحرية من أكبر الجهات وأكثرها تحقيقًا للإيرادات، ويترأسها المهندس الجيلاني محمد الجيلاني، أحد أبناء شرق السودان، إذ جرت العادة منذ عهد نظام الإنقاذ على تعيين شخصية من الإقليم في هذا المنصب. وتتبع الهيئة فنيًا لوزارة البنى التحتية والنقل التي يتولاها الوزير سيف النصر التجاني هارون، بينما تخضع إداريًا لوزارة المالية الاتحادية برئاسة د. جبريل إبراهيم. هيئة الموانئ البحرية، كما أشرنا، تتبع لوزارة النقل والبنى التحتية، وهي الوزارة التي تندرج ضمن حصة حركة قوى تحرير السودان بقيادة عضو مجلس السيادة الحالي عبد الله يحيى، الذي خلف الوزير السابق الطاهر حجر منذ عام 2021. يقول مصدر لـ(التغيير) إن هيئة الموانئ البحرية تُدار فعليًا من قبل الأجهزة الأمنية، التي تبقى حاضرة بشكل دائم داخل مكتب المدير العام المهندس الجيلاني محمد الجيلاني. ووصف المصدر الهيئة بأنها من المؤسسات «المدغمسة»، مشيرًا إلى أن إدارتها موزعة بين عدة جهات: وزارة النقل، ووزارة المالية، ومجلس السيادة. كما أكد أن إيرادات الهيئة لا تظهر ضمن الموازنة العامة، باعتبارها من الجهات السيادية العليا التي لا يمكن لأي جهة أخرى، بما في ذلك الوزارات التابعة لها، أن تتدخل في شؤونها. [[وتُدار فعليًا من قبل الأجهزة الأمنية التابعة لمجلس السيادة، تحت إشراف مباشر من الفريق عبد الفتاح البرهان، وعضو المجلس الفريق إبراهيم جابر وأشار المصدر إلى أن وزير النقل والبنى التحتية يُشرف فعليًا على مؤسسات مثل السكة حديد، وسودانير، وهيئة الطرق والجسور بوصفها الذراع الفني للوزارة، لكنه لا يملك سلطات حقيقية على هيئة الموانئ البحرية، التي تخضع لقانون خاص مفصل، إلى جانب ما وصفه المصدر بـ«اتفاقيات تحت الطاولة» تحكم طريقة إدارتها وتوزيع نفوذها. إيرادات الذهب أما وزارة المعادن المسؤولة عن أحد أكبر الشركات الإيرادية بالبلاد ترأسها القيادي في حركة «تحرير السودان»، نور الدائم طه، والذي أثار تعينه، موجة من الجدل والانتقادات، على خلفية تسريبات تتحدث عن عدم اجتيازه الفحص الأمني اللازم لتولي المنصب. فيما يترأس محمد طاهر عمر مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية. أسست الشركة السودانية للموارد المعدنية، وهي شركة حكومية، في عام 2014 بهدف الإشراف على شركات التعدين، وتنظيم نشاط التعدين التقليدي، بالإضافة إلى تحصيل نسبة الحكومة من عائدات الشركات العاملة في القطاع. وتُعد الشركة من أكثر المؤسسات إثارة للجدل في السودان، نظرًا لدورها المركزي في الإشراف على شركات وأسواق الذهب. ومنذ عام 2020، ظل منصب المدير العام خاضعًا للمحاصصة السياسية، بينما لاحقت المدير السابق، مبارك أردول، شبهات فساد متكررة. كما تمتلك الشركة نحو 12 فرعًا في مختلف الولايات، خصّصها نظام الحركة الإسلامية البائد لقطاع الطلاب، ولا يزال العديد من مديري هذه الفروع ينتمون إلى ذلك القطاع حتى اليوم. وبحسب مصادر أكدت لـ(التغيير)، فإن الشركة السودانية للموارد المعدنية تتبع اسميًا فقط لوزارة المعادن، بينما تخضع فعليًا لنفوذ سياسي واقتصادي مشترك بين حركة جيش تحرير السودان ومجلس السيادة، بموجب اتفاق غير معلن يتعلق بتقاسم الموارد المالية المتحصلة من قطاع التعدين. وزارة غنية تُعد وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي من الحقائب التي ظلت ضمن حصة حركة العدل والمساواة منذ عام 2020، حيث تولى رئاستها حينها القيادي في الحركة أحمد آدم بخيت. وفي التشكيل الوزاري الجديد، تم تعيين قيادي آخر من ذات الحركة، هو معتصم أحمد صالح، وزيرًا للرعاية الاجتماعية، بعد ضم وزارة العمل إليها. وتضم الوزارة عددًا من الإدارات الإيرادية الكبرى، من بينها ديوان الزكاة، ومؤسسة الضمان الاجتماعي، التي تُعد من أكبر الشركات الحكومية من حيث العوائد والنفوذ الاقتصادي. كما يتبع لها خمسة بنوك، أبرزها بنك المزارع، ولكل منها مجلس إدارة خاص، إلى جانب الجهاز الاستثماري للضمان الاجتماعي، وهو كيان مسؤول عن إدارة تريليونات الجنيهات من أموال الزكاة والمعاشات، وتلاحقه شبهات فساد متعددة. الضرائب والجمارك بحسب المصدر، فإن الضرائب، والجمارك، وعائدات الجهاز القضائي والمحاكم تُعد من أكبر مصادر الدخل في السودان، وتخضع إدارتها لإشراف منفصل من وزارة المالية وبنك السودان المركزي. وأوضح أن هذه الإيرادات شهدت تراجعًا كبيرًا منذ اندلاع الحرب، غير أن الحجم الفعلي للعائدات لا يزال غير معروف في ظل غياب الشفافية. وأشار إلى أن وزارة المالية لا تملك ولاية حقيقية على هذه الجهات، حيث تقوم كل منها بتوريد ما تراه مناسبًا من الإيرادات، غالبًا من متبقي الصرف السيادي والحكومي، دون رقابة مالية فعلية. وتُعد وزارة الداخلية من الجهات السيادية ذات الطابع الإيرادي، وتتبع إداريًا لمجلس السيادة. وهي الجهة المسؤولة عن إصدار الأوراق الثبوتية الشخصية، مثل الجوازات، والأرقام الوطنية، وشهادات الميلاد. وتُدر هذه الخدمات إيرادات ضخمة، إلا أن حجمها الفعلي غير معلوم، إذ لا تُنشر تقارير رسمية توضحها. ويُشير مصدر لـ(التغيير) إلى أن بعض هذه الإيرادات تُحصّل بالعملات الأجنبية، حيث يبلغ سعر الجواز السوداني في دول الخليج، مثل السعودية، نحو (1000) ريال سعودي، وفي بعض الدول الأفريقية يصل إلى (400) دولار أمريكي. ومن بين الجهات الإيرادية المستقلة، يأتي جهاز تنظيم شؤون السودانيين بالخارج، الذي يتبع إداريًا فقط لوزارة الخارجية، بينما يتمتع باستقلالية مالية واسعة، ويُعد من المؤسسات التي تدر دخلًا كبيرًا من خدمات الجوازات، والتصديقات، والتحويلات، وغيرها من المعاملات المرتبطة بالجاليات السودانية. كذلك تُعد هيئة المواصفات والمقاييس من الجهات الإيرادية البارزة، وتتبع إداريًا لمجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية، دون خضوع فعلي لوزارة المالية، ما يكرّس نمط تعدد مراكز الجباية وضعف الرقابة المركزية على المال العام. سلطة الطيران المدني.. الوضع كما هو تُعد سلطة الطيران المدني السوداني من الجهات الإيرادية المهمة التي ظل الغموض يكتنف إدارتها المالية. وكانت تتبع سابقًا لوزارة النقل، إلا أنها خضعت منذ عام 2020 لإشراف وزارة الدفاع، ويُعيَّن مديرها العام مباشرة بواسطة رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان. ولا توجد معلومات متاحة للرأي العام حول حجم إيراداتها أو أوجه صرفها. وبحسب مصادر لـ(التغيير)، فإن مصروفات وإيرادات سلطة الطيران المدني لا تزال تحت سيطرة الجهات السيادية، كما كان الحال منذ عهد نظام الإنقاذ، باستثناء فترات محدودة عندما كانت تحت إدارة المدير السابق إبراهيم عدلان، الذي أبدى اعتراضه الصريح على تبعية الهيئة لوزارة الدفاع، مؤكدًا أنها جهة مدنية مستقلة، وليست خاضعة لوزارة دفاع تُفترض أن تكون إشرافية فقط. تفريغ للإيرادات وسمّى المصدر ما يحدث من تفريغ للإيرادات من الوزارات الإيرادية بـ'النظام المنزوع الدسم'، في إشارة إلى أسلوب اتبعته حكومة الإنقاذ الإسلامية في توزيع السلطة والثروة. ويقوم هذا النظام على تقسيم 'كيكة الوزارات' كترضيات للأحزاب المتحالفة، أو بموجب اتفاقيات سياسية مثل اتفاق السلام الشامل في 2005، وسلام شرق السودان في 2006، مع الاحتفاظ بالمؤسسات الحقيقية المنتجة خارج ولاية الوزراء. ويُفرغ هذا النظام الوزارات من صلاحياتها المالية عبر إنشاء مؤسسات وهيئات منفصلة تتمتع باستقلال إداري ومالي، مثل هيئة الطرق والجسور، وسلطة الطيران المدني، وشركات الكهرباء، والجهاز الاستثماري للضمان الاجتماعي، وغيرها من الكيانات التي تحتكر الإيرادات، وتخضع غالبًا لإشراف مباشر من الأجهزة السيادية أو دوائر النفوذ السياسي. ظل هذا النظام قائماً حتى بعد الثورة التي أطاحت بنظام البشير في 2019، وللأسف، فإن الحكومة الانتقالية التي أعقبت الثورة برئاسة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لم تتمكن من معالجة التشوهات الإدارية والمالية، وربما يعود ذلك إلى استمرارها في ذات النهج القائم على المحاصصات السياسية، خاصة بعد توقيع اتفاق جوبا لسلام السودان في 2020. ويُعد استمرار العسكر في هذا النهج جزءًا من ما يعتبرونه 'حلًا عمليًا' لتوزيع السلطة بين القوى السياسية، حيث يتم منح بعض الحركات المسلحة وزارات 'منزوعة الدسم' كما وصفها المصدر، أي خالية من السلطات المالية الفعلية، بسبب تجريدها من المؤسسات الإيرادية، في مقابل منح أخرى 'كاملة الدسم' تحتفظ بكامل صلاحياتها الاقتصادية. وقد جاء التشكيل الوزاري الأخير لحكومة 'الأمل'، برئاسة كامل إدريس، متسقًا مع هذا النمط من المحاصصة والتوزيع السياسي غير المتوازن. فساد يقول الخبير في مجال الحوكمة والإدارة المالية، عصام الدين صالح، لـ(التغيير)، إن رئيس الوزراء د. كامل إدريس فشل في تشكيل حكومة كفاءات نتيجة تعقيدات الوضع السياسي والأمني في البلاد، مشيرًا إلى أنه خضع لضغوط كبيرة من قِبل القوى المسيطرة. وأضاف أن رئيس الوزراء سيصطدم في المرحلة المقبلة بتحديات كبيرة تتعلق بالشفافية المالية، وإدارة عدد من المؤسسات التي تخضع لنفوذ غير رسمي وتتسم بهيكلية معقدة وغير خاضعة للمساءلة. وأضاف صالح أن وزراء الحركات المسلحة لا يستطيعون وحدهم الاستفادة من الأموال داخل الوزارات التي يديرونها، ما لم يكن هناك اتفاق مسبق أو تفاهم ضمني مع الحكومة القائمة، مشيرًا إلى أن النظام الإداري لوزارة المالية محكم نسبيًا، ويعتمد على 'سيستم ولوائح وقوانين' تُقيّد حركة الصرف وتُحدد أوجه الإنفاق. ومع ذلك، أوضح أن ما يحدث من فساد أو اختلاسات غالبًا ما يتم عبر ما يُعرف بـ'التجنيب'، أي الاحتفاظ بجزء من الإيرادات خارج الأطر الرسمية. وختم بالقول: 'لكن في زمن الحرب، كل شيء وارد'، في إشارة إلى تراجع الرقابة وتفكك المؤسسات بفعل الأزمة المستمرة. وتابع: 'للأسف، ما يُتداول في مواقع التواصل الاجتماعي يعزز الانطباع بوجود فساد وصرف بذخي في زمن الحرب، سواء من قبل بعض الحركات المسلحة أو من قِبل حكومة بورتسودان بشكل عام'، مشيرًا إلى أن هذا يحدث في ظل غياب شبه تام للمحاسبة، واختفاء تقارير المراجع العام، وغياب البرلمان كجهة رقابية تشريعية، ما يفتح الباب واسعًا أمام تفشي التجاوزات دون حسيب أو رقيب. واستبعد صالح فكرة إنشاء مجالس مؤقتة خلال فترة الحرب بغرض تفريغ الوزارات من مواردها المالية لمنع وزارة المالية من الاستفادة منها، مشيرًا إلى أن هذا النمط من الترتيبات يتم التوافق عليه مسبقًا بين الأطراف المتنفذة، ولا يُتخذ بصورة ارتجالية، بحسب تعبيره. وأضاف أن وزراء الحركات المسلحة يمسكون بزمام الوزارات التي يشغلونها منذ نحو خمس سنوات، الأمر الذي منحهم خبرة كبيرة في التعامل مع الهيكل الإداري والمالي للدولة، وفي التكيف مع تعقيدات النظام القائم وتوظيفه بما يخدم مصالحهم السياسية والاقتصادية. وأوضح أن قيام مجالس خاصة لتجريد المالية من الأموال غير دقيق والصحيح أن هنالك هيئات وشركات أنشأت سابقًا في 'عهد الإنقاذ' أفرغت العديد من الوزارات من الجهات الإيرادية لدرجة أن الإنقاذ أنشأت وزارة كاملة التعاون الدولي خصيصًا للمنح والدورات التدريبية والبرتكولات الخارجية. ورأى عصام الدين صالح أن وزارة المالية تلتزم بصرف مبالغ مالية شهرية تُحوّل مباشرة إلى حسابات الحركات المسلحة، وذلك بعلم وموافقة الجهات السيادية، في إطار ترتيبات غير معلنة لكنها مستقرة منذ سنوات. وأشار إلى أن الجميع تابع الأزمة الأخيرة التي نشبت عقب محاولة رئيس الوزراء كامل إدريس تجاوز الحركات المسلحة في التشكيل الوزاري الأخير، وهو ما قوبل برد فعل مباشر تمثل في انسحاب قوات الحركات من المثلث الحدودي، كوسيلة ضغط واضحة على حكومة بورتسودان. تغول وشدد صالح على ضرورة حماية العمل الإداري من تغوّل السياسيين، وضمان استقلالية بنك السودان المركزي عن أي تدخلات خارجية، باعتباره مؤسسة سيادية تمثل عماد الاستقرار المالي في البلاد. وأشار إلى أن نظام الإيصال الإلكتروني ظل متوقفًا في مناطق التعدين الأهلي طوال عامين من عمر الحرب، حيث جرى استبداله بالإيصالات الورقية، وهو ما وصفه بـ'أكبر مداخل الفساد'، مؤكداً أن غياب الرقابة الرقمية يجعل من المستحيل على ديوان المراجعة العامة تقدير الدخل الحقيقي من قطاع التعدين التقليدي. واعتبر صالح أن تطبيق أي إصلاح إداري أو مالي في ظل الحرب يُعد أمرًا مستحيلاً، ليس في السودان فحسب، بل في كل دول العالم، مشيرًا إلى أن الحرب تفرض واقعًا مكلفًا لا يسمح بترتيبات حوكمة أو شفافية، 'فالحكومات في زمن المعارك لا تنتظر'.

من الكلمات إلى الرصاص.. كيف يصنع خطاب الكراهية مجازر الحرب في السودان؟
من الكلمات إلى الرصاص.. كيف يصنع خطاب الكراهية مجازر الحرب في السودان؟

التغيير

time٠٧-٠٨-٢٠٢٥

  • التغيير

من الكلمات إلى الرصاص.. كيف يصنع خطاب الكراهية مجازر الحرب في السودان؟

خطاب الكراهية في حرب السودان موجه ضد المدنيين خاصة من هم ضدها ويتم وصفهم بالعمالة والخيانة إلى جانب ممارسات تصفية الناس على أساس انتمائها الجغرافي، وفقاً لما قالت اختصاصية نفسية لـ (التغيير). كانت عبارة 'قحاتي' كافية لأن يتلقى 'س' صفعة على وجهه وتنهال عليه اللكمات!. بدأت القصة، وفق شاهد عيان، إلى أن أحدهم كان ينتظر صديقه في أحد مقاهي القاهرة وفور رؤيته نادى عليه بعبارة 'يا قحاتي' (وهي عبارة تعني أحد أعضاء تحالف الحرية والتغيير الذي مثل الحاضنة السياسية للحكم في الفترة الانتقالية عقب سقوط نظام البشير) فهاجمه أحد الموجودين وانهال عليه ضربا حتى تدخل الناس وفضوا النزاع وبعد أن هدأ المكان شرحوا للمعتدي بأن هذا الشخص لا علاقة له بالحرية والتغيير وأن صديقه يمازحه ليس إلا، فعاد الرجل معتذرا! قوائم مجهولة فور اندلاع الحرب انتشرت في مجموعات الواتساب قوائم مجهولة المصدر تضم عشرات السياسيين والنقابيين والصحفيين متهمين بإشعال الحرب وكان هناك تحريض بالعنف في مواجهتهم. كان اسم الصحفي 'محيي الدين جبريل' ضمن تلك القوائم الأمر الذي أثر في استقراره المهني والاجتماعي 'أصبحت أواجه عزلة اجتماعية وأصبحت اتجنب التجمعات'. وقال جبريل لـ (التغيير) إنه تلقى عشرات الرسائل التهديدية بالقتل، ورسائل تطالبه بالكشف عن مكان إقامته بعبارات من قبيل: 'إن كنت رجلا أخبرنا بمكانك'! وأعرب جبريل عن حزنه وأسفه كون أن من يقود التحريض ضده هم من أفراد العائلة ومنطقته الجغرافية، وأخيرا قرر أن يتجه للقانون ليحمي نفسه وهو الآن ينتظر تقديم الشخص الذي يهدده للمحاكمة بعد أن تم التحقيق معه. خطاب ممنهج خطاب الكراهية تجاه المدنيين وخاصة السياسيين لم يأت بصورة عفوية بل تشكل بصورة منهجية لتصوير المدنيين ك'عدو داخلي' يُحمَّل مسؤولية كل الأزمات فيما يوفر الحماية للعسكريين وفق رئيس تحرير أفق جديد عثمان فضل الله. وقال فضل الله لـ (التغيير) إن هذا الخطاب السائد الآن يمثل امتدادا لخطاب الشيطنة الذي بدأ منذ سقوط البشير وتصاعد بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021 حين فشلت السلطة في تقديم بدائل واقعية فلجأت إلى تصدير الأزمة نحو 'المدني'. وأعاد رئيس تحرير أفق جديد اقتناع الجمهور بهذا الخطاب لجهة سيطرة المنصات العسكرية على وسائل الإعلام خاصة الرسمي إلى جانب الحملات الإلكترونية الممنهجة التي شيطنت الأحزاب السياسية. وأكد فضل الله أن ترسيخ هذه الصورة تم مع غياب خطاب مدني واضح وموحد خاصة وأن التيارات المدنية تعاني من انشقاقات أعجزتها عن الدفاع عن تجربتها. وحذر فضل الله خلال حديثه لـ (التغيير) من تحول الخطاب التحريضي لأرضية خصبة للعنف السياسي والاجتماعي خاصة في ظل انعدام سياسة القانون وانتشار السلاح وتكاثر المليشيات. وقال فضل الله إن الخطورة الأكبر من هذا الخطاب تتمثل في أن تهديده يتعدى السياسيين والمدنيين لتجريم فكرة التحول المدني نفسها 'العنف الذي يحضر له لا يهدد الأشخاص فقط بل مشروع الدولة المدنية بالكامل'. التحشيد للحرب خطاب الكراهية كان السبب خلف جرائم كبيرة على مستوى العالم، مثل الإبادة الجماعية التي حدثت في رواندا في العام 1994 عبر اذاعات كانت تصف التوتسي ب'الصراصير' نازعة عنهم صفة الإنسانية، فيما ساهم خطاب الكراهية في تأجيج الحرب الأهلية وتحويل المدن لمقابر جماعية في البوسنة. وأشار المدير القطري لمعهد الحياة والسلام عبدالله الصافي، إلى أن العالم تنبه لحضور خطاب الكراهية في أغلب النزاعات حول العالم خلال ال75 عاما الماضية ما دفع الأمم المتحدة للسعي عبر المفوضية العليا لحقوق الإنسان في تحركات فعلية لمعالجته. وقال الصافي لـ (التغيير) إن خطاب الكراهية ساهم في إشعال حرب السودان التي انطلقت في بيئة هشة ومتداعية اجتماعيا تحمل في داخلها عوامل كامنة للنزاع محذرا من أن استمرار هذا الخطاب سيساهم في استدامة الحرب وتطورها لحرب اجتماعية شاملة. وفي حديثه مع (التغيير) أشار المدير القطري لمعهد الحياة والسلام إلى استخدام أطراف النزاع لعبارات جارحة وعنيفة تستهدف مكونات اجتماعية تحاول الحض من قدرها بناء على صفات متعلقة بالعرق والأصل الاثني والمنطقة الجغرافية 'مثلما يوصف البعض بأنهم غير سودانيين'. وحذر الصافي من أن وصف النساء بأوصاف مذلة يمكن أن يؤدي إلى تعرضهن لانتهاكات جنسية عنيفة مشيرا إلى ان الحرب اندلعت في عصر رقمي ما يوفر الانتشار للخطاب العنيف لأكبر عدد وهذا يضربالتركيبة الاجتماعية. ودعا الصافي إلى ضرورة تضافر الجهود من كافة الفاعلين ابتداء من الحكومات والمنظمات والإدارات الأهلية لوقف هذا الخطاب ومعاقبة من يقودوه لأن استمراره سيمنع الذهاب نحو بناء السلام. واستدرك قائلا: 'المؤسف أن بعض الدوائر الرسمية تتبنى هذا الخطاب وتستخدمه في التحشيد للحرب'. خطاب الكراهية جريمة اتفق مع الصافي الخبير القانوني المعز حضرة الذي قال إن خطاب الدولة الرسمي يشتمل على خطاب كراهية 'والي نهر النيل صرح بقتل أي وجه غريب!'. وأكد حضرة على أن مؤسسات الدولة يجب أن تلتزم الحياد تجاه الجميع وتحميهم مشيرا إلى أن القتل يتم على الهوية في مناطق تعدين الذهب بولاية نهر النيل. واتهم الخبير القانوني خطابات الإسلامويين بالجهوية والعنصرية معربا عن أسفه من عدم تقديمهم لمحاكمات 'النيابة أصبحت مطية في يد الاسلامويين بعد عودتهم للسلطة'. وفي حديثه ل'التغيير' أشار حضرة إلى المفارقات في استخدام القانون لمعاقبة السياسيين والناشطين وحتى قتلهم كاشفا عن اشتمال القانون الجنائي السوداني لعام 1991 لمواد تجرم خطاب الكراهية والإساءة للقبلية في المواد: 63، 64، 65. بالإضافة لأن قانون جرائم المعلوماتية بجميع تعديلاته يجرم استخدام الوسائط لخطاب الكراهية. وأضاف: القوانين الدولية ايضا تجرم خطاب الكراهية وجريمة الإبادة الجماعية التي تحاكم به المحكمة الجنائية الدولية هو في الأساس خطاب كراهية. 'لكن مع الأسف منذ اندلاع هذه الحرب لم يحاكم أي شخص بخطاب الكراهية'. الصمت عن العنف مشاركة خطاب الكراهية لا يأمر الناس بالعنف مباشرة؛ بل يمهد له عبر منحه غطاء اخلاقي ليصبح مبررا! والعنف لا يبدأ بالسلاح بل بالتعود على اللغة العنيفة أولا ثم استخدامها ثم قبول العنف أو المشاركة فيه أو الصمت عنه 'حيث نصل لمرحلة تبلد أمام معاناة الآخرين'. هكذا عرفت الاختصاصية النفسية مي قرشي المهتمة بتأثير خطاب الكراهية على الصحة النفسية المجتمعية خطاب الكراهية قائلة إننا عندما نعمل على تفكيكه من منظور نفسي نكتشف أنه ليس مجرد شتائم أو نوبات غضب عابرة بل هي آليه دفاع جماعية تخلق شعور وهمي بالتماسك. وقال قرشي في حديثها لـ (التغيير) إن خطاب الكراهية في حرب السودان موجه ضد المدنيين خاصة من هم ضدها ويتم وصفهم بالعمالة والخيانة إلى جانب ممارسات تصفية الناس على أساس انتمائها الجغرافي. وأضافت: هذا الخطاب يستخدم عبر دعاة الحرب من الطرفين، وفي الجلالات العسكرية ومعسكرات التجنيد وفي الشتائم الموجهة ضد النساء. وأشارت قرشي إلى أن قاموس الحرب أوجد عبارات جديدة تبيح العنف مثل 'فتك، متك، جغم..' كاشفة عن تأثيرها على الحالة النفسية بشكل عميق. وقالت: 'الناس لا تستمع فقط لكن العقل يتشبع'. ووصفت الاختصاصية النفسية الصمت عن خطاب الكراهية بمشاركة في العنف 'كل كلمة نسمح بها تحولنا لأن نكون حلقة في دائرة الخراب'. وأضافت: الإنسان لا يولد عنيفا لكنه يتربى على العنف بشكل يومي. وشددت على أن الوقوف ضد الحرب لا يعتبر موقفا سياسيا بل اجراء وقائي وعلاجي حد وصفها 'المجتمع الذي يتشرب الكراهية يتسمم ويفقد آخر خط دفاع ضد الانهيار الكامل وهو التعاطف'.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store