logo
تهدئة مرتقبة في سوريا.. هل تنجح خطة الشرع لاحتواء الانقسام؟

تهدئة مرتقبة في سوريا.. هل تنجح خطة الشرع لاحتواء الانقسام؟

بين التحول السياسي وتحديات الواقع
مع استلام الرئيس السوري أحمد الشرع لمهامه، تمضي البلاد بحذر نحو انتخابات برلمانية بين 15 و20 سبتمبر، وسط انقسامات حادة حول تمثيل الأقليات وشفافية العملية الانتخابية. وتبرز النسخة النهائية للنظام الانتخابي المؤقت كمحاولة لإعادة تشكيل "مجلس الشعب" بطريقة تشمل المكونات المختلفة، دون محاصصة صريحة.
لكن المشهد الانتخابي لا يُقرأ بمعزل عن تعقيدات جغرافية وأمنية. إذ لا تزال قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تسيطر على شمال شرق البلاد، بينما تحتفظ إسرائيل بنفوذ في بلدات من القنيطرة، وتشهد السويداء اضطرابات وخروجا تدريجيا للقوات الحكومية، بالتوازي مع نشاط متصاعد لتنظيم داعش في البادية.
هذه الوقائع، وفق ما ورد في التقرير، تضع عراقيل جدية أمام قدرة لجنة الانتخابات على تنظيم عملية شاملة وعادلة على مستوى البلاد، خصوصا مع بقاء التوزيع السكاني والطائفي غير المتوازن، ما يجعل ضمان تمثيل حقيقي لكل المكونات تحديًا مركزيا في المسار السياسي السوري.
قدّم الكاتب والباحث السياسي غسان إبراهيم، خلال حديثه إلى برنامج "التاسعة"على سكاي نيوز عربية، تحليلاً معمّقًا للمشهد، معتبرًا أن الحكومة السورية تلجأ إلى البرلمان كوسيلة لامتصاص الاحتقان، وليس بالضرورة كآلية ديمقراطية مكتملة. ويقول: "الحكومة السورية تحاول أن تلقي الكرة في ملعب قسد، بدعوتها للمشاركة في الانتخابات البرلمانية كمخرج سياسي لعقدة الشرق السوري".
ويرى إبراهيم أن الرسائل السياسية التي تبعث بها دمشق في هذا السياق متعددة الاتجاهات. فهي من جهة تعرض على المكونات المحلية، خصوصًا الكرد والدروز، صيغة من التمثيل السياسي داخل البرلمان، دون المساس بجوهر النظام المركزي. ومن جهة أخرى، تبعث برسائل تهدئة للخارج، وخصوصا واشنطن وتل أبيب.
ويضيف: "هناك أحاديث عن برلمان انتقالي، يُنتخب بطريقة غير شاملة، بل عبر لجان محلية تمثل المناطق. وهو أمر جدلي، لكنه عمليا يسمح باحتواء التوتر دون اللجوء إلى العنف".
محاولة التفاف على الفيدرالية.. أم بديل سياسي قابل للحياة؟
الشرع، وفق تحليل إبراهيم، لا ينوي فتح باب الفيدرالية، بل يسعى لترميم شرعية مركزية عبر "مؤسسات تمثيلية مرنة"، تسمح بإشراك جميع الأطراف دون منح امتيازات حصرية لأي مكون. ويشير إلى أن النظام يفضل الحل السياسي على الصدام، خاصة بعد دروس السويداء والساحل، حيث أثبت العنف فشله في احتواء التوترات.
ويتابع: "الحكومة تريد أن تقول للمكونات: لا نريد تصعيداً... تعالوا إلى البرلمان، وسنوزع المقاعد بعدالة حسب الكتل السكانية، دون محاصصة أو تمييز".
اللافت هنا هو تأكيد إبراهيم أن البرلمان لن يُنتخب عبر اقتراع شعبي شامل، بل عبر لجان مناطقية تنتخب ممثلين، ما يجعله أقرب إلى مجلس وساطة مجتمعية منه إلى سلطة تشريعية تقليدية.
المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف أبدى تفاؤله بقرب تهدئة في سوريا، مشيرا إلى أن "الاتفاقات الإبراهيمية ستتوسع"، ما قد يربط سوريا ضمنيًا بترتيبات إقليمية تتجاوز الداخل. وقد أشار إبراهيم إلى أن الشرع استطاع إقناع واشنطن وباريس وحتى أطراف مقربة من إدارة ترامب، بأنه خفف التصعيد في الجنوب، خاصة بعد أحداث السويداء، في محاولة لتثبيت تهدئة دائمة.
ويقول:
"الولايات المتحدة ضغطت على إسرائيل لتجنب التصعيد، خصوصاً في الجنوب الذي يضم القنيطرة ودرعا والسويداء، بمكوناته الدينية والقبلية المتنوعة. التهدئة هنا تخدم مصالح واشنطن وتمنح تل أبيب هامشاً للتفاوض لاحقا".
ويلفت إلى أن هناك "محادثات مستمرة سورية إسرائيلية"، وإن كانت غير علنية، تركز على العودة لاتفاق فصل القوات لعام 1974، دون التطرق إلى ملفات أوسع.
داخلياً، تواصل دمشق حملة أمنية لفرض هيبتها، خصوصًا في مناطق شهدت تفلتا أمنيا. حيث تم اعتقال قيادات بارزة في "غرفة عمليات الساحل"، التي تصنفها الحكومة كجماعة خارجة عن القانون، وعلى رأسهم مالك علي أبو الصالح، ووضاح سهيل إبراهيم، ونضال عثمان. تأتي هذه الاعتقالات في سياق محاولة ضبط الساحل بعد أحداث دامية في مارس الماضي، وهو ما يراه إبراهيم "جهدًا مكملا للعملية السياسية"، لا نقيضا لها.
قسد.. هل تمهد لتنازلات مفصلية؟
ربما التطور الأبرز هو ما أشار إليه إبراهيم بخصوص قوات سوريا الديمقراطية، قائلاً إن قسد بدأت تبدي استعدادا لتقديم تنازلات، من بينها السماح بعودة الدولة السورية إلى مؤسساتها في الرقة، دير الزور، والحسكة، ما قد يعكس تغيرًا في مواقفها تحت الضغط الأمريكي.
ويضيف: "أحد أسباب السكوت التركي هو أن توم باراك، مبعوث إدارة ترامب، يعتبر شخصية مقبولة لدى أنقرة، لأنه يدفع باتجاه سحب السلاح من الجماعات غير النظامية".
رغم كل هذه المناورات السياسية والأمنية، يبقى التحدي الأساسي هو شرعية هذه الانتخابات، خاصة مع رفض بعض القيادات المحلية، مثل الهجري في السويداء، لأي تمثيل لا يصدر عن المكونات نفسها. ويقول إبراهيم: "حتى لو وصل ممثل عن السويداء إلى البرلمان، قد يخرج الهجري ويقول هذا لا يمثلنا. عندها ستقول الحكومة: تفضلوا وقدموا ممثلكم. وهي محاولة ذكية لامتصاص الاحتقان".
جزرة البرلمان بدل عصا السلاح
بينما تبدو التهدئة ممكنة من منظور دبلوماسي، فإن نجاحها على الأرض مرهون بإرادة داخلية جامعة واستعداد دولي لتثبيت الاستقرار. الحكومة السورية، وفق تحليل غسان إبراهيم، تسعى لسحب فتيل الانفجار من خلال البرلمان، لا عبر فرض الفيدرالية أو تقاسم السلطة التقليدي. إنها ورقة سياسية بديلة، أشبه بـ"جزرة"، بعدما ثبت أن "العصا" قد تشعل البلاد من جديد.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

سموتريتش يدعو لإقامة ممر بين إسرائيل والسويداء
سموتريتش يدعو لإقامة ممر بين إسرائيل والسويداء

سكاي نيوز عربية

timeمنذ 26 دقائق

  • سكاي نيوز عربية

سموتريتش يدعو لإقامة ممر بين إسرائيل والسويداء

وقال سموتريتش على حسابه في منصة "إكس" إن الوضع في السويداء صعب جدا، معتبرا أن وقف إطلاق النار الحالي ليس سوى نوع من الهدوء المخادع لمحاصرة الدروز. وكان وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، قد قال الخميس، إنه "على خلفية الاعتداءات الأخيرة التي تعرض لها الدروز في السويداء بسوريا والوضع الإنساني الخطير في المنطقة، أوعزت إلى موظفي وزارة الخارجية اليوم، بإرسال مساعدات إنسانية عاجلة". وأضاف ساعر: "تشمل رزمة المساعدات الحالية، بقيمة 2 مليون شيكل، طرودا غذائية، معدات طبية، معدات الإسعافات الأولية وأدوية، وهي مخصصة للمناطق التي تضررت مباشرة من الاعتداءات العنيفة". وتابع: "هذه هي رزمة المساعدات الثانية التي ترسلها وزارة الخارجية بقيادتي للدروز في سوريا، بعد رزمة المساعدات التي تم إرسالها في شهر مارس الماضي". وفي سياق متصل، أعلنت وزارة العدل السورية، الخميس، تشكيل لجنة للتحقيق في الأحداث الأخيرة التي وقعت في محافظة السويداء، بهدف محاسبة مرتكبي الاعتداءات والانتهاكات، على أن تقدم تقريرها النهائي في مدة لا تتجاوز 3 أشهر. وحسبما ذكرت وكالة الأنباء السورية فإن مهام اللجنة "كشف الظروف والملابسات التي أدت إلى الأحداث في السويداء، والتحقيق في الاعتداءات والانتهاكات التي تعرض لها المواطنون، وإحالة من تثبت مشاركته فيها إلى القضاء". وشهدت محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية بدءا من 13 يوليو ولمدة أسبوع اشتباكات اندلعت بين مسلحين من البدو ومقاتلين دروز، قبل أن تتوسع مع تدخل القوات الحكومية ومسلحي العشائر إلى جانب البدو. وأسفرت الاشتباكات عن مقتل أكثر من 1400 شخص، الجزء الأكبر منهم دروز، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان ، قبل أن يدخل وقف إطلاق نار حيز التنفيذ.

تحديات حرجة للانتخابات السورية
تحديات حرجة للانتخابات السورية

صحيفة الخليج

timeمنذ 27 دقائق

  • صحيفة الخليج

تحديات حرجة للانتخابات السورية

د. محمد السعيد إدريس على خلاف كل ما يمكن اعتباره «أنباء سيئة السمعة» التي تتواتر من سوريا وتصب في خانة أن «سوريا تتجه لتصبح دولة فاشلة» لأسباب كثيرة في مقدمتها الجنوح نحو «التفكك الوطني» كخيار معاكس تماماً لخيار «التوحد الوطني» سواء بسبب مخططات واستراتيجيات خارجية تعمل من أجل ذلك أو لأسباب وصراعات داخلية عرقية (كردية) أو طائفية (علوية ودرزية)، فاجأت سوريا كل من يهمهم أمرها بنبأ معاكس لكل نوازع التشاؤم يقول، إن النظام الحاكم في دمشق حدد موعد إجراء انتخابات مجلس الشعب السوري يومي 15 و20 سبتمبر/أيلول المقبل، أي بعد شهر ونصف الشهر من الآن فقط، نبأ يوحي بأن هناك رهاناً من الحكومة على تأمين الاستقرار السياسي والأمني واستعادة التوحد الوطني على الرغم من كل ما شهدته وتشهده سوريا من صراعات داخلية، واعتداءات إسرائيلية تؤكد ما تعلنه الدراسات الاستراتيجية الإسرائيلية أن «سوريا الجيدة هي سوريا المفككة»، وأن الدولة المركزية السورية يجب ألا تعود «وأن» مرجعيات القرار السوري الأمنية والسياسية يجب أن تكون متعددة»، أي«لن تكون سوريّة بحتة» ولكن«المرجعية الإسرائيلية» ستكون حاسمة في هذا المجال. فقد أعلنت اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب في سوريا على لسان رئيسها بعد لقائه مع الرئيس السوري أحمد الشرع (26-7-2025) موعد إجراء الانتخابات، وأن الرئيس اطّلع على أهم التعديلات التي أجريت على النظام الانتخابي، ومنها زيادة عدد مقاعد المجلس من 150 مقعداً إلى 210 مقاعد، ومن ثم زيادة حصة المحافظات. السؤال الذي يلحّ بهذا الخصوص هو: هل إجراء انتخابات ناجحة في سوريا تحتاج فقط إلى زيادة عدد مقاعد المجلس النيابي، أم أنها تحتاج إلى ما هو أهم وهو تحقيق الاستقرار السياسي والمصالحة الوطنية، والتوافق على مشروع سياسي وطني يأخذ بمبدأ«المواطنة المتساوية» ويحقق تكافؤ الفرص السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين كل المواطنين من دون أي تمييز طبقي وعرقي أو طائفي ومذهبي، وقبل ذلك يكون الأمن الوطني قد تحقق، والاقتتال العرقي والطائفي قد توقف، وأن سلطة الدولة باتت مؤكدة على كافة مساحاتها، وليس على ما يساوي ثلث تلك المساحة فقط؟ فقرار إجراء انتخابات مجلس الشعب السوري الآن يواجه الكثير من التحديات لكن يمكن حصر أبرزها في ثلاثة تحديات منها تحديان داخليان: التحدي الكردي في الشمال والتحدي الدرزي في الجنوب، فضلاً عن التحدي العلوي في الساحل الغربي. أما التحدي الثالث والأخطر فهو التحدي الإسرائيلي الذي يستهدف تفكيك سوريا وتحويلها إلى أربع دويلات عرقية وطائفية، دولة كردية في الشمال الشرقي، ودولة علوية في الساحل الغربي، ودولة درزية في الجنوب، ودولة سنيّة في الوسط تكون عاصمتها دمشق. التحدي الكردي مازال قائماً ومن شأنه جعل فكرة إجراء انتخابات مجلس الشعب في المناطق الشاسعة التي تحكمها قوات سوريا الديمقراطية «قسد» التنظيم العسكري الحاكم للأكراد في الشمال السوري الشرقي فكرة مستحيلة. فقوات سوريا الديمقراطية ترفض العودة إلى فكرة «الدولة المركزية» وتطالب بنظام حكم سوري جديد يأخذ ب«الفيدرالية» أي الدولة الاتحادية غير المركزية التي تعطي للكرد حق الحكم الذاتي، كما أنهم يرفضون تسليم السلاح، ويطالبون، على نحو ما ورد على لسان «أبجر داوود» المتحدث الرسمي باسم«قسد»، «الانضمام إلى الجيش السوري عبر اتفاق دستوري قانوني يعترف بخصوصية قواتنا، على أن تدمج كتلة عسكرية موحدة في مناطق سيطرتها ضمن الجيش السوري». «قوات سوريا الديمقراطية»(قسد) تسيطر على كامل محافظة الحسكة (شمال شرق) ومركز مدينة الرقة، ومدينة الطبقة (شمالاً) وريف دير الزور الشمالي والشرقي، إضافة إلى مدينة عين العرب الواقعة بريف حلب الشرقي، كما وسعت مناطق سيطرتها، بعد سقوط النظام السابق، إلى بلدتي دير حافر ومسكنه، الواقعتين بريف حلب الشرقي وبلدة المنصورة بريف الرقة، ومزارع وقرى تقع في الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وتقدر إجمالي هذه المساحة بنحو ثلث الأراضي السورية. هذه المساحة الهائلة غير خاضعة للسلطات المركزية في دمشق، فكيف ستجري فيها هذه السلطات انتخابات. أم أن الانتخابات لن تشمل هذه المساحات، وهذا سيجعل المجلس الجديد بعد انتخابه مجلساً غير شرعي لا يمثل كل الشعب السوري. التحدي الدرزي لا يقل خطورة، فرغم توقيع اتفاق التهدئة بعد الاقتتال الذي حدث يوم الأحد (13 يوليو/ تموز الفائت) بين فصائل محلية من طائفة الموحدين الدروز وميليشيات بدوية متطرفة، ثم دخول قوات الجيش والأمن كطرف في الصراع، مازال التوتر هو سيد الموقف، في ظل وجود قدر كبير من عدم الثقة المتبادل بين الدروز وقبائل البدو وقوات الأمن، وغلبة النوازع الطائفية على الصراع، وفي ظل إصرار إسرائيلي على تغذية هذا الصراع، ووجود أطراف درزية تثق بأن إسرائيل يمكن أن تكون «ملاذاً آمناً» في وجه السلطات المركزية. يأتي التحدي الإسرائيلي ليكمل وطأة التحديات التي تواجه خيار الانتخابات، فكيف سيكون موقف سلطات دمشق عندما يجيء موعد إجراء تلك الانتخابات وتجد نفسها عاجزة عن إجرائها في ما يقرب من نصف مساحة سوريا؟

روسيا تعيد تموضعها في سوريا.. دعم بلا وصاية؟
روسيا تعيد تموضعها في سوريا.. دعم بلا وصاية؟

سكاي نيوز عربية

timeمنذ 2 ساعات

  • سكاي نيوز عربية

روسيا تعيد تموضعها في سوريا.. دعم بلا وصاية؟

في مشهد يعيد ترتيب أولويات التحالفات على الساحة السورية، عاد الدور الروسي ليحتل مركز الثقل، لكن هذه المرة بصيغة مختلفة. فبعد سنوات من التدخل المباشر دفاعا عن النظام السابق، تطرح موسكو اليوم نفسها كشريك لسوريا الجديدة، لا كوصيّ عليها، وتعرض علاقاتها على قاعدة: "الدعم مقابل الشراكة، لا الحماية مقابل التبعية". وشكلت زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى موسكو، والتي تُعد الأولى من نوعها منذ تولّي الإدارة الجديدة في دمشق، محطة محورية في مسار العلاقات الثنائية. ولم يخفِ الوزير الروسي سيرغي لافروف رغبة بلاده في أن يُشارك الرئيس السوري أحمد الشرع في القمة الروسية – العربية المرتقبة في أكتوبر، فيما حمل الشيباني إلى الكرملين رسائل واضحة عنوانها: "سوريا تريد بداية صحيحة تقوم على الاحترام، والتعاون، لا على إرث الاتفاقات غير المتوازنة". أكد الشيباني أن بلاده تعمل على إعادة تقييم شاملة لكل الاتفاقات السابقة التي وقّعتها موسكو مع نظام بشار الأسد ، سواء في المجال العسكري أو الاقتصادي أو الأمني. هذه المراجعة، كما أوضح الشيباني، تهدف إلى "صياغة مستقبل العلاقة السورية – الروسية وفق مصالح الشعب لا ضمانات النظام". و لم تأتِ زيارة الشيباني لموسكو وحيدة، فقد تزامنت مع زيارة وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة أيضا، في خطوة تعكس تسارعا في الملفات العسكرية والأمنية بين الطرفين، وعلى رأسها مستقبل القواعد الروسية في سوريا، والتي كانت محل انتقاد واسع من المراقبين بسبب غياب أطر زمنية واضحة أو مقابل اقتصادي أو سياسي معلن. اتفاقات الأسد لا تلزم الدولة السورية قال المحلل السياسي والكاتب السوري عباس شريفة، في مداخلة له عبر برنامج "التاسعة" على "سكاي نيوز عربية"، إن زيارة الشيباني تُعدّ "نقطة تحول حقيقية في العلاقة بين دمشق وموسكو"، لأنها تنتقل بالعلاقة من منطق الحماية إلى منطق الشراكة. وأضاف شريفة: "روسيا دعمت سوريا بعد سقوط نظام الأسد، وامتنعت عن دعم بقايا النظام في معارك خاسرة، بل أقنعته بالانسحاب حفاظا على الدم السوري. اليوم، موسكو ليست بصدد وصاية بل تبحث عن مصالح مشتركة، وهي تتبنى موقفا داعما لوحدة الأراضي السورية ورافضا للمشاريع الانفصالية". لكن شريفة حذر أيضا من استمرار بعض "فلول النظام السابق" في العبث بالمشهد السوري، واعتبر أن دور موسكو يجب أن يكون ضامنا لاستقرار سوريا لا مكرّسا لامتيازات منتهية الصلاحية. إحدى أبرز القضايا التي طُرحت في موسكو كانت مسألة تمثيل الأقليات، خصوصا الأكراد ، في الحكومة السورية الجديدة. ودعا لافروف علنا إلى تمثيل الكُرد ضمن مؤسسات الدولة، إلا أن دمشق، وفقا لتصريحات شريفة، تُفرّق بين التمثيل السياسي العادل والمشاركة الطائفية أو العرقية. وحول ذلك قال شريفة: "نحن نرفض المحاصصة على الطريقة اللبنانية أو العراقية. التجربة أثبتت فشلها في تحقيق الاستقرار. المشاركة يجب أن تُبنى على الكفاءة، ضمن دولة موحدة، لا على كوتا طائفية أو قومية". وفي تطور إيجابي، كشف شريفة عن لقاء تم مؤخرا بين مسؤولين سوريين وقائد قوات سوريا الديمقراطية ، مظلوم عبدي، تضمن طرحا واضحا لضرورة العودة إلى سيادة الدولة، ورفض الفدرالية أو تشكيل قوات موازية للجيش السوري. شكّلت مسألة القواعد الروسية في سوريا أحد أكثر ملفات التعاون حساسية، فبحسب شريفة، فإن الاتفاقات التي وُقعت سابقا تمنح روسيا وجودا مفتوح الأمد على الأراضي السورية "دون سقف زمني، ودون وضوح في المهام أو الحدود". وتابع قائلا: "هذه القواعد تحوّلت فعليا إلى جزء من الأراضي الروسية، ولا يُعرف إن كانت ستُستخدم ضد حلفاء سوريا أو خصومها. ما هي مهمتها؟ هل هي للدفاع عن سوريا أم للضغط على الأوروبيين؟ يجب إعادة صياغة هذه الاتفاقات وفق المصالح الوطنية السورية". كما طالب شريفة بأن تُربط هذه القواعد بمقابل واضح، كالتسليح أو تدريب الجيش السوري ، لا أن تبقى مجرد امتيازات ممنوحة بلا ضوابط. مصادر سورية كشفت لـسكاي نيوز عربية عن تحضيرات لتشكيل حكومة سورية موسعة تمثل مختلف الطوائف والمناطق، إلا أن شريفة دعا إلى التمهل في هذا المسار، مؤكدا أن أي توسعة سياسية يجب أن تسبقها عملية توحيد للجغرافيا السورية. وأوضح: "لا يعقل أن تكون هناك إدارة ذاتية في الشمال، وخلايا فوضوية في الجنوب، ثم نأتي لنبحث عن شراكة في دمشق. يجب أن يكون هناك وطن موحد قبل أن نتحدث عن حكومة جامعة". وفي المقابل، يرى شريفة أن إسرائيل تحاول فرض أمر واقع جديد في الجنوب السوري، وتسعى لتحويله إلى "مجال أمني إسرائيلي"، مستخدمة ملف نزع السلاح كورقة ضغط، مضيفا أن "الحديث عن نزع السلاح في الجنوب هو حديث عن خلق فراغ أمني. ما هي القوة التي ستملأ هذا الفراغ؟ هل يعني ذلك تسليم المنطقة لإسرائيل؟ الدولة السورية واقعية، نعم، لكنها لا تقبل اتفاق إذعان". واقترح شريفة العودة إلى اتفاقية فصل القوات لعام 1974، وربما إشراك قوات أميركية كضامن في المنطقة العازلة، طالما أن واشنطن تُعد جهة مقبولة للطرفين. سياسة خارجية براغماتية… وزيارات مرتقبة شدد شريفة على أن الرئيس السوري أحمد الشرع بات يحظى بانفتاح إقليمي ودولي غير مسبوق، وأن هناك رغبة عربية وغربية في المساهمة في بناء الاستقرار السوري، بما في ذلك دول الخليج، والولايات المتحدة، وأوروبا. وألمح إلى زيارة محتملة للرئيس الشرع إلى واشنطن في سبتمبر المقبل، معتبرا أن هذا الانفتاح يعكس نهاية مرحلة وعُقدة الأسد، وبداية عهد جديد قائم على المصالح لا الأوهام الأيديولوجية. وختم شريفة قائلا: "لا توجد تحالفات دائمة بل مصالح دائمة. والواقع يقول إن سوريا اليوم تُعيد تموضعها، وروسيا أيضا". ما تشهده العلاقات السورية – الروسية اليوم لا يمكن وصفه إلا بـ"إعادة تموضع حذرة". دمشق تريد تحالفا ناضجا ينقذ الاقتصاد والسيادة، وموسكو تريد الحفاظ على نفوذها دون عبء نظام فاقد للشرعية. وبين هذا وذاك، تبقى الأسئلة الأهم: هل ستحترم روسيا استقلال القرار السوري، وهل تستطيع سوريا فرض أجندتها الوطنية دون أن تفتح أبوابها مجددا لوصايات متجددة؟ الجواب يتوقف على ما سيلي زيارة الشيباني، وعلى ما سيُنجز قبل أن يحل أكتوبر وقمة موسكو العربية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store