
مستقبل العولمة على حافة الهاوية
د. محمد السعيد إدريس
في اليوم الذي بدأ فيه زيارته المهمة لفيتنام ضمن جولة آسيوية تشمل إلى جانب فيتنام ماليزيا وكمبوديا كان الرئيس الصيني شي جين بينغ حريصاً على نشر مقال باسمه في صحيفة «نان دان» الفيتنامية يوم الاثنين الماضي دافع فيه عن العولمة وحرية التجارة، وانتقد بقوة الاندفاع الأمريكي (غير المحسوب) نحو سياسة «الحمائية التجارية» المعتمدة على رفع الرسوم الجمركية لحماية المنتجات الوطنية من غزو المنتجات الأجنبية وقال شي: «إن الحمائية لا تؤدي إلى نتيجة» وأنه «لن يكون هناك رابحون في أي حرب تجارية» وخاطب الفيتناميين قائلاً: «يجب على بلدينا (الصين وفيتنام) أن يحافظا بحزم على النظام التجاري متعدد الأطراف وعلى استقرار سلاسل الصناعة والإمدادات العالمية وعلى بيئة انفتاح وتعاون دولية».
الأمر المؤكد أن دفاع الرئيس الصيني عن العولمة وعن حرية التجارة جاء كرد فعل على سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي بدأها فعلياً يوم الأربعاء (2/4/2025) وهو اليوم الذي أسماه ب«يوم تحرير أمريكا» بفرض رسوم جمركية أمريكية على كل دول العالم تقريباً، جرى وصفها بأنها «حرب تجارية أمريكية»، لكن التدقيق في المواقف المعلنة للرئيس الصيني يؤكد أيضاً جدية قناعته بسياسة «العولمة» ودفاعه عنها، من منطلق وطني مصلحي صيني بحت، دافعه النجاحات الصناعية الصينية التي أخذت تكتسح أغلب دول العالم وعلى الأخص الولايات المتحدة ولعل هذا الفهم يتضمن تفسيراً ينحاز إلى اندفاعة ترامب ضد «العولمة» من دافع مصلحي وطني أمريكي أيضاً حيث بات الإنتاج الصناعي الأمريكي عاجزاً عن مواجهة اكتساح واندفاعة الإنتاج الصناعي الصيني.
ففي يناير/ كانون الثاني عام 2017 وقف الرئيس الصيني شي جين بينغ مدافعاً، من على منصة مؤتمر دافوس، عن العولمة وهو الذي يقود ربما الدولة الشيوعية الوحيدة الآن في العالم، حيث دعا فيه إلى «الانفتاح الاقتصادي» ومحذراً من سياسة «الانغلاق الاقتصادي» باعتبارها، «طريقاً مسدوداً» ومؤكداً أن العالم «لا يستطيع العودة إلى الوراء».
الملفت أن الولايات المتحدة وهي الدولة قائدة العالم الرأسمالي وزعيمة دعوة حرية التجارة، كانت تعيش أجواءً معاكسة في ظل رئاسة ترامب في دورته الرئاسية الأولى، التي رفع خلالها شعار «أمريكاً أولاً»، معلناً إعادة صياغة العلاقات التجارية الأمريكية مع العالم في اتجاه مناقض تماماً لمفاهيم العولمة والانفتاح الاقتصادي، من خلال الإقدام على فرض رسوم جمركية على الصين وغيرها من الدول، ما أدى إلى انطلاق موجة سياسات حمائية أمريكية غير مسبوقة، كان دافعها المحوري استعادة القاعدة الصناعية الأمريكية في الخارج إلى الداخل الأمريكي.
هذا التوجه أصبح عنوان الحملة الانتخابية الثانية لدونالد ترامب في العام الماضي التي أخذت اسم «لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً»، وهذا يفسر الاندفاعة الأمريكية الراهنة بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض نحو فرض رسوم جمركية شملت 180 دولة تقريباً من بينها دول شريكة وحليفة لواشنطن خاصة دول الاتحاد الأوروبي، لكن الصين هي من حظي بالتعرض لموجة أمريكية غير مسبوقة من الفرض المتتابع والمتسارع للرسوم الجمركية حتى وصلت، خلال أقل من عشرة أيام، إلى رفع الرسوم الجمركية الأمريكية إلى نسبة 145% ولعل هذا ما دفع «كير ستارمر» رئيس الوزراء البريطاني إلى القول، حسب صحيفة «التايمز» البريطانية: «إن عصر العولمة في العالم قد انتهى، وأن عصراً جديداً يحل محله»، معتبراً أن العولمة قد فشلت في أعقاب فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوماً جمركية شاملة على العالم وفي القلب منها الاتحاد الأوروبي والصين.
ليس رئيس الوزراء البريطاني وحده الذي يتبنى هذا الموقف الرافض للسياسة الاقتصادية – التجارية الأمريكية، فقد سبق أن هاجم «جاستن ترودو» رئيس الوزراء الكندي السابق (4/3/2025) «الحرب التجارية الأمريكية» معتبراً أن قرار واشنطن فرض الرسوم الجمركية «قرار غبي»، أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فقد طالب أوروبا ب«حشد الأدوات المتاحة لحماية نفسها والعمل على اتخاذ جميع التدابير المضادة اللازمة».
المواقف الصينية في هذه المواجهة هي الأكثر حسماً في تحديد إلى أين ستصل المواجهة الصينية- الأمريكية وكيف سيكون مستقبل «العولمة» في ظل الصراع بين واشنطن وبكين عند «حافة الهاوية» في ظل وجود عامل شخصي يحكم موقف الرئيس الأمريكي في هذه المواجهة، فهو لا يريد من أحد أن يتحداه أو يرفض الامتثال لقراراته على النحو الذي أوضحته «كارولين ليفاث» المتحدثة باسم البيت الأبيض، فعقب إعلان ترامب رفع الرسوم الجمركية على الصين لتصل إلى 125% حيث أرجعت ذلك إلى أن بكين «اتخذت قراراً متهوراً بالانتقام من الولايات المتحدة» لذلك رد ترامب برفع الرسوم الجمركية على الصين لتصل إلى 145% رداً على رفع الصين رسومها الجمركية على الواردات من الولايات المتحدة بنسبة 125%، لكن وزير المالية الصيني وإن كان قد أكد أن بلاده «ستقاتل حتى النهاية» إذا أصرت واشنطن على مواصلة انتهاك مصالحها، فإن الصين كانت حريصة في ذات الوقت على توضيح أنه «إذا استمرت واشنطن في فرض رسوم إضافية فسنتجاهلها» معتبرة أن «حرب الرسوم تحولت إلى لعبة أرقام وستصبح أضحوكة».

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البوابة
منذ ساعة واحدة
- البوابة
البيت الأبيض: ليس من حق قضاة غير منتخبين اتخاذ قرار بشأن الطوارئ الوطنية
قال متحدث باسم البيت الأبيض إن "قضاة غير منتخبين لا يملكون الحق في إبطال قرارات تتعلق بإعلان حالة الطوارئ الوطنية. وذلك عقب قرار قضائي بوقف الرسوم الجمركية التي فرضها دونالد ترامب على جميع المنتجات الداخلة إلى الولايات المتحدة. إدارة ترامب تستأنف على الحكم الصادر عن محكمة التجارة الدولية بشأن الرسوم الجمركية أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنها تقدمت باستئناف قانوني على الحكم الصادر عن محكمة التجارة الدولية في مانهاتن، والذي قضى بوقف تنفيذ الرسوم الجمركية المعروفة باسم "تعريفات يوم التحرير". وقد أصدرت محكمة التجارة الدولية في مانهاتن حكمًا بوقف تنفيذ التعريفات الجمركية التي فرضتها الإدارة الأمريكية تحت مسمى "تعريفات يوم التحرير". كما قضت المحكمة بأن ترامب تجاوز سلطته بفرض رسوم جمركية على واردات من دول تبيع للولايات المتحدة أكثر مما تشتري منها. ترامب يعلن 2 أبريل "يوم التحرير الاقتصادي" ويعد بتعريفات جمركية تعيد "النهضة الأمريكية" أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الثاني من أبريل سيكون "يوم التحرير الأمريكي"، مشيرًا إلى أنه يمثل لحظة مفصلية في السياسة الاقتصادية للولايات المتحدة. وقال ترامب إن هذا اليوم سيكون بداية لمرحلة جديدة تُطرح فيها مجموعة من التعريفات الجمركية غير المسبوقة، تهدف إلى تقليص الاعتماد على الواردات الأجنبية وتعزيز الصناعة المحلية. كما وعد الرئيس الأمريكي بأن هذه التعريفات ستعيد لأمريكا "عصرها الذهبي" اقتصاديًا، وتمنحها استقلالًا أكبر عن الأسواق الدولية. وتشمل خطته فرض ضرائب جمركية على واردات قادمة من دول عدة، من بينها دول الاتحاد الأوروبي، كوريا الجنوبية، البرازيل، الهند، الصين، اليابان، كندا، والمكسيك. وأكد أن هذه الخطوة تأتي ضمن رؤيته لما وصفه بـ"التحرر الاقتصادي الحقيقي"، حيث تسعى إدارته إلى استعادة السيطرة على سلاسل الإمداد وتقوية الصناعات الوطنية.


الشارقة 24
منذ ساعة واحدة
- الشارقة 24
ترامب يندّد بقضاة غير منتخبين بعد حكم قضائي ألغى رسومه الجمركية
الشارقة 24 – أ ف ب : أعرب متحدث باسم البيت الأبيض، يوم الأربعاء، عن تنديده بـ"قضاة غير منتخبين يفتقرون إلى القدرة على اتخاذ قرار بشأن كيفية إدارة حالة طوارئ وطنية على النحو السليم"، وذلك عقب قرار قضائي، بوقف الرسوم الجمركية التي فرضها دونالد ترامب على جميع المنتجات الداخلة إلى الولايات المتحدة . ترامب تعهّد بوضع أميركا في المقام الأول وأوضح المتحدث باسم البيت الأبيض كوش ديساي، في بيان، أنُ الرئيس ترامب تعهّد بوضع أميركا في المقام الأول، والإدارة ملتزمة باستخدام كل أدوات السلطة التنفيذية للاستجابة لهذه الأزمة واستعادة عظمة أميركا . قرار المحكمة وأتى هذا الموقف، بعيد إصدار محكمة أميركية متخصّصة بقضايا التجارة الدولية حكماً قضى بإلغاء الرسوم الجمركية "المتبادلة"، التي فرضها ترامب بنسبة 10% على كل السلع التي تستوردها بلاده .

سكاي نيوز عربية
منذ ساعة واحدة
- سكاي نيوز عربية
أول تعليق من البيت الأبيض بعد تجميد "رسوم ترامب"
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض كوش ديساي في بيان، إن "الرئيس ترامب تعهد بوضع أميركا في المقام الأول، والإدارة ملتزمة باستخدام كل أدوات السلطة التنفيذية للاستجابة لهذه الأزمة واستعادة عظمة أميركا". وأتى هذا الموقف عقب إصدار محكمة أميركية متخصصة بقضايا التجارة الدولية، حكما قضى بإلغاء الرسوم الجمركية"المتبادلة" التي فرضها ترامب بنسبة 10 بالمئة على كل السلع التي تستوردها بلاده. وقالت محكمة التجارة الدولية الأميركية في حكم اطلعت عليه "فرانس برس"، إن الكونغرس وحده يملك صلاحية فرض مثل هذه الرسوم. وأضافت أنه "لا يمكن للرئيس أن يتذرع بقانون الاستجابة الاقتصادية الطارئة لعام 1977 لفرض رسوم إضافية غير محدودة، على المنتجات المستوردة من كل الدول تقريبا". وشددت المحكمة في قرارها على أن "قانون القوى الاقتصادية الطارئة الدولية يسمح للرئيس بفرض العقوبات الاقتصادية اللازمة في حالة الطوارئ لمكافحة تهديد غير عاد وغير معهود". ولفت الحكم إلى أن المراسيم التي وقعها ترامب في 2 أبريل وفرض بموجبها على كل المنتجات التي تستوردها بلاده رسوما جمركية تبلغ نسبتها الدنيا 10 بالمئة ويمكن أن تصل إلى 50 بالمئة، بحسب البلد المصدّر، "تتجاوز الصلاحيات الممنوحة للرئيس بموجب قانون الاستجابة الاقتصادية الطارئة لتنظيم الواردات من خلال استخدام الرسوم الجمركية".