
إسرائيل تلوّح بشريط حدودي بنسخة 1985.. وجهد لبناني داخلي ودولي
النائب بلال عبدالله لـ «الأنباء»: تحرك للدولة اللبنانية بالطلب من المفوضية الأوروبية بإعادة النظر لحين نضوج خطة إعادة النازحين
بيروت ـ ناجي شربل وأحمد عز الدين وأحمد منصور
الملفات الداخلية والمتصلة منها بالخارج، وتحديدا ملف السلاح غير الشرعي من لبناني وفلسطيني، إلى «تبريد» وليس «تجميد»، بل إلى معالجته بعيدا من الضوضاء والصخب، ونقل المشكلة الأساسية مع المجتمع الدولي إلى الداخل اللبناني.
ففي معلومات خاصة بـ«الأنباء» ان رئيس الحكومة د. نواف سلام سيلتقي وفدا من كتلة «الوفاء للمقاومة» الخاصة بـ«حزب الله»، ضمن مساع من أهل الحكم، وفي طليعتهم رئيس الجمهورية العماد جوزف عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري لتظهير صورة الدولة اللبنانية كحاضنة لأبنائها ومكوناتها، مع حرصها في الوقت عينه على الإيفاء بتعهداتها الدولية، والمطالبة قبل أي شيء بتحقيق الانسحاب العسكري الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية، ووقف الاعتداءات الإسرائيلية اليومية التي قاربت الحرب الموسعة، كما حدث الأسبوع الماضي بزنار نار إسرائيلي امتد من الجنوب إلى البقاع.
وفي موضوع السلاح أيضا، تكرار موقف الدولة اللبنانية لـ«الثنائي الشيعي» بضرورة التجاوب مع المجتمع الدولي لإخراج لبنان من عنق الزجاجة والدفع به نحو «مساحات دافئة» في ظل ما تشهده المنطقة الإقليمية من تفاهمات ترخي بظلالها على الأوضاع الاقتصادية للدول التي عانت جراء الارتباط بحقبة سياسية سابقة جعلتها مشمولة بعقوبات دولية وبتجميد المساعدات الاقتصادية.
ويكرر أركان الحكم في مجالس خاصة ضيقة وموسعة رفضهم ان يتذرع فريق خارجي وتحديدا الفصائل الفلسطينية الدائرة في فلك «حزب الله» بعدم تسليم الحزب سلاحه للاحتفاظ بسلاح فلسطيني يستخدم بشكل يضر بالدولة اللبنانية ومصالح البلاد.
باختصار، تقترب ساعات الاستحقاق في موضوع السلاح، وعلى الحكومة اتخاذ القرارات الحاسمة في هذا المجال، على وقع التصعيد الإسرائيلي الجوي، مع الخشية من ان يتوسع أكثر ومن دون استبعاد التمدد على الأرض في المناطق المتاخمة للحدود.
وتحدثت مصادر رسمية لـ«الأنباء» عن «تبلغ جهات لبنانية رسمية ومعنية ان إسرائيل قد تلجأ إلى توسيع مناطق احتلالها من المواقع الخمسة التي رفضت الانسحاب منها بعد انتهاء المهلة المحددة بموجب اتفاق وقف إطلاق النار (الموقع في 27 نومفبر 2024) إلى مواقع أخرى بشكل يجعلها تشرف على البلدات التي كانت خاضعة للشريط الحدودي المحتل الذي نصب عام 1978، والذي عاد وتكرس عام 1985، مع الانسحاب الاسرائيلي عقب اجتياح عام 1982، والذي وصل إلى بيروت. وقد استمر احتلال إسرائيل لهذا الشريط حتى التحرير في 25 مايو عام 2000».
وكانت القوات الإسرائيلية تقدمت خلال الأيام الماضية داخل الأراضي اللبنانية وقامت بعمليات تجريف وإقامة سواتر ترابية، ما اضطر الجيش اللبناني إلى التدخل وإزالة 27 ساترا أقامه الجيش الإسرائيلي.
وفي هذا الإطار، أطلقت القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان، تحذيرات «من تصعيد أو خطوة غير محسوبة قد تعيد تفجير الوضع على الحدود بمحاذاة «الخط الأزرق»، في وقت تتعرض هذه القوات لمضايقات وعرقلة لعملها، سواء من قبل الجيش الإسرائيلي، او في بعض القرى الجنوبية من قبل مدنيين بذريعة عدم مواكبة الجيش اللبناني لدورياتها.
وفي قصر بعبدا، استقبل رئيس الجمهورية العماد جوزف عون رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قال أثناء مغادرته: «الاجتماع مع الرئيس عون كان ممتازا».
وأطلع الرئيس عون رئيس مجلس النواب على نتائج زياراته إلى الخارج وأجريا تقييما للانتخابات البلدية والاختيارية، وتطرقا إلى الوضع في الجنوب ومسألة التمديد لليونفيل، كما بحثا إمكان فتح دورة استثنائية لمجلس النواب.
في جديد موضوع وقف التغطية الصحية للاجئين السوريين من قبل المفوضية العليا للاجئين، اعتبر رئيس لجنة الصحة النيابية الدكتور بلال عبدالله «ان قرار المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالتوقف عن التغطية الصحية للنازحين السوريين المتواجدين في لبنان كان مفاجئا وصاعقا على لبنان». وقال لـ«الأنباء»: «لا توجد أي إمكانية مالية لدى الدولة اللبنانية لتأمين الرعاية الصحية للنازحين السوريين، وهذه أزمة كبيرة سنواجهها على الأرض».
وقال:«سيكون هناك تحرك للدولة اللبنانية بالطلب من المفوضية الأوروبية بإعادة النظر بالقرار ولو مرحليا، لحين نضوج خطة إعادة هؤلاء النازحين ضمن برنامج يجب أن ينجز بين الدولتين اللبنانية والسورية».
وتابع: «نعم القرار كان صادما، وإن كانت مبرراته الأولى نقص بالتمويل، لكن أعتقد أن تداعياته مرتبطة بالوجود السوري في لبنان، وبالأزمة التي يمكن أن تنشأ بعد هذا القرار، لاسيما لجهة الناحية الإنسانية والتغطية الصحية لهم، ومن ناحية ثانية قد يكون حافزا لدفع الإخوة السوريين بالعودة إلى وطنهم».
ورأى عبدالله «المشكلة أن القرار لم يأت في سياق خطة متفق عليها بين الدولة اللبنانية والسورية مع الأمم المتحدة، لذا هناك مرحلة انتقالية قد تكون صعبة، على السوريين من جهة، وعلى الدولة اللبنانية من جهة أخرى، لجهة وجود مليون ونصف المليون سوري دون أي تغطية صحية، وانعكاساته على المحيط المضيف اللبناني لناحية الأمراض والمشاكل الإنسانية التي قد تحصل من ذلك».
وعما إذا كانت هناك خلفيات سياسية لهذا القرار، قال: «يفترض أن تنسق هذه الخطوة مع الدولتين اللبنانية والسورية، في إطار وضع خطة أو برنامج لإعادة السوريين إلى بلادهم، خصوصا إلى المناطق التي أصبحت مأهولة لاستقبال السوريين الذين هجروا لأسباب سياسية، وهذا الموضوع ستكون له تداعيات كبيرة، إن لناحية الوضع الإنساني لهؤلاء خصوصا المرضى، أصحاب الأمراض المستعصية والمزمنة والولادات والحوادث وغيرها، وهذه المسألة ستكون موضع بحث كبير لدى وزارة الصحة اللبنانية مع الحكومة، وحكما ستجري اتصالات مع الدولة السورية ومفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة». وأعرب عبدالله عن أمله في العودة عن هذا القرار ولو مؤقتا لحين بلورة خطة إعادة السوريين إلى سورية بالتنسيق بين الدولتين اللبنانية والسورية، لافتا إلى «ان الدولة اللبنانية أساسا لم تبلغ مرحلة تغطية اللبنانيين صحيا، فالموازنات التي أقرت في 2024 و2025 غير كافية لتغطية حاجات الشعب اللبناني، فكيف اذا الكلام عن وجود مليون ونصف المليون سوري؟».
وشدد على تحرك للحكومة اللبنانية ووزارة الصحة، «وهناك لجان مشتركة بين لبنان وسورية تدرس هذه الملفات».
على الصعيد الإصلاحي، قالت مصادر وزارية ان التعيينات في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة بمجلس الإنماء والإعمار وهيئة «أوجيرو»، جرت دون أي إشكالات من خلال التوافق المسبق عليها. إلا أنها تحدثت عن «خلافات كبيرة تدور حول بقية التعيينات، وخصوصا التشكيلات الديبلوماسية والقضائية إلى تعيين مجلس إدارة جديد لـ«تلفزيون لبنان». وتجري محاولات للدفع نحو تجاوز آلية التعيينات التي تمت إقرارها أخيرا، وما يثير الجدل والمواقف المتناقصة.
في شق قضائي متصل بانفجار مرفأ بيروت، استجوب المحقق العدلي في القضية القاضي طارق البيطار، المحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري، واستغرقت الجلسة ربع ساعة، غادر بعدها الخوري عائدا إلى مكتبه في قصر العدل.
وأشارت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية اللبنانية، إلى انه يبقى على قائمة المدعى عليهم غير المستجوبين وزير الأشغال العامة الأسبق والنائب غازي زعيتر والنائب العام التمييزي السابق القاضي غسان عويدات. وسيحدد البيطار موعدا لاستجوابهما قبل أن يقرر ختم التحقيق في ملف انفجار المرفأ، وإحالة الملف على النيابة العامة التمييزية لإبداء مطالعتها بالأساس تمهيدا لإصدار القرار الاتهامي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الأنباء
منذ 5 ساعات
- الأنباء
المغنون والرياضة.. الفن السليم في الجسم السليم
بيروت - بولين فاضل إذا كان المثل الشائع يقول: «العقل السليم في الجسم السليم»، فإنه في واقع أهل الفن تصبح المقولة: «الفن السليم في الجسم السليم»، وهو ما يفرض على كل فنان توسيع دائرة اهتماماته لتشمل ليس فقط صوته وموهبته، وإنما أيضا صحته ومفتاحها الأكيد إيلاء الرياضة عناية خاصة. البداية مع الفنان راغب علامة الذي يعشق الرياضة على أنواعها، ولا يقتصر الأمر بالنسبة إليه على الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية فقط، بل هو يستمتع بمختلف الرياضات وأولاها رياضة ركوب الدراجة الهوائية التي يتفوق فيها على نجليه خالد ولؤي، وهو يمارسها في كل بلد يسافر إليه. وإلى الحركات البدنية اليومية التي توفر الرشاقة واللياقة، يلعب راغب كرة المضرب ويمارس الركض والمشي والسباحة والتزلج على الماء، وغير ذلك من الرياضات. بدوره، الفنان وائل كفوري من المواظبين على ممارسة كرة المضرب والركض والمشي، لاسيما أنه مقيم في بلدة جبلية هادئة تضم مساحات صالحة للمشي، وكثيرا ما يصادفه الناس وهو يمشي بالقرب من منزله. أما الفنان جوزيف عطية الذي يظهر شكله الخارجي بوضوح حرصه على اللياقة البدنية، فهو أيضا شخص محب للرياضة ومثابر على ممارستها باستثناء الفترة التي يكون خلالها في سفر طويل، غير أنه ما إن يعود إلى روتينه الطبيعي، حتى يعاود اهتمامه بالرياضة لخسارة بعض الكيلوغرامات التي يكون قد اكتسبها في سفرته، ومن الرياضات التي يميل إلى ممارستها رفع الأثقال، كرة السلة، القفز بالحبال، رياضة ركوب الجيت سكي، المشي والملاكمة. الفنان ملحم زين من جهته وبالرغم من إقراره بأهمية الرياضة في حياة الفنان والناس عامة فإنه يكتفي بمتابعة الرياضة أكثر من ممارستها، وهو يكتفي بتخصيص جزء من وقته لممارسة رياضة البادل التي تشبه كرة المضرب والرائجة كثيرا في هذه الأيام. الفنان سعد رمضان رياضي بامتياز وهو يستهل صباحه بالرياضة قبل أن يتناول أي شيء، ومن الرياضات المحببة إلى قلبه الدراجة الهوائية، التنس والبادل، كرة القدم والتزلج. ويقول سعد إن صحته الجسدية تعنيه كثيرا، لذا يولي الرياضة اهتماما خاصا ويمارسها مرتين في اليوم للحصول على جسم هو أقرب ما يكون إلى الجسم المتناسق والسليم.


الجريدة
منذ 8 ساعات
- الجريدة
بنوك الظل في ميزان تمويل الصراعات: القرض الحسن نموذجاً
تشكِّل ظاهرة «بنوك الظل» أكثر القضايا إلحاحاً التي تواجه النظام المالي العالمي، إذ تضطلع بوظيفة مالية بعيداً عن القنوات النظامية، وغالباً ما تكون خارج الجهات الرسمية. في لبنان تبرز هذه الظاهرة بشكلٍ جلي، من خلال «جمعية القرض الحسن»، التي تأسست أوائل الثمانينيات، وارتبطت بشكلٍ وثيق بشبكات تمويل صنفتها دول كبرى ضمن قوائم الإرهاب، باعتبارها تُسهم في دعم وتمويل مجموعات مسلحة غير نظامية، مما عقَّد الأزمة الأمنية والاقتصادية في لبنان والمنطقة لعقود. ومن منظور البنك الدولي، فإن «بنوك الظل» تشمل كيانات، مثل: صناديق الاستثمار، وشركات التمويل غير المصرفية، وصناديق التحوط، وشبكات التمويل غير الرسمية، التي تلعب دوراً كبيراً في الائتمان، لكنها تفتقر إلى الشفافية والرقابة اللازمة، مما قد يزيد من مخاطر النظام المالي الكُلي. وتلعب بنوك الظل دوراً «محورياً» في تمويل الصراعات، لاسيما في الدول التي تشهد أزمات سياسية وأمنية، حيث تبرز كوسيلة لتدفق الأموال إلى جهات غير شرعية. شكَّل لبنان بيئة حاضنة لتوسيع هذه البنوك تحت مظلة حزب الله، بفعل الأزمات السياسية والاقتصادية المتراكمة، مما أثار جدلاً «واسعاً» حول حقيقة دورها في الاقتصاد اللبناني، إذ تحوَّلت من مؤسسة محلية إلى شبكة مؤدلجة. عام 2019 أدرجت وزارة الخزانة الأميركية «القرض الحسن» ضمن قائمة المؤسسات الداعمة للإرهاب، وفرضت عقوبات صارمة على تعاملاتها المالية، باعتبارها تشكِّل جزءاً من شبكة الحزب المالية، وتساعد في تمويل أنشطته العسكرية والاجتماعية. وفي عام 2020 قدر حجم الأموال التي تديرها الجمعية بمئات ملايين الدولارات، كما أن تحويل أموالها بين لبنان والخارج يتم دون رقابة حكومية، من خلال شبكة مالية معقدة تعمل في عدة دول حول العالم وفقاً لتقرير البنك الدولي. أسهمت بنوك الظل في إضعاف النظام المالي الرسمي في لبنان، حيث استنزفت موارد الدولة، وزادت من هشاشة النظام المصرفي، وعززت الاقتصاد الموازي، وهدَّدت السياسة النقدية، مما أضعف قدرة الدولة على إدارة الكتلة النقدية ومكافحة التضخم، خصوصاً في ظل الأزمة المالية المتفاقمة 2019. كما عملت على توسيع شبكات تمويل، لتشمل أكثر من شركة وهمية لتحويل الأموال والتهرب من العقوبات (يجمع حزب الله حوالي 1000 مليون دولار عبر هذه الشبكات لتمويل أنشطته في لبنان والمنطقة، وفقاً لتقرير مركز مكافحة الإرهاب الأميركي). وفي سبتمبر 2024، في سياق الحرب على تجفيف منابع الإرهاب، شهد لبنان مرحلة جديدة في مكافحة «الإرهاب المالي». مثل هذا التحوُّل محاولة لاستعادة السيطرة على النظام المالي، وتعزيز الشفافية، وفتح الباب أمام «عهد جديد» في ضبط تمويل الإرهاب، وتعزيز الاستقرار في لبنان والشرق الأوسط. وإلى حين إعداد هذا التقرير أعلنت الولايات المتحدة، عبر برنامج «مكافآت من أجل العدالة»، مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار مقابل معلومات حول الشبكات المالية لحزب الله في أميركا الجنوبية، خصوصاً بمنطقة الحدود الثلاثية، تشمل أنشطة مثل التهريب، وغسل الأموال. أخيراً، إن وجود «بنوك الظل» هو نتاج فراغ تنظيمي ومالي، ويعكس بالدرجة الأولى هشاشة الدولة، وفقدان الثقة في النظام المصرفي اللبناني، لكنه في المقابل يهدد بإدامة هذا الفراغ، وتقويض أي محاولة لإعادة ضبط القطاع المالي. لذا، فإن معالجة تبعاته تتطلب إما إدماجه تدريجياً في الإطار الرقابي الرسمي، أو تعزيز الثقة بالمؤسسات الرسمية، عبر إصلاح شامل للقطاع المصرفي، وإعادة الثقة للمصرف المركزي اللبناني لتعزيز الرقابة على غسل الأموال ومكافحة الإرهاب.


الوطن الخليجية
منذ 8 ساعات
- الوطن الخليجية
الإكونوميست: السيسي من أكبر الخاسرين في الشرق الأوسط وخيب آمال القادة العرب
نشرت مجلة الإيكونوميست تقريرًا مطولًا تناولت فيه التحولات المتسارعة التي يشهدها الشرق الأوسط، مشيرةً إلى أن بعض القوى الإقليمية التقليدية، وعلى رأسها مصر، بدأت تتراجع عن مكانتها السابقة، في حين تصعد دولٌ أخرى لتملأ هذا الفراغ في المشهد السياسي والاقتصادي للمنطقة. وبحسب التقرير، كانت مصر في السنوات الماضية تحظى بحضور سياسي بارز، يتجلى في زياراتها المتكررة للعواصم الكبرى وظهورها إلى جانب قادة عالميين. ففي أبريل/نيسان 2017، حظي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي باستقبال حافل في البيت الأبيض من قبل الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب. ولم يمضِ وقت طويل حتى ظهر إلى جانبه مجددًا في الرياض خلال افتتاح مركز لمكافحة الإرهاب، في مشهدٍ يعكس مدى القبول الذي كان يحظى به النظام المصري في أوساط قادة الخليج والولايات المتحدة. لكن الإيكونوميست تشير إلى أن هذا المشهد تغيّر بشكل لافت. فعندما عاد ترامب إلى الرياض في مايو/أيار الماضي، لم يُدعَ السيسي للمشاركة في اللقاءات رفيعة المستوى. وبدلًا من ذلك، حضر قمة هامشية لجامعة الدول العربية في بغداد، شارك فيها خمسة رؤساء فقط، بينما اكتفى معظم قادة الدول العربية بإيفاد وزرائهم. وتقول المجلة إن هذا التراجع يعبّر عن تحول أعمق في التوازنات الإقليمية. إذ تزداد هشاشة المحور الإيراني، وتظهر مؤشرات على رغبة الخليج في التقارب مع كل من طهران وأنقرة. أما الخطاب الأمريكي، بحسب التقرير، فقد بات يركّز على 'شرق أوسط جديد' تسوده التجارة والتنمية، بدلًا من النزاعات والصراعات التي طالما غذّت السياسات الإقليمية. ورغم أن الأوضاع في المنطقة لا تزال هشّة، ترى الإيكونوميست أن دول الخليج باتت تُملي إيقاع الأحداث، في حين تحولت قوى تقليدية مثل مصر إلى متفرّجات. وتشير المجلة إلى أن السيسي يتحمل مسؤولية كبيرة عن هذا التراجع، بسبب إدارته الفاشلة للاقتصاد المصري، وإصراره على تنفيذ مشاريع ضخمة غير ذات جدوى، مما أدى إلى تراكم ديون عامة تقترب من 90% من الناتج المحلي الإجمالي، ورفضه المستمر للإصلاحات الضرورية التي من شأنها تحفيز القطاع الخاص. وتضيف المجلة أن مصر اعتمدت بشكل مفرط على المساعدات الخارجية، إذ تلقت ما لا يقل عن 45 مليار دولار من دول الخليج منذ عام 2013، بالإضافة إلى كونها ثالث أكبر مقترض من صندوق النقد الدولي. ومع ذلك، بدأت بعض الدول الأخرى، مثل لبنان وسوريا، تُقدَّم باعتبارها فرصًا استثمارية واعدة، في ظل وعود حكوماتها المؤقتة بإصلاحات سياسية واقتصادية شاملة. وتنقل الإيكونوميست عن مصادر خليجية قولها إن الحكومة السورية المؤقتة، بقيادة الرئيس الجديد أحمد الشرع، تسعى إلى خصخصة الشركات العامة وجذب الاستثمارات الأجنبية، فيما يعلن الرئيس اللبناني جوزيف عون عن عزمه نزع سلاح حزب الله. وتؤكد المجلة أن المساعدات الموجهة إلى هذه الدول قد تسهم فعلًا في تغيير واقعها السياسي والاقتصادي، على عكس المساعدات التي تُمنح لمصر، والتي لا تعدو كونها مسكنات مؤقتة. أما العراق، فتقول المجلة إنه بات على هامش الحسابات الإقليمية. فإيران، التي فقدت نفوذها في سوريا، تسعى الآن للحفاظ على نفوذها داخل العراق عبر دعم عدد من الميليشيات المسلحة. وينقل التقرير عن مسؤولين خليجيين وصفهم للعراق بأنه 'قضية خاسرة'، بسبب تغلغل هذه الميليشيات في مؤسسات الدولة. وبينما لم يتمكن الرئيس السوري أحمد الشرع من حضور قمة بغداد خوفًا من تهديدات تلك الميليشيات، توجّه إلى الرياض حيث التقى بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب وحصل على وعود برفع العقوبات الأمريكية. وترى المجلة أن هذا اللقاء يعكس رغبة سعودية في دعم سوريا جديدة، تكون بمثابة حاجز إقليمي أمام النفوذ الإيراني، وتعيد توازن القوى في العراق. وتمضي الإيكونوميست إلى القول إن الفلسطينيين، الذين شكّلوا لسنوات طويلة جوهر الاهتمام العربي، بدأوا يفقدون هذه المركزية. وتحمّل المجلة الرئيس الفلسطيني محمود عباس مسؤولية هذا التراجع، متهمةً إدارته في الضفة الغربية بالفساد والجمود. أما حماس، فتقدّم نموذجًا أكثر قتامة من خلال استمرارها في التمسك بالسلطة رغم تدمير غزة. وتشير إلى وجود نقاشات جدّية في لبنان وسوريا لنزع سلاح الفصائل الفلسطينية، وسط تلميحات إلى إمكانية إقامة نوع من السلام مع إسرائيل، لا يصل إلى التطبيع الكامل، لكنه ينهي عقودًا من العداء. وتختم الإيكونوميست تقريرها بالإشارة إلى أن هذا التحول الإقليمي كان غير متوقع قبل عام فقط، حين كان لبنان وسوريا يُعدان ساحتي فوضى وأزمات. اليوم، تعتبرهما دول الخليج والولايات المتحدة محورًا لشرق أوسط جديد محتمل، بشرط أن تترجم الحكومات المؤقتة وعودها إلى نتائج ملموسة. وتنبه المجلة إلى أن السيسي كان بدوره موضع آمال كبيرة قبل نحو عقد من الزمن، لكن تلك الآمال خابت، مؤكدة أن الانقسام الحقيقي في المنطقة لم يعد أيديولوجيًا كما في الماضي، بل بات يتمثل في الفارق بين الأنظمة القادرة على تحقيق وعودها، وتلك التي تعجز عن ذلك.