
رفع العقوبات عن سورياـ شروط أمريكية وتحديات وفرص أمام دمشق – DW – 2025/5/17
قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عزمه رفع العقوبات عن سوريا قد يؤدي إلى استقرار هذه الأخيرة على عدة مستويات. لكن لا يزال هناك الكثير من التحديات أمام دمشق والثكير من الأسئلة التي لم يتم الإجابة عنها بعد.
هذا الأسبوع، خرج السوريون مرة أخرى إلى الشوارع في جميع أنحاء البلاد للاحتفال، مليئين بالأمل والفرح. بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رغبته في رفع العقوبات عن البلاد بشكل كامل بعد 45 عاماً من العزلة الدولية.
مستقبل البلد الذي مزقته الحرب يظهر الآن أكثر إشراقاً، إذ صرح ترامب، خلال زيارته للرياض، "إنه وقتهم للتألق. سنرفع كل العقوبات عنهم". وأضاف:"حظاً موفقاً سوريا، أرونا شيئاً مميزاً جداً".
رحبت وزارة الخارجية السورية بقرار ترامب، واعتبرته "خطوة مشجعة نحو إنهاء معاناة الشعب السوري"، لافتة أنه "رغم أن هذه العقوبات فُرضت سابقاً على نظام الأسد الدكتاتوري السابق وأسهمت في إضعافه، إلا أنها اليوم تستهدف الشعب السوري مباشرة، وتعرقل مسار التعافي وإعادة الإعمار".
تفاصيل مبهمة
ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان تخفيف العقوبات سيقتصر على قطاعات محددة، مثل المساعدات الإنسانية الدولية أو الخدمات المصرفية أو الأعمال التجارية العامة، أو ما إذا كان إنهاء العقوبات الأمريكية أمر خاضع لشروط معينة.
عقب سقوط نظام الأسد، رفع الاتحاد الأوروبي بعض العقوبات عن سوريا لكنه لا يزال يبقي على عدد منها، في وقت دعت فيه كايا كالاس، رئيسة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إلى مزيد من تخفيف العقوبات على سوريا.
"ما زلنا بحاجة إلى معرفة ما إذا كانت كلمات ترامب ستترجم إلى أفعال نظراً لمجموعة الإجراءات الواسعة المفروضة على البلاد"، يقول جوليان بارنز-داسي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، لـ DW، متابعاً: "قد تستغرق هذه العملية وقتاً أطول مما يرغب فيه السوريون".
وأضاف "ومع ذلك، إذا أمكن رفع العقوبات الأمريكية الرئيسية، وتزامن ذلك مع استقرار الوضع الأمني على الأرض، فإن ذلك سيخلق ظروفاً أفضل بكثير لتسهيل تدفق الدعم الاقتصادي الضروري، الذي بدونه ستواجه الحكومة الجديدة صعوبات كبيرة".
في الأشهر الستة الماضية، شهدت سوريا تغييرات هائلة. في ديسمبر، تم الإطاحة بالديكتاتور بشار الأسد من قبل تحالف من الجماعات المتمردة بقيادة جماعة "هيئة تحرير الشام". قاد المجموعة أحمد الشرع (اسمه الحركي السابق أبو محمد الجولاني)، الذي يشغل الآن منصب الرئيس الانتقالي للبلاد. أنهى سقوط نظام الأسد الحرب الأهلية في البلاد بعد ما يقرب من 14 عاماً.
قد تكلف إعادة الإعمار في سوريا ما بين 400 مليار دولار وتريليون دولار (890 مليار يورو)، وقد وعد أحمد الشرع بإشراك جميع المجموعات السياسية والدينية المتنوعة في سوريا في الحكومة الجديدة، لكن الشكوك لا تزال قائمة بسبب وقوع أحداث عنيفة، أعطت الانطباع بمحاولة الأغلبية السنية السيطرة على بقية الأقليات، خصوصا الأقلية العلوية التي ينتمي لها الرئيس المخلوع بشار الأسد.
من الواضح أن الحكومة السورية الجديدة لا تسيطر سيطرة كاملة على الأمن في البلاد، لكن مع ذلك، في رأي ترامب، فإن أحمد الشرع، الذي كان سابقاً متورطاً مع فصائل أكثر تطرفاً، بما في ذلك القاعدة، وكان مدرجا على قوائم الإرهاب "لديه فرصة حقيقية للحفاظ على تماسك البلاد"، إذ وصفه ترامب بالقول: "إنه قائد حقيقي".
شروط مرتبطة برفع العقوبات
إلى جانب رفع العقوبات، حث ترامب سوريا أيضاً على القيام بخمسة أمور، وفقاً لكارولين ليفيت، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، وهي كالتالي:" 1. التوقيع على اتفاقيات أبراهام مع إسرائيل، 2. ترحيل جميع الإرهابيين الأجانب من سوريا. 3. ترحيل الإرهابيين الفلسطينيين. 4. مساعدة الولايات المتحدة في منع عودة ظهور 'داعش' 5. تحمل المسؤولية عن مراكز احتجاز مقاتلي 'داعش' في شمال شرق سوريا"، وفق ما كتبته على منصة إكس.
أكد ترامب بنفسه أن سوريا وافقت على الاعتراف بإسرائيل بمجرد أن تنصلح أحوالها، لكن لم يكن هناك تأكيد رسمي من دمشق حول ما إذا كانت ستنضم إلى اتفاقيات أبراهام، وهي اتفاقيات التطبيع التي توسطت فيها الولايات المتحدة بين إسرائيل ودول عربية عام 2020.
"ستكون العلاقات الجيدة مع إسرائيل مهمة، بالنظر إلى أن هذه الأخيرة، أصبحت طرفا رئيسياً لزعزعة الاستقرار في سوريا منذ سقوط الأسد"، يقول نانار هواش، كبير المحللين لشؤون سوريا في مجموعة الأزمات الدولية، لـ DW، متابعا: "قامت إسرائيل بمئات الغارات الجوية على القدرات العسكرية السورية، كما سيطرت على أراض في جنوب سوريا. دون التوصل إلى نوع من التفاهم، من المرجح أن تستمر إسرائيل في زعزعة استقرار سوريا".
مكاسب الشرع
لكن هواش يشير إلى أن تطبيع العلاقات بين إسرائيل وسوريا ستسبب أيضاً ضغوطاً داخلية على الشرع، بحكم العداوة التاريخية بين البلدين، والحروب التي نشبت بينها منذ تأسيس إسرائيل عام 1948، "لكن الفوائد (التي سيجنيها الشرع) ستفوق على الأرجح رد الفعل المحتمل"، كما يؤكد هواش لـ DW.
لم تعلق إسرائيل نفسها بعد على العلاقات الدبلوماسية المحتملة مع الحكومة السورية الجديدة. يمكن طمأنة مخاوف إسرائيل بشأن علاقات النظام السوري السابق مع إيران وحزب الله، وخوفها من التعرض لهجوم مباغث جديد، من خلال علاقات دبلوماسية جديدة مع النظام السوري الجديد.
من جانب آخر، قد تكون النقطتان الرابعة والخامسة، المتعلقتان بمساعدة الولايات المتحدة في منع عودة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية وتحمل المسؤولية عن مخيمات الاعتقال التي تأوي أعضاء هذا التنظيم، إشارة أخرى إلى أن الولايات المتحدة تخطط لسحب قواتها من شمال شرق سوريا. يعيش عدة آلاف من أعضاء ومؤيدي داعش وعائلاتهم في مراكز اعتقال مختلفة تديرها قوات سوريا الديمقراطية الكردية بقيادة كردية، وبدعم من القوات الأمريكية.
لكن إنهاء العقوبات لن يؤثر إيجابيا فقط على الانتعاش الاقتصادي، كما يؤكد هواش، موضحاً: "لقد غذى الانهيار الاقتصادي انعدام الأمن من خلال تآكل الخدمات الأساسية، وتعميق المظالم المحلية، ودفع الناس نحو الجماعات المسلحة"، متابعاً: "يمكن أن يساعد رفع العقوبات في عكس هذه الديناميكية".
عودة المزيد من السوريين
لا تزال سوريا واحدة من أكبر أزمات اللاجئين في العالم. منذ عام 2011، فر أكثر من 14 مليون سوري من منازلهم بحثًا عن الأمان، حيث غادر حوالي 6 ملايين البلاد والباقي نازحون داخليًا، وفقًا للأمم المتحدة.
وتشير كيلي بيتيلو، الباحثة في الشرق الأوسط، في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، لـ DW، إن المزيد من اللاجئين السوريين قد يكونون على استعداد للعودة.
لا تزال سوريا واحدة من أكبر أزمات اللاجئين في العالم. منذ عام 2011، فر أكثر من 14 مليون سوري من منازلهم بحثًا عن الأمان، حيث غادر حوالي 6 ملايين البلاد والباقي نازحون داخليًا، وفقًا للأمم المتحدة. صورة من: Sonia Al-Ali/DW
وبعد الإطاحة بالأسد، عاد بالفعل نحو 1.87 مليون سوري، سواء من النازحين داخليًا أو العائدين من الخارج، إلى مجتمعاتهم، وفقًا لتقرير جديد صدر مؤخرا عن المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة. لكن التقرير يشير إلى أن "المصاعب الاقتصادية ونقص الخدمات الأساسية يعيقان جهود التعافي".
تشارك بيتيلو هذا الرأي قائلة: "من تجربتي في التواصل مع اللاجئين السوريين، فإن أول شيء ذكروه عندما يتعلق الأمر بأسباب ترددهم في العودة إلى سوريا، هو الوضع الاقتصادي والحالة العامة للبنى التحتية، وظروف المعيشة والاحتياجات الأساسية".
وتؤكد "سيعود الكثير من السوريين بمجرد أن نرى نتائج ملموسة لتخفيف العقوبات على الأرض". لكنها ترى أن تخفيف العقوبات ليس كافيا: "إذا أردنا تحقيق عودة دائمة وطوعية، فنحن بحاجة إلى ضمان الحماية والحقوق الاجتماعية والاقتصادية لجميع السوريين".
أعده للعربية: ع.ا
تحرير: عبده جميل المخلافي
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

DW
منذ 20 ساعات
- DW
خمس سنوات على "بريكست".. لندن تعيد بناء علاقاتها مع بروكسل – DW – 2025/5/19
بعد خمس سنوات على هزة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يبدو أن الطرفين قد شرعا في إعادة تنظيم علاقاتهما عبر اتفاق جديد. ما أهم بنوده؟ وهل من قضايا ما تزال عالقة بين الجانبين؟ أ ف ب خالد سلامة أ ف ب خالد سلامة أ ف ب أبرمت بريطانيا والاتحاد الأوروبي الإثنين (19 أيار/مايو 2025) اتفاقاً غير مسبوق يحدد ملامح علاقات أوثق بينهما في مجالي الدفاع والتجارة ويفتح فصلاً جديداً بعد خروج المملكة المتحدة المثير للجدل من التكتل قبل خمس سنوات. وقال رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر إن الاتفاق الذي وصفه بأنه منصف، "يمثل بداية عصر جديد في علاقتنا... نحن نتفق على شراكة استراتيجية جديدة تناسب متطلبات زمننا". وقال ستارمر خلال مؤتمر صحافي مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لاين إنه "اتفاق جيد للطرفين". ومن المفترض أن تؤدي شراكة الدفاع إلى إجراء محادثات أمنية بشكل أكثر انتظاماً، واحتمال مشاركة بريطانيا في بعثات عسكرية تابعة للاتحاد الأوروبي، فضلاً عن إمكانية استفادة لندن الكاملة من صندوق دفاع بقيمة 150 مليار يورو (167 مليار دولار) اتفقت دول التكتل على إنشائه. واتفق الجانبان على رفع القيود المفروضة على الصادرات البريطانية إلى دول الاتحاد الأوروبي الـ27، مقابل تمديد بريطانيا حقوق الصيد للاتحاد الأوروبي في مياهها الإقليمية لمدة 12 عاماً إضافياً. وأضاف ستارمر أن المملكة المتحدة ستجني "فوائد حقيقية وملموسة" في مجالات مثل "الأمن والهجرة غير النظامية وأسعار الطاقة والمنتجات الزراعية والغذائية والتجارة"، بالإضافة إلى "خفض الفواتير وتوفير فرص العمل وحماية حدودنا". فون دير لاين: صفحة جديدة من جهتها، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية "هذا يوم مهم لأننا نطوي الصفحة ونفتح فصلاً جديداً. هذا أمر بالغ الأهمية في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية، لأننا نتشارك في الرؤية والقيم نفسها". وأشار دبلوماسيون أوروبيون إلى أن الاتفاق جاء بعد مفاوضات جرت خلال الليل وتم خلالها تجاوز الخلافات في قضايا رئيسية. وقالت المملكة المتحدة إن الاتفاق الاقتصادي الجديد مع الاتحاد الأوروبي يخفف من إجراءات التفتيش الجمركي على المنتجات الغذائية والنباتية، بما يسمح "من جديد بحرية تدفق السلع". وأضافت رئاسة الحكومة البريطانية (داونينغ ستريت) في بيان أن هذا الاتفاق سيضيف "ما يقرب من 9 مليارات جنيه إسترليني" (12 مليار دولار) إلى الاقتصاد البريطاني بحلول عام 2040. رأت حكومة العمال بزعامة ستارمر أن الاتفاق الذي أبرمته حكومة المحافظين السابقة "لا يخدم مصالح أي طرف". لكن ستارمر، الذي تولى رئاسة الوزراء عقب انتخابات تموز/يوليو الماضي رسم عدة خطوط حمراء قال إنه لن يتجاوزها. وبقيت نقاط شائكة حول بعض مطالب الاتحاد الأوروبي، فيما ينتقد المحافظون خطوة "إعادة تنظيم" العلاقات باعتبارها "استسلاماً". ووقع الجانبان اتفاق "الشراكة الأمنية والدفاعية" في ختام الاجتماع الذي ضم الاثنين إلى ستارمر وفون دير لاين، رئيس المجلس الأوروبي أنتونيو كوستا ومسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد كايا كالاس. وتم التوقيع كذلك على بيان مشترك بشأن التضامن الأوروبي ووثيقة تفاهم بشأن قضايا تتراوح من التجارة إلى الصيد وتنقل الشباب. ماذا عن الهجرة؟ بموجب الاتفاق النهائي، تُبقي بريطانيا مياهها مفتوحة أمام الصيادين الأوروبيين لمدة 12 عاماً بعد انتهاء صلاحية الاتفاق الحالي في عام 2026، مقابل تخفيف دول الاتحاد السبع والعشرين القيود البيروقراطية على واردات السلع الغذائية من المملكة المتحدة إلى أجل غير مسمى. ومن شأن الاتفاق "أن يؤدي إلى تنفيذ الغالبية العظمى من عمليات نقل الحيوانات ومنتجاتها والنباتات ومنتجاتها بين بريطانيا العظمى والاتحاد الأوروبي من دون الحاجة إلى الشهادات أو إجراءات الرقابة المعمول بها حالياً". وفيما يتعلق بمسألة تنقل الشباب، اتفق المفاوضون على صياغة عامة تُؤجل المساومة إلى وقت لاحق. وتخشى لندن أن يُؤدي أي برنامج لتنقل الشباب إلى عودة حرية التنقل بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. ورفض ستارمر العودة إلى حرية الحركة الكاملة، لكنه منفتح على برنامج تنقل يتيح لبعض الشباب البريطانيين والأوروبيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عامًا الدراسة والعمل في المملكة المتحدة وبالعكس. وستارمر، الذي تعهّد بمواجهة تصاعد الهجرة غير النظامية، يتعامل مع هذا الملف بحذر في ظل صعود حزب "إصلاح المملكة المتحدة" (ريفورم يو كي) اليميني المتشدد، المناهض للهجرة والاتحاد الأوروبي، بقيادة نايجل فاراج. وتأتي المحادثات في وقت يسعى الاتحاد الأوروبي وبريطانيا لزيادة التسلح في مواجهة التهديد من روسيا والمخاوف من تراجع الولايات المتحدة عن المساهمة في حماية أوروبا في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب. لكن العديد من التفاصيل المتعلقة بالشراكة الدفاعية ستترك لتنجز لاحقاً. وستتطلب إزالة القيود أمام المملكة المتحدة وصناعتها الدفاعية للاستفادة من برامج الاتحاد الأوروبي اتفاقاً إضافياً. وترتبط بريطانيا أصلاً بعلاقات دفاعية متشابكة مع 23 من دول الاتحاد الأوروبي من خلال حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لذلك تعد شراكة الدفاع الجزء الأسهل من الاتفاقات المطروحة. وقالت أوليفيا أوسوليفان، مديرة برنامج المملكة المتحدة في العالم بمركز تشاتام هاوس للأبحاث لوكالة فرانس برس إن الاتفاق هو "الخطوة التالية نحو تعاون أوثق... لكنه لا يمثل حلاً للعديد من القضايا العالقة". تحرير: عبده جميل المخلافي

DW
منذ 2 أيام
- DW
لأول مرة في مصر .. قانون لتنظيم وضبط الفتاوى الدينية – DW – 2025/5/18
صدر لأول مرة مشروع قرار تنظيم الفتاوى بعد جدل واسع نتيجة لاعتراض الأزهر على منح لجان وزارة الأوقاف صلاحية الإفتاء عندما طرح المشروع للنقاش في البرلمان، وبرًر الأزهر ذلك بأهمية إسناد مسؤولية الفتوى إلى الجهات المؤهلة دستوريا وقانونيا، تجنّبا لأي تداخل في الاختصاصات بين المؤسسات المعنية. وانتهي القانون بأن تختص الفتوى لهيئة كبار العلماء بالأزهر ومجمع البحوث الإسلامية ودار الإفتاء المصرية. اما الفتوى الخاصة، فيختص بها، إضافة إلى تلك الجهات ، مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، واللجان المشتركة المُشكلة، وأئمة الأوقاف المؤهلون وفق شروط محددة وعند التصويت على مشروع القرار تم الأخذ بملاحظات الأزهر الممثلة في عدم منح لجان للأوقاف سلطة إصدار فتاوى. عضو مجلس النواب د. أيمن أبو العلا، وصف القانون في حديثه مع DW بالمهم لأنه ينظم الفتاوى العشوائية وغير المنضبطة، ومنح القانون إصدار الفتاوى للمتخصصين وأهل العلم والخبرة ومن اجتاز التدريب. مشيراً إلى أن تطبيق القانون قد يأخذ وقتاً خاصة مع انتشار الشيوخ غير المختصين. ونفى مسألة وجود ترهيب لغير المختصين، مفسًرًا " لا يلجأ القانون في البداية إلى تغليظ العقوبات، بل يتم فرض غرامات وعندما تتكرر تلك المسألة يتم فرض عقوبة سالبة للحرية، وذلك بسبب خطورة تلك الفتاوى إذ لا ننسي فتاوي صدرت في السابق خاصة بفتاوي الجهاد والقتل". مخاوف من تحجيم الحريات بسبب الحبس عبًر نقيب الصحفيين في مصرخالد البلشي عن رفضه للمادة الثامنة من قانون الفتاوى التي تضمنت الحبس لمدة 6 أشهر، على مخالفة مواد القانون المتعلقة بنشر وبث الفتاوى وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه (نحو١٠٠٠ دولار)، ولا تزيد على 100 ألف جنيه (نحو٢٠٠٠ دولار). موضحاً بأن النص الدستوري والقانوني يمنعان توقيع عقوبات سالبة للحرية في الجرائم المتعلقة بالنشر أو العلانية. اتفق الكاتب الصحفي في مؤسسة الأهرام جمال زايدة مع دعوة نقيب الصحفيين لإلغاء المادة ٨ من القانون لأنها سالبة للحريات ومخالفة للدستور المصري، مطالباً في حديثه مع DW بالاكتفاء بالغرامة المادية. ورغم إقراره بأهمية القانون في تنظيم الفتاوى في مصر إلا أنه أبدى شكوك من مسألة القدرة على تنظيم الفتاوى في ظل صعوبة تطبيق مركزية إصدار الفتاوى بسبب انتشار الشيوخ في الجوامع والريف والمدن الصغيرة، حيث يطلب المواطنين من هؤلاء الشيوخ الفتاوى بشكل مباشر، وليس من المؤسسات الدينية المختصة، وبالتالي لا تخضع تلك الفتاوى للرقابة. توافق ينهي الخلافات بين المؤسسات الدينية جاء القانون ليعزز من مكانة الأزهر كمرجعية دينية رئيسية، خاصة بعدما تم الاستجابة لمتطلبات الأزهر خلال جلسة البرلمان وما أظهره وزير الأوقاف المصري د. أسامة الأزهري من توافق تام مع رؤية الأزهر، كمؤشر ربما على رغبة الدولة المصرية تجنب أي صدام مع الأزهر في ظل معارك سابقة بين الدولة والأزهر حول ملف تجديد الخطاب الديني، وفي ظل مخاوف سابقة أيضاً من محاولات "تسييس" دور وزارة الأوقاف بعد تعيين مستشار للرئيس المصري للشؤون الدينية بمنصب وزير الأوقاف، ما قد يفسًر انفضاض الأزهر على منح لجنة من الأوقاف الاختصاص بالفتاوى علماً أنه كان هناك خلافات خفية بين الأزهر والأوقاف على خلفية تباين بينهما في موضوعات مثل الخطبة المكتوبة. محمد فوزي، باحث متخصص في الحركات الإسلامية. صورة من: privat اعتبر الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف، في حواره مع DW أن هذا القانون هو تطبيق عملي للمادة رقم ٧ في الدستور المصري الذي ينص على أن "الأزهر الشريف هو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشئون الإسلامية". متابعاً "هذا القانون يعد من باب التدابير الاحترازية الوقائية لمعالجة ظاهرة فوضي الفتاوى إذ أنه تم التلاعب بورقة الدين في السياسة منذ سبعينات القرن الماضي، حيث وجدت كيانات متطفلة علي العلوم الشرعية غير مؤهلة وتفتي في الدين بدون علم". وأردف" هذه الكيانات لها تمويل ضخم من داخل وخارج مصر وهي من أفسدت المناخ الديني في مصر، هذا بجانب أصحاب مهن وحرف يتصدرون مواقع التواصل الاجتماعي ويفتون في كل شيء". معتبراً أن انتشار الفتاوى المتضاربة والمتناقضة تتسبب في نشر الإلحاد. وربط نجاح هذا القانون بتغليظ العقوبات على المخالفين، بسبب لجوء السلفيين لطرق ملتوية للالتفاف على القانون في ظل امتلاكهم ورقة المال، حسب كريمة. مؤكداً على عدم وجود خلاف بين المؤسسات الدينية مفسًرا ذلك بأن جميع خريجي المؤسسات الدينية من الأزهر. ربط القانون بتطورات إقليمية وجاء هذا القانون باعتباره إطاراً قانونياً يُفترض أن يضبط مسار الحالة الافتائية في مصر ولكن توقيت إصدار القانون ربطه البعض بتطورات إقليمية بارزة مثل الحرب في قطاع غزة ووصول إسلامين بتوجهات إسلامية متشدًدة في الحكم في سوريا، خاصة وأنه ظهرت خلال الفترة الماضية فتاوى للجهاد في غزة من قبل كيانات غير معترف بها في مصر مثل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يصنف كجهة إرهابية في مصر وبعض الدول العربية، لذلك فربما أرادت مصر وأد أي فتاوى أخرى مماثلة قد تحرج السلطات المصرية وتتسبب في زيادة الاستقطاب والاحتقان المجتمعي، فضلاً عن مواجهة أي أفكار متطرفة من التيارات الإسلامية في مصر والتي قد تتعاطف مع نظرائهم في سوريا. تظهر الصورة مبنى دار الإفتاء في القاهرة. تخطط مصر لتنظيم الفتاوى لأول مرة، مما يثير مخاوف من احتمال تقييد الحريات. صورة من: R. ElSayed/DW الأمر الذي اتفق معه الباحث في الحركات الدينية محمد فوزي، مشيراً إلى أن أسباب إصدار هذا القانون بعضها داخلي مرتبط برغبة الدولة بتجديد الخطاب الديني، وبعضها خارجي مرتبط بتطورات الحدود المصرية مع قطاع غزة. وتابع " هناك حشد يتم من قبل بعض المجموعات في المنطقة، مع تغليف هذه الحالة بغلاف ديني افتائي مثل فتاوى الجهاد في فلسطين تحت ذريعة التصعيد ضد إسرائيل". وأكد على أنه ليس من مصلحة النظام المصري وجود أي خلافات مع الأزهر مع التحديات الخارجية الكبيرة، خاصة وأنه رغم التباين في بعض الأوقات بين الأزهر والدولة فيما يخص تجديد الخطاب إلا أن الدولة تعاملت بمنطق الاحتواء وتجنب الصدام.

DW
منذ 2 أيام
- DW
رفع العقوبات عن سوريا ـ لبنان بين الربح والخسارة – DW – 2025/5/18
لطالما كان لبنان وجهة سياحة ونقطة جذب لرؤوس الأموال وواحة للحريات السياسية في الشرق الأوسط. هذه الميزات تفرد بها لبنان لعقود. لكن في ظل التغيرات الجيوسياسية والانفتاح المرتقب في سوريا هل يحافظ لبنان على دوره في المنطقة؟ "سويسرا الشرق الأوسط"... هذا الوصف لازم بيروت لعقود وحتى الأمس القريب. ولهذا الوصف أبعاد تعكس جغرافيا لبنان وطبيعته كوجهة سياحية، ونظامه الاقتصادي الحر الجذاب لرؤوس الأموال في ظل السرية المصرفية، والنظام السياسي الذي يضمن حرية التعبير والكتابة والفن إلى حد بعيد. لطالما كان هذا دور لبنان في المنطقة في ظل محيط تحكمه أنظمة بالحديد والنار. فهل تهدد سوريا ديمقراطية، ذات اقتصاد حر، الوظيفة التي كان يتفرّد بها لبنان في المنطقة؟ رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا سيطلق مرحلة جديدة في البلاد بعدما طوت صفحة نظام البعث . ومن المتوقع أن يسهم هذا بتدفق الأموال والمساعدات لإعادة إعمار البلاد التي دمرت الحرب الأهلية معظم بنيتها التحتية ومدنها وقراها. وسيسمح لسوريا بالعودة إلى النظام المصرفي العالمي وبالتالي إعادة إطلاق عجلة الاقتصاد في بلد لديه مساحات شاسعة للنهوض بالزراعة، ويد عاملة للنهوض بالصناعة، وطبيعة ومناخ قد يسمح الاستقرار السياسي والأمني فيها لتطوير السياحة. رفع العقوبات عن سوريا وفرص للبنان في الرياض حضر الرئيس السوري أحمد الشرع وغاب الرئيس اللبناني جوزيف عون، لكن لبنان لم يغب عن كلمة ترامب صورة من: Bandar Al-Jaloud/Saudi Royal Palace/IMAGO قد يبدو نظام ديمقراطي واقتصاد ليبيرالي حر في سوريا في الوقت الراهن أمرا بعيد المنال ودونه الكثير من المطبات والتحديات، خاصة بعد جولات التقاتل الطائفي التي شهدتها البلاد مؤخرا. لكن إعلان ترامب عن رفع العقوبات عن سوريا من الرياض جاء كأنه سفر بالزمن إلى المستقبل. وأعطى لقاء ترامب-الشرع بحضور ولي العهد السعودي شرعية لرئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع وحكومته. ويبدي الرجل براغماتية استثنائية مع الدول الغربية من خلال تطمينات عن حقوق المرأة ودمج وتمثيل وانفتاحه على معالجة ملفات حساسة في البلاد كالتعامل مع آلاف المقاتلين الأجانب في سوريا وإبعادهم عن دائرة القرار، وانخراطه في محادثات غير مباشرة مع إسرائيل وانفتاحه على تسوية طويلة الأمد بهذا الخصوص وصولا ربما إلى تطبيع العلاقات . يقف لبنان عند مفترق طرق من كل هذا، فيما لا تزال البلاد تتعاطى مع تبعات الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله، ومنها تأمين إعادة الإعمار وحل سلاح حزب الله والمنظمات الفلسطينية، إضافة إلى تبعات الأزمة الاقتصادية والمالية الأسوأ في تاريخ البلاد. قد يشكل رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتخلص من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية لأكثر من مليون ونصف المليون نازح سوري في لبنان يشكلون ضغطا على سوق العمل والبنى التحتية، حيث قد يسمح الواقع الجديد بتدفق المساعدات الدولية إلى سوريا ويدفع بملايين النازحين السوريين للعودة إلى بلادهم مع إمكانية الاستفادة من التقديمات والمساعدات في الداخل السوري. وسيسمح وصول سوريا إلى الأسواق العالمية بحرية الاستيراد والتجارة وبالتالي انخفاض أو حتى وقف حركة تهريب البضائع والمحروقات من لبنان عبر المعابر غير الشرعية على طول الحدود البرية. ويرى لبنان في رفع العقوبات الاقتصادية فرصة لاستجرار الكهرباء والغاز الطبيعي عبر سوريا، للتخلص من أزمة الطاقة التي استنفذت لعقود حوالي نصف الميزانية العامة وشكلت عبئا هائلا على اقتصاد البلاد المتهالك. وهذا مشروع بنيته التحتية شبه جاهزة لكن العقوبات الدولية والحصار الاقتصادي على سوريا حال دون تنفيذه لسنوات. التكامل الاقتصادي والمنافسة يرى الدكتور سامي نادر، الخبير الاقتصادي ومدير معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية، أن التكامل الاقتصادي بين لبنان وسوريا أكبر بكثير من المنافسة لأن طبيعة البلدين مختلفة كما تراكم المعرفة والميزة التنافسية لكل منهما، ويقول "سوريا تمتلك مساحات زراعية ويد عاملة مثلا فيما يمتلك لبنان عقول وخدمات مختلفة مثل التكنولوجيا والخدمات المصرفية." ويضيف نادر في اتصال مع DW عربية أن سوريا تعتبر جزءً من عمق لبنان الاقتصاديخصوصا أن المسافة بين بيروت ودمشق قريبة جدا وبالتالي سوريا ممر برّي إلزامي لحركة البضائع اللبنانية والعكس صحيح. رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتخلص من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية لأكثر من مليون ونصف المليون نازح سوري في لبنان يشكلون ضغطا على سوق العمل والبنى التحتية (أرشيف) صورة من: picture-alliance/dpa/M. Naaamani ويرى نادر أن انفتاح سوريا يشكل فرصة لإنشاء أسواق مشتركة، " السوق اللبناني الذي يخدم حوالي 5 ملايين لبناني والسوق السوري الذي يخدم حوالي 20 مليون سوري، قد يصبح سوقا يخدم 25 مليون نسمة، وبالتالي المنافسة لن تكون بين البلدين بقدر ما ستكون منافسة بين الوحدات الإنتاجية في كلا البلدين." الغلبة للدولة التي تتقدم بوتيرة أسرع وفيما يرى نادر الكثير من الإيجابية في الانفتاح الاقتصادي لسوريا لا يخفي تخوفه على دور لبنان الإقليمي إذا لم تواكب الدولة اللبنانية سرعة التحولات في المنطقة؛ "إذا سبقت دمشق بيروت بالمصالحة مع دول الخليج والعلاقات الجيوسياسية في المحيط سيكون لها الأفضلية لالتقاط الفرص السياسية والاقتصادية." ويعتبر نادر أن التقدم في الإصلاح السياسي والتموضع الجيوسياسي في المكان والزمان المناسبين سيعطي الغلبة للدولة التي تتقدم بها بوتيرة أسرع. في الرياض حضر الرئيس السوري أحمد الشرع وغاب الرئيس اللبناني جوزيف عون، لكن لبنان لم يغب عن كلمة ترامب في القمة التي عقدها مع دول مجلس التعاون الخليجي، حيث قال "في لبنان هناك فرصة جديدة للمستقبل بعيدا عن قبضة حزب الله، إذا استطاع الرئيس ورئيس مجلس الوزراء بناء دولة جديدة". فهل يقتنص لبنان هذه الفرصة؟ تحرير: عبده جميل المخلافي