
الإسلاموفوبيا ومسألة العيش المشترك
وهناك مشكل كبير في فهم الآخر، في المجتمعات الغربية خاصة؛ ومن هنا تلك الحملات المسعورة التي يشعلها السياسيون وأصحاب القلم وفئات عريضة من المجتمع في حق المهاجرين، خصوصاً المسلمين منهم؛ ومما يزيد الطين بلة أن هذه الحملات لا يسلم منها حتى بعض التوجهات الأكاديمية التي تُدرس في الجامعات الغربية؛ وما زلت أتذكر لمّا كنت طالباً في الجامعة الفرنسية، كيف كنا نحن الطلبة نتلقى محاضرات من بعض المنظّرين في العلاقات الدولية؛ في ظاهرها قواعد عن سوسيولوجيا العلاقات الدولية وفي باطنها كره وجهل بالحضارة الإسلامية... وكان هناك تباين جليّ في التلقي والتجاوب، فكنا نحن الطلبة المسلمين نحتكم بصورة حقيقية ومَرضية إلى واقع الحضارة العربية والإسلامية في أثناء تلقِّينا لتلك العلوم، أما الطلبة الفرنسيون والأجانب (ما عدا الأفارقة والآسيويين منهم) فقد احتكموا إليها، بما في ذلك نظرية الأميركي هنتنغتون عن صراع الحضارات كما هي، بل غذّوها أيضاً انطلاقاً من نظريات مشابهة لها، وبقوا في هذا الحد من الفهم من دون الغوص في خبايا التاريخ وعلم الاجتماع والحضارة والأنثروبولوجيا لبناء نقد ذاتي لنظرية، رغم بساطتها، لها من النتائج على الفكر والنظرة إلى الآخر ما ليس لغيرها؛ وإذا دخلت في حديث فكري معهم وجدت نظرتهم إلى الحضارة العربية والإسلامية نظرة محقّرة، وإذا بحثت معهم فوق الحشائش وتحت الحشائش فلن تجد علماً ولو بسيطاً بتاريخ وواقع الحضارة العربية والإسلامية، بل مجملها سطحيات تفنّد بواقع العلم والتدقيق والحقيقة، والأدهى أن نظراتهم تتغذى على إسقاطات على وقائع ليس لها لا مرجع ولا أصل مُنصف... وما زلت أتذكر أنني يوماً سألت أستاذاً من أصول ألمانية يدعى توماس ليندمان، وهو من كبار منظِّري العلاقات الدولية في الجامعات الأوروبية، عن جدوى إدراج نظرية هنتنغتون في مادة السلك الثالث وفي هذا المستوى من التعليم؛ لأن هنتنغتون لا يمكن اعتباره من منظِّري العلاقات الدولية، ولا نظريته تصلح لأن توضع ندّاً لنظيراتها في العلاقات الدولية، فكان من إنصاف هذا الأستاذ أن ساندني الرأي ولكن من دون الخوض معي ومع زملائي في ماهية إدراجها ضمن المقرر.
وعندما أطلقت منذ أيام فرنسا والمملكة العربية السعودية والعشرات من الدول الأخرى، من بينها كندا وأستراليا، «نداء نيويورك»، الذي يدعو دول العالم كافةً إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وذلك في ختام المؤتمر الوزاري الذي عُقد في الأمم المتحدة بشأن حل الدولتين للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، رأينا في وسائل الإعلام الغربية التي تفضلت باستجواب الناخبين، جهلاً بالواقع الفلسطيني رغم حرب وصور تجويع وتقتيل وتهجير الفلسطينيين الأبرياء... نعم إنه الجهل العميق بالواقع، والتراكمات المغلوطة التي تخلق صوراً مشوَّهة حول الآخر، خصوصاً أن الرجل الغربي العادي لا يتغذى فكره إلا على وسائل الإعلام... وأنا أشاطر هنا العديد من المنصفين عندما يؤكدون أن الغرب قلّما يتذكر، بصفة عامة، الدور الأساسي الذي لعبته الحضارة الإسلامية، التي كان يوجد أحد مراكزها في إسبانيا، التي كانت فيها أوروبا نفسها تهيم في عمق التخلف، ونحن نشكك في أن الناس، في شوارع واشنطن أو سيدني أو باريس، يعرفون اليوم مدى تقدم الحضارة الإسلامية في ذلك العصر. لقد قدمت هذه الحضارة للعالم معارف جديدة في مجال العلم والفلسفة والأدب والقانون والطب وغيرها من المجالات (...) ويراودنا الشك كذلك في كون الناس يتذكرون أن التسامح قد كان من المميزات السائدة في هذه الحضارة، ذلك أن فترة أوج الحضارة الإسلامية هي الفترة التي عاش فيها المسلمون واليهود والمسيحيون جنباً إلى جنب في سلام، في إسبانيا وبلدان أخرى من العالم الإسلامي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق السعودية
منذ 4 ساعات
- الشرق السعودية
ميدفيديف يلوم الناتو في إنهاء قيود نشر الصواريخ.. ويحذر من خطوات أبعد
قال نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف الاثنين، إن القرار الذي اتخذته روسيا بإنهاء القيود على نشر الصواريخ البرية المتوسطة وقصيرة المدى جاء نتيجة لـ"السياسة المناهضة لروسيا"، التي تنتهجها دول حلف شمال الأطلسي (الناتو). وأضاف ميدفيديف في منشور على منصة "إكس"، أن هذا القرار "يعكس واقعاً جديداً يتعين على خصوم روسيا استيعابه". وتعهد الرئيس الروسي السابق، في منشوره بـ"خطوات أبعد"، وذلك، بعد أيام من سجاله مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وتحذيره له بأن "يتذكر امتلاك موسكو لقدرات نووية تعود إلى الحقبة السوفيتية، والتي توجد لديها كملاذ أخير"، وذلك وسط مناوشات كلامية بين الطرفين. روسيا تنهي قيود الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى وكانت وزارة الخارجية الروسية قد أعلنت الاثنين، أن موسكو لم تعد تعتبر نفسها ملزمة بوقف نشر الصواريخ الأرضية متوسطة وقصيرة المدى (INF)، معتبرة أن الظروف التي كانت تسمح بالوقف الأحادي لنشر هذه الصواريخ "انتهت"، وفقاً لما نقلته وكالة "تاس" الروسية الرسمية. وأضافت الخارجية الروسية في بيان أن القيادة الروسية ستتخذ قراراتها بشأن معايير إجراءات الرد بناءً على تحليل حجم انتشار الصواريخ الأميركية والأوروبية متوسطة وقصيرة المدى (INF)". وقالت إن حلف شمال الأطلسي (الناتو)، "لم يستجب لدعوتنا لإعلان وقف متبادل لنشر أنظمة الأسلحة المحظورة". وأشارت الوزارة في بيانها إلى نشر الحلف لصواريخ متوسطة وقصيرة المدى في أوروبا، واعتبرت أن الخطوة "تشكل تهديداً مباشراً لأمن روسيا، مما يستدعي اتخاذ تدابير من الجانب الروسي". سجال ميدفيديف مع ترمب وتأتي تصريحات ميدفيديف وإعلان الخارجية الروسية بعد أيام من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب الجمعة، أنه أمر بنشر غواصتين نوويتين في مناطق مناسبة، رداً على تعليقات ميدفيديف بشأن احتمال نشوب حرب بين البلدين المسلحين نووياً. ووصف ترمب خلال مقابلة مع شبكة Newsmax، تصريحات ميدفيديف بأنها "وقحة" بعد أن أشار الرجل الذي يشغل منصب نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي إلى أن موسكو تمتلك قدرات نووية تعود للحقبة السوفيتية والتي توجد لديها كـ"ملاذ أخير". وأشار الرئيس الأميركي إلى أنه وبسبب هذه التصريحات أمر بإرسال غواصتين نوويتين أميركيتين "أقرب إلى روسيا"، لافتاً إلى أن "عينيه تلمعان" عند ذكر كلمة "نووي"، في إشارة إلى تصريحات ميدفيديف. وتابع ترمب: "رئيس روسيا السابق، والذي يرأس الآن واحداً من أهم المجالس –ميدفيديف– قال بعض الأمور السيئة جداً تتعلق بالسلاح النووي. وعندما تُذكر كلمة (نووي)، تعرف أن عينيّ تلمعان وأقول: (علينا أن نكون حذرين)، لأنه التهديد الأقصى". وكان الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف طلب، الخميس، من ترمب أن يتذكر أن موسكو تمتلك قدرات نووية تعود للحقبة السوفيتية والتي توجد لديها كملاذ أخير، وذلك بعد أن نصح ترمب، ميدفيديف بأن "ينتبه لكلامه". ورد ترمب على ذلك قائلاً: "ما كان يجب عليه قول ذلك. إنه وقح. وقد سبق أن قال أموراً غير مسؤولة في الماضي. لذلك، يجب أن نكون مستعدين دائماً. ولهذا أرسلت غواصتين نوويتين إلى المنطقة. أريد فقط أن أتأكد من أن كلماته تبقى مجرد كلمات، ولا تتجاوز ذلك". وعند سؤاله عما إذا كانت الغواصات فعلياً أقرب إلى روسيا، أجاب ترمب: "نعم، إنها أقرب إلى روسيا".


العربية
منذ 5 ساعات
- العربية
موسكو: لم نعد ملزمين بقيود نشر الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى
أفادت وزارة الخارجية الروسية في بيان، اليوم الاثنين، بأن موسكو لاحظت زوال الشروط اللازمة لاستمرار الحفاظ على الوقف الأحادي الجانب لنشر الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى برا، ولذلك لم تعد تعتبر نفسها ملزمة بالقيود الذاتية المعتمدة سابقاً. وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيانها الذي نشر على موقعها الإلكتروني: "نظراً لتجاهل تحذيراتنا المتكررة بشأن هذه المسألة وتطور الوضع على مسار النشر الفعلي للصواريخ متوسطة المدى البرية الأميركية الصنع في أوروبا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ، فإن وزارة الخارجية الروسية تلاحظ زوال الشروط اللازمة للحفاظ على وقف أحادي الجانب لنشر أسلحة مماثلة، وهي مخولة بالإعلان عن أن روسيا الاتحادية لم تعد تعتبر نفسها ملزمة بالقيود الذاتية المقابلة المعتمدة سابقا"، وفقا لوكالة أنباء سبوتنيك الروسية. وتابع البيان: "في الوقت ذاته، ستتخذ قيادة روسيا الاتحادية القرارات بشأن المعايير المحددة لتدابير الرد على أساس التحليل المشترك بين الإدارات لحجم نشر الصواريخ البرية متوسطة المدى الأميركية والغربية الأخرى، فضلا عن التطور العام للوضع في مجال الأمن الدولي والاستقرار الاستراتيجي". وأكدت الخارجية الروسية أن خطوات الغرب الجماعي تؤدي إلى تعزيز القدرات الصاروخية في المناطق المجاورة لروسيا، ما يشكل تهديدا مباشرا للأمن الاستراتيجي لروسيا، وقالت: "لم تكتف الولايات المتحدة وحلفاؤها بالإعلان علنا عن خططهم لنشر صواريخ برية أميركية متوسطة المدى في مناطق مختلفة، بل أحرزوا بالفعل تقدما ملحوظا في التنفيذ العملي لنواياهم". وأوضح البيان أنه "ومنذ عام 2023، رصدت روسيا نقل أنظمة أميركية قادرة على إطلاق صواريخ متوسطة وقصيرة المدى إلى دول أوروبية في حلف شمال الأطلسي (ناتو) لإجراء تدريبات ذات طابع مناهض لروسيا، بما في ذلك تدريبات في الدنمارك باستخدام منصة إطلاق متنقلة من طراز "إم كيه 70". وفي منطقة آسيا والمحيط الهادئ، أشار البيان إلى أن "الولايات المتحدة الأميركية نقلت في أبريل/نيسان 2024 نظام صواريخ "تايفون" متوسط المدى إلى الفلبين بذريعة التدريبات، ولا يزال النظام موجودا هناك. كما استخدم النظام نفسه في يوليو/تموز 2025 خلال مناورات "تاليسمان سيبر 2025" في أستراليا، حيث أطلق طاقم أسترالي صاروخا أميركيا من طراز "بي أر إس إم" عبر منظومة "هيمارس" المشتراة من الولايات المتحدة وهو صاروخ تم اختباره عام 2021 ليصل مداه إلى أكثر من 500 كيلومتر، مما يصنفه ضمن فئة الصواريخ متوسطة المدى". وأضافت الوزارة أن "هذه التحركات مصحوبة بتصريحات رسمية من الولايات المتحدة وحلفائها حول نيتها ضمان وجود "طويل الأمد" لهذه الأسلحة في أوروبا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ، وأعلنت واشنطن وبرلين عن خطط لنشر أنظمة "تايفون" و"دارك إيغل" في ألمانيا بدءا من عام 2026، مع التركيز على بقائها لمدة طويلة. وأشارت الوزارة إلى أن عدة حلفاء للولايات المتحدة أعربوا عن نيتهم شراء صواريخ متوسطة المدى أو تطوير صواريخ خاصة بهم بمدى يتراوح بين 500 و5500 كيلومتر، أو تعزيز ترساناتهم الحالية من هذه الأسلحة. وخلصت الوزارة إلى أن هذه الخطوات تشكل تهديدا استراتيجيا مباشرا لأمن روسيا، وتؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي والعالمي، وتزيد من التوترات بين القوى النووية، ما يحمل عواقب وخيمة على الأمن العالمي.


الشرق الأوسط
منذ 5 ساعات
- الشرق الأوسط
ألمانيا وأخواتها
وأنا أتأمل خريطة ألمانيا المحاطة بسبعة بلدان منها الأقوى في القارة العجوز، دار في ذهني شريط ذكريات تاريخ البلد الاقتصادي والسياسي. هذه الأمة، التي انكفأت على نفسها بعد الحرب العالمية، ما زالت تثير بي الفضول، لأن معظم المثقفين العرب تخرجوا أو عاشوا في ثقافة بلدان أنجلوسكسونية (أميركا وبريطانيا) ولم يتعمقوا في ثقافة ألمانيا وأخواتها. ورغم أن الألمان قد خرجوا من تحت أنقاض الحرب العالمية مهزومين وابتعدوا عن سباق التسلح بعد معاهدة فرساي فإنهم نجحوا في أن يصبحوا أكثر دولة مصدرة للمنتجات الصناعية في العالم، وكان اقتصادها الأكبر في العالم، رغم صغر حجمها الجغرافي وافتقارها للموارد الطبيعية. وتسلحت بالتكنولوجيا والمهارات، وقدمت نموذجاً تعليمياً رائداً ليس فيه «هوس الجامعات» بل يمنح الشباب الواعد مهارات فنية في سن مبكرة تنتهي ببرنامج تطبيقي يخرج كوادر جاهزة للانخراط في المصانع والمعامل. ويقول جون كامفنر مؤلف الكتاب الرائع «لماذا يتفوّق الألمان؟» إن ألمانيا «لم تعتمد على استعمار الشعوب الأخرى، بل نهضت من الداخل بالاعتماد على شعبها ومواردها المتاحة». هناك جانب اجتماعي ما زال مجهولاً. كشف عنه النقاب سفير ألمانيا لدى بريطانيا توماس ماتوسك عندما خلع رداء الدبلوماسية وقال لحشد من الإنجليز إنه صدم من هوسهم بالحقبة النازية وأن مادة واحدة من أصل كل ثلاث مواد تتناول النازية في المرحلة الثانوية (الثاني والثالث عشر). وعندما أُجرِي استفتاء للرأي لم يتمكن نحو 61 في المائة من تسمية شخصية ألمانية معروفة! شخصياً، كنت تحت تأثير أن الإنجليز مباشرون في تواصلهم الاجتماعي وأنهم الأكثر دقة في كل شيء حتى قرأت دراسة للبروفسور هال الذي صنف الألمان على أنهم من أكثر الشعوب مباشرة في الطرح ودقة في التزاماتهم وجديتهم، وتأتي بعدهم الشعوب الأخرى (انظر مقالي بعنوان: «كيف يتفاهم العربي مع الألماني؟»). هذا جزء يسير مما نعرفه عن الثقافات غير الناطقة بالإنجليزية والتي تتطلب منا إعادة النظر في اقتصار البعثات للبلدان الناطقة بالإنجليزية وزيادة انفتاح شبابنا على البلدان المتقدمة لنتعلم من تجربتها الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية وغيرها. كنت أتبادل أطراف الحديث مع صديق بريطاني لم يتحقق حلمه بتعلم لغة ثانية «تجعله يفهم» العالم حسب وصفه، فأخبرته بأن المملكة العربية السعودية قررت تطبيق اللغة الصينية في المدارس العامة، وأنها بدأت بإجراءات فتح مصانع سيارات صينية وغيرها، فأبدى اندهاشه وعلق بأنه قرار «عظيم»، وأضاف: «لو كنت أتحدث الصينية، لأصبحت مليونيراً بالتجارة معهم». بالفعل هناك الكثير من الصفحات الثرية في تاريخ الأمم ويومياتها سقطت من أجندتنا لأننا نلهث وراء كل إقليم يتحدث الإنجليزية ونسينا أن النجاح ليس مقصوراً على تلك الرقعة الجغرافية. الكتاب الذي تصفه «التايمز» بأنه «من أبرز ما كُتب بالإنجليزية مؤخراً في تقديم صورة شاملة عن ألمانيا الحديثة وسياستها»، هو مما يستحق الترجمة للعربية لنفهم ماذا يجري في هذا العالم.