
الدولار: هل تُلدغ الولايات المتحدة كما لُدغت بريطانيا قبلها؟
أحد الأسباب الرئيسية لهذا القلق هو التشابه بين التفاعل الحالي بين أسعار الفائدة الأمريكية والدولار، وما شهدته المملكة المتحدة في أواخر عام 2022 فيما يمكن اعتباره أزمة ديون.
يقول بروكس، الاقتصادي في مؤسسة بروكينغز: «تتزايد المؤشرات على أنّ علاوة المخاطر نفسها قد بدأت بالتكوّن بالنسبة للدولار الأمريكي»، مشيراً إلى أنّ «سنوات عديدة من السياسات المالية المتساهلة جداً قد بدأت تصل إلى نقطة الذروة، وسط حالة من عدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية».
يعيد هذا الوضع إلى الأذهان ملاحظة وارن بافيت الشهيرة: «فقط عندما ينحسر المدّ، تكتشف من كان يسبح عارياً». ولا توجد دولة متقدّمة تمثل مثالاً أوضح لمحاولة السباحة عارياً أكثر من الولايات المتحدة، مع وصول ديونها العامة إلى أكثر من 37 تريليون دولار.
تكرار تجربة تروس؟
الزمن وحده سيكشف إن كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والجمهوريون يغامرون بتكرار لحظة أزمة بريطانيا، خاصة بعد أن أضاف «مشروعهم الكبير والرائع» نحو 4 تريليونات دولار إلى العجز الفيدرالي – وهو مبلغ يعادل الناتج المحلي الإجمالي السنوي لليابان – ما قد يثير اهتمام وكالات التصنيف الائتماني مثل «ستاندرد أند بورز»، و«فيتش»، و«موديز».
يرى بروكس أنّ أغلب التعليقات حتى وقت قريب بشأن تراجع الدولار كانت مبالغاً فيها، نظراً لأن جزءاً كبيراً من هذا التراجع منذ بدء عهد ترامب الثاني في كانون الثاني 2025 كان ناتجاً عن إعلان ألمانيا المفاجئ عن حزمة تحفيز مالي في آذار، ما أدى إلى انخفاض الدولار بنسبة 4 بالمئة مقابل سلة العملات. وباحتساب هذا العامل، يكون الدولار قد بقي مستقراً تقريباً منذ يوم الانتخابات في 5 تشرين الثاني.
غير أنّ بروكس يضيف: «بدأت ديناميكية أكثر إثارة للقلق تسيطر في الأسابيع الأخيرة، حيث هبط الدولار بشدة مقابل عملات مجموعة العشر، رغم ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، وهو أمر كان في السابق داعماً للدولار».
تكرار لسيناريو الجنيه الإسترليني؟
ما يثير القلق بشكل خاص هو أنّ «الدولار بات يتراجع حتى في ظل ازدياد الفارق في أسعار الفائدة»، بحسب بروكس، مضيفاً أنّ هذا الجمع بين عملة ضعيفة وفارق أسعار فائدة مرتفع «مقلق للغاية»، ويذكّر بأزمة المملكة المتحدة في عام 2022، عندما شهدت البلاد ارتفاعاً في العوائد وانهياراً في الجنيه الإسترليني، في ما تمّ اعتباره أزمة ديون فعلية.
في تلك الأزمة، حاولت رئيسة الوزراء البريطانية آنذاك، ليز تروس، تمرير تخفيض ضريبي كبير غير ممول، متحدّية ما يُعرف بـ«حراس سوق السندات». وكانت النتيجة كارثية: انهار سوق السندات البريطانية، وبدأت إحدى الصحف الشعبية في بث مباشر لرأس خسّ بجانب صورة لتروس، لمعرفة أيّهما سيصمد أكثر. وقد فازت الخسّ.
الدين الأمريكي: من مجرد رقم إلى قيد استراتيجي
لطالما طُرحت فكرة أنّ الولايات المتحدة قد تواجه انهياراً مشابهاً منذ أزمة 2008، التي كانت نقطة تحوّل في تسارع تراكم الدَّين الأمريكي، مع سعي واشنطن حينها لبرامج تحفيز ضخمة.
وقد أدّى ذلك إلى أن تُسحب تصنيفات «AAA» من الولايات المتحدة لأول مرة من قبل «ستاندرد أند بورز» عام 2011، عندما كان الدين 14 تريليون دولار. ثم جاءت أزمة «كوفيد-19» التي ضاعفت الاقتراض الحكومي. وعندما خفّضت وكالة «فيتش» التصنيف إلى «AA+» في آب 2023، كان الدين قد بلغ 31.4 تريليون دولار.
وأخيراً، في أيار الماضي، سحبت «موديز» التصنيف الممتاز الذي حافظت عليه منذ عام 1919. وعلّق المحللون: «فشلت الإدارات الأمريكية المتعاقبة والكونغرس في الاتفاق على إجراءات تعكس المسار التصاعدي للعجز السنوي وتكاليف الفائدة المتزايدة».
اعتبر الاقتصادي داريل دافي من جامعة ستانفورد ذلك «دعوة للاستيقاظ» للكونغرس «كي يضبط نفسه، إما بجمع المزيد من الإيرادات أو خفض الإنفاق».
لكن ما حدث هذا الأسبوع كان العكس تماماً، إذ أضاف الكونغرس إلى العجز الفيدرالي ما يعادل حجم اقتصاد روسيا مرتين!
من المخاوف المالية إلى القيود الجيوسياسية
قال سبنسر حكيميان، الرئيس التنفيذي لصندوق التحوط «تولو كابيتال مانجمنت»، لوكالة رويترز، إنّ تقرير «موديز» سلط الضوء على «استمرار نهج طويل من التسيّب المالي، ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض للقطاعين العام والخاص في الولايات المتحدة».
أما الاقتصادي فيليب لاك من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فيرى أنّ هذا التخفيض الأخير «ليس مجرد حدث تقني في السوق – بل يعكس توافقاً ناشئاً على أنّ عبء الديون المتزايد للولايات المتحدة قد تحوّل من كونه خطراً مجرّداً إلى قيد استراتيجي على القوة والقيادة الأمريكية».
ويضيف لاك أنّه مع ارتفاع تكاليف الاقتراض وضيق الحيّز المالي، «يصبح الرابط بين الديون والأمن القومي أكثر وضوحاً». ومع تجاوز مدفوعات الفائدة للإنفاق الدفاعي، وتباطؤ النمو العالمي، وتسارع الضغوط الديموغرافية، تواجه الولايات المتحدة خيارات صعبة.
156% من الناتج المحلي بحلول 2055؟
يتوقع لاك أنّه بلا إصلاحات، فإنّ الدين الأمريكي سيصل إلى 156 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2055، مما يهدد بتآكل قوة الولايات المتحدة في زمن التنافس الحاد بين القوى العظمى.
ويحذر من أنّ «أخطر تهديد قد لا يكون اقتصادياً، بل نفسياً: الاعتقاد الزائف بأنّ هيمنة الدولار تحصّن الولايات المتحدة من تبعات التهور المالي».
ومع اقتراب الدَّين الفيدرالي من 160 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وازدياد استهلاك الفوائد لحصة أكبر من الميزانية، يحذّر لاك من أنّ الاستثمارات الحيوية في الدفاع والدبلوماسية والأولويات المحلية باتت في خطر.
ويختم بالقول: «قد تخسر الولايات المتحدة ليس فقط تصنيفها الائتماني، بل قيادتها العالمية – تماماً كما حذّر الاقتصادي آدم فيرغسون قبل قرون، من أن الأمم قد ترهن حريتها بسبب الديون المفرطة». وبرغم أنّ واشنطن لا تزال تتمتع بقوة اقتصادية واستراتيجية كبيرة، فإنّ هذه القوة مرشّحة للتآكل ما لم يتم اعتماد إصلاح مالي جذري. فالتاريخ يعلّمنا أنّ القوى العظمى نادراً ما تسقط بسبب تهديدات خارجية فقط، بل غالباً ما تنهار بفعل قراراتها الذاتية غير المستدامة.
نقطة الانفجار
من المحتمل أن تصبح آسيا نقطة التفجّر التالية، إذ تجلس طوكيو على سندات خزانة أمريكية بقيمة 1.1 تريليون دولار، بينما تملك بكين نحو 770 مليار دولار، ويبلغ إجمالي انكشاف آسيا على الدَّين الأمريكي أكثر من 2.5 تريليون دولار.
وبالعودة إلى عام 2009، عبّر رئيس الوزراء الصيني آنذاك، وين جياباو، عن مخاوف بلاده قائلاً: «لقد قدمنا قروضاً ضخمة للولايات المتحدة. وبالطبع، نحن قلقون على سلامة أصولنا». وطالب واشنطن «بالوفاء بوعودها، وأن تبقى دولة جديرة بالثقة، وأن تضمن سلامة الأصول الصينية».
في ذلك الوقت، لم يكن الدين الأمريكي يتجاوز 12 تريليون دولار. أما اليوم، فقد تجاوز ثلاث مرات هذا الرقم، بينما تنظر وكالة «موديز» فيما إذا كانت ستبقي على آخر تصنيف «AAA» متبقٍ لواشنطن.
ونختم بقول بروكس: «هذا النوع من التحركات المعاكسة للأسعار أمر غير معتاد إطلاقاً بالنسبة للدولار، وقد يكون مؤشراً على أنّ سنوات السياسة المالية المتساهلة جداً، وعدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية، بدأت تؤدي إلى لحظة الحقيقة – اللحظة التي تُقاس فيها الثقة العالمية بالولايات المتحدة فعلياً».
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 7 دقائق
- الشرق الأوسط
قلق صيني من ضعف الدولار
في خطوة تعكس تصاعد قلق السلطات الصينية من التقلبات الأخيرة في أسواق العملات العالمية، استفسر بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) عدداً من المؤسسات المالية المحلية عن آرائها بشأن الضعف المتواصل في سعر صرف الدولار، بحسب ما نقلته مصادر مطلعة لوكالة «رويترز». تضمن الاستطلاع، الذي أجري الأسبوع الماضي، أسئلة حول تحركات الدولار، وأسباب انخفاضه في الأشهر الأخيرة، والتوقعات المستقبلية لسعر صرف اليوان الصيني. وبينما لم يكشف البنك المركزي رسمياً عن الهدف من هذا الاستطلاع، فسّره بعض المشاركين على أنه يعكس قلقاً حكومياً من الارتفاع السريع في قيمة اليوان مقابل الدولار المتراجع. وخلال النصف الأول من العام، شهد الدولار أسوأ أداء له منذ عام 1973، حيث تراجع مؤشره بنحو 11 في المائة، وانخفض بنسبة 6.6 في المائة منذ بداية أبريل (نيسان) وحده. وتزامن ذلك مع استقرار نسبي في سعر صرف اليوان، الذي ارتفع بنسبة 1.3 في المائة فقط منذ فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسوماً جمركية في الثاني من أبريل فيما أطلق عليه «يوم التحرير». ويرى بعض المحللين أن هذا التحرك الاستقصائي من جانب بنك الشعب الصيني يندرج ضمن محاولة لفهم تداعيات انخفاض الدولار على الاستقرار المالي في الصين، خصوصاً أن قيمة اليوان المرتفعة قد تضر بالتنافسية التصديرية الصينية، وتزيد من الضغط على الاقتصاد المحلي الذي يواجه تحديات في قطاع العقارات والتجارة. بالتزامن مع هذا التوجه، واصل البنك المركزي الصيني تعزيز احتياطياته من الذهب للشهر الثامن على التوالي. فقد بلغت احتياطيات الصين من الذهب بنهاية يونيو (حزيران) الماضي 73.90 مليون أونصة نقية، مقارنة بـ73.83 مليون أونصة في مايو (أيار). وارتفعت قيمتها إلى 242.93 مليار دولار، مقابل 241.99 مليار دولار في الشهر السابق. ويُنظر إلى هذا التوجه نحو الذهب بوصفه وسيلة استراتيجية للتحوط ضد تقلبات الدولار وتقليص الاعتماد على العملة الأميركية في الاحتياطيات الرسمية، في وقت يتنامى فيه التوتر الاقتصادي بين بكين وواشنطن، لا سيما في ظل استمرار العقوبات والرسوم الجمركية. وفي السياق نفسه، أظهرت بيانات رسمية أن احتياطيات النقد الأجنبي الصينية ارتفعت بأكثر من المتوقع في يونيو، لتصل إلى 3.317 تريليون دولار، بزيادة 32.2 مليار دولار عن مايو، متجاوزة توقعات «رويترز» البالغة 3.300 تريليون دولار. ويُعزى هذا النمو إلى ضعف الدولار أمام العملات الرئيسية الأخرى وارتفاع قيمة الأصول المحتفظ بها ضمن الاحتياطيات. فقد ارتفع اليوان بنسبة 0.45 في المائة مقابل الدولار خلال يونيو، فيما تراجع الدولار بنسبة 2.7 في المائة أمام سلة من العملات الكبرى. الاستطلاع الذي أجراه بنك الشعب الصيني جاء قبل أيام من انتهاء مهلة الـ90 يوماً التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتعليق الرسوم الجمركية على واردات من عشرات الدول، وقبل شهر من انتهاء الإعفاء المؤقت على رسوم جمركية ثلاثية الأرقام على الصين. وفي هذا السياق، يبدو أن السلطات الصينية تستعد لاحتمال عودة التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، وتحاول عبر أدواتها المالية الحفاظ على استقرار اليوان ومنع موجات مضاربة أو تدفقات رأسمالية خارجة قد تؤثر على السوق. من جانب آخر، فإن الصعود الحاد للذهب وارتفاع احتياطيات النقد الأجنبي يعكسان استراتيجية واضحة من بكين لتنويع احتياطياتها وتعزيز قدرتها على مواجهة تقلبات الأسواق العالمية، لا سيما في ظل بيئة اقتصادية عالمية غير مستقرة ووسط مخاوف من ركود اقتصادي عالمي محتمل. وتشير تحركات البنك المركزي الصيني الأخيرة، سواء من خلال الاستبانات الموجهة إلى القطاع المالي أو عبر تكثيف شراء الذهب ورفع احتياطيات النقد الأجنبي، إلى سعي واضح لفهم وإدارة آثار ضعف الدولار على الاقتصاد الصيني. وفي ظل التقلبات التجارية والجيوسياسية المستمرة، تستعد بكين لتحصين اقتصادها بأدوات متعددة، تبدأ من إدارة سعر الصرف، ولا تنتهي عند تعزيز المخزون الاستراتيجي من الأصول. ويبقى السؤال مطروحاً: هل سيكون اليوان قادراً على الحفاظ على استقراره في مواجهة ضغوط الدولار المتراجع؟ الإجابة ستعتمد على تطورات الأسابيع المقبلة، خصوصاً فيما يتعلق بالقرارات الأميركية المرتقبة بشأن الرسوم الجمركية، وتوجهات السياسة النقدية في البلدين.

سعورس
منذ 23 دقائق
- سعورس
مكاسب النصر من رحيل دوران إلى فنربخشة
وجاء هذا القرار رغم تحمل نادي النصر راتب اللاعب بالكامل طوال الموسم الذي سيقضيه في النادي التركي. وبحسب التقارير فإن نادي النصر يجني 4 ملايين دولار كربح من صفقة انتقال جون دوران على سبيل الإعارة. تكلفة الاعارة هي 14 مليون دولار بينما يتحمل النصر راتب اللاعب المقدر ب 10 ملايين دولار مما يعني حصول النصر على صافي ربح 4 ملايين دولار من الصفقة بالإضافة لاستعادة اللاعب بعد نهاية الموسم المقبل.


قاسيون
منذ 2 ساعات
- قاسيون
ترامب: إنشاء حزب ثالث في أمريكا «مثير للسخرية»
وفي تصريحات سابقة يوم الأحد، انتقد ترامب محاولات ماسك لتأسيس حزب سياسي جديد، واصفاً الخطط بأنها "سخيفة"، محذراً من أن ماسك "قد يضطر للعودة إلى جنوب أفريقيا" - مسقط رأسه - في حال توقف الدعم الحكومي لشركاته. وأضاف ترامب: "أعتقد أن إنشاء حزب ثالث أمر مثير للسخرية. لقد حققنا أنا والحزب الجمهوري نجاحاً كبيراً"، مؤكداً أن الولايات المتحدة "اعتمدت دائماً على نظام الحزبين". يأتي هذا بعد أن أعلن ماسك - بناءً على استطلاع رأي أجراه على منصة "إكس" - عن نيته تأسيس حزب جديد باسم "أمريكا"، محذراً من أن "الإنفاق المفرط والفساد يدفعان الولايات المتحدة نحو الإفلاس"، واصفاً النظام السياسي بأنه "نظام الحزب الواحد وليس ديمقراطياً". وتصاعدت المواجهة بين الرجلين علناً عبر وسائل التواصل بعد استقالة ماسك في 5 حزيران، حيث ادعى ماسك أن ترامب "لن ينجح في انتخابات 2024 بدون دعمه"، كما أيد محاولات عزل ترامب، وانتقد مشروع قانون رفع سقف الدين العام الأمريكي بمقدار 5 تريليونات دولار.