
ليبيا.. "سنوات الانقسام" ترسم خريطة معقدة في انتظار حل سياسي
تعيش ليبيا منذ الإطاحة بالزعيم الراحل معمر القذافي في عام 2011، وضعاً سياسياً معقداً، ونزاعات مسلحة متكررة، أفضت إلى مؤسسات مفككة، وانقساماً سياسياً عميقاً، وصل إلى كل مناحي الدولة، إذ يكاد لا تنجو منها أي مؤسسة.
وتتواجد حكومتان متنافستان بليبيا، الأولى في طرابلس غرباً، ويرأسها عبد الحميد الدبيبة، وهي الحكومة التي أقالها البرلمان، لكن تعترف بها الأمم المتحدة، والثانية في مدينة بنغازي بالمنطقة الشرقية، برئاسة أسامة حمّاد، وتحظى بدعم البرلمان الذي يرأسه عقيلة صالح، وقائد الجيش المشير خليفة حفتر.
ولم يقتصر الانقسام على الأجسام التنفيذية والتشريعية، بل طال المؤسسة الوطنية للنفط، التي ظلت منقسمة لسنوات بين شرق البلاد وغربها، قبل أن يعاد توحيدها مع تشكيل حكومة "الوحدة الوطنية".
كما انتقل الانقسام إلى مصرف ليبيا المركزي، الذي حاول مجلس النواب تكليف رئيس بديل له عدة مرات لكنه باء بالفشل، مع تمسك محافظه السابق الصديق الكبير بمنصبه، وانتهت العملية لتكليف نائبه علي الحبري برئاسة المصرف الذي ظل بمقرين لسنوات، قبل أن ينهي حوار جنيف هذا الانقسام أيضاً، لتقوم لاحقاً حكومة الوحدة بإقالة الكبير وتكليف الناجي عيسى محافظاً للمصرف.
وتنقسم كذلك مؤسسة ديوان المحاسبة، برئاسة خالد شكشك، في طرابلس، فيما يرأس الديوان في مدينة البيضاء شرق البلاد، عمر البرعصي. أما مؤسسة الرقابة الإدارية، فيرأسها في طرابلس عبد الله قادربوه، فيما يرأسها في بنغازي عبد السلام الحاسي.
وتستعرض "الشرق" أبرز محطات الأزمة الليبية منذ سقوط القذافي وحتى احتجاجات الأيام الأخيرة التي شهدتها العاصمة طرابلس، كما يرسم خبراء ما يمكن أن تفضي إليه تداعيات الوضع الراهن على البلد الذي أنهكه الصراع.
بداية الأزمة
بعد اندلاع الاحتجاجات ضد الرئيس الراحل معمر القذافي في فبراير عام 2011، سرعان ما تحولت الانتفاضة لصراع مسلح، تدخل فيه حلف شمال الأطلسي "الناتو" بعد نحو شهر، واستمر الصراع إلى أكتوبر من ذات العام.
ولقي القذافي مصرعه على يد القوات المناوئة له، وصاغ معارضوه حينها إعلاناً دستورياً، سيظل الوثيقة الأهم في البلاد منذ عام 2011.
وأنشأت المعارضة منذ بداية الاحتجاجات مجلساً انتقالياً، شكّل بدوره حكومة مصغرة يرأسها محمود جبريل تحت مسمى "المكتب التنفيذي"، لإدارة المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، طيلة فترة الانتفاضة، قبل أن يستقيل جبريل وإدارته، ويشكل المجلس حكومة جديدة برئاسة عبد الرحيم الكيب.
واستمر المجلس وحكومته في الحكم لأقل من عام، لينظم بعدها انتخابات في يوليو 2012، أفضت إلى انتخاب المؤتمر الوطني العام، وهو مجلس تشريعي من 200 مقعد.
ومنذ تشكيل المجلس الوطني على خلفية الاحتجاجات، حكم المجلس ليبيا بموجب إعلان دستوري مؤقت، صدر عام 2011، وعُدل لاحقاً، لينظم عمل المؤتمر الوطني العام، حتى الوصول إلى دستور دائم يحكم البلاد.
ووفق الإعلان الدستوري، يجب أن يصدر المجلس الوطني قانوناً لانتخاب المؤتمر الوطني العام، ويعين مفوضية للانتخابات، وينظم انتخابات خلال 8 أشهر.
أما المؤتمر الوطني العام، فقد نص الإعلان الدستوري، على أنه يجب أن يعين حكومة مؤقتة، تدير شؤون البلاد، وأن ينتخب هيئة تأسيسية لصياغة دستور دائم للبلاد من 60 عضواً، على أن يجري ذلك في مدة لا تتجاوز 30 يوماً من أول اجتماع له، وأن تنتهي الهيئة بدورها من صياغة الدستور في أقل من 4 أشهر.
خلافات سياسية
ولم يسر الجدول الزمني المقترح في الإعلان الدستوري وفق المخطط، وبدأت الانقسامات السياسية تقود البلاد نحو أزمة سياسية، ستتحول لاحقاً إلى معارك عسكرية، ووضع معقد شرقاً وغرباً.
وعقب انتخاب المؤتمر الوطني، عرقلت الخلافات السياسية انتخاب رئيسٍ جديد للحكومة، خصوصاً بعد عدم منح الثقة لمحمود جبريل، رئيس "تحالف القوى الوطنية"، الذي فاز حزبه بأغلبية في مقاعد الأحزاب، لكنه خسر تصويت الثقة بصوتين مقابل منافسه مصطفى بوشاقور، الذي رغم فوزه بحق تشكيل الحكومة لم تنل حكومته الثقة، وانتقلت حينها إلى علي زيدان.
واستمرت هذه الصراعات داخل المجلس المشكّل حديثاً بشأن عدة ملفات، من بينها وضع المجموعات المسلحة، وتشكيل جيش وطني، وقانون "العزل السياسي" للمشاركين في نظام القذافي، وعدم الالتزام بالمواقيت الدستورية.
وولّدت مسألة عدم الالتزام بالمواقيت، موجة احتجاجات تحت شعار "لا للتمديد"، ما ضغط على المجلس لتشكيل هيئة تأسيسية لصياغة الدستور، وتحديد موعد لـ"انتخابات برلمانية".
وانتخب الليبيون في فبراير 2014، الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، وهي هيئة مكونة من 60 عضواً، تمثل أقاليم البلاد الثلاثة (شرق، وجنوب، وغرب)، منوط بها كتابة دستور دائم للبلاد، وفق الإعلان الدستوري في 2011.
كذلك، أقر المؤتمر الوطني، انتخاب مجلس للنواب في يونيو من ذات العام، وحينها جرت الانتخابات في 25 يونيو 2014، وجرى انتخاب أعضاء مجلس النواب.
نقطة تحول
يعد عام 2014 مفصلياً في تاريخ ليبيا، فنفس العام الذي شهد انتخاب هيئة الدستور ومجلس النواب، شهد إطلاق عمليتين عسكريتين، في شرق البلاد وغربها، بتوجهات سياسية مختلفة، أفضت إلى انقسام عميق في البلاد، لا يزال قائماً حتى اليوم.
وفي مارس 2014، حجب المؤتمر الوطني العام الثقة عن رئيس الحكومة علي زيدان، وكلف وزير الدفاع حينها عبد الله الثني، ليغادر زيدان البلاد مستبقاً حجب الثقة، بسبب مخاوف من اعتقاله، بعد أن اختطفته مجموعات مسلحة قبلها بأشهر، في أكتوبر 2013، من محل إقامته بفندق كورنثيا وسط العاصمة.
سريعاً حاول المؤتمر الوطني، انتخاب رئيس حكومة بديل، ليتقدم عدد من المرشحين، من بينهم أحمد معيتيق الذي حصل على الثقة، لكن حكماً من المحكمة العليا أبطل التصويت، وأتاح للثني الاستمرار في رئاسة الحكومة.
وفي 16 مايو 2014، أطلق قائد الجيش الليبي خليفة حفتر، ما سماها "عملية الكرامة"، ضد عدد من المجموعات المسلحة، رداً على الاغتيالات المنظمة التي طالت ضباط الأجهزة النظامية في مدينتي بنغازي ودرنة شرقي البلاد، وبدأت المعارك على تخوم مدينة بنغازي، إلى أن انتقلت المواجهات إلى داخلها في أكتوبر من العام نفسه.
أما في العاصمة طرابلس، وبعد أقل من شهر على انتخاب مجلس النواب، هاجمت مجموعات مسلحة العاصمة، يغلب عليها الولاء لتنظيمات إسلامية، تحت مسمى "فجر ليبيا"، واستمرت المعارك وسط العاصمة الليبية لنحو شهرين، قبل أن تسيطر هذه المجموعات على العاصمة بالكامل.
في خضم المعارك، أعلن مجلس النواب الليبي تعذر عقد جلساته في العاصمة طرابلس، وتوجه إلى عقدها بمدينة طبرق، أقصى شرقي البلاد، رداً على ذلك، وبدعم من المجموعات المسلحة المسيطرة على العاصمة، أعاد عدد من أعضاء "المؤتمر الوطني العام" عقد مجلسهم، ودعوا ببطلان انتخاب مجلس النواب.
رئيس الحكومة المكلف حينها عبد الله الثني، توجه إلى شرق البلاد، ليدعمه مجلس النواب، وينتخبه رئيساً للحكومة، في حين شكّل المؤتمر الوطني العام حكومة بمسمى "حكومة الإنقاذ" برئاسة عمر الحاسي.
انقسام عسكري
هذا الواقع الجديد، والمعارك المتعددة في البلاد، أفرزت كذلك انقساماً عسكرياً حاداً في ليبيا، وبدأ الجيش الوطني معركة ضد ما وصفها بـ"المجموعات المتطرفة" في 2014، وبعد نحو 4 سنوات من القتال، فرض سيطرته على المنطقة الممتدة من الحدود المصرية شرقاً، وإلى تخوم مدينة سرت غرباً، ظلت المناطق التي يسيطر عليها الجيش تتوسع حتى شملت نحو ثلثي البلاد في الوقت الحالي، ما جعله رقماً مهماً في المعادلة الليبية.
وخلال المعارك فقد الجيش عدداً من قادته، وتراجع ظهور آخرين خلال السنوات اللاحقة، فيما ظلت قيادته بيد حفتر، ويرأس أركانه الفريق أول عبد الرازق الناظوري، فيما ترقى لرئاسة أركان القوات البرية الفريق الركن صدام خليفة حفتر.
وفي غرب البلاد، خلقت المعارك العسكرية المختلفة تحالفات بين المجموعات المسلحة، بدءاً من "فجر ليبيا" في عام 2014، ومن ثم "البيان المرصوص" ضد تنظيم "داعش" في 2016، وأخيراً "بركان الغضب" التي واجهت الجيش الوطني في معارك طرابلس عام 2019.
وهذه المجموعات التي نشأت منذ 2011 خلال المواجهات مع نظام القذافي، استمرت في وجودها بمسميات مختلفة، وشهدت اندماجات، أو معارك أدت إلى نهاية بعضها.
تبقى اليوم عدد من المجموعات الرئيسية أبرزها، المجموعة الموالية للدبيبة، وهم "اللواء 444 قتال" يقوده محمود حمزة ويرأس الاستخبارات العسكرية، و"اللواء 111 مجحفل" ويقوده عبد السلام الزوبي الذي يشغل منصب وكيل وزارة الدفاع، و"قوة العمليات المشتركة" ويرأسها اللواء عمر بوغدادة، و"جهاز الأمن العام والتمركزات الأمنية" ويقوده عبد الله الطرابلسي، شقيق وزير الداخلية المكلف عماد الطرابلسي، و"إدارة إنفاذ القانون" ويقوده اللواء عبد الحكيم الخيتوني، و"الكتيبة 55 مشاة" بقيادة معمر الضاوي، و"آمر قوة مكافحة الإرهاب" اللواء محمد الزين، فضلاً عن "قوة دعم المديريات" التي يقودها علي الجابري.
المجموعات المناوئة للدبيبة، أو التي لا تدين له بالولاء، وتشمل "جهاز الردع"، ويقوده عبد الرؤوف كارة، و"الأمن القضائي" بقيادة أسامة انجيم، فيما تتخذ "كتيبة رحبة الدروع" بقيادة بشير خلف الله، موقفاً محايداً من القتال.
ويتبع كل من "اللواء 444"، و"اللواء 111"، و"الكتيبة 55"، رسمياً للجيش الليبي الذي يرأس أركانه الفريق أول محمد الحداد، وهو واحد من عدد من العسكريين، الذين يدينون بالولاء للحكومة المقالة من البرلمان في طرابلس.
وتضم قواته عسكريين بارزين، مثل "آمر المنطقة العسكرية الغربية" اللواء أسامة جويلي، فيما تتوزع تبعيات المجموعات أخرى، على وزارة الداخلية، والمجلس الرئاسي.
وفيما يبرز قائد "الكتيبة 166" محمد الحصان، كشخصية لعبت دوراً مهماً بعد المحادثات برعاية الأمم المتحدة، في التواصل مع الجيش الوطني، إذ شكلت كتيبته، مع كتيبة "طارق بن زياد"، قوة مشتركة لتأمين مناطق في وسط البلاد، وهي المناطق التي تقع على التماس، بين نفوذ الحكومتين والقوتين العسكريتين.
"اتفاق الصخيرات"
ومع تشكيل حكومتين، وانعقاد مجلسين تشريعيين، واندلاع عمليات عسكرية بالعاصمة طرابلس وثاني أكبر مدن البلاد بنغازي، وانتشار مجموعات تنظيم "داعش" في مدن بنغازي ودرنة وسرت، مستغلة الانهيار الحاصل في الدولة، وصلت الأزمة السياسية لطريق مسدود، ودخلت على الخط الوساطات الدولية عبر مفاوضات برعاية أممية.
وقادت جهود المفاوضات بين الفصائل الليبية و"البعثة الأممية للدعم في ليبيا"، وهي هيئة دولية شكلتها الأمم المتحدة لدعم الجهود السياسية في البلاد التي وقعت تحت الفصل السابع في 2011، لكن البعثة اكتسبت زخماً مع تعمق الخلافات السياسية، وعقدت جلسات بين ممثلي الفرقاء في مدينة غدامس الليبية، وعدد من الدول، إلى أن توجت باتفاق "الصخيرات" في ديسمبر 2015.
وأفضى "اتفاق الصخيرات"، إلى تشكيل حكومة "الوفاق الوطني"، ومجلس رئاسي مكون من 9 أشخاص، يمثلون أقاليم البلاد، وقوى سياسية مختلفة. وقنن كذلك قنن بقاء مجلس النواب، وعودة المؤتمر الوطني العام الذي تحول إلى مسمى جديد وهو المجلس الأعلى للدولة.
تعثر الاتفاق
رغم توقيع "اتفاق الصخيرات" في المغرب، وتشكيل "حكومة الوفاق"، إلا أن الأوضاع العسكرية على الأرض فرضت كلمتها، فلم يتمكن رئيس "حكومة الوفاق" فائز السراج، من استلام مهامه في طرابلس إلا في مارس 2016، كذلك لم يقر مجلس النواب في طبرق الحكومة رسمياً، وظلت الحكومة التي يدعمها برئاسة عبد الله الثني مستمرة في مهامها، ما عمق الأزمة، وأبقى البلاد تحت ظل حكومتين.
ودخلت حكومة السراج إلى طرابلس، بدعم من مجموعات مسلحة محلية موالية لها، وخرجت بذلك "حكومة الإنقاذ" المدعومة من المؤتمر الوطني العام التي حاولت العودة مرة أخرى في أكتوبر من ذات العام، لكن بعد معارك قصيرة فشلت في إزاحة "حكومة الوفاق".
وفي الجانب الآخر من البلاد، استمرت "عملية الكرامة" العسكرية، وأضفى عليها مجلس النواب شرعية، بدعمه لتعيين خليفة حفتر قائداً عاماً للجيش، وترقيته إلى رتبة مشير، ليسيطر الجيش خلال عامي 2017 و2018 على مدينتي بنغازي ودرنة، ويعلن هزيمة "داعش" والمجموعات الموالية لها.
وفي المقابل، أعلنت "حكومة الوفاق"، بعد نحو شهر على توليها السلطة، معركة لتحرير مدينة سرت من قبضة "داعش"، تحت مسمى "البنيان المرصوص"، لتستمر المعركة حتى ديسمبر من ذات العام، وتعلن الحكومة استعادتها المدينة.
عودة الحرب
ظل الانقسام الحكومي والمؤسساتي واقعاً في البلاد إلى عام 2019، برغم المحاولات المستمرة لعقد اتفاق بين قائد الجيش المشير خليفة حفتر، ورئيس "حكومة الوفاق" فائز السراج، الرجلين اللذين صارا محوريين في شرق البلاد وغربها، بدعم عمليات عسكرية ضد "داعش" والمجموعات المتطرفة، لكن هذه المحاولات جميعها تعثرت، ما أدى إلى تصاعد التوتر مرة أخرى.
وفي أبريل 2019، أطلق الجيش الليبي عملية عسكرية، قال إن هدفها تخليص العاصمة طرابلس من المجموعات المسلحة، في المقابل اتهمت المجموعات المسلحة الجيش برغبته في تحويل البلاد إلى حكم عسكري.
واستمرت المواجهات بين الطرفين لأكثر من عام، قبل أن يهدئها تدخل دولي جديد، ويُعلن الاتفاق على وقف إطلاق النار في أكتوبر 2020.
وفي مطلع عام 2021 وبدعم أممي، اجتمعت هيئة للحوار الوطني في جنيف، تشكلت من 75 ممثلاً لفئات ليبية مختلفة لصياغة اتفاق جديد، أفضى إلى انتخاب سلطة تنفيذية، مشكلة من مجلس رئاسي بـ3 شخصيات يمثلون أقاليم البلاد المختلفة، وحكومة منفصلة، على أن تمهد هذه الحكومة لإجراء انتخابات رئاسية في ديسمبر 2021.
ورسمت هذه المعركة حدوداً جديدة لمناطق النفوذ في البلاد، فصار الجيش الليبي، يسيطر على ثلثي البلاد تقريباً، وأهم حاضرتين في الشرق والجنوب وهما بنغازي وسبها، فيما ظلت سيطرة "حكومة الوفاق" والجيش الخاضع لسلطاتها والمجموعات المسلحة الموالية لها، مستمرة على المنطقة الغربية من ليبيا، بداية من مدينة سرت وحتى الحدود التونسية غرباً.
أما عسكرياً، فقد تشكلت لجنة (5+5) العسكرية، بموجب حوار برلين في مطلع عام 2020، التي قادت لاحقاً التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر من ذات العام، وظلت اللجنة قناة للتواصل بين القوات العسكرية في شرق البلاد وغربها.
وترشحت عدد من القوائم لتولي السلطة التنفيذية، لتنتهي باختيار محمد المنفي رئيساً للمجلس الرئاسي، بعضوية موسى الكوني وعبد الله اللافي، فيما تم اختيار عبد الحميد الدبيبة رئيساً للحكومة التي سميت "حكومة الوحدة الوطنية"، وسلمت لها حكومتا "الوفاق" برئاسة فائز السراج، والحكومة المدعومة من مجلس النواب برئاسة عبد الله الثني.
تعذر الانتخابات
مر عام 2021 سريعاً في ليبيا، بعد أن شهد إنهاءً لانقسام سياسي استمر لسنوات، لكن بنهايته، تعذر إجراء الانتخابات، نتيجة خلافات سياسية عميقة، وتوجه عدد من المرشحين للقضاء لإبطال ترشح منافسين لهم، ما أفضى إلى إلغائها، وعودة الانقسام السياسي.
مع تعثر الانتخابات، أعلن مجلس النواب الليبي، انقضاء فترة حكومة "الوحدة الوطنية" وأقال رئيسها عبد الحميد الدبيبة، ودعا لتشكيل حكومة جديدة، سرعان ما شكلها برئاسة فتحي باشاغا.
وفي المقابل، لم يعترف الدبيبة بقرار الإقالة، وظل يمارس مهامه من طرابلس وفي ذات المناطق التي كانت تسيطر عليها "حكومة الوفاق" سابقاً.
ومع محافظة مجلس النواب لسنوات على انعقاده في مدينة طبرق، قبل أن ينتقل بعدها إلى بنغازي، شهد بعض المحاولات من أعضائه لعقد جلسات موازية في طرابلس وغدامس ومدن أخرى، لكن لم تسفر هذه المحاولات عن مجلس بديل.
واستمر المجلس الأعلى للدولة، وهو الذي يندرج أغلب أعضائه من المؤتمر الوطني العام أو أعضاء بدلاً عن الذين رفضوا الانضمام إلى المجلس في انعقاده الجديد، حتى اصطدم بخلاف قانوني بشأن انتخاب رئيسه في أغسطس 2024.
إذ شهدت انتخابات على رئاسة المجلس، تنافساً بين خالد المشري، ومحمد تكالة، لكن خلافاً قانونياً بشأن صحة الانتخابات دفع كلاً من الرجلين إلى زعم الفوز برئاسة المجلس، والتعامل بهذه الصفة منذ ذلك الحين.
وأشار الباحث السياسي إبراهيم أبو القاسم، إلى أن "الانقسام في ليبيا بدأ من رأس السلطة التنفيذية، وانعكس على باقي الإدارات والمؤسسات"، مضيفاً أن "حالة بقاء مجلسي النواب والدولة، صارت مشكلة في المشهد السياسي، لأنهما صارا أدوات تأزيمية، فهما لا يلتزمان بالاتفاق السياسي".
مقترح أممي
وكانت البعثة الأممية شكلت لجنة استشارية من 20 شخصية قانونية ودستورية ليبية، في 4 فبراير الماضي، لتقديم مقترحات وخيارات فنية لمعالجة القضايا الخلافية التي تعيق مسألة إجراء الانتخابات.
وقال المكتب الإعلامي التابع لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، لـ"الشرق"، إن اللجنة الاستشارية قدمت تقريرها إلى البعثة، واقترحت إطاراً زمنياً من 6 أشهر للتوصل إلى خارطة طريق جديدة للدفع قدماً نحو الانتخابات مع مختلف الأطراف.
ولفت المكتب الإعلامي إلى أن اللجنة الاستشارية اقترحت حزمة من الضمانات التي أوصت بأن يتفق عليها جميع الأطراف في التسوية السياسية المرتقبة، ومن ضمنها، ربط مهام المرحلة الانتقالية بآجال زمنية محددة، ووضع آليات بديلة لإنهاء ولاية المؤسسات الانتقالية في حالة فشل التوصل إلى توافق أو التراجع عن الالتزامات.
وأوضح أن البعثة الأممية "تواصل عقد مشاورات عامة حول الخيارات المقدمة من اللجنة الاستشارية مع الأطراف السياسية وجميع مكونات المجتمع الليبي لتعزيز التوافق على خارطة طريق ليبية وتحظى بقبول واسع".
وأضاف المكتب الإعلامي أن البعثة الأممية عازمة على اتباع نهج تدريجي يسعى لضمان الحفاظ على الاستقرار وتوحيد مؤسسات الدولة وتعزيزها وتجديد شرعيتها.
"المرجعية الدستورية"
كل الأطراف في المشهد السياسي الليبي، تستند في بقائها إلى تفسيرات قانونية أو دستورية، وتعتمد على شرعية انتخابية، أو دعم جسم منتخب، لكن الكاتب الصحافي عيسى عبد القيوم، يرى أن "لا ورقة دستورية ذات قيمة باستثناء الإعلان الدستوري"، وأن الباقي "اتفاقات سياسية لها تاريخ نهاية".
وأشار إلى أن "ديباجة اتفاق الصخيرات تؤكد على أن مدته عامين، فيما بقيت حكومة الوفاق المنبثقة عنه 6 سنوات. واتفاق جنيف مدته 18 شهراً، فيما تدخل حكومة الوحدة الوطنية عامها الرابع".
من جانبه، يرى الكاتب والباحث السياسي إبراهيم أبو القاسم، أنه "لا يوجد أي مرجع سياسي ودستوري إلا الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات في 2015".
ويُرجع أبو القاسم ذلك، إلى أن "مجلس النواب الليبي عندما اُنتخب في 2014، كان دستورياً يجب أن يستمر لعام واحد، ولا يمدد إلا باستفتاء، وهو لم يجره في حينه".
وكذلك الأمر بالنسبة للمؤتمر الوطني العام، الذي تحول إلى المجلس الأعلى للدولة، فيما ذهبت هذه الأجسام إلى الاتفاق السياسي، وأعطى الاتفاق مجلس النواب سلطة إصدار القوانين وإقرارها، ومجلس الدولة سلطة المساهمة في صياغتها وإرسال مشاريع ومسودات القوانين إلى النواب لاعتمادها.
إلى أين تتجه الأمور؟
"جميع الأجسام السياسية في ليبيا انتهت عُهدها الدستورية"، وفقاً لعبد القيوم، الذي يرى أن المخرج اليوم هو "الذهاب إلى مؤتمر تأسيسي" ينهي كافة الأجسام الموجودة في الساحة السياسية الليبية، وأن يؤدي ذلك للاتفاق على دستور، وتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية.
وأشار عبد القيوم إلى حاجة ما وصفه بـ"الجسم السياسي الجديد" إلى "فترة انتقالية"، مقترحاً أن يكون مقره في مدينة سرت "للإفلات من كماشة الميليشيات" في العاصمة طرابلس، وأن تكون بمراقبة بعثة الأمم المتحدة، وبحماية اللجنة العسكرية المشتركة "5+5".
وتضم اللجنة العسكرية المشتركة 5 أعضاء من المؤسسة العسكرية في غرب ليبيا، و5 من الجيش الليبي الذي يقوده المشير خليفة حفتر، وهم يجرون حواراً منذ أكثر من عامين، بهدف توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا.
ويكرر الكاتب والباحث السياسي، إبراهيم أبو القاسم، مقترح "المجلس التأسيسي"، الذي ورد ضمن توصيات لجنة استشارية تابعة للأمم المتحدة، مشيراً إلى أنه "قد يكون مخرجاً من أزمة الانقسام الحالية في البلاد".
وذكر أبو القاسم، أن خطة أخرى مطروحة في الأوساط السياسية، وهي أن "يدعو المجلس الرئاسي لطاولة حوار سياسي، ويجمع فيها الأطراف، ويشكل من هذه الطاولة مرجعية سياسية لمراسيمه الرئاسية، التي تذهب لحل مجلسي النواب والدولة، ويصبح هو من يدير العملية إلى حين الذهاب لانتخابات".
وأشار إلى أن هناك مقترحاً أميركياً، ينص على إنشاء سلطة سياسية وتنفيذية وأمنية عسكرية موحدة في البلاد، "لكن آلياته وتفاصيله، قد لا تكون واضحة لدى الليبيين".
وأضاف: "الولايات المتحدة كانت تقول إن وجودها فعال في ليبيا وليس فعلي، لكن يبدو أن هناك توجهاً أميركياً لتغيير ما، وهذا ما رأيناه منذ أشهر في المناورات التي قامت بها القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا (أفريكوم) منذ أشهر، وهذا يشي بأن هناك تركيزاً أكبر من واشنطن تجاه ليبيا".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 4 ساعات
- الشرق الأوسط
مدن السلاح
هناك مدينتان تحملان اسم طرابلس؛ الأولى في ليبيا، وتسمى «طرابلس الغرب»، لتميزها عن طرابلس الثانية في لبنان. وكانت تُعرف بطرابلس الشام. الأولى كبرى مدن ليبيا. الثانية ثاني أكبر مدن لبنان. كلتاهما على المتوسط. كلتاهما الآن في خوف من فوضى مريعة، سببها الأخطر والأهم، السلاح. يتراوح خطر السلاح بين المدينتين والبلدين، لكنه العنصر الأساسي في تصاعد الخراب وتفاقم الكارثة. وفي الحالتين، كلما قوي السلاح ضعفت الدولة، أو العكس. لكن الفارق أن طرابلس الأولى قلب ليبيا، وطرابلس لبنان مهمشة منذ الاستقلال، وتبدو بعض مناطقها مثل قندهار. ربما هناك شاطر يعرف على ماذا يتصارع اللبنانيون، لكن لماذا، أو على ماذا، ينجرف الليبيون نحو القتال الأهلي؟ وماذا يحملهم على قصف بعضهم بعضاً، وتهجير المدينة الجميلة؟ على ماذا يتحارب الليبيون وهم يملكون واحداً من أكبر وأغنى بلدان الأرض؟ تقريباً بحجم غرينلاند. ولكن من دون نفنافة ثلج، أو قطعة جليد، وبطقس من أكثر المناخات اعتدالاً. أرض وبحر ونفط للجميع، فلماذا عجز وسطاء العالم عن إقامة حكومة عادية؟ من أين يتدفق كل هذا السلاح على شوارع طرابلس؟ كان الأخ القائد يريد توحيد الوطن العربي الكبير، حيث فشل مثل عبد الناصر، وانتهى يصرخ في وجه 6 ملايين ليبي: «من أنتم؟!». لم تدمر محنة «الربيع العربي» الأمة فحسب، بل بدّدتها تحت وطأة السلاح: سوريا، والعراق، واليمن، ولبنان. ونجت تونس من هذا المصير؛ لأن زين العابدين بن علي تعقّل، وخرج باكراً. ولأنه اختار بلداً لا يريد تشجيع الأبطال على تمزيقه إرباً تحت شعارات صدئة، مملة، وتفوح منها روائح الاجترار والعفن والفساد. إذا تفشى السلاح في ليبيا الآن، فأي قوة تستطيع لمّه أو استرجاعه؟ وكما يقال دائماً، الخوف ليس على ليبيا وحدها في هذه الساحة الجديدة، بل على تونس ومصر. مع قلق لا مفر منه في ساحة المغرب. جميع الأحداث الأخيرة في ليبيا، لها طابع واحد: استقواء السلاح غير الشرعي، وتهاوي السلطة المركزية. وليس اكتشافاً القول إن في الصراع بين السياسة والمسدس، تصبح المرجعية عند صاحب الزناد. مهاجمة البرلمان في طرابلس «الغرب»، وازدراء المؤسسات الحكومية الأخرى، إشارة سيئة جداً إلى المرحلة التي وصلت إليها البلاد بعد عقد من التفكك، لم يضع له أحد حداً.


الشرق الأوسط
منذ 6 ساعات
- الشرق الأوسط
تونس بين اضطرابات ليبيا وأزمات الجزائر
خرجت تونس عن تحفّظها المعهود عند اندلاع أزمات أمنية وسياسية في ليبيا وبلدان الجوار، وبادر وزير خارجيتها محمد علي النفطي إلى إصدار بلاغ رسمي وصف المستجدات الأمنية في العاصمة الليبية بـ«الخطيرة». وكشف البلاغ التونسي عن تخوّفات من مضاعفات التصعيد الأمني والسياسي في ليبيا على تونس والمنطقة، وأيضاً على عشرات آلاف العمال والتجار التونسيين وأكثر من مليون من المهاجرين الأفارقة المقيمين في ليبيا. ومن جانبه، عرض الرئيس التونسي قيس سعيّد، في كلمة ألقاها نيابة عنه النفطي في القمة العربية ببغداد، أن تستضيف تونس مجدّداً حواراً ليبياً - ليبياً بإشراف بعثة الأمم المتحدة لاحتواء الأزمة الجديدة، مع توقع توسع رقعة تأثيرها، وتسببها بإرباك أكبر للأوضاع في تونس والمنطقة... اقتصادياً وأمنياً وسياسياً. بالتوازي مع التخوّف التونسي من التداعيات المقلقة للوضع في ليبيا، تتعاقب مؤشرات على «تعقيدات جديدة» في علاقات الجزائر مع الدول المجاورة. إذ صرح أحمد عطّاف، وزير خارجية الجزائر، عند زيارته تونس، بأن «الأوضاع في البلدان المحيطة بتونس والجزائر إقليمياً ودولياً لا تبشر بالخير»، وهذا في إشارة إلى تضخم أعداد المهاجرين من أفارقة جنوب الصحراء المتسللين إلى الجزائر وتونس، والتوترات الأمنية في علاقات الجزائر بعدد من الدول المجاورة لها وبقيادات مسلحة في ليبيا، بعضها مرتبط بروسيا من جهة، وبعضها الآخر بفرنسا وحلفائها الإقليميين. من جهة ثانية، توقّعت تقارير اقتصادية وأمنية إقليمية وتونسية جديدة أن يؤثّر التصعيد الجديد داخل ليبيا، وأيضاً أزمات الجزائر مع جيرانها، سلباً على اقتصاد تونس الذي يعتمد منذ عقود على مداخيل تأتي من إنفاق بين 4 و 6 ملايين سائح ليبي وجزائري، يزيد سنوياً بأضعاف على إنفاق الـ6 ملايين سائح أوروبي. وفي هذا السياق، رحّب خبراء تونسيون وليبيون، بينهم الخبير في الشؤون الاقتصادية الأفريقية عبد الرحمن الجامعي، بـ«الخطوة العملية الأولى» التي اتخذتها تونس بعد اندلاع الأحداث الدامية في طرابلس والمنطقة الغربية لليبيا، وهي إعادة فتح قنصليتها العامة في بنغازي والمنطقة الشرقية، التي أغلقتها عام 2014 بعدما هاجمها مسلحون مجهولون. لاجئون أفارقة على شواطئ تونس يسعون للهجرة إلى اوروبا (آ ب) وفسّر غازي معلّى، الخبير التونسي في الشؤون الليبية، هذه الخطوة بوجود «إرادة في تونس لتطوير علاقاتها مع المنطقة الشرقية في ليبيا» بعد أكثر من 10سنوات من تعاونها أساساً مع «حكومة الوحدة الوطنية» في طرابلس المعترف بها دولياً، في تناسق مع موقف الجزائر التي دخلت مراراً في خلافات سياسية وأمنية مع قوات «الجيش الوطني الليبي» بقيادة خليفة حفتر. أيضاً، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قال الدبلوماسي عبد الله العبيدي إن «إعادة فتح القنصلية التونسية في بنغازي في هذه الظروف رسالة تطمين لكل الأطراف الليبية، التي دعتها تونس لتنظيم حوار سياسي في تونس على غرار الحوارات السابقة التي أسفرت عن تشكيل حكومتي فايز السرّاج عام 2016 ثم عبد الحميد الدبيبة عام 2021». ورحب وزير خارجية ليبيا السابق في حكومة الشرق الليبي محمد الدايري في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بإعادة فتح تونس قنصليتها في المنطقة الشرقية «التي تربطها بتونس رحلات جوية دورية مكثفة، تمتد لساعة واحدة، ومصالح تجارية واقتصادية عديدة». في المقابل، حذّر عدد من الخبراء والمراقبين في البلدين من السيناريوهات السلبية بالنسبة لتونس بعد اندلاع الأزمة الأمنية والسياسية الجديدة في المنطقة الغربية لليبيا، التي تتشارك مع جنوب شرقي تونس بحدود طولها 460 كلم، ومع الجزائر بحدود طولها 980 كلم، بينما يبلغ طول الحدود البرية التونسية الجزائرية نحو 965 كلم. هذا الشق الجغرافي ضاعف مخاوف عدد من الساسة التونسيين، بينهم فاطمة المسدي، البرلمانية القريبة من السلطات، التي حذّرت مراراً من «زحف عشرات آلاف المهاجرين غير النظاميين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس عبر ليبيا والجزائر». كذلك طالب عدد من الساسة والإعلاميين بإغلاق الحدود مؤقتاً مع ليبيا تحسباً لزحف الآلاف إلى الجنوب التونسي هرباً من الاقتتال في ليبيا، بمن فيهم أعداد من المهاجرين الأفارقة الفارين من حروب السودان وتشاد ومالي وكوت ديفوار. وبالمناسبة، أفاد تقرير «المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية»، وهو منظمة غير حكومية، بأن أكثر من نصف المهاجرين واللاجئين من دول أفريقيا جنوب الصحراء يعيشون داخل تونس في «ظروف صعبة»، لا سيما في محافظة صفاقس الساحلية التي هي النقطة الأقرب للسواحل الإيطالية والأوروبية. وأكد التقرير أن «أكثر من 60 في المائة من المهاجرين وصلوا إلى تونس بطريقة غير نظامية عن طريق الحدود البرية مع الجزائر، وأكثر من 23 في المائة دخلوا برّاً عن طريق ليبيا». هذا، وبعد شهر واحد من إعلان الناطق باسم الأمن التونسي، العميد عماد مماشة، عن بدء «رحلات إجلاء جوية طوعية» لمجموعات من المهاجرين الأفارقة من بلدان جنوب الصحراء نحو مواطنهم، أعرب برلمانيون تونسيون عن تخوفهم من أن يتسبب اندلاع الأزمة الحالية في ليبيا في مزيد تعقيد ملف الهجرة غير النظامية بأبعاده الأمنية والاجتماعية والاقتصادية. وسجّل هؤلاء أن هذا الملف غدا «قنبلة موقوتة» على الرغم من الوعود التي قدّمتها الحكومة الإيطالية وعواصم غربية لتونس، ومنها «تقديم دعم مالي واقتصادي» يفوق الملياري دولار أميركي سنوياً مقابل مشاركتها في منع عشرات الآلاف من التسلل إلى أوروبا بحراً عبر السواحل والمياه الإقليمية التونسية. وهنا عدّ الحقوقي رمضان بن عمر أن تضخم أعداد المهاجرين الأفارقة من بلدان جنوب الصحراء في تونس، بسبب الاضطرابات الأمنية في دول الإقليم، «قد يزيد في إرباك السلطات التونسية، وجرّها إلى أزمة هي في غنى عنها بدلاً من تركيز جهودها على معالجة الأزمة الاقتصادية الداخلية». جدير بالذكر، أن تونس وقعت عام 2023 اتفاقاً مع مفوضية الاتحاد الأوروبي نصّ على منحها مساعدات مالية بقيمة 112 مليون دولار، وتعهدات بتشجيع استثمارات أوروبية ومشاريع تعاون في تونس قيمتها تفوق ألفي مليار دولار، مقابل منع السلطات الأمنية والعسكرية البرية والبحرية التونسية وصول المهاجرين غير النظاميين إلى السواحل الأوروبية. إلا أن الجانب الأوروبي لم ينفذ بعد معظم بنود هذا الاتفاق على الرغم من تكرار زيارات كبار المسؤولين الأوربيين إلى تونس. ومن ثمّ، توشك الأوضاع أن تزداد تعقيداً، في شكل فرار عشرات آلاف الليبيين والمهاجرين الأفارقة من بلدان جنوب الصحراء نحو تونس هرباً من الأزمة الجديدة في ليبيا وأزمات الجزائر مع «محيطها الإقليمي والدولي»، وفق تعبير وزير الخارجية الجزائري عطّاف، في تونس. وزير الخارجية الجزائري أحمد عطّاف (وكالة أنباء الأناضول) في الاتجاه نفسه، أعرب بعض الخبراء في العلاقات التونسية الليبية والتونسية المغاربية، بينهم الجامعي والإعلامي، رافع الطبيب، عن أن «المنطقة كلها باتت مهدّدة بأخطار أمنية واقتصادية... والأزمات الأمنية السياسية في ليبيا وضعت تونس وكامل المنطقة على صفيح ساخن». وحذّر، من ثم، من استفحال ظواهر تهريب البشر والسلع والمخدرات والأسلحة في المنطقة «بسبب تحكم ميليشيات مسلحة» في المشهد السياسي الليبي وفي المعابر الليبية البرية والجوية منذ 2011. هذه التصريحات تزكّي مخاوف الوزير عطّاف عندما قال: «الأوضاع المحيطة بتونس والجزائر إقليمياً ودولياً لا تبشّر بالخير»، وربطها بتوتر العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر ومالي وبوركينا فاسو والنيجر. وكانت هذه التحدّيات الأمنية والسياسية التي تواجهها المنطقة بشكل عام، والعلاقات بين تونس والجزائر بشكل خاص، وراء تنظيم نحو عشرين مقابلة بين وزيري خارجية تونس والجزائر خلال الأشهر القليلة الماضية، فضلاً عن تبادل الرسائل والمبعوثين بين وزيري داخلية البلدين والرئيسين قيس سعيّد وعبد المجيد تبّون. وفي أعقاب هذه التحركات أعلنت العاصمتان أكثر من مرة أنهما مع «حوار ليبي - ليبي لتسوية الأزمة دون تدخل أجنبي». وأكدتا أن «الجزائر وتونس في خندق واحد»، وأن التنسيق بينهما مستمر ولم ينقطع يوماً في مواجهة «الأزمات الأمنية في جوارهما الإقليمي». وزير خارجية الجزائر: الأوضاع في البلدان المحيطة بتونس والجزائر لا تبشر بالخير ولكن، على الرغم من التصريحات «المتفائلة»، تعدّدت المؤشرات على مواجهة كل من تونس وليبيا والجزائر ومحيطها الإقليمي صعوبات اقتصادية واجتماعية وسياسية إضافية. ولئن برّر الرئيس التونسي سعيّد والبلاغات الصادرة بعد اجتماعات قادة مجلس الأمن القومي «القرارات الاستثنائية» التي اتخذها منذ 25 يوليو (تموز) 2021 - بينها حلّ البرلمان والحكومة والمجلس الأعلى للقضاء - بـ«الخطر الداهم» الذي يواجه البلاد، فإن عدداً من المراقبين يربطون الأمر بالصراعات المعقدة داخل ليبيا من جهة، وبالاضطرابات داخل بلدان الساحل والصحراء الأفريقية والبلدان المغاربية، من جهة ثانية. وبالفعل، تسبّبت الصراعات والاضطرابات بمضاعفة الإنفاق العسكري والأمني بالنسبة لتونس وبلدان الجوار. وحرمت تونس من ملايين السياح الجزائريين والليبيين الذين كانوا طوال العقود الثلاثة يتدفقون عليها سنوياً، ويساهمون في إدخال ديناميكية كبيرة على اقتصادها، وتحسين ظروف عيش ملايين الفقراء والمهمشين من سكان المحافظات الجنوبية والغربية المتاخمة لحدود ليبيا والجزائر. أيضاً، يدعم هؤلاء السياح بصورة مباشرة وغير مباشرة جهود تخفيف العجز التجاري للدولة التونسية عبر مساهمتهم في تسويق كم هائل من المنتوجات التونسية في ليبيا والجزائر، وتوريد المحروقات ومواد مصنعة وأخرى استهلاكية مدعومة للسوق التونسية بأسعار منخفضة، مع مقايضة بعضها بسلع وطنية أو بيعها بالعملات المحلية. إلا أن هذه المبادلات في الاتجاهين ستكون في خطر وستتعثر حركة المسافرين والسلع ورؤوس الأموال إذا طالت مرحلة التوتر في ليبيا وتفاقمت أزمات الجزائر مع جيرانها. وللتذكير، سبق للرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون القول في لقاء مع إعلاميين جزائريين إن حكومته تعدّ «أمن تونس من أمن الجزائر» وبمثابة «القضية الأمنية الداخلية للجزائر». ولقد بيّنت تقارير السلطات ومؤسسات النفط والكهرباء التونسية والجزائرية والغاز أن الشراكة بين البلدين نجحت خلال الأشهر والسنوات الماضية في تأمين حاجيات الشعبين، مع «تسهيلات في الدفع». وأعلن الجانبان أن سلطات الجزائر تدخّلت مطلع العام الحالي لحل أزمة الغاز المنزلي التي عانت منها تونس، وسط ارتفاع الطلب المحلي نتيجة تدني درجات الحرارة وقتها. وقامت بخطوة مماثلة إبّان الصيف الماضي عندما تزايد الطلب على الكهرباء في جنوب غربي تونس بسبب ارتفاع استخدام التكييف واستهلاك الطاقة. وإضافة إلى ما سبق، منحت الجزائر ما بين عامي 2020 و 2022 قروضاً بشروط ميسّرة قيمتها 350 مليون دولار ومنحة قيمتها مائة مليون دولار ووديعة مالية بـ150 مليون دولار. لكن يبدو أن من بين نتائج اندلاع حروب ونزاعات إقليمية ودولية جديدة وارتفاع حدة التوتر بين الجزائر والرباط، تراجُع قيمة معاملاتها الاقتصادية والمالية مع تونس. مرّت العلاقات بين تونس وكل من ليبيا والجزائر بمراحل وجزر كثيرة، من بينها: - مطلع 1958: قصفت طائرات الاحتلال الفرنسية مناطق عند الحدود التونسية الجزائرية كانت تؤوي قيادة الثورة الجزائرية ومقاتليها بزعامة هواري بومدين. وكانت حصيلة قصف مدينة ساقية سيدي يوسف الحدودية مئات القتلى والجرحى، بينهم تلاميذ المدارس ونساء وعجائز في السوق الشعبية، إلى جانب وطنيين جزائريين. - في 12 يناير (كانون الثاني) 1974: وقع الرئيسان الحبيب بورقيبة ومعمر القذافي «اتفاقية وحدة» بين البلدين وتأسيس «الجمهورية العربية الإسلامية» بينهما، وطالبا الجزائر والمغرب بالانضمام إليها، غير أن المشروع أُجهِض في ظرف أيام بعد اعتراض غربي وإقليمي. - في 1978: ساند النظام الليبي انتفاضة النقابات التونسية يوم «الخميس الأسود» ضد حكم الحبيب بورقيبة ورئيس حكومته - حينذاك - الهادي نويرة. - في يناير 1980: هاجم كوماندوز تونسي مسلح، تدرّب في ليبيا والجزائر، جنوب تونس ودعا إلى التمرّد المسلح على نظام بورقيبة، إلا أنه فشل، خاصة بعد الدعم الذي لقيته تونس من الرباط وباريس وحلفائها الغربيين. - بين 1985 و1987 اندلعت أزمات أمنية وسياسية واقتصادية بين تونس وليبيا ساهمت في هزّ الوضع في تونس وتسهيل انهيار حكم بورقيبة ووصول زين العابدين بن علي إلى السلطة. - بين 1988 و2010: أسست السلطات التونسية علاقات متطوّرة مع النظامين الليبي والجزائري ساهمت في حفظ الأمن وتحسين الشراكات الاقتصادية. - بين 1991 و2000: دعمت تونس السياسات الأمنية للسلطات الجزائرية و«حربها على الإرهاب طوال العشرية السوداء». وفتحت تونس أبوابها لملايين المسافرين الجزائريين. - عام 2010 شهد توتر علاقات سلطات تونس بالنظام الليبي، ما ساهم في تعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وسقوط حكم بن علي. - منذ 2014 انحازت تونس إلى السلطات في طرابلس والمنطقة الغربية في ليبيا بعدّها الجهة الليبية «المعترف بها دولياً».


العربية
منذ 6 ساعات
- العربية
ليبيا.. مظاهرات مستمرّة تطالب بإسقاط حكومة الدبيبة
شارك مئات الليبيين،الجمعة، في مظاهرات وسط العاصمة طرابلس وعدد من مدن غرب البلاد، للمطالبة بتنحي حكومة الوحدة الوطنية، والتنديد بتغوّل المليشيات واعتدائها على مؤسسات الدولة. واحتشد المحتجون في ميدان الشهداء وسط العاصمة طرابلس وبمدن الزاوية وجنزور وسوق الجمعة، رافعين بطاقات حمراء ولافتات تطالب برحيل الحكومة ومحاسبتها ورفع الغطاء الدولي عنها، مقابل تشكيل أخرى بديلة تقود البلاد إلى انتخابات، كما رددّوا "الشعب يريد إسقاط الحكومة" وهتفوا بشعارات مناهضة لرئيسها عبد الحميد الدبيبة ومندّدة بالفساد وفوضى المليشيات. وهذه الجمعة الثالثة على التوالي، التي يخرج فيها المتظاهرين للمطالبة برحيل حكومة الوحدة الوطنية والحدّ من نفوذ المليشيات المسلّحة وإنهاء المرحلة الحالية، بينما لم تعلّق حكومة الدبيبة حتّى الآن على هذه المطالب. وبدأت هذه الاحتجاجات، منذ المواجهات المسلّحة التي شهدتها العاصمة طرابلس، والتي أعقبت مقتل عبد الغني الككلي رئيس جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي، وهي الخطوة التي تسبّبت في تصاعد الغضب الشعبي، حيث وجهّت اتهامات لحكومة الدبيبة بإثارة الفوضى وإشعال الحرب في العاصمة طرابلس وتقوية المليشيات المسلّحة. في المقابل، يقول الدبيبة، إنّ هذه الخطوة كانت "ضرورية وعملية عسكرية ناجحة لتخليص البلاد من سطوة المليشيات الخارجة عن القانون وعن الدولة". وتجري هذه الأحداث، فيما لا يزال الحلّ للأزمة الليبية غائبا، في ظلّ وجود مسارات متعدّدة ومتباينة، حيث يسارع البرلمان الخطى لتشكيل حكومة جديدة، بينما تعمل الأطراف في الغرب الليبي على تعزيز موقعها ونفوذها وتثبيت وجودها، في حين تدفع البعثة الأممية نحو إطلاق حوار سياسي للبحث عن حل توافقي، بعيدا عن الإجراءات الأحادية.