
عسكرة أوروبا
قبل مرور شهر على تنصيب «ترامب» رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، اتخذ الرجل عدة مواقف وقرارات تتعلق بالتحالف الغربى الأطلسي: الأمريكى الأوروبي؛ عدت فى مجملها انقلابا على هذا التحالف التاريخى المستقر منذ الحرب العالمية الثانية.
عكس هذا الانقلاب حقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية فى «الزمن الترامبي» قد أصبحت لديها رؤية تتناقض مع رؤى الدول الأوروبية الرئيسة حول الأمن الأوروبي. تجلت هذه الرؤية، التى سارع ترامب، وفى زمن قياسى لم يتجاوز الشهر، فى تفعيلها عمليا فى الآتي: أولا: نقد الداخل السياسى الأوروبى بلغة فجة. ثانيا: الإعلان عن ضرورة أن يتحمل الشريك الغربى الأطلسى الأورو بمسئوليته منفردا عن الأمن الأوروبى بزيادة الميزانيات الدفاعية الأوروبية المالية اللازمة. إذ إن الولايات المتحدة الأمريكية غير مستعدة أن تستمر فى دعمها ضمان أمن أوروبا على المستويين المادى والمالي. ثالثا: التواصل المباشر ـ التحريضى للتيار القومى المتشدد فى أوروبا ودعم دوره «التفكيكي» للتركيبة السياسية الأوروبية السائدة منذ الحرب العالمية الثانية.رابعا: الانفراد بالتعاطى مع أمن أوروبا ــ دون الأوروبيين ــ وذلك بالانخراط فى مفاوضات مباشرة ــ منفردة ــ مع روسيا للوصول إلى تسوية حول حرب الأخيرة مع أوكرانيا التى انطلقت قبل ثلاث سنوات.
ونتيجة للانقلاب الترامبى الذى اعتبره المراقبون تحولا تاريخيا فى جوهر العلاقة الأمريكية الأوروبية، دعت فرنسا عددا من القيادات السياسية الأوروبية لمناقشة مستقبل الأمن الأوروبى لما اعتبرته تهديدا وجوديا. وهو الاجتماع الذى عُرف «باجتماع باريس» وذلك لمناقشة ما يلي: أولا: كيفية مواجهة الانقلاب الأمريكي. ثانيا: كيف يمكن إعادة صياغة إستراتيجية الأمن الأوروبى المستقبلية فى ضوء التخلى الأمريكى الترامبى عن الاستمرار فى «ضمان الأمن الأوروبي»، انطلاقا مما تردد حول احتمالية أن تتخذ إدارة ترامب قرارا بالانسحاب من حلف شمال الأطلسى أو «الناتو».
ما ولد التشكك فى التزام الولايات المتحدة الأمريكية باتفاقيات الدفاع الجماعى حسب المادة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسى «الناتو» التى تنص على التآزر بين الدول الأعضاء للحلف إذا ما تعرضت إحدى الدول لاعتداء فإنه لزاما على باقى الدول المسارعة على صد هذا الاعتداء. وذلك إعمالا لعقيدة «الناتو»: «الواحد للكل والكل للواحد». توافق المجتمعون فى باريس على أن أوروبا تمر بمنعطف خطير ومن ثم عليها أن تواجه «التقويض الترامبي» للتحالف الغربى التاريخى أو ما وصفته دورية الجارديان الأسبوعية: «نقض العهد» Breach؛وما سيترتب عليه من ضرورة أن تعيد أوروبا بناء قدراتها العسكرية والأمنية بشكل مستقلremilitarization of Europe؛ أو ما بات يطلق عليه فى الأروقة السياسية والإستراتيجية الأوروبية خطة: «عسكرة أوروبا»؛ أو «إعادة تسليح أوروبا» Re – Arm Europe؛ وهى الخطة التى أعلنت عنها، قبل أسبوعين، السياسية الألمانية «أورسولا جيرترود فون دير لاين» رئيسة المفوضية الأوروبية فى نص يقع فى 22 صفحة عنوانه: ورقة بيضاء للدفاع ــ الاستعداد الأوروبى White paper for European Defence – Readiness؛ تنطلق الخطة، بالأساس، من التوافق الأوروبى على بلورة إستراتيجية أمنية أوروبية مستقلة ــ تعوض الغياب الأمريكى تدعم استعداداتها الصناعية والتكنولوجية والبشرية فى مجال العسكرة المستقلة لحماية المصالح الحيوية الأوروبية.تقوم هذه الإستراتيجية على ما يلي:
أولا:بناء صناعات أوروبية دفاعية مبتكرة.
ثانيا: سد الفجوات فى القدرات ودعم الصناعة الدفاعية الأوروبية. ثالثا: دعم تنمية الاستثمارات فى الصناعات الدفاعية والابتكارات التكنولوجية لتلك الصناعات من خلال التطور فى مجالى الكم والذكاء الاصطناعى وما توفره الثورة الصناعية الرابعة من إمكانات متقدمة. رابعا:توفير الكادر العسكرى الأوروبى القادر على ضبط مناطق الصراع فى أوروبا من جانب، وحماية المصالح الأوروبية من جانب آخر. خامسا: تعزيز جاهزية أوروبا لأسوأ السيناريوهات عبر تحسين التنقل العسكري، وتخزين المعدات، وتعزيز التعاون العملياتى عبر الاتحاد الأوروبي.
ومن أجل تحقيق إستراتيجية «عسكرة أوروبا» ــ فورا ــ فلقد ذكرت رئيسة المفوضية الأوروبية أنه سيتم تخصيص 800 مليار يورو خلال السنوات الأربع القادمة. إضافة إلى 150 مليار يورو تقدم كقروض لصناعة وإنتاج الأسلحة والتطوير التكنولوجى فى هذا المقام ومواجهة حقيقة أن ما يقرب من 75% من الأسلحة تستوردها أوروبا من أمريكا.
إضافة إلى ما سبق للعمل الدءوب الذى يجب على الدول الأوروبية أن تقوم به ــ فورا أيضا ــ لتعويض وجود ما يقرب من 100 ألف جندى أمريكى على الأراضى الأوروبية فى حال قرر ترامب سحبهم فى أى وقت. أى أن «عسكرة أوروبا» صارت ضرورة ومن ثم وضعها على قمة جدول الأعمال الأوروبى حتى يتمكن الاتحاد الأوروبى والحلف الأطلسى من جعل الاستقلال الاستراتيجى العسكرى الأوروبى حقيقة مادية وذلك بحلول 2030.
وبالرغم من الاستنفار الأوروبى لتجاوز الأزمة التى تعد الأخطر التى تواجه أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية والتوافق العام على ضرورة السير قدما نحو «عسكرة أوروبا» فإنه ينبغى الانتباه إلى جملة من الأمور: أولها: ان ما جرى من انقلاب أمريكى ترامبى على التحالف الغربى الأطلسى العتيد ليس بالأمر البسيط إذ سوف تترتب عليه تداعيات كثيرة فى طبيعة التحالفات الدولية وبالتالى فى تركيبة النظام العالمى من جهة. ثانيها: أن هناك معارضة معتبرة فى الداخل الأوروبى لأى زيادة فى الميزانيات الدفاعية.
ناهيك عن أن هناك دولا فى حاجة إلى تعديل قوانينها التى تحول دون اعتماد الميزانيات الدفاعية اللازمة. ثالثها: أن هناك معارضة من بعض القيادات الأوروبية لمبدأ «العسكرة» الذى يناقض المبدأ الذى التزمت به أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية الذى اعتمد إجمالا على تجنب التورط فى الحروب والصراعات وتغليب الحوار والتفاوض وتقديم المبادرات السلامية التنموية لحل النزاعات. رابعها: إن العسكرة ــ وحتى تتم حسبما هو مخطط لها كيفا وكما ــ سوف تفرض على أوروبا أن تسلك سلوكا إمبرياليا
لامتلاك المواد والموارد اللازمة للابتكار/للتصنيع فى مجال الصناعات الدفاعية/العسكرية. خامسها: أن هناك دولا أوروبية تطرح تصورا لتشكيل نظام عالمى متعدد الأقطاب قادر على استيعاب الأقطاب العالمية القديمة والبازغة على السواء. وتشير جملة الأمور السابقة إلى أن التراوح بين ضرورة العسكرة وما تتطلبه من إجراءات وبين معارضيها يمثل لحظة تاريخية فارقة ليس فقط لأوروبا، بل للعالم.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اليوم السابع
منذ 25 دقائق
- اليوم السابع
وكالة أنباء تاس: بوتين يزور منطقة كورسك
نقلت وكالة أنباء تاس الرسمية الروسية، قبل قليل، ان الرئيس الروسى فيلاديمير بوتين يزور منطقة كورسك، جاء ذلك وفقا لما أفادت به قناة القاهرة الإخبارية فى خبر عاجل لها قبل قليل. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد أعلن يوم أمس الثلاثاء، استعداد بلاده للعمل مع أوكرانيا من أجل التوصل لمذكرة تفاهم بشأن اتفاقية سلام مستقبلية. وأوضح الرئيس الروسي -في تصريح أوردته وكالة أنباء "تاس"- أن اتفاقية السلام المستقبلية قد تشمل قضايا مثل وقف إطلاق النار ومبادئ تسوية النزاع. وقال بوتين -في تصريحه عقب اتصال هاتفي مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب- "روسيا مستعدة، وستواصل العمل مع الجانب الأوكراني، على مذكرة تفاهم بشأن معاهدة سلام مستقبلية محتملة، تحدد عددًا من المواقف، مثل مبادئ التسوية، والإطار الزمني لتوقيع اتفاقية سلام محتملة، وما إلى ذلك، بما في ذلك وقف إطلاق نار محتمل لفترة محددة في حال التوصل إلى اتفاقيات ذات صلة".


وكالة نيوز
منذ 35 دقائق
- وكالة نيوز
وكالة تكشف تفاصيل تسليم أرشيف الجاسوس كوهين إلى تل أبيب
العالم _ سوريا قبل يومين، استرجعت 'إسرائيل' نحو 2500 وثيقة وصورة ومقتنيات شخصية تعود لكوهين، والتي كانت محفوظة ضمن 'الأرشيف السوري الرسمي' لعقود تحت حراسة مشددة. وزعم مكتب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو أن 'الموساد' نفذ 'عملية سرية معقدة بالتعاون مع جهة استخباراتية شريكة' لاسترجاع تلك المواد، مشيرًا إلى أن الأرشيف يحتوي على آلاف الوثائق التي احتفظت بها الاستخبارات السورية. ورغم هذا الإعلان، أكد مصدر أمني سوري ومستشار لرئيس المرحلة الانتقالية في سوريا ، أن تلك المواد 'عُرضت على إسرائيل ضمن مبادرة غير مباشرة من الجولاني'، في إطار مساعٍ لتهدئة التوترات وبناء الثقة مع إدارة ترامب. وفي تعليق على الخطوة، وصف جهاز 'الموساد' استعادة المتعلقات بأنها 'إنجاز أخلاقي رفيع'، بينما اعتبر نتنياهو كوهين 'أسطورة' و'أعظم عميل استخبارات في تاريخ إسرائيل'. يُذكر أن كوهين، الذي تسلّل إلى سوريا تحت اسم كامل أمين ثابت، أُعدم شنقاً في ساحة المرجة وسط دمشق في 18 أيار/مايو 1965 بعد أن تم كشف أمره. حتى الآن، لم يصدر أي تعليق رسمي من مكتب نتنياهو أو السلطات السورية أو البيت الأبيض بشأن الدور السوري في هذه العملية. من جهة أخرى، نفت 'القناة 12' العبرية ما أوردته 'رويترز' بشأن وجود 'دور للجولاني في تسليم الأرشيف'. وتجدر الإشارة إلى أن سلطات الاحتلال بدأت منذ أواخر عام 2024 اتصالات مع جهات خارجية وسوريين في محاولة للوصول إلى مكان دفن كوهين.


اليوم السابع
منذ ساعة واحدة
- اليوم السابع
"يديعوت أحرنوت": واشنطن "محبطة" من إسرائيل بسبب تعثّر مفاوضات التهدئة
عبّر مسؤولون في البيت الأبيض عن إحباطهم من موقف الحكومة الإسرائيلية تجاه المفاوضات الرامية إلى التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار في غزة وضمان الإفراج عن الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس، وفقًا لمصادر مطلعة على المباحثات الأخيرة في الدوحة وواشنطن. وخلال لقاء مع عائلات بعض الرهائن، نقل عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن أطرافًا عدة تعمل لإنجاز الاتفاق، فيما تبقى إسرائيل الطرف الوحيد غير المتجاوب، وفق ما نقلته صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية اليوم الثلاثاء. ونقلت الصحيفة عن مشاركين في اللقاء قولهم: "الجميع يسعى لإتمام اتفاق شامل – باستثناء إسرائيل". وأضافوا: "الإدارة الأميركية تبذل كل ما في وسعها لإنهاء الحرب والتوصل إلى اتفاق شامل، هذا ما يريده الرئيس ترامب، وهذا ما أوعز لفريقه بالعمل عليه". أوضحت أن هذه التصريحات تعكس توترًا متزايدًا في العلاقات بين واشنطن وتل أبيب بشأن وتيرة المفاوضات واتجاهها. ورغم تأكيد إدارة ترامب على دعمها "الراسخ" لإسرائيل، فإنها تُظهر في الوقت ذاته استعجالًا متناميًا لوقف الحرب وضمان تحرير الرهائن. وأشارت إلى نفي آدم بوهلر المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون الرهائن، ما تردد عن تهديدات أميركية بسحب الدعم عن إسرائيل، واصفًا إياها بـ"الأخبار الكاذبة". وفي مقابلة مع شبكة فوكس نيوز، قال بوهلر: "الرئيس ما زال يدعم إسرائيل دعمًا كاملًا"، مضيفًا: "قد يقول 'دعونا ننهي الحرب'، وقد يكون حازمًا في ذلك، لكن دعمه لإسرائيل لا يتزعزع". وأكد بوهلر -وفق الصحيفة- أن الجهود الأمريكية تتركّز حاليًا على الإفراج عن 58 رهينة ما زالت تحتجزهم حماس. وقال: "الرئيس واضح جدًا — إنه يريد إنهاء هذه الحرب. ستيف ويتكوف يعمل حاليًا بجهد كبير، وتركيزنا الأساسي هو على استعادة الرهائن، وأيضًا على أمن إسرائيل". ونقلت "يديعوت أحرنوت" عن مصادر رسمية إسرائيلية، أن ويتكوف عرض نهاية الأسبوع الماضي مقترحًا يقضي بالإفراج عن 10 رهائن أحياء، وتسليم جثامين 16 آخرين، مقابل وقف لإطلاق النار لمدة تتراوح بين 45 و60 يومًا، بالإضافة إلى الإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين. وتُشير المعلومات إلى أن المرحلة الثانية من الاتفاق قد تشمل إطلاق سراح بقية الرهائن وإنهاء الحرب رسميًا. وأكدت إسرائيل، بحسب مصادر الصحيفة، قبولها بالإطار المقترح، بينما لم تصدر عن حركة حماس أي استجابة رسمية حتى الآن. ولا تزال الإدارة الأميركية تبذل جهودًا مكثفة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين.