
ما سبب الخلاف غير المسبوق بين الولايات المتحدة والبرازيل؟
هذه المواجهة غير التقليدية، التي يصفها الخبراء بأنها «الأسوأ منذ 200 عام»، لا تُظهر أي بوادر للحل السريع، وتكشف عن تعقيدات سياسية تتجاوز النزاعات التجارية المعتادة. كما تأتي في وقت حساس من الناحية الجيوسياسية، حيث تدفع الرسوم؛ ليس فقط البرازيل ولكن الهند أيضاً التي من المقرر أن تواجه ضريبة منفصلة بنسبة 50 في المائة في وقت لاحق من هذا الشهر، إلى الاقتراب من الصين وروسيا.
محاكمة بولسونارو... شرارة الأزمة
تتأثر الأزمة الحالية بشكل كبير بمصير رجل واحد: الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، الذي يُحاكَم بتهم خطيرة تتعلق بالتخطيط لانقلاب عسكري للبقاء في السلطة بعد خسارته انتخابات 2022. من بين التهم الموجهة إليه، والتي ينفيها جميعاً، التورط في خطة لاغتيال لولا، وتدبير هجوم واسع النطاق على مؤسسات الدولة في برازيليا، وفق صحيفة «فاينانشال تايمز».
ومع اقتراب المحكمة من إصدار حكمها، تدخل ترمب شخصياً في 7 يوليو (تموز)، واصفاً المحاكمة بأنها «حملة اضطهاد» وطالب بـ«وقفها فوراً». وعندما تجاهلت المحكمة العليا البرازيلية المستقلة طلبه، أعلن الرئيس الأميركي أن البرازيل تمثل «تهديداً غير عادي واستثنائياً» للأمن القومي الأميركي، وفرض رسوماً جمركية بنسبة 50 في المائة على سلعها.
جاء في الأمر التنفيذي للبيت الأبيض أن «سياسات وممارسات وإجراءات حكومة البرازيل بغيضة للقيم الأخلاقية والسياسية للمجتمعات الديمقراطية والحرة».
لولا يتحدّى... وواشنطن تزيد الضغط
رداً على الإجراءات الأميركية التي وصفها لولا بأنها «ابتزاز غير مقبول» مقدماً شكوى إلى منظمة التجارة العالمية، لم يقم الرئيس البرازيلي بالاتصال بترمب، بل سعى إلى حشد حلفائه. ففي 7 أغسطس (آب)، اتصل برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، طالباً التضامن بين دول مجموعة «بريكس». وبعد يومين، اتصل بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وتُظهر هذه الاستجابة تمسك لولا بموقفه. وتقول برونا سانتوس، الخبيرة في شؤون البرازيل بمركز «إنتر-أميركان ديالوغ» في واشنطن للصحيفة البريطانية، إن ترمب «هدّد بفرض رسوم جمركية، لكن مع طلب سياسي لا يمكن تحقيقه»، مضيفةً: «من المستحيل مؤسسياً أن يقدم لولا التنازل المطلوب، وهذا يجعله دون أي استراتيجية للخروج من الأزمة».
وقد تصاعدت المواجهة بعد فرض الرسوم، حيث فرضت واشنطن حظراً على سفر ثمانية من قضاة المحكمة العليا البرازيلية، متهمةً إياهم بـ«إقامة نظام اضطهاد ورقابة». وعندما أمر القاضي ألكسندر دي مورايس، بولسونارو بارتداء سوار إلكتروني خشية فراره، استخدمت واشنطن تشريعاً مخصصاً لمرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة لفرض عقوبات مالية شاملة على القاضي.
لكنَّ القاضي دي مورايس لم يبالِ، وظهر في مباراة كرة قدم بعد ساعات، ووجه إشارة تحدٍّ، وبعد أيام قليلة، وُضع بولسونارو قيد الإقامة الجبرية.
ونقلت «ياهو فاينانس» عن شخص مطّلع على تفكير البيت الأبيض، إن البيت الأبيض كان لديه هدف ثلاثي من الرسوم الجمركية على البرازيل: استهداف قاضي المحكمة العليا المتورط في قضية بولسونارو، لقمعه حقوق الأميركيين في حرية التعبير؛ والحد من نفوذ دول «بريكس»، والمساعدة في تعزيز حلفاء الولايات المتحدة في البرازيل. وأضاف هذا الشخص أن تحول الرسوم الجمركية إلى بولسونارو قد أضر بهذه الأهداف، لافتاً إلى أن «المشكلة لا تكمن في أننا نفضل شخصية سياسية برازيلية على أخرى. إذا تحول الأمر إلى بولسونارو، فسيصبح كل شيء مشوهاً».
البرازيل: دفاع عن الديمقراطية أم انتقام سياسي؟
يُشير روبنز ريكوبيرو، السفير البرازيلي السابق لدى واشنطن، إلى أن البرازيل «تمتلك عيوباً كثيرة، لكن في هذه الحالة بالتحديد، تمكنت من الدفاع عن الديمقراطية بشكل أفضل من المؤسسات الأميركية». ويؤكد أن المحكمة مصمِّمة على إثبات قدرة المؤسسات الديمقراطية على تحقيق العدالة، حتى في أصعب الظروف.
في المقابل، يرى المحافظون البرازيليون المحكمة على أنها «مؤامرة يسارية خارجة عن السيطرة»، ويشيرون إلى أن سبعة من القضاة الأحد عشر عيَّنهم لولا أو خلفه. وقد أثار تدخل ترمب حماس أنصار بولسونارو الذين خرجوا في مظاهرات مطالبين بإقالة القاضي دي مورايس والعفو عن المتورطين في أحداث 8 يناير (كانون الثاني) 2023.
وقد استغل لولا الخلاف لتقديم نفسه على أنه «وطني» يدافع عن السيادة الوطنية في وجه التدخل الأميركي، حيث ظهر وهو يرتدي قبعة كُتب عليها «البرازيل ملك للبرازيليين».
تأثير محدود على الاقتصاد البرازيلي
على الرغم من الرسوم الجمركية القاسية، فإن الضرر الاقتصادي على البرازيل قد يكون محدوداً. فالأمر التنفيذي لترمب استثنى 694 منتجاً، بما في ذلك سلع لا يمكن للولايات المتحدة الاستغناء عنها بسهولة مثل عصير البرتقال وخام الحديد والطائرات. وتشير غرفة التجارة الأميركية في البرازيل إلى أن هذه الاستثناءات تغطي نحو 43 في المائة من إجمالي الصادرات البرازيلية إلى الولايات المتحدة.
وحسب ماتياس سبيكتور، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة «فونداساو جيتوليو فارغاس»، فإن البرازيل في «وضع جيد نسبياً لمواجهة ترمب»، لأن الصادرات الأميركية تمثل أقل من 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبرازيل، على عكس المكسيك.
ومع ذلك، ستتأثر بعض القطاعات بشكل مباشر، مثل صادرات البن واللحوم، وهو ما قد يضر بالقاعدة الشعبية لبولسونارو من قطاع الأعمال الزراعية.
هل هناك مخرج من الأزمة؟
يشير سلزو أموريم، مستشار لولا للسياسة الخارجية، إلى أنه «لا يرى مخرجاً» من الأزمة مع الولايات المتحدة، ويدعو البرازيل إلى تنويع شركائها التجاريين والتوجه نحو الخليج والهند وجنوب شرق آسيا.
في المقابل، يرى روبنز منين، رئيس شركة الإنشاءات «إم آر في»، أن على لولا أن يتواصل مع ترمب عاجلاً أم آجلاً، قائلاً: «هذا الأمر سينتهي عندما يتحدث أحدهما مع الآخر».
ومع أن لولا أشار إلى إمكانية فصل الخلاف السياسي عن الخلاف التجاري، فإن اجتماعاً كان مقرراً بين وزير المالية البرازيلي ووزير الخزانة الأميركي قد تم إلغاؤه في اللحظة الأخيرة، مما يشير إلى أن التوترات لا تزال قائمة.
وبينما يرى البعض أن ترمب قد يتراجع إذا تمكن من إيجاد حل يحفظ ماء الوجه، فإن الأزمة لا تزال معلقة، وجميع الأنظار تتجه نحو المحكمة العليا البرازيلية لمعرفة حكمها في قضية بولسونارو، الذي سيحدد على الأرجح مسار العلاقات بين البلدين في المستقبل القريب.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوكيل
منذ 2 ساعات
- الوكيل
زيلينسكي: سألتقي ترامب في واشنطن الاثنين
03:49 م ⏹ ⏵ تم الوكيل الإخباري- أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، أنه سيتوجه الاثنين إلى واشنطن لمناقشة "إنهاء القتل والحرب" مع نظيره الأميركي دونالد ترامب. اضافة اعلان وقال زيلينسكي، إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أطلعه على "النقاط الرئيسية" في محادثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأجرى الرئيس الأميركي دونالد ترامب "مكالمة مطوّلة" مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أثناء عودته إلى واشنطن على متن الطائرة الرئاسية، بعد القمة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا، بحسب المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت. وقالت ليفيت للصحفيين على متن "إير فورس وان"، إنّ ترامب تحدث أيضا مع قادة حلف شمال الأطلسي. ونزل ترامب من الطائرة في الساعة 2:45 صباح السبت . ولم يجب على أسئلة الصحفيين.


السوسنة
منذ 2 ساعات
- السوسنة
الاثنين أو الأربعاء
عندما أراد ونستون تشرشل أن يرفع من معنويات بريطانيا المتعبة في الحرب، وقف أمام البرلمان بصدره العريض وقال:إنَّنا الآن في أروع الساعات.يكرر دونالد ترمب أمام حلفائه الأكثر ثقافة، أنه يشكو من قلة البلاغة، وإذ تعوزه البلاغة اليوم، لا يقلل من أهمية ذلك. إنه يعد أصل هذا الكوكب بمظلة رائعة من السلام، إذا لم يكن في الدقيقة الأولى، ففي الثانية، أو الثالثة، أو المرة المقبلة.إنه أسلوب بائع الأحلام. ينتقل بطائرته من كوكب إلى كوكب، متحدياً شباب العالم بحيوية مذهلة، متنقلاً من تفاوض إلى آخر، مؤنباً مرة، مادحاً وملاطفاً مرة أخرى. وفي الحالتين بلا حساب.لا يريد دونالد ترمب أن ينسى أحد للحظة عند من يعمل. إنه يعمل عند رئيس أميركا. والرئيس ليس إلا هو. ويريد لأميركا أن تصبح عظيمة مرة أخرى، كما يقول الشعار على قبعة الغولف التي يعتمرها.على طريقته في صناعة الأحداث، والترويج لها، لم يترك «الدونالد» لحظة شك واحدة حول قمة من هي. فإذا اجتمع رئيس أميركا ورئيس روسيا الأول، فهو صاحب القمة. هو صاحب المؤتمر الصحافي الذي تتناقله الأقمار على عجل، هو الذي «يطبطب» من بعيد على كتفي زيلنسكي واعداً بسلام قريب، إن لم يكن اليوم، ففي يوم آخر.لكن العالم لن يفلت من بائع الأحلام، وتاجر الأبراج. صحيح أنه ليس صاحب ثقافة، سياسياً، كما يشكو، لكنه صاحب حظ سعيد، وأبراج مميزة. يغضب ويرضى، ويؤنب ويعاتب ويصبر طويلاً، وهو يوزع الوعود والعهود. سوف يصح الأمر ذات يوم. إن لم يكن في أوكرانيا، ففي غزة. وإن لم يكن في طهران، ففي أذربيجان.في الماضي كان القادة يتعلمون السياسة من صاحب البيت الأبيض. الآن المعلم صاحب أبراج ضاربة في الأعالي. يعرض الصفقة على صاحب الكرملين مرة واحدة، أو بالتقسيط. إن لم يكن الاثنين، فالأربعاء.


رؤيا
منذ 3 ساعات
- رؤيا
نتائج قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين: غياب الاتفاقات وحضور الرمزية وتحرّكات أوكرانية موازية
وكالات أنباء: القمة لم تسفر عن وقف إطلاق نار أو حتى خطوات عملية نحو إنهاء الحرب شهدت مدينة أنكوراج بولاية ألاسكا الأمريكية في 15 أغسطس 2025 قمة عالية المستوى بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين. ورغم التوقعات التي سبقت اللقاء، فإن القمة انتهت دون التوصل إلى أي اتفاق ملموس بشأن الحرب في أوكرانيا، لكنها منحت بوتين حضورًا رمزيًا لافتًا على الساحة الدولية. غياب وقف إطلاق النار أو اتفاق سلام أكدت وكالات الأنباء أن القمة لم تسفر عن وقف إطلاق نار أو حتى خطوات عملية نحو إنهاء الحرب، رغم أن هذا كان هدفًا رئيسيًا لترامب. واكتفى الجانبان بالحديث عن 'تقدم' و'بناء' دون تقديم تفاصيل تنفيذية. وفقًا لـ'رويترز'، أعلن ترامب أن الخيار الأفضل هو التوجه مباشرة نحو اتفاق سلام بدلًا من الاكتفاء بوقف إطلاق نار مؤقت، مشددًا أن القرار يعود في النهاية إلى أوكرانيا والدول الأوروبية (رويترز). اقرأ أيضاً: قمة ألاسكا.. هل مهد ترمب وبوتين لـ"صفقة شاملة" تتجاوز أوكرانيا وأوروبا؟ انتصار رمزي لروسيا صحيفة الغارديان وصفت القمة بأنها 'انتصار دعائي لبوتين'، حيث حظي باستقبال رسمي بارز شمل استعراضًا للطائرات الأمريكية المتطورة وركوب سيارة ترامب المصفحة 'The Beast'. هذه الرمزية فسّرها مراقبون على أنها مكسب سياسي لموسكو، حتى وإن لم يتحقق أي اختراق دبلوماسي حقيقي (الغارديان). استمرار العمليات العسكرية بالتزامن مع المحادثات، واصلت روسيا هجماتها على الأراضي الأوكرانية، ما أضعف مصداقية القمة وأظهر أن موسكو لم تكن مستعدة لتقديم تنازلات. صحيفة واشنطن بوست أشارت إلى أن ذلك يعزز الانطباع بأن اللقاء كان مجرد حدث إعلامي أكثر من كونه مسارًا جادًا نحو إنهاء الحرب (واشنطن بوست). ردود الفعل الدولية • روسيا: سياسيون روس اعتبروا القمة 'نجاحًا دبلوماسيًا' لمجرد أن بوتين خرج منها دون تقديم تنازلات أساسية (رويترز). • أوكرانيا وأوروبا: أبدوا قلقًا من أن اللقاء قد يمنح روسيا فرصة لكسب الوقت، وأكد قادة أوروبيون أن موسكو لا يمكن أن تمتلك حق النقض على انضمام كييف إلى الاتحاد الأوروبي أو الناتو (الغارديان). مكالمة صعبة واتجاه إلى واشنطن بالتزامن مع القمة، أجرى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مكالمة وُصفت بأنها 'صعبة' مع ترامب، شدد خلالها على أن أي مفاوضات يجب ألا تأتي على حساب السيادة الأوكرانية أو مستقبل كييف الأوروبي والأطلسي. كما أعلن مكتبه أنه سيتوجه يوم الاثنين المقبل إلى واشنطن للقاء ترامب وإجراء محادثات مع الإدارة الأمريكية والكونغرس، في خطوة تهدف إلى ضمان عدم تجاوز أوكرانيا في أي تسويات محتملة (فاينانشال تايمز). قمة ثلاثية مرتقبة