logo
ترامب لا يلتزم بنص الكتاب في العلاقة مع إسرائيل

ترامب لا يلتزم بنص الكتاب في العلاقة مع إسرائيل

الغدمنذ يوم واحد

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
إيما آشفورد* - (فورين بوليسي) 14/05/2025
سيكون من المفارقات الحقيقية أن يكون ترامب هو مَن يمهّد الطريق لعلاقة أميركية-إسرائيلية أكثر صحة وتوازناً.
اضافة اعلان
في العقود الأخيرة، فقد القادة الأميركيون إلى حد كبير القدرة على أن يقولوا للحكومة الإسرائيلية أنها تجاوزت الحدود. ولكن، وكما يتضح من نهج ترامب، فإن هذا الأسلوب لا يتوافق دائماً مع مبدأ "أميركا أولاً".
* * *
لعل الشيء الوحيد الذي يمكن أن يكون أكثر يقيناً من شروق الشمس من الشرق وغروبها في الغرب، هو أن رئيساً جمهورياً للولايات المتحدة سوف يؤيد إسرائيل دائماً -وأن الرؤساء الديمقراطيين سيفعلون إلى حدّ كبير الشيء ذاته -ومع ذلك يُلامون على أنهم يفعلون العكس.
ومع ذلك، يزور الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشرق الأوسط، ولا تشمل رحلته إسرائيل، على الرغم من الضغوط التي تمارسها حكومة نتنياهو لحثّه على ذلك. كما أنه تفاوض مؤخراً على وقفٍ لإطلاق النار مع الحوثيين في اليمن، على الرغم من إعلانهم الواضح عن نيتهم مواصلة ضرب إسرائيل. بل إنه أقال مستشاره للأمن القومي، مايك والتز، وفقاً للتقارير، جزئياً بسبب الخطيئة المتمثلة في تنسيقه المحتمل لضربات على منشآت نووية إيرانية مع مسؤولين إسرائيليين من دون الرجوع إليه.
قد لا يكون ترامب على وشك القطيعة الكاملة مع إسرائيل -وبالتأكيد ليس لأسباب إنسانية كما يأمل كثير من اليساريين- ولكن يبدو من سلوكه أن مبدأ "أميركا أولاً" قد لا ينطوي على استثناء عندما يتعلق الأمر بإسرائيل بعد كل شيء.
* * *
كان من الممكن أن يُلتمس للمرء عذر إذا توقّع من هذه الإدارة انتهاج سياسة مؤيدة بشدة لإسرائيل. فخلال فترة ترامب الأولى في الرئاسة، كان الذي صاغ سياساته في الشرق الأوسط بدرجة كبيرة هو شخصيات مثل صهره جاريد كوشنر (الذي كان والده على علاقة صداقة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو)، ومتبرعون كبار مؤيدون لإسرائيل مثل شيلدون أديلسون، إلى جانب مجموعة قوية من المستشارين الموالين لإسرائيل داخل البيت الأبيض (جون بولتون)، وفي الكونغرس (السيناتور ليندسي غراهام).
وما كان يمكن أن تكون سياسات إدارته الأولى أكثر ملاءمة لحكومة نتنياهو مما كانت. فقد ألغى ترامب "خطة العمل الشاملة المشتركة" (الاتفاق النووي مع إيران)، وفرض عقوبات "الضغط الأقصى" على طهران، بل وزاد من الضغط العسكري على إيران إلى حد كبير، مما أسفر عن موجة من الهجمات المتبادلة مع وكلاء إيران في العراق وسورية وأماكن أخرى، والتي بلغت ذروتها في اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني. وعلى الصعيد الدبلوماسي، قام ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وسعى من خلال "اتفاقيات أبراهام" لأول مرة إلى إخراج التعاون الوليد بين دول الخليج وإسرائيل ضد إيران من السر إلى العلن. ما كان يمكن للأمور أن تكون أفضل بالنسبة لإسرائيل.
لهذا كله، كان الافتراض السائد بين معظم المراقبين للسياسة الخارجية خلال الحملة الرئاسية هو أن ترامب، في حال إعادة انتخابه، سيكون داعماً بلا قيد أو شرط لإسرائيل؛ وبالنسبة للناخبين، لم يقدّم أي تمايز يُعتد به عن سياسات الرئيس غير الكفؤ في ذلك الحين، جو بايدن. وفي الحقيقة، على الرغم من أن عدداً من الناخبين التقدميين والعرب الأميركيين رفضوا التصويت للمرشحة الديمقراطية ونائبة الرئيس آنذاك، كامالا هاريس، بسبب موقف إدارة بايدن من الحرب في غزة، فإنهم قوبلوا بالكثير من السخرية لأنهم اقترحوا أن ترامب ربما يكون أفضل.
وكان انتقال ترامب، وتعيينه لصقور جمهوريين مؤيدين لإسرائيل مثل مايك هاكابي، وماركو روبيو، ومايك والتز، كلها شؤون تعزز هذا الانطباع.
لكنّ ترامب أثبت، منذ اليوم الأول تقريباً، أن هذا الافتراض إن لم يكن خاطئاً تماماً، فإنه على الأقل غير متماسك. حتى قبل يوم التنصيب نفسه، نسبت الإدارة الجديدة لنفسها الفضل في وقف إطلاق نار بين إسرائيل و"حماس".
وعلى الرغم من أن العديد من تفاصيل هذا الترتيب كانت قد تمّت بوساطة إدارة بايدن، إلا أن الأمر تطلّب قدرة ترامب على الضغط على الإسرائيليين من خلال مدير صفقاته الشخصي، ستيف ويتكوف، لإتمام الصفقة. ومع أن وقف إطلاق النار انهار لاحقاً بسبب تجدد القصف الإسرائيلي، إلا أن الإدارة واصلت الضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات مقابل الإفراج عن الرهائن، خصوصاً أولئك الذين يحملون الجنسية الأميركية.
كانت الهوّة الأوسع بين ترامب ونتنياهو هي تلك التي تتعلق بإيران. في فترة ترامب الأولى، كانت مواقفه ومواقف فريقه متناغمة تقريباً بشأن إيران، فتم تصعيد الضغوط واستكشاف خيارات عسكرية. ومع ذلك، من الواضح أن الرئيس ومَن حوله يشعرون بأن ذلك لم يحقق النتائج المرجوة. وبدلاً من سياسة "الضغط الأقصى"، تتخذ الإدارة الحالية نهجًا صفقاتيًا بهدف إعادة إطلاق المفاوضات.
وقد تم، على سبيل المثال، تشديد بعض العقوبات قبل أن تُستأنف المفاوضات حول الملف النووي؛ كما أدّت الضربات الموسّعة ضد الحوثيين في النهاية إلى تراجع من الإدارة ووقف لإطلاق النار. ويشتكي المسؤولون الإسرائيليون من أنهم خارج الصورة تمامًا في ما يتعلق بهذه القرارات المهمة.
بالطريقة نفسها، تُشير مجموعة من التسريبات إلى وجود تباين في المواقف بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول ما إذا كان ينبغي توجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية. وتدفع الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو باتجاه توجيه هذه الضربات، وقد ألمحت في مناسبات عدة إلى أنها مستعدة لتنفيذها منفردة من دون الولايات المتحدة -أو أنها تحاول إقناع واشنطن بالانضمام إلى الهجوم. ومع ذلك، كانت إدارة ترامب حتى الآن مترددة بشكل ملحوظ في الإقدام على ذلك. وبالنظر إلى الافتراضات التي سبقت الانتخابات حول الدعم غير المشروط لإسرائيل، يبدو موقف ترامب متراخياً على نحو مفاجئ تجاه بعض من أولويات نتنياهو الأمنية الجوهرية.
من المهم ألا يبالغ المرء كثيرًا في تفسير هذا التحول. ما تزال إدارة ترامب تبيع الأسلحة لإسرائيل لاستخدامها في غزة، ولم تمارس سوى ضغط ضئيل على الإسرائيليين في ما يتعلق بالاحتياجات الإنسانية أو وصول منظمات الإغاثة إلى القطاع. وعلى الصعيد الداخلي، استغلت الإدارة قانون الهجرة لقمع المتظاهرين المؤيدين لفلسطين، واعتقلت عدداً من الطلاب الأجانب لمشاركتهم في احتجاجات جامعية، وذهبت في المحاكمات إلى حد التلميح بأن دعم غزة يعادل دعم "حماس".
بل إن ترامب نفسه عبّر عن دعمه لفكرة التهجير المتعمد للفلسطينيين من قطاع غزة، وهي واحدة من أكثر السياسات فظاعة التي اقترحتها بعض الجهات داخل الحكومة الإسرائيلية.
وعلى الرغم من أن هذا الاقتراح جاء بأسلوب ترامب المعتاد -في هذه الحالة، مقطع فيديو غريب من إنتاج الذكاء الاصطناعي يُصوّر "ريفيرا غزة" ما بعد إعادة الإعمار، ويظهَر فيه تمثال ذهبي ضخم لترامب نفسه- فإن التهجير القسري للمدنيين من مناطق الصراع ما يزال يعد جريمة حرب بموجب القوانين الدولية المعترف بها على نطاق واسع.
ومع ذلك، فإن هذا التناقض يُجسّد في بعض الجوانب السبب الذي يجعل نهج ترامب تجاه إسرائيل فريداً من نوعه: إنه يعمل على محور تحليلي مختلف تماماً عن معظم النقاشات التي تدور حول السياسة الخارجية الأميركية. إنه لا يدعم إسرائيل من دون قيد أو شرط، لكنه لا يركزّ أيضاً على القضايا الإنسانية أو حقوق الفلسطينيين. بدلاً من ذلك، يبدو أنه يفي حقًا بوعد شعار حملته: سياسة "أميركا أولاً"، التي تعطي الأولوية فوق كل شيء للمصالح الأميركية.
هذا النهج يضعه في مواجهة مع العديد من أسلافه، ومع معظم دوائر السياسة الخارجية في واشنطن. غالباً ما يتعامل الرؤساء ومستشاروهم بحذر شديد مع السياسة تجاه إسرائيل؛ حيث تظل طبيعة العلاقة الأميركية-الإسرائيلية مسألة شائكة تتضمن عقوداً من مفاوضات السلام المعقدة، واعتبارات سياسية داخلية، وألغاماً سياسية وخطابية. وسوف يجد، حتى صناع السياسات الذين يدعمون إسرائيل عموماً -أو الذين تتماشى آراؤهم مع فئة معينة من المجتمع الإسرائيلي دون غيرها- أنفسهم موصوفين بأنهم لا يدعمون إسرائيل بما فيه الكفاية.
على سبيل المثال، واجهت إدارة أوباما صعوبات كبيرة في تسويق الاتفاق النووي الإيراني للجمهور، وفشلت في توضيح السبب في أن المصالح الأميركية قد تختلف مع الإسرائيلية في هذا الشأن، واستقرت جزئياً على حجة أن حكومة نتنياهو لا تُمثّل بالضرورة الاحتياجات الأمنية الحقيقية لإسرائيل. ومن جهتها، كانت إدارة بايدن بالغة الحذر حتى أنها تجنّبت اتخاذ أي خطوة، سياسية كانت أم خطابية، قد تعد انتقاداً لإسرائيل. وقدمت لنتنياهو بدلاً من ذلك كل ما طلبه تقريبًا، في حين كانت تشتكي للصحفيين سراً من تعنته.
* * *
لكن ترامب وستيف ويتكوف لا يبدو أنهما يهتمان بهذه الحساسيات السياسية الدقيقة. إنهما يبحثان فقط عن أفضل صفقة لواشنطن. وربما يكون هذا الجانب هو الأغرب في كل هذه القضية. لا يعارض ترامب ما تقوم به إسرائيل في غزة، وقد أوضح أنه لن يضغط عليها لإنهاء الحرب، خاصة بعد تحرير آخر الرهائن الأميركيين. ومن المرجح أن تستمر إدارته في قمع المتظاهرين في الجامعات والجماعات التقدمية التي تنتقد إسرائيل.
ومع ذلك، لا يبدو أنه سيقيد نفسه بالقواعد نفسها. وعلى الرغم من أنه يرغب في التوصل إلى اتفاق سلام في غزة، أو توسيع "اتفاقات إبراهام" لتشمل المملكة العربية السعودية، أو التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران يكون مقبولاً لدى إسرائيل، فإنه يبدو مستعداً أكثر فأكثر للتخلي عن هذه الأهداف إذا لم تتحقق. ربما لا يضغط ترامب على إسرائيل في قضايا إيران، أو غزة، أو المستوطنات، أو غيرها، لكنه في المقابل لا يمانع في توقيع اتفاقات من دونها وتركها لتتعامل مع النتائج لاحقاً.
ليس من الغريب ولا من غير مألوف الاعتراف بحقيقة أن المصالح قد تتباين بين الحلفاء من حين لآخر. ولكن سيكون من المفارقات الحقيقية أن يكون ترامب هو مَن يمهّد الطريق لعلاقة أميركية-إسرائيلية أكثر صحة وتوازناً.
في العقود الأخيرة، فقد القادة الأميركيون إلى حد كبير القدرة على أن يقولوا للحكومة الإسرائيلية إنها تجاوزت الحدود. ولكن، وكما يتضح من نهج ترامب، فإن هذا الأسلوب لا يتوافق دائماً مع مبدأ "أميركا أولاً." وإذا استمر ترامب في السير على هذا المسار، فقد يكون من المناسب أن نتخلى عن افتراض أن سياسة "أميركا أولاً" تستثني إسرائيل.
*إيما آشفورد Emma Ashford: كاتبة عمود في مجلة "فورين بوليسي" وزميلة رفيعة في برنامج "إعادة تصوّر الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة" في مركز ستيمسون، وأستاذة مساعدة ملحقة في جامعة جورجتاون، ومؤلفة كتاب "النفط، الدولة، والحرب" Oil, the State, and War.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Trump Isn't Following the Script on Israel
في ترجمات:
قصة تراجع: الفشل العسكري الأميركي في البحر الأحمر

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

%35 تراجع الطلب على رخص "الكهرباء والطاقة المتجددة"
%35 تراجع الطلب على رخص "الكهرباء والطاقة المتجددة"

الغد

timeمنذ 2 ساعات

  • الغد

%35 تراجع الطلب على رخص "الكهرباء والطاقة المتجددة"

رهام زيدان اضافة اعلان عمان- انخفض عدد الطلبات المقدمة لهيئة الطاقة والمعادن للحصول على رخص في مجال الكهرباء والطاقة المتجددة بنسبة 35 % في أول أربعة أشهر من العام الحالي مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.وبحسب آخر بيانات صادرة عن الهيئة، بلع مجموع الطلبات المقدمة خلال هذه الفترة 155 طلبا في مختلف مجالات عمل القطاع مقابل 237 طلبا خلال الفترة نفسها من العام الماضي.على المستوى الشهري، بلغ عدد الطلبات المقدمة إلى الهيئة خلال شهر نيسان (أبريل) 34 طلبا منها 24 طلبا تتقدم لأول مرة للحصول على رخص في القطاع منها 23 لرخص وتصاريح محطات شحن عامة وواحدة لأشخاص عاملين بالطاقة المتجددة بالإضافة إلى 10 طلبات تجديد تصاريح ورخص صادرة سابقا لأشخاص عاملين في القطاع.أما خلال الشهر نفسه من العام الماضي، تقدم للهيئة 71 طلبا منها66 لإصدار رخص لأول مرة تشمل 62 طلبا لرخص وتصاريح محطات شحن عامة و2 خاصة و2 لأشخاص عاملين، بالإضافة إلى 5 طلبات تجديد رخص صادرة سابقا لأشخاص عاملين.وارتفعت القدرة الإنتاجية لتوليد الكهرباء من الطاقة المتجددة في العام 2023 بنسبة 2.1 %، مقارنة بالعام الذي سبقه، إذ بلغت هذه القدرة في نهاية العام 2023 نحو 1618 ميغاواط، ما يمثل 27 % من إجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة، إذ بلغت نسبة النمو في مساهمة وحدات الطاقة الشمسية العام الماضي نحو 8 % ووحدات طاقة الرياح 11.8 %.يُذكر أن تقرير "إحصائيات القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة 2025" الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA)، أظهر نموا في السعة المركبة لمصادر الطاقة المتجددة في الأردن بين عامي 2022 و2024، حيث بلغت السعة الإجمالية للطاقة المتجددة 2725 ميغاواط في العام الماضي، مقارنة مع 2638 ميغاواط في العام الذي سبقه، بنمو نسبته 3 %، و2615 ميغاواط في عام 2022.وأعلنت وزارة الطاقة والثروة المعدنية الأسبوع الماضي عن فتح باب تقديم عروض إبداء الاهتمام لمشاريع جديدة للطاقة الشمسية بقدرة 200 ميغاواط من خلال آلية العروض المباشرة.

مسؤوليات تفوق العمر.. أطفال بين كتب المدرسة وأعباء رعاية الآباء
مسؤوليات تفوق العمر.. أطفال بين كتب المدرسة وأعباء رعاية الآباء

الغد

timeمنذ 2 ساعات

  • الغد

مسؤوليات تفوق العمر.. أطفال بين كتب المدرسة وأعباء رعاية الآباء

ديمة محبوبة اضافة اعلان عمان - تقف الطفلة سلمى، (13 عاما) في أحد أحياء عمان، على طرف سرير والدتها المصابة بمرض التصلب اللويحي، تطعمها ملعقة تلو الأخرى بحنان وهدوء. تمسح فمها بمنديل مبلل، ثم تسرع إلى المطبخ لتغسل الأطباق قبل أن تشرع في أداء واجباتها المدرسية.تقول: " أنا بعمل كممرضة لوالدتي، وابنتها بنفس الوقت"، تقولها بابتسامة خجولة، وكأن ما تفعله لا يستحق الذكر.في حياة سلمى، هي من يتولى الرعاية معظم الوقت؛ فوالدتها لا تقوى على أداء المهام المنزلية، وتكتفي بمساعدتهم عبر الحديث والتوجيه. أما والدها، فيعود إلى البيت متأخرا من عمله، وجدتها امرأة مسنة ومريضة، بالكاد تتمكن من تقديم العون في بعض الأمور البسيطة.وتنهي سلمى حديثها: " أنا بحب أمي، هي عملت أشياء كثير إلي، وهلا بتساعدني بالتوجيه… وهذا اللي بتقدر عليه".لكن الحقيقة مختلفة تماما، سلمى واحدة من مئات الأطفال في الأردن، وربما من آلاف في الوطن العربي، ممن يتحولون بصمت، وبدون وعي مجتمعي كاف، إلى مقدمي رعاية بدوام جزئي أو كلي لذويهم من المرضى أو كبار السن أو ذوي الإعاقة داخل المنزل.يطلق خبراء على هؤلاء الأطفال اسم " أطفال الظل"، لأنهم يعيشون طفولة معلقة بين اللعب والمسؤوليات البالغة.تتنوع أسباب وجود هؤلاء الأطفال في هذا الدور غير المألوف. ففي كثير من الأحيان، تكون الأسرة محدودة الدخل ولا تملك القدرة على استقدام ممرض أو مقدم رعاية، أو قد يكون أحد الوالدين غير قادر على تحمل الأعباء النفسية والجسدية وحده، فيلجأ إلى الطفل الأكبر طلبا للعون.اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي يرى أن وجود الطفل كمقدم رعاية داخل المنزل هو خلل في توزيع الأدوار الأسرية، ناتج عن ضعف في أنظمة الحماية الاجتماعية وتراجع التكافل المجتمعي، إلى جانب ثقافة الصمت حول ما يعد أدوارا مفروضة بحكم الظروف.ويضيف خزاعي: " ما يحدث مع هؤلاء الأطفال هو استنزاف صامت لطفولتهم؛ إذ يحملون ما لا يحتمله الكبار أحيانا، ويؤدي ذلك إلى اضطرابات نفسية واجتماعية تبدأ بالتدريج، مثل القلق، والشعور بالذنب، والعزلة، وقد تصل إلى العنف الذاتي أو الانسحاب التام".في إربد، يتولى الطفل محمد (14 عاما) رعاية والده المصاب بالفشل الكلوي منذ ثلاثة أعوام، إذ يرافقه ثلاث مرات أسبوعيا إلى المستشفى لجلسات غسيل الكلى، ويساعده في الاستحمام أو عند حاجته للقيام بأمور خاصة.ويبين محمد أن المهمة مرهقة وتتطلب جهدا كبيرا، خاصة مع التزاماته الدراسية، لكنه يعدها واجبا عليه، ويحرص على مساعدة والدته، كونه الابن الأكبر والمسؤول معها. ويضيف أنه لا يشكو لأصدقائه، لأنه يرى أن من الصعب عليهم فهم ما يمر به، كما لا يسمح لأحد من أعمامه بالتدخل أو المساعدة بعد أن شعر سابقا بانزعاج من تدخلهم في تفاصيل حياتهم.المرشدة النفسية والتربوية رائدة الكيلاني تؤكد أن تحمل الطفل لمسؤولية رعاية شخص بالغ يضعه تحت ضغط نفسي لا يتناسب مع عمره، ويؤثر بشكل مباشر على نموه العاطفي والاجتماعي.وتوضح الكيلاني أن هذه الفئة من الأطفال تعاني غالبا من صراعات داخلية، ما بين حبهم لأهلهم وشعورهم بالخسارة. فهم لا يعبرون عن رفضهم علنا، لكنهم يفقدون القدرة على الاستمتاع بطفولتهم بشكل طبيعي.وتتابع: " من أهم المشاكل التي نراها في العيادات النفسية: تأنيب الضمير المستمر، والتقصير في الدراسة، وصعوبة تكوين علاقات اجتماعية متوازنة، وكلها ناتجة عن عدم تفريغ هذه المشاعر السلبية بطريقة صحية".في بريطانيا، يعرف الطفل مقدم الرعاية (Young Carer) بأنه من يقل عمره عن 18 عاما ويقدم دعما منتظما لأحد أفراد أسرته المريض أو المعاق.وتوفر الحكومة هناك برامج دعم نفسي وتعليمي، بالإضافة إلى خدمات استشارية للأسر التي تضم أطفالا في هذا الوضع.أما في المجتمعات العربية، فغالبا لا يعترف بوجود هذه الفئة أصلا. لا توجد إحصاءات رسمية ولا برامج مخصصة، وغالبا ما ينظر إلى ما يقدمه الطفل من رعاية على أنه "بر بالوالدين" أو "مساعدة منزلية طبيعية"، ما يمنع الحديث الجاد عن الحاجة إلى حماية هؤلاء الأطفال من آثار هذا الدور.ويؤكد الدكتور حسين خزاعي أن الخطوة الأولى تبدأ بالاعتراف المجتمعي بهذه الفئة من الأطفال، تليها ضرورة إنشاء وحدات دعم داخل المدارس ومراكز التنمية الاجتماعية، تهدف إلى الكشف عن الأطفال الذين يتحملون أعباء لا تتناسب مع أعمارهم. ويشدد على أهمية تعديل بعض السياسات الأسرية والاجتماعية، لتوفير بدائل رعاية مهنية أو دعم مجتمعي يمكن الاعتماد عليه.من جهتها، تقترح المرشدة النفسية والتربوية رائدة الكيلاني توفير مساحات آمنة لهؤلاء الأطفال لمشاركة تجاربهم، سواء من خلال جلسات دعم نفسي جماعي، أو عبر أنشطة تفريغ مثل الرسم واللعب التفاعلي، إلى جانب تدريب الأهل على كيفية إعادة توزيع الأدوار داخل المنزل، بطريقة لا تُثقل كاهل الطفل.وتقول الكيلاني: "العديد من هؤلاء الأطفال لا يجدون من يستمع إليهم، لأنهم لا يجرؤون على الشكوى. يشعرون أن ذلك نوع من الخيانة لأهلهم، أو ضعف يجب إخفاؤه".ومع هذا الصمت، تستمر معاناة 'أطفال الظل'، بعيدا عن الضوء.

إقليم إيطالي يعلن قطع علاقاته مع "إسرائيل"
إقليم إيطالي يعلن قطع علاقاته مع "إسرائيل"

الغد

timeمنذ 3 ساعات

  • الغد

إقليم إيطالي يعلن قطع علاقاته مع "إسرائيل"

اضافة اعلان وفي اليوم الـ75 من استئناف حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرب التوصل إلى اتفاق بشأن غزة.وفي الوقت ذاته، أعلنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أنها تجري مشاورات مع القوى والفصائل الفلسطينية حول مقترح وقف إطلاق النار الذي تسلمته من المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف.من جانبه، قال رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير إنه ينبغي وقف إطلاق النار حال وجود فرصة لصفقة، مشددا على عدم الانجرار لحرب أبدية.ونقلا عن موقع "الجزيرة نت"، يأتي ذلك في وقت ذكرت فيه الأمم المتحدة أن 200 ألف شخص نزحوا في غزة خلال أسبوعين، وذكرت منظمة اليونيسيف أن 50 ألف طفل فلسطيني استشهدوا أو أصيبوا منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023.وفي الضفة الغربية المحتلة، صعّد المستوطنون اعتداءاتهم على الفلسطينيين وهاجموا ممتلكات وأراضي في مناطق عدة بالخليل ورام الله والأغوار.من ناحيته، قال وزير الدفاع في حكومة الاحتلال الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن توسيع الاستيطان رسالة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وأصدقائه بأنهم سيعترفون بدولة فلسطينية "على الورق".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store