logo
سقوط 1120 قتيلاً ونزوح 128 ألفاً نتيجة الاشتباكاتسورية: المساعدات تدخل السويداء بعد وقف إطلاق النار

سقوط 1120 قتيلاً ونزوح 128 ألفاً نتيجة الاشتباكاتسورية: المساعدات تدخل السويداء بعد وقف إطلاق النار

الرياضمنذ 7 ساعات
دخلت الأحد أول قافلة مساعدات إنسانية من الهلال الأحمر السوري الى مدينة السويداء في جنوب سورية، غداة إعلان وقف لإطلاق النار أعقب أسبوعاً من اشتباكات أوقعت أكثر من 1100 قتيل، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وأفاد المرصد الاثنين عن تسجيل "خروقات لاتفاق وقف إطلاق النار"، تمثلت بـ"إطلاق قذائف وهجمات بطائرات مسيّرة من قبل مسلحي العشائر على" محاور عدة في شمال مدينة السويداء.
وشاهد مراسل فرانس برس على مشارف السويداء أربع حافلات وسيارات خاصة تُجلي عائلات من البدو بينهم نساء وأطفال، خرجت باتجاه مراكز إيواء في محافظتي درعا المجاورة ودمشق بالتنسيق مع الهلال الاحمر العربي السوري.
وقال إن قوات الأمن السوري رفعت سواتر ترابية تفصل بين أطراف بلدة بصر الحرير في درعا ومدينة السويداء ومحاور أخرى في ريف المدينة الغربي، بينما تجوّل خلفها عدد من العناصر، وبجانبهم عدد من مقاتلي العشائر بملابسهم التقليدية وأسلحتهم الخفيفة. وقد توزعوا تحت الأشجار وعند جانبي الطريق.
وشهدت السويداء هدوءًا حذرًا الأحد، وفق مراسلين لفرانس برس في المدينة وعلى أطرافها، توازيا مع انتشار عناصر الأمن الداخلي في أجزاء من المحافظة بموجب إعلان الرئاسة السورية وقفا لإطلاق النار السبت.
وأتاح ذلك دخول أول قافلة محملة مساعدات انسانية الى المدينة التي بدت مقفرة بعد نزوح غالبية سكانها البالغ عددهم 150 ألف نسمة.
وقال مدير الإعلام والتواصل في الهلال الأحمر عمر المالكي لفرانس برس "هذه أول قافلة تدخل بعد الأحداث الأخيرة.. بالتنسيق مع الجهات الحكومية والسلطات المحلية" في المدينة.
وتضمّ المساعدات سلالا غذائية ومستلزمات طبية وطحيناً ومحروقات وأكياساً للجثث، بحسب المالكي.
ولا تزال الجثث تملأ مشرحة المستشفى المركزي في السويداء وبعض غرفه، وفق صور التقطها مصور لفرانس برس، بينما يعمل الطاقم الطبي المنهك بين جثث موزعة في المكان، بعضها مكشوف.
ويقول مسؤول في الطبابة الشرعية في المستشفى لوكالة فرانس برس، من دون الكشف عن اسمه "سلمنا 361 جثة الى عائلات أصحابها، بينما لا يزال لدينا 97 جثة مجهولة الهوية".
وأفادت إدارة المستشفى عن أن جثثا مجهولة الهوية لا تزال تتكدس في شوارع ومنازل المدينة، داعية الى الاسراع في عملية سحبها، بعد مضي أيام على مقتل أصحابها.
ويعمل الطاقم الطبي وسط ظروف صعبة في المستشفى الذي دارت اشتباكات في محيطه وفي جزء منه خلال الأسبوع الماضي، بينما كان يغصّ بالجرحى الذين افترش بعضهم الممرات الضيقة.
وبحسب تقرير لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة "خرجت المستشفيات والمراكز الصحية في السويداء عن الخدمة" وسط "نقص واسع في الغذاء والماء والكهرباء وتقارير عن جثامين غير مدفونة ما يثير مخاوف حقيقية على الصحة العامة".
وأشار التقرير إلى أن الوصول إلى السويداء "لا يزال مقيداً للغاية"، لافتاً إلى أنه "في حين تم مناقشة فتح ممرات، إلا أن الوصول الميداني الفعلي لم يؤمن بعد لتنفيذ عمليات إنسانية واسعة النطاق".
وأكد المرصد أن "هدوءاً حذراً" يسود جبهات القتال منذ منتصف ليل السبت الأحد، محذرا من "تدهور الأوضاع الإنسانية والنقض الحاد في المستلزمات الطبية".
واندلعت أعمال العنف في 13 يوليو/تموز/ بين مسلحين دروز وآخرين من البدو، قبل أن تتدخل فيها القوات الحكومية ثم مسلحين من العشائر الى جانب البدو، وفق المرصد وشهود. وفاقمت ضربات اسرائيلية على مقار رسمية في دمشق وأهداف عسكرية في السويداء، الوضع سوءاً.
تبادل محتجزين
وأعلنت وزارة الداخلية "إخلاء مدينة السويداء من كافة مقاتلي العشائر وإيقاف الاشتباكات داخل أحياء المدينة"، في خطوة قال المتحدث باسم مجلس القبائل والعشائر السورية خلدون الأحمد إنها جاءت "استجابة لنداء رئاسة الجمهورية وبنود الاتفاق".
على منصة (أكس)، قال المبعوث الأميركي الى سورية توم برّاك "لا يمكن احتواء الأعمال العدائية المتصاعدة إلا من خلال اتفاق على وقف العنف وحماية الأبرياء".
وأضاف "أما الخطوة الأساسية التالية على طريق الشمول وخفض التصعيد المستدام، فهي تنفيذ عملية تبادل كاملة للأسرى والمعتقلين، والتي يجري حاليًا الإعداد لترتيباتها اللوجستية".
وأفادت وكالة سانا الرسمية مساء الأحد بأن "المفاوضات لا تزال جارية" من أجل "تبادل المحتجزين بين عشائر البدو والمجموعات المسلحة في السويداء".
وجاء اعلان دمشق السبت عن وقف لإطلاق النار بعد ساعات من إعلان الولايات المتحدة عن هدنة بين سورية وإسرائيل التي تعهدت مرارا بحماية الدروز، وسبق لها أن حذّرت السلطات السورية من أنها لن تسمح بوجود قواتها في جنوب سورية على مقربة من هضبة الجولان التي تحتل أجزاء واسعة منها منذ 1967.
1120 قتيلاً و128 ألف نازح
وأوقعت الاشتباكات التي تخللها عمليات اعدام وانتهاكات، 1120 قتيلاً خلال أسبوع، بحسب أحدث حصيلة للمرصد الأحد.
كما دفعت أكثر من 128 ألف شخص الى النزوح من منازلهم، وفق المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة.
وتعاني قلة من السكان ما تزال تلازم منازلها في السويداء من انقطاع الكهرباء والماء، فيما الغذاء شحيح مع استمرار إقفال المحال التجارية.
وحضّ وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو السلطات على "محاسبة أي شخص مذنب بارتكاب الفظائع وتقديمه إلى العدالة، بمن فيهم من هم في صفوفها".
وقال على (إكس) "إذا كانت السلطات في دمشق تريد الحفاظ على أي فرصة لتحقيق سورية موحدة وشاملة وسلمية (...) يجب عليها المساعدة في إنهاء هذه الكارثة".
وأعمال العنف الأخيرة ليست الأولى تشهدها سورية منذ وصول السلطة الجديدة الى الحكم قبل أكثر من سبعة اشهر. وأسفرت اشتباكات دامية بين قوات الأمن ومسلحين في منطقة الساحل السوري استمرت لثلاثة أيام خلال مارس /آذار/عن مقتل أكثر من 1700 شخص.
وأعلنت الرئاسة السورية الأحد تسلمها تقرير لجنة تقصي الحقائق الرسمية المكلفة التحقيق في أعمال العنف في الساحل، متعهدة باتخاذ خطوات من شأنها "منع تكرار الانتهاكات".
وأكدت الرئاسة في بيان أنها "ستقوم بفحص النتائج الواردة في التقرير بدقة وعناية فائقتين لضمان اتخاذ خطوات من شأنها الدفع بمبادئ الحقيقة والعدالة والمساءلة ومنع تكرار الانتهاكات في هذه الوقائع وفي مسار بناء سورية الجديدة"، من دون نشر أي من خلاصاته.
ووفق شهادات وثقها آنذاك ناجون ومنظمات حقوقية ودولية، فقد أودت أعمال العنف بأفراد عائلات بأكملها، بمن فيهم نساء وأطفال ومسنون.
وحضت باريس السلطات على "إجراء تحقيق في الانتهاكات غير المقبولة المرتكبة بحق المدنيين" في السويداء، داعية إياها إلى "ضمان أمن وحقوق جميع مكوّنات الشعب السوري، بناء على ما التزم به الرئيس أحمد الشرع".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

النزوح من السويداء متواصل.. أكثر من 3500 أسرة وصلت درعا
النزوح من السويداء متواصل.. أكثر من 3500 أسرة وصلت درعا

العربية

timeمنذ 6 ساعات

  • العربية

النزوح من السويداء متواصل.. أكثر من 3500 أسرة وصلت درعا

أكد مسؤول حكومي في محافظة درعا، الاثنين، نزوح أكثر من 3500 أسرة من البدو والدروز من منازلها بمحافظة السويداء إلى محافظة درعا جنوبي سوريا. وأوضح حسين نصيرات، عضو المكتب التنفيذي للشؤون الاجتماعية والعمل والطوارئ في محافظة درعا، في حديث مع وكالة "الأناضول"، أن عملية النزوح من محافظة السويداء إلى ريف درعا الشرقي متواصلة "بسبب المخاوف الأمنية". وأضاف: "استقبلنا أكثر من 3500 عائلة حتى الآن. ووصلت صباح اليوم أكثر من 200 عائلة مهاجرة جديدة إلى درعا". ومن بين النازحين إلى درعا بحسب نصيرات، عائلات من العشائر البدوية ومن الطائفة الدرزية وأبناء محافظات أخرى كانت تقيم في السويداء. وأشار نصيرات إلى أن معظم النازحين تم إيواؤهم في 30 مركزاً مؤقتاً بمدارس مهجورة. ولفت إلى أن بعض العائلات لجأت إلى أقاربها وبعضها نصب خياماً في مناطق مفتوحة حول المدينة. وذكر نصيرات أن المجتمع المضيف كان في طليعة جهود الإغاثة الإنسانية، مضيفاً: "منذ اللحظة الأولى، حشد السكان المحليون جهودهم لتلبية الاحتياجات الأساسية، ثم انضمت المنظمات الإنسانية المحلية والدولية إلى العملية، وتستمر المساعدات بالتنسيق مع لجنة الطوارئ بمحافظة درعا، والدفاع المدني، والهلال الأحمر، وغيرها من منظمات الإغاثة". وأكد أن المزيد من الأسر قد تغادر منازلها جراء الاشتباكات في السويداء، مضيفاً: "نتوقع نزوح ما لا يقل عن ألفي أسرة أخرى مع فتح الممرات الإنسانية الآمنة، لذا نقوم بإعداد مراكز إيواء جديدة في مناطق مختلفة". سوريا سوريا والشرع برّاك يهاجم التدخل الإسرائيلي في سوريا.. ويدعو للحوار بين السوريين وأشار نصيرات إلى أن مدة بقاء الأسر النازحة في درعا غير واضحة، مضيفاً: "نأمل أن يعود الأمن والاستقرار إلى السويداء تحت إشراف الدولة، لكن العديد من العائلات فقدت منازلها أو أن بيوتها باتت بحاجة إلى ترميم، لذلك عودة بعض الأسر قد تستغرق وقتاً". ودخل وقف إطلاق النار الذي أعلنته السلطات السبت حيز التنفيذ عملياً الأحد، بعيد انسحاب مقاتلي البدو والعشائر من مدينة السويداء التي استعاد المقاتلون الدروز السيطرة عليها. واندلعت الاشتباكات في 13 يوليو (يوليو) بين مسلحين محليين وآخرين من البدو، وسرعان ما تطورت الى مواجهات عنيفة تدخلت فيها القوات الحكومية ومسلحو العشائر، وشنّت اسرائيل خلالها ضربات على محيط مقار رسمية في دمشق وأهداف عسكرية في السويداء. و أتاح نشر قوات من الأمن الداخلي في أجزاء من المحافظة، من دون المدن الكبرى ومن بينها السويداء، بعيد انسحاب مقاتلي العشائر والبدو.

الشرق الأوسط ومحنة الفقر السياسي
الشرق الأوسط ومحنة الفقر السياسي

الشرق الأوسط

timeمنذ 7 ساعات

  • الشرق الأوسط

الشرق الأوسط ومحنة الفقر السياسي

دفعَت المنطقة، على امتداد نصف قرن، أثماناً مرعبة جراء النزاع مع إسرائيل، إذ صُورتْ إسرائيل بأنَّها كيانٌ هش، قائم على الدعم الخارجي أكثر مما هو قائم على تماسك داخلي أو شرعية وجود. وهذا أفرز سرديات قومية وإسلامية ويسارية كاملة تدعو لانتظار سقوطِها الحتمي والوشيك. ونابت هذه الترسانة العقائدية دوماً عن الحاجة إلى تطوير مشاريع سياسية، وبررت لأصحابها افتقارهم للمسؤولية التاريخية عن أحوالهم وأحوال شعوبهم وبلدانهم. يتسلل، في الاتجاه المعاكس، وهم قد يكون أخطر، مفاده أن إسرائيل ما عادت بحاجة إلى السياسة وأفكارها، وأن فائض القوة ومنطق الردع الدائم ينوبان عن الاعتراف بها عبر ترتيبات السلام والتطبيع والتسويات، ويتيحان لها أن تعيد تشكيل الإقليم وحدها بلا مفاوضات أو شراكات. هذا تماماً ما أفصحت عنه الضربة التي تعرّضت لها دمشق في أعقاب أحداث السويداء. قصف مذهل بتوقيته، وقوته، وبالاستعراض العنيف الذي انطوى عليه في قلب العاصمة؛ فهي رسالة جيو - سياسية، تفيد بأن إسرائيل ما عادت تكتفي بإجهاض تهديدات قائمة، بل جاهزة لتوظيف تفوقها العسكري بغية فرض معادلات سياسية تناسبها. ولئن جاء القصف في أعقاب سيل من التقارير عن مفاوضات سلام بين دمشق وتل أبيب، فإن رسائله آذت كثيراً الرهان العاقل على أن تحييد مهددات الاستقرار في الاقليم يمر عبر تطوير التحالفات وتعميق التفاهمات والبناء على المصالح المشتركة. كأن إسرائيل تعيش اليوم لحظتها «الناصرية» بشكل معكوس، وتتقمص مقولة إن «ما أُخذ بالقوة لا يُسترد بغير القوة»، باعتبارها عقيدة سيطرة مستدامة، لا ترى في التسويات إلا تهديداً لوجودها ولا في الحاجة للاعتراف السياسي إلا عبئاً، يعطل قدرتها على فرض نموذج إقليمي جديد يعيد إنتاج التوازنات من الجو، بلا شركاء، بلا تفاوض، وبلا حاجة حتى إلى وسطاء. بيد أن الناصرية سقطت حين أوهمت الجماهير أن امتلاك الميكروفون يغني عن امتلاك المشروع، وهذا يكاد يؤشر إلى مصير النموذج الإسرائيلي الراهن الذي يرى أن طائرات «إف - 35» تغني عن الأفق السياسي، وتحرر تل أبيب من الحاجة لتقديم «رؤية»، لا لخصومها فقط، بل لحلفائها، ولمجتمعها، وللعالم. ثمّة خلط قاتل بين حاجة إسرائيل لامتلاك أدوات ردع فعالة، وأن تُحسن توظيف هذه الأدوات ضمن استراتيجية مستدامة يحميها غطاء سياسي داخلي متماسك، ودعم إقليمي ودولي واضح، بغية تحقيق مشروع سياسي للمنطقة؛ لأن البديل الذي يلوح في الأفق الآن هو حالة استنزاف دائمة تدخلها إسرائيل (والمنطقة)، تستهلك مواردها، وتفاقم التشظي المجتمعي، وتضعف شرعية القرار السياسي والاستراتيجي، على نحو يجعل من السعي إلى فرض الاستقرار بالقوة، مجرد دينامية اضطراب مزمن. كما يهدد هذا النموذج بضرب ما تبقى من مراكز التوازن في المنطقة، ويُضعف منطق الواقعية، ويُحرج كل رهانٍ على الاعتدال والتجسير بين إسرائيل ومحيطها. إن مثل هذا الافتقار المرعب لأي أفق سياسي، حتى لإدارة الصراع، وتحويل التفوق العسكري إلى ما يشبه الهوية، والإقليم إلى حقل عمليات مفتوح، يحرر على المقلب الآخر، جماعات الرفض من عبء التأقلم والتغيير، ويسمح لها بإعادة إنتاج سردياتها عن وجود إسرائيل ودورها في «تقسيم الدول العربية وإضعافها»! قبلاً، فشلت إسرائيل، رغم ما راكمته من تفوق عسكري وتكنولوجي، في تثبيت شرعية موقعها الإقليمي، لأنها لم تغادر، إلا لماماً، منطق الدفاع الدائم؛ فكثيراً ما عرفت نفسها من خلال ما ترفضه، لا ما تقترحه، ومن خلال ما تخشاه، لا ما تأمله. واليوم، تبدو إسرائيل مكتفية بمنطق الهجوم الدائم، من خان يونس إلى أصفهان. وبين المنطقين، يكاد يندر أن يُعثر على أي جهد لبناء سردية سياسية أو أخلاقية تسمح لها بتثبيت وجودها في زمن الشرق الأوسط، لا في جغرافيته فقط. ما يفوت إسرائيل الحالية، وما يفوتنا أيضاً، أننا في الشرق الأوسط، لا نعيش سباق تسلّح، بل سباق سرديات. وفي هذا الخصوص، ثمة مسؤولية عربية أيضاً، عن إنتاج أفق سياسي متماسك، يكف عن التعامل مع الأزمات في غزة وسوريا ولبنان واليمن والسودان والعراق، بمنطق التجزئة، ومن دون أن يُطرح تصور إقليمي شامل يُعيد تعريف ما هو ممكن. يضاف إلى ذلك أنَّ هناك بعض الارتياب والتردد لدينا حيال فكرة أن الأنظمة المأزومة قابلة لإعادة التشكيل السياسي، وليست محكومة سلفاً بضرورة إرجاعها إلى «ما قبل» الانهيار، من دون تغيير؛ فانفجار الأنظمة ليس مجرد «حالة يجب استيعابها»، بل فرصة لفرض هندسات سياسية مختلفة، تفتح الباب أمام تسويات داخلية قابلة للبقاء. والحال، يكمن التهديد الحقيقي لإسرائيل ولنا، في الجفاف السياسي. العرب يحتمون بقوة الجغرافيا كأنها شرعية دائمة، وإسرائيل تهاجم بقوة العسكرة كأنها مشروع مستدام. إن اختزال السياسة إلى تفوق جوي واستخباراتي، والشرعية إلى معطى جغرافي وتاريخي فقط، مصيره أن يصنع فراغاً عملاقاً، والفراغ، في هذا الإقليم، لا يطول أبداً قبل أن يملأه خصمٌ ما، أو كارثة.

هوس نتنياهو وخيارات المنطقة
هوس نتنياهو وخيارات المنطقة

الشرق الأوسط

timeمنذ 7 ساعات

  • الشرق الأوسط

هوس نتنياهو وخيارات المنطقة

مفهومُ الدَّولة في ميثاق الأممِ المتحدة ينطوي على الاعتراف بحدودٍ واضحةٍ وبسيادةٍ للدولة، وكانت ولادةُ المفهومِ في أوروبا بعد حرب الثلاثين عاماً الدينية؛ ولكيلا يتقاتل الأمراءُ آنذاك اتَّفقوا على قيامِ إماراتٍ بحدودٍ ثابتةٍ، وعلى المقيمينَ فيها من ديانات متنازعة الخضوعُ لأمير الإمارة، ومن لا يريد يغادر إلى سلطة أميرٍ آخر يحمل معتقدَه. هكذا خرجت أوروبا من دائرة الاقتتال والتنازع إلى الاستقرار والأمان. أمَّا في عالمنا العربي فلا تزال للأسف فكرة مفهوم الدَّولة غير مستقرة، ولا تزال آيديولوجية المعتقد، أو القبيلة، سائدةً، ومعه تغدو الحدودُ مطاطيةً قابلةً للتَّمدّدِ أو الانكماش؛ طراوة المفهوم تحوَّلت صنارةً تصطادُ بها دولٌ ذاتُ أطماع أقلياتٍ دينية وعرقية لتحقيقِ مصالحها الخارجية على حساب السيادة والحدود. لذلك شدَّدَ ميثاقُ الأمم المتحدة على أنَّ الحدودَ مقدسة، وأنَّ التَّدخلَ في الشؤون الداخلية للدول انتهاكٌ سافر، وبقيت نصوصُه بالممارسة حبراً على ورق. التَّدخلُ الإسرائيلي الأخير في السويداء وقصف قوى الأمن السورية، وكذلك العاصمة، والتهديدُ للحكومة السورية الوليدة بإسقاطها، يؤشر إلى رغبة بانتهاك الميثاق وبالذَّات قدسية الحدود، وعدم التدخل في الأمور الداخلية للدول. بهذا يكرّس نتنياهو أنَّ أي دولةٍ لها الحق بأن تفرضَ منطقَها على أخرى بحجة حماية أقلية، أو تحصين أمنِها القومي. لكنَّه في حمأةِ فائضِ القوة، وتمكنه من الإفلات من العقاب في غزة، نسي أنَّ هذه المنطقة رمالُها متحركة، وتعقيداتها أكثر مما يتصورها، ومنها أن الدروز ليسوا كتلة متراصة إزاء مشاريعه، والعرب لا يرغبون في سلام متفجر معه، وتركيا لن ترضى بتوسعه على حساب أمنها في سوريا. فالعرب من باب البراغماتية، بعد قضم ميليشيات إيران لسيادة دولهم، وبعد الربيع العربي وتبعاته، مالوا للمصالحة من باب الواقعية مع إسرائيل ليتفاجأوا أنها أصبحت أكثر تغولاً على مفهوم الدولة. فإيران تسترت دائماً بقناع الميليشيات، بينما إسرائيل تجاهر بقصف قصر رئيس عربي، وتدمر هيئة الأركان لدولة خرجت للتو من هيمنة التدخل الإيراني، كانت إسرائيل تتذرع أنه تهديد لها؛ فإذا هي بعد كل التنازلات التي قدمها الرئيس السوري الجديد من سكوت على احتلال للجولان والتوسع باتجاه مدينة دمشق، وتسليم متعلقات تعود للجاسوس كوهين، وقبول سلام متدرج شرط استعادة الأراضي السورية المحتلة، وقبول حل عادل للقضية الفلسطينية، يجد نفسه مهدداً بالموت من طائراتها، وموصوفاً بالتطرف، رغم اعتراف كل الدول به. إنَّ مصير الدول مرتبط عادة بسيكولوجيا قادتها، ونتنياهو، بعد عشرين عاماً في السلطة، يريد أن يكون صانع معجزات لشعب إسرائيل، وقاهراً لكل أعدائها، ولن يرضى بسلام إنَّما فقط باستسلام؛ لذلك طلب من الرئيس الشرع أن ينسى الجولان ومساحات احتلها مؤخراً من جبل الشيخ، وألا يمارسَ سيادة الدولة في السويداء؛ وغداً سيمنعه من شراء طائرات أو منظومات دفاعية بحجة أنها ستهدد أمنه. وبجانب هذه النزعة القيادية التاريخية يعاني نتنياهو من عقدة خطيرة: هوس الخوف. هذا الهوس المرضي يسبب مشكلة أكبر لمن يحيطون به لأنَّهم سيتخوفون منه أكثر، وسيضطرون إلى الاستعداد بكل ما لديهم لمواجهته، وبهذا تصبح المعركة حتميةً ودمويةً وعصيةً على الحل. نتنياهو المهووس هو مشكلة أيضاً للولايات المتحدة وأوروبا اللتين تدعمانه؛ وقد نشر موقع «المونيتر» الإخباري عن مسؤولين أميركيين قولهم لنتنياهو: «لا يمكنك أن تدخل حرباً جديدةً كل بضعة أيام. نحن نحاول إطفاء اللهب، وتخفيض الحروب وأنت تزيدهما»؛ وأوروبا كذلك بدأت تخجل من إسرائيل، التي كانت تتباهى بأنَّها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة. لقد تعدَّت تجاوزات نتنياهو ما يُسمى في علم الاقتصاد «الإشباع الحدي»، بمعنى أنَّه وصل قمة الإشباع، بالتالي سيبدأ حتماً رحلة العد التنازلي، ولأسباب أهمها أنه أثبت للجميع أنَّ السلام يتحقق فقط بتوازن القوى وإلا أصبح استسلاماً، وبرهن للولايات المتحدة على أنَّه عقبة أمام رؤية ترمب للسلام في المنطقة؛ وثبت لأوروبا أنَّه لطخة عارٍ على الديمقراطية والإنسانية؛ ودفع تركيا الأطلسية إلى التكشير عن أنيابها حمايةً لمصالحها، والتقرب أكثر من العرب. كما دفع الشرع للتهديد المبطن أنَّ القتال حرفته، ولا يخاف مواجهته لحماية وحدة بلاده. وما رأيناه مؤخراً من تحرك للقبائل والعنف المتبادل أيقظ المعنيين بضرورة دعم الدولة السورية، وإلا فالعنف سيجر عنفاً، ويعود الأمر إلى ما كانت عليه سوريا في السابق على حساب أمن المنطقة وأميركا نفسها وأيضاً إسرائيل. ثمة خياران لا غير: أن يتوقف نتنياهو عن هوسه، وعن فكرة الزعيم التاريخي، ويرضخ للمطالب المحقّة في المنطقة، ويصبح مثل غيره، يحترم مفهومَ الدولة، وسيادتها، ويقبل بالتعايش مع الحق الفلسطيني، أو يرفس هذه المصطلحات كلها لإقامة إسرائيل الكبرى، والكوارث التي سيجنيها من جرَّاء ذلك. إنْ اختار الأول عاش بسلام، وإلا سيدرك بعد فوات الأوان أنَّ مُشعلَ النار لا يستطيع إطفاءَها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store