
تحديات تواجه سوريا للانخراط في نظام سويفت وتداول الدولار
لا شك في أن عودة سوريا إلى نظام سويفت يساهم في فتح قنوات التحويلات المالية الدولية، ويقلّص الاعتماد على الوسائل غير الرسمية باهظة التكلفة، مثل السوق السوداء أو وسطاء التحويل.
ويسهم استئناف سويفت في تسهيل تحويلات المغتربين، وأموال المستثمرين، والأموال المحتملة لإعادة الإعمار، والتي قدرتها العديد من المؤسسات المالية الدولية بـ400 مليار دولار.
وسيكون لعودة العمل بنظام السوفيت دور لوضع خطة لتحديث المصارف، وتعزيز سلسلة الامتثال، وإطلاق المؤسسات الضامنة للودائع، مع تعزيز الثقة أمام المستثمرين.
لكن بحسب العديد من المراقبين والمتابعين تشهد عملية العودة إلى نظام سويفت بعض التحديات التي لا بد من إزالتها والتعامل معها من قبل الحكومة السورية، ومن جانب آخر لا تزال غالبية البنوك السورية غير مسموح لها بالقيام بمعاملات مالية مقيمة بالدولار.
آليات التعامل مع سويفت
يقول الخبير في الاقتصاد السوري يونس الكريم، في تصريح خاص للجزيرة نت، أن آليات عمل نظام سويفت معقدة، وهي شبكة اتصالات مالية، وسويفت ليس مؤسسة قادرة على التعامل مع دولة ما فور رفع العقوبات عنها، مثل سوريا.
ويعرض الكريم مجموعة من الشروط، التي وصفها بالتحديات، والتي يجب أن تنفذ من عدة أطراف حتى تعود سوريا إلى نظام سويفت:
أولا، الموافقة التقنية من الفدرالي الأميركي، الذي يعد الراعي والمسؤول عن شبكة اتصالات نظام سويفت. ويصنف الفدرالي على أنه بنك العالم باعتباره متحكما بالدولار.
ثانيا، وجود الموثوقية والشفافية، في التعامل مع المصارف السورية، وعدم وجود مخاطر، ويوضح الكريم هنا عددا من المخاطر:
– سياسة حبس السيولة التي ما زالت المصارف السورية تتبعه، وهو ما يعني أن أموال المودعين لا يمكن سحبها سواء كان العميل مستثمرا أو منظمة أو فردا، وبالتالي يمنع هذا الإجراء الكثير من العملاء من استخدام نظام تحويل سويفت عبر البنوك السورية، وذلك خوفا من حبس السيولة.
– قيام شركة شام كاش بالعديد من العمليات المالية للحكومة، وهي شركة غير رسمية، وهذا الأمر، بحسب الكريم قد يشكل تهديدا للشفافية في المصارف الدولية.
ثالثا، يرى الكريم أن العقوبات المفروضة على سوريا لم ترفع بشكل كامل، بل علقت لمدة معينة، وهو ما يجعل البنوك والمصارف الدولية متخوفة من العمل مع المصارف السورية.
رابعا، لتسريع الانضمام إلى نظام سويفت يمكن الاستفادة من بنوك قطر وتركيا لتكون بنوكا مرسلة وضامنة، إلا أنه لا يوجد ضامن لعمليات المراسلة إلى الآن من بنوك الدول الصديقة.
بالتالي، لا يمكن القول إن سوريا جاهزة لاستخدام نظام سويفت بشكل طبيعي، بل يتطلب ذلك تخطي بعض المراحل والتحديات أو شروط معينة.
تحدي تداول الدولار
ما زالت سوريا خاضعة لمجموعة من العقوبات الثانوية المرتبطة بشخصيات كانت تعمل لحساب النظام المخلوع، وهذه الشخصيات تمتلك حصصا سهمية ونفوذا على المصارف والبنوك في سوريا.
في هذا السياق، يقول الكريم للجزيرة نت إن البنوك السورية الخاصة غير مسموح لها بالتعامل والتداول بالدولار، (مثل بنك سوريا الدولي الإسلامي، وبنك بيمو، وغيرها) حيث تخشى هذه البنوك التعامل بالدولار لأنها خاضعة للعقوبات بشكل مباشر أو عبر أعضاء مجلس إدارتها للعقوبات الأميركية الثانوية التي قد تطال شركاءها أو مسؤوليها الخاضعين للعقوبات الدولية.
ولهذا السبب لم يتم تفعيل بعد نظام السويفت الدولارية لهذه البنوك رغم استعادة رموز "سويفت" (SWIFT).
وقد سمحت الحكومة السورية للبنك التجاري السوري فقط "سي بي أو إس" (CBOS) بتداول الدولار واستخدامه للعمليات المالية الدولية، التي يعتقد أنها كانت تحت بند العامل الإنساني.
وعند منح استثناءات أو تراخيص جزئية (كما حدث في مايو/أيار 2025 بترخيص من "أو إف إيه سي" OFAC)، فضّلت الحكومة السورية توجيه العمليات الدولارية عبر بنك واحد فقط، وهو البنك التجاري، وذلك لعدة أسباب بحسب مسؤولين في الحكومة، وهي:
– أن البنك التجاري هو البنك الحكومي الوحيد المخول بالتعاملات الخارجية، ويخضع مباشرة للحكومة.
– يُعتبر "أكثر موثوقية" للتحكّم في تدفقات العملات.
– لضمان عدم استخدامه في عمليات تمويل محظورة.
وبحسب خبراء، فإن عرقلة تعامل غالبية المصارف السورية بالدولار قد ينتج عنه أضرار على عملية تنمية اقتصاد البلاد، لأن الدولار هو العملة الأكثر استخداما في التجارة العالمية.
ويؤكد الكريم أن عرقلة تداول الدولار يُصعب من القيام بعمليات المراسلة والدفع واستلام الأموال في التعاملات التجارية الدولية، وإلى ارتفاع تكلفة الواردات، وانخفاض مستوى الإنتاج الصناعي والتجاري، ونمو السوق السوداء، علاوة على صعوبة تلقي الحوالات من الخارج، حيث يجد السوريون في الخارج صعوبة في إرسال الأموال إلى الداخل بطرق رسمية.
وبحسب ما نشر المستشار الاقتصادي الرئيسي في مكتب المنسق المقيم للأمم المتحدة في سوريا الدكتور كرم شعار على موقعه الرسمي، فإن منع تداول الدولار سيكون له انعكاسات سلبية على الاقتصاد السوري.
انعكاسات سلبية على الأداء الاقتصادي
ويرى الكريم أن التحديات التي تواجهها سوريا لتسريع دخولها إلى نظام سويفت إضافة لحل مشكلة تداول الدولار من قبل العديد من المصارف السورية ستكون لها انعكاسات سلبية على التدفقات المالية إلى داخل سوريا، وبذلك قد يؤجل المستثمرون الدخول إلى السوق السورية.
وأضاف الكريم أن المستثمرين يفضلون القيام بمعاملاتهم المالية بطرق سليمة وشرعية، وعدم استئناف عمل نظام سويفت قد يشعرهم بارتفاع مستويات المخاطرة، علاوة على عدم وجود التأمين وشركات التأمين.
استكمال رفع العقوبات الأميركية والأوروبية لا سيما المتعلقة بعمل البنوك الخاصة.
تسهيل عمل منظمات المجتمع المدني في سوريا، حيث لدى هذه المنظمات باع طويل في التعامل مع البنوك الدولية.
إلغاء سياسة حبس السيولة، وإعادة بناء البنك المركزي وإعادة هيكلته بعيدا عن فرض سياسات نقدية.
إعادة هيكلة المصارف الخاصة، وإبعاد الشخصيات المرتبطة بالنظام السابق والمفروض عليها عقوبات، ويتطلب ذلك أن تبدأ الدولة في عملية عدالة انتقالية، وذلك يتيح للبنوك العودة إلى السوق المالية.
خامسا، طلب من الدول الصديقة مثل السعودية وقطر أو تركيا أو الأردن، أن ترشح بنوكا للقيام بدور المرسل للحكومة السورية، وأن يكون هذا الدور مدعوما من الدول الأم.
إلغاء عمل شركة شام كاش غير المرخصة.
قيام البنك المركزي السوري بالدعوة لمؤتمر دولي لرؤساء البنوك المركزية في العالم، لمساعدة سوريا في تخطي هيكلة البنك المركزي، ومن أجل تسريع عمل نظام سويفت في سوريا.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 20 دقائق
- الجزيرة
إعفاء منتجات أميركية من شهادة "الحلال" بمصر.. تسهيل للتجارة أم مجازفة بثقة المستهلك؟
في خطوة مفاجئة أثارت جدلا واسعا في الأوساط الشعبية والاقتصادية والدينية، أعلنت الحكومة المصرية إعفاء دائما لمنتجات الألبان المستوردة من الولايات المتحدة من شرط الحصول على شهادة "الحلال" عند دخولها إلى السوق المصرية. وبينما برّرت الحكومة القرار بأنه جزء من حزمة تيسيرات لتعزيز التجارة وجذب الاستثمارات، حذّر معارضون من مخاطره على ثقة المستهلك المسلم وسمعة مصر في سوق المنتجات الحلال عالميا. خلفية القرار وتفاصيله وجاء الإعلان عن القرار على لسان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي خلال المنتدى الاقتصادي المصري الأميركي الذي عُقد في مايو/أيار الماضي، حيث أوضح أن الإعفاء سيكون دائما ويستمر حتى نهاية عام 2025 دون أي رسوم، على أن تُفرض رسوم بقيمة 1500 دولار لكل حاوية بدءا من عام 2026. ووفق تصريحات حكومية، فإن القرار يهدف إلى دعم توسع الشركات الأميركية في السوق المصرية وتخفيف الأعباء الإدارية والمالية عن المستوردين. موقف الجهات الرقابية والتنظيمية وصرح مصدر مسؤول في الهيئة المصرية العامة للمواصفات والجودة -طلب عدم ذكر اسمه- بأن "علامة حلال" تُدرج بوصفها مطلبا فنيا في بعض المواصفات القياسية، لكنها ليست شرطا قانونيا عاما، بل تُطبق أساسا على الأغذية ذات المصدر الحيواني. وأوضح أن شهادة الحلال مطلوبة رسميا في استيراد اللحوم والدواجن فقط، إذ تشترط وزارة الزراعة أن تكون الشحنات مصحوبة بشهادة صادرة من جهة إسلامية معتمدة ومعترف بها من دار الإفتاء، بينما يُترك طلب الشهادة في منتجات الألبان لتقدير الجهات الرقابية تبعا لطبيعة المنتج والسوق المستهدفة. وحسب الموقع الرسمي للهيئة، تتولى 4 جهات إصدار شهادات "الحلال" في مصر: هيئة المواصفات والجودة بصفتها الجهة القانونية الوحيدة المخوّلة بإصدار العلامة. دار الإفتاء لاعتماد الجهات الإسلامية الخارجية. هيئة الخدمات البيطرية للإشراف على استيراد المنتجات الحيوانية. هيئة الرقابة على الصادرات والواردات لمراجعة مستندات الشحنات المستوردة. ورأى رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية أحمد الوكيل أن إعفاء منتجات الألبان ومشتقاتها من شرط شهادة الحلال يُعد خطوة عملية في مواجهة غلاء الأسعار، وسيدعم حضور الشركات الأجنبية في مصر من خلال تسهيل الإجراءات وتقليص التكاليف. وأكد في حديثه للجزيرة نت أن شهادة الحلال أصبحت "بيزنس عالميا" تديره "مافيات" معقدة، مشيرا إلى أن دولا إسلامية حاولت سابقا توحيد آلية إصدار الشهادة عبر غرف التجارة، لكنها اصطدمت بتعقيدات سياسية ودينية. ودعا الوكيل إلى توحيد الشروط والمعايير الخاصة بشهادة الحلال على مستوى العالم الإسلامي، موضحا أن بعض الشركات كانت مضطرة لتحمل نفقات إضافية لا تتناسب مع طبيعة المنتج، مما يرفع من السعر النهائي للمستهلك دون مبرر واقعي. ويتفق معه الدكتور هاني فهيم، أستاذ القانون التجاري الدولي، الذي أشار إلى أن قرار إلغاء شرط شهادة "حلال" لبعض السلع يُخفف الأعباء عن المستوردين، ويخدم المصالح التجارية لمصر، خاصة أن إجراءات الحصول على الشهادة معقدة ومكلفة وتشمل إشرافا خارجيا دينيا، مما يتسبب أيضا في إطالة زمن الاستيراد دون جدوى مباشرة. تحفظات وشكوك دينية وثقافية ورغم التبريرات الاقتصادية، فإن القرار يثير تساؤلات دينية وثقافية، إذ يُشير فهيم إلى أن مصر تعتمد على شهادات الحلال من جهات خارجية نتيجة عدم قدرتها على فحص كل المنتجات المستوردة، وهو ما يجعل الاعتماد على جهات معتمدة ضرورة تنظيمية لضمان التزام السلع بالشريعة. ويؤكد أن الاستغناء عن تلك الشهادات يفتح الباب للريبة، حتى وإن كانت الفوائد الاقتصادية واضحة. من جهته، عبّر محمود العسقلاني، رئيس جمعية "مواطنون ضد الغلاء"، عن مخاوفه من أن يمتد الإعفاء مستقبلا إلى منتجات أخرى ذات طابع شرعي أكثر حساسية، مثل اللحوم. وأوضح للجزيرة نت أن قرار الإعفاء لا يثير حساسية مباشرة بالنسبة لمنتجات الألبان، لكنه حذّر من أن تعميم النهج على المذبوحات قد يُضعف ثقة المستهلك المصري، كما قد يضر بسمعة مصر في أسواق الدول الإسلامية. وأكد العسقلاني أن الضوابط الرقابية هي الضمان الوحيد لطمأنة المستهلك المسلم، وأن الاستغناء عنها أو التساهل في تطبيقها قد يؤدي إلى تآكل هذه الثقة، خاصة في ظل غياب منظومة موحدة لإصدار شهادة الحلال في مصر. البُعد التجاري العالمي لشهادة "الحلال" وشدد الخبير الاقتصادي علاء حسب الله، عضو مجلس إدارة الجمعية العلمية للصناعات الغذائية وأستاذ اقتصاديات السوق بجامعة الإسكندرية، على أن الإعفاء لا يعني التخلي عن منظومة "الحلال"، مشيرا إلى أن الشهادة تُمنح من قبل جهات مرخصة وتعمل وفقا لمواصفات دولية معترف بها. وأوضح حسب الله أن مفهوم "الحلال" تجاوز البُعد الديني وأصبح أحد أدوات التنظيم التجاري، ويُستخدم كحاجز غير جمركي لتنظيم السوق وحماية الإنتاج المحلي، أو حتى ضمن أدوات الضغط والاستجابة لشركاء اقتصاديين. وأضاف أن مشروع إنشاء هيئة مصرية موحدة لإصدار شهادة الحلال لم يكتمل حتى الآن، رغم الحاجة الماسة إليه لضمان الشفافية والتنظيم. وأشار إلى أن شهادة الحلال لم تكن تُطبّق بصرامة على منتجات الألبان في الأصل، بل استُخدمت بشكل احترازي وفقا لتفضيلات المستهلك أو متطلبات بعض الأسواق، دون وجود سند قانوني واضح كما هي الحال في بعض الدول الإسلامية. بين الإصلاح والتفريط من جهته، اعتبر النائب السابق بمجلس النواب هيثم الحريري أن الأهم من وجود شهادة الحلال أو غيابها هو توافر رقابة حقيقية على جودة وسلامة المنتجات. وأوضح أن شهادة الحلال "ليست جوهرية في حالة الألبان"، لكنه تساءل في حديثه للجزيرة نت: "إذا لم تكن الشهادة ضرورية، فلماذا طُلِبَت أصلا؟". وأعرب الحريري عن خشيته من أن يكون القرار جزءا من تعهدات تجارية غير معلنة ضمن اتفاقيات ثنائية مع واشنطن، أو تفريطا في شرط طالما منح المستهلك المصري الثقة. كما حذر من أن الخطوة قد تُضعف من طموح مصر لإطلاق علامة "حلال مصرية" عالمية للتصدير، مؤكدا أن "الحلال" أصبح ثقافة استهلاكية وعلامة تجارية عالمية تحتفي بها دول مثل ماليزيا وتركيا. أما النائب عبد المنعم إمام، رئيس حزب العدل، فرحب بالقرار إذا كان ضمن خطة حكومية شاملة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري دون المساس بالمبادئ الشرعية. وأوضح أن مصر ترزح تحت وطأة عشرات الآلاف من القوانين والقرارات التي تعوق الاستثمار، مضيفا: "في هذا السياق، فإن التبسيط أمر محمود". وأكد إمام أن الضوابط التي تضعها هيئة سلامة الغذاء المصرية كافية لضمان جودة وسلامة المنتجات، دون الحاجة إلى شروط إضافية قد تؤخر أو تعرقل وصول السلع للأسواق. تخفيف أعباء لا تفريط في الضوابط وقال المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء، السفير محمد الحمصاني -في تصريح للجزيرة نت- إن القرار يهدف إلى تخفيف الأعباء على المستوردين من خلال السماح بزيادة عدد الجهات المخوّلة بإصدار شهادات الحلال للسلع التي لا تزال خاضعة لهذا الشرط، بهدف تعزيز المنافسة ومنع الاحتكار. وردا على المخاوف بشأن استيراد منتجات قد تحتوي على مكونات غير متوافقة مع الشريعة الإسلامية، أكد الحمصاني أن الشركات ستكون ملزمة بالإفصاح الكامل عن مكونات منتجاتها، وأن وزارة الزراعة هي الجهة المسؤولة عن الجوانب الفنية المتصلة بهذا الملف. وشدد على أن القرار جاء استجابة لشكاوى متعددة من ارتفاع الرسوم وطول الإجراءات، ضمن خطة أوسع لتبسيط اللوائح في مختلف القطاعات الاقتصادية.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
كيف قرأ الإيرانيون خطابات خامنئي قبل وبعد الحرب؟
طهران- على وقع تسويق المحور "الإسرائيلي الأميركي" نتائج عملية " الأسد الصاعد" كإنجاز تاريخي ضد إيران، جاء خطاب المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي عن انتصار بلاده في المواجهة -التي استمرت 12 يوما مع كل من إسرائيل وأميركا- ليربك روايتهما عن القضاء على البرنامج النووي الإيراني. ووجه خامنئي، الخميس الماضي، أول كلمة لشعبه منذ نهاية الحرب مع إسرائيل، قال فيها إن بلاده حققت انتصارا على "الكيان الصهيوني الزائف" ووجهت "صفعة قاسية" للولايات المتحدة، معتبرا أن الأخيرة لم تحقق أي إنجاز رغم قصفها المنشآت النووية الإيرانية وخوضها الحرب "لأنها شعرت أن الكيان الصهيوني سيدمر بالكامل". وبعد سويعات من خطاب المرشد، لوّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، أمس الجمعة، بضرب إيران مجددا إذا عادت إلى تخصيب اليورانيوم، وأعلن أنه أوقف إجراءات كانت تهدف لتخفيف العقوبات عن طهران، معتبرا -في مؤتمر صحفي- أن "خامنئي يعلم أن تصريحاته بشأن الانتصار في الحرب مع إسرائيل كذبة"، علی حد قوله. وعقب انقشاع غبار المعركة، بدأت تتسع في إسرائيل دائرة التشكيك في الرواية الرسمية حول نتائج الحرب، في حين توقعت الصحافة العبرية جولة جديدة من الحرب في قادم الأيام، مما يطرح تساؤلا جوهريا في إيران عن كيفية إدارة المرشد للمعركة العسكرية والحرب النفسية. خطابان خلال الحرب بعد سويعات من انتشار أنباء الاغتيالات الإسرائيلية التي طالت عددا من قادة الصف الأول والعلماء النوويين فجر الجمعة 13 يونيو/حزيران الجاري، سارع خامنئي إلى إصدار بيان خطي مقتضب لطمئنة شعبه، إذ توعد حينها إسرائيل بعقاب شديد، قبل أن يصدر أول خطاب تلفزيوني له تزامنا مع انطلاق الموجة الأولى من الصواريخ صوب إسرائيل، مشددا على أن "الكيان الصهيوني لن ينجو بسلام من هذه الجريمة". وبعد تهديدات أميركية باغتياله ودعوات إسرائيلية للإيرانيين لإسقاط النظام، أصدر خامنئي ثاني خطابه المصور في 18 الشهر الجاري، وقال فيه إن "إيران لن تغفر للكيان الصهيوني انتهاك أجوائها ولن تنسى دماء شهدائها"، كما حذر من أن "أي هجوم أميركي سيكون له عواقب وخيمة لا يمكن إصلاحها". ولا يخفى على المتابع للشأن الإيراني أن يلمس في خطابات المرشد الإيراني تحولا دراماتيكيا في السردية، بدءا من التوعد بعقاب صعب لإسرائيل مقترنا بنبرة غضب، ثم التحذير من جعل حياة الإسرائيليين مريرة، وصولا إلى تهنئة الشعب الإيراني بالنصر على عدو قال عنه إنه "سحق بالكامل تقريبا". السردية الإيرانية ولم تأت سردية النصر في طهران اعتباطا، إذ برر خامنئي ذلك بكشف سماء الاحتلال الإسرائيلي أمام صواريخ بلاده وتدمير منشآتها العسكرية والأمنية، راسما بذلك صورة مشرقة عن القوة الصاروخية الإيرانية التي دكت حصون أسطورة "الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر". ووفق خامنئي، لم تحقق طهران النصر على إسرائيل فحسب إذ تحدث عن إخفاق الجيش الأميركي في تحقيق إنجاز من خلال استهدافه المنشآت النووية الإيرانية، بل تجاوز المرشد ذلك وتحدث عن "ضعف أميركا" من خلال استهداف الصواريخ الإيرانية إحدى أكبر القواعد الجوية في المنطقة، حيث تشير تقارير إيرانية إلى أن الهدف من عملية "بشائر الفتح" كان استهداف رادار أميركي عملاق للإنذار المبكر لعب دورا بارزا في تحديد مواقع إطلاق الصواريخ الإيرانية خلال فترة الحرب. وعلى وقع الحرب النفسية التي يقودها الإعلام الغربي والعبري، أشاد خامنئي بالتعبئة الشعبية في بلاده و"وقوف الشعب سدا منيعا خلف قوات بلادهم المسلحة"، مستهزئا بدعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب ل لمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة- الذي دعا الإيرانيين إلى ثورة ضد النظام الإيراني. ولقطع الطريق على الفئات التي قد تعتب على طهران بسبب إصرارها على برنامجها النووي الذي دفع الشعب الإيراني ثمنه غاليا بالأرواح والأموال، وضع المرشد الأعلى إستراتيجية جديدة من خلال تحويل صراع الملف النووي إلى معركة وجودية بقوله إن "أميركا لن ترضى إلا باستسلام إيران" وإن هذا "أمر لن يحدث أبدا.. فأمتنا قوية". إدارة المعركة يقول الباحث السياسي علي رضا تقوي نيا، في معرض قراءته لخطابات المرشد الإيراني، إنه منذ صبيحة الهجوم الإسرائيلي علی إيران تولى خامنئي -وهو القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية- إدارة المعركة بحكمة ومهنية، إذ سارع إلى تعيين خلفاء للقادة العسكريين الذين طالتهم الاغتيالات الإسرائيلية، ثم أصدر بيانا لطمأنة الشارع الإيراني من أن أركان الدولة صامدة، وركز على استعداد القوات المسلحة لـ"إيلام العدو". وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح تقوي نيا أن المرشد الأعلى وظف اللغة "سلاحا بوجه العدو" فبدلا من التوعد بالانتقام استخدم عبارة "تغيير المصير للكيان الصهيوني" للدلالة على التحول من ردة فعل إلى مشروع إستراتيجي يتمثل في إزالة الاحتلال. وتابع المتحدث نفسه أن خامنئي عزف على وتر "الرد الموجع فورا" عدة مرات في خطاباته، في إشارة إلى البدء الفوري للحرب الشاملة على الجانب المعتدي الذي شن حربا مفتوحة على بلاده، مما يبرر الرد الإيراني غير المحدود. وحسب الخبير، تعمد خامنئي إرسال رسالة مفادها أن بلاده قادرة على ضرب أميركا والاحتلال الإسرائيلي دون دفعها ثمنا باهظا، مشددا على أن استهداف القواعد الأميركية "عمل قابل للتكرار" مما يجعل من ضرب المصالح لأميركية في الشرق الأوسط خيارا إستراتيجيا قد تلجأ إليه طهران حيثما تراه ضروريا. وخلص الباحث الإيراني إلى أن خطاب النصر الذي وجهه المرشد الإيراني الأعلى لشعبه قبل أيام تجنّب الإعلان عن "نهاية المواجهة"، مما يترك الباب مفتوحا لقوات بلاده للرد بسرعة على أي انتهاك لوقف إطلاق النار وليس "هدنة كما يروج لها الجانب الأميركي"، على حد قوله. سردية النصر من جهته، يشير الباحث السياسي جلال جراغي إلى أن خطاب النصر الذي أصدره خامنئي الخميس الماضي جاء متوافقا لما وعد به الشعب الإيراني من قبل، إذ توّج برفض طهران أي سلام مفروض عليها رغم طلب ترامب استسلامها غير المشروط وإنهاء برنامجها النووي. وفي حديث للجزيرة نت، يوضح الباحث الإيراني أنه عند الحديث عن النصر أو الهزيمة في الحرب يجب النظر في الأهداف المعلنة من شنها، مضيفا أن تل أبيب أخفقت في القضاء على البرنامجين الصاروخي والنووي في إيران، لا سيما أن التقارير الاستخبارية الغربية تكذّب ما ذهب إليه ترامب بخصوص تدمير المنشآت النووية الإيرانية، ناهيك عن أن طهران شنت هجمات صاروخية مكثفة على قاعدة العديد ، ومواقع عدة في إسرائيل قبيل وقف إطلاق النار. وأضاف أن ترامب توقع بعد الهجمات الإسرائيلية أن تعود إيران إلى طاولة المفاوضات لفرض شروطه في المحادثات اللاحقة، لكن طهران لم تتجاوب بعد مع المسار الدبلوماسي الذي استخدمه ترامب لتضليلها، مؤكدا أن البرنامج النووي الإيراني لم يعد تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى اللحظة، و"أعداؤه فقدوا معلومات حيوية عنه". وخلص جراغي إلى أن الجانبين الأميركي والإسرائيلي لو كانا يستطيعان تحقيق نتائج أفضل من الحرب لاستمرا حتى النصر النهائي، غير أن إدارة المرشد الإيراني للمعركة حالت دون تحقيق أهدافهما المرسومة.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
استغراب إسرائيلي من تفاؤل ترامب بشأن غزة دون مؤشرات على وجود تسوية
تتجه إسرائيل نحو أسبوع حاسم فيما يتعلق بحرب الإبادة التي يرتكبها جيشها في قطاع غزة ، وسط تصاعد التصريحات السياسية والعسكرية التي تعكس تعقيد المشهد وتباين المواقف بشأن مستقبل الحرب. فقد أكدت القناة 12 الإسرائيلية أن الجيش سيعرض في جلسة الأحد المقبل أمام المجلس الوزاري المصغر بدائل وخيارات متعددة بشأن غزة، من بينها استكمال احتلال القطاع أو التوصل إلى صفقة، مشيرة إلى أن رئيس الأركان سيبلغ المجلس بأن الجيش يقترب من تحقيق أهدافه في غزة. وفي السياق ذاته، نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مسؤولين إسرائيليين مطلعين استغرابهم من تفاؤل الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن إمكانية التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة خلال الأسبوع المقبل، مؤكدين أن إسرائيل لم تُبلّغ بأي تغيير أو تقدم يبرر هذا التفاؤل، ولا توجد مؤشرات على مرونة في موقف حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشأن إنهاء الحرب. وأضافت الصحيفة نقلا عن المسؤولين الإسرائيليين أن أحد التقديرات يشير إلى أن تفاؤل ترامب قد يكون محاولة لاستثمار الزخم السياسي بعد انتهاء الحرب مع إيران لتحقيق إنجاز سياسي إضافي. ورغم أنهم أكدوا وجود اتصالات ومحادثات مكثفة في الكواليس لكنهم نفوا وجود نتائج ملموسة أو اختراق حقيقي حتى الآن. وفي موقف سياسي لافت، استبق وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الحديث عن إنهاء الحرب بالتأكيد على أن حكومة نتنياهو لن توافق "أبدا على تقسيم البلاد أو تسليم أراضٍ للعدو" على حد تعبيره، واصفا فكرة إقامة دولة فلسطينية بأنها "إرهابية" وتهدد وجود إسرائيل ومستقبلها، وفق قوله. وأضاف سموتريتش أنه واثق من أن نتنياهو -المطلوب للجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة- وترامب "سيحرران الشرق الأوسط" مما وصفه بـ"ارتهانه للقضية الفلسطينية"، معتبرا أنه من "السخيف" الاعتقاد أن على الحكومة دفع ثمن اتفاقيات السلام بالتنازل عن أراض لإقامة "دولة فلسطينية إرهابية". وكانت مصادر إسرائيلية أفادت أمس السبت بإحراز تقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار والإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة، في ظل زيارة مرتقبة لوزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر إلى واشنطن. وقالت هيئة البث الإسرائيلية، نقلا عن مصادر، إنه رغم التقدم المحرز فإن ذلك لم يصل إلى مرحلة إرسال وفد للتفاوض، مشيرة إلى أن الخلاف الرئيسي يتمحور حول شروط إنهاء الحرب، والضمانات التي تطالب بها حركة حماس. كما نقلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أمس عن مسؤول في البيت الأبيض أن الأميركيين سيبلّغون ديرمر بضرورة إنهاء الحرب وإنقاذ الأسرى الأحياء، وأنه بالإمكان تفكيك حماس لاحقا، وبحسب المسؤول الأميركي فإن واشنطن متفائلة بشأن إنهاء الحرب وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، لكن لم يتضح بعد مدى إصرارها على الضغط على إسرائيل.