
التربية الإعلامية.. وعيٌ مضاد في زمن التضليل
الإعلام لم يعد مجرد وسيط، بل سلطة.. والتربية الإعلامية أصبحت مشروعًا أكاديميًا مهمًا في المناهج الدراسية في التعليم العام والجامعي، بل ضرورة وجودية لحماية النشء وبناء جيل قادر على إنتاج محتوى واعٍ يعكس القيم المجتمعية، ويعزز التفكير النقدي..
في زمنٍ أصبحت فيه الصورة أقوى من الحرف، وأضحى "الخبر" مادةً تصاغ خارج أسوار الحقيقة، نشأت الحاجة الملحّة إلى مفهوم "التربية الإعلامية". وهو علمٌ حديث وليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة حضاريّة في عالم تحوّلت فيه وسائل الإعلام من منصاتٍ ناقلة إلى قوى فاعلة في تشكيل العقول، وتوجيه المجتمعات!.
ظهر الاهتمام جليًّا بالتربية الاعلامية من خلال منظمة اليونسكو في عام 1992م حيث خصصت المنظمة عددًا من الندوات لمناقشة موضوع التربية الاعلامية، وفي عام 2001 قامت اليونيسكو بتوزيع استبيان يتعلق بالتربية الاعلامية حيث وزع الاستبيان في اثنين وخمسين دولة وتناول ثلاثة قضايا اساسية هي التعليم الإعلامي في المدارس من حيث المدى والأهداف والأسس و المفاهيم والمعطيات الحالية وطبيعة التقييم ودور الإنتاج من قبل الطلاب، وإشراك المؤسسات الإعلامية ومنظمي وسائل الإعلام في التربية الإعلامية؛ ودور المجموعات الشبابية غير الرسمية؛ ومعطيات تعليم المعلمين.
التربية الإعلامية – كما تعرّفها اليونسكو – هي امتلاك المهارات اللازمة للتعامل مع وسائل الإعلام بوعي نقدي، يشمل التحقق، والتحليل، والتقييم، وصولًا إلى إنتاج رسائل إعلامية مسؤولة. وهي في جوهرها، ليست مجرد مادة تُدرّس، بل نمط تفكير، يربّي المتلقي على الإدراك لا التلقّي، وعلى المشاركة لا التبعية.
في أوروبا أدركت العديد من الدول خطورة هذا الواقع مبكرًا، فكان الاهتمام بموضوع التربية الاعلامية واضحًا؛ فبرزت بريطانيا من الدول السباقة في في إدماج التربية الإعلامية في مناهج التعليم العام، ولحقتها فرنسا وألمانيا وهولندا حيث كان الاهتمام المتزايد بالتربية الاعلامية من خلال تدريب الطلبة على التعامل مع وسائل الاعلام ومن خلال العمل على محو الامية الاعلامية، حيث أن دولة مثل استراليا وضعت التربية الإعلامية ضمن المنهج الالزامي للطلبة، أما عربيًا، فلا تزال التجربة في مهدها!.
ولم تأتِ الحاجة إليها من فراغ، بل من واقع فرض نفسه، حيث أصبح الإعلام المصدر الأول للمعرفة، متجاوزًا في تأثيره الأسرة، والمدرسة، والمؤسسات الدينية. فقد أثبتت الدراسات أن ما يزيد عن 80% من المعرفة لدى الناس، تأتي من تفاعلهم مع الإعلام، وليس من المناهج أو الخطاب المباشر.
لقد برزت هذه الضرورة مع تصاعد دور الإعلام الرقمي، واحتلاله المركز الأول كمصدر للمعرفة، متجاوزًا المدرسة والأسرة. ومع تفشي الشائعات والأخبار الكاذبة، واتساع فجوة الثقة بين الحقيقة والتضليل، أضحت التربية الإعلامية صمّام أمان معرفي، وسلاحًا لمقاومة "الإشاعة المؤدلجة" التي باتت أداة للعبث بالمجتمعات، وتفكيك القيم، وزرع الانقسام.
الإشاعة اليوم –بوصفها الوجه القبيح للمعلومة– ليست عابرة أو بريئة. بل هي سلاح نفسي واجتماعي، يُستخدم في الحروب كما يُستخدم في تقويض المجتمعات. فهي تُبنى على غموض متعمّد، وتنتشر في بيئة هشّة يغيب عنها النقد وتتغذّى على التوترات والفراغات.
وما يزيد الطين بلّة، هو سهولة إنتاج المحتوى الإعلامي اليوم. فقد بات كل فرد "صحفيًا محتملًا"، ومع غياب الفلترة الذاتية، ومهارات التحقق، باتت وسائل التواصل بيئة خصبة لنمو الشائعات، وانتقال "الخبر المزيّف" بسرعة الضوء، دون مسؤولية.
وفي مواجهة هذا الواقع، يطرح مفهوم التربية الإعلامية كحلّ جذري. ليس فقط للحد من الخداع الإعلامي، بل لبناء جيل قادر على إنتاج محتوى واعٍ، يعكس القيم المجتمعية، ويعزز التفكير النقدي، ويقاوم التبعية الثقافية.
وللتربية الإعلامية كذلك بُعد وطني وثقافي عميق، فهي خط الدفاع الأول عن الهوية، وعن خصوصية المجتمعات في زمن العولمة؛ لذا، تُعد التربية الإعلامية أداة وطنية لحماية النشء من هذا السيل الإعلامي الجارف، الذي يختلط فيه الغث بالسمين. فهي تمكّنهم من تمييز الحقيقة من الزيف، وتمنحهم أدوات التعبير الإيجابي عن الذات، وتُعلّمهم أن يكونوا صنّاع محتوى لا مجرد مستهلكين.
وفي زمنٍ أصبحت فيه الدول الكبرى تعتبر الإعلام قوة ناعمة للسيطرة، لم يعد من المقبول أن نكتفي بالاستهلاك، بل لا بد أن نربّي أجيالنا على الفهم، والتفكيك، والتأثير.
الإعلام لم يعد مجرد وسيط، بل سلطة. والتربية الإعلامية أصبحت مشروعًا أكاديميًا مهمًا في المناهج الدراسية في التعليم العام والجامعي، بل ضرورة وجودية لحماية النشء وبناء جيل قادر على إنتاج محتوى واعٍ، يعكس القيم المجتمعية، ويعزز التفكير النقدي، ويقاوم التبعية الثقافية، والتغريب المعرفي، والتزييف الممنهج، وطمس الحقائق؛ لحماية الوعي في عصر السرديات الكبرى، وتحرير الإنسان من سطوة "الرسالة الجاهزة"، وتمكينه من أن يكون جزءًا فاعلًا في صناعة الكلمة، لا مجرد مستهلك لها!
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 5 ساعات
- الشرق الأوسط
فرنسا نحو سياسة أكثر تشّدداً تجاه «الإسلام السياسي»
مرة أخرى تتصدّر قضايا الإسلام والمسلمين المشهد السياسي والإعلامي الفرنسي، فبعد قانون الانفصالية جاء دور التقرير حول «الاختراق الإخواني للمجتمع الفرنسي» ليفتح باباً جديداً من الجدل يعكس أزمة ثقة متنامية بين الدولة الفرنسية ومكوّن أساسي من نسيجها الوطني. التقرير الذي أعّده الدبلوماسي باسكال غويت والمحافظ فرنسوا كورتاد يشير إلى وجود محاولات من قِبل جماعة الإخوان للتغلغل في مؤسسات الدولة والمجتمع المدني الفرنسي. وبينما يثير هذا الطرح تساؤلات حول مدى واقعيته وطبيعة الأدلة التي تستند إليها السلطات، فهو يفتح في الوقت نفسه باب النقاش في إشكالية أعمق حول تحول وضع الإسلام في فرنسا من دين يُمارس في الخصوصية إلى «قضية عمومية» تُستثمر في الحملات الانتخابية. ميلانشون (أ.ف.ب) في مبادرة أولى من نوعها ووسط تعبئة شاملة قبل الانتخابات المحلية الفرنسية، عُرض يوم 21 من مايو (أيار) الماضي على مجلس الدفاع برئاسة رئيس الجمهورية، إيمانويل ماكرون، تقرير من 73 صفحة بعنوان «الإخوان المسلمون والإسلام السياسي في فرنسا». التقرير أُنجز بتكليف من وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، المعروف بمواقفه المتشددة، وكشفت مضمونه صحيفة «لوفيغارو». وصاحب الإعلان عن هذا التقرير معركة اتصالية بين فريق وزير الداخلية وفريق الرئيس حين اتّهم روتايو بتسريب التقرير لأغراض انتخابية، بينما شدّد مقرّبون من الإليزيه (مقر رئاسة الجمهورية) على أنّ «ماكرون هو من بادر إلى إطلاق هذا التقرير بنفسه». الوثيقة تضم معطيات رقمية قُدّمت على أنها نتائج تحقيقات مصالح الاستخبارات الفرنسية وخلايا مكافحة الإرهاب حول ما أسمته «تنامي نفوذ» حركة «الإخوان» على الأرض الفرنسية. وقد خصّصت مقدمته إلى التعريف بالحركة وتاريخها، واصفة إياها بالمنظومة المتعددة الأذرع ذات المشروع الإسلامي المحافظ. ثم سلط التقرير الضوء على ما أسماه الأرقام «المقلقة»، حيث نقرأ - مثلاً - أن نتائج التحقيقات كشفت عن وجود فرع لمنظمة الإخوان في فرنسا يتكون من 1000 إلى 4000 عضو، إضافة إلى 193 مكاناً للعبادة صُنفت على أنها مقربة من الحركة. الوثيقة أقرَّت أيضاً بوجود 280 جمعية تنشط تحت لواء هذا التيار ضمن مجالات متعددة من الحياة اليومية للمسلمين، من العبادات إلى التعليم والنشاطات الخيرية، مع أن اتحاد مسلمي فرنسا لا يعترف رسمياً إلا بـ53 جمعية إسلامية. وخصص التقرير أيضاً فقرة مطوّلة للمؤسسات التعليمية، حيث سجّل وجود 21 مؤسسة تعليمية خاصة يُشتبه في ارتباطها المباشر أو غير المباشر بحركة الإخوان، تستقبل مجتمعة نحو 4200 تلميذ، ثم سلّط الضوء على ما أسماه «المنظومات المحلية» التي بدأت بالتشكل منذ تسعينات القرن الماضي. وتتمثّل هذه المنظومات في شبكات متكاملة تُحكم السيطرة على حياة المسلم «من المهد إلى اللحد». كذلك، نقرأ في التقرير، الذي اُستُعملت فيه هذه العبارة بحذافيرها، حيث تُبنى هذه المنظومة، كما يقول التقرير، حول مسجد يقدم دروساً في التربية القرآنية، وتتكامل مع متاجر مجتمعية، ونوادٍ رياضية مستقلة عن المسجد، فضلاً عن محاولات للولوج إلى التعليم الخاص. ولا تقتصر هذه المنظومة على التعليم أو الدعوة فحسب، بل تشمل أيضاً مجالات مثل السفر، والتطوير الذاتي، والمساعدة على التوظيف، وحتى مواقع الزواج. لم يتضمن النقاش مضمون التقرير بقدر ما كان طريقة تلقّيه واستخدامه من قِبل الطبقة السياسية. ولكن في مشهد بدا فيه الخيط رفيعاً بين التحليل الموضوعي والتأجيج الشعبوي، لم يتردّد عدد من المسؤولين، لا سيما في اليمين واليمين المتطرف في استثمار التقرير لتعزيز أطروحاتهم الانتخابية، وبالأخص مع اقتراب الاستحقاقات المحلية والأوروبية. وزير الداخلية السابق جيرالد دارمانان سارع إلى التعليق، مؤكداً «وجود اختراق إسلاموي يستوجب الحزم». لكنّ خطابه تجاوز التحليل الموضوعي ليصبّ في اتجاه تبرير سياسات قمعية سابقة، كمشروع قانون «مبادئ الجمهورية»؛ إذ دعا إلى «إعادة هيكلة الإسلام في فرنسا»، وإنشاء وضع قانوني خاص بالأئمة، وهي خطوة لا تخلو من نزعة رقابية قد تُفهم على أنها مساس بحرية التنظيم الديني. بدوره، جوردان بارديلا، رئيس «التجمع الوطني» (يمين متطرف) لم يفوّت الفرصة ليقدّم التقرير دليلاً «ساطعاً» على ما أسماه «بالخطر الإخواني المحدق». وكان قد استعمل في مقابلاته وتصريحاته المتكرّرة، لغة قاطعة كـ«الإخوان ليسوا مجرد جماعة، بل مشروع لتقويض فرنسا من الداخل». ودعا إلى «حلّ الجمعيات ذات الصّلة» و«منع الحجاب في الفضاء العام»، رابطاً بين التقرير وسياسات الهوية بأسلوب يختزل إشكاليات معقّدة في سردية مبسّطة تُخاطب الغرائز أكثر من العقول. في المقابل، أمام الجدل المحتدم حول تقرير ما سُمّي «الاختراق الإخواني» في فرنسا، وقف اليسار الفرنسي، بمختلف أطيافه، موقفاً يتأرجح بين التشكيك في دوافع التقرير، والتحذير من خطر تحويل الدولة أداةً تأزيمية بدلاً من أن تكون ضامناً للعدالة والانسجام الجمهوري. كثيرون من رموز اليسار حذّروا عقب صدور هذا التقرير من «الخلط المتعّمد» بين التدين والإرهاب، وبين الالتزام الديني والعمل السياسي؛ كون ذلك قد يؤدي إلى إضعاف ثقة المواطنين المسلمين في دولتهم، ويُعزز الإحساس بالعداء المؤسساتي تجاههم. النائب اليساري أدريان كليويه اعتبر أن التقرير ليس سوى «وسيلة لصرف الأنظار عن قضايا الإسلاموفوبيا المتفاقمة». وأضاف أن حملة برونو روتايو ضد ما أسماه «الاختراق الإخواني» ليست إلا «صناعة لأعداء وهميين من الداخل لتكميم الوعي حيال واقع الإسلاموفوبيا في فرنسا». أيضاً، شبّه جان - لوك ميلانشون زعيم حركة «فرنسا الأبيّة»، هذه المقاربات بأساليب اضطهاد تاريخية طالت في الماضي البروتستانت واليهود، واعتبرها مقدّمة لـ«محاكم تفتيش قاسية». وفي جلسة مناقشة برلمانية حول التقرير، بعدما اقترح رئيس الوزراء السابق غبريال آتال منع ارتداء الفتيات الحجاب في الأماكن العامة (إضافة إلى المؤسسات التعليمية حالياً) أبدى النائب السابق ألكسي كوربيير، استغرابه من ازدواجية المعايير في التعاطي مع الرموز الدينية، متسائلاً عمّا إذا كان «الطفل اليهودي الذي يرتدي الكيباه (القلنسوة) سيتعرّض للمنع هو الآخر». ورأى أن مقاومة التطرّف واجبة، ولكن من دون الانزلاق إلى خلق «عدو داخلي» وهمي أو إذكاء أجواء الريبة تجاه غالبية المسلمين، الذين يلتزمون بتقاليدهم دون أي نوايا سياسية. في الاتجاه نفسه، أعرب فرنسوا روفان، أحد وجوه اليسار الاشتراكي، عن رفضه أي محاولة «لفصل المسلمين عن الوطن الفرنسي أو فرض الشريعة على حساب قوانين الجمهورية». لكنه لم يطالب بإلغاء التقرير، بل دعا إلى تطبيق أحكام قانون 1905 حول فصل الدين عن الدولة. روتايو (أ.ف.ب) على صعيد آخر، لم يمر التقرير مرور الكرام في أوساط الباحثين والخبراء، الذين اعتبر كثرة منهم أن النفوذ المنسوب إلى حركة الإخوان في هذا التقرير مبالغ فيه، فهي حركة آيلة إلى الأفول، سواء خارج حدود فرنسا أو في داخلها. ولقد اعتبر فرنسوا بورغا، الباحث في المركز الوطني للبحث العلمي (CNRS) أنّ الحديث عن «استراتيجية سرّية» للإخوان المسلمين يندرج ضمن «منطق المؤامرة»، مشيراً إلى أنّه «لا يوجد دليل قاطع على وجود خطة ممنهجة لاختراق الدولة الفرنسية من قِبل تنظيم دولي». وأردف أن الخلط بين الإسلاموية كتيار فكري والإسلام كمكوّن ديني وثقافي في فرنسا، يكرّس سياسة إقصائية قد تؤدي إلى نقيض ما تدّعي مكافحته وهو التقوقع والانغلاق. أما الأستاذ المحاضر في العلوم السياسية بمعهد الدراسات السياسية في ليون، حواس سنغار، فلخص في «اللوموند» هذه الفكرة بقوله: «هذا التقرير يقرأ وقع اليوم بنظارات الأمس»، مضيفاً: «لدينا ميل إلى الخلط بين إخوان اليوم وأولئك الذين كانوا بالأمس». وكتب برنار غودار، الموظف السابق في جهاز الاستعلامات العامة والمكلف سابقاً مهمةً في المكتب المركزي لشؤون الأديان بوزارة الداخلية، في الصحيفة نفسها: «لم يكن هناك في أي وقت من الأوقات مخطّط واضح وطويل الأمد لأسلمة فرنسا». واكد أن الفكرة القائلة إن الجماعة تسعى إلى فرض الشريعة الإسلامية في فرنسا «ما هي إلا وهمٌ من نسج الخيال». لم يتردّد عدد من المسؤولين ا سيما في اليمين واليمين المتطرف في استثمار التقرير لتعزيز أطروحاتهم الانتخابية وعلى صفحات «اللومانيتيه» اليسارية انتقد نيكولا كادين، المقرر العام السابق لمرصد العلمانية، مضمون التقرير وشكله، حيث أشار إلى ما اعتبره منهجية تفتقر إلى الصرامة، وتضمّ مضامين بديهية، وتخلط بين الأمور، وتعتمد تبسيطاً مخلّاً بالواقع. وهاجم روجيه مارتيلي بشّدة وزير الداخلية برونو روتايو وتقرير الاختراق الإخواني حين كتب في عمود مطّول على موقع صحيفة «روغار» بعنوان «الاختراق الإخواني: التقرير الذي يبالغ، يخيف ويقسّم» ما يلي: «إنه يزعم الانتماء إلى الجمهورية، ويدّعي التمسك بالعلمانية. ولكن عن أيّ جمهورية نتكلم؟ أهي الجمهورية التي تَصم وتُقصي، أم تلك التي تجمع وتحتضن؟ وأيّ علمانية نقصد؟ أهي العلمانية التي تُذكي نار الصراع، أم التي تُشيع السكينة وتُرسِّخ السلم؟ إن هذا التقرير يدّعي أنه يحمل الطمأنينة لأمّة يسكنها القلق، غير أنّه، وهو يُسلِّط الأضواء على شريحةٍ بعينها من الإسلام، يوشك أن يُفضي إلى نتيجة واحدة: الخوف، ورفض الآخر، وتنامي الضغينة. وبكلمة واحدة: انتصار اليمين المتطرّف». ومن جهته، اعتبر المفكر والباحث حكيم القروي، المعروف بتقاريره حول الإسلام السياسي، أن التقرير يُضخّم من خطر جماعة بات نفوذها في تراجع موثّق، بينما يتجاهل الخطر الحقيقي المتأتي من الخطاب المتشدد ومن «المؤثرين الرقميين» الذين يغذّون الشباب بأفكار دينية متشددة عبر الإنترنت. أما النائب الاشتراكي السابق مجيد الغراب، فقد كتب بخصوص هذا التقرير أنه «يعيد إنتاج الهواجس القديمة نفسها، ويختزل الظاهرة الدينية المعقدة في ثنائية تبسيطية تُربك النقاش العام، وتُغذي مظاهر الإسلاموفوبيا». التقرير، بطبيعة الحال، أثار ردّوداً مسلمة غاضبة، أولها من «اتحاد مسلمي فرنسا» الذي أصدر ممثلوه بياناً يعترضون فيه على ما ورد في الوثيقة، لا سيما وأنهم وُضعوا في صدارة الأطراف ذات الصّلة بما سُمي الاختراق الإخواني. ولقد دعت قيادة «الاتحاد» إلى تفادي الوقوع في فخ النوايا المفترضة، مجّددة تمسكها بقيم الجمهورية ومُذكّرة بتوقيعها على ميثاق مبادئ الإسلام في فرنسا سنة 2021، باعتباره دليل التزام صادقاً بمقتضيات العيش المشترك والدستور. أما الجامع الكبير في باريس، فعبّر ناطقه الرسمي بوضوح عن رفضه تحويل معركة محاربة الإسلاموية مطّيةً سياسيةً تُستعمل لتشويه المسلمين وخدمة أجندات انتخابية ضيقة. وأعرب «المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية» عن قلق عميق إزاء ما اعتبره انزلاقات منهجية خطيرة في التقرير، ولا سيما في تعاطيه مع المؤسسات الدينية والجمعيات والأفراد دون تحديد دقيق أو توثيق مسؤول. مسجد باريس الكبير (أ.ف.ب) منذ إقرار قانون «تعزيز مبادئ الجمهورية» المعروف إعلامياً بـ«قانون مكافحة الانفصالية» عام 2021، حتى صدور تقرير «الاختراق الإخواني»، يبدو جلياً أن الإسلام لم يعد يُطرح في النقاش العام بوصفه ديانة يمارسها ملايين المواطنين، بل على أنه ملف أمني، وأداة صراع آيديولوجي. لقد كان قانون «الانفصالية» بمثابة نقطة التحول الحاسمة في علاقة الدولة الفرنسية بالإسلام. إذ بينما رُوّج له رسمياً بوصفه خطوة لضمان حيادية الدولة ومكافحة التطرف، رأى فيه كثيرون تضييقاً على الحريات الدينية، واستهدافاً ضمنياً للمسلمين وحدهم. ذلك أن مواده شملت فرض رقابة مشّددة على الجمعيات الإسلامية، وتنظيماً دقيقاً لتمويلها، إلى جانب التدقيق في نشاط الأئمة والمدارس الخاصة. ثم ظهر هذا التقرير الأخير ليضيف لبنة جديدة إلى هذا البناء الخطابي. وعلى الرغم من أن التقرير يزعم الاستناد إلى معطيات واقعية، فإن طابعه الآيديولوجي واضح في توصيفه لكل تعبير ديني مستقل على أنه تعبير عن مشروع سياسي إسلامي مموّه. وهذا الأمر يثير القلق في هذا المسار، وبالذات لجهة تأثيره السلبي على المواطنين المسلمين، الذين يجدون أنفسهم في موقع دفاع دائم عن الذات، وسط خطاب رسمي لا يعترف بتعدديتهم، ولا يُصغي إلى أصواتهم. وبدلاً من أن تدفع هذه السياسات نحو تعزيز الاندماج، فإنها تغذّي الإحساس بالتهميش، وتُكرّس الشك في ولاء شريحة واسعة من المجتمع. كذلك الملاحَظ عموماً هو اتساع نطاق التوظيف السياسي للإسلام حتى غدا مكوناً ثابتاً في الخطاب العام، فعند كل استحقاق انتخابي أو أزمة وطنية، تعاد فيها قراءة ممارسات المسلمين من منظور أمني، وتُنسج حول وجودهم روايات مشبعة بالريبة والتهديد كأنهم كيان غريب يُطالب على الدوام بإثبات الولاء والانتماء.


الرياض
منذ 5 ساعات
- الرياض
محاكمة ناشطَين سرقا تمثالاً شمعياً لماكرون
يستمع قاضي تحقيق فرنسي إلى ناشطَين من منظمة "غرينبيس" غير الحكومية سرقا تمثالاً شمعياً يمثّل الرئيس إيمانويل ماكرون من متحف غريفان في باريس الاثنين وأعاداه في اليوم التالي، لكي يفصل في شأن توجيه التهم إليهما، على ما أفادت النيابة العامة. وأوضحت النيابة العامة في باريس لوكالة فرانس برس أن الناشطَين سيخضعان لتحقيق قضائي في قضية تتعلق بـ"سرقة جماعية لقطعة ثقافية معروضة". وندّدت وكيلة الدفاع عنهما المحامية ماري دوزيه بحرمانهما الحرية "غير المتناسب إطلاقاً". وأوضحت المحامية أن "ناشطَين من غرينبيس فرنسا، هما امرأة ورجل، لا يزالان محرومَين من حريتهما، بعد أكثر من 60 ساعة من توقيفهما الاثنين الماضي". وشددت على أن "جريمتَي السرقة وإخفاء شيء مسروق اللتين ادعت على أساسهما النيابة العامة لم تعودا قائمتين بفعل إعادة التمثال، ولم ينجم أي ضرر عن الفعل غير العنيف الذي نفذته غرينبيس فرنسا"، مشيرة إلى أن "ما يؤكد ذلك هو البيان الطريف الصادر عن متحف غريفان". وكان المتحف الذي قدّم شكوى بعد اكتشاف السرقة تعامل مع الأمر بلهجة طريفة، إذ ورد عبر حسابه على "إنستغرام" منشور جاء فيه "لا يُمكن تأمل التماثيل إلا في الموقع". وتمكّن الناشطان في "غرينبيس" من سرقة تمثال ماكرون الشمعي الاثنين بعد تظاهرهما بأنهما عاملا صيانة. ثم وضعا التمثال أمام السفارة الروسية في باريس في إطار تحرك قصير يهدف إلى التنديد باستمرار العلاقات الاقتصادية بين باريس وموسكو رغم الحرب في أوكرانيا. ومساء الثلاثاء، أعادت "غرينبيس" التمثال ووضعته أمام مقر شركة كهرباء فرنسا وأرفقته بلافتة كُتب عليها "حلفاء بوتين - ماكرون المُشعّون". وأشار المدير التنفيذي لمنظمة "غرينبيس فرنسا" جان فرنسوا جوليار إلى أن الشخصين اللذين أُوقفا هما اللذان كانا يقودان الشاحنة خلال التحرك أمام السفارة الروسية، وليسا من "استعار" التمثال من متحف غريفان. واعتبرت المحامية دوزيه أن هذه التحركات "تندرج في إطار الحق في حرية التعبير"، مذكرة بأن فعل سرقة التمثال "لم يكن عنيفاً، بل مكشوفاً كلياً، ويهدف إلى إثارة الوعي بمسألة ذات اهتمام عام كبير".


الرياض
منذ 5 ساعات
- الرياض
القيادة تهنئ ملك السويد بذكرى اليوم الوطني لبلاده
بعث خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، برقية تهنئة، لجلالة الملك كارل السادس عشر غوستاف، ملك مملكة السويد، بمناسبة ذكرى اليوم الوطني لبلاده. وأعرب الملك المفدى، عن أصدق التهاني وأطيب التمنيات بالصحة والسعادة لجلالته، ولحكومة وشعب مملكة السويد الصديق اطراد التقدم والازدهار. من جهته، بعث صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، برقية تهنئة، لجلالة الملك كارل السادس عشر غوستاف، ملك مملكة السويد، بمناسبة ذكرى اليوم الوطني لبلاده. وعبّر سمو ولي العهد، عن أطيب التهاني وأصدق التمنيات بموفور الصحة والسعادة لجلالته، ولحكومة وشعب مملكة السويد الصديق المزيد من التقدم والازدهار.