logo
نهاية أدوات الهيمنة وبداية زمن ما بعد أميركا

نهاية أدوات الهيمنة وبداية زمن ما بعد أميركا

Independent عربيةمنذ 5 أيام
من فيتنام إلى بغداد ومن كابول إلى كييف، تتكرر الأخطاء ذاتها في كل حرب تخوضها واشنطن، تفوق عسكري خاطف يتبعه فشل سياسي مدو، وكل تجربة تؤكد حقيقة أن الولايات المتحدة متفوقة في الهجوم لكنها فاشلة في إدارة "اليوم التالي"، حتى اعتدنا أن تنتهي حروبها بخرائط سياسية كارثية ودمار لا يوصف، فبعد أن هيمنت الولايات المتحدة عقوداً على مفاصل النظام الدولي بأدواتها العسكرية والناعمة، نشهد اليوم تآكلًا واضحاً في تلك الأدوات وتراجعاً في مشروعها القيادي، ليس فقط في ميادين القتال بل في قدرة واشنطن على إدارة العالم الذي أسهمت في رسم ملامحه بعد الحرب العالمية الثانية.
وعلى رغم تعاقب الإدارات الأميركية، من الجمهوريين إلى الديمقراطيين، فإن نمط السلوك لا يتغير كثيراً، إدارة الأزمات بدلاً من حلها، والنتيجة أن الفراغ السياسي يتكرر ويتحول إلى كارثة عميقة، فما أن تنسحب القوة أو يتراجع الضغط حتى تتسلل الميليشيات وتتمدد الجماعات العابرة للحدود وتنتشر الديكتاتوريات ويعاد توزيع النفوذ بين لاعبين غير شرعيين، فيتحول النزاع إلى كارثة طويلة الأمد.
وكما دخلت الجيوش الأميركية فيتنام بكل قوتها وغطرستها من دون خطة للخروج ولا تصور لإعادة البناء، ولا حتى فهم لطبيعة الأرض والبشر، حتى انسحبت مهزومة تاركة خلفها جرحاً عسكرياً وسياسياً لم يندمل حتى اليوم، وكررت السيناريو نفسه عندما احتلت بغداد في أيام وأسقطت النظام بسرعة قياسية، لكنها لم تكن مستعدة لليوم التالي، فجرى حل الجيش العراقي وتفكيك المؤسسات لتعم الفوضى وتتسلل الميليشيات وتتحول البلاد إلى ساحة دامية لصراع النفوذ والحروب بالنيابة، حتى غدا عبئاً سياسياً لا يحتمل فتركته لخصومها وخصومه.
والسيناريو ذاته تكرر في أفغانستان، حيث كانت مسرحاً لواحدة من أطول الحروب الأميركية وأكثرها عبثية، فانتهت 20 عاماً من الحرب ضد "طالبان" بمشهد الذعر عند سور مطار كابول، ثم عادت "طالبان" للحكم وكأن كل ما حدث لم يكن سوى حلقة مفرغة من الفشل وسوء الإدارة، وحتى في أوكرانيا، وإن اختلفت طبيعة التدخل، إلا أنها لا تخرج عن السياق ذاته، حيث دعمت واشنطن كييف سياسياً وعسكرياً وفتحت لها خزائن السلاح بلا خريطة طريق ولا تصور قريب لنهاية الحرب ولا استعداد حقيقي لدفع ثمن السلام، مجرد دعم عبثي سيتوقف مع أقرب استحقاق داخلي أميركي، ليتكرر السيناريو ذاته.
في تقرير نشرته "اندبندنت عربية أخيراً بعنوان "كيف أخفقت دبلوماسية الغرب الوقائية في اختبار الشرق الأوسط؟" للأستاذ حامد الكناني، تكشف وثائق بريطانية عن أن الإخفاق في تطبيق أدوات الردع غير العسكرية والاحتواء انتهى باستبدال سياسة "الدبلوماسية الوقائية" بالتدخلات المباشرة، كما حدث في العراق وليبيا وغيرها، كما يشير التقرير إلى أن هذا الفشل أفرز فراغاً سياسياً وأمنياً خطراً وفتح المجال لصعود جماعات مثل "داعش" و"الحوثي" و"حزب الله" والميليشيات العراقية، وإذا تأملنا ما يحدث اليوم نرى أمثلة لسيناريوهات مستقبلية ستحدث حتماً وفق تجارب الماضي ومعطيات الحاضر، في ملفات مثل إيران وغزة وسوريا، فواشنطن تلوح بالقوة وتشجع على العمل العسكري، لكنها لا تريد أن تصنع سلاماً أميركياً تفرضه بنفوذها المتفرد على كل الأطراف، بل إنها لا تملك رؤية خاصة للسلام تفرضها على الجميع، وكأنها تريد لهذا العالم أن يستمر في صراعات يمكن التحكم بمستواها، من دون أن تلتزم بمشروع حقيقي لإعادة الإعمار أو خطة للمستقبل، ففي غزة لا تقدم الإدارة الأميركية أي طرح محايد لوقف الحرب والمجاعات أو فتح أفق سياسي وتكتفي بـ "إدارة الأزمة" تحت عنوان حق إسرائيل في الدفاع عن النفس.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذا السياق جاء القرار الأميركي الأخير بالانسحاب من منظمة "يونيسكو" للمرة الثالثة، مُبرراً بما وصفته واشنطن بـ "التحيز ضد إسرائيل والتوجهات الثقافية المعادية لأميركا"، وهو قرار يعبر بوضوح عن انكماش إضافي في الدور الأميركي واستمرار انسحاباته من أهم أدواته الناعمة، فانسحاب القوة العظمى من منظمات دولية تُعنى بالتعليم والثقافة والعلوم والمناخ يرمز إلى تآكل أدواتها الناعمة، وهذا بحد ذاته فصل جديد من فصول الفشل الأميركي في إدارة العالم، وهو تراجع جديد يمتد إلى جوهر الفكرة الأميركية عن القيادة العالمية، فكما أشار تقرير آخر نشر في "اندبندنت عربية" إلى نهاية القرن الأميركي، فإن تآكل أدوات القوة الناعمة مثل التحالفات الدولية والمؤسسات والقيم الديمقراطية، يضعف النفوذ الأميركي على المدى الطويل ويحوله إلى مشروع هش قائم على التهديد والعقوبات بدلاً من المشاركة والتأثير، وأميركا بانسحاباتها المتتالية من المنظمات الدولية تتراجع عن الالتزام بمبادئ النظام الدولي الذي أسسته بعد الحرب العالمية الثانية، ولا تخسر موقعها فقط بل تفتح الباب لفراغ لا يمكن التنبؤ بمن سيشغله.
لقد أثبتت الوقائع على امتداد ما يسمى بـ "القرن الأميركي" أن التفوق العسكري الأميركي لا يصنع سلاماً بل يخلق مزيداً من الكوارث، وبانكفاء أميركا على نفسها بسياسات مثل الرسوم الجمركية والانسحاب من المنظمات الدولية وابتزاز ضيوف البيت الأبيض، نكون أمام تشكل عالم جديد عنوانه المواجهة لا التعاون، وأن العالم فعلاً يعيش نهاية القرن الأميركي.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

صحيفة: أيّ اتفاق مع الحوثيين ليس اتفاقا على الإطلاق
صحيفة: أيّ اتفاق مع الحوثيين ليس اتفاقا على الإطلاق

الأمناء

timeمنذ 19 ساعات

  • الأمناء

صحيفة: أيّ اتفاق مع الحوثيين ليس اتفاقا على الإطلاق

في الوقت الذي تقوم فيه إيران وحزب الله بتضميد جراحهما والتعافي من الهزيمة بعد اشتباكات باهظة التكلفة مع إسرائيل، يواصل واحد من وكلاء إيران الأكثر فتكا إطلاق وابل من الصواريخ على إسرائيل. وفي الثاني والعشرين من الشهر الجاري، أطلق الحوثيون اليمنيون صاروخا باليستيا على مطار بن غوريون، عقب صاروخ آخر قبل ذلك بأربعة أيام. وقال المحللان مارك دوبويتز، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وكوبي جوتليب المتدرب في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات والذي يدرس في جامعة برانديز 'إن هذه ليست استفزازات منعزلة، إنها إشارة واضحة إلى أن الحوثيين لم يتم ردعهم.' وأضاف دوبويتز و جوتليب، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية، أن رد واشنطن جاء عقب نمط مألوف الآن، وهو نمط قد فشل مرارا وتكرارا. واتبعت الولايات المتحدة مسارا دبلوماسيا، حيث قدمت عدة عروض لوقف إطلاق النار ومبادرات على أمل أن يتوقف الحوثيون عن شن هجمات. ومع ذلك، تشير دروس التاريخ إلى عكس ذلك: حيث يتعامل الحوثيون مع وقف لإطلاق النار على أنه فرصة لإعادة التسليح وإعادة تنظيم الصفوف والعودة على نحو أقوى إلى ميدان القتال. وبدلا من الاسترضاء، يتعين على الولايات المتحدة أن تتبنى حملة متواصلة من العقوبات والضغط الدبلوماسي والقوة العسكرية عندما تقتضي الضرورة ذلك، وأن أي شيء أقل من ذلك، سيدفع إلى المزيد من إراقة الدماء. وهذه ليست مشكلة إسرائيل فحسب. فقد أطلق الحوثيون العشرات من الصواريخ على سفن شحن مدنية في البحر الأحمر، ما تسبب في حدوث فوضى في سلاسل الإمداد العالمية وهدد واحدا من الممرات البحرية الأكثر حيوية في العالم. ♦ طالما أن الحوثيين يعلمون أنهم يقدمون ضمانات غامضة، سوف تتردد الولايات المتحدة في التصرف على نحو حاسم تجاههم وتتحدى هذه الهجمات الالتزام الأميركي بالدفاع عن حرية الملاحة، التي تعد أساسا للازدهار العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي شهر مايو الماضي، ساعدت واشنطن في التوسط في وقف لإطلاق النار عبر سلطنة عمان. وكان الهدف واضحا: إنهاء الهجمات على سفن الشحن الدولي. ولكن في غضون أسابيع، ضرب الحوثيون بعرض الحائط الاتفاق. وفي يومي 7و9 من الشهر الجاري، هاجموا سفينتي شحن، ما أسفر عن مقتل ثلاثة بحارة وترددت تقارير أنهم احتجزوا ستة آخرين كرهائن. واعتقدت السعودية أيضا في السابق أنه يمكنها التفاوض مع الحوثيين. وبعد الدخول في الحرب الأهلية اليمنية في عام 2015 للدفاع عن الحكومة المعترف بها دوليا، وتطور الصراع إلى واحد من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم وكان رد الفعل سريعا. وعندما تولى جو بايدن الرئاسة الأميركية خفّض حجم مبيعات الأسلحة للسعودية وألغى تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، كان قد صدر خلال فترة حكم الرئيس دونالد ترامب الأولى. ومع ذلك، فبينما خفف بايدن السياسة الأميركية تجاه الحوثيين، لم يرد الحوثيون بالمثل. ومثلما أشار السفير مايكل راني، المبعوث الأميركي السابق إلى السعودية، في بودكاست إيران بريكداون /انهيار إيران/ التابع لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، لم تتسبب الهجمات الحوثية على مدن السعودية وموانئها وبنيتها التحتية للطاقة في الضرر الحالي فحسب، ولكنها عرضت للخطر خطط المملكة للتنمية على المدى الطويل. وفي عام 2022، أبرمت الرياض اتفاقا لوقف إطلاق النار لمدة ستة أشهر مع الحوثيين، ومن الملاحظ أنها امتنعت عن الانتقام حتى بعدما شن الحوثيون هجمات بطائرات مسيّرة على بنية تحتية يمنية مهمة. وكانت العقيدة الإقليمية الجديدة للسعودية هي: خفض التصعيد. ولكن هذه العقيدة لا تنجح إلا إذا كان العدو يشارك ذلك الهدف. والحوثيون لا يشاركون الهدف، وأوقفوا مفاوضات السلام وفرضوا حظر نفط على اليمن وواصلوا تهريب الأسلحة المتقدمة، بما في ذلك مكونات تصنيع الصواريخ من إيران. ♦ يتعين على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة للتحرك عندما تفشل الدبلوماسية، ويجب أن تتحكم في زمام الأمور وإيقاعها ووسّع الحوثيون نطاق هجماتهم بعدما هاجمت حماس إسرائيل في السابع من أكتوبر عام 2023، وأطلقوا صواريخ على إسرائيل وخطفوا السفينة غالاكسي ليدر وطاقمها المكون من 25 شخصا وشنوا أكثر من 100 هجوم على سفن تجارية. وفي الفترة بين أكتوبر 2023 ويناير 2025، أطلق الحوثيون المئات من المقذوفات الصاروخية على إسرائيل، كل هذا بينما يتمتعون بهدنة مع السعودية ويعززون قدراتهم. وردت الولايات المتحدة في شهر مارس العام الجاري بعملية 'رف رايد'، وهى حملة عسكرية هاجمت أكثر من ألف هدف، وقتلت قادة حوثيين بارزين وقلصت القوة العملياتية للحوثيين. ولكن في أوائل شهر مايو، كانت واشنطن تسعى مرة أخرى لوقف لإطلاق النار.وأعلن الرئيس ترامب أنه سوف يصدق 'كلمة (الحوثيين)' بأنهم سوف يتوقفون عن مهاجمة السفن. وبعد شهرين، أصبحت هذه الكلمة لا تساوي شيئا ويعود الحوثيون إلى الهجمات. وهذه هي 'التكلفة الحقيقية لخفض التصعيد مهما كان الثمن'. ويبعث هذا برسالة مفادها أن العنف يحقق مكاسب، وأن أيّ انتهاك لوقف لإطلاق النار مع الجيش الأقوى في العالم ليس له أي تداعيات حقيقية. وتابع دوبويتز و جوتليب أن الحوثيين يعلمون أنه طالما أنهم يقدمون ضمانات غامضة، سوف تتردد الولايات المتحدة في التصرف على نحو حاسم، و'شاهدنا' هذه التكتيكات من قبل مع إيران نفسها. وعلى مدار سنوات، انخرطت طهران مع المجتمع الدولي في مفاوضات نووية لا نهاية لها بينما تقوم بتطوير برنامجها الخاص بالأسلحة. ثم في تحول مذهل، دعّم ترامب الهجمات الجوية الإسرائيلية على البنية التحتية النووية الإيرانية وأمر الطائرات القاذفة الأميركية بمهاجمة ثلاثة أهداف رئيسية عندما لم تلتزم طهران بموعد نهائي حدده للتوصل إلى اتفاق. وذلك النوع من المصداقية مهم. ولكن المصداقية تتطلب الاستعداد. ويتعين على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة للتحرك عندما تفشل الدبلوماسية، ويجب أن تتحكم في زمام الأمور وإيقاعها، وألا تسمح للحوثيين أو إيران بذلك.

مطار المزة العسكري "ذو السمعة السوداء" يخلع ماضيه
مطار المزة العسكري "ذو السمعة السوداء" يخلع ماضيه

Independent عربية

timeمنذ 21 ساعات

  • Independent عربية

مطار المزة العسكري "ذو السمعة السوداء" يخلع ماضيه

على بعد أكثر من خمسة كيلومترات عن مركز العاصمة السورية دمشق يقع مطار "المزة" العسكري السيئ السمعة، وأكثر أماكن الاعتقال سرية وقساوة عرفها السوريون ممن عايش حقبة نصف قرن من حكم نظام الأسد. روايات كثيرة حكت عن دور هذا الموقع الحساس والبالغ الخطر في الاختفاء القسري، والتصفية الممنهجة، لدرجة أن الرئيس السوري السابق حافظ الأسد (حكم بين عامي 1970 و2000) منع تشييد الأبنية السكنية لمسافة كيلومترين من محيط المطار، وتحول جزء منه مع اندلاع أحداث ثمانينيات القرن الماضي إلى سجن تفوح منه رائحة الموت والدماء المسفوكة، وإلى ساحات إعدام ميداني. صفحة جديدة اليوم يعود هذا المطار إلى الواجهة، ليس بصورته السوداوية القاتمة المعروفة بسفك الدم في الأقبية الأرضية، بل في وقت يشعر الشعب السوري بالحاجة إلى طي صفحة الماضي بكل أحقاده. من هنا يرى متابعون أن تحويل المطار العسكري إلى مطار مدني هو قرار يصب في خدمة البلاد المثقلة بأزمنة الديكتاتورية. القرار أعلنه رئيس هيئة الطيران المدني السوري عمر الحصري، خلال كلمة له بمنتدى الاستثمار السوري - السعودي في قصر الشعب، بمشاركة 130 رجل أعمال من السعودية برئاسة وزير الاستثمار السعودي خالد بن عبدالعزيز الفالح، حين أكد نية الحكومة تحويل مطار "المزة" العسكري في العاصمة دمشق إلى مطار مدني بسعة 30 مليون مسافر سنوياً. وأسفرت أعمال المنتدى الخميس الماضي عن توقيع 47 اتفاقاً ومذكرة تفاهم بقيمة 6 مليارات دولار، بحضور الرئيس السوري أحمد الشرع، في خطوة نوعية نحو تأسيس شراكة إستراتيجية تعزز التعاون الاقتصادي بين البلدين. ذكريات خلف القضبان في غضون ذلك يستذكر ناشطون ما كان يدور داخل هذا المعتقل. يقول الناشط الحقوقي المتخصص بأحوال السجون والمعتقلات السورية جابر باكير لـ"اندبندنت عربية"، إنه حسب المعلومات المتوافرة لديه ما زال المكان يتبع القوات المسلحة، وبقي مقراً عسكرياً يتبع إدارة حماية الحدود، أو ما يعرف بـ"الهجانة"، ومركزاً لهم. واستخدم مطار المزة خلال الحرب العالمية الثانية كقاعدة للقوات الجوية الفرنسية التابعة لحكومة فيشي، وتشير المصادر التاريخية إلى أنه بعد الاستقلال عام 1946 تحول إلى قاعدة جوية للقوات السورية، وبات بعد ذلك مقراً للقوات الخاصة في منتصف ستينيات القرن الماضي، وتعرض لهجوم عام 2017 من قبل سلاح الجو الإسرائيلي. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) أثناء اندلاع الصراع المسلح استخدمه النظام السابق لقصف الأحياء والمناطق المتمردة القريبة من العاصمة بالمدفعية والصواريخ، حين قصفت الفرقة الرابعة أحياء داريا ومعضمية الشام وأحياء دمشق الجنوبية، كما سخرته "كتائب النخبة" من الحرس الجمهوري، والقوات الخاصة والاستخبارات كمركز نشاط لها، علاوة على كونه مطاراً خاصاً بتنقلات الرئيس المخلوع بشار الأسد وأفراد عائلته. وبحسب المعلومات المتوافرة يوجد للمطار ثلاثة مدرجات، وأربعة مداخل رئيسة مرتبطة بمقار أمنية حساسة خلال فترة النظام البائد، وأبرز هذه المداخل متصل بطريق فرعي يصل إلى القصر الجمهوري، ومدخل آخر للاستخبارات الجوية، ويمتلك المطار مدرجاً بطول 8258 قدماً على ارتفاع 2407 أقدام. وكشف تقرير مشترك أجراه المركز السوري للعدالة والمساءلة، ورابطة معتقلي ومفقودي سجن "صيدنايا"، عن تفاصيل مروعة جرت في المطار العسكري من عمليات اعتقال واختفاء قسري في أحد أكثر المراكز خطراً وسرية. ويرجح التقرير مرور أكثر من 28 ألف شخص بينهم رجال ونساء وأطفال في غياهب هذا المعتقل، وكشف عن فقدان 1000 شخص حياتهم داخل المطار بسبب التعذيب الممنهج وحرمانهم من الرعاية الصحية وظروف الاعتقال القاسية، مع إعدام الآلاف سراً عبر محاكمات عسكرية ميدانية صورية نفذت داخل حظائر الطائرات التابعة للمطار. بين مؤيد ومعارض في الأثناء تساءل متابعون عن أسباب تحويل هذا المكان إلى مطار مدني. يقول المهندس المتخصص في الإنشاءات أحمد حمو، إن القرار خاطئ، لأن المطارات باتت خارج المدن مثل مطار إسطنبول الجديد الذي يبعد 30 كيلومتراً من مركز المدينة، مشيراً إلى ما سيسببه تحول مطار "المزة" إلى مطار مدني من أزمة مرورية مع كثافة الحركة، وما يرافق ذلك من إزعاج لأهالي المنطقة المحيطة به نتيجة الإقلاع والهبوط، بخاصة أن الأبنية السكنية غير مزودة بكاتمات صوت أو عوازل. في المقابل عبر دمشقيون عن تشجيعهم هذا القرار الجريء، إذ كان الموقع يمثل كابوساً بالنسبة إلى أهالي المدينة وبخاصة القاطنون قرب المطار من أهالي المزة، وهم يرون أن تحويله إلى مطار جديد سيخلق فرص عمل واستثمارات جديدة تتضمن مرافق موازية للمشروع. إلى ذلك أعلن رئيس الهيئة العامة للطيران المدني عن إعادة تأهيل المطارات المدنية الخمسة الموجودة في سوريا، مشيراً إلى تهالك قطاع الطيران، ولعل مشروع مطار "المزة" سينفذ بالتوازي مع تأهيل مطار دمشق الدولي لتصل سعته إلى 5 ملايين مسافر سنوياً، وتأهيل مطار حلب الدولي لتصل سعته إلى مليوني مسافر كل عام.

هكذا عجزت المنظمات الأممية عن حماية العالم من نفسه
هكذا عجزت المنظمات الأممية عن حماية العالم من نفسه

Independent عربية

timeمنذ يوم واحد

  • Independent عربية

هكذا عجزت المنظمات الأممية عن حماية العالم من نفسه

من كان يظن أن أكبر المؤسسات الدولية والمنظمات التي تم تأسيسها للحيلولة دون تكرار كوارث القرن الـ20 ستتحول إلى متاهة من البيروقراطية والعجز في القرن الـ21، من الأمم المتحدة بمكاتبها الباذخة في نيويورك وجنيف ومنظماتها ومؤسساتها الكثيرة والمتفرعة عن بعضها بعضاً، وحتى أصغر المنظمات غير الحكومية في أطراف أفريقيا أو آسيا، ما دام أية واحدة منها لم تتمكن من تحقيق ما تدافع عنه على أرض الواقع، سواء كان الأمر يتعلق بالحروب أو الهجرة أو الفقر والجوع أو البيئة والمناخ العالمي. فمع كل أزمة جديدة يتكرر الجدل حول فعالية هذه المنظمات وجدوى وجودها، أهي أمل البشرية الأخير، أم مجرد قناع يغطي عجز النظام الدولي عن حماية نفسه من نفسه؟ من الحلم إلى المتاهة عندما أسست الأمم المتحدة، كان العالم قد بدأ بالخروج من رماد الحرب العالمية الثانية، وكان يفترض بهذه المنظمة الأممية أن تجمع الجميع تحت مظلة السلم والتنمية وحقوق الإنسان بعدما سن مؤسسوها قوانين دولية ومواثيق تمنع عودة ويلات الحروب الماضية من أجل عالم مليء بالسلام، لكن سرعان ما اكتشف العالم أن البيت الجديد ليس أكثر من خيمة مثقوبة بالخلافات الكثيرة بين الدول المنتصرة في الحرب، والتي عملت على تقسيم مناطق نفوذ العالم في ما بينها، ومنحت الدول الخمس المنتصرة نفسها حق النقض أو الفيتو الذي يمنع سريان أي قرار توافق عليه الدول الأربع الأخرى، وظهرت خطوط الانقسام سريعاً بعد انتظام صراع القطبين الجبارين، أي الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق، وسرعان ما عادت حصون السيادة الوطنية أقوى من كل طموحات التعاون والاتحاد الدوليين بين دول العالم. وخلف واجهة الشرعية القانونية كان لا بد من تأمين التمويل الضخم الذي استدعى بناء هيكليات مؤسساتية وإدارية وتنظيمية معقدة داخل الجمعيات العمومية والمجالس التنفيذية والأمانات العامة والوكالات المتخصصة، ورويداً رويداً راحت هذه التنظيمات والمنظومات تعمل بصورة منفصلة عن بعضها بعضاً، مما أدى في كثير من الأحيان إلى تضارب الآراء والقرارات حول مشكلة معينة، وبدلاً من حلها صار هذا الحل أكثر تعقيداً، خصوصاً حين يترافق مع التدخلات السياسية وتحكم الجهات الممولة لهذه المنظمات بقراراتها، وهذا التحكم جعل أي قرار متخذ لحل مشكلة ما يتعلق بالأهداف السياسية بدلاً من أن يكون متعلقاً بالأهداف الإنسانية التي أنشئت هذه المؤسسات من أجل تحقيقها. بجوار كيانات الأمم المتحدة العملاقة ظهر جيش من المنظمات غير الحكومية (NGOs)، بعضها يعمل بالفعل من أجل التغيير ولكن على الغالب تكون تطلعاته أكبر بكثير من قدرته على تحقيقها، وبعض هذه المنظمات غير الحكومية وجد لنفسه مكاناً في سوق الأعمال الإنسانية الدولية. من يرسم خرائط النفوذ؟ يكمن سؤال التمويل في قلب أزمة المنظمات الدولية، فمن المعروف أنه لا وجود لمنظمة مستقلة مالياً، ففي الأمم المتحدة ومنظماتها تلعب الاشتراكات الإلزامية التي تدفعها الدول بحسب حجم اقتصادها دوراً أساساً في تمويل المشاريع وتنفيذ الخطط الموضوعة وتقديم الدعم المادي والمالي حين تقع الحاجة إلى ذلك، لكن اشتراكات الدول الكبرى خصوصاً أميركا واليابان وألمانيا، هي عصب المنظمة كلها، ولو قررت هذه الدول وقف تمويلها فإن عدداً من هيئات الأمم المتحدة ومئات المشاريع وبرامج المساعدات التي تدعمها وملايين الأشخاص الذين يتلقون المساعدة منها، خصوصاً في دول العالم الثالث، سيتعرضون لكارثة. يكمن سؤال التمويل في قلب أزمة المنظمات الدولية فمن المعروف أنه لا وجود لمنظمة مستقلة مالياً (أ ف ب) إن أكثر من 80 في المئة من تمويل وكالات الأمم المتحدة مصدره أقل من 10 دول، لذا فإن أي قرار أو مشروع أو تحقيق قضائي لا يصب في مصلحة أحد هؤلاء الممولين الكبار فإنه لن يمر، مما يؤدي إلى تحويل هذه المنظمات إلى ما يشبه شركات المقاولات التي تنفذ سياسات المانحين لا حاجات الشعوب المحتاجة إلى المساعدة على صعد كثيرة باتت لا تعد ولا تحصى، في الاقتصاد والسياسة والاجتماع والثقافات المحلية والبيئة والهجرة والغذاء والسكن وغيرها كثير من القضايا المتشعبة والمتشابكة، التي يرتفع عددها مع ارتفاع عدد سكان العالم وتحديداً الفقراء منهم، أو المتأثرين بتغير المناخ وبالحروب والفساد والجوع في الدول الفقيرة. هذا الأمر ينطبق أيضاً على المنظمات غير الحكومية الكبرى التي غالباً ما تتماشى مع رغبات مموليها ولن تدور عجلة أعمالها من دون ذلك. البيروقراطية والأمل والعجز يمكن القول إن الهياكل الإدارية في ظاهرها نموذجية، لكن بات معروفاً أن المراكز الإدارية العليا تتحكم فيها نخبة دبلوماسية تتداول المناصب في ما يشبه نادياً مغلقاً، ويعاون هؤلاء موظفون ميدانيون وشباب مندفعون وأعداد كبيرة من المستشارين ومن العاملين على مشاريع معينة، ومن الموظفين في الدول التي تتلقى دعم هذه الهيئة الدولية، وهؤلاء جميعهم يعملون على تنفيذ خطط أو برامج لم يشاركوا في وضعها بل ألقيت عليهم من الأعلى، ولهذا يكون تأثيرهم الفعلي على أرض الواقع ضئيلاً نسبياً، وهذه الحال تشتد كلما اتسعت الدائرة في البيروقراطية الإدارية والهرمية لمنظمة ما من منظمات الأمم المتحدة، وينطبق الأمر نفسه على المنظمات غير الحكومية الكبيرة وذات التمويل الضخم مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية ومنظمة الغذاء العالمي، والتي تتلقى تمويلاً مستمراً. فالبيروقراطية الداخلية كما يصفها المطالبون بإعادة هيكلة منظمة الأمم المتحدة، أشبه بدولة داخل الدولة يحكمها أمناء ومديرون يملكون القدرة على تكييف السياسات ضمن حدود التمويل والمصالح الدولية للممولين الكبار. ففي النهاية تبدو المنظمات الدولية مرآة لصراعات الأمم والشركات والشعوب، ويتم تداول القرارات بين أميركا وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي وبريطانيا، أو بين الشمال والجنوب العالميين، وكذلك بين اللوبيات المتنافسة في كواليس المنظمات الإنسانية. هل ثمة نجاحات تذكر؟ لا يمكن إنكار بعض النجاحات النادرة، وأشهرها القضاء على الجدري نهائياً بفضل اتفاق عالمي تركت فيه السياسة مجال العمل والقرار للعلم وحده، وهناك حملات صحية وتعليمية نجحت في تغيير حياة ملايين البشر، ولا يمكن إنكار أهمية اتفاقات المناخ، ولو لم تنفذ جميع الدول الموقعة عليها التزاماتها، لكن مؤتمرات ذات تأثير كبير جعلت قضية تغير المناخ في صدارة الاهتمام العالمي. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) كذلك لا بد من القول إن منظمات الأمم المتحدة المختلفة تمكنت من وضع حد لبعض الحروب أو حماية شعب من الشعوب من نزاعات متفاقمة، ولكنها نجاحات نادرة. فعلى سبيل المثال توقفت الحرب في البلقان، لكن بقيت الألغام السياسية والاجتماعية التي قد تشعل الحرب من جديد موجودة حتى اليوم. أما في سوريا فما يجري هناك يدل على مدى ضآلة قدرة الأمم المتحدة على حل نزاع سياسي إقليمي، وكذلك الأمر في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، الذي وصفته الأمم المتحدة وسائر منظماتها بأنه أقرب إلى الجحيم، وعلى رغم كل الدعوات الأممية لوقف الحرب فإنها لا تزال مستمرة، مما يدل على ضعف المؤسسات الإنسانية أمام آلة الحرب السياسية التي تقررها الدول الكبرى. وليس بعيداً كشف جائحة كورونا عن هشاشة التعاون الدولي في الجوائح، إذ بينت أن منظمة الصحة العالمية لا يمكنها التأثير في قرارات الدول حول المساواة في توزيع اللقاحات وأدوات الوقاية من الفيروس، فبدا العالم في حال من الفوضى خلال مواجهة تلك الجائحة. أما منظمة الأغذية والزراعة (FAO) فقد عجزت عن وقف المجاعات في الصومال واليمن وفي سائر الدول التي تقع تحت عبء الفقر والمجاعة بسبب الجفاف وتغير المناخ وضيق الرقعة الزراعية وغياب الخبرات المحلية. وكذلك بالنسبة إلى المفوضية العليا للاجئين (UNHCR) التي وفرت مأوى للملايين ولكنها لم تستطع إيجاد حلول دائمة لقضايا جميع من أمنت لهم المأوى، وبدلاً من العمل على إعادتهم إلى بيوتهم تم تثبيتهم في البلدان التي هاجروا إليها بواسطة الدعم المادي كما فعلت هذه المنظمة مع اللاجئين السوريين في لبنان. لم تعد الأمم المتحدة أو البنك الدولي أو الصحة العالمية تحظى بالقداسة القديمة، بل صار نقدها فجاً وعلنياً. كثير من الدول بدأت تستعيد السيطرة على قطاعات الصحة والتعليم والاقتصاد، والمنظمات الكبرى تهرم، تستهلكها البيروقراطية من الداخل، وتفقد مرونتها في زحام المتغيرات.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store