logo
بعد الخلاف بشأن "تشفير أبل".. بريطانيا تبحث عن مخرج للتهدئة مع واشنطن

بعد الخلاف بشأن "تشفير أبل".. بريطانيا تبحث عن مخرج للتهدئة مع واشنطن

الشرق السعوديةمنذ 15 ساعات
يسعى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى إيجاد حل للخلاف مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن طلب لندن من أبل، منحها إمكانية الوصول إلى بيانات عملائها الآمنة، حسبما نقلت صحيفة "فاينانشيال تايمز" عن مسؤلين بريطانيين اثنين كبيرين.
وأوضح المسؤولان، أن وزارة الداخلية البريطانية، التي طالبت عملاق التكنولوجيا الأميركي، في يناير الماضي، بمنحها إمكانية الوصول إلى نظام التخزين السحابي، ستضطر على الأرجح إلى التراجع، في مواجهة ضغوط من كبار القادة في واشنطن، بمن فيهم نائب الرئيس جي دي فانس.
وقال مسؤول في وزارة التكنولوجيا البريطانية: "هذا أمر يثير انزعاج نائب الرئيس بشدة ويحتاج إلى حل"، وأضاف: "ستضطر وزارة الداخلية في الواقع إلى التراجع".
وأضاف المسؤولان، أن سعي بريطانيا لإجبار أبل على كسر تشفيرها الشامل، قد يعيق اتفاقيات التكنولوجيا مع الولايات المتحدة.
خط أحمر
وقال أحد المسؤولين للصحيفة: "إحدى التحديات التي تواجه الشراكات التقنية التي نعمل عليها، هي مسألة التشفير. إنها خط أحمر كبير في الولايات المتحدة، فهم لا يريدوننا أن نتدخل في شؤون شركاتهم التقنية".
وضعت حكومة ستارمر استراتيجية تجارية تركز على الأهداف الرقمية مثل الذكاء الاصطناعي وشراكات البيانات.
وأضاف المسؤول الحكومي الآخر، أن وزارة الداخلية البرطانية، تعاملت مع مسألة تشفير أبل بشكل سيئ للغاية، وأصبحت الآن "في موقف حرج"، مضيفاً: "إنها مشكلة من صنع وزارة الداخلية نفسها، وهم يعملون على إيجاد حل لها الآن".
وفي أمرها الصادر في يناير، طلبت وزارة الداخلية من أبل فتح "باب خلفي" يسمح لأجهزة إنفاذ القانون أو الأمن بالوصول إلى نظام التخزين السحابي الذي يخزن بيانات المستخدم التي لا تستطيع حتى شركة تصنيع هواتف آيفون نفسها الوصول إليها حالياً.
وقد فعلت ذلك بإصدار "إشعار بالقدرة التقنية" بموجب قانون صلاحيات التحقيق في بريطانيا، وهو تشريع يصفه النقاد بأنه "ميثاق تجسس"، لكن الحكومة تُصر على أنه ضروري لأجهزة إنفاذ القانون للتحقيق في الإرهاب والاعتداء الجنسي على الأطفال.
وبموجب أحكام هذا التشريع، لا يستطيع مستلمو هذا الإشعار مناقشة الأمر علناً، حتى مع العملاء المتأثرين بالأمر، إلا بعد الحصول على إذن من وزير الداخلية.
وقد أثار استخدام هذا التشريع ضد شركة أبل، أبرز معركة في قطاع التكنولوجيا حول تقنية التشفير، منذ ما يقرب من عقد من الزمان.
طعن قانوني
واستجابةً لهذا الطلب، سحبت شركة أبل خدمة التخزين السحابي الأكثر أماناً لديها من بريطانيا في فبراير الماضي، وهي الآن تطعن في أمر وزارة الداخلية أمام محكمة صلاحيات التحقيق، التي تُحقق في الشكاوى المُقدمة ضد أجهزة الأمن في البلاد.
وفي الشهر الماضي، أعلنت شركة "واتساب"، المملوكة لشركة ميتا، الانضمام إلى الطعن القانوني الذي قدمته شركة أبل، في تعاون نادر بين الشركتين المتنافستين في وادي السيليكون.
في غضون ذلك، تواصل وزارة الداخلية متابعة قضيتها مع شركة أبل أمام المحكمة. وناقش محامو الحكومة الخطوات القانونية المقبلة هذا الشهر، مما يعكس الانقسامات داخل الحكومة البيرطانية بشأن أفضل السبل للمضي قدماً. وصرح شخص مطلع على العملية القانونية: "في هذه المرحلة، لم تتراجع الحكومة بعد".
وأضاف مسؤول بريطاني كبير ثالث، أن الحكومة البريطانية مترددة في دفع "أي شيء يبدو لنائب الرئيس الأميركي وكأنه قضية تتعلق بحرية التعبير".
وفي خطاب حاد اللهجة في مؤتمر ميونخ للأمن في فبراير الماضي، جادل فانس بأن حرية التعبير والديمقراطية مهددتان من قبل النخب الأوروبية.
وأضاف المسؤول البريطاني، أن هذا "يحد مما يمكننا فعله في المستقبل، لا سيما فيما يتعلق بتنظيم الذكاء الاصطناعي". وقد أرجأت حكومة حزب العمال خطط تشريع الذكاء الاصطناعي إلى ما بعد مايو من العام المقبل.
انتقادات ترمب
وشبه الرئيس الأميركي دونالد ترمب، طلبات بريطانيا من شركة أبل بـ"شيء تسمع عنه في الصين"، قائلاً في فبراير إنه قال لستارمر: "لا يمكنك فعل هذا".
كما أشارت تولسي جابارد، مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية، إلى أن الطلب سيُمثل "انتهاكاً صارخاً" لخصوصية الأميركيين، ويُهدد بخرق اتفاقية البيانات بين البلدين.
ولم تستجب شركة أبل لطلب التعليق من "فاينانشيال تايمز". وفي فبراير الماضي، صرحت أبل قائلةً: "لم ننشئ أبداً باباً خلفياً أو مفتاحاً رئيسياً لأي من منتجاتنا، ولن نفعل ذلك أبداً".
وسبق أن صرّحت وزارة الداخلية البريطانية، بأن بريطانيا لديها "ضمانات قوية ورقابة مستقلة لحماية الخصوصية"، وأن هذه الصلاحيات "لا تُستخدم إلا في حالات استثنائية، فيما يتعلق بأخطر الجرائم".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"ترحيل الأسوأ".. وكالة الهجرة الأميركية تتعهد باعتقال أي مهاجر غير قانوني
"ترحيل الأسوأ".. وكالة الهجرة الأميركية تتعهد باعتقال أي مهاجر غير قانوني

الشرق السعودية

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق السعودية

"ترحيل الأسوأ".. وكالة الهجرة الأميركية تتعهد باعتقال أي مهاجر غير قانوني

أعلن مدير وكالة الهجرة والجمارك الأميركية (ICE) تود ليونز، أن الوكالة ستعتقل أي شخص يُعثر عليه داخل الأراضي الأميركية بشكل غير قانوني، حتى وإن لم يكن لديه سجل جنائي، مشيراً إلى أن الحملة ستشمل أيضاً ملاحقة الشركات التي توظف عمالاً غير مصرح لهم. وفي مقابلة مع شبكة CBS News، أوضح ليونز أن الوكالة ستركز مواردها المحدودة على توقيف وترحيل "الأسوأ من بين المخالفين"، في إشارة إلى الأشخاص المقيمين بشكل غير قانوني، ولديهم سجلات جنائية خطيرة، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن ذلك لا يعني استثناء غير المجرمين، إذ سيتم توقيفهم أيضاً خلال عمليات الاعتقال. وانتقد ما وصفه بسياسات "الملاذ الآمن" التي تتبعها بعض الولايات والمدن الأميركية، والتي تقيد التعاون بين سلطات إنفاذ القانون المحلية ووكالة الهجرة، قائلاً إن "هذا النهج يدفع الوكالة إلى تنفيذ عمليات ميدانية في المجتمعات بدلاً من تسلم المهاجرين المخالفين من مراكز الاحتجاز المحلية". وقال ليونز: "ما يسبب لي الإحباط أننا نرغب في التركيز على المهاجرين الجنائيين الموجودين في منشآت الاحتجاز"، لافتاً إلى أن وكالات إنفاذ القانون المحلية أو على مستوى الولاية "اعتبرتهم بالفعل خطراً على السلامة العامة واحتجزتهم". عودة "الاعتقالات الجانبية" وأضاف: "لكننا نضطر للخروج إلى تنفيذ الاعتقالات، وهناك تزايد في ما يسمى بالاعتقالات الجانبية"، لافتاً إلى اقتياد أي شخص موجود بشكل غير قانوني إلى الحجز، وتابع: "لقد وسعنا نطاق الإجراءات". ويُقصد بالاعتقالات الجانبية توقيف أشخاص لم يكونوا الهدف الرئيسي للعملية، ولكن يتم العثور عليهم خلال مداهمات تستهدف مهاجرين آخرين، فيُعتقلون لمجرد وجودهم في البلاد بشكل غير قانوني. وجرى تقليص ما يُعرف بـ"الاعتقالات الجانبية" بشكل كبير خلال إدارة الرئيس السابق جو بايدن، حيث صدرت توجيهات لوكلاء الترحيل بالتركيز على المهاجرين الذين يشكلون تهديداً للأمن، أو لديهم سجلات جنائية خطيرة، أو دخلوا البلاد مؤخراً بطريقة غير قانونية. لكن إدارة الرئيس دونالد ترمب، وبعد عودته إلى البيت الأبيض في يناير، ألغت هذه القيود، وأعادت توسيع نطاق الاعتقالات ليشمل كل من يُعثر عليه داخل الأراضي الأميركية دون وضع قانوني، سواء كان مستهدفاً في العملية أم لا. وفي إطار وعود ترمب الانتخابية بتشديد الحملة على الهجرة غير الشرعية، مُنحت وكالة الهجرة صلاحيات أوسع، حيث دفع نائب رئيس موظفي البيت الأبيض، ستيفن ميلر، باتجاه تنفيذ 3 آلاف اعتقال يومياً. وعلى الرغم من أن الوكالة لم تبلغ هذا العدد بعد، إلّا أنها حصلت مؤخراً على تمويل إضافي من الكونجرس لتعزيز حملة الترحيل. وقال ليونز إن "تحقيق هدف الإدارة بترحيل مليون شخص سنويا أمر ممكن في ظل التمويل الجديد". وبحسب بيانات حكومية حصلت عليها CBS News فقد قامت وكالة الهجرة بترحيل نحو 150 ألف شخص خلال الأشهر الستة الأولى من ولاية ترمب الثانية، بينهم نحو 70 ألفاً من أصحاب الجنايات السابقة، رغم أن العديد من تلك الانتهاكات تتعلق بمخالفات هجرة أو مرور. وتواجه وكالة الهجرة، انتقادات بسبب بعض أساليبها، مثل ارتداء العملاء للأقنعة، واعتقال طالبي اللجوء أثناء حضورهم جلسات المحكمة، وتنفيذ مداهمات في أماكن العمل. وقال ليونز: "وكالة الهجرة تركز دائماً على الأسوأ من بين المخالفين، لكن الفارق الآن هو أننا، في ظل هذه الإدارة، فتحنا المجال بالكامل أمام كل ملفات الهجرة". استهداف أصحاب العمل المخالفين وفي تحول بارز آخر، أعادت إدارة ترمب العمل بسياسة المداهمات الواسعة في أماكن العمل، بعد تعليقها خلال إدارة بايدن. وفي الأسابيع الأخيرة، اعتقلت السلطات مئات العمال المشتبه بوجودهم بشكل غير قانوني في مواقع مختلفة، من بينها مصنع لتعبئة اللحوم في نبراسكا، ومضمار خيول في لويزيانا، ومزارع للقنب في كاليفورنيا، حيث تم احتجاز أكثر من 300 مهاجر، بينهم 10 قاصرين. وعلى الرغم من توقف قصير في عمليات المداهمة في يونيو، استجابة لمخاوف أرباب العمل من تأثير الحملة على أعمالهم في الزراعة والضيافة، إلّا أن هذا التوقف لم يستمر سوى أيام. ومنذ ذلك الحين، لمّح ترمب إلى إمكانية منح إعفاءات للمزارعين الذين يستخدمون عمالة غير قانونية، دون تقديم تفاصيل واضحة. وقالت كريستي نويم وزيرة الأمن الداخلي في برنامج على شبكة NBC NEWS إنه خلال مداهمة فوضوية، وما نتج عنها من احتجاجات، في موقعين لمزرعة للقنب في جنوب كاليفورنيا جرى اعتقال 319 شخصاً يعيشون في الولايات المتحدة بصورة غير قانونية، ودخل المسؤولون اتحاديون في مواجهة مع 14 قاصراً مهاجراً. "العمالة القسرية" في صلب التحقيقات وأكد ليونز أن وكالة الهجرة ستواصل تنفيذ عمليات إنفاذ قانون الهجرة في أماكن العمل، مشدداً على أنه لا يوجد أي حظر على مثل هذه العمليات، وأنها ستعتمد على مذكرات توقيف جنائية بحق أصحاب العمل المتورطين في توظيف عمالة غير مصرح لها. ووصف ليونز هذه الانتهاكات بأنها "ليست جرائم بلا ضحايا"، مشيراً إلى أن بعض التحقيقات تكشف عن وجود عمالة قسرية أو اتجار بالأطفال. وقال: "لا نركز فقط على الأشخاص الذين يعملون بشكل غير قانوني، بل نستهدف أيضاً الشركات الأميركية التي تستغل هؤلاء العمال الذين جاؤوا إلى هنا بحثاً عن حياة أفضل". ورداً على سؤال حول ما إذا كانت الوكالة ستُحاسب أصحاب العمل المخالفين أيضاً وليس العمال فقط، أجاب ليونز: "مائة في المائة".

هل يختار لبنان السيادة...أم يترك مصيره للآخرين؟
هل يختار لبنان السيادة...أم يترك مصيره للآخرين؟

الشرق الأوسط

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق الأوسط

هل يختار لبنان السيادة...أم يترك مصيره للآخرين؟

أثار ردّ لبنان الأخير على مقترح أميركي يهدف إلى تحسين أمن ورفاهية المواطنين في كل من لبنان وإسرائيل، قدراً من التفاؤل الحذر في الأوساط الدبلوماسية. فعلى خلاف التوقعات، وُصفت الاجتماعات التي عقدها المبعوث الأميركي، السفير توم برّاك، مع عدد من القادة اللبنانيين، بينهم الرئيس جوزيف عون، ورئيس الوزراء نواف سلام، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، بأنها بنّاءة وتتسم بالبراغماتية بدلاً من التمسك بخطوط حمراء جامدة. هذا بحد ذاته تطور مشجع، وإن كان الحذر واجباً. فالوقت ضيّق، والتوصل إلى اتفاق دائم يتطلب خطوات جريئة وحاسمة، في مقدمتها نزع سلاح «حزب الله» وانسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان. المقترح الأميركي الذي يُقال إن القيادة اللبنانية تقبله من حيث المبدأ، يمثل فرصة أولية. لكن في الشرق الأوسط، يكمن الشيطان دائماً في التفاصيل. ومن ثم، ينبغي أن تنتقل الولايات المتحدة ولبنان سريعاً إلى ترتيبات جوهرية، تُنسّق بعناية، وتُنفّذ ضمن ضمانات أمنية صارمة ومعايير إصلاح واضحة. والأهم أن السفير برّاك أوضح صراحة أن أي اتفاق لن يصمد ما لم يُوضع حد لسلاح «حزب الله». يتضمن المقترح اللبناني خطوات أساسية؛ منها: وقف الأعمال العدائية من جميع الأطراف، ونزع سلاح كل الجهات المسلحة غير الشرعية (وبشكل خاص ترسانة «حزب الله»)، وترسيم الحدود مع كل من سوريا وإسرائيل، وانسحاب القوات الإسرائيلية، وبسط الجيش اللبناني سلطته الكاملة على جميع الأراضي اللبنانية. ورغم أن هذه البنود تمثل أساساً صالحاً لأي اتفاق قابل للاستمرار، فإنها بحاجة إلى عناصر داعمة تضمن ديمومتها. في مقدمة هذه العناصر دور الجيش اللبناني الذي يُعدّ المؤسسة الوطنية الأكثر ثقة وكفاءة. ولا يمكن لأي تسوية أن تصمد من دون تمكين الجيش عملياً من ضبط الحدود ونزع سلاح الميليشيات. وقد أظهر الجيش إرادة للقيام بدور في الجنوب، لكنه بحاجة الآن إلى تفويض سياسي واضح من القيادة اللبنانية، وإلى دعم دولي يمكّنه من أداء هذا الدور في مختلف أنحاء البلاد. وباعتبار أن الولايات المتحدة هي أكبر جهة مانحة للجيش اللبناني، فإن عليها أن تعيد تأكيد التزامها تجاه هذه المؤسسة. ومع اقتراب موعد مناقشة الكونغرس الأميركي لمخصصات تمويل الجيش في موازنة العام المالي 2026، على القادة اللبنانيين أن يتحركوا بسرعة. فأي تلكؤ في إظهار الإرادة السياسية سيؤدي إلى تقويض الدعم العسكري والدبلوماسي، ما سيترك لبنان مكشوفاً أمام المخاطر. ولا يمكن تأجيل موضوع سلاح «حزب الله» إلى مرحلة لاحقة. فهذه القضية تمثل جوهر الموقف الأميركي، وأي عدم التزام بها سيهدد كامل الاتفاق. ويرى البعض أن على لبنان أن يحقق الأمن أولاً قبل الانتقال إلى الإصلاحات الاقتصادية والمؤسساتية. لكن الواقع أن الأمن والإصلاح مترابطان، ولا معنى لأي تسوية من دون جهد إصلاحي داخلي فعّال يُحدث فرقاً ملموساً في حياة اللبنانيين، بدءاً من استعادة القدرة على الوصول إلى حساباتهم المصرفية التي جُمّدت بفعل الأزمة، وصولاً إلى إصلاح النظام المصرفي والقضائي والرقابي. أما جنوب لبنان الذي تكبّد الأثمان الأبهظ في النزاع الأخير، فلا يزال يرزح تحت وطأة التبعية القسرية لـ«حزب الله»، لا اختياراً، بل اضطراراً. وتجب طمأنة أبناء الجنوب بأن الدولة اللبنانية، وبدعم من الولايات المتحدة وشركائها، ستضع عملية التعافي وإعادة الإعمار على رأس أولوياتها بمجرد استعادة السيادة على المنطقة. جاءت تصريحات الرئيس عون الأخيرة التي أكد فيها أن قرارات الحرب والسلم حصرية للدولة، وأن مسألة السلاح خارج الدولة قد «حُسمت ولا عودة عنها»، في توقيت مهم وتبعث على الأمل. لكن غياب التنفيذ العملي سيجعل واشنطن تحول أنظارها إلى ملفات أخرى، من سوريا إلى غزة وإيران، تاركة لبنان يغرق أكثر في العزلة. في غضون ذلك، تتبدل ملامح المشهد الجيوسياسي بسرعة. فاحتمال التوصل إلى تفاهم بين سوريا وإسرائيل قد يعيد رسم خريطة الأولويات الإقليمية ويهمّش لبنان تماماً. ومن دون ترسيم واضح للحدود وموقف لبناني حاسم لإنجاز التسوية، قد يجد لبنان نفسه خارج اللعبة، ويُتخذ القرار بشأن سيادته في غيابه. وقد تكون زيارة السفير توم برّاك الحالية مفصلية. فهذه هي المرة الأولى منذ سنوات التي تتلاقى فيها عوامل الاهتمام الدولي، واستعداد محلي، والتزام أميركي فعلي لدعم تعافي لبنان - شرط أن يثبت قادته أنهم أهل لهذا الالتزام. لكن الفرصة قد لا تدوم طويلاً، وصبر واشنطن ليس بلا حدود. اجتماعات برّاك مع القادة اللبنانيين تمثل اختباراً. والسؤال المطروح على لبنان اليوم بسيط في مظهره، وعميق في مضمونه: هل سيتحدث لبنان بصوت واحد، قائلاً: «شعب واحد، بلد واحد، جيش واحد»؟ أم سيسمح مجدداً للآخرين بتقرير مستقبله عنه؟

مباحثات النووي الإيراني... هل من جديد؟
مباحثات النووي الإيراني... هل من جديد؟

الشرق الأوسط

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق الأوسط

مباحثات النووي الإيراني... هل من جديد؟

أيام قليلة ولربَّما تبدأ مباحثات بين كلّ من فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيران، في مكان أو أماكن تبادلية ستُحدّد لاحقاً. الدول الأوروبية الثلاث هدَّدت بعودة العقوبات الدولية على إيران بنهاية أغسطس (آب) المقبل إن لم تبدأ مفاوضات جادة بشأن برنامجها النووي. طهران قبلت مبدئياً اللقاء على مستوى نواب وزراء الخارجية، ليس من أجل التفاوض، وفقاً للخارجية الإيرانية، ولكن لتوضيح المواقف، وأهمها أنَّ الحلول العسكرية لا تفيد، وأنَّه لا بد من تعويض إيران عن الخسائر التي لحقت بها من جراء الهجوم الإسرائيلي والأميركي على منشآتها النووية، وأنَّ التوقف التام عن التخصيب غير وارد في القاموس الإيرانى، مع التأكيد أن برنامجها هو لأغراض سلمية بحتة، ولا نيَّة إيرانية لصنع قنابل نووية، وضرورة رفع العقوبات كاملة وفك التجميد عن الأرصدة المالية الإيرانية، وأن تتوافر ضمانات قوية بعدم تعرض البلاد لهجمات عسكرية مستقبلاً. في المقابل تركز الرؤية الأوروبية على ضرورة وقف التخصيب تماماً لتأكيد عدم صنع أسلحة نووية، مشيرة إلى أنَّ التخصيب الذي حددته الوكالة الذرية بنسبة 60 في المائة هو أكبر من أي احتياجات سلمية تدعيها طهران، وأنه يشير إلى نية إيرانية ضمنية برفع نسبة التخصيب إلى 90 في المائة، ومن ثم صنع قنبلة نووية. ولا تتضمن الرؤية الأوروبية المعلنة أي إشارة لرفع العقوبات لا سيما الأوروبية عن إيران أو التخفيف منها، وكل ما يتم التلميح إليه هو أن تعود العلاقات التجارية مع إيران تدريجياً مع التيقن من التزام طهران بما يتم الاتفاق عليه. وتبدو تهديدات الدول الأوروبية الثلاث بالعودة إلى العقوبات الدولية التي قُيدت حين تم التوقيع على الاتفاق الخاص بالنووى الإيراني 2015 وفق قرار مجلس الأمن «2231»، من قبيل الضغط السياسي والدعائي لا أكثر، فتنظيم العقوبات تفعيلاً أو رفعاً جاء بقرار من الأمم المتحدة، والعودة إليها أو تفعيلها يتطلب قراراً أممياً جديداً، وهو أمر يبدو متعذراً نظراً للفيتو الصيني والروسي المتوقع. فضلاً عن أن اتفاق عام 2015 لم يعد محل تطبيق فعلي بعد انسحاب الولايات المتحدة عام 2018 أثناء إدارة الرئيس دونالد ترمب الأولى. وهنا يبدو السؤال الأهم، ما الذي ستضيفه تلك المباحثات إن عُقدت بالفعل؟ وهل المسألة مجرد عقد مباحثات وتبادل الآراء المتضاربة المعلنة للطرفين، أم أنها ستقود إلى اتفاق جديد ينهي حالة التوتر ويحاصر أي تصعيد عسكري محتمل؟ كثير من الإجابات المحتملة إيجاباً أو سلباً تتوقف على الموقف الأميركي، الذي يحدده الرئيس ترمب في أمرين؛ الأول أنَّ الضربات الجوية المتتالية التي أمر بها يوم 22 يونيو (حزيران) الماضي باسم «عملية مطرقة منتصف الليل»، واسُتخدمت فيها طائرات الشَّبح الأميركية «بي 2» الأكثر تقدماً، وقنابل تدمير الأعماق، قد دمرت المنشآت النووية الإيرانية، خصوصاً منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم، ومنشأة نطنز، وموقع أصفهان. ويفهم من هذا التأكيد الذي يصر عليه سيد البيت الأبيض بالرغم من تقييمات الاستخبارات الأميركية الأكثر تحفظاً، أن الإيرانيين فقدوا القدرة على التخصيب أو صنع قنبلة نووية إن لم يكن أبدياً، فعلى الأقل لعدة سنوات طويلة. والأمر الثاني أنه شخصياً ليس متعجلاً في التفاوض مع إيران بالرغم من طلبات طهران باللقاء والتفاوض، وفقاً لتصريحاته الكثيرة. الموقف الأميركي على هذا النحو يطرح إشكالية سياسية بالنسبة للمفاوضين الأوروبيين من الدول الثلاث، فإن كانت واشنطن غير متعجلة، وترى أنه لا خطر نووياً إيرانياً قبل سنوات طويلة، فما الذي يمكن التوصل إليه من تفاهمات أو اتفاقات؟ وهل سيكون لها طابع ملزم للولايات المتحدة وإسرائيل؟ لا سيما وأن إسرائيل نتنياهو لا تريد إنهاء احتمالات التصعيد العسكري، والاكتفاء بما تم تحقيقه عسكرياً بالفعل، ويطرح رئيس وزرائها احتمال توجيه ضربة عسكرية أخرى ضد إيران حتى لو لم تشارك فيها الولايات المتحدة كما حدث في يونيو الماضي. في ظني أن الدول الأوروبية الثلاث تدرك هذه الإشكالية جيداً، كما تدرك أيضاً أن هناك معلومات يتم تسريبها بناء على اللقاءات الثلاثة الأخيرة بين الرئيس ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن ما بين السابع إلى التاسع من يوليو (تموز) الحالي، مفادها تفهّم على الأقل، إن لم يكن تأييداً كاملاً، من قبل ترمب لرغبة الطرف الآخر، باستكمال الضغط العسكري على إيران، وتدمير ما لم يتم تدميره من قدرات نووية، ما يعني احتمال قيام إسرائيل بعملية عسكرية تعيد التوتر إلى المنطقة، وقد تتطور إلى أمور أكبر، خصوصاً وأن إيران تتحدث عن استعدادها لمواجهة أي هجوم إسرائيلي مرتقب، بصواريخ أكثر قوة وأشد تأثيراً، مع تلميحات شبه رسمية بالاستعداد لإغلاق مضيق هرمز. الإدراك الأوروبي الثلاثي على هذا النحو، يدفع إلى نوع من التحرك الاستباقي، يستهدف تحييد نزعة التصعيد الإسرائيلية التي لا يخفيها نتنياهو ووزراؤه المتطرفون. لكن تظل الحاجة إلى مساندة أميركية للمباحثات مع طهران مسألة أساسية من أجل إنجاحها، أو على الأقل أن تكون بداية لعودة جادة مرة أخرى للمفاوضات الأميركية - الإيرانية بوساطة عمانية أو وفق إطار تفاوضي جديد، وهي المفاوضات التي توقفت مع العدوان الإسرائيلي يوم 13 يونيو الماضي. ولا شك إن توصلت تلك المباحثات الرباعية إلى إطار عمل مقبول وقابل للتطبيق الفعلي، فسوف سيمثل علامة فارقة بين التصعيد العسكري وبين الحلول الدبلوماسية، شريطة أن يعالج القضايا الرئيسة بالقدرات النووية الإيرانية؛ مثل معدل التخصيب المقبول، ومكان التخصيب البديل، وتحديد مصير اليورانيوم المخصب في حدود 60 في المائة، وعودة مفتشي الوكالة الذرية إلى المواقع الإيرانية وفق تفاهمات تراعي الحالة الجديدة التي عليها تلك المواقع بعد استهدافها عسكرياً من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، وتخفيف العقوبات تدريجياً، وتطبيع علاقات إيران مع الغرب إجمالاً وواشنطن تحديداً. وهي شروط لازمة رغم تباعد المسافات.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store