ما الذي تبقى من الاتفاق النووي الإيراني؟
يصرّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب على ضرورة تخفيض التخصيب في إيران إلى الصفر، ويعتبر التخصيب غير العسكري -المعترف به وفقاً للاتفاق النووي الإيراني ووفقاً لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية لجميع الدول الموقعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)- مساوياً للتخصيب النووي العسكري.
وتضغط إسرائيل على الولايات المتحدة لعدم الاعتراف بأي مستوى من التخصيب لإيران. حجة ترامب وفريقه هي أن التخصيب غير العسكري يمكن أن يمهد الطريق للتخصيب العسكري، لأن الآلية واحدة في كلا النوعين، والفرق بين مستوى تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67% و90% (المطلوب لصنع قنبلة نووية)، هو فرق في الدرجة وليس في الجوهر. لكن إيران تُجيب بأن الرقابة المشددة التي يمارسها مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي الضمان لعدم الانجرار إلى الانشطة النووية العسكرية.
تفعيل آلية "الزناد"
إلى جانب الولايات المتحدة وإسرائيل، شكلت ثلاثية بريطانيا وألمانيا وفرنسا في أوروبا، جبهة ثالثة ضد إيران، مستغلة الخيار الذي وفره الاتفاق النووي عام 2015 للدول الست الموقعة مع إيران، وهو "الاستعادة السريعة" أو آلية الزناد (Snapback). ويمكن استخدام هذه الآلية فقط حتى تاريخ 17 تشرين الأول/أكتوبر 2025، وبعد ذلك لن تتمكن أوروبا من اللجوء إليها.
آلية الزناد (Snapback) هي أداة قانونية منصوص عليها في القرار 2231 لمجلس الأمن الدولي، وتنتهي صلاحيتها في التاريخ المذكور. بعد ذلك، لن يكون من الممكن إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران عبر هذه الآلية، رغم إمكانية تقديم قرار جديد لمجلس الأمن ضد إيران. لكن نظراً لوجود روسيا والصين كعضوين دائمين في المجلس وقدرتهما على نقض أي قرار، فإن أوروبا لا تعول على مجلس الأمن وتراهن فقط على آلية الزناد.
قرار مجلس المحافظين
رغم وجود حق استخدام آلية الزناد، إلا أن الطريق أمام أوروبا ليس سهلاً، لأن جميع إجراءات إيران تتم في إطار الحقوق الممنوحة لها بموجب الاتفاق النووي لعام 2015. حتى رفع مستوى التخصيب من 3.67% إلى 60%، يندرج ضمن إطار ولا يشكل انتهاكاً له، كما أن مجلس محافظي الوكالة لا يعتبر هذا المستوى من التخصيب مخالفاً، رغم قلقه من أن يقرب هذا المستوى من التخصيب، إيران من امتلاك القنبلة النووية.
أشار تقرير حديث للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، إلى وجود آثار لليورانيوم في موقعي "تورقوز آباد" و"ماريفان"، تعود إلى 25 عاماً مضت، وقد تم حلّها عام 2015 قبل توقيع الاتفاق النووي. وتعتقد إيران أن الوكالة قد درست هذه القضية سابقاً وأغلقتها. هناك عدة تفسيرات محتملة لهذه الآثار، منها تلوث معدات التخصيب المستوردة من باكستان.
ترى إيران وروسيا أن عودة غروسي إلى هذه القضية القديمة تحركها دوافع سياسية، وتهدف إلى تمهيد الطريق أمام أوروبا لتفعيل آلية الزناد. وقال الممثل الروسي في الوكالة ميخائيل أوليانوف، في مقابلة مع شبكة "بي بي سي" مساء أمس الأربعاء، إن تقرير غروسي كُتب تحت ضغط أغلبية أعضاء مجلس المحافظين، خصوصاً الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا. وأضاف أن القرار الذي سيُطرح للتصويت الخميس لإدانة إيران بسبب "عدم تعاونها"، هو نفسه الذي رفضته 12 دولة في مجلس المحافظين خريف العام الماضي.
من جهته، أكد غروسي أنه رغم عدم تأكده من السلمية الكاملة للبرنامج النووي الإيراني، إلا أنه لا يوجد دليل على انتهاك إيران لالتزاماتها النووية.
تصعيد عسكري محتمل
في غضون ذلك، زاد انسحاب القوات الأميركية من المنطقة من احتمالية المواجهة العسكرية بين إيران والولايات المتحدة/إسرائيل. وأكد ترامب مرة أخرى أن "الأوضاع في الشرق الأوسط قد تصبح خطيرة". وقال في رد على سؤال حول سبب إصداره إذناً بإخلاء عائلات العسكريين الأميركيين من المنطقة: "أخرجنا بعض الدبلوماسيين من مناطق في الشرق الأوسط لأن الوضع قد يصبح خطراً". وكالعادة، أضاف ترامب "لن نسمح لإيران بالحصول على سلاح نووي".
تصعيد الوكالة الذرية
أقرّ مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية مقترح الترويكا الأوروبية الذي دعمته الولايات المتحدة خلال اجتماعه فجر اليوم الخميس، وأهم محاوره: التعبير عن قلق شديد إزاء عدم شفافية إيران، انتقاد القيود المفروضة على وصول مفتشي الوكالة وتحذير بشأن أنشطة التخصيب المتقدمة والتهديد بإجراءات عقابية في حال عدم التعاون.
هذه النقاط تعكس تصعيد الضغوط الغربية على طهران في ملفها النووي.
الخطوة المقبلة سيكون استخدام الدول الأوروبية لآلية الزناد التي تسندعي إعادة العقوبات ضد إيران. هذه الآلية هي ما تبقي من الاتفاق النووي، واستخدامها يمثل إطلاق رصاص الرحمة عليه.
هل من خيار غير التسوية؟ من غير المرجح أن يختار الطرفان (واشنطن وطهران) الحرب، رغم أن إسرائيل لن تتوقف عن محاولة جر البلدين إليها.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


LBCI
منذ 2 ساعات
- LBCI
الجبهة الداخلية الإسرائيلية: صفارات الإنذار تدوي في القدس وتل أبيب ومستوطنات في الضفة الغربية ومئات المواقع
مسؤولان إسرائيليان لـ أكسيوس: ترامب ومستشاريه كانوا يتظاهرون فقط بمعارضة الهجوم الإسرائيلي في العلن ولم يبدوا أي معارضة في السر وحصلنا على ضوء أخضر واضح من الولايات المتحدة مسؤولان إسرائيليان لـ أكسيوس: ترامب ومستشاريه كانوا يتظاهرون فقط بمعارضة الهجوم الإسرائيلي في العلن ولم يبدوا أي معارضة في السر وحصلنا على ضوء أخضر واضح من الولايات المتحدة ترامب: بعض المتشددين الإيرانيين تحدثوا بشجاعة لكنهم لم يكونوا يعلمون ما الذي كان سيحدث فجميعهم موتى الآن والأمر سيزداد سوءًا فبالفعل حصل موت ودمار هائل لكن لا يزال هناك وقت لإنهاء هذه المجزرة


النهار
منذ 2 ساعات
- النهار
نتنياهو يتوعّد إيران: ما يجري قد يؤدي لتغيير وجه الشرق الأوسط
أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليوم الجمعة أنّ العملية العسكرية ضد إيران هي "فريدة من نوعها"، مشيراً إلى أنّها استهدفت "جزءاً مهماً من القيادات الإيرانية وعنصر المفاجأة كان الأهم في نجاحها". وذكر في مؤتمر صحافي أن "الضربات الإسرائيلية طالت منصّات إطلاق صواريخ إيرانية كانت تُستخدم لمهاجمة إسرائيل"، مشدداً على أن الهدف الحالي هو "معالجة قدرة إيران على إنتاج الصواريخ". وقال: "إيران سرّعت إنتاج الصواريخ البالستية ووتيرة تطوّر برنامجها النووي ازدادت بعد اغتيال الأمين العام الأسبق لحزب الله حسن نصرالله". ووصف نتنياهو المواجهة الراهنة بأنّها "في مستوى مختلف"، مؤكداً أن ما يجري "سيُغيّر شكل إسرائيل وأن العملية قد تؤدي إلى تغيير وجه الشرق الأوسط برمّته". وكشف عن أنّه أطلع الولايات المتحدة مسبقاً على تفاصيل الهجوم، مؤكّداً حصول بلاده على دعم من فرنسا وبريطانيا وأميركا، التي "تعترف بحقنا في الدفاع عن أنفسنا". وحذّر نتنياهو من رد إيراني وشيك قد يكون "عنيفاً جداً"، مؤكّداً أن "الرد قادم"، داعياً السكان إلى الالتزام بتعليمات السلامة. وأضاف: "الأيام المقبلة ستكون صعبة، لكنّنا سنفعل كل ما يلزم لإبعاد الخطر الإيراني". ولفت إلى أنّه سيوجّه خطاباً الليلة إلى الشعب الإيراني. وأشار في الختام إلى أن "تحديد توقيت الضربات جاء بناءً على توصية الجيش الإسرائيلي فكان من الضروري التحرّك وحددت موعد التنفيذ في نهاية نيسان/أبريل 2025 (لكن) لأسباب مختلفة، لم ينجح الأمر"، مؤكداً أن إسرائيل "تستعد لتقليص الثمن" المتوقّع من التصعيد. وفي كلمة مسائية أخرى، حضّ رئيس الوزراء الإسرائيلي في كلمة وجّهها إلى الشعب الإيراني بعد تنفيذ إسرائيل ضربات على الجمهورية الإسلامية، على رص الصفوف ضد "النظام القمعي والشرير"، وقال إن بلاده تشن "إحدى أكبر العمليات العسكرية في التاريخ". وقال نتنياهو في كلمة مصوّرة بعد قصف إسرائيل أكثر من مئتي موقع عسكري ونووي في إيران "حان الوقت لكي يتوحّد الشعب الإيراني حول علَمه وإرثه التاريخي، بالانتفاض من أجل تحرركم من النظام القمعي والشرير". وتابع "نحن في خضم إحدى أكبر العمليات العسكرية في التاريخ، عملية الأسد الصاعد". وتوعد إيران بمزيد من الضربات، وقال نتنياهو في كلمة مصورة "خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، قضينا على كبار القادة العسكريين، العلماء النوويين البارزين، أهم منشآت النظام لتخصيب اليورانيوم، وقسم كبير من ترسانة صواريخه البالستية"، مضيفا "المزيد آت. النظام لا يعرف ما لحق به، أو ما سيلحق به. لم يسبق له أن كان ضعيفا الى هذا الحد".

المدن
منذ 3 ساعات
- المدن
داخل قلب إيران النووي: منشآت وتخصيب واختبار الردع
في ساعات الفجر الأولى من اليوم، تعرّضت منشأة نطنز النووية الإيرانية لهجوم جديد بطائرات مسيّرة، هو الأعنف منذ سنوات، ما أدى إلى انفجارات متتالية داخل المجمع تحت الأرضي، وفق ما أفادت به مصادر أمنية إيرانية وشهود عيان من محيط مدينة كاشان. ورغم تكتم السلطات عن طبيعة الأضرار، تحدثت مصادر محلية عن انبعاثات كيميائية غير معتادة، وانتشار فرق الطوارئ البيئية في القرى المجاورة. كذلك تعرضت منشأة فوردو النووية ومنشأة آخرى في أصفهان للقصف الإسرائيلي. يأتي هذا الاستهداف في وقت تشهد فيه المنطقة توتراً غير مسبوق بين إيران وإسرائيل، وسط تحذيرات من انزلاق الأمور إلى مواجهة مفتوحة، لكن الضربات الأخيرة أثارت قلقاً أعمق من مجرد التصعيد السياسي أو العسكري: ماذا لو تسببت هذه الهجمات في تسرّب إشعاعي أو كارثة بيئية؟ تشير تقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى أن استهداف منشآت نووية فعالة – كتلك الموجودة في نطنز أو فوردو – قد يؤدي إلى انتشار مواد مشعة، وتعطيل شبكات الرصد النووي، وتهديد حياة آلاف المدنيين، ليس فقط داخل إيران بل عبر الحدود أيضاً. شبكة سرية ومحصنة في قلب الجغرافيا وتتزايد هذه المخاطر بسبب امتداد البرنامج النووي الإيراني على شبكة معقدة من المنشآت الموزعة بين الهضاب الوسطى والجبال المحصنة، تتنوع مهامها بين التخصيب، والتحويل، والتبريد بالماء الثقيل، فضلاً عن مواقع لا تزال خاضعة للجدل الدولي. 1- منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم وتأتي نطنز على رأس هذه المنشآت، التي تُعد قلب المشروع النووي الإيراني، وتقع وسط البلاد قرب مدينة كاشان، وتحتوي على آلاف أجهزة الطرد المركزي القديمة والمتطورة، وتُستخدم لتخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%، وهي نسبة تقترب من العتبة العسكرية. وعمدت إيران، بعد سلسلة من الهجمات السابقة، أبرزها الهجوم السيبراني الشهير بـ"ستوكسنت" عام 2010 والتفجير الغامض عام 2020، إلى نقل الأنشطة الأساسية إلى أعماق الأرض داخل منشأة تحت جبلية يصعب استهدافها عسكرياً. 2- مفاعل آراك للماء الثقيل كما يقع مفاعل آراك للماء الثقيل، إلى الجنوب الغربي من طهران، الذي أُثيرت حوله شكوك متكررة بسبب إمكانياته لإنتاج البلوتونيوم، وهو المادة الانشطارية البديلة لصناعة السلاح النووي. وقد وافقت إيران على إعادة تصميم المفاعل ضمن اتفاق 2015، إلا أن تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية لاحقاً أشارت إلى نشاط جزئي أعيد إليه بعد انهيار الاتفاق. 3- منشأة فوردو المحصنة أما منشأة فوردو، فتقع تحت جبل قرب مدينة قم، وهي واحدة من أكثر المواقع تحصيناً في إيران، وقد بُنيت لتكون منيعة ضد أي هجوم جوي مباشر. واكتُشفت هذه المنشأة عام 2009، وتقوم حالياً بتخصيب اليورانيوم باستخدام أجهزة طرد مركزي من أجيال متقدمة، في تحدٍ صريح للاتفاقيات النووية السابقة. ويساهم الطابع العسكري للموقع، وموقعه الجغرافي، في جعله نقطة توتر مستمرة في الحسابات الإسرائيلية والغربية. 4- منشأة إصفهان (UCF) لتحويل اليورانيوم وفي مدينة أصفهان، تعمل منشأة تحويل اليورانيوم (UCF) على تحويل "الكعكة الصفراء" إلى غاز سداسي فلوريد اليورانيوم (UF6)، وهي خطوة محورية في دورة الوقود النووي. ولطالما اعتُبرت هذه المنشأة حلقة وصل أساسية بين استخراج اليورانيوم الخام ومرحلة التخصيب في نطنز وفوردو. 5- المواقع السرية أو "المريبة" وبعيداً عن المواقع المعلنة، تشير تقارير استخباراتية متقاطعة إلى وجود مواقع سرية لا تخضع لرقابة الوكالة الدولية، مثل الموقع الذي كشفت عنه إسرائيل عام 2018 في تورقوز آباد جنوب طهران. كما كشفت صور أقمار صناعية حديثة عن أعمال حفر وإنشاءات تحت الأرض قرب نطنز، يُعتقد أنها تهدف إلى بناء منشآت نووية أكثر تحصيناً لا تستطيع حتى القنابل الموجهة اختراقها. وتدل هذه البنية المعقدة على أن إيران تبنّت استراتيجية تقوم على التوزيع والتخفي والتأمين العميق لمواقعها النووية، في مواجهة تهديدات الاستهداف الجوي والضربات السيبرانية، إلا أن هذا التعقيد الفني والهندسي لا يُخفي حقيقة أن أية ضربة عسكرية مباشرة لهذه المنشآت، خاصة تلك التي تحتوي على مواد مشعة، قد تؤدي إلى كارثة بيئية تتجاوز الحدود الإيرانية نفسها. من حلم الشاه إلى صراع الجمهورية ويعود البرنامج النووي الإيراني إلى بدايات سبعينيات القرن الماضي، حين كانت إيران، تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي، والذي كان حليفاً وثيقاً للغرب وتحديداً للولايات المتحدة. وأطلقت طهران في تلك الفترة، مشروعاً طموحاً للطاقة النووية بدعم من واشنطن وبرلين وباريس، شمل بناء مفاعل بوشهر ومفاعلات بحثية أخرى لأغراض مدنية وطبية، في إطار "برنامج الذرة من أجل السلام"، ولم تكن النوايا العسكرية حاضرة على السطح آنذاك، بل كانت إيران تسعى إلى أن تصبح القوة العلمية الأكبر في المنطقة. لكن الثورة الإسلامية عام 1979 غيرت كل شيء، توقف البرنامج فجأة، وهُجرت المواقع النووية، في ظل عداء مفتوح مع الغرب واتهامات متبادلة بالخيانة العلمية، حتى أعادت طهران إحياء برنامجها النووي بهدوء، بعد نهاية الحرب الإيرانية العراقية، معتمدة على شبكة من التعاونات التقنية مع الصين، وروسيا، وأطراف آسيوية أخرى، إلى جانب جهد كبير في بناء قدرات محلية. وشهد عام 2002 نقطة التحول الكبرى، حين كشفت المعارضة الإيرانية في الخارج عن منشأتين نوويتين سريتين: نطنز وآراك. وفجرت هذه المعلومات أزمة دولية، وسرعان ما دخلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على الخط، وبدأت التحقيقات والزيارات، وواجهت طهران لأول مرة اتهامات علنية بأنها تُخفي بُعداً عسكرياً لبرنامجها النووي. وخضعت إيران لعقوبات دولية متصاعدة، خاصة بعد امتناعها عن الكشف الكامل عن أنشطتها، ورفضها وقف تخصيب اليورانيوم، ووسط هذا التصعيد، دخلت طهران في مفاوضات شاقة مع القوى الكبرى، أسفرت أخيراً عن التوصل إلى الاتفاق النووي التاريخي في 14 يوليو/تموز 2015 (JCPOA)، مع مجموعة 5+1 (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا). نصَ الاتفاق على تقليص أنشطة التخصيب، وتقليل عدد أجهزة الطرد المركزي، وتعديل مفاعل آراك، والسماح برقابة صارمة من الوكالة الدولية، مقابل رفع تدريجي للعقوبات، لكن هذا التوازن لم يدم طويلاً، حيث أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق، في مايو/أيار 2018، وأعاد فرض العقوبات الاقتصادية على طهران في إطار حملة "الضغط الأقصى"، وهو ما اعتبرته إيران خرقاً جوهرياً للاتفاق. وردت طهران بخفض تدريجي لالتزاماتها، فعادت إلى تخصيب اليورانيوم بنسب مرتفعة، واستأنفت بناء أجهزة طرد مركزي متطورة، وأوقفت التعاون مع فرق التفتيش في بعض المواقع. ومع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، ظهرت مؤشرات أولية على العودة للمفاوضات، لكن الجمود ظل سيد الموقف، لا سيما بعد تصاعد التوتر الإقليمي والهجمات المتكررة التي طالت منشآت نطنز وفوردو واغتيال العالِم النووي محسن فخري زاده أواخر 2020. وتقف إيران اليوم، وبعد أكثر من عقدين من الكشف عن أول منشأة سرية، على عتبة نووية فعلية، حسب تقييمات إسرائيلية وأميركية، مع امتلاكها أكثر من 100 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، في حين تؤكد طهران أنها لا تسعى إلى سلاح نووي، لكنها تحتفظ بـ"الحق السيادي الكامل" في تطوير برنامجها دون قيود. العقل الغامض وراء الطموح النووي الإيراني ولا يمكن فهم البعد العسكري المحتمل للبرنامج النووي الإيراني دون التوقف عند شخصية محسن فخري زاده، العالم النووي الأبرز في إيران، الذي قاد ما يُعرف داخل أجهزة الاستخبارات الغربية باسم "مشروع عماد" – وهو البرنامج السري الذي يشتبه بأنه كان يسعى لتطوير سلاح نووي خلال تسعينيات القرن الماضي وحتى عام 2003. وهو ضابط في الحرس الثوري وحاصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء النووية، كان يتمتع بنفوذ واسع داخل المؤسسات العلمية والعسكرية، وكان اسمه محجوباً عن الإعلام، حتى كشفت عنه إسرائيل عام 2018 ضمن ما قالت إنه "أرشيف نووي إيراني مسروق"، وحسب الوثائق التي عُرضت آنذاك، لعب فخري زاده دوراً مركزياً في تصميم رؤوس نووية قابلة للتحميل على صواريخ باليستية. ومثّل اغتياله في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 قرب طهران، في عملية معقدة نُفذت بتقنية عالية واتُّهمت بها إسرائيل، نقطة تحول في النظرة الدولية للبرنامج النووي الإيراني، ولم يُعثر على بديل واضح له داخل المؤسسة النووية، رغم محاولات طهران التعتيم على دوره الحقيقي. وترى بعض التحليلات أن اغتياله أبطأ التقدم التقني العسكري للبرنامج، فيما تؤكد أطراف أخرى أن البنية التحتية أصبحت مؤسسية إلى درجة لا تتأثر برحيل الأفراد. ويجسد وجود فخري زاده في قلب هذه المنظومة، ثم اغتياله، التحول العميق الذي شهده البرنامج النووي الإيراني: من مشروع علمي بإشراف حكومي، إلى نظام مركزي مزدوج الطابع، تقوده أجهزة أمنية وعسكرية، ويغذيه طموح علمي لا يخلو من أهداف استراتيجية أعمق. الطموح المقنّع ورغم تأكيد طهران المتكرر على الطابع السلمي لبرنامجها النووي، فإن الشكوك حول نواياها العسكرية لم تتوقف منذ اللحظة التي كُشف فيها عن منشأة نطنز عام 2002، وقد تعززت هذه الشكوك بفعل المعطيات التي جمعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتقارير استخباراتية غربية، وكذلك التصريحات الصريحة من المسؤولين الإسرائيليين. ويقبع ما يُعرف بملف "الأبعاد العسكرية المحتملة" للبرنامج الإيراني، والذي يُشار إليه داخل الوكالة الدولية للطاقة الذرية اختصاراً بـ "PMD "، في صلب هذه الاتهامات، ويتضمن هذا الملف أنشطة ذات طابع مزدوج (مدني/عسكري) قامت بها إيران في مراحل مختلفة، تشمل اختبارات على تفجير تقليدي يحاكي الانفجار النووي، وتصميم رؤوس نووية صغيرة، ومحاولات تصنيع مفجرات ذات إشعال مزدوج، وهي تقنية تُستخدم في السلاح النووي. ونشرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريراً غير مسبوق، في عام 2011، أشار إلى أن إيران نفذت أنشطة "متناسقة" ذات صلة بتطوير سلاح نووي حتى عام 2003، وربما بعده. كما أورد التقرير أن إيران لم تقدّم تفسيرات مقنعة حول بعض المواقع، خاصة منشآت بارشين العسكرية، حيث اشتُبه بقيام تجارب على تفجيرات عالية الشدة، وتم رصد محاولات واضحة لإزالة آثار هذه الأنشطة. ورغم أن اتفاق 2015 جاء في جزء منه لتسوية هذه المسائل، إلا أن كثيراً من الأسئلة ظلت معلقة، سيما بعد أن أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في عام 2018، عن "سرقة الأرشيف النووي الإيراني" من أحد مستودعات طهران، كاشفاً عن وثائق وصور وتصاميم تؤكد – بحسب زعمه – أن إيران كانت تعمل بشكل منسق على تطوير سلاح نووي، تحت إشراف محسن فخري زاده، عبر مشروع يُدعى "عماد". من جانبها، نفت المؤسسة الأمنية الإيرانية صحة هذه المزاعم، واعتبرتها جزءاً من حملة إسرائيلية لعرقلة أي تقارب دولي معها، لكن الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة وأجهزة الاستخبارات الأوروبية، لم تتجاهل هذه المعلومات، وأخذتها بعين الاعتبار عند تقييم مستوى التهديد الإيراني. الزمن اللازم ويُعد مفهوم "الزمن اللازم لصنع سلاح نووي" – أو ما يُعرف اصطلاحاً بـ "Breakout Time" أحد أكثر المؤشرات حساسية في تقييم الخطر النووي الإيراني، وهو يشير إلى الفترة الزمنية التي تحتاجها دولة لامتلاك كمية كافية من اليورانيوم عالي التخصيب (بنسبة 90%) تكفي لصنع قنبلة نووية واحدة، إذا قررت تجاوز التزاماتها والانسحاب من اتفاقاتها. وقُدّر هذا الزمن في الحالة الإيرانية، قبل توقيع الاتفاق النووي عام 2015، بنحو شهرين إلى ثلاثة أشهر، بفضل مخزون كبير من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% وقدرات تخصيب متقدمة، لكن بعد دخول الاتفاق حيّز التنفيذ، وهدم أجهزة الطرد المركزي وتقليص المخزون إلى أقل من 300 كلغ بنسبة 3.67%، ارتفع زمن "الاختراق" إلى نحو عام كامل. هذا التوازن اختل بالكامل بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018، إذ عادت إيران تدريجياً لتخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، ثم 60%، وهي نسبة لم تُسجل من قبل في تاريخ البرنامج. ووفقاً لتقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية في منتصف 2024، فإن إيران راكمت ما يزيد عن 100 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهو ما يكفي لتقليص الزمن اللازم لصنع سلاح إلى ما دون الأسبوعين، إذا اتُّخذ قرار سياسي بالذهاب نحو درجة التخصيب العسكري. ومع أن تخصيب اليورانيوم لا يعني بالضرورة إنتاج سلاح، إلا أن الخطوة الأخطر تتعلق بـ"تحويل المواد" إلى رأس نووي، وهي عملية تتطلب خبرة هندسية معقدة ونقل المواد إلى موقع تصنيع سري. وتبقى تقديرات وكالات الاستخبارات الغربية متباينة، فبعضها يؤكد أن إيران لا تزال تفتقر إلى آلية تفجير موثوقة، بينما تشير أخرى إلى أن "النية السياسية فقط هي ما يفصل طهران عن السلاح"، لكن التحذير الأخطر جاء من وزير الدفاع الإسرائيلي في مارس 2025، حين قال:"إيران لم تعد على العتبة النووية، لقد وضعت يدها على المقبض، وتنتظر اللحظة السياسية المناسبة لفتح الباب". في المقابل، تواصل طهران التأكيد على أن برنامجها موجه حصرياً لأغراض سلمية، وتعتبر الحديث عن "breakout time" أداة سياسية لتبرير التهديد والضغط والعقوبات. توازن ردع أم صراع إرادات؟ ومنذ انكشاف طبيعة البرنامج النووي الإيراني في مطلع القرن الحادي والعشرين، انقسم المشهد الدولي إلى ثلاثة محاور رئيسية في التعاطي مع هذا الملف: محور المواجهة، ومحور الدبلوماسية الحذرة، ومحور التواطؤ الصامت. الولايات المتحدة: الضغط الأقصى شكّلت واشنطن الطرف الأكثر تأثيراً في صياغة مسار البرنامج النووي الإيراني، ودفعت بقوة نحو التوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015، في عهد باراك أوباما، معتبرة أنه الخيار الأفضل لضمان تأخير أي طموح عسكري إيراني دون اللجوء للحرب. لكن مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، انقلبت السياسة رأساً على عقب، إذ انسحب من الاتفاق عام 2018، وأعاد فرض عقوبات قاسية على إيران تحت شعار "الضغط الأقصى". ومع إدارة جو بايدن، ظهرت مؤشرات على العودة إلى التفاوض، لكن الشكوك المتبادلة، والهجمات المتبادلة عبر الوكلاء في الإقليم، إضافة إلى الأزمة الأوكرانية وتقارب إيران مع روسيا، أعاقت الوصول إلى اتفاق جديد. وتبقى واشنطن اليوم في موقع المناور الحذر، وتخشى أن تدفع أي حرب مباشرة مع إيران إلى إشعال المنطقة، لكنها في الوقت نفسه لا تقبل بوضع يسمح لطهران بالوصول إلى القنبلة. أوروبا: الدبلوماسية في مأزق التزمت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة – أطراف الاتفاق النووي – لسنوات بخط دبلوماسي، يدعو للحوار مع طهران مع الإبقاء على العقوبات الأوروبية المتعلقة بحقوق الإنسان والصواريخ الباليستية. ومع الانهيار التدريجي للاتفاق، فقدت العواصم الأوروبية الكثير من نفوذها، وتحول دورها إلى وسيط عاجز بين واشنطن وطهران. في العامين الأخيرين، ومع تسارع تخصيب اليورانيوم، ارتفعت لهجة التحذير الأوروبية، خاصة من باريس، التي دعت إلى فرض "آلية الزناد" لإعادة العقوبات الأممية على إيران، لكنها لم تُفعّلها عملياً، في ظل توازنات دقيقة داخل مجلس الأمن. روسيا والصين: حليفان انتهازيان في المقابل، تُعد موسكو وبكين من أبرز حلفاء طهران على المستوى السياسي والاقتصادي، لكن علاقتهما بالملف النووي تبقى براغماتية بحتة، فقد دعمتا الاتفاق النووي في 2015، ورفضتا انسحاب واشنطن، كما عارضتا مراراً أي تصعيد عسكري ضد إيران، وفي حين تستفيد روسيا من التقارب مع طهران في مواجهة الغرب، ترى الصين في إيران مورداً للطاقة وشريكاً استراتيجياً في مشروع "الحزام والطريق". ومع اندلاع الحرب في أوكرانيا، تعزز التنسيق العسكري الإيراني–الروسي، ما دفع الغرب إلى الربط بين السلوك النووي الإيراني والدور الإيراني في تسليح روسيا، خصوصاً عبر الطائرات المسيّرة. إسرائيل: استراتيجية الضربات الوقائية وتبقى إسرائيل الطرف الأكثر عداءً للبرنامج النووي الإيراني، وتعتبره تهديداً وجودياً مباشراً، ومنذ أكثر من عقد، تبنّت تل أبيب سياسة الردع الوقائي، من خلال ضربات سيبرانية، واغتيالات لعناصر البرنامج، واستهداف مخازن ومنشآت حساسة، دون إعلان رسمي. الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، سواء بقيادة نتنياهو أو غيره، شددت على أن "إيران لن تُسمح لها بامتلاك سلاح نووي"، وأبقت خيار العمل العسكري المنفرد مفتوحاً، حتى دون غطاء أميركي، وفي السنوات الأخيرة، نقلت إسرائيل المواجهة من السر إلى العلن، وبدأت بتنفيذ ضربات بطائرات مسيّرة داخل العمق الإيراني، في رسائل مباشرة إلى طهران والعالم. دول الخليج: قلق استراتيجي وتنظر دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، إلى البرنامج النووي الإيراني بريبة شديدة، خاصة في ظل غياب الشفافية، وتزامنه مع مشروع صاروخي متطور ونفوذ إقليمي متصاعد، وقد دفع هذا القلق بالرياض وأبوظبي إلى تطوير برامج نووية سلمية خاصة بهما، وسط دعوات داخل دوائر القرار السعودي إلى امتلاك "خيار ردع متوازن" في حال امتلكت إيران سلاحاً نووياً. ومع توقيع الاتفاق السعودي-الإيراني برعاية صينية عام 2023، ظهرت مؤشرات على تخفيف حدة المواجهة، لكن الثقة الإقليمية ما تزال هشة، خاصة مع استمرار الضربات الجوية المتبادلة في ساحات أخرى. استراتيجية إيران لحماية برنامجها من القصف ومع تصاعد الهجمات الجوية الإسرائيلية داخل العمق الإيراني، وتكرار حوادث "التخريب الغامض" في منشآت نطنز وفوردو، بدأت طهران تعتمد بشكل متسارع على استراتيجية التحصين تحت الأرض، بوصفها خط الدفاع الأخير أمام أي عمل عسكري قد يستهدف بنيتها النووية. هذا التوجه لا يعد جديداً بالكامل، لكنه أخذ بعداً أكثر اتساعاً وخطورة بعد عام 2020، فقد شرعت إيران في بناء منشآت نووية جديدة داخل أعماق الجبال، باستخدام تقنيات هندسية متطورة، تجعل الوصول إليها عسكرياً بالغ التعقيد، حتى بالنسبة للقنابل الخارقة للتحصينات. أبرز هذه المواقع الجديدة يقع على بعد بضعة كيلومترات من منشأة نطنز الأصلية، وقد كشفت عنه صور أقمار صناعية في 2023، وتشير التحليلات إلى أن الموقع يتضمن ممرات أنفاق تمتد إلى أعماق تزيد على 100 متر تحت الأرض، مع أنظمة تهوية مدروسة لإبقاء أجهزة الطرد المركزي في درجات حرارة مستقرة. وتمثل هذه المنشآت المحصنة، تحوّلاً استراتيجياً مزدوجاً: من جهة، هي رد مباشر على الضربات السيبرانية والجوية التي طالت المواقع المكشوفة، ومن جهة أخرى، ترفع من كلفة أي ضربة إسرائيلية أو أميركية محتملة، سواء من الناحية اللوجستية أو السياسية، خصوصاً إذا نتج عنها تسرب إشعاعي أو أضرار بيئية. لكن هذه الاستراتيجية لا تخلو من مخاطر، فكلما زادت إيران من اعتمادها على المواقع تحت الأرض، كلما ازداد الشك الدولي بأن ما يجري إخفاؤه هو أنشطة لا تخضع للرقابة الدولية، أو ربما اختبارات ذات طابع عسكري. وفي ظل تراجع التعاون الإيراني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإزالة بعض كاميرات الرقابة، بات القلق الغربي مشروعاً من أن "البرنامج خرج عن الرادار". ولم تُخفِ إسرائيل، قلقها من هذه التطورات، ففي تصريحات لمسؤولين أمنيين نُشرت في أوائل 2024، وصف أحد الجنرالات موقع نطنز الجديد بأنه "حصن نووي أسوأ من فوردو"، مؤكداً أن "القنبلة لا تكفي، نحتاج إلى ما بعد القنبلة". وهكذا، تبدو إيران وقد أعادت هندسة برنامجها النووي تحت الأرض، ليس فقط لحمايته، بل لإعادة تعريف المعادلة بالكامل: من الردع بالتخصيب، إلى الردع بالتحصين. بين الدبلوماسية المعطلة وشبح المواجهة ومع وصول البرنامج النووي الإيراني إلى نقطة حرجة – تقنياً واستراتيجياً – لم يعد الجدل الدولي يدور حول "هل تملك إيران القدرة؟" بل حول "متى وكيف ستقرر استخدام هذه القدرة؟"، وبين تعثر المفاوضات، وتكثيف التخصيب، وتصاعد الهجمات العسكرية المتبادلة، تبرز ثلاثة سيناريوهات رئيسية لمستقبل هذا الملف. 1- العودة إلى طاولة المفاوضات يبقى هذا السيناريو مفضلاً لدى العواصم الأوروبية والولايات المتحدة وتقوم فكرته على إعادة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، أو التوصل إلى اتفاق بديل مصغّر (Plan B) يجمّد التخصيب عند سقف محدد مقابل تخفيف جزئي للعقوبات، غير أن نجاح هذا المسار مشروط بتراجع إيران عن خطواتها التصعيدية، وعودة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمراقبة المواقع الحساسة، وهو ما ترفضه طهران ما لم تُرفع العقوبات النفطية والمصرفية أولاً، في المقابل، تواجه الإدارة الأميركية ضغوطاً سياسية من الكونغرس والرأي العام الأميركي، تجعل أي "تنازل" لإيران عبئاً انتخابياً. 2- الانزلاق إلى مواجهة عسكرية محدودة ومع استمرار الهجمات داخل العمق الإيراني، وتهديدات إسرائيل المتكررة بشن "ضربة استباقية"، تبرز احتمالية اندلاع مواجهة عسكرية محدودة، تستهدف المنشآت النووية والمواقع العسكرية الإيرانية، إما من جانب إسرائيل منفردة، أو ضمن تنسيق مع الولايات المتحدة. هذا السيناريو ينطوي على مخاطر هائلة، من بينها رد إيراني واسع عبر جبهات متعددة (لبنان، سوريا، العراق، اليمن)، وإمكانية تحول الضربة إلى حرب إقليمية مفتوحة، لكنه أيضاً يحظى بدعم داخل الدوائر الأمنية الإسرائيلية التي ترى أن "كل يوم تأخير يزيد كلفة المواجهة". 3- التحول إلى سياسة "الغموض النووي" السيناريو الثالث والأكثر خطورة يتمثل في أن تصل إيران إلى العتبة النووية ثم تتوقف، دون الإعلان عن امتلاك سلاح، ودون نفي ذلك بشكل واضح، على غرار ما فعلته إسرائيل نفسها في عقود سابقة. هذه الاستراتيجية تمنح طهران قوة ردع دون كسر رسمي للاتفاقيات الدولية، وتضع خصومها أمام معادلة ردع غير متكافئة، إلا أن تطبيق هذا النموذج يفتح الباب أمام سباق تسلح إقليمي، مع دعوات سعودية متزايدة لتطوير برنامج نووي "رديف"، وربما انهيار كامل لنظام عدم الانتشار النووي في الشرق الأوسط. كلفة التعامل مع القنبلة الإيرانية وإذا افترضنا – كما تشير بعض التقديرات الاستخباراتية الغربية – أن إيران تملك المعرفة التقنية والمواد الكافية لتصنيع سلاح نووي، فإن التعامل مع هذا الواقع يضع العالم أمام خيارين شديدي التناقض والخطورة: تفكيك القنبلة أو منع استخدامها عبر ضربة استباقية قد تفضي إلى تفجيرها قسراً. أولاً: تفكيك السلاح النووي الإيراني – خيار معقّد سياسياً وتقنياً ويتطلب تفكيك سلاح نووي أولاً اعترافاً رسمياً بامتلاكه، ثم دخول إيران في مسار تفتيش صارم شبيه بما حدث في أوكرانيا وجنوب إفريقيا في التسعينيات، ويتضمن هذا المسار: 1- تقديم إعلان شامل عن عدد القنابل ومواقعها. 2- تسليم المواد الانشطارية (يورانيوم أو بلوتونيوم عالي التخصيب). 3- تفكيك أجهزة التفجير النووي (detonators) والأنظمة الباليستية المرتبطة. لكن هذا السيناريو يصطدم بعدة عقبات، أبرزها أن إيران لم تعترف حتى الآن بامتلاك سلاح نووي، و"التراجع" قد يُعد هزيمة سياسية أمام خصومها، بالإضافة إلى أن وجود البنية التحتية العسكرية المحصنة يجعل التحقق من التفكيك الكامل أمراً بالغ الصعوبة، كما يتطلب التفاهم مع قوى كبرى متصارعة (أميركا، روسيا، الصين)، وهو ما يبدو مستبعداً حالياً. ومع ذلك، يبقى التفكيك، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الخيار "الأكثر استقراراً واستدامة"، لكنه يحتاج إلى إرادة سياسية إيرانية غير متوفرة حالياً. ثانياً: تفجير السلاح – كارثة مخفية خلف كل ضربة في حال اختارت إسرائيل أو الولايات المتحدة شن ضربة استباقية تستهدف منشأة يُشتبه بأنها تضم سلاحاً نووياً إيرانياً، أو قررت إيران استخدام السلاح فعلياً في لحظة مواجهة وجودية، فإن النتائج قد تكون كارثية. لأن تفجير قنبلة نووية – سواء اختباري أو حربي – سيؤدي إلى: 1- إطلاق موجة حرارية وتفجيرية قادرة على تدمير مدينة بأكملها. 2- انبعاث إشعاعي طويل الأمد يهدد ملايين السكان. 3- تساقط نووي يلوث التربة والمياه والهواء في محيط آلاف الكيلومترات. 4- انهيار البيئة السياسية والأمنية في الشرق الأوسط، مع انطلاق سباق تسلح نووي لا يمكن ضبطه. وحتى إن لم يتم تفجير القنبلة عمداً، فإن استهداف منشأة تخزين مواد انشطارية أو ورشة تسليح نووي قد يؤدي إلى "انفجار تقني" أو تسرّب إشعاعي يُشبه تفجيراً قذراً (Dirty Bomb)، يدمج بين الخطر البيئي والرعب السياسي. وهكذا، فإن كل من مساري التفكيك أو التفجير يحملان صعوبات استثنائية، لكن الفرق بينهما في المحصلة هو أن التفكيك يحتاج شجاعة سياسية، أما التفجير فهو نتيجة لفشل جماعي.