
تعطيش الخليل... الاحتلال الإسرائيلي يضخّ المياه بالقطّارة
تعيش محافظة الخليل، أكبر محافظات
الضفة الغربية
، أزمة مائية خانقة منذ مايو/أيار الماضي، نتيجة خفض سلطات الاحتلال الإسرائيلي حصة المحافظة من المياه بنسبة تتجاوز 40%، ما أدى إلى معاناة يومية للأهالي، وارتفاع كلفة الحصول على المياه، وسط اتهامات للجهات الرسمية بسوء الإدارة والتوزيع، بينما تتعمق الأزمة مع تفاقم حرارة الصيف.
ويعتمد سكان الخليل على مصادر مياه ثانوية تشمل آبار سلطة المياه والبلدية، ومياه الأمطار، بينما تعتبر المياه المشتراة من شركة
ميكروت
الإسرائيلية المصدر الرئيسي لإمداد المحافظة بالمياه وفق ما نصّ عليه ملحق
اتفاقية أوسلو
نصّ اتفاقية أوسلو إعلان المبادئ 1993
نص اتفاقية أوسلو (إعلان المبادئ- حول ترتيبات الحكومة الذاتية الفلسطينية)، والتي تم التوقيع عليها في العاصمة الأميركية واشنطن، في 13 أيلول/ سبتمبر 1993، بين الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز، برعاية الرئيس الأميركي بيل كلينتون
الثانية، في 28 أيلول/سبتمبر 1995، الذي رحّل ملف المياه إلى قضايا الحلّ النهائي، كما أبقى السيطرة الإسرائيلية على مصادر المياه الرئيسية في
الأراضي المحتلة
في مقابل تزويد الفلسطينيين باحتياجهم المائي اليومي على نحوٍ مدفوع.
من حي غربي مدينة الخليل، يقول الفلسطيني راضي كرامة لـ"العربي الجديد": "
أزمة المياه
تؤثر على حياتنا يومياً، فقبل سنوات، كانت تصلنا عبر خطوط البلدية مقابل ما ندفعه من رسوم، ومع زيادة عدد السكان ظلت كميات المياه والبنية التحتية ذاتها، ما أثر على التوزيع، وتسبب بمشكلات يومية بين الأهالي. أصبحنا نعتمد على الصهاريج، التي تشكل عبئاً مختلفاً، سواء مالياً أو هدراً للوقت. نعيش في أحياء مكتظة، ويحتاج وصول الصهريج إلى إشعار جميع الجيران كي يتوقفوا عن الحركة بمركباتهم، علاوة على معاناة البحث عن أصحاب صهريج يوصلون المياه، وبسبب شحّ المياه، نضطر إلى دفع 200 شيكل (57 دولاراً) للصهريج الواحد، بدلاً من 60 شيكلاً في المعتاد، ما يكبدنا أعباء مالية إضافية. شخصياً، أحتاج إلى ثلاثة صهاريج شهرياً خلال فصل الصيف، وقد أضطر أحياناً لشراء المياه المعدنية للشرب، بينما لا توجد حلول من الجهات الرسمية".
رغم فقدانه لعمله في الداخل المحتل منذ بدء الحرب على غزة، يضطر الفلسطيني عبد الله عيسى، الذي يسكن أحد أحياء شرق الخليل، إلى شراء صهاريج المياه بكلفة مضاعفة، ويؤكد أن أزمة المياه تعمقت، إذ أصبحت تصل منزل عائلته مرة كل شهرين بدلاً من مرة كل شهر، ويوضح لـ"العربي الجديد": "كنت خلال الأزمة في الأعوام الماضية أدفع أسبوعياً مبلغاً قدره 35 شيكلاً (10 دولارات) مقابل صهاريج المياه، فأسرتي تتكون من ثلاثة أفراد فقط، لكن الأوضاع ساءت خلال العام الحالي".
وبحسب منظمة الصحة العالمية والجمعية الدولية للمياه، يُقدَّر الاستهلاك المنزلي اليومي الموصى به في الظروف الطبيعية بحوالى 100 لتر للفرد، في حين أن متوسط ما يحصل عليه الفلسطيني أقل من 80 لتراً يومياً، بينما تتقلص الكميات في الخليل إلى نحو 60 لتراً فقط، مقارنة بنحو 300 لتر يومياً يحصل عليها المستوطن في "كريات أربع" المقامة على أراضي شرق الخليل.
ويعود تفاقم الأزمة، وفق تقديرات بلدية الخليل، إلى أمرين؛ أولهما تخفيض الاحتلال لحصة المدينة من المياه الواردة عبر شركة ميكروت بنسبة تتجاوز 40%، والثاني يرتبط بسوء إدارة التوزيع من سلطة المياه، خاصة أن العديد من آبارها بحاجة إلى صيانة.
ويقول عضو مجلس بلدي الخليل، عبد الكريم فراح، لـ"العربي الجديد": "قبل تفاقم الأزمة، كانت كمّيات المياه التي تصل إلى مدينة الخليل من شركة ميكروت تُقدّر بنحو 22 ألف كوب شهرياً، قبل أن تنخفض إلى نحو ثمانية آلاف كوب قبل ثلاثة أشهر، وسط تذبذب الكميات بين الانخفاض والارتفاع. سلطة المياه تؤكد أنها تزود المدينة بنسبة 50% من المياه، بينما تأتي النسبة الأخرى من شركة ميكروت، فهل جرى خصم نسبة التخفيض من الحصة الإسرائيلية فقط، أم من إجمالي كميات المياه المتاحة للمدينة؟".
ويلفت فراح إلى أن "سلطة المياه، بوصفها الجهة المخولة بالملف، تتحمّل مسؤولية السعي للحصول على تعويض أو إعادة جزء من الحصة المخفضة من الاحتلال، وهي مسؤولة عن غياب استراتيجية مسبقة لإدارة الملف منذ توقيع اتفاقية أوسلو، إضافة لعدم اعتمادها إجراءات استباقية لتدارك الأزمات. والبنية التحتية المائية لمدينة الخليل تأثرت بعقود من البناء العشوائي، وعدم ملاءمة التوزيع الجغرافي، عدا عن اختلاف الارتفاعات بين المنازل التي أوجدت تذبذباً بوصول المياه، ما عقّد الأزمة، لتتراجع دورة وصول الماء من 18 يوماً إلى نحو 73 يوماً".
يؤثر شح المياه على كافة مناحي الحياة، 20 يوليو 2025 (مصعب شاور/فرانس برس)
ويضيف: "يفاقم فاقد المياه عبر السرقات الأزمة، إذ كان يُسرقُ ستة آلاف كوب من الحصّة الأصلية، وبعد تخفيض ميكروت، بدأ يظهر الأثر الحادّ للسرقة، ومعظم السرقات تقع في مناطق تصنَّف (ج)، ولا تخضع للسلطة الفلسطينية أمنياً، خصوصاً في محيط بلدة بيت أمر. هذه السرقات تتوزع في اتجاهين؛ الأول أن بعض المزارعين يسحبون خطوط المياه نحو أراضيهم في ظل لجوء آلاف العاطلين إلى الزراعة، والثاني عبر لصوص يبيعون المياه للسكان بأسعار باهظة. الأجهزة الأمنية بدأت ملاحقتهم، لكن إصلاح خطوط المياه، أو نشر قوة أمنية في هذه المناطق يحتاج إلى تنسيق مسبق مع الاحتلال، ما يعرقل الاستجابة السريعة".
بدوره، يوضح رئيس بلدية إذنا، جابر طميزي، لـ"العربي الجديد"، أن "أزمة المياه باتت تأخذ منحى بالغ الخطورة منذ قلّص الاحتلال الكميات التي كانت مخصّصة للبلدة البالغ عدد سكانها نحو 40 ألف نسمة، ما يجعل السكان يعيشون تحت وطأة العطش، وسط تدهور حاد في الزراعة والثروة الحيوانية، والاعتماد الحالي قائم على بئر قديمة، مياهُها غير صالحة للشرب لتغطية جزء من احتياجات الزراعة والمواشي. دورة المياه المفترضة يجب أن تؤمّن نحو 100 ألف لتر كل 11 يوماً، لكنها باتت تغيب لقرابة شهر ونصف الشهر متصلة، في حين تقلصت الكمية إلى نحو 20 ألف لتر فقط، ولم يصل البلدة خلال الشهرين الماضيَين سوى 3600 كوب مياه".
ويضيف طميزي: "الناس غاضبون، والبلدية لا تملك الإمكانيات للتدخل، ونطالب السلطة الفلسطينية بمخاطبة الاحتلال لإعادة توزيع المياه بعدالة، فالمياه تصلنا بالقطّارة. الاحتلال يربط تقليص المياه بما يسميه اعتداءات وسرقات على الخطوط الناقلة، غير أن ما يفنّد هذه المزاعم هو أنّ الاعتداءات حديثة منذ بضعة أشهر، بينما يجري خنق البلدة مائياً منذ عامين، وبات الأهالي يلجؤون لتدبير احتياجاتهم عبر ما تبقى من مياه الأمطار، أو حفر الآبار، لكن هذه الحلول لا تناسب الجميع بسبب التكاليف الباهظة، وقيود الاحتلال الصارمة على الحفر".
ويؤكد ممثل عشائر الخليل، عباس الجنيدي، لـ"العربي الجديد"، أن ضبط سرقة المياه أحد مهام الأجهزة الأمنية، لكن الجهات الرسمية طالبت العشائر بتولّي المهمة خشية اصطدام العائلات ببعضها، فيما يطالب الأهالي الجهات الرسمية بإيجاد حلول للأزمة، لأنّ من فاوض الاحتلال في أوسلو عليه إيجاد الحل، وليس المواطن باعتباره مستهلكاً.
محتجون على نقص المياه أمام بلدية الخليل، 20 يوليو 2025 (مصعب شاور/فرانس برس)
وفي حين يهدّد الأهالي بالاحتجاج رفضاً لسياسة المماطلة من الجهات الرسمية، يؤكد المتحدث باسم سلطة المياه الفلسطينية، عادل ياسين لـ"العربي الجديد"، أنّ "توزيع المياه في محافظة الخليل يخضع لإشراف لجنة محلية شكّلت قبل فصل الصيف الحالي، وتضم ممثلين عن الهيئات المحلية وسلطة المياه والمحافظة. من يعترض أو يشعر بالظلم غالباً ما يكون وراء احتجاجه معلومات غير دقيقة، وقد يكون الأمر محاولة لتحسين صورته أمام المجتمع المحلي، وإظهار أنه يطرح مطالب السكان".
يضيف ياسين: "تعتبر محافظة الخليل أكبر منطقة سكّانية في الضفة الغربية، وتعتمد بنسبة 90% على مياه شركة ميكروت الإسرائيلية، و10% فقط على مياه الآبار المحلية، وذلك خلافاً لما صرّحت به بلدية الخليل. الطبيعة الجغرافية والجيولوجية المعقدة للمحافظة تؤدي إلى صعوبة إيجاد مواقع ذات إنتاجية مائية عالية، بخلاف محافظات أخرى، ومحافظتا الخليل وبيت لحم هما الأدنى في حصّة المياه بمعدل 62 لتراً للفرد يومياً، مقابل 88 لتراً للفرد في مناطق الضفة. تمتلك سلطة المياه تسعة آبار في جنوب الضفة، منها ثلاثة متوقفة عن العمل، وأُعيد تشغيل اثنتَين منها رغم المخاطر الفنية التي تهدّد المعدات، وهما تضخان نحو ثمانية آلاف متر مكعب يومياً، كما أن لدى بلدية الخليل بئرين معطلتَين، وعلى البلدية أن تعمل على إصلاحهما مع استعداد سلطة المياه للمساعدة اللوجستية".
وينفي ياسين تهرب رئيس سلطة المياه من لقاء عشائر الخليل، قائلاً: "حضرت الاجتماع ممثلاً عن سلطة المياه ضمن وفد مختص، ودعونا السكان للتشاور وعرض البدائل المتاحة، ولا يعني ذلك أننا نرمي الكرة في ملعبهم، والاتصالات مستمرة عبر القنوات الرسمية لزيادة المياه عبر شركة ميكروت، والأعطال الفنية تتابعها لجنة فنية، وغالباً ما تُستخدم الحجّة الفنية مبرّراً لتقليل الإمدادات، رغم وجود طابع سياسي هدفه التضييق على الفلسطينيين. بالتزامن، نضبط التعديات على خطوط المياه، ما أتاح استرجاع نحو ستة آلاف كوب ماء يومياً، ونعمل على تشغيل آبار جديدة، وأتوقع أن تشهد الأيام المقبلة تحسناً ملموساً، لكن الأزمة ستظل قائمة طالما الاحتلال يسيطر على الموارد".
قضايا وناس
التحديثات الحية
الاحتلال يقوّض عمل بلدية الخليل لصالح مجلس المستوطنات
من جانبه، يوضح الخبير في إدارة الموارد المائية، مهيب الجعبري، لـ"العربي الجديد"، أن أبرز الحلول المتاحة هو استغلال الحصاد المائي عبر جمع مياه الأمطار في سدود أو برك ضخمة تُنشأ في مناطق محددة لاستخدامها لاحقاً، وهو حل غير معقد إذا توفرت البنية التحتية المناسبة، ويضيف: "الحصاد المائي يمكن أن يأخذ أيضاً شكلاً فردياً، من خلال وضع خطوط على أسطح المنازل لتوجيه مياه الشتاء نحو خزانات، واستخدامها في الأغراض المنزلية، وهذا يحتاج إلى نشر ثقافة مجتمعية، وإنشاء وسائل تخزين متعدّدة الأشكال، والتعاون بين المؤسسات والمجتمع المحلّي؛ لأنّ كميات الأمطار التي تهطل على الخليل كافية للاستخدام الفردي طوال العام".
كما يطرح الجعبري خيار "الاشتباك المائي"، ويعني حفر الآبار والينابيع، والبحث عن مصادر المياه في الأرض متجاوزاً القيود الإسرائيلية، ما يتطلب قراراً تتشارك فيه المكونات الفلسطينية كافّة، رغم ما قد يترتب عليه من تضييق واعتداءات وخسائر مرحلية، مؤكداً أن هذا المسار يحتاج إلى جهد منظم من خلال حملات شعبية واحتجاجية وإعلامية لدعمه، مضيفاً أنّ كل هذه الحلول تهدف إلى تخفيف الأزمة، بينما "الحل الجذري يكمن في السماح للفلسطينيين باستخراج مياههم بدلاً من الاعتماد على شركة ميكروت، أو زيادة كميات المياه الموردة من الشركة، فجوهر الأزمة هو الاحتلال".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ يوم واحد
- العربي الجديد
مؤشرات الاقتصاد الروسي تنذر بأزمة ديون
يشهد الاقتصاد الروسي ركوداً في النمو وتراجع عائدات النفط، واتساع عجز الموازنة إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من ثلاثة عقود. ولا يزال التضخم وأسعار الفائدة مرتفعين بشكل مؤلم. وخلف جدران بنوك البلاد، يضرب بعض المطلعين ناقوس الخطر بشأن أزمة ديون وشيكة. وفي ظل هذه المؤشرات، تراجع الروبل الروسي الخميس 0.5% إلى 79.85 مقابل الدولار عن أعلى مستوى في أسبوع، بدعم من آمال في محادثات إيجابية بين الولايات المتحدة وروسيا، لكنه تأثر سلباً بتراجع تدخلات الحكومة في سوق الصرف الأجنبي وتراجع عائدات التصدير. وشهدت الأسواق الروسية حالة من التوتر منذ أنّ حدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب مهلة نهائية في الثامن من أغسطس/آب لروسيا للموافقة على السلام في أوكرانيا، وإلا ستواجه عقوبات مشددة. وتتجه الأنظار الآن إلى اجتماع 15 أغسطس/آب بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا. وقال ماكسيم تيموشينكو من بنك ستاندرد الروسي: "من المستحيل التنبؤ بنتيجة هذا الاجتماع، وهو ما يعني أن سعر الروبل في الأيام المقبلة قد يشهد تقلبات متزايدة". وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت، وهو معيار عالمي للصادرات الرئيسية لروسيا ، 0.4% إلى 65.87 دولاراً للبرميل. وخفضت روسيا صافي مبيعاتها من العملات الأجنبية هذا الشهر، مما أدى إلى تقليص دعم الروبل. وأشار تيموشينكو إلى الطلب المؤجل على الواردات، وانخفاض عائدات التصدير، وقضايا الميزانية، حيث قفز عجز الميزانية الروسية في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى يوليو/تموز إلى 2.2% من الناتج المحلي الإجمالي، أو 4.9 تريليونات روبل (61.4 مليار دولار)، ما مثّل عاملاً آخر يضغط على الروبل. انتفادات تطاول الاقتصاد الروسي وسيناقش الزعيمان تسوية النزاع الأوكراني، الذي بدأه بوتين في فبراير/شباط 2022، لكنّ ترامب انتقد ضيفه هذا الأسبوع قائلاً إنه يجب عليه التركيز على إصلاح الاقتصاد الروسي الذي "لا يسير على ما يرام حالياً". قد يكون تقييم ترامب مُقلِّلاً من شأن الحقيقة. فبعد الارتفاع الهائل في الإنفاق العسكري، الذي يُحجب جزء كبير منه بسبب سيطرة الكرملين المُحكمة على البيانات الاقتصادية، وإخفاء بنود خارج الميزانية في الميزانيات العمومية للبنوك، يُحذِّر الوزراء والمصرفيون والاقتصاديون الروس علناً من أن اقتصادهم يُواجه مأزقاً عميقاً، وفقاً لتقرير موسع نشرته "بلومبيرغ" الخميس. اقتصاد دولي التحديثات الحية مقترح برلماني لإنشاء تحالف لحماية الأصول الروسية المجمدة وقد عُقدت قمة ألاسكا على عجل في أعقاب تهديد أميركي بفرض عقوبات جديدة على شحنات النفط، وفق التقرير ذاته. يُظهر هذا أن الكرملين يواجه معضلة عويصة، بحسب التقرير. إذا استمر في القتال، فقد تتفاقم المشاكل الاقتصادية الخطيرة، مما يُعرّض البنوك لخطر التعثر، وبالتالي ميزانية الحكومة للخطر، خاصة إذا فُرضت عقوبات إضافية. ومع ذلك، إذا جرى الاتفاق على وقف إطلاق نار دائم، فقد تُضطر روسيا إلى مواجهة تحدي نزع السلاح من اقتصاد أصبح معتمداً على الحرب، مما قد يُؤدي إلى تخلف المقاولين المثقلين بالديون عن السداد، وهو ما قد يمتد إلى الاقتصاد بأكمله. وقالت ألكسندرا بروكوبينكو، الباحثة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن الإنفاق العسكري والأمني الوطني سيكلف الكرملين ما يقرب من 172 مليار دولار هذا العام. وهناك تقديرات أخرى مماثلة، لكن رقم بروكوبينكو يُمثل حوالي 8% من الناتج المحلي الإجمالي. وأضافت: "هذه ليست زيادة مؤقتة، بل هي تحول استراتيجي طويل الأمد". ومن الصعب كشف النقاب عن الإنفاق الحربي الروسي شديد السرية، بحسب "بلومبيرغ". يُقدّر كريغ كينيدي، من مركز ديفيس للدراسات الروسية والأوراسية بجامعة هارفارد، أن ديون الشركات الروسية قد نمت بنسبة تصل إلى 71% بين يوليو 2022 ونوفمبر/تشرين الثاني 2024، أي ما يعادل 36.6 تريليون روبل (460 مليار دولار). وتركز معظم هذا الدين في قطاعات ذات صلة بالقطاع العسكري: تصنيع الأسلحة، والتقنيات ذات الاستخدام المزدوج، والخدمات اللوجستية، والصلب. وقد أنشأت موسكو فعلياً قناة مالية موازية، إذ أصبح النظام المصرفي بمثابة صندوق احتياطي قائم على الديون. وانخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل حاد إلى 1.1% على أساس سنوي في الربع الثاني من عام 2025، بعد أن انخفض إلى 1.4% في الأشهر الثلاثة الأولى من العام. وكان النمو السنوي أعلى من 4% في عام 2024. وافترضت الميزانية الأصلية لعام 2025 متوسط سعر برميل النفط عند 70 دولاراً. وبحلول يوليو، بلغ متوسط سعر النفط الخام الروسي المخفّض 55 دولاراً فقط، ما رفع عجز الميزانية إلى 4.9 تريليونات روبل في يوليو، متجاوزاً حتى ذروة جائحة كوفيد.


العربي الجديد
منذ يوم واحد
- العربي الجديد
عن البنود المفخخة في اتفاق تصدير الغاز الإسرائيلي لمصر
المتأمل لبعض البنود الواردة في التعديلات الأخيرة المتعلقة باتفاق تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر يصل إلى نتيجة سريعة لا تحتاج إلى تفكير معمق أو تخصص، وهي أن تلك البنود بمثابة عقد إذعان، وأن خطورة التعديلات لا تقف عند حدود تراكم المكاسب الاقتصادية الضخمة لإسرائيل من الصفقة البالغة قيمتها 35 مليار دولار، بل تكتشف كيف أن المفاوض الإسرائيلي كان في وضع أقوى، لذا استطاع فرض شروطه سواء المتعلقة بسعر الغاز الذي زاد بنحو 14.8% في العقود الجديدة، أو بالكميات المستوردة، أو القيود المتعلقة بإعادة النظر في الاتفاق مستقبلاً، أو التقاضي أمام محاكم أجنبية وليست مصرية في حال حدوث نزاع مستقبلي. كما تكتشف أنّ تلك البنود مكلفة لمصر اقتصادياً وسياسياً لسنوات طويلة، ولذا فإنّ على الجهات المسؤولة في الدولة المصرية التدخل لتعديلها جذرياً قبل أن يدخل الاتفاق حيز التنفيذ. وبالمناسبة، فإنّ شركة "نيو ميد إنرجي" الإسرائيلية أرسلت نص الاتفاق الذي يحوي تلك البنود المثيرة والمجحفة بحق مصر لبورصة تل أبيب، حيث إن الشركة مدرجة فيها وهو متاح على موقعها الإلكتروني. وبنظرة للاتفاق تجد أن هناك بنوداً أو شروطاً رئيسية واردة في التعديلات الأخيرة المتعلقة باتفاقية تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر، يجب التوقف عندها طويلاً وبحث التداعيات الخطيرة على الاقتصاد المصري والناتجة عن التزام الحكومة بها. ليس من حق مصر تقليل كمية الغاز الإسرائيلي المستوردة إذا انخفض سعر نفط خام برنت عن 50 دولاراً البند الأول في الاتفاق هو أنه ليس من حق مصر "المشتري أو المستورد" تقليل كمية الغاز الإسرائيلي المستوردة إذا انخفض سعر نفط خام برنت عن 50 دولاراً، وهنا تم إلغاء بند رئيسي كان يتيح للقاهرة الحق في تقليل الكميات القصوى TOP المستوردة من إسرائيل إذا انخفض سعر النفط عن هذا الرقم. وهذا التعديل جرى استحداثه، إذ إن الاتفاقية الأولى المبرمة بين الجانبين المصري والإسرائيلي عام 2019 نصت على حق الطرف المصري في تخفيض كمية الاستلام أو الدفع إذا انخفض سعر النفط عن هذا المبلغ. كما ينص الاتفاق الجديد على أن مصر لن يكون لها الحق في خفض كميات الغاز التي تستوردها من إسرائيل إلا بدءاً من العام 2035؛ إذ سيتفق الطرفان على تحديث الأسعار لتزيد أو تنقص 10% بحد أقصى، حتى لو انخفضت الأسعار العالمية بأكثر من 10%، وفي حال لم يتفق الطرفان على تحديث الأسعار، يمكن لأي منهما خفض الكمية المستوردة يومياً بنسبة تصل إلى 30%. اقتصاد عربي التحديثات الحية مدبولي: استيراد الغاز من إسرائيل غير مؤثر في قرارات مصر السياسية وهذه التعديلات الخطيرة تعني أن مصر ستظل تستورد نفس الكميات المتفق عليها سواء تراجع سعر الغاز عالمياً أم لا، وفقاً لشروط محددة تنطبق على آخر خمس سنوات من الاتفاقية. كما تعني أن مصر ستتحمل أعباء مالية، ولن تستفيد من احتمالية تراجع أسعار الغاز والنفط في الأسواق العالمية، وستظل ملزمة بدفع كامل قيمة الصفقة وفقاً للأسعار المحددة حالياً، حتى إذا تراجعت الأسعار مستقبلاً، وهو أمر محتمل بقوة، أو حتى لو انخفضت احتياجات الأسواق المصرية من الغاز بدخول المفاعل النووي الجاري تأسيسه حيز الإنتاج أو التوسع في مشروعات الشمسية الطاقة والمتجددة. وأحدث التوقعات الصادرة عن كبريات البنوك والمؤسسات العالمية ترشح بقوة تراجع سعر النفط؛ فبنك جي بي مورغان الأميركي حذر قبل أسابيع من هبوط الأسعار إلى 50 دولاراً للبرميل أو أقل، حيث زيادة في العرض العالمي على حساب الطلب. وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حذرت السعودية من أن الأسعار قد تنخفض إلى 50 دولاراً إذا لم يلتزم أعضاء تحالف أوبك+ بقيود الإنتاج المتفق عليها. وتوقعت إدارة معلومات الطاقة الأميركية قبل أيام أن يبلغ متوسط سعر خام برنت في السوق الفورية أقل من 50 دولاراً خلال عام 2026. مصر ستتحمل أعباء مالية، ولن تستفيد من احتمالية تراجع أسعار الغاز والنفط في الأسواق العالمية يضاف إلى ذلك أنّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعطي أولوية لخفض تكاليف الطاقة وأسعار النفط بشكل كبير لصالح المستهلك، ويمارس ترامب ضغوطاً على الدول النفطية المنتجة ومنها دول الخليج لخفض أسعار النفط إلى 50 دولاراً، بل نجد أنّ بيتر نافارو كبير مستشاري البيت الأبيض يشارك في تلك الضغوط إذ يرى أن انخفاض أسعار النفط إلى هذا الحد سيساعد في كبح التضخم بالولايات المتحدة وخفض الأسعار بشكل ملحوظ وهو ما يرضي الناخب. وبالنسبة لأسعار الوقود الأزرق، فقد تراجعت العقود الآجلة للغاز الطبيعي الأميركي هذا الأسبوع إلى أقل من 2.9 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وهو أدنى مستوى لها منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2024، متأثرةً بتراجع الإنتاج إلى مستويات قياسية، ومستويات التخزين القوية، وتوقعات الطقس المعتدل. بند آخر يتعلق بصفقة استيراد الغاز الإسرائيلي وهو أنه وفقاً لنص الاتفاقية، يجري الاعتماد على Take or Pay، والذي يلزم مصر بدفع قيمة كميات الغاز المتفق عليها سنوياً، سواء تسلّمتها بالفعل أو لا بسبب انخفاض الأسعار أو عدم الحاجة إليها، وهو ما يضمن مكاسب مستقرة ودائمة لإسرائيل، بغضّ النظر عن التغيّرات في السوق أو مدى حاجة القاهرة لما ستستورده من غاز.


العربي الجديد
منذ يوم واحد
- العربي الجديد
مبادرات أهلية لإعادة إعمار حمص... تعرف على التفاصيل
جمعت مبادرة مؤتمر "أربعاء حمص" ملايين الدولارات التي ستُخصص لإعادة تأهيل وإصلاح مرافق حيوية في محافظة حمص (وسط)، في خطوة تندرج ضمن المبادرات والحملات الأهلية التي تشهدها البلاد منذ إسقاط نظام الأسد في ديسمبر/ كانون الأول الفائت. وحسب مصادر في مبادرة مؤتمر "أربعاء حمص"، التي حضرها عدد من الوزراء وجرت في قصر جوليا بحمص القديمة، جُمعت تبرعات من داخل سورية وخارجها، تجاوزت قيمتها 13 مليون دولار، مشيرة إلى أنها مخصصة لدعم التعليم والصحة لإعادة إعمار المدارس وبناء مدارس جديدة واصلاح الآبار الجافة والمشافي، وبنى تحتية أخرى. وعلى هامش المبادرة، ذكر وزير الصحة السوري مصعب العلي أن حمص تضم 18 مشفى حالياً، خمسة منها خارج الخدمة، ويُعمل على إعادتها للخدمة، بالإضافة إلى 219 مركزاً صحياً، 31 مركزاً منها خارج الخدمة، مبيناً أنه أُعيد أكثر من 20 مركزاً للخدمة، بالإضافة إلى تفعيل خدمات أساسية جديدة وعمليات نوعية لم تكن موجودة في القطاع العام. وذكر وزير التربية السوري محمد عبد الرحمن تركو أن في حمص 1561 مدرسة، منها 317 مدرسة خارج الخدمة، مشيراً إلى أنه رُمّمت 13 مدرسة وأُعيدت للخدمة، ويُعمل حالياً على ترميم 29 مدرسة، لافتاً إلى أن الوزارة ستطلق الحملة الوطنية "أعيدوا لي مدرستي"، بداية الأسبوع القادم، بمشاركة المنظمات الدولية والمجتمع الأهلي لإعادة إعمار المدارس في سورية. وقال مدير المياه في حمص عبد الهادي عودة إنه توجد في حمص حوالي 50 بئراً بحاجة لإعادة تأهيل، مشيراً إلى أنه جرى تأهيل 12 بئراً منها وتشغيلها. وتندرج مبادرة "أربعاء حمص" ضمن سلسلة من المبادرات التي تشهدها سورية منذ الثامن من ديسمبر من العام الفائت، اليوم الذي شهد سقوط نظام الأسد الذي خلّف تركة اقتصادية ثقيلة. ودمّرت قواته في حمص وحدها 13 حياً، من أصل 36، بالكامل، وفق المكتب الصحافي في المحافظة. اقتصاد عربي التحديثات الحية تراخيص الصرافة بسورية تثير جدلاً: تعزيز المنافسة وخطر احتكار العملة وتعليقا على مبادرة حمص، رأى الباحث الاقتصادي خالد تركاوي في حديث مع "العربي الجديد" أن هذه المبادرات "مهمة اقتصادياً واجتماعياً وتعزز الحس الوطني حتى لو كان التبرع بمبالغ صغيرة، ولها علاقة بالرقابة على الأموال، والمفترض أن يكون القائمون على المبادرات والمسؤولين في الدولة شفافين في هذه المسألة، بحيث تُقدَّم توضيحات للمواطنين عن الطرق التي ستصرف بها الأموال". ووصف تركاوي المبلغ الذي جُمع في مبادرة "أربعاء حمص" بـ"الصغير"، إلا أنه أثنى على المبادرة. وفي السياق، بيّن الباحث الاقتصادي ياسر الحسين في حديث مع "العربي الجديد" أن "كل دولار صُرف على المبادرة حقق أثراً اجتماعياً يقدر بـ34 دولاراً". وبرأي تركاوي، فإن هذه المبادرات "يمكن أن تسهم في التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، لكن بدرجات متفاوتة"، مضيفاً: ضخ سيولة فورية (جمع 13 مليون دولار)، حتى لو كان رقماً محدوداً مقارنة بحجم الدمار، يوفر تمويلاً سريعاً لمشاريع حيوية. وتابع بأنه إذا وُجّهت الأموال لإعادة إعمار مدارس، مراكز صحية، وشبكات مياه، فهذا يعيد تشغيل أجزاء من الاقتصاد المحلي بسرعة. وأشار إلى أن هذه المبادرات "تنشّط القطاع الخاص المحلي"، مضيفاً أن تنفيذ المشاريع يخلق طلباً على مواد البناء والخدمات اللوجستية والعمالة والمقاولات فضلاً عن تعزيز الثقة الاجتماعية. وبيّن أن "إعادة إعمار سورية تُقدّر تكلفتها بمئات المليارات من الدولارات (تقديرات البنك الدولي لعام 2017 كانت نحو 400 مليار دولار)، ما يعني أن هذه المبادرات تسهم بنسبة صغيرة جداً في جهود إعادة الاعمار"، مضيفاً: "إذا كانت المبادرة حدثاً سنوياً أو لمرة واحدة فقط، فقد يكون أثرها مؤقتاً". اقتصاد عربي التحديثات الحية إحياء خط كركوك ـ بانياس النفطي... مكاسب اقتصادية للعراق وسورية وكان أحد المغتربين عن مدينة حمص تبرّع في يناير/ كانون الثاني الفائت بخمس سيارات إسعاف سلّمها إلى مديرية الصحة في المدينة. وفي مارس/ آذار الفائت، تبرع رجل الأعمال السوري وليد الزعبي بمبلغ مليوني دولار مساهمة منه في دعم المدرسين بوزارة التربية وترميم المدارس المتضررة وتنظيف طرق المناطق المدمرة وفتحها. وتبرع أيضاً بمبلغ 200 ألف دولار "دفعة أولى" للبدء الفوري بإصلاح جسر الرستن في ريف حمص الشمالي الحيوي. وكان رجل الأعمال السوري موفق قداح، الذي تبرع أمس بمليون دولار في مبادرة "أربعاء حمص"، تبرع في يونيو/ حزيران الفائت بمبلغ 115 مليار ليرة (الدولار = نحو عشرة آلاف ليرة) لمشاريع تنموية وخيرية في المحافظات السورية، و126 جهاز غسيل كلى بقيمة تُقارب 13 مليار ليرة سورية دعماً للبنية التحتية الصحية في البلاد.