
الحكومة البريطانية: الشراكة الاستراتيجية مع المغرب تعزز الاقتصاد البريطاني وتفتح السوق أمام الشركات البريطانية
الخط : A- A+
إستمع للمقال
أعلنت الحكومة البريطانية، في بيان رسمي صادر بتاريخ الثاني من يونيو الجاري، عن وزارتي الخارجية والتجارة، عن توقيع سلسلة من الاتفاقيات الاستراتيجية مع المملكة المغربية تهدف إلى تعزيز الاقتصاد البريطاني وخلق فرص عمل جديدة، وذلك في سياق زيارة وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إلى المغرب، حيث أكد البيان أن الشركات البريطانية ستتصدر قائمة المتنافسين على مشاريع البنية التحتية المرتبطة بكأس العالم لكرة القدم 2030، والتي سيستضيفها المغرب إلى جانب بلدان أخرى.
ووفقا لما جاء في البيان الحكومي البريطاني، فإن قيمة الاستثمارات المرتقبة تتجاوز 4 مليارات جنيه إسترليني سنويا، وتشمل مشاريع ضخمة أبرزها تطوير مطار الدار البيضاء ضمن برنامج 'مطارات 2030″، بميزانية تصل إلى 1.2 مليار جنيه إسترليني، بمساهمة فاعلة من الشركات البريطانية. كما تم الإعلان عن فرص جديدة للمشاركة البريطانية في مشاريع البنية التحتية في مدن مثل الرباط، الدار البيضاء، ومراكش، وذلك في ظل تقديرات تشير إلى أن السوق المغربية ستتيح فرص مشتريات عمومية بقيمة 33 مليار جنيه إسترليني خلال السنوات الثلاث المقبلة.
وأشار البيان نفسه إلى اتفاقيات شراكة في قطاع الصحة، تشمل مشروعا لبناء مستشفى جديد في الدار البيضاء بطاقة 250 سريرا وبقيمة 150 مليون جنيه إسترليني، بتمويل بريطاني وخبرة سريرية من المملكة المتحدة. وتندرج هذه المشاريع، يضيف البيان، ضمن حزمة تعاون أكبر في مجال إصلاح النظام الصحي المغربي، بقيمة تزيد عن 2 مليار جنيه إسترليني، مما يعزز فرص شركات الصحة البريطانية ويدر عائدات على صندوق الخدمات الصحية الوطنية البريطاني (NHS).
وأكدت الحكومة البريطانية في بيانها الرسمي دعمها لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل سياسي 'الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق' للنزاع حول الصحراء المغربية. وأضافت أن هذا التوجه الجديد يهدف إلى دعم العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، والمساهمة في إيجاد تسوية نهائية ومتفق عليها، تضمن مستقبلا أفضل لشعب الصحراء، خاصة في ظل استمرار الأزمة منذ قرابة نصف قرن وتداعياتها السلبية على الاستقرار والتنمية في المنطقة.
وحسب ذات المصدر، شملت الاتفاقيات الموقعة بين البلدين أيضا التعاون في مجالات الماء والموانئ، وذلك عبر مشاريع بقيمة تصل إلى 200 مليون جنيه إسترليني، لتعزيز الإدارة المستدامة للمياه وتطوير تقنيات الموانئ الخضراء والخدمات اللوجستية الذكية، كما تم توقيع اتفاقيات تتيح للشركات البريطانية الولوج إلى المناقصات العمومية المغربية، ما يعزز مناخ التنافس العادل ويفتح السوق أمام الابتكار والخبرة البريطانية.
وفي هذا الصدد، أكد وزير الخارجية ديفيد لامي، ضمن التصريحات الواردة في البيان، أن إفريقيا تُعدّ من أكثر القارات قابلية للنمو، وأن المغرب يمثل بوابة محورية لبريطانيا في القارة. وصرّح بأن 'النمو والازدهار سيدعمان علاقتنا بالمغرب وخارجه، مما يساعد على خلق فرص جديدة في الداخل والخارج'. وأكد أن هذه الشراكات ستمنح الشركات البريطانية موطئ قدم قوي في تنظيم كأس العالم 2030، استمرارا لإرث بريطانيا في تأمين البنية التحتية للبطولات الكبرى.
فيما اعتبر وزير السياسة التجارية دوغلاس ألكسندر بدوره أن المغرب أصبح شريكا تجاريا واستثماريا رئيسيا لبريطانيا، مشيرا إلى أن 'النمو الاقتصادي يشكل أولوية قصوى للحكومة، والعلاقات القوية مع اقتصادات صاعدة كالمغرب تمهد الطريق لفرص جديدة تدعم الشركات البريطانية وتخلق مناصب شغل'.
وسجل البيان الصحفي الحكومي أن زيارة وزير الخارجية إلى المغرب تندرج ضمن الأجندة البريطانية لإعادة تنشيط علاقاتها عبر القارة الإفريقية، عبر بناء شراكات واقعية ومتوازنة في مجالات الأمن، والتجارة، والاستثمار، والهجرة. كما أعلن خلال الزيارة عن صفقة جديدة لقطاع الرعاية الصحية البريطاني لتزويد المغرب بالمعدات الطبية، في إطار خطة استثمار صحي تقدر بـ2.8 مليار جنيه إسترليني لتطوير البنية الصحية الوطنية المغربية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الأيام
منذ يوم واحد
- الأيام
وفاة حامل كل سبع دقائق: أسوأ بلاد للأمهات في العالم
Getty Images تعاني نيجيريا من نقص في الكوادر الصحية المدربة كانت نفيسة صلاحو وعمرها 24 عاماً، ستصبح مجرد رقم في نيجيريا، حيث تموت امرأة واحدة كل سبع دقائق، وهي تضع حملها. ولأن المخاض جاءها أثناء الإضراب، لم تجد في المستشفى طبيياً مختصاً يتعامل مع مضاعفات حالتها. وعلق رأس مولودها أثناء الوضع، وطلب منها العاملون في المستشفى أن تبقى ممدة أثناء المخاض. واستمرت حالتها ثلاثة أيام. وفي النهاية أجريت لها عملية قيصرية، بعدما قبل طبيب مختص مساعدتها. تقول صلاحو لبي بي سي، في كانو، شمالي البلاد، "الحمد لله على ذلك، لأنني كنت على وشك الموت. لم تبق لي قوة، ولم يتبق في شيء". أنقذت العملية حياتها، ولكن مولودها مات. وفي 11 عاماً الأخيرة، ذهبت إلى المستشفى نفسه للولادة عدة مرات. وتتعامل مع الأمر باستسلام تام، وتقول: "أعرف أنني كنت بين الموت والحياة. ولكنني لم أعد أخاف". والتجربة التي مرت بها، صلاحو، ليست نادرة، فنيجيريا أخطر بلاد في العالم يمكن لامرأة أن تضع فيها مولودها. وبحسب الإحصائيات، التي جمعتها الأمم المتحدة عن البلاد من 2023، فإن امرأة واحدة من بين 100 تموت أثناء الولادة أو في الأيام التي تليها. وهذا يضعها على رأس قائمة لا تريد أي بلاد أن تتقدم فيها. وفي عام 2023، سجلت نيجيريا أكثر من ربع عدد وفيات النساء أثناء الولادة في العالم، بنسبة 29 في المئة. ويعني ذلك، وفاة 75 ألف امرأة بسبب الولادة في العام، أي امرأة واحدة كل سبع دقائق. والمحبط في الأمر أن عدداً كبيراً من هذه الوفيات، مثل التي يسببها نزيف ما بعد الولادة، يمكن تجنبها. وكان عُمر تشينينيي نويزي 36 عاماً عندما نزفت حتى الموت في المستشفى، منذ 5 سنوات، في بلدة أونيتشا، جنوب شرقي البلاد. ويتذكر أخوها، هنري إيده، أن "الأطباء كانوا بحاجة إلى دم. لم يكن لديهم ما يكفي. وكانوا يذهبون ويجيئون، وأختي تموت بين أيديهم. إنه أمر لا أتمناه للعدو. فالألم فوق الاحتمال". ومن بين أسباب وفاة الأمهات الأخرى عسر الولادة، وارتفاع ضغط الدم، والإجهاض في ظروف غير آمنة. وبحسب مارتن دولستين، من مكتب يونيسف في نيجيريا، فإن "ارتفاع معدل الوفيات أثناء الوضع في نيجيريا تتسبب فيه جملة من العوامل". من بين هذه العوامل اهتراء المنشآت الصحية، ونقص الأطباء، وغلاء تكلفة العلاج، والتقاليد والعادات، التي تؤدي إلى فقدان الثقة في العاملين بقطاع الصحة. وتقول مابيل أونويمينا، المنسقة الوطنية في جمعية مساعدة وتطوير النساء، "لا تستحق أي امرأة أن تموت وهي تضع مولودها". وتضيف أن بعض النساء، خاصة في المناطق الريفية، يعتقدن أن "الذهاب إلى المستشفى مضيعة للوقت"، ويفضل العلاجات التقليدية، بدل طلب المساعدة الطبية، وهو ما يعطل الرعاية الحيوية التي يمكن أن تقدم لهن". وبالنسبة للبعض، يعد الوصول إلى المستشفى ضرباً من المستحيل، لعدم وجود وسائل مواصلات. وتقول أونويمينا، إنهم حتى إن وصلوا إلى المستشفى فإن مشاكلهم لا تنتهي. "فالعديد من المنشآت الصحية تنعدم فيها التجهيزات والمواد الطبية البسيطة، وكذا العاملون المدربون. وهذا ما يجعل توفير خدمات نوعية عملية صعبة". والحكومة الاتحادية في نيجيريا لا تنفق حالياً إلا 5 في المئة من ميزانيتها على الصحة. وهو أدنى من نسبة 15 في المئة، التي التزمت بها البلاد في اتفاقية الاتحاد الأفريقي لعام 2001. وفي عام 2021، بلغ عدد القابلات 221 ألفاً في بلاد عدد سكانها 218 مليون نسمة. وأقل من نصف الولادات في البلاد يجري تحت إشراف عاملين صحيين مؤهلين. وتحتاج البلاد وفق التقديرات إلى 700 ألف ممرض وقابلة إضافيين، لتستجيب لتوصيات منظمة الصحة العالمية. وهناك نقص حاد في عدد الأطباء أيضاً. ويدفع نقص العاملين المؤهلين والمنشآت البعض إلى التردد في طلب المساعدة الطبية. وتقول جميلة إسحاق، "صراحة لا أثق في المستشفيات. فقصص الإهمال كثيرة جداً، خصوصاً في المستشفيات الحكومية". وتضيف: "عندما كنت سأضع ابني الرابع، حدثت لي مضاعفات في المخاض. أشار علي العاملون بالمصحة المحلية بالذهاب إلى المستشفى. عندما ذهبت إلى هناك لم أجد من يتكفل بحالتي، فعدت إلى البيت. ووضعت مولودي في بيتي". وتنتظر إسحاق، 28 عاماً، الآن مولودها الخامس. وتقول إنها تفكر في الذهاب إلى مصحة خاصة لكن الأسعار في غير متناولها. أما تشينويندو أوبيجيزي تنتظر مولودها الثالث. وهي قادرة على دفع مصاريف الرعاية الصحية الخاصة في المستشفى، ولا تفكر في الولادة في أي مكان آخر. وتقول إن وفيات الأمهات أثناء الولادة أصبحت نادرة اليوم، ولكنها كانت في وقت مضى تسمع عنها كثيراً. وتعيش في أحد الأحياء الراقية في أبوجا، حيث المستشفيات متوفرة أكثر، وحال الطرقات أفضل، وخدمات الطوارئ متوفرة. وعدد أكبر النساء المتعلمات أكبر. ويعرفن أهمية الذهاب إلى المستشفى. وتقول أوبيسيجي: "أحرص دائماً على تلقي رعاية ما قبل الولادة. ويسمح لي ذلك بالحديث مع الأطباء بانتظام، وأجري الاختبارات والأشعة، واهتم بصحتي وصحة الجنين". "وعلى سبيل المثال، خلال الحمل الثاني، توقع الأطباء أن أنزف فحضروا كمية إضافية من الدم، لاستعمالها عند الحاجة. ولحسن الحظ لم تكن لها حاجة، وتمت العملية على ما يرام". ولكن واحدة من معارفها لم تكن محظوظة. في مخاضها الثاني، "لم تستطع القابلة إخراج المولود. حاولت استعمال القوة فمات المولود. وعندما وصلت إلى المستشفى فات الأوان. وأجريت لها عملية جراحية لاستخراج الجنين الميت. كان أمراً يفطر القلب". Getty Images وتقر الطبيبة، نانا شاندا أبو بكر، من الوكالة الوطنية للرعاية الصحية الأولية بأن الأوضاع سيئة، لكنها تقول إن خطة جديدة وضعت لمعالجة بضع القضايا. وأطلقت الحكومة النيجيرية في نوفمبر/ تشرين الثاني، مبادرة تجريبية للتقليل من عدد الوفيات بين الأمهات أثناء الولادة. وتشمل المبادرة في مرحلة أولية 171 منطقة في 33 ولاية. وهذه هي المناطق التي تسجل أكثر من نصف نسبة الوفيات في البلاد. "نحدد هوية كل حامل، ومكان إقامتها ونساعدها في مدة حملها، وأثناء الوضع وبعده". وحددت المبادرة حتى الآن 400 ألف حامل في ست ولايات في عملية مسح ميدانية، مع تفاصيل عن كل واحدة، إذا كانت تتلقى رعاية ما قبل الولادة أم لا. "وتعمل الخطة إلى ربطهن بالمصحات للتأكد من تلقيهن الرعاية وإنجابهن في ظروف آمنة". وتسعى المبادرة إلى التعاون مع شبكات المواصلات المحلية من أجل تمكين المزيد من النساء من الذهاب إلى المصحات، وتشجيع الناس على الحصول على التأمينات الصحية الرخيصة. ومن السابق لأوانه الحديث عن تأثير المبادرة، لكن السلطات تأمل أن تلتحق البلاد بالركب العالمي في هذا المجال. فعلى المستوى العالمي تراجعت الوفيات بين الأمهات أثناء الولادة بنسبة 40 في المئة في عام 2000، بفضل توسيع الرعاية الصحية. وارتفعت الأرقام في نيجيريا في الفترة نفسها ولكن بنسبة 13 في المئة فقط. ويرحب الخبراء بهذه المبادرة والبرامج الأخرى، ولكنهم يعتقدون أن المطلوب هو الاستثمار أكثر في القطاع. ويقول دولستن من يونيسف، إن "النجاح مرهون باستمرار التمويل، والتنفيذ الفعال، والمتابعة المستمرة، لضمان الوصول إلى النتائج المرجوة". وفي أثناء ذلك، تمثل وفاة كل أم في نيجيريا بنسبة 200 كل يوم كارثة لعائلتها وأقاربها. ولا يزال السيد إيده يتألم لوفاة أخته. ويقول عنها "تكفلت برعايتنا بعد وفاة والدينا ونحن صغاراً". "عندما أخلو بنفسي، أذكرها وأبكي بحرارة".


هبة بريس
منذ يوم واحد
- هبة بريس
الأزمة العالمية في القطاع الصحي: هل المغرب في منأى عن الانهيار؟
بقلم: عبد الحكيم العياط يُعَدّ النظام الصحي من الركائز الأساسية التي تقوم عليها استدامة المجتمعات البشرية وتقدّمها، إلا أن العالم يشهد اليوم انهيارًا متسارعًا في هذه النظم، نتيجةً لمجموعة من العوامل البنيوية والمترابطة، أبرزها العزوف المتزايد عن المهن الصحية، وشيخوخة القوى العاملة في القطاع، وتفاقم ظاهرة هجرة الأطر الصحية من دول الجنوب نحو الشمال. هذا التدهور يُنذر بأزمة إنسانية عالمية إذا لم تُتخذ تدابير حاسمة وعاجلة على المستويين الوطني والدولي. تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن العالم سيواجه عجزًا يُقدّر بـ10 ملايين من العاملين الصحيين بحلول عام 2030، خاصة في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط. ويرجع ذلك إلى عدة أسباب متداخلة، أبرزها التراجع الملحوظ في إقبال الشباب على ولوج المهن الصحية بسبب قساوة ظروف العمل، وانخفاض الأجور مقارنة بمستوى التكوين والتضحية المطلوب، بالإضافة إلى الإجهاد النفسي والجسدي الذي يتعرض له المهنيون خاصة في ظل الأزمات مثل جائحة كوفيد-19. تُعاني النظم الصحية في العديد من الدول من تركيبة عمرية غير متوازنة داخل القوى العاملة. ففي أوروبا مثلًا، يبلغ متوسط عمر الأطباء 55 عامًا، حيث أن أكثر من 35٪ من الأطباء في دول الاتحاد الأوروبي تجاوزوا هذا العمر. هذا الاتجاه يُهدّد بحدوث فجوة خطيرة في أطر الصحة المؤهلة خلال العقد المقبل، خاصة مع التقاعد الجماعي المتوقع لعدد كبير من الأطباء والممرضين. في المغرب، يعاني النظام الصحي من أزمة متعددة الأبعاد تُعبّر عن الاختلالات الهيكلية التي تُثقل كاهل القطاع العمومي، على الرغم من جهود الإصلاح التي باشرتها الدولة خلال السنوات الأخيرة. ويواجه المغرب خصاصًا حادًا في الموارد البشرية، حيث لا يتجاوز عدد الأطباء 0.73 طبيب لكل 1,000 نسمة، وهو أقل من المعدل الموصى به من طرف منظمة الصحة العالمية. أما على مستوى التوزيع الجغرافي، فالتفاوت صارخ بين الوسط الحضري والقروي، إذ إن أكثر من 70٪ من الأطباء يتمركزون في ثلاث مدن كبرى فقط (الرباط، الدار البيضاء، مراكش). ووفقًا لاحدث الاحصائيات، فإن أكثر من عشرة آلاف طبيب مغربي يشتغلون في الخارج، أغلبهم في فرنسا وبلجيكا، وهي ظاهرة تفاقمت في السنوات الأخيرة بسبب ضعف الأجور، وانعدام التحفيز، وسوء ظروف العمل داخل المؤسسات الصحية العمومية. كما تعاني المستشفيات المغربية من قلة التجهيزات الأساسية، وطول فترات الانتظار، ونقص الأطر التمريضية، في وقت يُقبل فيه المغرب على تنزيل ورش تعميم التغطية الصحية الشاملة، ما يُحتّم مضاعفة جهود التكوين والاستبقاء، وتطوير سياسات ناجعة لرد الاعتبار لمهن الصحة على المدى القريب والمتوسط. من جهة أخرى، تعمّق ظاهرة هجرة الأطر الصحية من الدول النامية هذا التفاوت العالمي في التوزيع العادل للموارد الصحية. ففي إفريقيا، يُهاجر نحو 25٪ من خريجي كليات الطب سنويًا نحو أوروبا أو أمريكا الشمالية أو أستراليا، بحثًا عن ظروف عمل أفضل. ووفقًا لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD لعام 2022، فإن 27٪ من الأطباء و16٪ من الممرضين العاملين في كندا وُلدوا خارج البلاد، أغلبهم من دول آسيا وإفريقيا. هذا الاستنزاف البشري يُضعف بشكل خطير قدرات الدول المصدّرة لهؤلاء المهنيين على الاستجابة للاحتياجات الصحية لمواطنيها، مما يُفاقم من هشاشة نظمها الصحية. ويُلاحظ أن بعض البلدان، مثل المملكة المتحدة، أصبحت تعتمد بشكل كبير على استقدام العاملين الصحيين من الخارج لسد الخصاص المزمن، حيث أشار تقرير هيئة الخدمات الصحية الوطنية NHS إلى أن أكثر من 35٪ من الأطباء و28٪ من الممرضين العاملين في إنجلترا يحملون جنسية غير بريطانية، مع اعتماد كبير على الهند ونيجيريا والفلبين. وتزداد المفارقة حدة حين نعلم أن بعض هؤلاء الأطباء والممرضين يتم استقدامهم من بلدان تعاني أصلًا من خصاص حاد في كوادرها الصحية. وقد أثار هذا الأمر نقاش أخلاقي دولي حول ما يُعرف بـ'الاستنزاف المنظم للكفاءات'، الذي قد يُعدّ شكلًا جديدًا من أشكال التبعية البنيوية. ولا يقتصر التراجع على البلدان النامية، إذ تُواجه دول مثل فرنسا وكندا نقصًا حادًا في عدد الأطباء العامين، وارتفاعًا في فترات الانتظار داخل المستشفيات. ففي كندا، أظهر تقرير صادر عن الجمعية الطبية الكندية في 2023 أن 6.5 مليون مواطن لا يتوفرون على طبيب أسرة، وهو رقم غير مسبوق في بلد متقدّم. وفي فرنسا، تفاقمت ظاهرة 'المناطق الطبية البيضاء'Zones blanches وهي مناطق لا يتوفر فيها أي طبيب عام، مما يدفع بعض المرضى إلى التنقل لمسافات طويلة من أجل تلقي أبسط أشكال الرعاية الصحية. أمام هذا الوضع المتأزم، تدعو الهيئات الدولية إلى بلورة سياسات شاملة تهدف إلى تحفيز الشباب على الانخراط في المهن الصحية، وتحسين ظروف العمل والأجور، وتعزيز أنظمة التكوين، مع تبنّي آليات دولية لضبط وتنظيم هجرة الكفاءات الصحية بما يحفظ توازن النظم الصحية في البلدان النامية. وتقترح بعض المبادرات الأممية اعتماد آليات تعويض مالي من الدول المستقبِلة إلى الدول المُصدِّرة للكوادر، كما تدعو إلى تعزيز سياسات التكوين المستدام والمُراعي للخصوصيات المحلية. كذلك هناك توجه نحو تطوير مهن الدعم الصحي مثل تقنيي الصحة والمساعدين الطبيين، لتخفيف العبء عن الأطباء والممرضين، ولخلق بيئة عمل أكثر تكاملًا وفعالية. إن تفكك النظم الصحية لا يُهدّد فقط الأمن الصحي للدول، بل يُقوّض كذلك الاستقرار الاجتماعي ويزيد من الفوارق الطبقية. وبالتالي، فإن معالجة هذه الأزمة تتطلب إرادة سياسية قوية، وتعاونًا دوليًا عادلًا، ورؤية استراتيجية بعيدة المدى تُعيد للقطاع الصحي جاذبيته ومكانته المركزية في سلم الأولويات. إن الوقت لم يعد يسمح بالحلول الترقيعية، بل يستوجب سياسات مبتكرة وعادلة تستند إلى مبادئ التضامن العالمي وحق الجميع في الرعاية الصحية الكريمة.


زنقة 20
منذ 2 أيام
- زنقة 20
دعم الدول الكبرى لسيادة المغرب الترابية يتعاظم يوماً بعد يوم تحت قيادة جلالة الملك
زنقة 20. الرباط يعزز الموقف الجديد الذي عبرت عنه المملكة المتحدة، العضو الدائم بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب بشأن الصحراء، الدينامية الدولية غير المسبوقة التي يقودها صاحب الجلالة الملك محمد السادس لدعم سيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية. وأعلن وزير الشؤون الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، خلال زيارة قام بها الأحد الماضي إلى الرباط، عن دعم المملكة المتحدة لمخطط الحكم الذاتي، الذي تقدم به المغرب سنة 2007، مؤكدا أن هذه المبادرة تشكل 'الأساس الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق وبراغماتية' لتسوية النزاع حول قضية الصحراء. وجدد رئيس الدبلوماسية البريطانية التأكيد على هذا الموقف بعد يومين بلندن، في تصريح أدلى به أمس الثلاثاء أمام مجلس العموم، الغرفة السفلى للبرلمان البريطاني. ويأتي هذا الموقف، الذي تم التعبير عنه أيضا في البيان المشترك الذي صدر عقب المباحثات التي أجراها السيد لامي مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، ليعزز الدعم القوي والواضح الذي تحظى به مبادرة الحكم الذاتي المغربية من قبل عدد من القوى العالمية الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا. كما يشكل أيضا تجسيدا إضافيا للدعم الدولي الواسع للدينامية الإيجابية والبناءة التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، من أجل التوصل إلى تسوية نهائية للنزاع المفتعل حول مغربية الصحراء. وراء هذا التطور، كما أكدت ذلك العديد من الشخصيات الأجنبية، لاسيما البريطانية منها، تبرز الرؤية الاستراتيجية لجلالة الملك، المبنية على الشرعية التاريخية، والحق غير القابل للمساومة، والاستقرار الإقليمي. وقد مكنت هذه الدبلوماسية الملكية، التي تجمع بين الحزم في المبدأ والانفتاح في الرؤية والطموح في العمل، إلى تحقيق نجاحات مهمة، لا سيما من خلال الدعم المتزايد للمخطط المغربي للحكم الذاتي، الذي يعتبر اليوم الحل الوحيد ذي المصداقية والجدي والواقعي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. ويجسد الموقف الذي عبرت عنه المملكة المتحدة، كذلك، نجاعة الدبلوماسية الملكية. هذا القرار البريطاني، الذي يعكس إجماعا دوليا واسعا، يؤكد بشكل لا لبس فيه على توسيع التحالف الدولي الداعم لتسوية قضية الصحراء المغربية في إطار احترام الوحدة الترابية والسيادة الوطنية للمملكة المغربية. ومن خلال هذا الدعم، تعترف المملكة المتحدة بالدور المركزي الذي يضطلع به المغرب كقوة للاستقرار والتقدم في جميع أنحاء منطقة شمال وغرب إفريقيا وخارجها. وبالملموس، أكدت لندن، في البيان المشترك، أن الهيئة البريطانية لتمويل الصادرات قد تنظر في دعم مشاريع في الصحراء'، وذلك في إطار التزامها بتعبئة التمويلات اللازمة لدعم مشاريع اقتصادية جديدة في جميع أنحاء المملكة. وبانضمامها إلى الدينامية الإيجابية الرامية إلى إيجاد تسوية نهائية لقضية الصحراء، تؤكد لندن اعترافها بالدور الريادي للمغرب كـ'بوابة رئيسية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية لإفريقيا'، كما تجدد التأكيد على التزامها 'بتعميق تعاونها مع المغرب باعتباره شريكا للنمو في شتى أرجاء القارة'. هذا الموقف البريطاني الجديد ليس قرارا ظرفيا، بل ثمرة لمسار طويل ومدروس بعناية مع المغرب، البلد الذي تربطه بالمملكة المتحدة علاقات تعود لأزيد من 800 سنة، مما يجعلها من أعرق العلاقات الدبلوماسية في العالم. ومنذ سنة 2019، يرتبط البلدان باتفاقية شراكة تغطي كامل التراب الوطني للمغرب، بما في ذلك الأقاليم الجنوبية. وهي اتفاقية ت كر س بشكل دائم الشراكة المغربية-البريطانية المنسقة، التي يحدوها طموح مشترك، للارتقاء بالعلاقات العريقة التي تجمع بين المملكتين. وتمثل زيارة وزير الخارجية البريطاني إلى الرباط تدشين عهد جديد من الشراكة الاستراتيجية الشاملة والأصيلة بين البلدين. وبالنسبة للرباط ولندن، فإن الأمر يتعلق بوضع شراكتهما المعززة على مسار يرتكز على أسس متينة للاستدامة في كافة المجالات. وستهم هذه الشراكة الجديدة 'الرائدة والمتطلعة' للمستقبل، عدة قطاعات ستشكل محور تعاون معزز، لاسيما في الأمن والدفاع والتجارة والاستثمارات ومجالات الماء والمناخ والانتقال الطاقي والصحة والتعليم والبحث العلمي والابتكار وحقوق الإنسان والمبادلات الثقافية والرياضية. وهكذا، تدخل القضية الوطنية، تحت القيادة الملكية الرشيدة، في مرحلة دينامية تتجه نحو تسوية نهائية. ويتعلق الأمر بقناعة تترسخ في العديد من العواصم العالمية، التي ترى الآن في مخطط الحكم الذاتي الأساس الأكثر متانة وقابلية للتطبيق ومصداقية من أجل سلام دائم في المنطقة.