
الرؤية لا السلاح: شرق أوسط بلا ميليشيات
الهجمات الأخيرة في البحر الأحمر، لا سيما تلك التي استهدفت سفينتين تجاريتين هذا الشهر، تعيد التذكير بأن الميليشيا لم تختر الهدوء بوصفه خياراً استراتيجياً، بل بوصفه مرحلة للتطوير والتمويه والاستعداد لموجة جديدة من التصعيد الممنهج. فخلف واجهة «الهدنة» مع الولايات المتحدة، كانت أعين الحوثيين ترصد السفن، وتُعدّ سيناريوهات هجومية متكاملة تستغل انشغال العالم بصراعات أخرى. لقد دمجت الجماعة بين الصواريخ الموجَّهة، والزوارق الانتحارية، والأسلحة الصغيرة في نمط عمليات مركَّب يدل على تحول في بنيتها العملياتية؛ فلم تعد مجرد ميليشيا هجينة بل تحاول لعب دور أكبر من ذلك بتشتيت الضغط على جهة معيَّنة، واستغلال حالة الفشل في كبح عنجهية وصلف إسرائيل، وتفاصيل الهجوم الذي استهدف سفينة «Eternity C»، باستخدام ثمانية زوارق مسيَّرة ومأهولة، وصواريخ متعددة، يقودنا إلى تحول في مستوى المواجهة.
واللافت أنَّ هذه العمليات لم تكن عشوائية، بل جاءت متزامنة مع لحظات مفصلية في ملفات إقليمية أخرى. وكما تُظهر البيانات، فإن الانخفاض الحاد في حركة السفن في مضيق باب المندب منذ 2023 لا يعود فقط إلى الخوف من الهجمات، بل إلى فقدان الثقة بأن المجتمع الدولي يمتلك الإرادة السياسية لتأمين هذا الممر الحيوي، رغم أنه شريان اقتصادي وأمني عابر للقارات. والمفارقة التي تبدو كاشفة في قراءة هذه التحولات، إن إهمال المجتمع الدولي إيجاد تفاهمات موحدة لتأمين الممرات الدولية يأتي في ظل رغبة أميركية في الانسحاب، وهو الأمر الذي تحاول إيران، عبر ذراعها، الاستثمار فيه من خلال ربط ذلك بنصرة «أهل غزة». وبالطبع، فإن التصدي لعودة هجمات الميليشيات سيعني ضرورة التصدي لاستمرار إسرائيل في استهداف الأبرياء في غزة.
والحال أن الاستراتيجية غير المستقرة من القوى الدولية تشجع الحوثيين على التمادي، وتجعل من البحر الأحمر مختبراً مفتوحاً لتجريب القدرات الجديدة، وتحقيق أوهام نصر مبنيَّة على الشعارات والدعاية الكاذبة، ويزداد الأمر تعقيداً مع حرص بعض السفن التجارية، رغم تحذيرات المجتمع الدولي، على تعطيل نظام التعرف الأوتوماتيكي والعبور من دون حماية بسبب التكاليف مما يخلق بيئة مثالية للكمائن والهجمات الاستعراضية.
ما نشهده اليوم ليس مجرد تصعيد في الممرات البحرية، بل اختبار لمعادلة إقليمية جديدة يعاد فيها تعريف النفوذ والسيادة من خلال الماء لا اليابسة فقط. فالميليشيا التي تمردت داخل اليمن باتت تفرض إيقاعاً على خطوط الملاحة الدولية، وتستخدم البحر بوصفه سلاحاً استراتيجياً لا وسيلة تهريب. وإذا لم يُقابل ذلك برؤية واضحة تستند إلى دول المنطقة، فإننا إزاء مرحلة سيتضرر منها اقتصاد العالم؛ تتمثل في تراجع الثقة في المسار الملاحي عبر البحر الأحمر، مما قد يؤدي إلى تغييرات عميقة في خطوط التجارة العالمية.
التوترات المتزايدة مع إسرائيل والولايات المتحدة، توفّر خلفية مناسبة لاستمرار الحوثيين في هذا النهج، بل ربما التوسع فيه إلى مناطق أبعد. إن ما يجري اليوم في البحر الأحمر، في ظل غياب الردع الفاعل وغير المنفرد، لا يُهدد السفن فحسب بل يعبِّر عن موجة إرهاب بحري من ميليشيا تستثمر في أمن الممرات سبباً للبقاء.
الأكيد أن هذه التحديات في المنطقة في ظل المقاربات الأميركية المرتبكة والمنحازة حتى الآن للفوضى الإسرائيلية تعيد الاعتبار إلى أهمية الرياض ومعها دول الاعتدال في حماية استقرار المنطقة وتثبيت التوازنات الحقيقية، بعيداً عن منطق الميليشيات والردود الانفعالية أو التحيّز للصلف الإسرائيلي؛ فالمنطقة لا يمكن أن تكون رهينة لتوازنات براغماتية مؤقتة أو تسويات جزئية ترقيعية. بل تحتاج إلى رؤية شاملة، تتجاوز أعراض الأزمة إلى جذورها، وتقطع الطريق على خطابات التصعيد والتخويف، والأهم: تُعرّي وهم «شرق أوسط جديد» يُسوَّق له من خارج المنطقة بأوهام تتجاهل شعوبها، وتُقصي دولها وسيادتها، وتتعامى عن موازين القوة، والأهم فضيلة الاستقرار.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق السعودية
منذ 5 ساعات
- الشرق السعودية
البيت الأبيض: ترمب فوجئ بتحركات إسرائيل الأخيرة في غزة وسوريا
قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب فوجئ بالغارات الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت كنيسة كاثوليكية في قطاع غزة، ومبانٍ حكومية في العاصمة السورية دمشق، مؤكداً أنه بادر بعدها بإجراء مكالمتين عاجلتين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لـ"تصحيح الأوضاع". وفي تصريح صحافي، أوضحت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، الاثنين، أن "الرئيس يتمتع بعلاقة عمل جيدة مع نتنياهو، وهو على تواصل دائم معه، لكنه فوجئ بقصف سوريا وكذلك بقصف كنيسة كاثوليكية في غزة"، مضيفة أنه "اتصل فوراً برئيس الوزراء لتدارك الأمر". وبحسب تقرير نشرته شبكة CNN، فإن هذه التطورات تعكس ما وصفته مصادرها المطلعة بـ"تزايد التوترات في العلاقة بين الزعيمين". وقالت الشبكة إن ترمب أبدى استياءه من الغارة التي استهدفت الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة في غزة يوم الخميس الماضي، وأبلغ نتنياهو بذلك هاتفياً، طالباً منه إصدار بيان يصف الهجوم بأنه "خطأ". كما تفاجأ الرئيس الأميركي بالغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مبانٍ حكومية في دمشق، في وقتٍ تسعى فيه إدارته لإعادة إعمار البلاد التي دمرتها الحرب. ولفتت المتحدثة باسم البيت الأبيض إلى أن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو يبذل جهوداً حثيثة لتهدئة التوترات في سوريا، إذ خفف ترمب من العقوبات الأميركية وقدّم دعمه للرئيس السوري أحمد الشرع. ورغم أن ترمب استقبل نتنياهو في البيت الأبيض في وقت سابق من هذا الشهر، فإن العلاقة بينهما لطالما اتّسمت بالتعقيد، وفق ما نقلته CNN عن مصادر مطّلعة على طبيعة العلاقة، والتي أشارت إلى أنه رغم كونهما حليفين قويين، فإن علاقتهما الشخصية ليست وثيقة، وقد شابها في بعض الأحيان نوع من "انعدام الثقة المتبادل". ومع ذلك، بدا أن ترمب بات أقرب إلى نتنياهو من أي وقت مضى خلال هذا الصيف، وذلك بعد قراره دعم الضربات الجوية الإسرائيلية ضد إيران، وخلال مأدبة عشاء في "الغرفة الزرقاء" بالبيت الأبيض في وقت سابق من هذا الشهر، قدّم نتنياهو رسالة ترشيح ترمب إلى لجنة نوبل لنيل جائزة السلام. وقف إطلاق النار في غزة وكان ترمب يأمل أن تُسفر زيارة نتنياهو التي استمرت أربعة أيام إلى واشنطن عن تقدم في جهود التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، يشمل إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حركة "حماس"، وزيادة كبيرة في حجم المساعدات الإنسانية المسموح بإدخالها إلى القطاع المُحاصَر، إذ صرَّح الرئيس الأميركي مراراً قبل الزيارة أنه يتوقع الإعلان عن وقف لإطلاق النار خلال الأسبوع ذاته. لكن نتنياهو غادر الولايات المتحدة من دون التوصل إلى أي اتفاق، وبعد قرابة أسبوع من تقديم الوسطاء آخر مقترح لوقف إطلاق النار، لا تزال الأطراف المعنية تنتظر رداً من قادة حركة "حماس" في غزة، بحسب ما نقلت CNN عن مصدرين مطّلعين على المفاوضات. ومن جانبها، قالت حماس في بيان يوم الاثنين إنها "تبذل كل جهودها وطاقاتها على مدار الساعة" من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين. وقالت ليفيت: "رسالة الرئيس بشأن هذا الصراع الذي نشهده في الشرق الأوسط منذ وقت طويل، والذي أصبح وحشياً للغاية، لا سيما في الأيام الأخيرة، حيث تتابعون تقارير عن سقوط مزيد من الضحايا، هي أنه لا يحب أبداً رؤية هذا المشهد. إنه يريد أن يتوقف القتل". ضحايا المساعدات كما دافعت المتحدثة باسم البيت الأبيض عن جهود الإدارة في إدخال المساعدات إلى غزة، رغم انتقادات 25 دولة غربية لإسرائيل بسبب ما وصفته بـ"تقطير" المساعدات. ووفقاً لوزارة الصحة في القطاع، فقد لقي أكثر من ألف شخص حتفهم أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات إنسانية منذ أواخر مايو الماضي. وأضافت ليفيت: "الرئيس (ترمب) هو السبب في أن هناك مساعدات يتم توزيعها في غزة من الأساس.. هو يريد أن يتم ذلك بطريقة سلمية، لا تُزهق فيها المزيد من الأرواح". وختمت تصريحاتها بالقول: "إنه وضع بالغ الصعوبة والتعقيد، ورثه الرئيس عن الإدارة السابقة بسبب ضعفها، وأعتقد أنه يستحق التقدير، فالرئيس يريد رؤية السلام، وقد كان واضحاً تماماً بشأن ذلك".


الشرق الأوسط
منذ 6 ساعات
- الشرق الأوسط
«العفو الدولية»: غارات إسرائيل على سجن إيفين بطهران قد تشكل «جريمة حرب»
دعت منظمة العفو الدولية (أمنستي) الثلاثاء إلى فتح تحقيق بشبهة ارتكاب «جريمة حرب» في الغارات التي شنّتها إسرائيل على سجن إيفين في طهران في نهاية يونيو (حزيران) خلال الحرب التي استمرت 12 يوما بين الدولة العبرية والجمهورية الإسلامية. وقالت أمنستي في بيان إنّ «الغارات الجوية المتعمّدة التي شنّها الجيش الإسرائيلي (...) تشكّل انتهاكا خطرا للقانون الإنساني الدولي ويجب التحقيق فيها بوصفها جريمة حرب». وأضافت المنظمة غير الحكومية أنّ «الجيش الإسرائيلي شنّ غارات جوية عديدة على سجن إيفين، ما أسفر عن مقتل وجرح عشرات المدنيين، وتسبّب بأضرار ودمار واسع النطاق في ستّ أنحاء على الأقلّ من مجمّع السجن». وأكّدت العفو الدولية أنّها تستند في بياناتها إلى مقاطع فيديو تمّ التحقّق من صحّتها، وصور التقطتها أقمار اصطناعية، وإفادت شهود. وشدّدت المنظمة على أنّه «من المفترض أنّ أيّ سجن أو مكان احتجاز هو موقع مدني، وليس هناك أيّ دليل موثوق به على أنّ سجن إيفين كان هدفا عسكريا مشروعا». وفي 13 يونيو (حزيران)، شنّت إسرائيل ضربات واسعة النطاق على إيران أدّت إلى اندلاع حرب بين البلدين استمرت 12 يوما. وفي 23 يونيو (حزيران)، أسفرت غارة جوية على سجن إيفين عن مقتل 79 شخصا، بينهم سجناء وعائلاتهم وموظفون إداريون، وفقا لتقرير صادر عن القضاء الإيراني. وأكّدت إسرائيل أنها استهدفت بغاراتها السجن. ووفقا لمنظمة العفو الدولية فإنّ «ما بين 1500 إلى 2000 سجين» كانوا محتجزين في إيفين، السجن شديد الحراسة الواقع في شمال العاصمة.

العربية
منذ 6 ساعات
- العربية
الصحة العالمية: إسرائيل اقتحمت منشآتنا في دير البلح واحتجزت موظفين
ندّدت منظمة الصحة العالمية الإثنين بهجمات طالت مقرّ إقامة طاقمها ومستودعها الرئيسي في دير البلح في وسط مدينة غزة، وسط تصعيد الجيش الإسرائيلي عملياته في المدينة. وقال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غبرييسوس في منشور على منصة "إكس" إن "مقرّ إقامة طاقم منظمة الصحة العالمية في دير البلح في غزة هوجم ثلاث مرات اليوم وكذلك مستودعها الرئيسي". وأضاف أن "الجيش الإسرائيلي دخل المقرّ وأجبر النساء والأطفال على إخلائه سيراً على الأقدام نحو المواصي" في جنوب غزة، مؤكداً أنه "جرى تكبيل أيادي الرجال من أفراد الطاقم وأفراد العائلات وتجريدهم من ملابسهم واستجوابهم في الموقع وشهر السلاح بوجههم". ولفت تيدروس إلى أنه تم إجلاء 32 من أفراد طاقم المنظمة ومن أفراد عائلاتهم إلى مكتبها عندما أصبح ممكناً الوصول إلى الموقع. . @WHO 's staff residence in Deir al Balah, #Gaza, was attacked three times today as well as its main warehouse. Israeli military entered the premises, forcing women and children to evacuate on foot toward Al-Mawasi amid active conflict. Male staff and family members were… — Tedros Adhanom Ghebreyesus (@DrTedros) July 21, 2025 بالمقابل، تمّ احتجاز اثنين من أفراد الطاقم واثنين من أفراد عائلاتهم، وفق تيدروس الذي أشار إلى أن ثلاثة من هؤلاء أطلق سراحهم لاحقاً فيما "بقي واحد قيد الاحتجاز" عند الجيش الإسرائيلي. وقال المدير العام إن "منظمة الصحة العالمية تطالب بإطلاق سراح الفرد المحتجز وبحماية كامل طاقمها". وجاء منشور تيدروس في وقت شهدت فيه دير البلح قصفاً عنيفاً غداة إصدار الجيش الإسرائيلي إنذاراً لسكانها بوجوب إخلاء منازلهم، معلناً أنه سيوسّع نشاطه في منطقة لم يسبق أن شهدت عمليات برية منذ بدء الحرب في أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وحذّر تيدروس من أن "أمر الإخلاء الأخير في دير البلح طال مقرّات عدة لمنظمة الصحة العالمية، ما يضعف قدرتنا على العمل في غزة ويدفع النظام الصحي بشكل أكبر نحو الانهيار". وأشار إلى أن المستودع الرئيسي لمنظمة الصحة العالمية في دير البلح كان "ضمن منطقة الإخلاء، وتضرّر بالأمس (الأحد) إذ أدى هجوم إلى انفجارات واندلاع حريق بداخله". وحذّر المدير العام من أنّ هذا الأمر يفاقم خطورة الأزمة. وقال "مع خروج المستودع الرئيسي عن الخدمة ونفاد معظم الإمدادات الطبية في غزة، باتت منظمة الصحة العالمية تواجه قيوداً مشدّدة في دعمها للمستشفيات، وفرق الطوارئ الطبية، وشركاء في القطاع الصحي، وسط نقص حاد في الأدوية والوقود والمعدّات". وقال تيدروس إن المنظمة تحضّ دولها الأعضاء على "المساعدة في ضمان تدفق مستمر ومنتظم للإمدادات الطبية إلى غزة". وإذ حذر من أن "إضعاف عمليات منظمة الصحة العالمية يعوق الاستجابة الصحية بكاملها في غزة"، شدّد على ضرورة التوصل إلى وقف لإطلاق النار طال انتظاره.