
تقرير الوظائف الأميركية يهز الأسواق: تباطؤ التوظيف يثير المخاوف ويُضعف الدولار
أسباب ضعف التقرير ومؤشراته السلبية
الأمر اللافت هو أن معظم الوظائف الجديدة تركزت في قطاعات الرعاية الصحية والرعاية الاجتماعية. أما القطاع الحكومي, فساهم بشكل سلبي، حيث سجل فقدانًا للوظائف, خصوصًا على المستوى الفيدرالي. هذا القطاع كان من بين العوامل التي زادت من ضعف الرقم الإجمالي للتوظيف، مما يعكس تقلصًا في التوظيف العام وتباطؤًا في الإنفاق الحكومي التشغيلي.
إلا أن اقتصار النمو الوظيفي على قطاعات غير إنتاجية يُعد إشارة مقلقة، إذ إن هذه المجالات عادةً ما تكون ممولة من الدولة أو غير مولدة للقيمة المضافة بشكل مباشر، ما يعني أن القطاع الخاص الحقيقي ,الذي يُعتبر المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي ,لم يُظهر ديناميكية كافية. القطاعات الحيوية مثل التصنيع، التكنولوجيا، البناء، والخدمات المالية، إما لم تضف أي وظائف جديدة أو سجلت خسائر فعلية في التوظيف. وهذا النمط يعكس تباطؤًا في الطلبين الاستهلاكي والاستثماري، ويشير إلى احتمال دخول الاقتصاد في مرحلة من الركود الهيكلي.
أضافة إلى ذلك, ارتفع معدل البطالة إلى 4.2%، وهو الأعلى منذ أوائل عام 2024، مما يزيد الضغط على الفيدرالي الأميركي ويطرح علامات استفهام حول مرونة سوق العمل في مواجهة التباطؤ الاقتصادي والتحديات الجيوسياسية الحالية. وعلى الصعيد السياسي، شهدت البلاد تطورًا غير مسبوق تمثل في إقالة الرئيس ترامب لمفوضة مكتب الإحصاءات العمالية بعد ساعات فقط من صدور التقرير، متهمًا إياها بتضليل الجمهور بشأن حقيقة الاقتصاد. هذه الخطوة أثارت مخاوف حقيقية في الأوساط الاستثمارية بشأن استقلالية المؤسسات الرسمية وتسييس البيانات الاقتصادية، ويمثل عامل ضغط إضافيًا على الثقة بالاقتصاد الأميركي.
كيف تفاعلت الأسواق؟
على صعيد الأسواق المالية، ردة الفعل كانت سريعة, حيث شهدت أسواق الأسهم الأميركية عمليات بيع مكثفة، مع تراجع مؤشر داو جونز الصناعي بأكثر من 500 نقطة، فيما هبط مؤشر ناسداك المركب بنسبة تجاوزت 2%، وسط تزايد القلق من أن تباطؤ سوق العمل قد ينعكس سلبًا على أرباح الشركات في النصف الثاني من العام. قطاع التكنولوجيا، الذي يعتمد بشدة على النمو، كان من بين الأكثر تضررًا في الجلسة، في ظل تزايد المخاوف من تقلّص الطلب الاستهلاكي وتراجع الإنفاق الرأسمالي.
في سوق السندات، شهدنا تحركًا واضحًا نحو الأصول الآمنة، حيث تراجعت عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات بشكل ملحوظ، في ظل تسعير الأسواق لتزايد احتمالات قيام الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة في اجتماعه المقبل خلال سبتمبر. المستثمرون باتوا يتوقعون أن التضييق النقدي قد بلغ ذروته، وأن المرحلة القادمة ستتسم بالتيسير، خاصة إذا استمر ضعف البيانات الاقتصادية.
أما الدولار الأميركي، فقد تلقى ضربة قوية، حيث خسر أكثر من 1.3% من قيمته خلال يوم واحد مقابل سلة من العملات الرئيسية، ليس فقط بسبب تزايد احتمالات خفض الفائدة، بل أيضًا بفعل اهتزاز الثقة في مصداقية المؤسسات الأميركية بعد إقالة مسؤولة رسمية في توقيت حرج. هذا الهبوط الحاد يُعد الأسوأ للدولار منذ أبريل، ويعكس تحوّلاً واضحًا في مزاج الأسواق العالمية تجاه العملة الأميركية.
في المقابل، صعدت أسعار الذهب بشكل لافت لتتجاوز 3,350 دولارًا للأونصة، مدعومة بتراجع الدولار وتزايد الطلب على الأصول الدفاعية وسط حالة من عدم اليقين. كذلك، شهدت بعض السلع الأخرى مثل الفضة والبلاتين ارتفاعات ملحوظة، ما يؤشر إلى أن الأسواق بدأت بالفعل بالتحوّط من احتمالات التباطؤ الاقتصادي وعودة التيسير النقدي.
بالنسبة لأداء الأسواق هذا الأسبوع، فقد استمرت التقلبات بوتيرة متصاعدة، وسط حالة من الحذر والترقب. المستثمرون باتوا يتعاملون مع مزيج معقد من العوامل السلبية، أبرزها توتر العلاقة بين الرئيس ترامب ورئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، والتي ظهرت على السطح مجددًا بعد تلميحات من ترامب بإمكانية استبداله، بالإضافة إلى تصاعد التوترات التجارية الناتجة عن موجة جديدة من الرسوم الجمركية على السلع الأوروبية والآسيوية. هذا التداخل بين الضغوط السياسية، الاضطراب النقدي، وضعف البيانات الاقتصادية يكرّس حالة من عدم اليقين في الأسواق الأميركية، ويدفع المستثمرين إلى اعتماد استراتيجيات تحوطية قصيرة المدى، ويزيد من التذبذب في أسعار الأصول.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


سيدر نيوز
منذ 28 دقائق
- سيدر نيوز
الشرق الأوسط قد يكون ساحة لحرب نووية – الغارديان #عاجل
الشرق الأوسط قد يكون 'ساحة محتملة' لحرب نووية تقود العالم للفناء، وفقا لمقال رأي بصحيفة الغارديان البريطانية، في حين حذرت الإندبندنت من 'تقسيم' أوكرانيا مقابل وقف بوتين الحرب وحصول ترامب على جائزة نوبل، وأخيراً ألقت التلغراف الضوء على 'قمع' شبكات التواصل الاجتماعي لحرية التعبير. نبدأ من الغارديان، ومقال للكاتب سيمون تيسدال، بعنوان 'مع اقتراب العالم من الفناء النووي، أين المعارضة؟'، وقوله إن التهديد الفتاك للأسلحة النووية وتاريخها المظلم وانتشارها المستقبلي، عاد ليتصدر واجهة الأخبار، ويثير القلق. وأضاف: 'لأول مرة منذ الحرب الباردة، تتحول أوروبا وآسيا والشرق الأوسط إلى ساحات محتملة لمعارك نووية، لكن الآن القنابل والصواريخ الذرية ليست للردع، بل أسلحة هجومية يتم من خلالها حسم الحرب.' وأوضح أن قرار روسيا، الأسبوع الماضي، بالانسحاب رسمياً من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى (INF) لعام 1987، التي تحظر الصواريخ النووية متوسطة وقصيرة المدى، ليهدم ركيزة أساسية من ركائز ضبط التسلح العالمي. وحذر من أن هذا القرار سيُسرع من سباق التسلح النووي، المحموم أصلاً، في أوروبا وآسيا، في وقت يتبادل فيه قادة الولايات المتحدة وروسيا 'السخرية من بعضهما البعض كالأطفال.' وأشار إلى أن بوتين، دائماً ما هدد الغرب بالأسلحة النووية خلال حربه في أوكرانيا، وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أطلقت القوات الروسية صاروخ 'أوريشنيك' متوسط المدى الأسرع من الصوت والقادر على حمل رؤوس نووية على مدينة دنيبرو الأوكرانية، ويمكنه الوصول إلى أي مدينة في أوروبا. تُلقي موسكو باللوم في قرارها بالانسحاب من المعاهدة على أفعال حلف الناتو 'العدائية'. لكن الكاتب يرى أن هناك تجاوزات عملية لموسكو، خاصة بنشر الصواريخ في كالينينغراد، الجيب الروسي على بحر البلطيق، وفي الوقت نفسه فإن القلق الروسي 'مشروع' فيما يتعلق بالناتو. فقد تراجع دونالد ترامب، عن معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى لأول مرة عام 2018، ثم أعقب هذا بحشد ضخم من الصواريخ والقاذفات والطائرات والقنابل النووية، في دول الناتو الأوروبية، وهو ما أثار قلق موسكو، وهو أمر مفهوم. وحذر الكاتب من أنه إذا 'لم تُكبح' جماح الأسلحة النووية الأقوى بكثير اليوم، فقد تُحول الكوكب إلى ساحة قتل عالمية. خاصة أن حشد الأسلحة النووية في أوروبا 'يتسارع'، وتُخزن الولايات المتحدة قنابل نووية في ألمانيا وبلجيكا وهولندا وإيطاليا وتركيا. 'مؤامرة تقسيم أوكرانيا' Reuters ركزت صحيفة الإندبندنت في اقتتاحيتها على الاجتماع المرتقب بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، وقالت في مقال بعنوان 'يجب على دونالد ترامب ألا يكافئ عدوان فلاديمير بوتين'، إن الرئيس الروسي هو 'العقبة' أمام تسوية تفاوضية في أوكرانيا، وعليه تقديم 'تنازلات.' 'ترامب أكثر رؤساء الولايات المتحدة تقلباً' – مقال في التايمز ترامب وبوتين يلتقيان في ألاسكا: هل سيكون هناك اتفاق سلام؟ وتحدثت الصحيفة عن رمزية موقع الاجتماع، الجمعة، حيث اختار ترامب ألاسكا، التي يرى بوتين بضرورة عودتها لروسيا، بعد أن باعها الإمبراطور ألكسندر الثاني، في لحظة ضعف. وقالت إن 'مسرح القمة جاهز'، لكن بعض الممثلين سيغيبون، ونظراً لحرص ترامب على الاجتماع منفرداً مع بوتين يبدو أنه 'يدبر مؤامرة لتقسيم' أوكرانيا، في غياب زعيمها، فولوديمير زيلينسكي. وعزز هذا الانطباع حديث ترامب عن 'تبادل' الأراضي بين روسيا وأوكرانيا كجزء من اتفاق سلام. وأشارت الصحيفة إلى أن زيلينسكي 'يشكك' في هذا الاجتماع، وأكد استعداده لمناقشة أي شيء مع أي شخص في أي مكان، لكن ما لن يفعله، هو الموافقة على 'تفكيك' بلاده كشرط للمحادثات. وشدد المقال على عدم معرفة ما يفكر به ترامب، لذلك لا يمكن تحديد ما إذا كان الاجتماع 'حيلة دبلوماسية' للسماح لبوتين بالموافقة على صفقة تحفظ ماء وجهه، أم أنه نابع من إعجاب حقيقي بزعيم قوي. وفي النهاية لا تمثل الدوافع أهمية، إذا كان ترامب 'مهووساً' بفكرة الحصول على جائزة نوبل للسلام كما يُقال، لكن من المتوقع أن يفوز بالجائزة بفرض السلام من خلال استسلام أوكرانيا. التواصل الاجتماعي و'قمع' حرية التعبير تناولت صحيفة التلغراف، قضية مواقع التواصل الاجتماعي و'قمع' حرية التعبير، والغرامات الكبيرة التي قد تتعرض لها شركات التواصل الاجتماعي العملاقة في بريطانيا، بسبب تطبيقها 'المفرط' لقوانين السلامة على الإنترنت. ونشرت الصحيفة تقريراً مطولاً للكاتبين نيك غوتريدج، كبير المراسلين السياسيين، وجيمس تيتكومب، محرر الشؤون التقنية، بعنوان 'شركات التواصل الاجتماعي العملاقة تواجه غرامات لقمعها حرية التعبير'، وكان هناك تحذيرات لشركات التكنولوجيا المتشددة من استخدام 'أداة قاسية' لعرقلة الحريات العامة. وأبلغ وزراء بريطانيون العديد من منصات التواصل الاجتماعي، منها فيسبوك، وإنستغرام، وتيك توك، بضرورة عدم تقييد الوصول إلى المنشورات التي تعبر عن آراء قانونية. وأشارت الصحيفة إلى هذا التحذير يأتي وسط ردود فعل عنيفة ضد المواقع التي تمنع المستخدمين من مشاهدة بعض المواد، منها التي تحوي مناقشات برلمانية حول عصابات تجنيد الأطفال. وقال ناشطون إن حرية التعبير مهددة بتطبيق الحكومة لقانون 'السلامة على الإنترنت'، الذي يهدف إلى حماية الأطفال من المحتوى الضار. وأعربت مصادر في الحكومة البريطانية عن قلقها من أن شركات التواصل الاجتماعي، التي انتقد بعضها القانون، 'أفرطت في الحماس' أثناء تطبيقه، وعليها أن 'تراعي' الحق في حرية التعبير. وقالت الصحيفة إن القانون 'لا يفرض' رقابة على النقاش السياسي، ولا 'يُلزم' المنصات بتقييد أي محتوى بسبب السن، باستثناء هذا الذي يُشكل 'خطراً كبيراً' على الأطفال، مثل المواد الإباحية أو الانتحار أو محتوى إيذاء النفس.


ليبانون 24
منذ 2 ساعات
- ليبانون 24
من سايكس-بيكو إلى ترامب-نتنياهو: تقسيم المقسّم في مشروع الشرق الأوسط الجديد
منذ اتفاقية سايكس-بيكو عام 1916، تشكّل المجال العربي على وقع خرائط مرسومة خارجيًا، قائمة على تفكيك الكيانات وتفجير التناقضات الداخلية. واستُخدمت الطائفية والإثنيات كأداة لخلق كيانات مُقسَّمة في سوريا ولبنان. ورُسمت حدود لم تكن بريئة أو محايدة، بل أخذت بعين الاعتبار البنية الطائفية لتفكيك المجتمعات وخلق كيانات متنافسة. ومع صعود ما بات يُعرف بمشروع " الشرق الأوسط الجديد"، كما نظّر له الأميركيون منذ غزو العراق عام 2003، وفعّله الثنائي ترامب– نتنياهو لاحقًا ضمن ما يُسمى "صفقة القرن"، ثم جاءت الحرب الإسرائيلية على غزة ثم على إيران لتقصّ شريط خريطة هذا الشرق الأوسط الجديد. وبات واضحًا أن إعادة تشكيل المنطقة لا تتم فقط عبر الاحتلال، بل أيضًا عبر تقسيم المجتمعات من الداخل على أسس طائفية وإثنية،ويتضمن رسم خريطة جيوسياسية جديدة عبر تقسيم المجتمعات على أسس مذهبية وعرقية، مع استبعاد واضح لفلسطين من الخريطة. لبنان وسوريا تحوّلتا إلى ساحات مركزية في هذا المشروع، حيث تُستخدم الطائفية كأداة لإعادة هندسة الدول، وتحويلها إلى كيانات ضعيفة موزعة بين المحاور الإقليمية. منذ اتفاقية سايكس-بيكو لم يكن التقسيم الجغرافي للعالم العربي مجرد حدود مرسومة على ورق، بل كان مشروعًا أعمق يقوم على إعادة تشكيل المنطقة بناءً على خطوط طائفية وإثنية تخدم مصالح القوى الكبرى. وفي قلب هذا المشروع، شكّلت سوريا ولبنان مختبرًا مثاليًا لتطبيق هذا النموذج، بفضل تركيبتهما السكانية المعقدة. التأسيس الطائفي للجغرافيامثّلت الحرب الأهلية اللبنانية في ثمانينيات القرن الماضي نموذجًا عمليًا لتفكيك الدولة عبر طوائف وميليشيات، بما يتقاطع مع نموذج "الشرق الأوسط الجديد" القائم على كيانات طائفية وليست دولًا قوية، فكانت أول نموذج عملي لمشروع تقسيم المجتمع على أسس دينية ومذهبية. تقاسم مناطق النفوذ، وظهور الميليشيات، وانهيار الدولة المركزية، كلّها كانت مقدمات لما جرى لاحقًا في سوريا والعراق واليمن. مع اتفاق الطائف، لم تنته الطائفية بل تم تثبيتها بنيويًا. كل طائفة أُعطيت حصة دستورية ومؤسساتية، وبدأ الاقتصاد يُدار بمنطق الكانتونات، وهو ما يتقاطع تمامًا مع منطق الشرق الأوسط الجديد الذي لا يقوم على دول قوية، بل على مجتمعات ضعيفة مفككة. تقسيم المقسم: إلغاء كيانات نتنياهو في خطابه بالأمم المتحدة عام 2023 عرض خريطة منسوبة لمفهوم "الشرق الأوسط الجديد" تستثني فلسطين تمامًا، حيث ضمت دول التطبيع فقط (الإمارات، السعودية، مصر، البحرين) مع "إسرائيل" ضمن قوس أخضر تربطها بدول أوروبا الجنوبية عبر خط بري، بينما غابت الضفة وغزة وسوريا ولبنان والعراق بالكامل من الخريطة في هذا السياق، يعمل المشروع على تفكيك المجتمعات نفسها، ليس فقط رسم خرائط سياسية، بل إعادة هندسة المشرق العربي. وفق هذا التصوّر، لا مكان لدول قوية، ولا لجيوش موحّدة. المطلوب هو شرق أوسط مكوّن من دويلات مذهبية (سنية، شيعية، درزية، علوية...) وكيانات عرقية (كردية، تركمانية، أمازيغية...)، ونظم اقتصادية تابعة لإسرائيل والخليج والغرب. نتنياهو أراد تطبيعًا مع الدول العربية مقابل تجزئة وتقسيم المنطقة، وتثبيت "إسرائيل" كقوة فوق قومية. ترامب رأى في تفكك سوريا والعراق ولبنان فرصة استراتيجية لإنهاء المسألة الفلسطينية، وإغلاق ملف الدولة القومية العربية. خرائط التقسيم ومقوماتها الاقتصادية الخريطة الفعلية لسوريا ولبنان اليوم تشبه فعليًا تقسيمًا جغرافيًا–هوياتياً قسريًا يُدار على أساس الكانتونات، حيث تُحدَّد الولاءات والتحالفات تبعًا للمذهب والعرق، وتُبنى المصالح الاقتصادية والاستراتيجية على ذلك الأساس، وليس على أساس الدولة الوطنية الواحدة. الخريطة الفعلية لسوريا ولبنان اليوم تكشف عن تفكك فعلي للدولة المركزية، وتبلور كيانات طائفية–عرقية تدار بوظائف سياسية وأمنية واقتصادية محددة، ضمن خارطة إقليمية أوسع يُعاد رسمها تحت غطاء "السلام الإقليمي" أو ما بات يُعرف بـ"الشرق الأوسط الجديد". 1- سوريا: كانتونات أمر واقع ووظائف استراتيجية - الشمال الشرقي (كردي): تُسيطر "قوات سوريا الديمقراطية" بدعم أمريكي مباشر على هذه المنطقة الغنية بالنفط والغاز والقمح. فهي تمثل الخزان النفطي الأكبر لسوريا، ما يمنحها مقومات اقتصادية للاستقلال شبه التام. الولايات المتحدة تحتفظ بقواعد عسكرية لحماية هذا الكانتون، وتوظف هذه الورقة للضغط على دمشق وأنقرة في آن واحد. استراتيجيًا، يشكل نقطة ارتكاز ضمن ما يُعرف بمشروع "كردستان الكبرى"، ويُمكن ربطه جغرافيًا بمسارات طاقة وممرات أمنية من كردستان العراق إلى المتوسط. - الشمال الغربي (سني – تركي): منطقة نفوذ تركي مباشر، تضم إدلب وأجزاء من ريف حلب. تُدار عبر فصائل موالية لأنقرة، وتُستخدم كورقة أمنية وتجارية ضد كل من دمشق وقسد. قاعدة تركية وظيفية تندمج في استراتيجية تركيا التوسعية "ممر زانغزور" و"العمق السني" شمال سوريا. المنطقة ترتبط تجاريًا وأمنيًا بتركيا، وتشكل معبرًا محتملًا لممرات برية نحو الخليج وشرق المتوسط، كجزء من توازن مع ممر داوود. - الساحل (علوي – شيعي): الحاضنة التاريخية للنظام السوري البائد، وتحوي قواعد بحرية روسية في طرطوس واللاذقية. رغم احتوائها على بعض المنافذ الاقتصادية البحرية، إلا أن هذا الكانتون يُعتبر أكثر عسكرية من كونه اقتصاديًا، معزول جزئيًا عن مشاريع الربط الإقليمي، ويُستخدم كخط دفاع أخير للنفوذ الروسي في المشرق. - الجنوب (درزي وسني): هنا تتقاطع الجغرافيا مع الجيوسياسة بشكل حاد، تتمتع بعض المناطق بدرجة من الحكم الذاتي غير الرسمي، خاصة في السويداء التي تحولت إلى كانتون درزي شبه مستقل مدعوم ضمنيًا من إسرائيل تحت غطاء "حماية الأقليات"، ما يمنحه بعدًا استراتيجيًا كمخلب إسرائيلي في خاصرة دمشق. أكثر المناطق حساسية، لارتباطها المباشر بالجولان المحتل وبمشروع "ممر داوود"،منطقة السويداء تحديدًا تُظهر ميلًا نحو "حكم ذاتي" درزي برعاية غير معلنة من إسرائيل، ما يجعلها نقطة ارتكاز استراتيجية للمراقبة والتحكم في جنوب سوريا، وربما ممرًا مستقبليًا نحو الأردن، ضمن البنية التحتية للممر الإسرائيلي–الخليجي. 2- لبنان: فسيفساء الطوائف تتحول إلى مناطق نفوذ - الكانتون الشيعي (الجنوب والبقاع): تُهيمن عليه قوى المقاومة المدعومة من إيران، ويشكل الامتداد البري الوحيد بين إيران وسوريا ولبنان. مع امتلاكه لمنفذ بري مع سوريا نحو البوكمال ودير الزور، يتحكم حزب الله فعليًا بأحد المحاور المضادة لممر داوود، أي "الممر الإيراني – المتوسط"، ما يجعله في قلب الصراع الجيواستراتيجي. - الكانتون السني (طرابلس وعكار وبيروت): يعاني من الضعف الاقتصادي والانقسام السياسي. مع ذلك، يُنظر إليه من بعض القوى الإقليمية كممر تجاري مستقبلي نحو سوريا في حال نجاح مشاريع فصل الشمال السوري عن دمشق، أي ربط محتمل لمرفأ طرابلس بمناطق إدلب أو ريف حلب سيسهم في تكريس هذا الدور. - الكانتون المسيحي (جبل لبنان والساحل): رغم تراجعه الديموغرافي، يحافظ على صلة اقتصادية بالغرب، ويمثل قاعدة مالية وخدماتية. لا يرتبط بشكل مباشر بأي ممر استراتيجي، لكنه يلعب دور المنطقة المحايدة نسبيًا، التي يمكن توظيفها في أي تسوية شاملة. الكانتون الدرزي (جبل لبنان – الشوف): جغرافيًا، يلامس الجنوب اللبناني والسويداء السورية ، ما يجعله طرفًا طبيعيًا في أي مشروع ربط بين الجليل والجنوب السوري، وخاصة في ظل احتمالات توسع ممر داوود، أو تشكيل منطقة عازلة متاخمة لإسرائيل ذات طابع درزي خفيف التسلح وغير معادٍ. أحداث السويداء: نموذج الكانتون الوظيفي أحداث السويداء الأخيرة كشفت بوضوح عن تحوّل المنطقة إلى كانتون فعلي، له هويته الداخلية، وآلياته المحلية في الحكم، وحياده تجاه الدولة المركزية. تدخلات إسرائيل في محيطها، والدعم السياسي غير المباشر، رسّخ منطق "الحماية الخارجية"، ما يعكس جوهر مشروع الشرق الأوسط الجديد. أحداثها الأخيرة كشفت عن تحولها إلى كانتون فعليّ بغطاء درزي داخلي ورعاية خارجية صامتة. إسرائيل، من خلال شبكات غير رسمية، تسعى إلى خلق منطقة مستقرة على حدودها الشرقية، قد تُدمج لاحقًا في ممر داوود أو تحيّد لصالحه، لتأمين المسار الذي يربط حيفا بالمرافئ الخليجية عبر الأراضي الأردنية والعراقية، دون المرور بأراضي معادية أو غير مضمونة. من سايكس-بيكو إلى ترامب ونتنياهو، تسير المنطقة وفق منطق خارجي ثابت: تفتيت المقسم، وتحويل الدول إلى كيانات مذهبية ضعيفة. الشرق الأوسط الجديد، كما يُراد له، هو شرق أوسط بلا عرب، بلا هوية، بلا مركز. والمواجهة الحقيقية تبدأ من الوعي بهذه المعادلة. ويبدو أن الخطر الأكبر على المنطقة لم يعد في رسم خرائط جديدة، بل في تذويب الهويات الجامعة وتحويل المجتمعات إلى كيانات مشتتة متنازعة.


صوت بيروت
منذ 4 ساعات
- صوت بيروت
وسط استمرار حرب المسيرات بين روسيا وأوكرانيا.. ترامب يعتزم دعوة زيلينسكي لحضور "قمة ألاسكا"
انفجار طائرة مسيرة روسية في كييف، أوكرانيا، 8 أغسطس 2025. رويترز تبادلت روسيا وأوكرانيا هجمات بالمسيّرات خلال الليلة الماضية، وتزامن ذلك مع تصريحات أميركية أكدت أن الرئيس دونالد ترامب لا يعارض تنظيم قمة ثلاثية في ألاسكا بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية إسقاط 121 مسيّرة أطلقتها أوكرانيا خلال الليلة الماضية، في حين أكدت القوات الجوية الأوكرانية إسقاط 70 مسيّرة من بين 100 أطلقتها روسيا. وقال حاكم منطقة ساراتوف الروسية يوم الأحد إن شخصًا واحدًا لقي مصرعه وتضرر عدد من الشقق السكنية ومنشأة صناعية في هجوم بطائرة مسيرة أوكرانية على المنطقة الجنوبية من روسيا. وقال رومان بوسارجين على تيليغرام أنه جرى إجلاء السكان بعد أن ألحق حطام طائرة مسيرة أضرارا بثلاث شقق في الهجوم الذي وقع في ساعات الليل. وأوضح بوسارجين 'احتاج عدد من السكان مساعدة طبية. وجرى تقديم المساعدة في الموقع، ونقل شخص واحد إلى المستشفى. وللأسف، توفي شخص'. ولم يحدد بوسارجين ما هي المنشأة الصناعية التي تضررت. وأفادت وسائل إعلام أوكرانية، منها وكالة (آر.بي.كيه-أوكرانيا)، بأن حريقا اندلع في مصفاة نفط في مدينة ساراتوف، المركز الإداري للمنطقة، بعد هجوم الطائرات المسيرة. وذكرت مصادر في قطاع النفط لرويترز أن مصفاة مملوكة لشركة روسنفت في مدينة ساراتوف اضطرت إلى تعليق عملياتها في وقت سابق من هذا العام لأسباب أمنية بعد هجمات أوكرانية بطائرات مسيرة. وأعلنت هيئة الطيران المدني الروسية (روسافياتسيا) عبر تيليغرام أن الرحلات الجوية من وإلى ساراتوف توقفت لنحو ساعتين صباح اليوم لضمان أمن المجال الجوي. وجاءت تلك التطورات في خضم تحركات سياسية أعقبت إعلان الرئيسي الأميركي عقد لقاء مع نظيره الروسي في ألاسكا يوم الجمعة المقبل. وقال مسؤول في البيت الأبيض إن ترامب منفتح على عقد قمة ثلاثية في ألاسكا مع بوتين وزيلينسكي، لكنه أكد أن البيت الأبيض يخطط حاليا لأن يكون الاجتماع ثنائيا مع بوتين بناء على طلبه. وعبر الرئيس الأوكراني أمس السبت عن رفضه استبعاد بلاده من أي محادثات بشأن إنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من 3 سنوات، وقال إن الأوكرانيين 'لن يسلّموا أرضهم للمحتلين'، وإن أي حلول دون بلاده 'ستكون ضد السلام'. وأكد استعداده للعمل مع ترامب وجميع الشركاء من أجل سلام حقيقي وطويل الأمد. وقال زيلينسكي إن بلاده لا تلمس أي تحولات في الموقف الروسي، وإن 'الروس غير راغبين في وقف القتال'. دعم أوروبي لكييف من جانبهم، أكد قادة بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا وفنلندا ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن 'الطريق إلى السلام' في أوكرانيا لا يمكن أن يتقرر بدون كييف، وأن المفاوضات لا يمكن أن تتم إلا في سياق وقف إطلاق النار أو الحد من الأعمال القتالية. وفي وقت سابق أمس، نقل موقع أكسيوس عن مسؤول أميركي قوله إن اجتماعات بالعاصمة البريطانية شارك فيها مسؤولون أميركيون وأوكرانيون أحرزت تقدما كبيرا نحو إنهاء الحرب في أوكرانيا. ونقل الموقع الأميركي عن مصادر قولها إن الاجتماع يهدف لمحاولة التوصل إلى مواقف مشتركة قبيل اجتماع ترامب وبوتين. وفي السياق، نقلت شبكة 'سي إن إن' الأميركية عن مسؤولين غربيين قولهم إن مسؤولين أميركيين أطلعوا زعماء أوروبيين ومسؤولين أوكرانيين على خطة عرضها بوتين لوقف الحرب في أوكرانيا مقابل تنازلات إقليمية كبيرة من كييف. وتتطلب الخطة -التي قدمها بوتين إلى المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف-من أوكرانيا التنازل عن إقليم دونباس الذي تسيطر روسيا على معظمه وكذلك عن شبه جزيرة القرم. كما تنص الخطة على تجميد خطوط المعركة الحالية، لكن التفاصيل الأخرى للاقتراح لا تزال غير واضحة. وبحسب 'سي إن إن'، فقد أثارت الخطة حفيظة مسؤولين أوروبيين أعربوا عن قلقهم من أن تكون هذه محاولة من بوتين لتجنب العقوبات التي هدد ترامب بفرضها. وقالت صحيفة وول ستريت جورنال إن مسؤولين أوروبيين قدّموا اقتراحا مضادا يتضمن مطالب بأن يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار قبل اتخاذ أي خطوات أخرى. وتطالب موسكو بأن تتخلى كييف رسميا عن 4 مناطق يحتلها الجيش الروسي جزئيا هي دونيتسك ولوغانسك وزاباروجيا وخيرسون، فضلا عن شبه جزيرة القرم الأوكرانية التي أعلن الكرملين ضمها بقرار أحادي سنة 2014. كما تشترط موسكو أن تتوقف أوكرانيا عن تلقّي أسلحة غربية، وأن تتخلى عن طموحاتها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو). وتعتبر كييف هذه الشروط غير مقبولة، وتطالب بسحب القوات الروسية وبضمانات أمنية غربية، من بينها مواصلة تسلّم أسلحة ونشر كتيبة أوروبية على أراضيها.