
من الشرق والغربالإعلام الاستراتيجي وإعادة تشكيل النفوذ الدولي
في القرن الحادي والعشرين، لم يعد النفوذ يُقاس فقط بالأساطيل العسكرية أو بأرقام التبادل التجاري. ثمة قوى جديدة صاعدة، أقل ضجيجًا وأكثر تأثيرًا، تقودها الشاشات والمنصات الرقمية والكلمات المصاغة بعناية. لقد دخل الإعلام، بكل أدواته وتقنياته، مرحلة جديدة، لم يعد وسيلة لنقل المعلومة فقط، بل أصبح أداة لإعادة تشكيل المشهد الدولي وصياغة خرائط النفوذ.
في هذا الإطار، لا ينبغي النظر إلى الإعلام كبديل عن السياسة أو كمنافس للدبلوماسية، بل كمكمّل استراتيجي، يمنح صانع القرار صوتًا يتجاوز جدران المفاوضات، ونافذة يُطل منها على الرأي العام العالمي، فكما تحتاج السياسة إلى المؤسسات، تحتاج أيضًا إلى القصص والروايات، والإعلام والمنصات الرقمية هي من تكتبها وتنشرها.
شهد العالم في السنوات الأخيرة تحولات بارزة في طبيعة التحالفات الدولية. فبدلًا من أن تُبنى فقط على المصالح العسكرية أو التجارية، بدأت أشكال جديدة من الشراكات تنشأ من رحم التواصل الإعلامي. لقد لعبت الحملات الإعلامية الكبرى دورًا في التقريب بين الشعوب، عبر المحتوى الثقافي، والحملات الإنسانية، والرسائل العابرة للغات أظهرت مساحات جديدة من التفاهم المشترك بين الشعوب.
الإعلام اليوم ليس بديلاً عن السياسة، بل امتداد ذكي لها يعزز من حضورها ويعمّق من أثرها. وفي ظل التحولات المتسارعة في مشهد التأثير العالمي، أصبح من الضروري التعامل مع الإعلام كعنصر تكاملي. لقد تشكّل نمط جديد من التفاعل بين البنية السياسية والمنصات الإعلامية على اختلاف الشرائح المستهدفة منها، تقوم على التنسيق والتكامل، وعلى توحيد الرسائل وتعزيز انتشارها. هذا التفاعل يساهم في بناء صورة أكثر اتساقًا، ويمنح الرسائل أفقًا أوسع في الوصول والتأثير.
والرأي العام، في هذا السياق لم يعد فقط جمهورًا يتلقى، بل جمهور يؤثر في مزاج النخب في بعض الدول، ويؤثر في معادلات العلاقة بين الدول. من هنا، فإن بناء صورة دولية متماسكة لا يتم فقط عبر البيانات الرسمية، بل عبر استثمار ذكي في الرسائل الإعلامية والمنصات الرقمية التي تحاكي القيم الإنسانية المشتركة وتُظهر القضايا المحلية ضمن إطار عالمي.
الواقع اليوم يُشير بوضوح إلى أن النفوذ لم يعُد يرتكز على الأدوات التقليدية وحدها، بل أصبح يتشكل من خلال المحتوى الموجَّه، ويُعزَّز بالسرد الاستراتيجي القادر على التأثير وتوجيه الانطباعات. فالقوة في هذا العصر لا تُقاس فقط بما يُقال عبر القنوات الرسمية، بل بكيفية رواية القصة، وصياغتها بما يعكس الرؤية ويخاطب الجمهور بذكاء ووعي. وهذه الرواية لا تكتسب أثرها الحقيقي إلا عندما تُدار بمحتوى احترافي، استباقي، شفاف، ومتناغم مع الخطاب السياسي والدبلوماسي، ضمن منظومة متكاملة تعزز حضور الرسالة وتدعمها.
الاستثمار في الإعلام لم يعُد رفاهية دعائية، بل ضرورة استراتيجية تتكامل مع الجهود الدولية المتنوعة وتمنحه أبعادًا أوسع. فالتواصل الخارجي لم يعد كافيًا أن يمر عبر التصريحات الرسمية وحدها، بل أصبح من المهم أن يمتد إلى كل محتوى يُنتج، وكل حكاية تُروى، وكل مشهد يُعرض. فبهذه اللغة المتعددة الوسائط، تكتسب الرسائل السياسية عمقًا إنسانيًا وتأثيرًا جماهيريًا يتجاوز حدود البيانات. هذه هي دبلوماسية القرن الجديد؛ دبلوماسية تُمارَس بالبيان كما تُمارس بالصورة، وتُبنى بالتحالف كما تُبنى بالتأثير العاطفي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ يوم واحد
- عكاظ
العيد في حائل.. لوحة اجتماعية يرسمها الناس
في صورة تختصر معنى القيادة القريبة من الناس، استقبل أمير منطقة حائل الأمير عبدالعزيز بن سعد بن عبدالعزيز، ونائب أمير المنطقة الأمير فيصل بن فهد بن مقرن بن عبدالعزيز، جموع المهنئين من المسؤولين والأهالي بمناسبة عيد الأضحى المبارك، وذلك في ديوان قصر أجا الملكي بمدينة حائل. المشهد لا يُقرأ من عدد المقاعد أو تفاصيل الضيافة، بل من ملامح اللقاء ذاته؛ لقاء بين القيادة والمجتمع، بين من يحمل الأمانة ومن يعيش تحت ظلها، فالديوان في حائل لا يُغلق، واليد لا تُمدّ رسميًا فقط، بل تُصافح من القلب وتستمع للناس وجهًا لوجه. وسط أجواء العيد، امتلأت القاعة بأبناء المنطقة من مختلف القطاعات، في لوحة وطنية يتقدّمها سمو الأمير بابتسامته الحاضرة دائمًا، وحديثه الذي لا يفصل بين المواطن والمسؤول، فيما يُجسّد سمو نائبه روح الجيل الشاب، القريب من أبناء مجتمعه، الحاضر في تفاصيلهم. التهاني عبّر فيها الحضور عن امتنانهم لقيادة تقف إلى جانبهم في أفراحهم وأزماتهم، تستمع وتُقدّر وتتابع، وتمنح للعيد طعمًا إضافيًا حين يجتمع الناس على طاولة واحدة، في بيتٍ مفتوحٍ للمنطقة كلّها. أخبار ذات صلة بهذا اللقاء، لا يكتمل العيد في حائل بالتهنئة فقط، بل بمشهد إنساني يعكس روح القيادة، ويؤكّد أن أمير المنطقة لا يغيب عن وجدان حائل؛ حاضر في الأعياد، مُرافق في المصاب، ومُطوّق بمحبة الناس التي لا تصنعها المناسبات، بل تُبنى على الثقة والوفاء.


الشرق الأوسط
منذ يوم واحد
- الشرق الأوسط
ماتيلدا فرج الله لـ«الشرق الأوسط»: علينا الاعتذار من أولادنا في حال أخطأنا تجاههم
تملك اللبنانية ماتيلدا فرج الله خبرة لا يُستهان بها في العمل الإعلامي، إذ راكمت على امتداد مسيرتها المهنية تجارب متنوّعة، بفضل مجموعة برامج تلفزيونية قدَّمتها على محطات محلّية وعربية، من بينها «عالمكشوف»، و«بتجرّد»، و«جريء جداً»، و«التاريخ يشهد»، وغيرها. تعترف فرج الله بأنّ العمل الإعلامي خذلها، ما أسهم في تكسُّر أحلامها، إذ تشعر بخيبة مما آل إليه هذا القطاع اليوم. كما عانت التنقُّل المستمر بين مؤسّسات إعلامية من دون أن تستقر في صرح واحد، الأمر الذي أجبرها على مضاعفة جهودها للبحث عن بيئة مهنية سليمة. ابتعادها عن الشاشة الصغيرة في السنوات الأخيرة دفعها إلى البحث عن فكرة جديدة تطلّ من خلالها. فلطالما اشتهرت بتقديم محتوى مختلف يليق بمسيرتها، ولم تشأ أن تكرّر نفسها أو أن تنخرط في موجة ما يُروَّج له اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي. وهكذا وُلدت فكرة برنامج رقمي بعنوان «اعترافات»، تشارك فيه ابنتها ليا حوارات صريحة بين الأم وابنتها، واستطاع أن يخطف انتباه المُشاهد العربي عبر عرض تبنّته شركة «ووركيننغ تايتل» الإماراتية. تقول فرج الله لـ«الشرق الأوسط»: «طرقت أبواباً عدّة بحثاً عن جهة تتبنّى البرنامج، لكن لم يملك أحد الجرأة لاتخاذ هذا القرار. فالبرنامج يُعدّ الأول من نوعه في لبنان والعالم العربي، ويتناول علاقة الأم بابنتها من خلال نقاش صريح يتبادل فيه الطرفان المشاعر بكل شفافية». تُطالب الأهل بالاعتذار من أولادهم عن أخطاء ارتكبوها تجاههم (صور الإعلامية) اليوم، يحقّق «اعترافات» نسب مشاهدة مرتفعة، وولّدت الموضوعات التي يطرحها نقاشات بين الأهل وأولادهم. وتلقّت فرج الله سيلاً من التعليقات المتنوّعة، بين مشيد بفكرتها وناقد لها بحدّة، ما جعل من الصعب عليها إرضاء جميع متابعيها بمادّة إعلامية جديدة وجريئة. وبفضل مديرة الشركة المنتجة، سالي والي، استطاعت إيصال فكرتها إلى النور. وتضيف: «غالبية الإعلاميات يظهرن على الشاشة لتلميع صورتهن، أما أنا ففعلت العكس، وضعت أخطائي على الطاولة وناقشتها مع ابنتي ليا من زوايا متعدّدة. تجرّأت على مواجهة الجرح. وهو أمر نادر في هذا الوسط، إذ كسرت القاعدة وسلكت طريقاً شاقاً لكنه يوصل رسائل مباشرة إلى الأهل حول أهمية الحوار مع أولادهم». وضعت ماتيلدا هذا الصراع الصامت الذي عاشته مع ابنتها تحت المجهر، وشرَّحت خفاياه، مُحللةً أثره فيهما، فكان بمثابة علاج نفسي كتبته لنفسها لتتحرّر منه. تقول إنها عاشت طويلاً تحت صورة «الأم الضحية»، متأثرةً بأداء والدتها التي أمضت حياتها في انتظار أولادها وزوجها، دون أن تمتلك حياة خاصة بها. هذا الشعور بالتقصير تجاه والدتها دفع ماتيلدا إلى تبنّي نموذج مغاير، لتُظهر لأولادها صورة الأم القوية والصلبة: «نحن في النهاية انعكاس لتصرّفات أهلنا وصورتهم التي رسموها لنا». يتألَّف «اعترافات» من 14 حلقة، وتقول فرج الله إنّ الحلقة الثامنة، وعنوانها «من شو منخاف»، ستجعل المجتمع بأكمله يشعر بأنها تتحدَّث بلسانه. يتألف برنامج «اعترافات» الرقمي من 14 حلقة (صور الإعلامية) في الحلقات الأربع التي بُثّت حتى الآن، نشهد لحظات مصارحة وعتاب، إذ تعترف الأم بأنها تشتاق إلى ابنتها التي بالكاد تجد وقتاً للإجابة على مكالمة منها؛ في حين تصارحها ليا بأنها في عمر الثامنة عانت أنانية والدتها، إذ كانت منشغلة بمهنتها الإعلامية وغافلة عن تفاصيل صغيرة كانت بحاجة إلى مَن يلتفت لها. كتمت مشاعرها ولم تستطع البوح بها حينها. وتُعلّق فرج الله: «ليا وأنا لا نُحضّر لمحتوى الحلقات. ندخل الاستوديو متفقتين فقط على العنوان، ونترك الحديث يأخذنا حيث يشاء. دموعي، عفويتي، وأحاسيسي كلها تخرج تلقائياً، مثل ردّ فعل على النقاش. فالتجربة الإنسانية الحقيقية لا بد أن تولد من رحم الواقع والحقيقة». وتعترف بأنها فوجئت مرّات بكلام وجّهته ليا إليها خلال التصوير، إذ إنّ البرنامج بأكمله بعيد عن أي افتعال أو فبركة. تُطالب الأهل بالاعتذار من أولادهم عن أخطاء ارتكبوها تجاههم (صور الإعلامية) وعما إذا كانت تندم اليوم على تقصير تجاه ابنتها، تُجيب: «طبعاً، هناك تفاصيل كثيرة فاتتني. ولو عاد بي الزمن، لتنبّهت لها وتعاملت معها بوعي أكبر، ولكن من دون أن أتخلّى عن أحلامي. فأحلامي هي التي أوصلتني إلى هنا، وقدَّمتُ من خلالها لأولادي صورة الأم القوية». وتعترف ليا، في إحدى الحلقات، بأنها حين كبرت، تفهَّمت مشاغل والدتها، وهي تقدّر قوتها التي انتقلت إليها بشكل غير مباشر. وتضيف: «أعتقد أنه إذا تزوجت، سأسير على طريقتها، لكنني سأتنبّه لتفاصيل صغيرة مع أولادي كانت قد أهملتها». يتأثر المُتابع لحلقات «اعترافات» لاشعورياً بهذه المواجهات بين الأم وابنتها. يتعاطف مع الأم التي لم تتخلَّ عن أحلامها، وفي الوقت عينه يُقدّر شخصيات أولادها التي بنتها على مبادئ إنسانية. كما يُدهَش من جرأة الابنة التي تتحدَّث بلسان بنات جيلها، وتُكثّف جرعات العتاب لتوصيل حقيقة مشاعرها. هكذا تفتح الباب أمام جيل الشباب لمصارحة أهله وتقليص المسافات معهم قبل فوات الأوان. وتقول فرج الله إنها لاحظت في الفترة الأخيرة تراجعاً في علاقتها مع ابنتها، إذ أصبحت تميل أكثر إلى السطحية. وتتابع: «لم أكن أُفصح لها عن ذلك، لكني شعرت ببُعدٍ بينها وبيني، فهي كبرت ولم تعد تحتاج إليّ. افتقدت تفاصيل صغيرة تحوّلت مع الوقت إلى شوق وحنين». «أولادكم ليسوا لكم»، كما قال جبران خليل جبران. وماتيلدا تدرك هذه الحقيقة، لكنها أرادت أيضاً أن تُتيح لابنتها مساحة للتعبير. «إنها رسالة أُوجّهها إلى المجتمع العربي بأكمله. علينا أن نعتذر من أولادنا إن أخطأنا بحقهم. فهذا ليس ضعفاً، وإنما قوة تكسر الحواجز بيننا وبينهم. فالمصارحة ضرورية لبناء مجتمع سليم. أولادنا يختلفون تماماً عنّا. يتصرَّفون كأنهم أكثر ذكاء ومعرفة. علينا أن نستوعبهم ونواجههم في الوقت عينه. ولا يجب أن نتخلّى عن أنفسنا بوصفنا أمهات لننجح في تربيتهم».


الشرق الأوسط
منذ يوم واحد
- الشرق الأوسط
مؤتمر نيويورك ومغزاه الاستراتيجي
في يوم ما لا بد أن تتوقف الحرب على غزة، ومهما كانت نتائجها، فإن مجرد توقفها سينقل الفلسطينيين، وقضيتهم، من مكانٍ كانوا فيه الطرف الأضعف عسكرياً، إلى مكانٍ تكون فيه إسرائيل الطرف الأضعف سياسياً. وهذا التطور الذي بدأت مقدماته بالظهور خصوصاً على صعيد الدول الغربية، وغيرها من دول العالم، هو أحد الأسباب الجوهرية للقلق الذي تشعر به إسرائيل، جرّاء وقوعها في عزلةٍ غير مسبوقةٍ في تاريخها، حين كان الغرب كله حاضنةً دافئةً ومضمونةً لها؛ ظالمةً أم مظلومة. قلق إسرائيل من المغزى الذي ينطوي عليه مؤتمر نيويورك الوشيك، أوصل قيادتها السياسية إلى حالة من الانفعال وفقدان التوازن في اتخاذ القرارات، منها مثلاً قرار منع الوفد الوزاري العربي من زيارة رام الله، مع أن الوفد لا يمثل فقط الدول المشاركة فيه، بل يمثل العرب والمسلمين جميعاً، وقرارٌ كهذا تضاعفت آثاره السلبية؛ إذ إنه جاء في وقتٍ يجري فيه الحديث عن التطبيع، بما يغلق الباب أمام أي تقدمٍ في هذا الملف. أمّا إذا نُظر للأمر من زاوية التصريحات الصادرة عن أقطاب المستوى السياسي من رئيس الوزراء إلى وزيري الخارجية والدفاع، فلا مغالاة لو وصفت بالجنونية، ليس فقط ضد الفلسطينيين والعرب، بل وصل الأمر إلى فرنسا والرئيس إيمانويل ماكرون بالذات، وبريطانيا كذلك، إذ بلغت التصريحات مستوى الإنذار والتهديد. مؤتمر نيويورك الوشيك، ومن خلال كثافة ونوعية المشاركين فيه، يجسّد خطواتٍ عمليةً ونوعية نحو نقل حل الدولتين المجمع عليه عالمياً؛ من دائرة الشعارات والمطالب إلى دائرة العمل نحو تجسيده. وما يقلق إسرائيل أكثر هو الاعترافات بالدولة الفلسطينية، سواءٌ ما تم منها وما يتم الوعد به، وهذا سيضع الدولة العبرية أمام واقعٍ لا تملك القدرة على محاصرته والحد من تطوراته، ورغم ظهور تحفظات أميركية على الاعتراف المسبق بالدولة الفلسطينية، وفق مقولة رفض الاعتراف أحادي الجانب، فإن الشكوك الإسرائيلية حول ثبات الموقف الأميركي تزداد كل يوم، خصوصاً بعد توالي مؤشراتٍ مستجدة على تراجع المكانة الإسرائيلية في الحسابات الأميركية؛ مثل استثناء إسرائيل من الزيارة الأخيرة للسعودية وقطر والإمارات، وإبرام اتفاق مع الحوثي من دون أي تشاورٍ أو تفاهمٍ مع إسرائيل، إضافةً إلى التهميش القديم المتجدد لها في الملف الإيراني. كل ذلك يُنظر إليه في إسرائيل بقلقٍ ورعب مبررٍ وفق معادلةٍ منطقية تقول إن ما حدث من مؤشراتٍ لا يوجد ما يمنع من أن يحدث مثلها بشأن القضية الفلسطينية، وبتأثيرٍ من الموقف العالمي المتنامي حول قيام الدولة الفلسطينية. كانت حرب الجبهات السبع، التي هدأت في أماكن وتصاعدت في بؤرتها الأساسية غزة، أظهرت بالفعل موقفاً أميركياً منحازاً لإسرائيل في كل فصولها، خصوصاً في الفصل الأخير منها الذي بدأ مع قدوم الرئيس دونالد ترمب للبيت الأبيض، غير أن المخاوف الإسرائيلية ليست بشأن غزة والحرب عليها، ولا حتى بشأن إطلاق يدها في سوريا ولبنان، حيث الجهد العسكري لإسرائيل لم يتوقف على تلك الجبهة، بل هي مخاوف ما بعد ذلك، وهي حقيقية في اتجاهين. الأول... الوضع الداخلي في إسرائيل، المرشح للتفجر في اليوم التالي بعد حسم الحرب على غزة بتوقفها. والثاني... تفرغ العالم لحل القضية الفلسطينية من جذورها، بما لا يضمن عدم تغير الموقف الأميركي، بفعل الإجماع الدولي حول حتمية إقامة الدولة الفلسطينية. دائماً يجدر تذكّر تصريح وزير الدفاع الأميركي السابق لويد أوستن، الذي أدلى به في الأيام الأولى للاجتياح الإسرائيلي البري لغزة، حيث قال مخاطباً صنّاع القرار في إسرائيل: «إنكم ستكسبون تكتيكياً من الاجتياح، إلا أنكم ستخسرون استراتيجياً». انتقال الفلسطينيين وقضيتهم من المكان الذي تتفوق فيه إسرائيل عليهم وهو الحرب العسكرية، إلى المكان الذي يتفوق فيه العالم على إسرائيل في المجال السياسي، يبدو هو ما عناه أوستن، وهو ما ينطوي عليه فعلاً مؤتمر نيويورك وتفاعلاته. إن المغزى الاستراتيجي للمؤتمر لا بد أن يواجه بعملٍ إسرائيليٍ مضاد، وهنا ينبغي أن يتجه الجهد إلى الرئيس ترمب الذي يجسد مؤتمر نيويورك بالنسبة إليه فرصةً لتحقيق وعده بإنهاء الحروب في المنطقة، وهذا لن يتم بصورة ميكانيكية بديهية، بل بجهدٍ مباشرٍ ومواظب مع الرئيس ترمب لترجيح رؤيته لمؤتمر نيويورك على أنه فرصة تستحق أن تُستثمر.