
وزير الخارجية البريطانيّ: الخطط الإسرائيلية لبناء مستوطنة من شأنها تقسيم الضفة الغربية
وقال في بيان أرسله عبر البريد الإلكترونيّ: "تعارض بريطانيا بشدة خطط الحكومة الإسرائيلية الاستيطانية في المنطقة إي1، والتي من شأنها تقسيم الدولة الفلسطينية المستقبلية إلى شطرين وتمثل انتهاكا صارخا للقانون الدوليّ. يجب إيقاف هذه الخطط الآن".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار
منذ 2 ساعات
- النهار
الطريق إلى 'هاي هولبورن'
مَن مِن العرب الزائرين للعاصمة البريطانية لم يسمع بشارع 'هاي هولبورن'، القريب من 'أكسفورد ستريت'، شارع التسوّق الشهير، و'كوفنت غاردن'، و'ميدان بيكاديلي'، و'بوش هاوس' مقرّ هيئة الإذاعة البريطانية 'بي بي سي' السابق، و'فليت ستريت' شارع الصحافة والنشر منذ عام 1702، تاريخ صدور Daily Courant أول صحيفة يومية في لندن ، قبل أن يبدأ انهيار الشارع في عام 1986، عندما نقل روبرت مردوخ صحفاً مثل (The Times The Sun) إلى منطقة 'وابينغ' الواقعة شرقي لندن. بالنسبة لي، يعني شارع 'هاي هولبورن' الكثير. تصوّروا طالباً جامعياً يتخرج من كلية الحقوق بالرباط، ويجد نفسه صحافياً متدرّباً في 'دار الصحافة العربية'، حيث مكاتب تحرير 'الشرق الأوسط'،وصنواها مجلتا 'المجلة' و'سيدتي'، وغيرهما من المنابر الإعلامية التي كانت تصدرها آنذاك الشركة السعودية للأبحاث والتسويق. قبل أيام، مررت بجانب المقر السابق لجريدة 'الشرق الأوسط'، فوجدت مدخله قد تحوّل إلى مقهى من سلسلة مقاهي Black Sheep، بعد أن كان بناية شاهدة على عصر إعلام عربي زاهر في الغرب. فكم من ملوك ورؤساء دول ورؤساء حكومات وسيدات أوائل ووزراء، وكم من مثقف أو مفكر أو شاعر أو فنان تشكيلي أو مطرب أو ممثل، زاروا المبنى الذي شكّل معلمةً سعودية بارزة لا تخطئها العين في قلب عاصمة الإنكليز. كانت 'الشرق الأوسط' منجماً غنياً بصحافيين وكُتّاب من مختلف مجالات معادن الكتابة النفيسة. لا يوجد صحافي أو كاتب ذو باع طويل لم يكتب في صفحات الصحيفة الخضراء أو لم يمرّ من مكاتبها، والأسماء كثيرة لا تعد ولا تُحصى. في عهد رئيس تحريرها المتميّز والألمعي عثمان العمير، أصبحت 'الشرق الأوسط' جريدة العرب الدولية بامتياز، وصار العالم العربي من المحيط إلى الخليج ممثّلاً في قاعات تحريرها بشكل غير مسبوق. أكثر من ذلك، كان هذا العبد الضعيف أول مغربي يعمل في '184 شارع هاي هولبورن'. وكنت محظوظاً أنني عملت في صحيفة حلم كثيرون بأن يكونوا أعضاء في هيئة تحريرها. بدا الأمر أشبه بضربة حظ! ففي آب/أغسطس 1987، زار عثمان العمير مدينة أصيلة لأول مرة لحضور فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي، فالتقيته برفقة صديق بجوار 'برج القمرة "البرتغالي.جرى التعارف بيننا وأصبحنا أصدقاء منذ الوهلة الأولى. وذات صباح مشمس من صباحات آب/أغسطس اللاهب، ذهبت برفقة الأستاذ محمد بن عيسى، الذي كان آنذاك وزيراً للثقافة، والصديق الجديد عثمان العمير، والأخ والصديق الكاتب التونسي حسونة المصباحي – الذي ودّع دنيا الناس هذه قبل أسابيع قليلة – إلى شاطئ في ضواحي أصيلة لأخذ حمام شمس والسباحة في مياه الأطلسي الزرقاء. ما زلت أذكر أنني انسحبت، تاركاً إياهم يتبادلون أطراف الحديث عن الثقافة والإعلام وقضايا الساعة ، وهرعت للسباحة. وحين عدت، أخبرني المصباحي أن عليّ، العام المقبل، الحصول على شهادة الإجازة الجامعية 'بقوة السيف والسلاح'. وكنت وقتها قد نجحت في السنة الثالثة من شعبة القانون العام/علوم سياسية في كلية الحقوق بالرباط.ولما سألته عن السبب، رد قائلاً: 'تقرّر أن تلتحق بلندن صحافياً متدرّباً في جريدة (الشرق الأوسط)'. ذلك أن الوزير بن عيسى تحدّث مع العمير بشأن رغبتي في أن أكون صحافياً، واقترح عليه استضافتي للتدرّب في مكاتب 'الشرق الأوسط' في لندن مدة سنة، لألتحق بعد ذلك للعمل بمكتب الصحيفة في الرباط كمراسل. فوافق العمير من دون أدنى تردد ، وتغيّر الاتجاه؛ إذ وجدت نفسي أمارس الصحافة في عوالم لندن بعد أن كان حلمي أن أمارسها في باريس. لم أتحدّث مع أيٍّ كان حول ما سمعته من المصباحي، ولم أُثر الموضوع مع الوزير بن عيسى. وغادر الأستاذ العمير أصيلة، لكنني التقيته بعد أقل من شهر في باريس، برفقة المفكر المغربي الراحل الدكتور المهدي المنجرة. بعد مرور سنة تقريباً على ذلك، وبمجرد ما أعلنت كلية الحقوق عن نتائج الامتحانات، وحصولي على شهادة الإجازة الجامعية، صرفت مبلغ 200 درهم مغربي إلى قطع نقدية، وتوجّهت إلى مخدع هاتفي لأتّصل بالأستاذ العمير، وأخبرته بأنني تخرّجت من الجامعة، وسألته: 'متى أحلّ بلندن؟'، فقال لي: 'في أي وقت تريد'. ثم تدارك قائلاً: 'يمكنك المرور على مكتب (الشرق الأوسط) في الرباط لاستلام تذكرة السفر'. عشية سفري، انتظرت الوزير بن عيسى عند مدخل باب 'القصبة' في أصيلة، بعد أن علمت أنه سيغادر إلى الرباط في ذلك المساء. التقيته وأبلغته أنني مسافر إلى لندن، فتمنّى لي التوفيق والسداد، وذهب كلٌّ منّا في حال سبيله. صباح يوم السبت 16 أيلول /سبتمبر ، أوصلني الصديق عبد الحق الحراق بسيارته إلى مطار 'طنجة ابن بطوطة'. وكان برفقتنا شقيقه صديق وزميل الدراسة الجامعية محمد الحراق، الذي أصبح فيما بعد دبلوماسياً في دول أوروبية عدة وقنصلاً عاماً في خيرونا (إسبانيا ) وأيضا في مدينة باستيا (كورسيكا)، وهناك انتقل إلى رحمة الله تاركا أسرته وأحبته الكثر في حالة وجع كبير . أما عبد الحق، فكان آنذاك يدرس هندسة الاتصالات في المعهد الوطني متعدد التقنيات بتولوز (فرنسا)، والذي سيصبح لاحقاً والياً ومديراً لأنظمة المعلومات والاتصالات بوزارة الداخلية المغربية . تزامن وصولي إلى لندن مع وصول مجموعة من الشباب السعوديين الرائعين الذين قدِموا بدورهم للتدرّب في 'الشرق الأوسط'، وأصبح غالبيتهم أصدقاء وزملاء أعزاء، من بينهم الراحل هاني نقشبندي، الذي سيصبح رئيساً لتحرير مجلات 'المجلة'،و 'سيدتي'، و 'الرجل'، وعبد الله القبيع، الذي سيصبح مدير تحرير 'الشرق الأوسط'، ومحمد فهد الحارثي، الذي سيصبح رئيساً لتحرير مجلتي 'سيدتي' و'الرجل' قبل أن يصبح رئيساً تنفيذياً لهيئة الإذاعة والتلفزيون السعودية ورئيساً لاتحاد إذاعات الدول العربية. هكذا ، بدأنا جميعاً تجربة صحافية جميلة ومفيدة تحت اشراف نخبة من مدراء التحرير والصحافيين ، لم يبقَ منها سوى الذكريات وغنى العلاقات الإنسانية الرائعة.


الميادين
منذ 2 ساعات
- الميادين
احتلال غزة: بين دوافع نتنياهو وإمكانية الصفقة الشاملة
منذ بدء العدوان على غزة، يكرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مصطلح "النصر المطلق"، محددًا ثلاثة أهداف رئيسية: تدمير القوة العسكرية والحكومية لحركة حماس، وتحرير الأسرى الإسرائيليين، وضمان ألا تعود غزة مصدر تهديد لـ"إسرائيل". وفي كل مرحلة من الحرب، كان يصف المعركة الجارية بأنها معركة الحسم، بدءًا من احتلال مدينة غزة ومستشفى الشفاء، مرورًا بخان يونس التي سماها "مدينة السنوار" وعقد الأنفاق، وصولًا إلى رفح التي اعتبرها "المعقل الأخير" لحماس. لكن بعد مرور 22 شهرًا على الحرب، وستة أشهر من تولي إيال زمير رئاسة الأركان وإطلاق عملية "عربات جدعون"، يعود نتنياهو ليعلن أن احتلال مدينة غزة والمخيمات الوسطى هو "المعركة الأخيرة" نحو النصر المطلق. هذا رغم تحذيرات المؤسسة الأمنية من ثغرات القرار، ومنها تعريض حياة الأسرى للخطر، والزج بالجنود في بيئة حرب استنزاف، وإرهاق قوات الاحتياط والنظاميين، فضلًا عن تدهور صورة "إسرائيل" دوليًا. في مؤتمره الصحافي الأخير، قدّم نتنياهو الخطة بأسلوبه الإعلامي ذي الطابع السينمائي، مؤكدًا ضرورة سرعة التنفيذ، رغم أن التقديرات العسكرية تشير إلى أن الإعداد للعملية لن يكتمل قبل منتصف تشرين الأول/أكتوبر المقبل. وهنا برزت موجة انتقادات من الإعلام الإسرائيلي، الذي طرح أسئلة مباشرة: ما الجديد هذه المرة والذي لم يحدث من قبل؟ لماذا كانت رفح قبل أشهر "المعقل الأخير" وأصبحت اليوم غزة هي "المعقل الأخير"؟ وهل حُسمت كتائب حماس فعلًا؟ وما مصير "اليوم التالي" الذي لا يريد أحد الحديث عنه؟ هذه التساؤلات تكشف عن فجوة متسعة بين السردية السياسية الرسمية والواقع الميداني. منذ بداية الحرب، مزجت حكومة نتنياهو بين اعتبارات الميدان وحسابات البقاء السياسي. إحدى أدواته المركزية كانت إطالة أمد الحرب عبر أهداف فضفاضة أو متناقضة، مثل الجمع بين الضغط العسكري على حماس وبين تحرير الأسرى، وهو ما يجعل الهدفين متنافرين عمليًا. لذلك، كان "النصر المطلق" الحقيقي بالنسبة له يعني بلوغ لحظة توقف يمكن تسويقها داخليًا كمحو لفشل 7 أكتوبر، وإعادة إنتاج صورته كقائد تاريخي. هذا المسار يخدم هدفين متداخلين: ترميم إرثه الشخصي وتأمين موقع قوي في الانتخابات المقبلة. لكن الزمن الذي حاول استثماره انقلب عبئًا عليه، فالمسافة إلى الانتخابات قصيرة، والحكومة فقدت تماسكها بعد انسحاب الحريديم، بينما يفرض قادة "الصهيونية الدينية" مثل سموتريتش وبن غفير أجندتهم ويبدون كقادة فعليين للحرب. ومع ملفات ضاغطة مثل قانون التجنيد وإقرار الموازنة قبل آذار/مارس 2026 لتجنب سقوط الحكومة، تتضاعف الضغوط على نتنياهو. الخطة العسكرية المطروحة تتضمن احتلال مدينة غزة والمخيمات الوسطى، وتهجير نحو مليون فلسطيني إلى منطقة المواصي جنوب القطاع، من دون أي تصور واضح لمرحلة "اليوم التالي". 14 اب 10:51 14 اب 08:46 هذا الغياب في التخطيط ليس عرضيًا، بل مقصودًا لتجنب مواجهة خيارات صعبة: إما إغضاب الحليف الأميركي والدولي بفرض حكم إسرائيلي مباشر، أو استفزاز الشركاء المتطرفين برفض التهجير. لذلك، يترك نتنياهو "اليوم التالي" في الظل، بينما يحاول صياغة نهاية حرب تخدم مصالحه سواء بالقوة العسكرية أم عبر التفاوض. على الطرف الفلسطيني، تواجه حركة حماس مسؤولية مضاعفة؛ فهي الممثل الأبرز للمقاومة، عسكريًا وتفاوضيًا. التحدي أمامها هو الموازنة بين حماية الشعب الفلسطيني من الموت والتهجير والعمل على تقليل الخسائر، وبين الحفاظ على جوهر النضال الوطني. وفي ظل جهود دولية وإقليمية متزايدة لمنع اجتياح غزة، وتصاعد احتجاجات عائلات الأسرى الإسرائيليين ضد خطة نتنياهو، تبرز إمكانية الوصول إلى صفقة شاملة، من خلال صياغة نقاط تقاطع بين ما يطلبه نتنياهو لوقف الحرب والمصلحة الفلسطينية العليا، من دون المساس بثوابت القضية. إدارة حماس لقطاع غزة منذ 2006 لم تكن هدفها الأساسي كحركة مقاومة، بل أكثر من ذلك، تحوّلت مع الحصار إلى عبء سياسي وإداري، وهو ما تضاعف بعد حرب مدمرة تتطلب إعادة إعمار بتكلفة تفوق 100 مليار دولار. هنا، قد يكون من المجدي بحث صيغة لإدارة القطاع عبر لجنة إدارية تحت مظلة عربية، تخفف العبء عن الحركة وتسحب الذرائع من نتنياهو. لم يكن السلاح في أي مرحلة جوهر المشروع الوطني، بل ظل أداة تتطور وفق متطلبات الظرف السياسي والميداني. أما الجوهر الحقيقي للمقاومة فكان وسيبقى الرغبة بالتخلص من الاحتلال، التي تدفع الجماهير إلى مواجهته ما دام قائمًا على الأرض الفلسطينية. وهذا لا يعني القبول بشروط نزع السلاح، بل تحرير النقاش الوطني من القيود التي تحول دون التفكير في حلول خلاقة لإدارة هذا السلاح. فقد أظهرت تجربة مسيرات العودة عام 2018، التي أطلقها الشهيد يحيى السنوار كأداة مقاومة سلمية، أن تنويع الوسائل النضالية يمكن أن يحقق أهدافًا سياسية وشعبية من دون خسائر ميدانية جسيمة، وكذلك تجربة انتفاضة الحجارة عام 1987، التي فضحت السردية الإسرائيلية أمام العالم. في هذه اللحظ التاريخية، إدراك المخاطر الاستراتيجية لخطة الاحتلال الإسرائيلية، يفرض على الفلسطينيين، قيادة وقوى ومجتمعًا، وفي مقدمتها حركة حماس، الإدراك أن الذكاء السياسي ليس في رفع سقف الشعارات فحسب، بل في صياغة خطوات تبدو في عين العدو وكأنها تنازلات، بينما هي في جوهرها تثبيت لأسس الصمود وديمومة النضال، تماشياً مع الحكمة المنسوبة إلى نابليون بونابرت التي تقول: "حين تتفاوض، اجعل الطرف الآخر يظن أنه حصل على ما يريد، حتى ولو أخذت كل ما تحتاجه أنت"، فالتاريخ علّمنا أن الصراع ليس جولة واحدة، وأن الحفاظ على القدرة على الاستمرار، سياسيًا وميدانيًا وشعبياً، قد يكون أعظم أشكال الانتصار. فالمسألة ليست أن ننهي هذه الحرب بشروط العدو، بل أن نغلقها بشروطنا، حتى ولو ارتدى ذلك في نظره ثوب "التسوية"، فيما هو في حقيقتنا ركيزة لاستمرار نضال أطول وأعمق.


الميادين
منذ 2 ساعات
- الميادين
بريطانيا ومشروع الدولة الفلسطينية وحقيقة المصالح الإسرائيلية
سبق للشهيد المفكر فتحي الشقاقي أن جزم باستحالة قيام دولتين بين النهر والبحر، وذلك قبل اتفاقية أوسلو بعقد من الزمن أو أقل. ولم يكن هذا الجزم متصلاً بموقفه السياسي كمعارض لمبدأ التسوية مع الكيان الإسرائيلي، ولا متصلاً بعقيدة دينية أو رؤية تاريخية، إنما من واقع القراءة الجيوستراتيجية المتصلة بعلاقة الموقع الجغرافي بالأبعاد السياسية والعسكرية والاقتصادية. يعيدنا طرح مشروع الدولة الفلسطينية في آتون "طوفان الأقصى"، إلى سؤال الواقع الجغرافي ما بين النهر والبحر، وحقيقة المصالح المكتسبة من وجود دولة فلسطينية بجوار الكيان الإسرائيلي، وإن ظهرت هذه الاعترافات التي صدرت أو المتوقع صدورها كضخ دماء جديدة في شرايين مبدأ التسوية حتى في ظل حرب الإبادة على غزة ومشاريع ضم الضفة. تتربع مساحة الضفة الغربية، وهي الجسم الأساس لمشروع الدولة، بمساحتها المحدودة دون 6 آلاف كم مربع، على مقطع أخدودي من غور الأردن، وهو الغور الذي يصاحب امتدادات نهر الأردن والبحر الميت بمحاذاة الضفة، ضمن مسافة عرض بين نهر الأردن والبحر المتوسط ضمن 80 كم، لتبقى الضفة بعيدة عن ساحل البحر المتوسط بمسافة 15 كم من جهة مدينة طولكرم، تشير هذه المحددات الإستراتيجية إلى نزاع جوهري ثابت بين الكيان الإسرائيلي وأي دولة أخرى مرشحة للتأسيس، وفي ظل الاشتراط الأوروبي وموافقة السلطة الفلسطينية على اعتبارها دولة منزوعة السلاح، إلا ذلك السلاح الذي يكبح جماح الداخل لضمان أمن الجار الإسرائيلي، فإن واقع الحال لا يعطي ناتج دولتين. ظل زعماء الكيان الإسرائيلي على اختلاف توجهاتهم يصرون في كل حوار سياسي على حتمية السيطرة الإسرائيلية على غور الأردن، وهو ما ظهر بالأساس منذ بيرس ورابين، وهما من وقّع اتفاقية أوسلو مع منظمة التحرير، وما تبعها من اتفاقية السلام مع الأردن، والتي نصت على سيطرة إسرائيلية على أرض أردنية في منطقة وادي عربة، ما يشير إلى طوق إسرائيلي كامل حول الضفة الغربية، مع الانفصال الجغرافي البعيد للضفة عن قطاع غزة في عمق صحراوي ممتد طولاً. وللتذكير، فإن بريطانيا كراعية للاستعمار الغربي في العالم، هي من تولى نزع فلسطين من سيطرة الدولة العثمانية سنة 1916، وتهيئتها على مراحل متدرجة لهجرة مئات الآلاف من يهود العالم وتوطينهم داخل فلسطين، ثم تسليح هؤلاء اليهود وتنظيمهم في عصابات الهاجاناه والأرغون لفرض قيام ما يسمّى بـ"دولة إسرائيل" عام 1948، بعد القرار البريطاني بالانسحاب من فلسطين عقب اكتمال هذه التهيئة. وسبق لبريطانيا بعد تحوّلها إلى المذهب البروتستانتي الذي يؤمن بعودة اليهود إلى أرض الميعاد فلسطين، أن بدأت مشوار هجرة اليهود وتوطينهم وحمايتهم داخل فلسطين، منذ أن أقامت لها في ظل الدولة العثمانية أول قنصلية غربية في القدس سنة 1838، ولم تكن ثمة جالية إنكليزية في فلسطين، إنما شرائح يهودية عثمانية منسجمة مع الواقع، حتى بدأت بريطانيا تستقدم اليهود من شتى دول العالم وأخذت تملكهم الأراضي باعتبارهم رعايا بريطانيا، حتى لو كانوا من التابعية الروسية، وقد تولى القنصل البريطاني جيمس فن تنفيذ هذه الخطط من سنة 1856 حتى سنة 1873، ما يسبق ولادة الحركة الصهيونية سنة 1897 بعقود عدة، ضمن مشروع بريطاني استعماري لخلق امتداد بشري سياسي ديني لها في الطريق بين أوروبا وأكبر مستعمراتها في الهند. 14 اب 10:51 14 اب 09:42 اليوم، وبعد مئتي سنة على بدء بريطانيا مشروعها الاستعماري الخاص في فلسطين عبر يهود العالم، وبعد ثلاثين سنة على الاتفاق الإسرائيلي-الفلسطيني على مبدأ حل الدولتين، ومع أكثرية إسرائيلية كاسحة ضد مبدأ حل الدولتين، تأتي بريطانيا وفرنسا مع عدد من الدول الأوروبية بمشروع الاعتراف بدولة فلسطينية، هل هو نوع من التكفير التاريخي عن جرائم "سايكس -بيكو" عندما تقاسم البريطاني والفرنسي بلادنا، باعتبارها كعكة عيد ميلاد الرأسمالية الغربية الاستعمارية على أطلال جماجم المسحوقين الشرقيين؟ أم هي ألاعيب النخب السياسية في أوروبا ضمن الحديقة الخلفية للسياسة الأميركية في خدمة "إسرائيل" باعتبارها رأس حربة المشروع الغربي المتجدد ضد أمتنا؟ يأتي الموقف البريطاني والأوروبي والأسترالي في التوجه للاعتراف بدولة فلسطينية ضمن الأهداف الآتية: أولاً: الضغط السياسي النسبي على "إسرائيل" لضبط إيقاع حروبها ضمن مساحة متقاربة مع رؤية الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، ما يضمن مصالحهما في الشرق الأوسط، وهي المصالح المهددة من مشاريع ترامب المربكة للسياسات العالمية، ولا سيما الأوروبية منها. ثانياً: تخفيف حالة التوتر المتعاظمة وسط شعوب أوروبا ضد النخب الحاكمة في ظل دعمها للجرائم الإسرائيلية، ولعلّ متابعة مستوى التعاطف الشعبي مع غزة في بريطانيا، تؤرق النخبة السياسية فيها سواء في الحزبين الرئيسين العمال والمحافظين، أو مجمل الشرائح الفكرية والبرلمان والمؤسسات والجامعات والشركات، ما يهدد مكانة بريطانيا وتصدرها للحضارة الغربية، والذي دفع وزير خارجيتها إلى اعتبار الهجمات الإسرائيلية نقيضاً للقانون والقيم الحضارية الغربية. ثالثاً: يعكس مشروع الدولة الفلسطينية في جانب جوهري منه خدمة عميقة لـ"إسرائيل"، ما يتجاوز مراهقات فريق نتنياهو ورؤيته القاصرة لتعاظم المشروع الإسرائيلي، فبريطانيا ما زالت تعدّ نفسها وصية على الطموح الصهيوني الذي أنجبته من رحم مشروعها الاستعماري وميولها الدينية البروتستانتية، وهي في طبيعة خبث سياساتها ضليعة في احتواء ردود الأفعال، مع عظيم إدراكها لما تحمله الوحشية الإسرائيلية من أصداء تتفاعل بالتدريج عبر العالم كله، خاصة في الجامعات الغربية. رابعاً: دعمت بريطانيا ومعها معظم الغرب "إسرائيل" بعد السابع من أكتوبر، وذهبوا في معظمهم إلى "تل أبيب" كصهاينة حتى لو لم يكونوا يهوداً، وحرصوا على احتواء ردود الأفعال العالمية ضد الحرب على غزة، ولكن عند توقيت معين بدأت أوروبا وخاصة بريطانيا تعي أن النار بدأت تأكل أطرافها، وظهر بعض ذلك في الانتخابات في معظم أوروبا والتي كشفت في جانب منها عن توجهات شعبية آخذة بالتزايد ضد التحالفات الغربية وسياسات الغرب ضد فلسطين لصالح "إسرائيل"، وبدأ بعضها ينادي بفلسطين من البحر إلى النهر، والذي دفع بريطانيا إلى حظر نشاط منظمة "فلسطين أكشن" ما يؤشر إلى احتمالات كبيرة أن تدفع أوروبا فاتورة هذه الجرائم ليس فقط على الصعيدين الاقتصادي والإعلامي إنما أيضاً استجلاب ردود فعل فدائية. خامساً: يمثل مشروع الدولة الفلسطينية في هذا التوقيت، حيث غزة تبحث عن لقمة عيش أطفالها وسط مذابح يومية، وحيث الضفة تحت هجمات المستوطنين اليومية بحماية اجتياح عسكري إسرائيلي واسع منذ شهور عدة، وتدمير مخيماتها والتنكيل بآلاف الأسرى، في ظل صمت أوروبي فعلي، وعندما يتكلم الأوروبي فإنه يضغط مالياً على السلطة لتغيير مناهجها الدراسية لصالح السردية الإسرائيلية، ويضغط على أجهزة أمن السلطة للتكيف على إسناد العمليات الإسرائيلية الميدانية خاصة في جنين، ما أعطى بريطانيا مكانة تصدر إعادة تشكيل مؤسسات السلطة وأجهزتها وفق المصالح الأمنية الإسرائيلية، خاصة أن بريطانيا تؤكد صبح مساء حق "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها. سادساً: بالنتيجة، تدرك بريطانيا ومعها فرنسا والسعودية استحالة قيام دولة فلسطينية في هذه المرحلة التاريخية، حتى لو سقط نتنياهو، فالبديل شريحة من المتطرفين اليمينيين مثل غانتس أو بينيت وكلهم يدعمون سياسة نتنياهو في الضفة صراحة، خاصة مع الموقف الأميركي المشجع لهذه السياسة، ما يجعل الجهود الأوروبية الخليجية مجرد خضخضة في فنجان من ناحية الطموح السياسي الفلسطيني. يظهر نتنياهو ومعه كامل فريق حكومته انزعاجهم من مجرد مصطلح الدولة الفلسطينية، باعتباره أداة تشجيع للسلطة الفلسطينية وإطالة في عمرها بما تمثله من بقايا مشروع سياسي فلسطيني، وهو المشروع الذي يؤمن نتنياهو أن هذه المرحلة التاريخية هي الوقت المناسب لدفنه مع القضية الفلسطينية كلها، وهو ما تعدّه بريطانيا تطرفاً لن يساعد "إسرائيل" في تجاوز أزماتها المتلاحقة، لهذا هي تتدخل لحماية "إسرائيل" من نفسها.