
نشطاء سوريون يخشون الاعتقال والتضييق إن عادوا إلى سوريا
واجه العديد من السوريين تحديات في مجال الحريات تحت حكم نظام بشار الأسد، وبعد سقوطه في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، ويقول نشطاء إن أشكالاً جديدة من الرقابة ظهرت في البلاد.
بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، اعتُبرت الحريات السياسية من أبرز المكاسب التي نالها السوريون الحالمون بواقع ديمقراطي جديد. غير أنّ نشطاء وصحفيين باتوا يتحدثون في الآونة الأخيرة عن تراجع مساحة حرية التعبير وعودة القيود، لا سيما بعد أحداث الساحل والسويداء، ما يعيد إلى الأذهان مشاهد القمع القديمة، ويثير مخاوف متزايدة لدى سوريين كثر بشأن مستقبل الحريات في البلاد، سواء على الصعيد الفردي أو الوطني.
تحدثت بي بي سي في هذا التقرير إلى نشطاء سوريين عبّروا عن شعورهم المتزايد بالخوف، واضطرار بعضهم لمغادرة البلاد مجدداً رغم آمالهم السابقة ببناء مستقبل جديد داخل سوريا، في ظل ما وصفوه بانتهاكات متكررة تطال سوريين في الساحتين الثقافية والسياسية.
"الإساءة لهيبة الدولة"
AFP via Getty Images
يخشى البعض من فرض تفسيرات صارمة للشريعة الإسلامية قد تحد من حركة النساء ومشاركتهن في الحياة العامة.
ندى (اسم مستعار)، ناشطة سورية كانت قد عاشت لحظة الأمل بعد سقوط النظام، روت لبي بي سي ما تعرضت له قبل مغادرتها سوريا مؤخراً. تقول: "كان الحلم بسوريا جديدة، لكن الواقع جاء مناقضاً للتوقعات. لم أعد قادرة على التأقلم، خاصة بعد أحداث الساحل". وتضيف: "مدرسة الأسد لا تزال قائمة. المشاركة السياسية لا تزال محفوفة بالمخاطر، والوضع يزداد سوءاً".
توضح ندى أن ما ظنّه النشطاء فترة حرية، كان قصيراً جداً - "بعد سقوط النظام مباشرة، استمتعنا بحرية التعبير، خاصة على مواقع التواصل. لكن لم تمرّ سوى أشهر قليلة حتى بدأ استدعاء النشطاء للتحقيق، وتمت ملاحقتهم بتهم الإساءة لهيبة الدولة".
تحكي عن حادثة خاصة بها على الحدود اللبنانية، حين كانت مدعوة إلى مؤتمر يخص العدالة الانتقالية في سوريا. "خلال حكم الأسد، كنت أخفي أي نشاط سياسي. لكن بعد السقوط، اعتقدت أن الأمور تغيرت، فحملت معي الدعوة الرسمية. إلا أنني خضعت لتحقيق مطول عند الحدود. سُئلت عن طبيعة عملي، المدينة التي أنتمي إليها، ومفهومي للعدالة، وصولاً إلى الجهة الداعية. تم منعي من الدخول، ولم يُسمح لي بالعبور إلا بعد تبرير آخر ونقاش طويل دام أكثر من ساعة. يومها مسحت كل ما في هاتفي، وعاد إليّ الخوف القديم: خوف الحواجز، خوف الحدود".
تستطرد قائلة: "في عهد الأسد، كنا نعرف حدود التعبير. كنا نخفي آراءنا بذكاء لحماية أنفسنا. أما اليوم، فقد أفصحنا عن كل شيء في لحظة حرية خاطفة، ليتم استخدام هذه الآراء لاحقاً ضدنا. أنا لا أريد العودة إلى زمن القمع، لكنني أشعر بأننا نُساق نحوه مجدداً".
ندى لا تفكر بالعودة إلى سوريا حالياً. تقول بوضوح: "لن أعود ما دامت هذه السلطة موجودة. هناك خطر حقيقي على حياتي، ليس فقط من الأجهزة الأمنية، بل من الشبيحة والفوضى الأمنية. أي مواطن معرَّضٌ للخطر، والقانون غائب بالكامل. لا توجد ضمانات أو عدالة، ولا مشاركة حقيقية للمكونات السورية في صناعة القرار. الأقلية تُعامَل بفوقية، وليس كمواطنين متساوين".
وتتابع: "حتى حديثي الآن يعرّض عائلتي للخطر. التجربة مع نظام الأسد علمتنا أن التهديد قد يطال الأحباء، وهذا ما أخشاه. لذلك أتكلم تحت اسم مستعار، كمحاولة أخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه".
"لم أصمت في عهد الأسد... ولن أصمت الآن"
AFP via Getty Images
بعد أحداث الساحل والسويداء، تجمَّع نشطاء ومثقفون سوريون للتعبير عن استنكارهم لما جرى، مطالبين بإطلاق حوار وطني شامل.
"أعيش حالة من الخوف والقلق، خاصة على عائلتي التي لا تزال داخل سوريا"، بهذه الكلمات يبدأ يامن حسين، الكاتب والناشط الحقوقي المقيم في برلين، شهادته حول واقع الحريات في سوريا اليوم. يامن زار سوريا للمرة الأولى بعد أكثر من عقد من الغياب، وكان من المفترض أن يقوم بزيارة ثانية، لكنه اضطر لإلغائها، خشية التعرض لـ"استهداف مباشر"، على حد تعبيره، قد يُلفّق له لاحقاً كاتهام بالإرهاب أو ما شابه.
يقول: "لم أعد أفكر بالذهاب مجدداً. ليست المشكلة فقط في الأجهزة الأمنية، بل في البيئة العامة التي أصبحت مهيّأة للتحريض والخوف".
ويضيف يامن أن بعد أحداث الساحل تحديداً، "ظهرت طبقة من الداعمين للسلطة، تتصدى لأي صوت معارض. إما بالنفي أو بالهجوم الشخصي العلني، من دون أي حماية أو مساءلة"، ويقول: "السلطة قد لا تعتقلك مباشرة بسبب منشور على فيسبوك، لكنها تسمح بحملات تحريض مكثفة من قبل هؤلاء".
يشير يامن إلى أن بعض هذه الحملات تستهدف حتى من يكتفون بالتضامن الرمزي. ويضرب مثالاً بما حدث مع طلاب دروز من السويداء: "بعض المنشورات الداعمة لموقف المدينة انتشرت على صفحات محلية، وكان الناس يخشون حتى الضغط على 'لايك' خوفاً من المساءلة. البعض أخبرني أنهم امتنعوا عن التفاعل نهائياً".
ويضيف: "حتى أنا، لاحظت أن كثيرين ألغوا صداقتهم معي على فيسبوك خوفاً من منشوراتي. وهناك من قالها لي صراحة: نحن نتابعك، لكن لا يمكننا الظهور علناً ضمن قائمة أصدقائك".
وعن حياته الشخصية ونشاطه على مواقع التواصل الاجتماعي، يروي يامن أنه سأل والدته بصراحة: "هل تفضّلين أن أخفف من انتقاداتي العلنية؟" فأجابته: "لا. حتى في ظل حكم الأسد لم تصمت، ونحن أيضاً لم نصمت رغم التحقيقات والضرب الذي تعرضنا له. فلا تتوقف الآن". ومع ذلك، اضطر يامن في مرات عدّة إلى حذف صور من منشوراته تُظهر أشخاصاً يحملون لافتات مؤيدة للسويداء، حرصاً على سلامتهم.
يوضح يامن أن النشاط الحقوقي والمدني داخل سوريا أصبح اليوم أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، مضيفاً: "معظم النشطاء حالياً يمارسون عملهم بسرية تامة، وحتى من يشاركون في فعاليات مدنية علنية يحرصون على إخفاء وجوههم أثناء رفع اللافتات خشية الملاحقة".
"أخشى الاعتقال"
AFP via Getty Images
تقول وزارة الإعلام إنها "اتخذت خطوات عملية لتوسيع هامش الحريات، وتجميد بعض القوانين القديمة التي كانت تحد من حرية العمل الإعلامي".
ليلى (اسم مستعار)، ناشطة سورية مقيمة في الخارج، زارت سوريا بعد سقوط النظام، وتستعد لزيارة أخرى قريباً. تقول: "سمعت عن كثيرين تتم مراقبة هواتفهم. شعرت بالخوف من التهديدات التي تلقيتها على وسائل التواصل بسبب آرائي. لم أعد أشارك ما أفكر به بسهولة".
توضح ليلى أن أكبر مخاوفها اليوم لا تتعلق بالوضع الاقتصادي، بل بانعدام الأمان الشخصي. "قد أتحمل غلاء الأسعار وسوء المعيشة، لكن لا أستطيع تحمّل التضييق على الحريات. أخشى من الاعتقال، ومن انعدام الحماية القانونية".
وتضيف: "الوضع اليوم أفضل من عهد الأسد، لكنه بعيد عن المثالية. لا يجب أن نقيس الأمور بمقياس الأسد. ما يحدث اليوم يثير القلق أيضاً. لديّ جنسية أخرى وهذا يمنحني نوعاً من الحماية، لكنني لا أشعر بالأمان الكامل للتعبير".
تواصلت بي بي سي مع وزارة الإعلام السورية، وردّاً على ما ورد في التقرير، يقول عمر حاج أحمد، مدير الشؤون الصحفية في الوزارة، إن "حرية التعبير حق دستوري ومبدأ أساسي لا غنى عنه في بناء الدولة الجديدة"، مشيراً إلى أن الوزارة اتخذت خطوات عملية لتوسيع هامش الحريات الإعلامية، وتجميد بعض القوانين القديمة التي كانت تحدّ من هذا الهامش.
وأضاف أن الوزارة تعمل حالياً على إعداد مدونة سلوك مهني بالتعاون مع المؤسسات الإعلامية والنقابات، تهدف إلى تنظيم العمل الإعلامي بشكل أخلاقي ومهني، بما يضمن حرية التعبير من جهة، والمسؤولية والموضوعية من جهة أخرى.
وحول المخاوف المتعلقة بالتضييق على الإعلاميين، شدد حاج أحمد على أن الوزارة "تعمل على توفير بيئة آمنة للإعلاميين والدفاع عن حقوقهم، ولدينا يومياً أكثر من 40 فريقاً صحفياً نسهّل عملهم ونتابع مشاكلهم"، مشيراً إلى أن الحالات التي أثّرت سلباً على الصحفيين قليلة جداً ولم تصل إلى مستوى الظاهرة.
وختم بالتأكيد أن حرية التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي "مصونة ما دامت ضمن إطار القانون والدستور"، وأن أي تدخُّل قضائي لا يتم إلا في حالات التحريض أو مخالفة القوانين النافذة، كما هو معمول به في معظم دول العالم.
حريات ثقافية في مهب الرقابة
لا تقتصر القيود على المجال السياسي فقط، بل تمتد إلى الحقل الثقافي أيضاً. ففي يوليو/تموز الماضي، أعلن الروائي السوري خليل صويلح أن لجنة الرقابة منعت طباعة روايته "جنة البرابرة" في سوريا، رغم صدورها قبل أكثر من عشر سنوات عن "دار العين" في القاهرة.
وقال صويلح في منشور على صفحته في فيسبوك إن لجنة الرقابة طلبت حذف عشرات العبارات، معظمها يوثّق مراحل من الصراع السوري، وطالبت كذلك بتغيير عنوان الرواية، وحذف الإشارة إلى رواية "خريف البطريرك" لغابرييل غارسيا ماركيز، التي ورد ذكرها في سياق الحديث عن أدب الديكتاتوريات.
علّق صويلح بسخرية: "هو أمر لا سلطة لي عليه بعد غياب صاحبها"، مضيفاً في نهاية منشوره: "ربما عليّ أن أبحث مجدداً عن منفى آخر لهذه الرواية".
وفي حادثة أخرى، نشر الروائي السوري ممدوح عزام صورة لمنزله المحترق في ريف السويداء، ومكتبته الكبيرة، وكتب: "ليسوا برابرة، بل سوريون هؤلاء الذين أحرقوا بيتي".
ردّاً على بي بي سي، نفى مدير الشؤون الصحفية حاج أحمد منع الرواية من النشر، موضحاً أن ما طُلب هو "تصويب بعض الكلمات التي وردت في النص، لما تضمنته من معلومات تاريخية مغلوطة ووصف مسيء للثوار السوريين وعناصر الجيش الحر"، مثل اتهامهم بـ"جهاد النكاح" و"قطاع الطرق". وأكد أن "لم يُطلب تغيير عنوان الرواية أو حذف فصول كاملة، بل فقط تعديل بعض العبارات، وبعلم الجسم النقابي المعنيّ بالكتّاب والروائيين".
وأشار إلى أن الوزارة منحت خلال الأشهر الثمانية الماضية الموافقة على تداول أكثر من ألف كتاب جديد، ولم يُمنع أي كتاب من النشر، مضيفاً أن المعيار الوحيد لعدم السماح بالتداول هو "احتواء العمل على تحريض طائفي أو إساءة للأديان أو تمجيد للنظام البائد".
حوادث متكررة
وشهدت الآونة الأخيرة تصاعداً في الانتهاكات التي طالت صحفيين وناشطين في سوريا، شملت التضييق على حرية التعبير والملاحقة الأمنية وحتى حالات تعذيب وقتل غامضة.
قبل أسابيع، عُثر في مدينة دير الزور على جثة الناشط الإعلامي كندي العداي مشنوقاً داخل شقته، وقد ظهرت عليها آثار تعذيب واضحة. التسريبات تشير إلى أن الجريمة وقعت في الأول من آب، وأثارت حالة من الغضب بين الناشطين، خاصة وأن العداي كان معروفاً بتوثيقه لانتهاكات جميع الأطراف منذ بداية الثورة في 2011.
كما أثار اعتقال الصحفية السورية نور سليمان ضجة كبيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أُفرج عنها بعد أن أصبحت قضية رأي عام أدت إلى انقسام واسع بين نشطاء.
وعن مسألة نور، قال وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى إن السلطات حريصة على ضمان الحريات الصحافية وحقوق الصحافيين، داعياً إلى "الابتعاد عن خطاب الكراهية، الشعبوية والتحريض الطائفي".
ولاحقاً، قال المصطفى في تدوينة أخرى على "إكس": "الدعوة إلى الإفراج عن الصحافيين وعدم احتجازهم لا تُسقط المسار القضائي، بل تفتح له طرقاً مختلفة، ولكن بأساليب مغايرة، وهذا النهج الذي ينبغي أن يسود في دولة العدل والكرامة".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الأيام
منذ 2 أيام
- الأيام
نشطاء سوريون يخشون الاعتقال والتضييق إن عادوا إلى سوريا
AFP via Getty Images واجه العديد من السوريين تحديات في مجال الحريات تحت حكم نظام بشار الأسد، وبعد سقوطه في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، ويقول نشطاء إن أشكالاً جديدة من الرقابة ظهرت في البلاد. بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، اعتُبرت الحريات السياسية من أبرز المكاسب التي نالها السوريون الحالمون بواقع ديمقراطي جديد. غير أنّ نشطاء وصحفيين باتوا يتحدثون في الآونة الأخيرة عن تراجع مساحة حرية التعبير وعودة القيود، لا سيما بعد أحداث الساحل والسويداء، ما يعيد إلى الأذهان مشاهد القمع القديمة، ويثير مخاوف متزايدة لدى سوريين كثر بشأن مستقبل الحريات في البلاد، سواء على الصعيد الفردي أو الوطني. تحدثت بي بي سي في هذا التقرير إلى نشطاء سوريين عبّروا عن شعورهم المتزايد بالخوف، واضطرار بعضهم لمغادرة البلاد مجدداً رغم آمالهم السابقة ببناء مستقبل جديد داخل سوريا، في ظل ما وصفوه بانتهاكات متكررة تطال سوريين في الساحتين الثقافية والسياسية. "الإساءة لهيبة الدولة" AFP via Getty Images يخشى البعض من فرض تفسيرات صارمة للشريعة الإسلامية قد تحد من حركة النساء ومشاركتهن في الحياة العامة. ندى (اسم مستعار)، ناشطة سورية كانت قد عاشت لحظة الأمل بعد سقوط النظام، روت لبي بي سي ما تعرضت له قبل مغادرتها سوريا مؤخراً. تقول: "كان الحلم بسوريا جديدة، لكن الواقع جاء مناقضاً للتوقعات. لم أعد قادرة على التأقلم، خاصة بعد أحداث الساحل". وتضيف: "مدرسة الأسد لا تزال قائمة. المشاركة السياسية لا تزال محفوفة بالمخاطر، والوضع يزداد سوءاً". توضح ندى أن ما ظنّه النشطاء فترة حرية، كان قصيراً جداً - "بعد سقوط النظام مباشرة، استمتعنا بحرية التعبير، خاصة على مواقع التواصل. لكن لم تمرّ سوى أشهر قليلة حتى بدأ استدعاء النشطاء للتحقيق، وتمت ملاحقتهم بتهم الإساءة لهيبة الدولة". تحكي عن حادثة خاصة بها على الحدود اللبنانية، حين كانت مدعوة إلى مؤتمر يخص العدالة الانتقالية في سوريا. "خلال حكم الأسد، كنت أخفي أي نشاط سياسي. لكن بعد السقوط، اعتقدت أن الأمور تغيرت، فحملت معي الدعوة الرسمية. إلا أنني خضعت لتحقيق مطول عند الحدود. سُئلت عن طبيعة عملي، المدينة التي أنتمي إليها، ومفهومي للعدالة، وصولاً إلى الجهة الداعية. تم منعي من الدخول، ولم يُسمح لي بالعبور إلا بعد تبرير آخر ونقاش طويل دام أكثر من ساعة. يومها مسحت كل ما في هاتفي، وعاد إليّ الخوف القديم: خوف الحواجز، خوف الحدود". تستطرد قائلة: "في عهد الأسد، كنا نعرف حدود التعبير. كنا نخفي آراءنا بذكاء لحماية أنفسنا. أما اليوم، فقد أفصحنا عن كل شيء في لحظة حرية خاطفة، ليتم استخدام هذه الآراء لاحقاً ضدنا. أنا لا أريد العودة إلى زمن القمع، لكنني أشعر بأننا نُساق نحوه مجدداً". ندى لا تفكر بالعودة إلى سوريا حالياً. تقول بوضوح: "لن أعود ما دامت هذه السلطة موجودة. هناك خطر حقيقي على حياتي، ليس فقط من الأجهزة الأمنية، بل من الشبيحة والفوضى الأمنية. أي مواطن معرَّضٌ للخطر، والقانون غائب بالكامل. لا توجد ضمانات أو عدالة، ولا مشاركة حقيقية للمكونات السورية في صناعة القرار. الأقلية تُعامَل بفوقية، وليس كمواطنين متساوين". وتتابع: "حتى حديثي الآن يعرّض عائلتي للخطر. التجربة مع نظام الأسد علمتنا أن التهديد قد يطال الأحباء، وهذا ما أخشاه. لذلك أتكلم تحت اسم مستعار، كمحاولة أخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه". "لم أصمت في عهد الأسد... ولن أصمت الآن" AFP via Getty Images بعد أحداث الساحل والسويداء، تجمَّع نشطاء ومثقفون سوريون للتعبير عن استنكارهم لما جرى، مطالبين بإطلاق حوار وطني شامل. "أعيش حالة من الخوف والقلق، خاصة على عائلتي التي لا تزال داخل سوريا"، بهذه الكلمات يبدأ يامن حسين، الكاتب والناشط الحقوقي المقيم في برلين، شهادته حول واقع الحريات في سوريا اليوم. يامن زار سوريا للمرة الأولى بعد أكثر من عقد من الغياب، وكان من المفترض أن يقوم بزيارة ثانية، لكنه اضطر لإلغائها، خشية التعرض لـ"استهداف مباشر"، على حد تعبيره، قد يُلفّق له لاحقاً كاتهام بالإرهاب أو ما شابه. يقول: "لم أعد أفكر بالذهاب مجدداً. ليست المشكلة فقط في الأجهزة الأمنية، بل في البيئة العامة التي أصبحت مهيّأة للتحريض والخوف". ويضيف يامن أن بعد أحداث الساحل تحديداً، "ظهرت طبقة من الداعمين للسلطة، تتصدى لأي صوت معارض. إما بالنفي أو بالهجوم الشخصي العلني، من دون أي حماية أو مساءلة"، ويقول: "السلطة قد لا تعتقلك مباشرة بسبب منشور على فيسبوك، لكنها تسمح بحملات تحريض مكثفة من قبل هؤلاء". يشير يامن إلى أن بعض هذه الحملات تستهدف حتى من يكتفون بالتضامن الرمزي. ويضرب مثالاً بما حدث مع طلاب دروز من السويداء: "بعض المنشورات الداعمة لموقف المدينة انتشرت على صفحات محلية، وكان الناس يخشون حتى الضغط على 'لايك' خوفاً من المساءلة. البعض أخبرني أنهم امتنعوا عن التفاعل نهائياً". ويضيف: "حتى أنا، لاحظت أن كثيرين ألغوا صداقتهم معي على فيسبوك خوفاً من منشوراتي. وهناك من قالها لي صراحة: نحن نتابعك، لكن لا يمكننا الظهور علناً ضمن قائمة أصدقائك". وعن حياته الشخصية ونشاطه على مواقع التواصل الاجتماعي، يروي يامن أنه سأل والدته بصراحة: "هل تفضّلين أن أخفف من انتقاداتي العلنية؟" فأجابته: "لا. حتى في ظل حكم الأسد لم تصمت، ونحن أيضاً لم نصمت رغم التحقيقات والضرب الذي تعرضنا له. فلا تتوقف الآن". ومع ذلك، اضطر يامن في مرات عدّة إلى حذف صور من منشوراته تُظهر أشخاصاً يحملون لافتات مؤيدة للسويداء، حرصاً على سلامتهم. يوضح يامن أن النشاط الحقوقي والمدني داخل سوريا أصبح اليوم أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، مضيفاً: "معظم النشطاء حالياً يمارسون عملهم بسرية تامة، وحتى من يشاركون في فعاليات مدنية علنية يحرصون على إخفاء وجوههم أثناء رفع اللافتات خشية الملاحقة". "أخشى الاعتقال" AFP via Getty Images تقول وزارة الإعلام إنها "اتخذت خطوات عملية لتوسيع هامش الحريات، وتجميد بعض القوانين القديمة التي كانت تحد من حرية العمل الإعلامي". ليلى (اسم مستعار)، ناشطة سورية مقيمة في الخارج، زارت سوريا بعد سقوط النظام، وتستعد لزيارة أخرى قريباً. تقول: "سمعت عن كثيرين تتم مراقبة هواتفهم. شعرت بالخوف من التهديدات التي تلقيتها على وسائل التواصل بسبب آرائي. لم أعد أشارك ما أفكر به بسهولة". توضح ليلى أن أكبر مخاوفها اليوم لا تتعلق بالوضع الاقتصادي، بل بانعدام الأمان الشخصي. "قد أتحمل غلاء الأسعار وسوء المعيشة، لكن لا أستطيع تحمّل التضييق على الحريات. أخشى من الاعتقال، ومن انعدام الحماية القانونية". وتضيف: "الوضع اليوم أفضل من عهد الأسد، لكنه بعيد عن المثالية. لا يجب أن نقيس الأمور بمقياس الأسد. ما يحدث اليوم يثير القلق أيضاً. لديّ جنسية أخرى وهذا يمنحني نوعاً من الحماية، لكنني لا أشعر بالأمان الكامل للتعبير". تواصلت بي بي سي مع وزارة الإعلام السورية، وردّاً على ما ورد في التقرير، يقول عمر حاج أحمد، مدير الشؤون الصحفية في الوزارة، إن "حرية التعبير حق دستوري ومبدأ أساسي لا غنى عنه في بناء الدولة الجديدة"، مشيراً إلى أن الوزارة اتخذت خطوات عملية لتوسيع هامش الحريات الإعلامية، وتجميد بعض القوانين القديمة التي كانت تحدّ من هذا الهامش. وأضاف أن الوزارة تعمل حالياً على إعداد مدونة سلوك مهني بالتعاون مع المؤسسات الإعلامية والنقابات، تهدف إلى تنظيم العمل الإعلامي بشكل أخلاقي ومهني، بما يضمن حرية التعبير من جهة، والمسؤولية والموضوعية من جهة أخرى. وحول المخاوف المتعلقة بالتضييق على الإعلاميين، شدد حاج أحمد على أن الوزارة "تعمل على توفير بيئة آمنة للإعلاميين والدفاع عن حقوقهم، ولدينا يومياً أكثر من 40 فريقاً صحفياً نسهّل عملهم ونتابع مشاكلهم"، مشيراً إلى أن الحالات التي أثّرت سلباً على الصحفيين قليلة جداً ولم تصل إلى مستوى الظاهرة. وختم بالتأكيد أن حرية التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي "مصونة ما دامت ضمن إطار القانون والدستور"، وأن أي تدخُّل قضائي لا يتم إلا في حالات التحريض أو مخالفة القوانين النافذة، كما هو معمول به في معظم دول العالم. حريات ثقافية في مهب الرقابة لا تقتصر القيود على المجال السياسي فقط، بل تمتد إلى الحقل الثقافي أيضاً. ففي يوليو/تموز الماضي، أعلن الروائي السوري خليل صويلح أن لجنة الرقابة منعت طباعة روايته "جنة البرابرة" في سوريا، رغم صدورها قبل أكثر من عشر سنوات عن "دار العين" في القاهرة. وقال صويلح في منشور على صفحته في فيسبوك إن لجنة الرقابة طلبت حذف عشرات العبارات، معظمها يوثّق مراحل من الصراع السوري، وطالبت كذلك بتغيير عنوان الرواية، وحذف الإشارة إلى رواية "خريف البطريرك" لغابرييل غارسيا ماركيز، التي ورد ذكرها في سياق الحديث عن أدب الديكتاتوريات. علّق صويلح بسخرية: "هو أمر لا سلطة لي عليه بعد غياب صاحبها"، مضيفاً في نهاية منشوره: "ربما عليّ أن أبحث مجدداً عن منفى آخر لهذه الرواية". وفي حادثة أخرى، نشر الروائي السوري ممدوح عزام صورة لمنزله المحترق في ريف السويداء، ومكتبته الكبيرة، وكتب: "ليسوا برابرة، بل سوريون هؤلاء الذين أحرقوا بيتي". ردّاً على بي بي سي، نفى مدير الشؤون الصحفية حاج أحمد منع الرواية من النشر، موضحاً أن ما طُلب هو "تصويب بعض الكلمات التي وردت في النص، لما تضمنته من معلومات تاريخية مغلوطة ووصف مسيء للثوار السوريين وعناصر الجيش الحر"، مثل اتهامهم بـ"جهاد النكاح" و"قطاع الطرق". وأكد أن "لم يُطلب تغيير عنوان الرواية أو حذف فصول كاملة، بل فقط تعديل بعض العبارات، وبعلم الجسم النقابي المعنيّ بالكتّاب والروائيين". وأشار إلى أن الوزارة منحت خلال الأشهر الثمانية الماضية الموافقة على تداول أكثر من ألف كتاب جديد، ولم يُمنع أي كتاب من النشر، مضيفاً أن المعيار الوحيد لعدم السماح بالتداول هو "احتواء العمل على تحريض طائفي أو إساءة للأديان أو تمجيد للنظام البائد". حوادث متكررة وشهدت الآونة الأخيرة تصاعداً في الانتهاكات التي طالت صحفيين وناشطين في سوريا، شملت التضييق على حرية التعبير والملاحقة الأمنية وحتى حالات تعذيب وقتل غامضة. قبل أسابيع، عُثر في مدينة دير الزور على جثة الناشط الإعلامي كندي العداي مشنوقاً داخل شقته، وقد ظهرت عليها آثار تعذيب واضحة. التسريبات تشير إلى أن الجريمة وقعت في الأول من آب، وأثارت حالة من الغضب بين الناشطين، خاصة وأن العداي كان معروفاً بتوثيقه لانتهاكات جميع الأطراف منذ بداية الثورة في 2011. كما أثار اعتقال الصحفية السورية نور سليمان ضجة كبيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أُفرج عنها بعد أن أصبحت قضية رأي عام أدت إلى انقسام واسع بين نشطاء. وعن مسألة نور، قال وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى إن السلطات حريصة على ضمان الحريات الصحافية وحقوق الصحافيين، داعياً إلى "الابتعاد عن خطاب الكراهية، الشعبوية والتحريض الطائفي". ولاحقاً، قال المصطفى في تدوينة أخرى على "إكس": "الدعوة إلى الإفراج عن الصحافيين وعدم احتجازهم لا تُسقط المسار القضائي، بل تفتح له طرقاً مختلفة، ولكن بأساليب مغايرة، وهذا النهج الذي ينبغي أن يسود في دولة العدل والكرامة".


الأيام
منذ 3 أيام
- الأيام
بريطانيا تستذكر انتدابها على فلسطين التاريخية، وتضع الفلسطينيين بين 'وعدين'، فما القصة؟
Getty Images جندي بريطاني يحمل رشاشاً في القدس في 1 مايو/أيار 1948 لا تزال ظلال "وعد بلفور" تخيم على الفلسطينيين وكذلك الحكومة البريطانية، عند إطلاق رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر وعداً مشروطاً، لكنه هذه المرة للفلسطينيين، بعد 77 عاماً على رحيل الانتداب البريطاني عن فلسطين. في 29 من يوليو/تموز، أعلن ستارمر أن بلاده، التي انتدبت على المنطقة من بينها الأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، ستعترف رسمياً بـ"دولة فلسطين" في سبتمبر/أيلول، إلا إذا اتّخذت إسرائيل "خطوات حيوية" في غزة، بينها الموافقة على وقف إطلاق النار. وتالياً تسلسل تاريخي لأبرز محطات الانتداب البريطاني على فلسطين. "ظلم تاريخي" ووعد لم يُحترم Getty Images أحد أفراد الجيش البريطاني ينزل علم بلاده للمرة الأخيرة في 30 يونيو/حزيران 1948 في ميناء حيفا "تاريخنا يعني بأن بريطانيا يقع على عاتقها عبء خاص من المسؤولية لدعم حل الدولتين"، تصريح لوزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، وكأنه يلمح إلى فترة الانتداب. وتحدّث ترى جولي نورمان، الأستاذة المساعدة في العلاقات الدولية في جامعة كولدج لندن، في حديث مع بي بي سي، أن قرار ستارمر بالاعتراف بدولة فلسطينية يستند بالأساس إلى الوضع الراهن، والدمار في قطاع غزة، وتصاعد العنف في الضفة الغربية، وخطط التهجير والضم في المنطقتين. "لطالما التزمت المملكة المتحدة بحل الدولتين، وهي ترغب في إنقاذ هذا المسار قبل أن يصبح مستحيلاً"، تضيف نورمان المتخصصة في سياسات الشرق الأوسط، لكنها تحدثت عن تاريخ طويل من انخراط بريطانيا في فلسطين التاريخية، يعود إلى أكثر من 100 عام. ماذا يعني الانتداب؟ Getty Images قوات الانتداب البريطاني تغادر من ميناء حيفا يعبّر الانتداب عن تفويض صادر عن عصبة الأمم، لإحدى دول العصبة لحكم دول كانت تحت الحكم الألماني أو العثماني، بشكل مؤقت، وفق الموسوعة البريطانية، وذلك بهدف تطويرها في مختلف الأوجه تمهيداً لحصولها على استقلالها الذاتي. وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى، قُسّمت الانتدابات إلى ثلاث مجموعات بناءً على موقعها ومستوى تطورها السياسي والاقتصادي، ثم خُصّصت لكل دولة من الدول المنتصرة (القوى المُنتَدِبة). وتألفت الفئة (أ) من مناطق الانتداب من دول كانت تحت حكم الدولة العثمانية، وهي العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، وفقاً للموسوعة البريطانية "بريتانيكا". واعتُبرت هذه الأراضي متقدمة بما يكفي للاعتراف باستقلالها المؤقت، وظلت خاضعة للسيطرة الإدارية للدول المنتدبة حتى أصبحت قادرة على الاستقلال التام، وفق الموسوعة. وحصلت جميع مناطق الانتداب من الفئة (أ) على استقلالها بحلول عام 1949، عدا "الدولة الفلسطينية". ما موقع فلسطين من خريطة سايكس-بيكو؟ BBC خريطة سايكس بيكو السرية الأصلية لعام 1916 وفيها المنطقة (A) مخصصة لفرنسا، والمنطقة (B) مخصصة لبريطانيا في 1916، عُقدت اتفاقية سايكس-بيكو "السرية" أثناء الحرب العالمية الأولى بين بريطانيا وفرنسا، بهدف تقاسم أراضٍ كانت تحت حكم الدولة العثمانية. واتفق ممثلا الحكومة الفرنسية فرنسوا جورج-بيكو والبريطانية مارك سايكس على وضع فلسطين تحت إدارة دولية من عدة دول بينها بريطانيا وفرنسا، وفق الموسوعة البريطانية. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، اجتمع رئيسا الحكومتين الفرنسية جورج كليمنصو والبريطانية ديفيد لويد جورج لتعديل اتفاق سايكس بيكو، وتخلت فرنسا عندئذ عن "فلسطين" ومنطقة الموصل، وفق فرانس برس. BBC خريطة توضح مناطق الانتدابات الفرنسية والبريطانية لدول عربية، قبل منح بريطانيا الانتداب على فلسطين 67 كلمة كانت فلسطين تحت الحكم العثماني حتى عام 1917، حينما دخلها الجيش البريطاني بقيادة الجنرال إدموند ألنبي. وفي الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 1917، وجّه وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور إلى أحد زعماء اليهود في بريطانيا والتر روتشيلد رسالة مطبوعة صادقت عليها الحكومة البريطانية، وطلب منه فيها أن يبلغ مضمونها إلى الاتحاد الصهيوني. ومما قالته الرسالة: "إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وستبذل قصارى جهدها لتحقيق هذه الغاية". وتعهّدت الرسالة بعدم "الانتقاص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر". لم تكن الكلمات الـ67 تعبر عن رسالة عابرة، بل كانت حدثاً غيّر مسار الفلسطينيين واليهود والشرق الأوسط. BBC نسخة الرسالة المعروفة بـ"وعد بلفور" شكّل هذا النص القصير "نصراً كبيراً" لزعيم الصهاينة في المملكة المتحدة حاييم وايزمان الذي أصبح في ما بعد أول رئيس لدولة إسرائيل، وبذل جهوداً كبيرة في اتجاه تحقيق هذا الوعد. يختلف الفلسطينيون والإسرائيليون في نظرتهم للوعد. فإسرائيل تُشيد به كأحد العوامل التي ساعدت على قيامها عام 1948، وشجع اليهود على الهجرة إليها. لكن بالنسبة للفلسطينيين، ساهم هذا الوعد في مأساة سلب أرضهم، ما أدى إلى ما يُعرف بـ"النكبة الفلسطينية" عام 1948، وتهجير نحو 760 ألف فلسطيني من أرضهم. وأعرب الفلسطينيون عن معارضتهم للوعد البريطاني في مؤتمر عقد في القدس عام 1919. في 2021، قالت محكمة فلسطينية إن "وعد بلفور" أدى إلى "حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه القانونية والسياسية والإنسانية ومنعه من حقه في تقرير مصيره على أرضه". ترى جولي نورمان في حديث مع بي بي سي، أن وعد بلفور اتسم بالإشكالية في الاعتراف بالحقوق المدنية والدينية للشعب الفلسطيني، بدون حقوقه الوطنية أو السياسية (مع وعده بـ"وطن" للشعب اليهودي). وترى نورمان أن لامي محق في أن بريطانيا أخفقت في الوفاء بوعدها، وفقاً لتصريح بلفور، في حماية حقوق الفلسطينيين. Reuters وعد بلفور أتى بوعد صريح بأنه "لن يؤتى بعمل يضر بالحقوق المدنية والدينية" للشعب الفلسطيني كذلك، وذلك "الوعد لم يُحترم، وهو ظلم تاريخي يتكشف أمامنا باستمرار" وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي صك الانتداب أقر مؤتمر سان ريمو في إيطاليا في 1920، الانتداب الذي يفترض أن يعد للاستقلال وعهد به إلى بريطانيا (فلسطين التاريخية والضفة الشرقية لنهر الأردن والعراق) وفرنسا (سوريا ولبنان). وفي 1922، وبعد سحق الثورات في فلسطين وسوريا والعراق، صادقت عصبة الأمم على وضع هذه المناطق تحت الانتدابين الفرنسي والبريطاني. وشكّلت رسالة بلفور الأساس للانتداب البريطاني على فلسطين، الذي وافقت عليه عصبة الأمم في 1922. وأقرت العصبة "صك الانتداب" الذي تسلمت بموجبه بريطانيا مهمتها في فلسطين لتتولى "مسؤولية أن ترسي في هذا البلد وضعاً سياسياً وإدارياً واقتصادياً من شأنه أن يضمن إقامة وطن قومي للشعب اليهودي"، وفق فرانس برس. أحداث 1929 اجتاحت فلسطين سنة 1929 في عهد الانتداب البريطاني موجة من الاضطرابات الدامية، وتتضارب الروايات بشأن شرارة الأحداث التي تصاعدت إلى مظاهرات نحو الحائط الغربي ونزاع للوصول إليه. امتدت الاضطرابات إلى مناطق عدة خارج القدس بينها الخليل، وانخرط فيها عرب ويهود وقوات بريطانية وأدت إلى مقتل 133 يهودياً و 116 عربياً. سُميت تلك الأحداث بـ"ثورة البراق" أو "أحداث تارباط" نسبة إلى تاريخ اندلاع الاشتباكات حسب التقويم اليهودي. ويعتبر الحائط الحائط الغربي مقدساً لدى اليهود والمسلمين، إذا يرتبط برواية الإسراء والمعراج في التاريخ الإسلامي، فيما يعده اليهود الأثر الأخير الباقي من هيكل سليمان. يقع الحائط في الناحية الغربية للحرم الشريف المقدس لدى المسلمين، أو ما يعرف بجبل الهيكل المقدس لدى اليهود أيضاً. الثورة الفلسطينية الكبرى Getty Images جنود بريطانيون مع فلسطينيين خلال الثورة الفلسطينية الكبرى ضد الانتداب البريطاني، في ديسمبر/كانون الأول 1938 في 1921، حدثت اضطرابات في مدينة يافا بين العرب واليهود، واصطدم العرب بالقوات البريطانية وانتقلت الأحداث إلى سائر المدن الفلسطينية، ودامت هذه الاضطرابات حوالي أسبوعين قُتل خلالها من العرب 48 شخصاً، وبلغ عدد قتلى اليهود 47، وفق وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا). وبادرت الحكومة البريطانية إلى تأليف لجنة للتحقيق في أسباب الاضطرابات. وفي 1925، زار بلفور القدس للمشاركة في افتتاح الجامعة العبرية، مما أدى لإضراب ومظاهرات فلسطينية. وعُقد في القدس أول مؤتمر نسائي فلسطيني لرفض الانتداب في 1929. وفي 1935، قُتل عز الدين القسام الذي كان يُقاتل بجماعته المسلحة ضد الانتداب البريطاني بالقرب من مدينة جنين، وفق وكالة (وفا). واجه الانتداب البريطاني "الثورة الفلسطينية الكبرى" ما بين 1936 و1939، بعد عوامل عدة أثارت الفلسطينيين بينها تزايد الهجرة اليهودية ومقتل القسام، وتخلل الثورةَ إضرابٌ فلسطينيٌ استمر 183 يوماً، وفق وكالة (وفا). يقول مؤرخون إن أكثر من 5 آلاف فلسطيني قُتلوا، بينما أصيب نحو 15 ألفاً خلال الثورة، أما القتلى من البريطانيين واليهود فكانوا بالمئات. الكتاب الأبيض اضطرت بريطانيا إثر الثورة إلى إعادة تقييم سياستها في فلسطين التاريخية، فنظمت مؤتمراً في لندن وأصدرت عام 1939 وثيقة "الكتاب الأبيض" الذي قيّد بيع الأراضي لليهود في فلسطين التاريخية، كما قيّد هجرتهم خلال خمس سنوات تبدأ من أول أبريل/نيسان 1939. وتعهّدت بريطانيا بإقامة دولة فلسطينية مستقلة في غضون السنوات العشر التالية - إذا أمكن ذلك - على أنْ يتقاسم فيها الفلسطينيون واليهود مهام السلطات الحكومية. Getty Images رجل يهودي ينتظر القطار في 1 ديسمبر/كانون الأول 1933 في محطة قطار تل يوسف أثناء الانتداب البريطاني على فلسطين وألمحت الوثيقة إلى خطط إنهاء الانتداب البريطاني. في يوليو/تموز 1946 شنت عناصر من حركة أرغون الصهيونية السرية سلسلة من الهجمات والتفجيرات التي استهدفت القوات البريطانية ومن بينها الهجوم على فندق الملك داوود في القدس الذي كانت تتواجد فيه قيادة سلطة الانتداب المدنية والعسكرية البريطانية فسقط عدد كبير من الجنود والموظفين البريطانيين. Getty Images قُتل 91 شخصاً من جنسيات مختلفة خلال تفجير نفذته منظمة الأرغون الصهيونية لفندق الملك داوود بالقدس في 22 يوليو/تموز 1946 الهجرة اليهودية شهدت فلسطين منذ القرن التاسع عشر عدداً من موجات الهجرة اليهودية المحدودة، لكنها تسارعت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مع تأسيس الحركة الصهيونية التي كان محور نشاطها إقامة دولة لليهود في فلسطين التاريخية. وسرّعت المشاعر المعادية لليهود في أوروبا والعمليات ضدهم في روسيا، هجرة العديد منهم إلى فلسطين التاريخية. وبلغ عدد اليهود في فلسطين 47 ألفاً في 1895 مقابل 24 ألفاً في 1882، وفق فرانس برس. أما الموجة الثانية من الهجرات فكانت بين عامي 1904 و1914، وتراوح مجموع الواصلين بين 35 ألفاً و40 ألف يهودي روسي. Getty Images يهود يغادرون بولندا إلى فلسطين في 1922 ومع صعود النازية في ألمانيا وبعد المذابح التي تعرّض لها اليهود فيها أثناء الحرب العالمية الثانية، اتخذت هجرة اليهود إلى فلسطين حجماً كبيراً. وشجع وعد بلفور اليهود على الهجرة إلى فلسطين، وكان عدد قليل من اليهود يعيشون فيها قبل 1917 إلى جانب العرب. وفي 1917، كانت نسبة اليهود لا تزيد عن 7 في المئة من المجتمع المحلي في فلسطين التاريخية. وعند صدور قرار خطة تقسيم فلسطين عام 1947، كان يعيش فيها 1.3 مليون فلسطيني و600 ألف يهودي، وبذلك حصل اليهود على 54 في المئة من الأراضي وفق القرار، في حين كانوا يمثلون 30 في المئة فقط من السكان، بحسب فرانس برس. وتجاوز عدد اليهود في فلسطين عام 1948، حاجز 700 ألف، وفق وكالة وفا. ويمنح "قانون العودة" الجنسية الإسرائيلية إلى اليهود الذين يأتون للإقامة في إسرائيل. التقسيم ثم "النكبة" BBC اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1947 القرار 181 الذي أصبح يعرف بـ"قرار التقسيم" الذي نصّ على: "تُنشأ في فلسطين دولة يهودية ودولة عربية، مع اعتبار القدس كياناً متميزاً يخضع لنظام دولي خاص". أيّد القرار 33 دولة بينها الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وفرنسا، وعارضته 13 دولة بينها الدول العربية، وامتنعت 10 دول عن التصويت بينها بريطانيا. قبل زعماء اليهود الخطة التي أعطتهم 56 في المئة من الأرض، ورفضتها جامعة الدول العربية، ورفضتها القيادة العربية المحلية في فلسطين التاريخية. ثم أُعلن إنشاء دولة إسرائيل في 14 مايو/أيار 1948. وبعد يوم واحد، بدأت حرب بين دول عربية وإسرائيل، وانتهت الحرب بسيطرة إسرائيل على 77 في المئة من الأراضي. BBC خطوط الهدنة وحدود إسرائيل بعد انتهاء حرب 1948 قتل تعسفي وتعذيب ودروع بشرية في 2022، طالبت عريضة، تضم ملف "أدلة" من 300 صفحة، بإقرار رسمي واعتذار عن "الانتهاكات" خلال فترة الحكم البريطاني لفلسطين التاريخية. وكان المحامي البريطاني بن إيمرسون كاي سي، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعنيّ بحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب قال لبي بي سي، إن الفريق القانوني اكتشف أدلة على "جرائم مروعة ارتكبتها عناصر من قوات الانتداب البريطاني بشكل منهجي ضد السكان الفلسطينيين". وأضاف المحامي لبي بي سي "إن بعض (الجرائم) على درجة كبيرة من الخطورة، حتى أنها كانت تعد في ذلك الحين انتهاكات للقانون الدولي العرفي". Getty Images فلسطينيون مقيدون لنقلهم إلى سجن في القدس خلال فترة حظر التجول من قبل قوات الانتداب البريطانية، في 26 أكتوبر/تشرين الأول 1938 وتتضمن مراجعة لبي بي سي لأدلة تاريخية "تفاصيل القتل التعسفي والتعذيب واستخدام الدروع البشرية واللجوء إلى هدم المنازل كعقاب جماعي. وأغلب هذه الممارسات جاءت في إطار مبادئ توجيهية للسياسة الرسمية للقوات البريطانية في ذلك الوقت أو بموافقة كبار الضباط". كان ما ارتكبته بريطانيا في فلسطين "عنيفاً" و"استثنائياً"، وفقاً للمؤرخ العسكري البروفيسور ماثيو هيوز، الذي قال إن تكتيكاتها لم تصل بشكل روتيني إلى مستويات الوحشية التي شهدتها بعض المستعمرات الأخرى. يحتفظ أرشيف متحف الحروب الإمبراطورية في لندن بذكريات العديد من الجنود وضباط الشرطة البريطانيين في فلسطين التاريخية. وتفصّل بعض سجلات التاريخ الشفوي روايات عن الغارات "العقابية" واستخدام الدروع البشرية والتعذيب. وقالت وزارة الدفاع البريطانية في بيان إنها كانت على علم بادعاءات تاريخية ضد أفراد القوات المسلحة خلال تلك الفترة، وإن أي دليل يُقدم سيخضع لـ"مراجعة شاملة". 11 أغسطس 2025: خضعت هذه المقالة لتعديل بعض الصياغات وتضمين معلومات أساسية لم تكن واردة فيها عندما نُشرت لأول مرة.


الأيام
منذ 5 أيام
- الأيام
الولايات المتحدة تعرض 50 مليون دولار للقبض على الرئيس الفنزويلي
AFP تتهم الإدارة الأمريكية مادورو بأنشطة ذات صلة بعصابات المخدرات ضاعفت الولايات المتحدة المكافأة المرصودة مقابل معلومات تؤدي إلى اعتقال الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، لتصل إلى 50 مليون دولار، متهمة إياه بأنه "أحد أكبر تجار المخدرات في العالم". ويُعدّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أشدّ منتقدي مادورو، الذي عاد إلى منصبه في يناير/كانون الثاني عقب انتخاباتٍ شابتها مزاعم تزويرٍ للأصوات. وقوبلت نتائجها برفضٍ واسعٍ من المجتمع الدولي. وصرحت وزيرة العدل الأمريكية بام بوندي بأن الولايات المتحدة ستضاعف مكافأتها المُعلنة سابقاً بقيمة 25 مليون دولار، وقالت إن مادورو مُرتبط مباشرة بعمليات تهريب المخدرات. ووصف وزير الخارجية الفنزويلي إيفان جيل المكافأة الجديدة بأنها "مُثيرة للشفقة" وأنها "دعاية سياسية". وقال جيل "لسنا متفاجئين، بغض النظر عمّن يصدر هذا الكلام"، متهماً بوندي بمحاولة "صرف الانتباه بشكل يائس" عن عناوين الصحف المتعلقة بردود الفعل الغاضبة على طريقة التعامل مع قضية جيفري إبستين، المدان بالاعتداءات الجنسية. وخلال ولاية ترامب الأولى، اتهمت الحكومة الأمريكية مادورو ومسؤولين فنزويليين رفيعي المستوى بمجموعة من الجرائم، بما في ذلك الإرهاب المرتبط بالمخدرات والفساد والاتجار بالمخدرات. في ذلك الوقت، ادعت وزارة العدل الأمريكية أن مادورو تعاون مع جماعة المتمردين الكولومبية "فارك"، "لاستخدام الكوكايين كسلاح لإغراق الولايات المتحدة". وفي مقطع فيديو نُشر على منصة إكس، الخميس، اتهمت بوندي، مادورو بالتنسيق مع جماعات مثل "ترين دي أراغوا"، وهي عصابة فنزويلية صنفتها إدارة ترامب منظمة إرهابية، و"كارتل سينالوا"، وهي شبكة إجرامية ذات نفوذ، مقرها في المكسيك. وأضافت أن إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية صادرت 30 طناً من الكوكايين مرتبطة بمادورو ومقربين منه، بينها نحو سبعة أطنان مرتبطة به شخصياً. وسبق أن رفض مادورو ادعاءات الولايات المتحدة بتورطه المباشر في تهريب المخدرات. تُمثل تعليقات بوندي امتداداً للتوتر طويل الأمد بين الولايات المتحدة والحكومة الفنزويلية، لكن وزيرة العدل لم توضح تصور الحكومة الأمريكية بشأن كيفية نجاح دعوتها المتجددة ومضاعفة الحافز المادي. ويواجه مادورو، الذي يتزعم الحزب الاشتراكي الموحد وخلف هوغو تشافيز في 2013، منذ سنوات اتهامات بقمع المعارضة وإسكات الأصوات المنتقدة، واستخدام العنف في ذلك. وتمكن مادورو من الصمود في وجه الاحتجاجات التي أعقبت انتخابات العام الماضي المتنازع عليها، وحافظ على قبضته على السلطة. يشار إلى أنه في يونيو/حزيران، أُدين هوغو كارفاخال - الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الفنزويلية - بعدة تهم تتعلق بتهريب المخدرات بعد اعتقاله في مدريد ومحاكمته في الولايات المتحدة. وكان كارفاخال جاسوساً مخيفاً يُعرف باسم "إل بوللو"، أي "الدجاجة"، وفرّ من فنزويلا بعد أن دعا الجيش إلى دعم مرشح معارض والإطاحة بمادورو. أنكر كارفاخال في البداية تهم المخدرات، لكنه غيّر اعترافه لاحقاً إلى "مذنب"، مما أثار تكهنات بأنه عقد صفقة مع السلطات الأمريكية لتخفيف العقوبة مقابل معلومات تُدين مادورو. وأعلنت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على حكومة مادورو بعد عودته إلى السلطة في وقت سابق من هذا العام. من هو مادورو؟ AFP via Getty Images ويأتي هذا التطور في ظل تاريخ سياسي طويل لمادورو، الذي يقود فنزويلا منذ عام 2013، ويعد من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في أمريكا اللاتينية. وفيما يلي نبذة عن مسيرته السياسية: انتخب مادورو، الذي بدأ حياته العملية كسائق حافلة وناشطاً نقابياً، رئيساً لفنزويلا بفارق ضئيل في أبريل/نيسان 2013 خلفاً لهوغو تشافيز. وأعيد انتخابه لولاية ثانية في 20 مايو/أيار 2018 بنسبة 67.8 في المئة في اقتراع شابته اتهامات واسعة بالتزوير ورفضته أطراف دولية عديدة. ومنذ توليه السلطة، وُجهت إليه اتهامات بتقويض الديمقراطية وانتهاك حقوق الإنسان، بينما تواجه البلاد أزمة اقتصادية خانقة أدت إلى واحدة من أكبر موجات النزوح في تاريخ أمريكا اللاتينية. ويحمّل مادورو خصومه مسؤولية الأزمة، متهماً إياهم بشن "حرب اقتصادية" ضده. وشهدت فنزويلا، منذ 2014، ركوداً اقتصادياً وتضخماً حاداً ونقصاً في السلع الأساسية. وفي أغسطس/آب 2017، أسس مادورو جمعية جديدة تملك صلاحية صياغة دستور جديد، أو تجاوز وحتى حل الجمعية الوطنية التي تسيطر عليها المعارضة، في خطوة رآها معارضوه تعزيزاً لسلطته. وكان مادورو وزيراً للخارجية بين 2006 و2013، ثم تولى الرئاسة بالإنابة عقب وفاة تشافيز في مارس/آذار 2013. وتعد زوجته المحامية البارزة والناشطة السياسية سيليا فلوريس، التي شغلت منصب النائب العام ورئاسة الجمعية الوطنية، من الشخصيات المؤثرة في الدائرة المقربة منه. ويصر مادورو على مواصلة السياسات الاقتصادية التي أطلقها سلفه، رغم ما آلت إليه الأوضاع من تضخم مفرط وهجرة جماعية.