
هل تصبح مصر بوابة أميركا التجارية نحو إفريقيا؟
وفي الوقت الذي تسعى فيه واشنطن لإعادة تموضعها الاقتصادي عالميًا عبر فرض تعريفات جمركية جديدة على عدد من الدول، تبدو القاهرة في موقع استثنائي يؤهلها لتكون شريكًا محوريًا في معادلة التبادل التجاري الجديد.
في هذا السياق، جاءت مداخلة الدكتور محمد أنيس، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي، ضمن برنامج "بزنس مع لبنى" على سكاي نيوز عربية، لتسلط الضوء على تفاصيل دقيقة تتعلق بالتعديلات الجمركية، وتأثيراتها المباشرة على الاقتصاد المصري ، وما تحمله من فرص كامنة لتوسيع نطاق الشراكة بين القاهرة وواشنطن.
تعد مصر ثاني أكبر اقتصاد في القارة الإفريقية ، ورابع أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط. في عام 2024، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 9.8 مليار دولار، فيما تستثمر 1800 شركة أمريكية داخل مصر بما يقارب 47 مليار دولار. كما سجلت صادرات الملابس الجاهزة المصرية إلى السوق الأمريكي نحو 1.2 مليار دولار خلال العام ذاته.
ليست هذه المؤشرات مجرد أرقام جامدة، بل تعكس حيوية سوق يضم أكثر من 107 ملايين نسمة، يتكامل مع شبكة من الاتفاقيات التجارية تتيح للمستثمرين الوصول إلى أكثر من 1.5 مليار مستهلك في إفريقيا والشرق الأوسط، مما يجعل من مصر بوابة محورية في سلاسل الإمداد الدولية.
إصلاحات سريعة واستجابات ذكية: خلفيات المشهد الجمركي الجديد
في حديثه، ربط د. محمد أنيس بين الإجراءات المصرية الأخيرة ومجموعة القرارات التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أبريل الماضي، في ما سماه "يوم التحرير" الاقتصادي، والذي شهد فرض تعريفات جمركية على مجموعة من الدول.
وأشار أنيس إلى أن نسبة الرسوم الجمركية المفروضة على مصر كانت منخفضة نسبيًا (10%)، إلا أنها اقترنت بما وصفه بـ"العوائق غير الضريبية"، مثل المتطلبات الفنية والمواصفات الأميركية ، خاصة ما يتعلق بإلزامية شهادة "الحلال" في واردات الألبان، والتي كانت تصدرها شركة واحدة فقط، مما قيد حركة الاستيراد وزاد من تكاليفه.
من هنا، جاءت الاستجابة المصرية بشكل سريع وحاسم عبر اتخاذ حزمة من الإجراءات النوعية لإزالة هذه العراقيل. أبرزها الإعفاء الدائم لمنتجات الألبان الأميركية من شرط الحصول على شهادة "الحلال"، وفتح السوق المصرية بالكامل أمام السيارات الأميركية دون عوائق جمركية. ووفق تحليل أنيس، فإن هذه الخطوة لم تكن فقط في إطار التسهيل التجاري، بل تهدف إلى الوصول لاحقًا إلى اتفاق تجارة حرة شامل مع الولايات المتحدة، وهو "طموح شخصي"، بحسب تعبيره، يتمنى أن يتحقق خلال العقد القادم.
رغم أن نسبة الرسوم كانت محدودة، إلا أن الأثر على الأسعار، بحسب أنيس، يفترض أن يظهر حتى وإن بهوامش بسيطة. فمعروف أن المنتجات الأميركية غالبًا ما تكون أعلى سعرًا من نظيراتها، وبالتالي فإن أي تخفيض في هذه الأسعار، حتى لو طفيفًا، سيحمل تأثيرًا مضاعفًا على المنافسين في السوق.
يرى أنيس أن هذه الانخفاضات قد تدفع الموردين الآخرين إلى خفض أسعارهم للحفاظ على قدرتهم التنافسية، ما يعني أن المستهلك المصري سيستفيد في نهاية المطاف من تحسن في الأسعار وتنوع في الخيارات، في مشهد اقتصادي يتسم بمزيد من الانفتاح والمرونة.
انتقل أنيس بعد ذلك إلى ملف أكثر حساسية وأهمية، وهو صادرات قطاع المنسوجات ، الذي وصفه بأنه "الفرصة الذهبية" للاقتصاد المصري. فبينما تصدر بنغلاديش ما قيمته 40 مليار دولار من المنسوجات سنويًا، فإن إجمالي الصادرات المصرية لا يتجاوز 42 مليار دولار، منها 4 مليارات فقط في قطاع المنسوجات، ربعها تقريبًا موجه إلى السوق الأميركية من خلال "اتفاقية كويز".
وفي ضوء توجهات ترامب المعلنة بعدم الاكتراث بالصناعات التقليدية مثل الملابس والمنسوجات، والتركيز على استعادة الاستثمارات في القطاعات المتقدمة كالذكاء الاصطناعي، فإن ذلك يفتح أمام مصر فرصة استراتيجية، كما يراها أنيس. إذ أن هروب الاستثمارات من بلدان مثل الصين وتايلاند وبنغلاديش بفعل الرسوم الجمركية الأميركية المرتفعة، قد يدفعها إلى إعادة التموضع في دول مثل مصر، التي تقدم مزايا لوجستية وتنافسية متعددة.
واستنادًا إلى هذه المؤشرات، يرى د. أنيس أن بالإمكان رفع صادرات مصر من المنسوجات وحدها من 4 إلى ما بين 15 و20 مليار دولار خلال فترة تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات، إذا ما أُحسن استغلال هذه التحولات، وهو ما وصفه بأنه "فرصة لا تعوض".
لم يقتصر التحليل على قطاع النسيج، بل امتد ليشمل قطاعات مصرية ذات ميزة نسبية عالية مثل الطاقة المتجددة، البتروكيماويات، الهيدروجين الأخضر، وحتى الطاقة التقليدية (النفط والغاز)، حيث تنشط شركات أمريكية كبرى مثل "شيفرون"، "أباتشي"، و"إكسون موبيل" في السوق المصرية.
ووفق قراءة أنيس، فإن الأزمة العالمية لإعادة تموضع الاستثمارات الغربية بعيدًا عن الشرق الآسيوي تمثل فرصة استراتيجية لمصر، كونها بلد يتمتع بموقع سياسي متزن، وبتكلفة إنتاج معقولة. لذا فإن تصنيع منتجات أمريكية في مصر ثم إعادة تصديرها إلى السوق الأميركية ، قد يكون حلاً وسطًا يوازن بين المتطلبات السياسية لواشنطن وضرورات التنافسية العالمية.
ما يبدو مفارقة، في حديث أنيس، أن توجه ترامب نحو دعم التصنيع المحلي لا يتناقض بالضرورة مع وجود استثمارات أمريكية في الخارج، طالما أنها لا تتموضع في الصين، التي وصفها أنيس بأنها "المنافس الجيوستراتيجي الأول للولايات المتحدة". ومن هنا، فإن البلدان "الصديقة" كالإمارات ومصر تمثل بيئات آمنة للتموضع الصناعي الأمريكي، دون أن تتعارض مع الرسالة السياسية للإدارة الأميركية .
واستشهد أنيس بتصريحات لترامب قال فيها إن اهتمامه ينصب على عودة الاستثمارات إلى أميركا في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة، لا التقليدية، مما يفتح الباب أمام توازن ذكي، تستفيد فيه دول مثل مصر من استثمارات في صناعات تقليدية، بينما تتجنب واشنطن "الإحراج السياسي" داخليًا.
الإغلاقات لا تصنع منتجًا جيدًا: فلسفة أنيس في السوق المفتوحة
وفي حديثه، وضع د. أنيس تصورًا منطقيا حول العلاقة بين الحماية الجمركية وجودة المنتج، معتبرًا أن "الحماية المطلقة لا تصنع منتجًا جيدًا، لا من حيث السعر ولا من حيث الجودة"، وأن السياسات الاقتصادية الأكثر فاعلية هي تلك التي تنفتح على الأسواق العالمية ضمن أطر تنظيمية منضبطة.
وحذّر من سياسات الانغلاق التي وصفها بأنها أدت إلى "منتجات رديئة بأسعار مرتفعة"، داعيًا إلى ضرورة انفتاح السوق المصرية على الخارج لتشجيع التنافس، وتحسين جودة المنتج المحلي.
وشدد د. أنيس على أن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة لمصر لن تؤثر سلبًا على علاقتها بالصين، مؤكدًا على ما سماه بـ"الاستقلال الاستراتيجي" الذي تمارسه مصر في علاقاتها الدولية.
ورأى أن العلاقات الجيدة مع واشنطن من شأنها أن تعزز العلاقات مع بكين، والعكس صحيح، طالما ظلت مصر في حالة توازن دقيق بين القوى الكبرى. وضمن هذا الإطار، شدد على أن توسيع الشراكة مع الولايات المتحدة لا يعني التخلي عن الصين، بل يمكن أن يسهم في تقوية العلاقات مع الطرفين.
يتضح من خلال تحليلات د. محمد أنيس أن مصر لا تنظر إلى الإجراءات الأميركية الأخيرة كتهديد، بل كفرصة لإعادة هيكلة علاقاتها التجارية، وفتح آفاق جديدة للقطاع الخاص، وتحسين البيئة التنافسية الداخلية.
وفي زمن تتصاعد فيه التوترات الاقتصادية العالمية ، يبدو أن القاهرة تتجه بخطى ثابتة نحو لعب دور أكثر فاعلية في الاقتصاد الدولي، مستفيدة من قدرتها على الموازنة بين القوى، ومرونتها في إدارة علاقات متعددة الاتجاهات.
الفرصة قائمة، والأرقام تدعم هذا الاتجاه، لكن الرهان يبقى على قدرة مصر في استثمار هذه اللحظة الفارقة، وترجمتها إلى طفرة اقتصادية تعيد رسم ملامح المشهد التنموي لعقود مقبلة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


سكاي نيوز عربية
منذ ساعة واحدة
- سكاي نيوز عربية
إسرائيل تمنع وفدا وزاريا عربيا من دخول رام الله
وأوضح المصدر الفلسطيني: "اتصالات عربية فلسطينية تجرى لإلغاء قرار إسرائيل منع الوفد الوزاري العربي من زيارة الضفة الغربية". وأضاف: " قرار إسرائيل منع الوفد الوزاري العربي هو تنفيذ لسياسة حكومة نتنياهو في إضعاف السلطة الفلسطينية بعد أن علموا أن الوفد جاء لدعم السلطة ماليا وسياسيا". وقال المصدر الفلسطيني المسؤول: "القيادة الفلسطينية تستنكر القرار الإسرائيلي بشدة وتحذر من تبعاته". وفي وقت سابق، أكد السفير الفلسطيني لدى السعودية مازن غنيم، أن اللجنة الوزارية العربية الإسلامية بشأن غزة برئاسة المملكة ستزور مدينة رام الله، الأحد.


البيان
منذ 2 ساعات
- البيان
المؤثر العراقي ياسر سالم: «منتديات دبي» محفز للتأثير الايجابي في المجتمعات العربية
أكد المؤثر ورجل الأعمال العراقي ياسر سالم أن المنتديات الإعلامية والقمم العالمية والعربية في مجال التواصل الاجتماعي التي تحتضنها دبي تمثل تحدٍ كبير للإعلام العربي والمؤثرين العرب ليكونوا قدوة في مجتمعاتهم، لانها باتت ملتقيات عالمية سنوية نصف سنوية يقدمون فيها أفضل ما لديهم وإن لم تكن الأفضل فلن يكن لك «موطي قدم» في دبي العالمية. وثمن ياسر سالم تنظيم دبي لقمة سنوية لنجوم التواصل الاجتماعي العرب فضلاً عن تخصيص جائزة تعتبر هى الأخرى محفزاً لرواد التواصل لتقديم الأفضل لاعتلاء منصات تتويج هذه الجائزة المفخرة، التي تقدم برعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله. وقال سالم انه وانطلاقاً من رؤية دبي التنويرية في مجال التواصل الاجتماعي فإن بدايته لم تكن رفاهية أو شهرة، بل من سنوات طويلة من البحث والتجربة. على مدار أكثر من 15 عامًا، كرّس فيها نفسه لدراسة الحياة " كيف نعيشها، كيف نفهم أنفسنا، وكيف نُحسن قراراتنا وعلاقاتنا. هذه الأمور لا تُدرَّس في المدارس، ولا تُنقل إلى بيوتنا بالشكل الكافي، بل هي رحلة داخلية يعيشها كل إنسان على طريقته". ويؤمن سالم أن المراهقين والشباب في عالمنا العربي بحاجة إلى من يوجّههم، ليس فقط بكلمات مثالية، بل بتجارب حقيقية، بأخطاء تم التعلّم منها، وبخطوات واضحة نحو تطوير الذات من الداخل، وتحسين الصحة النفسية، وتحقيق التوازن بين العمل والعائلة والطموحات الشخصية، وهي الرسالة المحورية التي يسعى لتقديمها من خلال محتوى رسالي بعيداً عن الاسفاف والبحث عن المتابعين أو الداعمين على حد سواء.


سكاي نيوز عربية
منذ 2 ساعات
- سكاي نيوز عربية
مظلوم عبدي: "قسد" على اتصال مباشر بتركيا
وتمثل التصريحات العلنية لمظلوم عبدي ، قائد قوات سوريا الديمقراطية"قسد"، انفتاحا دبلوماسيا مهما من جانبه، إذ خاضت القوات التي يقودها قتالا ضد القوات التركية ومقاتلي المعارضة السورية المدعومين من أنقرة خلال الحرب الأهلية التي استمرت 14 عاما. واتفقت تركيا وقوات سوريا الديمقراطية في ديسمبر على وقف إطلاق النار بوساطة أمريكية بعد اندلاع مواجهات مع تقدم جماعات المعارضة نحو دمشق وإسقاطها الرئيس السابق بشار الأسد. وقال عبدي لقناة شمس التلفزيونية في مقابلة تم بثها، الجمعة، إن الجماعة على اتصال مع تركيا، دون أن يوضح مدة بقاء قنوات الاتصال مفتوحة. وأضاف أن لديهم علاقات مباشرة وقنوات اتصال مباشرة مع تركيا، وكذلك من خلال وسطاء، معبرا عن أمله في أن يتم تطوير هذه العلاقات. وتقول تركيا إن وحدات حماية الشعب الكردية التي تقود قوات سوريا الديمقراطية لا يمكن تمييزها عن حزب العمال الكردستاني المتشدد، الذي قرر في وقت سابق من هذا الشهر حل نفسه بعد صراع دام 40 عاما مع الدولة التركية. وأشار عبدي إلى أن قواته والأتراك خاضوا حروبا طويلة ضد بعضهم بعضا لكن الهدنة المؤقتة أوقفت تلك الاشتباكات خلال الشهرين الماضيين، معبرا عن أمله في أن تصبح الهدنة دائمة. وعندما سُئل عما إذا كان يعتزم مقابلة أردوغان، قال عبدي إنه ليس لديه خطط حالية للقيام بذلك لكنه أوضح أنه لا يعارض، وأنهم ليسوا في حالة حرب مع تركيا ويمكن في المستقبل تطوير العلاقات معها مشيرا إلى أنهم منفتحون على ذلك.