logo
ماذا تغير سياسيا وأمنيا بأفغانستان بعد 4 سنوات من حكم طالبان؟

ماذا تغير سياسيا وأمنيا بأفغانستان بعد 4 سنوات من حكم طالبان؟

الجزيرةمنذ 2 أيام
كابل- في 15 أغسطس/آب 2021، دخل مقاتلو حركة طالبان العاصمة كابل دون مقاومة تذكر، وسيطروا على كامل التراب الأفغاني معلنين نهاية حكم جمهورية أفغانستان الإسلامية -بزعامة الرئيس السابق أشرف غني – المدعومة من الغرب.
ومع عودة طالبان إلى الحكم وانسحاب القوات الدولية بقيادة الولايات المتحدة وهروب غني، عاش المشهد الأفغاني تحوّلا جذريا، وواجهت طالبان تحديات جسيمة لبناء بناء دولة مستقرة وسط بيئة إقليمية ودولية معقدة.
وفي الذكرى السنوية الرابعة لسيطرة طالبان على السلطة، تتجدد الأسئلة بشأن مدى نجاحها في التحول من حركة مسلحة إلى سلطة حاكمة تدير دولة متعددة الأعراق والثقافات، وتحقق الاستقرار السياسي والأمني، وتواجه أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة.
وبينما تؤكد طالبان أنها "أعادت الأمن، وفرضت السيادة، وبدأت نهضة اقتصادية تدريجية" يرى معارضوها ومراقبون دوليون أن البلاد تواجه عزلة سياسية خانقة، وتراجعا في الحريات، وأزمات اقتصادية واجتماعية عميقة.
الأداء السياسي
سعت طالبان إلى بناء نظام حكم مركزي يسيطر على مؤسسات الدولة، لكنها شكلت حكومة ضيقة تقتصر على قيادات من داخل الحركة، مع غياب تمثيل أوسع للطوائف والأقليات، ولاسيما إقصاء النساء من مناصب رسمية.
وقد أثارت هذه الخطوة انتقادات واسعة من المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان، التي ربطت الشرعية الدولية لحكومة طالبان بمدى احترامها لحقوق الإنسان وبخاصة حقوق المرأة.
وفي مقابلة مع التلفزيون الوطني، أكد المتحدث باسم الحكومة ذبيح الله مجاهد وجود اتصالات دورية مع أميركا، وطلب للاعتراف الرسمي بالحكومة ونقل سلطة السفارة الأفغانية في واشنطن إلى كابل.
وقال مجاهد إنه "وبالرغم من أننا لم نتلق ردا إيجابيا، فإن الشعب الأفغاني يريد حقوقه" داعيا دول العالم إلى رفع الحركة من قائمة المنظمات الإرهابية كما فعلت روسيا.
وفي المقابل، يشير محللون تحدثوا للجزيرة نت إلى أن السياسات المتشددة لطالبان في مجال حقوق الإنسان، وخصوصا القيود على تعليم وعمل النساء، إلى جانب غياب مؤسسات ديمقراطية ومراقبة شفافة، تقوّض شرعية الحركة وتدفع بعزلة أفغانستان على الساحة الدولية.
غياب دستور الدولة
ومن بين التحديات الكبرى -التي واجهت طالبان خلال سنوات حكمها الأربع- غياب دستور جديد معتمد يحدد هوية الدولة ويؤطر عمل مؤسساتها، ويحكم النظام السياسي في البلاد بدلا عن حالة الفراغ القانوني والسياسي.
ويعمل النظام الحالي في إطار "حكومة تصريف أعمال" إذ لم تشكل حتى الآن حكومة كاملة، مما يعكس حالة عدم استقرار مؤسساتي، بينما يُعمِّق غياب الدستور وبناء مؤسسات قوية أزمات الشرعية والفعالية الحكومية، ويؤثران سلبا على الجهود الداخلية والخارجية لرفع الحصار الدولي والحصول على اعتراف دبلوماسي.
ويؤكد المحلل السياسي منصور أحمدزي أن "غياب دستور واضح يُعوِّق بناء دولة مؤسسات، ويترك الباب مفتوحا لتفسيرات متباينة للسلطة وللقوانين، مما يزيد من انعدام الثقة بين المواطنين والحكومة".
ويضيف أحمدزي للجزيرة نت أن "الاستمرار في نظام تصريف الأعمال لأكثر من 4 سنوات يعكس ضعفا واضحا في القدرة على إدارة شؤون البلاد بشكل دائم ومستقر".
ومن جهته، يربط الخبير الاقتصادي سراج الدين هجرة النخب المتعلمة والمختصة إلى الخارج بضعف بناء الدولة، معتبرا أن "النخب العلمية والإدارية هي حجر الأساس لأي عملية إصلاح وتنمية، وفقدانها يعني تراجعا كبيرا في قدرة الحكومة على تنفيذ سياسات اقتصادية واجتماعية ناجحة".
إنجازات وتحديات
في المقابل، يشير أحمدزي إلى أن حركة طالبان تمكنت من تحقيق بعض المكاسب الأمنية المهمة خلال السنوات الأربع الماضية، وبسطت السيطرة الأمنية في معظم مناطق البلاد، مما ساهم في تقليل جرائم العنف والاشتباكات المسلحة التي كانت تهدد حياة المواطنين.
وأضاف أحمدزي أن العملة الأفغانية شهدت استقرارا نسبيا رغم الظروف الاقتصادية الصعبة والعزلة الدولية، وهو مؤشر إيجابي ضمن الأزمة الاقتصادية الحالية.
ومن جانبه، يلفت سراج الدين للجزيرة نت إلى أن طالبان حاولت تنفيذ بعض مشاريع الإعمار والبنية التحتية، خصوصا في مجالات الطرق والكهرباء، والتي تعكس بداية خطوات نحو نهضة اقتصادية تدريجية.
ويعتقد البعض أن قضية إغلاق المدارس والجامعات أمام الفتيات واحدة من أبرز التحديات التي تعيق تقدم البلاد، مما يؤثر على صورة طالبان داخليا ودوليا ويطرح تساؤلات حول مستقبل التنمية والتعليم في أفغانستان.
تفاهمات لم تتحقق
تُعد اتفاقية الدوحة، التي وُقّعت في فبراير/شباط 2020 بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، نقطة تحول حاسمة في مسار الأزمة الأفغانية.
ونصت هذه الاتفاقية على انسحاب القوات الأميركية مقابل تعهد طالبان بعدم السماح لأي مجموعات مسلحة باستخدام الأراضي الأفغانية لتهديد أمن الولايات المتحدة أو حلفائها، وفتح باب المفاوضات بين الأطراف الأفغانية لتشكيل حكومة شاملة.
لكن مراقبين أفغانيين يرون أن العديد من بنود الاتفاقية لم تُنفّذ على الأرض، وبحسب تصريحات محمد حنيف أتمر للجزيرة نت، آخر وزير خارجية بالحكومة الأفغانية السابقة، تجاهلت الولايات المتحدة وطالبان عمدا 3 من 4 تعهدات أساسية، وهي مكافحة الإرهاب، إطلاق مفاوضات سلام داخلية، وتشكيل حكومة دائمة مع وقف إطلاق النار الدائم، في حين تم تنفيذ الانسحاب العسكري فقط.
واعتبر أتمر أن "هذا التجاهل المتعمد قاد إلى سقوط كارثي للنظام الجمهوري السابق، وخلّف تداعيات أمنية وإقليمية تجاوزت حدود أفغانستان" مضيفا أن الخلافات الداخلية والفساد وعدم وجود قيادة موحدة بين السياسيين السابقين أسهمت في هذا الانهيار.
كما أن عدم تنفيذ بنود الاتفاقية -برأيه- أسهم بتعميق عزلة طالبان دوليا، وأعاق جهودها في بناء دولة مؤسسات قادرة على إدارة التنوع الأفغاني وتعزيز الاستقرار.
وتظل الاتفاقية مرجعا مهما لفهم الوضع الراهن، إذ يعاني هذا البلد من آثار عدم تنفيذ الالتزامات الأمنية والسياسية التي وعد بها الطرفان، مما يطرح تساؤلات جدية حول إمكانية تحقيق السلام والاستقرار الدائم في المستقبل.
تحديات داخلية
لا يزال الملف الأمني يشكل تحديا بارزا للحكومة الأفغانية الجديدة، وأعلن المتحدث باسم الحكومة ذبيح الله مجاهد أن الحركة بذلت جهودا كبيرة لتحقيق الأمن في معظم المناطق، وتمكنت من تقليل جرائم العنف بشكل ملحوظ، كما تلاحق الجماعات المسلحة المعادية بحزم.
وبدوره، يقول المحلل الأمني الأفغاني محمد جمشيد للجزيرة نت إن تنظيم الدولة الإسلامية-خراسان ما زال يشكل تهديدا للأمن الداخلي، لكنه أوضح أن طالبان استطاعت إلى حد كبير الحد من نشاطات الجماعات المسلحة الأخرى التي كانت تزعزع استقرار بعض المناطق.
وأضاف جمشيد أن المواجهة الأمنية مستمرة، والحركة تبذل جهودا للحفاظ على الاستقرار الأمني رغم التحديات، إلا أن ضعف الدعم الدولي والعزلة السياسية تضعف من قدرة قوات الأمن على تحديث قدراتها وتأمين الحدود.
جدل الاعتراف الدولي
وتظل قضية الاعتراف الدولي بحكومة طالبان محل جدل واسع، إذ لم تعترف أي دولة كبرى بالحكومة رسميا، باستثناء روسيا التي رفعت طالبان من قائمة المنظمات الإرهابية، مما منحها دعما دبلوماسيا محدودا.
وفي جلسة استماع بالكونغرس الأميركي، قال وزير الخارجية ماركو روبيو إن واشنطن تراجع تصنيف طالبان كجماعة إرهابية أجنبية، وإن القرار النهائي سيُتخذ بناء على نهج السياسة الأميركية تجاه الحكومة الأفغانية في المستقبل.
وأضاف أن الإدارة الأميركية حققت نجاحات في الإفراج عن بعض الرهائن، لكنه أشار إلى أن غياب الدبلوماسيين الأميركيين في كابل يعود إلى مخاوف أمنية.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترنح العقارات وتراجع الإنفاق يدق ناقوس الخطر بالصين
ترنح العقارات وتراجع الإنفاق يدق ناقوس الخطر بالصين

الجزيرة

timeمنذ 4 ساعات

  • الجزيرة

ترنح العقارات وتراجع الإنفاق يدق ناقوس الخطر بالصين

كشفت بيانات حديثة عن تفاقم أزمة قطاع العقارات في الصين وتراجع الثقة الاستهلاكية، لتشكل معًا عبئا مضاعفا على خطط الرئيس شي جين بينغ لإعادة التوازن للنمو الداخلي. ووفقًا لتقرير نشرته وكالة بلومبيرغ، فإن السياسات الحكومية التي وُصفت على مدى الأعوام الماضية بأنها "شبه يائسة"، لم تحقق أي نتائج ملموسة، بل أظهرت الأرقام أن الانكماش في الاستثمار العقاري بلغ مستويات غير مسبوقة منذ صدمة جائحة كورونا في 2020، في حين تراجعت مؤشرات الثقة والاستهلاك إلى أدنى مستوياتها منذ عقود. وتأتي هذه التطورات في وقت حساس للغاية، حيث تتزايد الضغوط على بكين لتقليل اعتمادها على التصدير، خصوصًا بعد التصعيد في الحرب التجارية مع واشنطن. إلا أن بلومبيرغ تشير بوضوح إلى أن "كل الوعود السياسية والعروض الدعائية لم تنجح في تغيير المزاج العام". عقارات تنهار رغم تدخل الدولة أظهرت المؤشرات أن أسعار المنازل الجديدة والقائمة واصلت الهبوط المتتالي منذ أغسطس/آب 2021، مع تسارع الانخفاض في يوليو/تموز الماضي خصوصًا في الوحدات الجديدة. وكشفت بيانات بلومبيرغ أن الاستثمار في القطاع العقاري خلال العام حتى الآن انكمش بأكبر وتيرة منذ صدمة جائحة كورونا. وسُجِّلت "محطة قاتمة" أخرى مع استعداد مجموعة إيفرغراند، التي كانت يومًا أكبر مطور في البلاد، للشطب من بورصة هونغ كونغ. ورغم الإجراءات الحكومية المتعددة، بدءًا من تسهيلات الإقراض وخفض أسعار الفائدة وحتى محاولة استنساخ نموذج الإسكان الاجتماعي في سنغافورة، لم يُظهر السوق أي مؤشرات على التعافي. وأكد التقرير أن تعهد الرئيس شي جين بينغ في سبتمبر/أيلول الماضي بوقف الانهيار و"استقرار السوق" بقي بلا نتائج ملموسة. ثقة المستهلكين تتراجع إلى مستويات متدنية انعكس تدهور العقارات مباشرة على ثقة الأسر الصينية، التي تضررت أولًا بقيود الجائحة ولم تستعد عافيتها منذ ذلك الحين. وأكدت بلومبيرغ أن "جميع الوعود الحكومية بالدعم ومحاولات التودد للقطاع الخاص لم تنجح في رفع معنويات الأسر". إعلان بل إن المزيد من المقترضين قرروا في يوليو/تموز الماضي تسديد ديونهم بدلًا من الحصول على قروض جديدة، مما تسبب في أول انكماش لقروض البنوك الصينية منذ عقدين. وكشفت البيانات الأخيرة أن مبيعات التجزئة ارتفعت بنسبة 3.7% فقط على أساس سنوي، فيما نما الإنتاج الصناعي بـ5.7%. أما على أساس شهري، فسجل الإنفاق الاستهلاكي تراجعًا للشهر الثاني على التوالي، وهو ما لم يحدث منذ فترة الإغلاقات في 2022. وكتب خبراء بلومبيرغ إيكونوميكس أن "ضعف الزخم الذاتي" للاستهلاك أصبح واضحًا بعد نفاد التمويل المخصص لبرنامج تحفيزي حكومي قائم على استبدال الأجهزة المنزلية والسيارات القديمة. أزمة ائتمان تزداد قتامة أظهرت الأرقام الخاصة بالإقراض صورة أكثر سوداوية، إذ ارتفع المؤشر الواسع للائتمان في يوليو/تموز الماضي، لكن ذلك كان مدفوعًا إلى حد كبير بإصدار السندات الحكومية لتسوية ديون السلطات المحلية المتعثرة. وحسب تقديرات جيه بي مورغان، فإن 55% من القروض الجديدة تُستخدم فقط لسداد فوائد الديون القائمة. وأوضح المحللان جهانغير عزيز وتينغ تينغ جيه أن نمو القروض بعد خصم الفوائد بلغ 3.5% فقط على أساس سنوي، مقارنة بمتوسط 8% بين 2016 و2023، واعتبرا أن "هذا ينذر بمستقبل قاتم للشركات ولنمو الناتج المحلي الإجمالي". صادرات ترتفع رغم الحرب التجارية وسجّلت الصين مفاجأة في الصادرات رغم الضعف المحلي، إذ ارتفعت في يوليو/تموز الماضي بنسبة 7.2% إلى 322 مليار دولار، متجاوزة التوقعات. وأوضحت بلومبيرغ أن الزيادة جاءت من شحنات قوية إلى الاتحاد الأوروبي وجنوب شرق آسيا وأستراليا، عوضت التراجع المستمر منذ أربعة أشهر في الصادرات إلى أميركا، التي تشدد القيود التجارية في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب. حدود التحفيز والسياسة الاقتصادية ويبقى التساؤل الأكبر مطروحًا: لماذا لا تقدم بكين حزما تحفيزية كبرى لإنقاذ العقارات أو لتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي؟ ووفق بلومبيرغ، هناك سببان رئيسيان: ركّزت القيادة على القطاعات التكنولوجية المتقدمة، التي يواصل الحزب الحاكم دعمها باعتبارها أولوية إستراتيجية. افتقرت الصين إلى القدرة على إطلاق حزم إنقاذ واسعة بسبب "الانكماش المستمر"، حيث نما الناتج المحلي الإجمالي الاسمي في الربع الثاني بنسبة 3.9% فقط، وهو أدنى مستوى منذ بدء السجلات عام 1993 باستثناء فترة الجائحة، وأقل من نمو اليابان البالغ 4.2%. وخلص تقرير بلومبيرغ إلى أن البيانات الأخيرة تمثل "جرس إنذار لبكين"، لكن فرص إحداث تحول حقيقي لتعزيز الطلب المحلي تظل ضئيلة. ورغم مفارقة الأداء الإيجابي في التصدير، فإن الداخل الصيني يغرق في أزمة ثقة واستهلاك ضعيف، وعقارات منهارة، ونمو اسمي يلامس مستويات خطيرة من الركود التضخمي.

"الإمارة الإسلامية" التي تُعلِّم الفتيات الانتصار في الحروب
"الإمارة الإسلامية" التي تُعلِّم الفتيات الانتصار في الحروب

الجزيرة

timeمنذ 5 ساعات

  • الجزيرة

"الإمارة الإسلامية" التي تُعلِّم الفتيات الانتصار في الحروب

مع الذكرى الرابعة لتحرر أفغانستان الحقيقي من الاحتلال الأجنبي، وجدنا أنفسنا- بعد مرور عام ونصف على آخر زيارة- في أرضها من جديد، بدافع مناسبة خاصة. وبينما كانت سياراتنا تشق طريقها وسط الفوضى المرورية في شوارع كابل، كان أول ما لفت انتباهنا شبه انعدام إشارات المرور. المركبات تتقاطع في مسارات متقابلة بأقصى سرعة، ثم تنحرف فجأة في اللحظة الأخيرة لتتفادى التصادم، وتواصل سيرها وكأن شيئا لم يكن. مشهد يصعب على من اعتاد نظام المرور في تركيا أو أوروبا أن يتقبله بسهولة، ولكنه هنا "نظام في قلب الفوضى" يعمل بشكل غريب وفعال. لكن هذه الملاحظة العارضة قادتنا لاكتشاف آخر؛ إذ علمنا أن "الإمارة الإسلامية"- التي تحكم البلاد للمرة الثانية منذ أربع سنوات- قد وضعت بالفعل قوانين لتنظيم المرور، غير أن هذه القوانين بلا غرامات مالية، لأن العقوبات المالية غير جائزة في الفقه الحنفي، والإمارة ملتزمة بهذا الحكم، فلا تفتح له بابا. أمر يبدو غير قابل للفهم بعقل مشبع بمقاييس العصر الحديث، حيث تُقرأ الأمور دوما بمنطق المنفعة أو المصلحة أو العائد المالي. لمن اعتاد البحث عن البراغماتية أو حتى الفساد في كل قرار، سيكون من المستحيل تقريبا أن يفهم كيف يمكن التضحية بمصدر دخل كبير لمجرد أنه يخالف قاعدة فقهية. وهذا، في الحقيقة، مثال نموذجي على ما يمكن تسميته "سياسة المستحيل". فعندما كتب وائل حلاق كتابه الدولة المستحيلة: لماذا لا يمكن قيام دولة إسلامية في العصر الحديث، جادل بأن دولة تقوم على أسس أخلاقية محضة أمر غير ممكن، لكن طالبان- في ظاهر ممارساتها- تبدو وكأنها تسعى لإثبات العكس. فالدولة الحديثة، بطبيعتها كما يرى حلاق، لا يمكن أن تكون أخلاقية، ولا يمكن تمثيل الإسلام الحقيقي داخل بنيتها، إلا إذا تجاهلت مقاييس الحداثة وموازين القوى والنظام العالمي وأولوياته… وهذا بالضبط ما تفعله طالبان، فهي لا تبالي بشيء من ذلك. خلال زيارتنا، لمسنا في شخصيات الوزراء الذين التقيناهم، وفي أسلوبهم وفلسفتهم، ملامح مشتركة: تواضع بالغ أمام المسلمين، وثقة صارمة أمام الأعداء، وحرص على التأكيد بأن ما يهمهم هو معايير الشريعة وحدها، فهي خط أحمر لا يُتجاوز. ووفقا لنظرتهم، السيادة الحقيقية لله وحده، وشريعته فوق الجميع، ولا يملك أحد- حتى طالبان نفسها- أن يستثني نفسه من أحكامها. حتى أسبوعين مضيا، لم تكن أي دولة قد اعترفت رسميا بحكم طالبان، حتى جاء اعتراف روسيا مؤخرا. ورغم ذلك، للإمارة علاقات دبلوماسية وتجارية فعلية مع أكثر من مئة دولة. ويأمل مسؤولوها أن يتبع الاعترافَ الروسي اعترافُ دول أخرى، لكن هذه التطلعات لا تجعلهم مستعدين للمساومة على مواقفهم أو معتقداتهم أو التزاماتهم بالشريعة والأخلاق الإسلامية. ومن أكثر النقاط التي وُجهت لهم فيها الانتقادات: قضية عدم السماح للفتيات بالتعليم في المدارس الثانوية والجامعات. في إحدى الأمسيات، التقينا وزير التعليم، المولوي حبيب الله آغا، على مائدة عشاء في سطح مدرسة دينية متواضعة، يمتلكها ابن أخيه- وهو أحد قادة طالبان- وتضم مئات الطلاب. جاء الوزير بلا أي مظاهر رسمية أو حراسة لافتة، وجلس بين الحاضرين ببساطة، ثم بدأ، دون أن يسأله أحد، بشرح واقع التعليم الحالي: ملايين الطلبة- ذكورا وإناثا- يتلقون التعليم الأساسي حتى الصف السادس، ومن بعده تواصل الفتيات دراستهن في العلوم الشرعية حتى الصف الثاني عشر، ويشمل ذلك ملايين الطالبات. ثم أضاف أن هناك خططا جاهزة تقريبا لإطلاق برامج جديدة تتيح لهن التعليم الجامعي، سيُعلن عنها قريبا. أوضح الوزير أن المناهج السابقة- خلال حقبة الاحتلال- خرّجت أجيالا تفكر بعقلية "مستعمَرة"، أما اليوم فهم على وشك إتمام إعداد مناهج جديدة تراعي "أفغانستان حرة"، مشيرا إلى أن بإمكانه تلقي أسئلة الحاضرين. في مداخلتي، عبّرت أولا عن تقديري لنضالهم الممتد لخمسين عاما ضد قوى الاحتلال الكبرى، والذي انتهى بإجبارها على الرحيل، وهو ما يستحق كل احترام. ثم عرضت رأيا قد يفيد في مسار التعليم: لا ينبغي حصر الطالب- ذكرا أو أنثى- بين خيارين متباينين هما "التعليم الديني" و"التعليم الحديث"، بل يمكن الجمع بينهما. وضربت مثالا بمدارس "الإمام والخطيب" في تركيا، التي- رغم عيوبها- نجحت في مزج العلوم الحديثة بالعلوم الإسلامية، مما منحها طابعا إسلاميا عاما. وأشرت إلى أن حصر الفتيات في التعليم الشرعي بعد الصف السادس قد يتركهن غير مهيئات للالتحاق بالجامعة إذا فُتح بابها لهن مستقبلا، وهو ما قد يسبب لهن حرمانا أو ظلما. أصغى الوزير باهتمام كبير، ورد بعبارات لافتة: "نحن اليوم تحت حكم العلماء الذين جعلوا العلم محور حياتهم، فكيف نريد الجهل للنساء أو لغيرهن؟ وكيف يمكن أن نمنع تعليمهن؟ كل ما نقوم به الآن هو إعدادٌ وتجهيز. نحن نعمل على نظام يمكّن البنات من مواصلة تعليمهن، نحن نريد أن نُعلِّمهم ليكونوا قادرين دائماً على خوض غمار الحياة والانتصار في الحروب، ونستمع باهتمام لنصائح إخواننا المسلمين حول العالم، ونستفيد منها. نموذج الإمام والخطيب الذي ذكرتموه مثير للاهتمام، وقد سمعنا به من قبل، فإذا استطعتم تزويدنا بمناهجه فسندرسه ونستفيد منه". كان جوابه باعثا على السرور ومثيرا للتأمل، إذ يحمل نبرة تتناقض مع الصورة النمطية التي رُسمت لطالبان لسنوات بشأن تعليم البنات. وربما، بهذا التوجه، نكون أمام بداية حل لإحدى أبرز الذرائع التي استُخدمت لعزل أفغانستان عن العالم. ومع ذلك، يجب التنبه إلى أن الإمارة الإسلامية لا تعالج هذا الملف تلبية لمطالب الغرب، بل وفق رؤيتها والتزامها بمقتضيات الشريعة الإسلامية وحدها.

تايمز: آلاف الاعتقالات في إيران بحملة تطهير الجواسيس من الداخل
تايمز: آلاف الاعتقالات في إيران بحملة تطهير الجواسيس من الداخل

الجزيرة

timeمنذ 6 ساعات

  • الجزيرة

تايمز: آلاف الاعتقالات في إيران بحملة تطهير الجواسيس من الداخل

قالت صحيفة تايمز إن إيران اعتقلت عشرات الآلاف بعد أن أمرت السلطات قوات الأمن بمطاردة الجواسيس الذين ساعدوا إسرائيل في اغتيال كبار القادة العسكريين والعلماء في البلاد. وذكرت الصحيفة -في تقرير بقلم سامر الأطرش- أن وسائل إعلام رسمية أفادت بأن نداء موجها إلى الإيرانيين لتسليم الأشخاص "المشتبه بهم" للشرطة أدى إلى اعتقال الآلاف، وقال رئيس المحكمة العليا في البلاد إنه سيتعامل "بحزم وقانونية" مع الجواسيس، وذلك بعد أسبوع من إعدام إيران جاسوسا مزعوما آخر لإسرائيل. واستهدفت الحملة التي دانتها الأمم المتحدة الأقليات العرقية والدينية في إيران بشكل خاص، بعد أن طردت آلاف الأفغان، واعتقلت من بين آخرين، صحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان، حسب الأمم المتحدة. وذكرت تايمز أن إيران تعرضت لإذلال شديد في حربها الأخيرة مع إسرائيل، عندما بدأت الحرب بمهمة إسرائيلية سرية شلّت الدفاعات الجوية للبلاد، قبل موجة من الغارات الجوية التي قطعت رؤوس الجيش الإيراني وقتلت ما يقرب من 20 عالما نوويا، وظهر أن المخابرات الإسرائيلية قد اخترقت البلاد بعمق على أعلى المستويات، مع إنشاء شبكات من خلايا الكوماندوز التي برزت للعمل خلال الحرب. ونشرت إسرائيل بعض اللقطات لهؤلاء الكوماندوز وهم يخربون الدفاعات الجوية الإيرانية بطائرات مسيرة، مما سمح لإسرائيل بالتحرك بحرية في المجال الجوي الإيراني خلال الحرب. رد فعل وعلقت الصحيفة بأن جزءا كبيرا من نجاح إسرائيل في الحرب لم يكن بسبب ما فعله سلاحها الجوي، بل بسبب الاختراق الاستخباراتي والعمليات البرية التي قام بها عملاء الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (الموساد). وقال الباحث الإداري في مركز الحوكمة العالمية فرزان ثابت "أشعر أن الحملة رد فعل على إذلال هذا التسلل الهائل للنظام والبلاد. إنهم لا يحبون مواجهة الواقع، لذا من الأسهل شن حملة قمع". وتواصل إسرائيل تشجيع الإيرانيين على التمرد، وكان آخر ما قامت به دعوة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو هذا الأسبوع الإيرانيين، في بيان، إلى "التحلي بالشجاعة والجرأة والنزول إلى الشوارع". إعلان ومع أن إيران أعلنت بشكل دوري عن اعتقالات وإعدامات لجواسيس مشتبه بهم، فإنها تعلن عن أي جواسيس رفيعي المستوى في حكومتها أو أجهزتها الأمنية. وقالت سنام وكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط في تشاتام هاوس: "قد يكون استدعاء الأقليات وإخضاعهم للاستجواب أمرا سهلا… لكن السؤال الأهم: أين مصدر التسريبات داخل دوائر النظام العليا؟ فالوصول يتم عبر مستويات متعددة، ومن الواضح أننا لن نعرف من هو المتورط في الصفوف القيادية".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store