logo
«المراهقة المحرجة» المتواصلة للثورة الإعلامية

«المراهقة المحرجة» المتواصلة للثورة الإعلامية

الشرق الأوسطمنذ 17 ساعات
هناك ثورة هادئة تحدث في كيفية تحديد ملايين الأميركيين ما هو حقيقي.
الثقة تتلاشى من المؤسسات التقليدية -الإعلام والحكومة والتعليم العالي- وتتحول إلى أصوات فردية عبر الإنترنت، من بينها منشئو المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، كما كتبت جيسيكا يلين(*).
وقد أفاد معهد «رويترز» بأن هذا العام، ولأول مرة، سيحصل عدد أكبر من الأميركيين على أخبارهم من منصات التواصل الاجتماعي والفيديو -بما في ذلك «إنستغرام» و«فيسبوك» و«يوتيوب» و«تيك توك» و«إكس»- مقارنةً بالمنافذ التقليدية. ووفقاً لمركز «بيو» للأبحاث، يلجأ واحد من كل خمسة بالغين الآن بانتظام إلى المؤثرين للحصول على الأخبار.
ويُعد هذا احتمالاً مرعباً لمن يهتم بالمعلومات الموثوقة، فوسائل التواصل الاجتماعي تُكافئ جوانب الانتشار السريع للأخبار، لا المصداقية. اقضِ خمس دقائق في تصفح «تيك توك» أو «إنستغرام»، وقد تصادف مؤثرين «يعلِّمونك» عن نخبة عالمية تدير العالم من «قارات مخفيّة» خلف «جدار جليدي» في القارة القطبية الجنوبية، أو يمتدحون فضائل مادة الزيوليت zeolite، «مادة رابطة بركانية للعفن» التي يمكنها «تنظيف جميع أنواع السموم تماماً» بهدف رفع ضباب الدماغ، والوقاية من السرطان، وإزالة المواد البلاستيكية الدقيقة من الخصيتين... إنها بيئة مصممة بشكل مثالي لتوسيع نطاق كل من المعلومات المضللة والاحتيال الماكر.
ومع ذلك، فإن الفكرة الشائعة بأن وسائل التواصل الاجتماعي مجرد حريق قمامة من الأكاذيب الفيروسية تفتقر إلى شيء حيوي؛ إذ لا يزال ملايين الأشخاص يهتمون بالحقيقة. إنهم يبحثون عن الحقائق على وسائل التواصل الاجتماعي من أصوات موثوقة يمكنهم الوثوق بها. إنهم ليسوا متأكدين دائماً من مكان العثور عليها أو ممَّن.
أنا أعرف ذلك لأنني أتفاعل مع هؤلاء الأشخاص كل يوم. كنت من بين أوائل الصحافيين المستقلين الذين جلبوا التقارير الإخبارية إلى «إنستغرام»؛ اليوم، منصتي، «أخبار لا ضجيج» News Not Noise تمتد عبر «إنستغرام» و«يوتيوب» و«بودكاست» و«سابستاك» ومنصات أخرى. وخلال سنوات من التفاعل المباشر مع جمهور المنصة، يبقى السؤال الذي أتلقاه أكثر من أي سؤال آخر، ببساطة: «هل هذا (الخبر المنشور) صحيح؟».
أنا هنا لأخبركم أن الحقيقة لم تَمٌتْ، فآلاف الأشخاص مثلي يعملون عبر الإنترنت فيما أسميهم أناساً «مبدعين مستندين إلى الأدلة».
والعمل معركة شاقة، فمجموعتي ليست شخصيات إعلامية بمستوى عالٍ مع فرق علاقات عامة وطواقم إنتاج وفريق بحث للتحقق من صحة العبارات اللاذعة... نحن أصوات مستقلة تعمل دون شبكات أمان. أحب أن أعدنا المعادل الرقمي للطهاة المهرة الذين يعملون في مصنع للوجبات السريعة المُنتجة بكميات كبيرة.
إن ما يجعلنا أشخاصاً ذوي قيمة -هوسنا بالحقائق، والتزامنا بالتفاصيل الدقيقة، وساعاتنا التي نقضيها في الإجابة عن أسئلة الجمهور عبر التطبيقات- يضعنا في وضع حرج للغاية في ظل «اقتصاد يهتم باجتذاب الاهتمام».
ما الذي يتطلبه الأمر مثلاً لإنتاج فيديو أنيق يدّعي أن شحم البقر هو الفياغرا الطبيعية؟ خمس عشرة دقيقة مع هاتف آيفون دون أي اعتبار للواقع... فيما نجمع الادعاءات وندحضها ونحاول جعل الأفكار المعقدة دقيقة وجذابة في آن واحد.
إن كل هذا يترك المبدعين القائمين على الأدلة في مأزق غريب. نحن نُقدّر بلا شك؛ فشركة Substack، على سبيل المثال، تُثبت أن الجمهور مستعد لدعم «المحققين» الذين يثقون بهم مالياً. لكننا ما زلنا منفصلين إلى حد كبير عن الموارد وأطر العمل التعاونية التي يُمكن أن تُضاعف تأثيرنا.
نحن نعمل بجد في العمل نفسه لدرجة أن فرصتنا ضئيلة لبناء الأسس اللازمة لإنشاء نموذج جديد ودائم في النشر الرقمي -نموذج يتضمن أدوات مثل التسويق عالي الكفاءة، ومحركات النمو؛ للوصول إلى جماهير جديدة، والإشراف التحريري للمساعدة في اتخاذ القرارات الصعبة، والبحوث المشتركة التي من شأنها أن تمنع كل واحد منا من الاضطرار إلى بناء الخبرة من الصفر مع كل قصة جديدة.
ومع هذا فإنني أرى هذه العقبة فرصة. إذ يُظهر لنا التاريخ أن القطاعات التي تواجه ثورة تكنولوجية لا تميل إلى الانهيار ببساطة، بل تتحول.
انظروا إلى ما حدث لصناعة الموسيقى عندما حطَّمت «سبوتيفاي» وشركتها التابعة لخدمات البثّ، الحفلات. في الماضي، كان الموسيقيون يعيشون ويموتون بفضل مبيعات الألبومات والبث الإذاعي، وكانت شركات الإنتاج الكبرى بمثابة حراس البوابة... ثم فجَّر البث التدفقي الآفاق.
كانت الثورة فوضوية. وجد كثير من الفنانين أنفسهم مع عدد مستمعين أكبر من أي وقت مضى، لكنَّ رواتبهم لا تكفي. لم يكن الحنين إلى الأقراص المدمجة أو الأسطوانات هو ما ساعد صناعة الموسيقى على ترسيخ أقدامها، بل كانت البنية التحتية الجديدة: تنظيم قوائم التشغيل الذي ساعد المستمعين على اكتشاف هوسهم التالي، وأدوات التحليل التي أخبرت الفنانين بمن يستمع بالفعل، وخدمات التوزيع التي نقلت الموسيقى إلى المنصات، ونماذج الأعمال التي تجاوزت عائدات البث التدفقي لتشمل إيرادات البث المباشر للمعجبين والتسويق.
لا يزال الفنانون يواجهون تحديات، لكن شركات الإنتاج الآن تستثمر بكثافة في البيانات لفهم التوجهات، وتقدم للفنانين أنواعاً مختلفة من الصفقات، وتستخدم قوتها التسويقية لمساعدتهم على تجاوز ضجيج العصر الرقمي المتعب. تطور هذا القطاع من خلال ابتكار أدوات تُكمل خوارزميات البث التدفقي بدلاً من محاربتها، مما يساعد الفنانين على فهم جماهيرهم.
في نظامنا البيئي الحالي للمعلومات، نحن عالقون في مرحلة المراهقة المحرجة لثورة إعلامية. فالحاجة إلى الابتكار ملحة للغاية، إذ إن الصحف المحلية تُحتضر، مثل قاعات الطعام في المراكز التجارية -فقد أُغلق أكثر من 2500 منها منذ عام 2005. وتتعرض وسائل الإعلام التقليدية لهجوم من إدارة الرئيس ترمب. ويغمرنا الذكاء الاصطناعي بمحتوى مزيف مقنع، مما يجعل من رواة الحقيقة من البشر ضرورةً كبرى.
غالباً ما تتعثر المناقشات حول الصحافة والثورة التكنولوجية عند مشكلات أو عدم كفاية أي حل. لقد حان الوقت لتغيير ذلك. لذا سأتخذ الخطوة الأولى وأقترح بعض الابتكارات غير المثالية.
* أولاً، يمكن للجمهور الاستفادة من نظام اعتماد مستقل خارج الإطار المألوف حالياً، لمساعدتهم على تمييز الأصوات المستقلة التي تلتزم بالمعايير الصحافية. ويحتاج الجمهور إلى إشارات حول من يلتزم بالدقة ومن يسعى فقط وراء الإعجابات.
و أحد الحلول: شهادة مماثلة لشهادة LEED (Leadership in Energy and Environmental Design شهادة دولية حول مطابقة الأبنية للشروط البيئية-المحرر) طوعية غير ربحية تمنح شيئاً مثل علامة اختيار زرقاء -ولكن يتم فحصها بدقة أكبر بكثير- للمبدعين الذين يستخدمون مصادر موثوقة متفق عليها، ويتحققون من وقائعهم، ويكشفون عن ذلك المحتوى الذي حصلوا فيه على رعاية من الخارج. أُدرك أن أي نظام اعتماد يُعرّض لرد فعل عنيف من المُشكّكين. لكن لا ينبغي الاستخفاف بالناس لمجرد «إجرائهم أبحاثهم الخاصة» إذا لم تُوفَّر لهم الأدوات اللازمة للتمييز بين الواقع والخيال.
* ثانياً، يحتاج المبدعون المستندون إلى الأدلة إلى الدعم. تخيّلوا نموذج ملكية جزئية حيث ينضمّ المبدعون ذوو القيمة المتشابهة إلى إطار عمل مهني مشترك. إذ يُمكننا أن نتشارك جماعياً في أمور مثل الحماية القانونية وأدوات مُتطورة لتنمية الجمهور مُصمّمة خصيصاً للمحتوى القائم على الأدلة. يُمكننا التعاقد مع رعاة يُدركون القيمة الفريدة للأصوات الموثوقة. يُمكننا تقديم اشتراكات مُجمّعة لمساعدة الجمهور على العثور على المزيد منّا دفعةً واحدة. يُمكن لهذا أن يُنشئ مصادر دخل مُستدامة دون المساس بالنزاهة.
* أخيراً، يا وسائل الإعلام التقليدية، من فضلكم توقفوا عن اعتبار المبدعين تهديداً. لسنا مُضطرين للمنافسة -يُمكننا أن نكون النسيج الضامّ بين الصحافة الموثوقة والمنصات التي يستهلك الناس فيها الآن مُعظم معلوماتهم. ويُمكن لوسائل الإعلام التقليدية أن تُحافظ على أهميتها في الواقع الرقمي الجديد من خلال الشراكة معنا. لكن أولاً، سيكون من المفيد أن يُراعوا احتمالية أن ما يحدث ليس مجرد انهيار نظام قديم، بل هو ولادة فوضوية ومعقدة لنظام جديد. ومثل المولود الجديد، يحتاج النظام إلى أكثر من مجرد نيات حسنة ليزدهر.
* «ذا أتلانتيك أونلاين»، خدمات «تريبيون ميديا».
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بالفيديو.. طبيب يكشف عن إبرة تقلل مسببات الوفاة  والأمراض المزمنة وتخفض الوزن
بالفيديو.. طبيب يكشف عن إبرة تقلل مسببات الوفاة  والأمراض المزمنة وتخفض الوزن

المرصد

timeمنذ 2 ساعات

  • المرصد

بالفيديو.. طبيب يكشف عن إبرة تقلل مسببات الوفاة والأمراض المزمنة وتخفض الوزن

بالفيديو.. طبيب يكشف عن إبرة تقلل مسببات الوفاة والأمراض المزمنة وتخفض الوزن صحيفة المرصد: كشف الدكتور سامي الفيفي، عبر حسابه على تطبيق "تيك توك"، عن فعالية إبرة "ويقوفي" (Wegovy) في خفض معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة وتقليل مسببات الوفاة. وأوضح الفيفي أن الإبرة تسهم في تقليل مسببات الوفاة بنسبة تصل إلى 19%، إضافةً إلى فعاليتها في إنقاص الوزن بنسبة 20% لدى البالغين و18% لدى اليافعين. وأشار إلى أن "ويقوفي" تقلل من الوفيات الناتجة عن أمراض القلب بنسبة 20%، وتحد من الإصابة بأمراض الكلى بنسبة تتراوح ما بين 22% و24%. كما أنها تُعد خيارًا ممتازًا للتقليل من تليف الكبد، وتساعد في خفض دهون الكبد بنسبة 36%، إلى جانب دورها في تقليل الأمراض المرتبطة بفشل عضلة القلب بنسبة 41%.

أبل تضيف خاصية قياس الأكسجين لبعض ساعاتها
أبل تضيف خاصية قياس الأكسجين لبعض ساعاتها

سفاري نت

timeمنذ 12 ساعات

  • سفاري نت

أبل تضيف خاصية قياس الأكسجين لبعض ساعاتها

سفاري نت – متابعات تعتزم آبل قياس الأكسجين في الدم لبعض النماذج من ساعاتها والتي تشمل آبل ووتش سيريس 9 و10، وألترا2، عبر إجراء تحديث للبرامج، وخلال الميزة الجديدة سيتمكن المستخدمون من معرفة مستويات الأكسجين في الدم على هاتف آيفون المقترن. الجدير بالذكر أن آبل في طريقها أيضًا للعودة بقوة لعالم الذكاء الاصطناعي عبر مجموعة من الأجهزة الجديدة أبرزها روبوت سطح المكتب، والمقرر تدشينه في عام 2027، وسيوفر الروبوت عدة مزايا منها مكالمات FaceTime أثناء مؤتمرات الفيديو، ومساعد صوتي جديد كليًا من Siri. قياس الأكسجين بساعات آبل وفقا لرويترز، فإن آبل ستتيح ميزة معرفة مستويات الأكسجين عن طريق ساعاتها الذكية من خلال هاتف آيفون المقترن، وبالفعل تستعد آبل في تدشين الميزة الجديدة، بعد نزاعات قانونية مع شركة ماسيمو. ويتولى آيفون بعد قياس الأكسجين في الدم خلال الساعات الذكية، تحليل البيانات وعرض النتائج، ورغم أن آبل أعلنت رسميًا عن تلك الميزة إلا أن شركة ماسيمو على الجانب الآخر لم تصدر أي تعليق. وبالحديث عن الروبوت الذكي الذي تستعد آبل لتدشينه بعد عام ونصف من الآن، فإن مواصفاته تشبه جهاز الآيباد بشاشة أفقية مقاس 7 بوصات تقريبًا، مثبتة على ذراع متحركة قادرة على الدوران والتمدد بنحو 6 بوصات في أي اتجاه، وبالفعل تعمل فرق متعددة في أقسام الذكاء الاصطناعي والأجهزة والبرمجيات وتصميم الواجهات تُعنى بهذا المشروع. عملية البحث عبر خرائط آبل قبل أيام، كانت قد أعلنت آبل عن دعم تطبيق الخرائط لنظام التشغيل iOS 26 ببعض المزايا الجديدة، منها البحث باللغة الطبيعية مع Apple Intelligence، ولعل أهم ما يميز التحديث الجديد لخرائط آبل أنه يجعل عملية البحث عن المطاعم والأماكن والمقاهي أكثر سلاسة عبر استخدام لغتك الطبيعية دون الحاجة لاستخدام الكلمات المفتاحية فقط. ويعد Apple Intelligence نظام ذكاء شخصي يُدمج نماذج توليدية فعّالة في جوهر أجهزة iPhone وiPad وMac وApple Vision Pro وApple Watch، مع مزايا جديدة مذهلة تُساعد المستخدمين على التواصل والعمل بشكل أفضل.

«المراهقة المحرجة» المتواصلة للثورة الإعلامية
«المراهقة المحرجة» المتواصلة للثورة الإعلامية

الشرق الأوسط

timeمنذ 17 ساعات

  • الشرق الأوسط

«المراهقة المحرجة» المتواصلة للثورة الإعلامية

هناك ثورة هادئة تحدث في كيفية تحديد ملايين الأميركيين ما هو حقيقي. الثقة تتلاشى من المؤسسات التقليدية -الإعلام والحكومة والتعليم العالي- وتتحول إلى أصوات فردية عبر الإنترنت، من بينها منشئو المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، كما كتبت جيسيكا يلين(*). وقد أفاد معهد «رويترز» بأن هذا العام، ولأول مرة، سيحصل عدد أكبر من الأميركيين على أخبارهم من منصات التواصل الاجتماعي والفيديو -بما في ذلك «إنستغرام» و«فيسبوك» و«يوتيوب» و«تيك توك» و«إكس»- مقارنةً بالمنافذ التقليدية. ووفقاً لمركز «بيو» للأبحاث، يلجأ واحد من كل خمسة بالغين الآن بانتظام إلى المؤثرين للحصول على الأخبار. ويُعد هذا احتمالاً مرعباً لمن يهتم بالمعلومات الموثوقة، فوسائل التواصل الاجتماعي تُكافئ جوانب الانتشار السريع للأخبار، لا المصداقية. اقضِ خمس دقائق في تصفح «تيك توك» أو «إنستغرام»، وقد تصادف مؤثرين «يعلِّمونك» عن نخبة عالمية تدير العالم من «قارات مخفيّة» خلف «جدار جليدي» في القارة القطبية الجنوبية، أو يمتدحون فضائل مادة الزيوليت zeolite، «مادة رابطة بركانية للعفن» التي يمكنها «تنظيف جميع أنواع السموم تماماً» بهدف رفع ضباب الدماغ، والوقاية من السرطان، وإزالة المواد البلاستيكية الدقيقة من الخصيتين... إنها بيئة مصممة بشكل مثالي لتوسيع نطاق كل من المعلومات المضللة والاحتيال الماكر. ومع ذلك، فإن الفكرة الشائعة بأن وسائل التواصل الاجتماعي مجرد حريق قمامة من الأكاذيب الفيروسية تفتقر إلى شيء حيوي؛ إذ لا يزال ملايين الأشخاص يهتمون بالحقيقة. إنهم يبحثون عن الحقائق على وسائل التواصل الاجتماعي من أصوات موثوقة يمكنهم الوثوق بها. إنهم ليسوا متأكدين دائماً من مكان العثور عليها أو ممَّن. أنا أعرف ذلك لأنني أتفاعل مع هؤلاء الأشخاص كل يوم. كنت من بين أوائل الصحافيين المستقلين الذين جلبوا التقارير الإخبارية إلى «إنستغرام»؛ اليوم، منصتي، «أخبار لا ضجيج» News Not Noise تمتد عبر «إنستغرام» و«يوتيوب» و«بودكاست» و«سابستاك» ومنصات أخرى. وخلال سنوات من التفاعل المباشر مع جمهور المنصة، يبقى السؤال الذي أتلقاه أكثر من أي سؤال آخر، ببساطة: «هل هذا (الخبر المنشور) صحيح؟». أنا هنا لأخبركم أن الحقيقة لم تَمٌتْ، فآلاف الأشخاص مثلي يعملون عبر الإنترنت فيما أسميهم أناساً «مبدعين مستندين إلى الأدلة». والعمل معركة شاقة، فمجموعتي ليست شخصيات إعلامية بمستوى عالٍ مع فرق علاقات عامة وطواقم إنتاج وفريق بحث للتحقق من صحة العبارات اللاذعة... نحن أصوات مستقلة تعمل دون شبكات أمان. أحب أن أعدنا المعادل الرقمي للطهاة المهرة الذين يعملون في مصنع للوجبات السريعة المُنتجة بكميات كبيرة. إن ما يجعلنا أشخاصاً ذوي قيمة -هوسنا بالحقائق، والتزامنا بالتفاصيل الدقيقة، وساعاتنا التي نقضيها في الإجابة عن أسئلة الجمهور عبر التطبيقات- يضعنا في وضع حرج للغاية في ظل «اقتصاد يهتم باجتذاب الاهتمام». ما الذي يتطلبه الأمر مثلاً لإنتاج فيديو أنيق يدّعي أن شحم البقر هو الفياغرا الطبيعية؟ خمس عشرة دقيقة مع هاتف آيفون دون أي اعتبار للواقع... فيما نجمع الادعاءات وندحضها ونحاول جعل الأفكار المعقدة دقيقة وجذابة في آن واحد. إن كل هذا يترك المبدعين القائمين على الأدلة في مأزق غريب. نحن نُقدّر بلا شك؛ فشركة Substack، على سبيل المثال، تُثبت أن الجمهور مستعد لدعم «المحققين» الذين يثقون بهم مالياً. لكننا ما زلنا منفصلين إلى حد كبير عن الموارد وأطر العمل التعاونية التي يُمكن أن تُضاعف تأثيرنا. نحن نعمل بجد في العمل نفسه لدرجة أن فرصتنا ضئيلة لبناء الأسس اللازمة لإنشاء نموذج جديد ودائم في النشر الرقمي -نموذج يتضمن أدوات مثل التسويق عالي الكفاءة، ومحركات النمو؛ للوصول إلى جماهير جديدة، والإشراف التحريري للمساعدة في اتخاذ القرارات الصعبة، والبحوث المشتركة التي من شأنها أن تمنع كل واحد منا من الاضطرار إلى بناء الخبرة من الصفر مع كل قصة جديدة. ومع هذا فإنني أرى هذه العقبة فرصة. إذ يُظهر لنا التاريخ أن القطاعات التي تواجه ثورة تكنولوجية لا تميل إلى الانهيار ببساطة، بل تتحول. انظروا إلى ما حدث لصناعة الموسيقى عندما حطَّمت «سبوتيفاي» وشركتها التابعة لخدمات البثّ، الحفلات. في الماضي، كان الموسيقيون يعيشون ويموتون بفضل مبيعات الألبومات والبث الإذاعي، وكانت شركات الإنتاج الكبرى بمثابة حراس البوابة... ثم فجَّر البث التدفقي الآفاق. كانت الثورة فوضوية. وجد كثير من الفنانين أنفسهم مع عدد مستمعين أكبر من أي وقت مضى، لكنَّ رواتبهم لا تكفي. لم يكن الحنين إلى الأقراص المدمجة أو الأسطوانات هو ما ساعد صناعة الموسيقى على ترسيخ أقدامها، بل كانت البنية التحتية الجديدة: تنظيم قوائم التشغيل الذي ساعد المستمعين على اكتشاف هوسهم التالي، وأدوات التحليل التي أخبرت الفنانين بمن يستمع بالفعل، وخدمات التوزيع التي نقلت الموسيقى إلى المنصات، ونماذج الأعمال التي تجاوزت عائدات البث التدفقي لتشمل إيرادات البث المباشر للمعجبين والتسويق. لا يزال الفنانون يواجهون تحديات، لكن شركات الإنتاج الآن تستثمر بكثافة في البيانات لفهم التوجهات، وتقدم للفنانين أنواعاً مختلفة من الصفقات، وتستخدم قوتها التسويقية لمساعدتهم على تجاوز ضجيج العصر الرقمي المتعب. تطور هذا القطاع من خلال ابتكار أدوات تُكمل خوارزميات البث التدفقي بدلاً من محاربتها، مما يساعد الفنانين على فهم جماهيرهم. في نظامنا البيئي الحالي للمعلومات، نحن عالقون في مرحلة المراهقة المحرجة لثورة إعلامية. فالحاجة إلى الابتكار ملحة للغاية، إذ إن الصحف المحلية تُحتضر، مثل قاعات الطعام في المراكز التجارية -فقد أُغلق أكثر من 2500 منها منذ عام 2005. وتتعرض وسائل الإعلام التقليدية لهجوم من إدارة الرئيس ترمب. ويغمرنا الذكاء الاصطناعي بمحتوى مزيف مقنع، مما يجعل من رواة الحقيقة من البشر ضرورةً كبرى. غالباً ما تتعثر المناقشات حول الصحافة والثورة التكنولوجية عند مشكلات أو عدم كفاية أي حل. لقد حان الوقت لتغيير ذلك. لذا سأتخذ الخطوة الأولى وأقترح بعض الابتكارات غير المثالية. * أولاً، يمكن للجمهور الاستفادة من نظام اعتماد مستقل خارج الإطار المألوف حالياً، لمساعدتهم على تمييز الأصوات المستقلة التي تلتزم بالمعايير الصحافية. ويحتاج الجمهور إلى إشارات حول من يلتزم بالدقة ومن يسعى فقط وراء الإعجابات. و أحد الحلول: شهادة مماثلة لشهادة LEED (Leadership in Energy and Environmental Design شهادة دولية حول مطابقة الأبنية للشروط البيئية-المحرر) طوعية غير ربحية تمنح شيئاً مثل علامة اختيار زرقاء -ولكن يتم فحصها بدقة أكبر بكثير- للمبدعين الذين يستخدمون مصادر موثوقة متفق عليها، ويتحققون من وقائعهم، ويكشفون عن ذلك المحتوى الذي حصلوا فيه على رعاية من الخارج. أُدرك أن أي نظام اعتماد يُعرّض لرد فعل عنيف من المُشكّكين. لكن لا ينبغي الاستخفاف بالناس لمجرد «إجرائهم أبحاثهم الخاصة» إذا لم تُوفَّر لهم الأدوات اللازمة للتمييز بين الواقع والخيال. * ثانياً، يحتاج المبدعون المستندون إلى الأدلة إلى الدعم. تخيّلوا نموذج ملكية جزئية حيث ينضمّ المبدعون ذوو القيمة المتشابهة إلى إطار عمل مهني مشترك. إذ يُمكننا أن نتشارك جماعياً في أمور مثل الحماية القانونية وأدوات مُتطورة لتنمية الجمهور مُصمّمة خصيصاً للمحتوى القائم على الأدلة. يُمكننا التعاقد مع رعاة يُدركون القيمة الفريدة للأصوات الموثوقة. يُمكننا تقديم اشتراكات مُجمّعة لمساعدة الجمهور على العثور على المزيد منّا دفعةً واحدة. يُمكن لهذا أن يُنشئ مصادر دخل مُستدامة دون المساس بالنزاهة. * أخيراً، يا وسائل الإعلام التقليدية، من فضلكم توقفوا عن اعتبار المبدعين تهديداً. لسنا مُضطرين للمنافسة -يُمكننا أن نكون النسيج الضامّ بين الصحافة الموثوقة والمنصات التي يستهلك الناس فيها الآن مُعظم معلوماتهم. ويُمكن لوسائل الإعلام التقليدية أن تُحافظ على أهميتها في الواقع الرقمي الجديد من خلال الشراكة معنا. لكن أولاً، سيكون من المفيد أن يُراعوا احتمالية أن ما يحدث ليس مجرد انهيار نظام قديم، بل هو ولادة فوضوية ومعقدة لنظام جديد. ومثل المولود الجديد، يحتاج النظام إلى أكثر من مجرد نيات حسنة ليزدهر. * «ذا أتلانتيك أونلاين»، خدمات «تريبيون ميديا».

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store