logo
بين تقييد الحريات ووقف التخريب.. قانون جديد لمواجهة الشغب في ملاعب تونس

بين تقييد الحريات ووقف التخريب.. قانون جديد لمواجهة الشغب في ملاعب تونس

الجزيرة٢٠-٠٧-٢٠٢٥
تونس – فجّر مشروع قانون جديد حول مكافحة العنف والشغب بالملاعب الرياضية في تونس جدلا واسعا في الأوساط الرياضية والحقوقية بعد عرضه الأسبوع الماضي على لجنة خاصة بالبرلمان قبل المصادقة عليه ودخوله حيز التنفيذ بداية من الموسم الرياضي 2025 ـ 2026.
وأثار مشروع القانون الجديد الذي تقدمت به لجنة التربية والتكوين المهني والبحث العلمي والشباب والرياضة بمجلس نواب الشعب (البرلمان) مواقف متباينة بين من اعتبره مكبلا للحريات ولحقوق الجماهير الرياضية داخل الملاعب وبين أطراف ذهبت إلى كونه خطوة مهمة على طريق التقليص في منسوب العنف والتخريب في ملاعب كرة القدم بوجه خاص.
وينص مشروع القانون الذي ينتظر أن يتم عرضه على البرلمان للتصويت الأسبوع المقبل على تشديد العقوبات على مرتكبي العنف ومثيري الشغب على المدرجات أو في الفضاءات الرياضية لا سيما ملاعب كرة القدم، والوصول بسلم العقوبات حتى السجن 5 سنوات ضد كل من تثبت إدانته في أعمال شغب داخل الملاعب.
تقييد للحريات أم حفاظ على المنشآت؟
وأثار مشروع القانون ردود أفعال عنيفة في أوساط جماهير الأندية التي أبدت قلقها من أن تفتح حزمة الإجراءات الجديدة الباب نحو مزيد من تقييد الحريات للجماهير الرياضية وحرمانها من الدخول إلى الملاعب.
وتشهد الأوساط الرياضية في تونس في السنوات الأخيرة أرقاما مفزعة لظاهرة العنف في الملاعب، وتأتي مباريات الدوري التونسي لكرة القدم ومشاركات الأندية في المسابقات الأفريقية في المرتبة الأولى كأكثر المنافسات التي تسجل أعمال شغب وفوضى على المدرجات، تليها مسابقة دوري كرة السلة ثم الكرة الطائرة.
ورغم أن السلطات التونسية فرضت قيودا صارمة على حضور المشجعين في الملاعب الرياضية وحددت عدد الجماهير بنحو 50% من إجمالي طاقة استيعاب المدرجات، فإن نسق أعمال الشغب شهد تزايدا في السنوات الأخيرة خاصة في نهاية الموسم.
تأتي حزمة القوانين الجديدة بهدف مكافحة ظاهرة العنف في الملاعب عبر تشديد أساليب الردع والعقوبات المستوجبة على الأندية التي يقع مشجعوها في أعمال شغب، لكنها تنطوي على تقييد لحريات جماهير كرة القدم وسائر الألعاب، وهو ما أفرز انتقادات لاذعة تجاه القانون الذي كان يقتصر على عقوبات جماعية للنوادي بغرامات مالية أو باللعب دون حضور الجمهور.
ويقوم القانون الجديد الذي هو في الأصل تعديل للقوانين السابقة ليفرض عقوبة بالسجن تتراوح بين 6 أشهر و5 سنوات لكل من يرتكب أعمال عنف داخل الملاعب أو في محيطها، بجانب غرامة مالية لا تقل عن 5 آلاف دينار لكل من يُلقي مقذوفات أو يستخدم الشماريخ.
وبينما أثار مشروع القانون الجديد انتقادات لاذعة من قِبل روابط مشجعي الأندية، يرى الاتحاد التونسي لكرة القدم أن مكافحة ظواهر العنف في الملاعب تحتاج إلى مقاربة شاملة تأخذ بعين الاعتبار حق المشجعين في الدخول إلى الفضاءات الرياضية وتشجيع أنديتهم مع وجوب الحفاظ على المنشآت والتجهيزات وتجنب أعمال الشغب.
وقال وسام اللطيف عضو اتحاد الكرة التونسي للجزيرة نت: "يحتاج القانون الجديد إلى المصادقة عليه قبل بدء العمل به رسميا، لكن اتحاد الكرة ينضمّ إلى كل مبادرة تشريعية تهدف إلى القضاء على العنف وضمان خوض المنافسات الرياضية في إطار يضمن سلامة اللاعبين والمسؤولين والحكام والمشجعين، ويحفظ أيضا التجهيزات الرياضية من التخريب والإضرار بها".
وتابع المتحدث أن "الاتحاد التونسي لكرة القدم سيقدم من جهته مشروعا ضمن المجلة القانونية لكرة القدم قبل بدء الموسم الجديد وسيتضمن فصولا تهدف إلى التصدي للعنف في الملاعب في إطار منظم يرتكز على تقليص منسوب الفوضى والشغب على المدرجات وداخل الملاعب مع ضمان حق الجماهير"، وفق قوله.
نزيف متواصل وأضرار جسيمة
ولم تنجح الإجراءات القانونية الردعية وحتى التحفيز المادي الذي أقره اتحاد كرة القدم ورابطة الدوري التونسي في السنوات الأخيرة لفائدة الأندية التي لا تقع جماهيرها في ارتكاب أعمال عنف، فإن نزيف الأحداث استمر بنسق متصاعد في الموسم الماضي ما وضع رابطة الدوري أمام حتمية البحث عن حلول جديدة قبل بداية الموسم الجديد.
ومنحت رابطة الدوري في موسم 2022 ـ 2023 جائزة مالية أسبوعية يتم منحها للفريق الذي يحجم مشجعوه عن إتيان أعمال عنف على المدرجات، لكن ذلك لم يغير الوضع مما دفع بالرابطة إلى التخلي عن ذلك الإجراء.
وقال رئيس رابطة الدوري التونسي، بوصيري بوجلال، للجزيرة نت إن ظاهرة العنف في الملاعب باتت بالفعل هاجس الهياكل الرياضية دون استثناء، مضيفا أن الرابطة واتحاد كرة القدم سيعملان على تطبيق القانون مع الالتزام بترسيخ العدل بين الأندية لتفادي الانفلات والغضب في أوساط الجماهير وعلى المدرجات.
وبخصوص مشروع القانون الجديد الذي ينص على السجن حتى 5 سنوات في حال ارتكاب الأفراد لأعمال عنف خطيرة، قال بوجلال إن "رابطة الدوري تضع في المقام الأول حسن سير المنافسات وتفادي أية أعمال شغب وبالتالي فهي تدعم المبادرات القانونية التي يقدمها البرلمان للتصدي للعنف والإضرار بالتجهيزات والمنشآت الرياضية، ولكنها تحرص في الوقت ذاته على ضمان العدل بين الأندية واحترام حق الجماهير في الدخول إلى الملاعب".
وسجل الموسم الماضي أحداث عنف وشغب على المدرجات في ما يقارب 20 مباراة أسفرت أغلبها عن أضرار مادية فادحة في تجهيزات الملاعب وإصابات في صفوف رجال الشرطة والمشجعين جراء حوادث الاشتباكات والمشاحنات بين الأمن والجماهير.
ويبدأ الموسم الكروي الجديد في تونس في 3 أغسطس/آب المقبل بخوض نهائي كأس السوبر، فيما تنطلق منافسات دوري المحترفين في التاسع من الشهر ذاته.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مظاهرات غاضبة في عدة دول احتجاجا على تجويع غزة
مظاهرات غاضبة في عدة دول احتجاجا على تجويع غزة

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

مظاهرات غاضبة في عدة دول احتجاجا على تجويع غزة

شهدت عدة مدن حول العالم مظاهرات حاشدة وغاضبة احتجاجا على سياسة التجويع التي تمارسها إسرائيل بحق سكان قطاع غزة ، والتنديد بالدعم الأميركي المستمر لحرب الإبادة الإسرائيلية. وشارك مئات التونسيين مساء السبت في فعالية أطلق عليها اسم "حصار السفارة الأميركية" بالعاصمة تونس، بدعوة من منظمات مناهضة للتطبيع. وندد المحتجون بدور واشنطن في دعم ما وصفوه بـ"حرب الإبادة والتجويع" التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة. وقرع المحتجون أواني فارغة رمزا للجوع، ووضعوا مجسمات لأطفال شهداء على الطريق، مرددين شعارات مثل "الصهاينة والأميركان شركاء في العدوان" و"مطلب واحد للجماهير: غلق السفارة وطرد السفير" و"الجريمة صهيونية والقذيفة أميركية". كذلك، خرج عشرات المواطنين في العاصمة البوسنية سراييفو بمسيرة من ميدان باسكارسييا إلى النصب التذكاري للأطفال، حاملين لافتات كُتب عليها "غزة تتضور جوعا والعالم يكتفي بالمراقبة" و"أوقفوا قتل الأطفال الأبرياء". كما قرع المشاركون أواني الطبخ رمزا للجوع المتفشي في القطاع. طلاب الجامعات ضد التجويع وفي العاصمة الموريتانية نواكشوط ، تظاهر مئات الطلاب أمام السفارة الأميركية، رافعين الأعلام الفلسطينية ومرددين هتافات تندد بالمجازر والتجويع، مثل "أميركا شريكة في تجويع غزة" و"غزة تتعرض لحرب إبادة". ودعا الطلاب الجامعات في العالم العربي إلى التحرك لمساندة غزة ووقف الدعم الأميركي لإسرائيل. وشهدت مدينة ميلانو شمالي إيطاليا، مظاهرة احتجاجية، تنديدا بحرب الإبادة المتواصلة في غزة، وللمطالبة بإنهاء سياسة تجويع سكان القطاع. وردد المتظاهرون شعارات تنتقد بشدة الحكومة الإيطالية لرفضها الاعتراف بالدولة الفلسطينية ولرفضها تعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل. وفي النمسا، عرقل ناشطون مؤيدون لفلسطين حفل افتتاح مهرجان سالزبورغ، رافعين لافتات "أوقفوا الإبادة الجماعية" و"أيديكم ملطخة بالدماء". وأوقِف خطاب أندرياس بابلر، نائب المستشار النمساوي وزعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، بينما عبّرت المؤرخة الأميركية-البولندية آن أبلباوم في كلمتها عن صدمتها من صور الأطفال الجائعين في غزة، مطالبة إسرائيل باحترام القانون الإنساني الدولي. كما شهدت العاصمة الألمانية برلين مظاهرة دعمًا للشعب الفلسطيني، وللمطالبة بوقف إبادة جماعية في غزة، ورفع الحصار المفروض على سكان القطاع، ورفع المحتجون شعارات طالبت بوقف ألمانيا تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، ولافتات تندد بالصمت الدولي. "لا خبز في غزة ولا خجل في العالم" كذلك، نظمت منصة التضامن الإسلامي في إسطنبول مسيرة احتجاجية انطلقت من مسجد خير الدين برباروس باشا إلى مبنى القنصلية الإسرائيلية. ورفع المشاركون لافتات كُتب عليها "لا مستشفيات ولا أدوية في غزة، بل هناك مجزرة". وقرعوا الطناجر الفارغة أمام القنصلية، في مشهد رمزي لأزمة المجاعة في غزة. وشهدت مدينة فانكوفر الكندية مظاهرة للتضامن مع الشعب الفلسطيني وللمطالبة برفع الحصار عن قطاع غزة. وقد جاب المشاركون في المظاهرة شوارع المدينة حاملين أكياس القمح والطحين تعبيرا عن تضامنهم مع سكان قطاع غزة، ومؤكدين رفضهم سياسة التجويع الممنهجة التي تمارسها قوات الاحتلال بحق أكثر من مليوني فلسطيني في غزة. كما طالب المتظاهرون بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة ووقف تصدير السلاح لإسرائيل. وتعاقد المتظاهرون مع إحدى شركات الإعلان لتأجير طائرة تحمل لافتة مكتوب عليها "إسرائيل تجوّع غزة" وبالتوازي مع المظاهرات الدولية، خرج آلاف الإسرائيليين إلى الشوارع في تل أبيب مطالبين بإنهاء الحرب والتوصل إلى اتفاق لإعادة الأسرى. وشهدت العاصمة الإندونيسية جاكارتا تجمعات ومسيرات ومهرجانات خطابية مؤيدة للفلسطينيين. ورفع الإندونيسيون شعارات تقول "غزة تموت من الجوع" و"الموت لجيش الاحتلال". كما حمل المشاركون أوانيَ طبخ في إشارة إلى سياسة التجويع التي تتبعها إسرائيل هناك، إضافة إلى استمرار إغلاق المعابر المؤدية إلى القطاع. وتوجه المتظاهرون إلى السفارة الأميركية، داعين واشنطن إلى الضغط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لإبرام الاتفاق، حتى لو تطلب ذلك وقف العمليات العسكرية. وتأتي هذه التحركات الدولية في وقت أعلنت فيه وزارة الصحة في غزة عن استشهاد 127 فلسطينيا، بينهم 85 طفلا، جراء المجاعة وسوء التغذية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، نتيجة الحصار المشدد وإغلاق المعابر ومنع دخول الغذاء والدواء. ووصفت منظمات دولية الوضع في القطاع بأنه "كارثي وغير مسبوق"، وسط استمرار إسرائيل في تجاهل قرارات محكمة العدل الدولية ونداءات المجتمع الدولي لوقف الإبادة وتجويع المدنيين.

5 إشارات خطر تهدد تونس مع قيس سعيد
5 إشارات خطر تهدد تونس مع قيس سعيد

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

5 إشارات خطر تهدد تونس مع قيس سعيد

طوت تونس يوم 25 يوليو/ تموز الجاري، خمس سنوات على انقلاب الرئيس قيس سعيّد.. انقلاب شمل مرحلة وتجرِبة ودستورًا وقوانين ومؤسسات وسرديات، امتدّت لأكثر من عشر سنوات، كانت تونس خلالها قد وضعت قدميها على قيم ومعايير دولية، قانونية وحقوقية، منها الديمقراطية والحريات واحترام الحقوق والتداول السلمي على السلطة، عبر انتخابات شهد العالم بأسره على نزاهتها وشفافيتها وصدقية نتائجها. في أقل من 24 ساعة، وضع الرئيس التونسي حدًا لكل ذلك المخاض الذي جاءت به ثورة اجتماعية وشعبية استثنائية، قادها شباب من أطراف جغرافيا البلاد، ممن كانوا يُوصفون بـ"الشباب المهمش"، و"سكان الأطراف"، و"القادمين من صقيع الأرياف". قضى انقلاب 25 يوليو/ تموز 2021 على تجربة كانت محلّ متابعة العالم، بشرقه وغربه، الذي كان يرى ويقف على إمكانية أن يترسخ الفعل الديمقراطي، في بلد من خارج الفضاء الأوروبي الغربي، بلد بإمكانات محدودة، وشعب صغير (11 مليون نسمة)، لكن بنخب استثمرت على امتداد أربعين عامًا على الأقلّ، في الديمقراطية وثقافة المشاركة السياسية، والانفتاح على تجارب الشعوب والأمم الديمقراطية، وبناء "مجتمع المواطنة"، بدل "شعب الرعايا". هكذا، بخطاب احترابي في اجتماع مجلس الأمن القومي، أعلن الرئيس قيس سعيّد عن غلق البرلمان، وإحالة نوابه المنتخبين على "البطالة القسرية"، وأنهى أعمال الحكومة الائتلافية، وفسخ بجرّة قلم دستور البلاد، الذي كان ثمرة مناقشات ومخاضات لثلاث سنوات بين جميع مكونات الطيف السياسي والأيديولوجي، تخللتها عمليتا اغتيال لشخصيتين سياسيتين بارزتين، شكري بلعيد، ومحمد البراهمي. بالإضافة إلى أحداث إرهابية عديدة ومتنوعة، خلقت بيئة عاصفة، كانت تنبئ بحرب أهلية، عملت جهات خارجية عديدة، بالتعاون مع أطراف وشخوص في الداخل، على تثبيتها، وحرصت بعض النخب السياسية على القفز عليها، ومنع حدوثها، عبر توافقات سياسية، ما تزال تثير الجدل إلى الآن، حول دوافعها وتوقيتها ومكوناتها والطريقة التي تمت بها. خلال أكثر من عشر سنوات، برزت وجوه سياسية مهمة، وانكشفت علاقات وارتباطات وجوه أخرى، ورفعت الحجب عن أفكار ومواقف ومقاربات، كانت تتخفى وراء الديمقراطية والانتخابات وتجربة الانتقال الديمقراطي، بكلّ الخوض الذي عرفته، وبكلّ الانكسارات والمكاسب، التي تحققت، لا سيما على الصعيد السياسي. لكنّ البعض ممن لم يستوعبوا التغيرات والتحولات الحاصلة بعد ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، نكصوا على أعقابهم، ومارسوا نوعًا من "الردة السياسية"، فشيطنوا التجربة وشخوصها ورجالها ومواقفها وثقافتها الجديدة، وبعض القوانين التي بدأت في تغييرها.. واعتمدوا سياسة "الأرض المحروقة"، ما دام أنّ المشهد الجديد لم يوفر لهم المغنم السياسي الذي كانوا يتوقعونه، وعندما اتضح أن البنيان مختلف، والبوصلة في اتجاه مغاير، تحالفوا لكي ينهوا مسارًا، قد لا يتكرر في الأفق القريب، على الأقلّ. التقط الرئيس التونسي هذه اللحظة، فقلب الطاولة بكلّ محاملها، مدعومًا من الدولة العميقة، ومن يسار إقصائي، أثبتت الأعوام أنه أقرب إلى الهدم والخراب منه إلى البناء الاجتماعي والسياسي الوطني، بالإضافة إلى بقايا منظومة ما قبل الثورة، و"الانتهازيين الجدد"، الراكبين في كلّ قطارات الثورات والانقلابات، وحتى التحالفات السياسية. وبالطبع، انضمّ كثيرون، حتى ممن كانوا يرفعون شعارات الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة، إلى الحركة الانقلابية للرئيس التونسي، فاصطفوا خلفها، وباتوا في بضع ساعات، مروّجين لها، كما لو أنهم شركات "ماركتينغ" محترفة في الدعاية للانقلاب وصاحبه، وأطلقوا على ذلك نعوتًا وتسميات، من قبيل "حركة التصحيح"، و"المسار الثوري الجديد"، وباتوا بين عشية وضحاها، مفسرين لمقولات "البناء القاعدي"، و"الشعب يريد"، وذلك في سياق "شعبوية" قديمة- جديدة، رداؤها الرئيسي، لاءات خمس، هي: لا للأحزاب؛ فهي سبب خراب البصرة. لا للديمقراطية؛ لأنها انتهت، ولا بد من شكل سياسي جديد. لا للمنظمات، وفي مقدمتها النقابات والجمعيات الحقوقية؛ لأنها إما عميلة للخارج، أو هي جزء من أجندته. لا للاقتصاد الحر، الذي يكرس التبعية، ويمس من السيادة، وينهب ثروات البلاد. لا للتداين الخارجي، لأنه الغول الذي أكل الثروة الوطنية، ورهن البلاد للمجهول. إنها المرتكزات التي انبنت عليها الثقافة السياسية الحديثة، والعلوم السياسية التي تُدرس في كبرى الجامعات العالمية، جاء الانقلاب لكي يلغيها ويفككها، بل ويجعل منها سبب فشل من سبقه. وتأسيسًا على ذلك، إلغاء المقومات السياسية والقانونية والدستورية التي أقيمت عليها الدولة التونسية عامة، وتجربة السنوات العشر التي تلت الثورة التونسية بوجه خاص. تساؤلات أساسية تغذى "النظام الجديد" من حالة حقد و"كراهية سياسية"، نمت في الأوساط الحزبية، وبين النخب، على امتداد سنوات ما بعد ثورة يناير/ كانون الثاني، ومن شعور الناس- وهم محقون في ذلك- بأنّ بطونهم الخاوية، لا تشبعها السياسة وحدها، وحساباتهم المصرفية "الحمراء"، لا تسويها النوايا الحسنة، والرفاه الاجتماعي، لا تؤسسه الشعارات مهما كانت براقة، والنمو الاقتصادي، لا تبنيه خطابات بلا مشروع، ورغبات بلا برامج. استثمر الانقلاب في هذا الغضب المجتمعي، الذي سرعان ما تحول إلى مطالب سياسية، بشحن حزبي وسياسي رهيب، حتى ارتفع سقف الخطاب الرسمي (الانقلابي)، إلى درجة تجاوزت طموحاته ورغباته، فرسم خريطة بلا جغرافيا، وبرامج بلا سياسات، وآمال بلا مشاريع، ومشاريع بلا تمويلات، فاصطدم بواقع مرير، وتطلعات تجاوزت إمكانات الدولة. وزادت التجربة المحدودة، والجهل بميكانيزمات الدولة، ونواميسها، وحسابات الخارج الذي ضاقت مساحته، وتكتيكات الداخل المرتبك، ولهث "الحوزة" المحيطة بالقيادة الجديدة، وراء المناصب والغنيمة السياسية، في الدفع بقوة، بل وبسرعة فائقة، نحو جميع مؤشرات الفشل، والحصاد الصفر، إذا صحّ القول، وعدم إنجاز ما يمكن اعتماده في أيّ بناء جديد طموح، إن كان للطموحات في هذا السياق، معنى. وعلينا هنا أن نطرح ثلاثة تساؤلات أساسية، لتفكيك "الحصيلة الصفر" للانقلاب إلى الآن: ما الذي جعل هذا الانقلاب يعجز عن تحقيق أيّ شيء، رغم كل اليد الطولى التي لديه، خلال السنوات الخمس الماضية؟ ما هي مؤشرات الفشل، التي نتحدث عنها، ويلاحظها كل خبير أو متخصص في الشأن الاقتصادي والمالي، وفي مستوى التداعيات الاجتماعية، من بطالة وفقر وخصاصة وغيرها؟ أسباب العجز الرئيسية أما لماذا عجز "الانقلاب" عن تحقيق الشعارات التي رفعها، والطموحات والتطلعات التي أعلن عنها، فيمكن اختزال ذلك ــ في نظرنا ــ في ثلاثة أسباب رئيسية: 1- أنه أراد أن ينطلق من الصفر، فألغى كل شيء: الدستور، والمؤسسات، والنظام السياسي (شبه البرلماني/ أو البرلماني المعدّل)، والسياسات، والقوانين الجديدة المعدّلة، والعلاقة بالمانحين الدوليين، والعلاقات الدبلوماسية التقليدية، التي عرفتها البلاد، وكانت الأنظمة التي حكمت منذ سبعين عامًا تستثمر فيها، شدًّا وجذبًا، نزولًا وصعودًا، بحثًا عن مفاتيح أو مخارج للأزمات الداخلية العصيبة. وعلى النقيض من ذلك، بدأ في إرساء ما وصفه "النظام المنقلب" بـ"المشروع الجديد"، الذي لم تتعوّد عليه "ماكينة" الدولة، ولم تهضمه الكفاءات الوطنية الموجودة، ولم يجد له التمويلات اللازمة.. فخسر الوقت والزمن والإرث المتوفر، فكان الفشل والعجز، والدوران في ذات المكان.. فالدول لا تتقدّم بفسخ ماضيها وتراكمات نخبها وهياكل الدولة القائمة وتقاليدها. 2- إنّ نظام الرئيس قيس سعيّد، عمل على خلق خصومات ومعارك سياسية وهمية، سماها "حرب التحرير الوطني"، واتخذ لها شعار "مكافحة الفساد"، فاكتشف أن الفساد أُخطبوط، يمتدّ في عمق الدولة ومؤسساتها، فظل كمن يقشّر مبنى خربًا، وكلما أسقط حجرًا تداعت له بقية الأحجار، ليجد النظام نفسه في دوامة لم يعد بإمكانه التخلّص منها، أو الانتصار عليها. والنتيجة، هي أنّ الدولة غرقت في هذه المعارك، فالتفّ الحبل حول رقبتها، حتى باتت عاجزة عن الفكاك منه، فلا هي قضت على الفساد (ببعديه السياسي والمالي)، ولا هي استطاعت أن تخرج من هذه الدوامة. وهكذا تاه التحرير، وضاع "المشروع"، ولم ينتهِ الفساد، بل امتدّت عروقه لمجالات أخرى، وتعقّدت الأدوار، وأُعيد توزيعها من جديد، دون القدرة على التقدّم قِيد أنملة. إنّ تحرير الأوطان، يحتاج إلى مشروع ضخم، وجمع شتات النخب والشخوص الفاعلة، وتشريك الجميع في "الهمّ الوطني" المتضخم، بفعل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمؤسساتية. فالدولة في هذه الحالة البنائية الجديدة المفترضة، مثل تلك الدجاجة التي تضمّ كتاكيتها تحت جناحيها، حتى تعبر بها المسالك الوعرة، لا أن تلعن اليوم الذي ولدتها فيه. 3- إنّ المحيطين بـ"مشروع الرئيس"، بدؤُوا بالانسحاب، أو التخلّي عن الوضع الجديد، بعد أن تراكمت مشكلاته، وبات جزءًا من المشكل، وليس سبيلًا للحل، كما تمّ التسويق لذلك قبل خمس سنوات، ما جعل عديد الأطراف، التي التحقت به، وطبّلت لقراراته، وصفّقت للمحاكمات السياسية الجارية على قدم وساق إلى الآن، وبرّرت قرارات القمع وتكميم الأفواه، وسكتت عمّا يسميه معارضو الرئيس سعيّد، بـ"عملية التخريب الشامل" التي جرت خلال السنوات الماضية.. هؤلاء قفزوا من السفينة، قبل أن تغمرها مياه المحيط.. فوجد الانقلاب نفسه، مع تقدم الأيام والشهور والأعوام، وحيدًا، يواجه المشكلات المجتمعية والاقتصادية والسياسية، متشبثًا بتلك الشعارات المتكررة، التي باتت محل نقد القريبين والموالين للحكم الجديد، قبل خصومه ومعارضيه. تصريحات غير مسبوقة فهذا المنجي الرحوي، زعيم حزب "الوطنيين الديمقراطيين الموحّد"، الموالي للانقلاب، ينتقد النظام الراهن بوضوح، قائلًا: "نحن متمسّكون بـ25 يوليو/ تموز، لكننا غير معنيين بالبطء الحاصل في المنجزات واتخاذ القرارات"، مضيفًا: "إنّ مجالات السلطة الجديدة، لم تحقق ما كان منتظرًا منها"، مشيرًا إلى أنّ "الإصلاحات الدستورية لم تُنجز.. والمجلس الأعلى للقضاء لم يقع إرساؤه، والمحكمة الدستورية، لم يتم تشكيلها، وما قيل عن الثورة التشريعية، لم يُنجز إلى الآن". ولفت الرحوي إلى أنّ "سلطة 25 يوليو/ تموز.. ليست منسجمة، فهناك أعلى هرم السلطة، وثمّة البقية التي تعمل في عزلة عنه". من جهته، أكد عبيد البريكي، رئيس حزب "تونس إلى الأمام" (يسار)، وأحد المكونات المناصرة بقوة لانقلاب 25 يوليو/ تموز، أنّ نسق إنجاز الأهداف المعلنة، بطيء جدًا، والتشغيل متوقف، والأسعار ترتفع يومًا بعد يوم، فيما الأجور مجمّدة منذ عدّة سنوات، والمرسوم 54 الذي ضرب الحريات، لم يعد له معنى في ظل وجود برلمان تشريعي..". ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، فحزب "أوفياء للوطن"، القريب من السلطة الحالية، أطلق تصريحًا خطيرًا منذ عدة أيام، على لسان رئيسته، زكية الكسراوي، التي أعلنت أنّ "رئيس الجمهورية محاصر.. وبعض المحيطين به معرقلون لمسار الإصلاح". أما أكثر التصريحات اللافتة للنظر، والتي تعكس مستوى جريئًا من النقد للانقلاب ومساره، وأداء رئيسه، السيد قيس سعيّد، فهو الصادر عن النائب اليساري بالبرلمان، أحمد سعيداني، الذي كتب تدوينة على فيسبوك بتاريخ 20 يوليو/ تموز الجاري، شدّد فيها على أنّ "رئيس الجمهورية كسيح سياسيًا، لا يستمع لأحد، يريد أن يبدأ تحريرًا لا برنامج له، لا مال له فيه، ولا رجال.. مجلس نواب أُحيل على وضعية الشلل التشريعي العام، وأصبح منصة مصادقة على قروض.. مجلس جهات وأقاليم، اكتفى بدور يونس شلبي في مسرحية مدرسة المشاغبين ولا أزيد.. حكومة يطالبها الرئيس بالنصوص، ولا يتجرأ وزير واحد على إخباره بأنّ المشكلة مشكلة فلوس، لا معضلة نصوص.. حكومة كاملة لا يوجد فيها وزير قادر على صياغة الجملة السياسية.. مجالس محلية (بلديات)، أُقصيت عن دورها الحقيقي..". والحقيقة، أن الاسترسال في عرض نصوص وتصريحات مماثلة، سيجعلنا أمام كمّ هائل من الانتقادات الشديدة للانقلاب، من داخل مكوناته، إلى حدّ التبرّؤ منه أحيانًا، بل إنّ أحد النواب، توجّه لرئيس البرلمان بالقول: "أتوجّه للرئيس قيس سعيّد بالقول: إن تونس تتجه نحو الهاوية، وعليه أن يسمعنا جيدًا؛ لأننا كنواب الأقرب للشعب"، وفق تعبيره. بلا شك، فإنّ هذه التصريحات والتدوينات، تغني عن كلّ تعليق. مؤشرات سلبية للغاية أما مؤشرات ما يصفه الخبراء وكثير من مكونات المعارضة للرئيس قيس سعيّد بـ"الفشل"، فهي كثيرة، وذات دلالات هامة، في علاقة بالدولة ومستقبلها: 1- نسبة النمو الاقتصادي والتنموي التي لا تتجاوز 1.5 بالمائة، وهي نسبة لا تخلق الثروة، ولا توفر فرص عمل، ولا تحرّك دواليب الاقتصاد، المعطّل منذ خمس سنوات، بفعل الخصومة مع "صندوق النقد الدولي"، وبعض المانحين في الخارج، ورجال الأعمال في الداخل، بسبب ما يسمى "مكافحة الفساد". 2- جمود كلي في أجور الموظفين، مقابل ارتفاع مشطّ للغاية في الأسعار. 3- مستوى البطالة المرتفع، إذ يبلغ حاليًا نسبة 15.7 بالمائة خلال الربع الأول من العام الجاري، وفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء، التي تشير إلى وجود 664.5 ألف تونسي عاطلين عن العمل. 4- ارتفاع حجم الدين العمومي إلى مستويات قياسية منذ 2021، تاريخ القيام بالانقلاب، من 109.23 مليارات دينار، إلى 147.40 مليار دينار في العام الجاري (2025)، ما سوف يضع ضغوطًا كبيرة على الحكومة، ويجعل تونس تواجه تحديات ضخمة على مستوى قدرتها على سداد ديونها الخارجية. 5- تواجه تونس تحديات في جذب الاستثمارات الأجنبية، بل إنّ الاستثمارات الداخلية تكاد تكون معطّلة، نتيجة تخوّف رجال الأعمال من إمكانية المساءلة القضائية، بتهم الفساد، وهو ما كان له تأثيره على النمو الاقتصادي. اتفاقيات قروض أجنبية بالجملة صادق عليها البرلمان التونسي منذ انتخابه قبل ثلاث سنوات، بشكل أثار اهتمام غالبية المحللين في المجال الاقتصادي والمالي، في وقت كان نظام الرئيس قيس سعيّد، ينتقد تضخم القروض الأجنبية، ويعتبرها من أسس خراب الحكومات السابقة، ومن أسباب المساس بالسيادة الوطنية. وإذا أضفنا إلى ذلك، شبه العزلة الدبلوماسية التي يعيشها النظام حاليًا، قياسًا بالمرحلة السابقة، إذا استثنينا العلاقة بالجزائر وليبيا، والنظامين الإيطالي والفرنسي، والجمهورية الإسلامية الإيرانية ومصر، لا يكاد المرء يعثر على حراك مهم مع الدول الصديقة والشقيقة لتونس تقليديًا، وحتى إن وجدت علاقات، فهي من قبيل المجاملات الدبلوماسية، التي لا تعكس اتفاقيات ولا بروتوكولات تعاون، ولا لجانًا عليا مشتركة، كما كان يجري منذ أكثر من عشرين عامًا في البلاد على الأقل. فهل يبقى بعد كلّ ذلك، بصيص أمل، أو أفق للمرحلة المقبلة؟ لا يمكن لتونس أن تستمرّ في هذا النهج، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، لأنّ للدولة، أيّ دولة، منطقًا للتقدّم، وليس للتراجع، والشعوب لا تعيش على وقع الخطابات الرنّانة، والأمعاء الخاوية، والفقر المتزايد، وخطاب الاحتراب الذي تستخدمه السلطة ضدّ كل المعارضين مهما كانت هوياتهم. إنّ العلاقات الدولية، لها شروطها الدنيا، ومن أهمها، الاستقرار السياسي، وهو ما لا يلاحظه الكثير من الملاحظين، الذين يُبدون قلقهم من محاصرة الحريات، واستخدام المحاكمات السياسية لتصفية المعارضين، والزجّ بالصحفيين في السجون، ويدعون إلى العودة للديمقراطية، حتى وإن لم يكن ذلك بالجدّية المطلوبة. لذلك يبقى المشكل في تقديرنا، تونسيًا- تونسيًا، والتسوية الداخلية أنجع لتونس، ولاستقرارها، ولكلّ مرحلة ثمنها.. أما الخارج، فسيكون في كلّ الأحوال رقمًا مهمًا في أيّ تطورات قادمة، لكن بأيّ صيغة؟ وضمن أيّ شروط؟ وبأيّ كيفية؟ ذاك ما تُخبّئه الأيام المقبلة.

5 إشارات خطر تشهدها تونس مع قيس سعيد
5 إشارات خطر تشهدها تونس مع قيس سعيد

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

5 إشارات خطر تشهدها تونس مع قيس سعيد

طوت تونس يوم 25 يوليو/ تموز الجاري، خمس سنوات على انقلاب الرئيس قيس سعيّد.. انقلاب شمل مرحلة وتجرِبة ودستورًا وقوانين ومؤسسات وسرديات، امتدّت لأكثر من عشر سنوات، كانت تونس خلالها قد وضعت قدميها على قيم ومعايير دولية، قانونية وحقوقية، منها الديمقراطية والحريات واحترام الحقوق والتداول السلمي على السلطة، عبر انتخابات شهد العالم بأسره على نزاهتها وشفافيتها وصدقية نتائجها. في أقل من 24 ساعة، وضع الرئيس التونسي حدًا لكل ذلك المخاض الذي جاءت به ثورة اجتماعية وشعبية استثنائية، قادها شباب من أطراف جغرافيا البلاد، ممن كانوا يُوصفون بـ"الشباب المهمش"، و"سكان الأطراف"، و"القادمين من صقيع الأرياف". قضى انقلاب 25 يوليو/ تموز 2021 على تجربة كانت محلّ متابعة العالم، بشرقه وغربه، الذي كان يرى ويقف على إمكانية أن يترسخ الفعل الديمقراطي، في بلد من خارج الفضاء الأوروبي الغربي، بلد بإمكانات محدودة، وشعب صغير (11 مليون نسمة)، لكن بنخب استثمرت على امتداد أربعين عامًا على الأقلّ، في الديمقراطية وثقافة المشاركة السياسية، والانفتاح على تجارب الشعوب والأمم الديمقراطية، وبناء "مجتمع المواطنة"، بدل "شعب الرعايا". هكذا، بخطاب احترابي في اجتماع مجلس الأمن القومي، أعلن الرئيس قيس سعيّد عن غلق البرلمان، وإحالة نوابه المنتخبين على "البطالة القسرية"، وأنهى أعمال الحكومة الائتلافية، وفسخ بجرّة قلم دستور البلاد، الذي كان ثمرة مناقشات ومخاضات لثلاث سنوات بين جميع مكونات الطيف السياسي والأيديولوجي، تخللتها عمليتا اغتيال لشخصيتين سياسيتين بارزتين، شكري بلعيد، ومحمد البراهمي. بالإضافة إلى أحداث إرهابية عديدة ومتنوعة، خلقت بيئة عاصفة، كانت تنبئ بحرب أهلية، عملت جهات خارجية عديدة، بالتعاون مع أطراف وشخوص في الداخل، على تثبيتها، وحرصت بعض النخب السياسية على القفز عليها، ومنع حدوثها، عبر توافقات سياسية، ما تزال تثير الجدل إلى الآن، حول دوافعها وتوقيتها ومكوناتها والطريقة التي تمت بها. خلال أكثر من عشر سنوات، برزت وجوه سياسية مهمة، وانكشفت علاقات وارتباطات وجوه أخرى، ورفعت الحجب عن أفكار ومواقف ومقاربات، كانت تتخفى وراء الديمقراطية والانتخابات وتجربة الانتقال الديمقراطي، بكلّ الخوض الذي عرفته، وبكلّ الانكسارات والمكاسب، التي تحققت، لا سيما على الصعيد السياسي. لكنّ البعض ممن لم يستوعبوا التغيرات والتحولات الحاصلة بعد ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، نكصوا على أعقابهم، ومارسوا نوعًا من "الردة السياسية"، فشيطنوا التجربة وشخوصها ورجالها ومواقفها وثقافتها الجديدة، وبعض القوانين التي بدأت في تغييرها.. واعتمدوا سياسة "الأرض المحروقة"، ما دام أنّ المشهد الجديد لم يوفر لهم المغنم السياسي الذي كانوا يتوقعونه، وعندما اتضح أن البنيان مختلف، والبوصلة في اتجاه مغاير، تحالفوا لكي ينهوا مسارًا، قد لا يتكرر في الأفق القريب، على الأقلّ. التقط الرئيس التونسي هذه اللحظة، فقلب الطاولة بكلّ محاملها، مدعومًا من الدولة العميقة، ومن يسار إقصائي، أثبتت الأعوام أنه أقرب إلى الهدم والخراب منه إلى البناء الاجتماعي والسياسي الوطني، بالإضافة إلى بقايا منظومة ما قبل الثورة، و"الانتهازيين الجدد"، الراكبين في كلّ قطارات الثورات والانقلابات، وحتى التحالفات السياسية. وبالطبع، انضمّ كثيرون، حتى ممن كانوا يرفعون شعارات الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة، إلى الحركة الانقلابية للرئيس التونسي، فاصطفوا خلفها، وباتوا في بضع ساعات، مروّجين لها، كما لو أنهم شركات "ماركتينغ" محترفة في الدعاية للانقلاب وصاحبه، وأطلقوا على ذلك نعوتًا وتسميات، من قبيل "حركة التصحيح"، و"المسار الثوري الجديد"، وباتوا بين عشية وضحاها، مفسرين لمقولات "البناء القاعدي"، و"الشعب يريد"، وذلك في سياق "شعبوية" قديمة- جديدة، رداؤها الرئيسي، لاءات خمس، هي: لا للأحزاب؛ فهي سبب خراب البصرة. لا للديمقراطية؛ لأنها انتهت، ولا بد من شكل سياسي جديد. لا للمنظمات، وفي مقدمتها النقابات والجمعيات الحقوقية؛ لأنها إما عميلة للخارج، أو هي جزء من أجندته. لا للاقتصاد الحر، الذي يكرس التبعية، ويمس من السيادة، وينهب ثروات البلاد. لا للتداين الخارجي، لأنه الغول الذي أكل الثروة الوطنية، ورهن البلاد للمجهول. إنها المرتكزات التي انبنت عليها الثقافة السياسية الحديثة، والعلوم السياسية التي تُدرس في كبرى الجامعات العالمية، جاء الانقلاب لكي يلغيها ويفككها، بل ويجعل منها سبب فشل من سبقه. وتأسيسًا على ذلك، إلغاء المقومات السياسية والقانونية والدستورية التي أقيمت عليها الدولة التونسية عامة، وتجربة السنوات العشر التي تلت الثورة التونسية بوجه خاص. تساؤلات أساسية تغذى "النظام الجديد" من حالة حقد و"كراهية سياسية"، نمت في الأوساط الحزبية، وبين النخب، على امتداد سنوات ما بعد ثورة يناير/ كانون الثاني، ومن شعور الناس- وهم محقون في ذلك- بأنّ بطونهم الخاوية، لا تشبعها السياسة وحدها، وحساباتهم المصرفية "الحمراء"، لا تسويها النوايا الحسنة، والرفاه الاجتماعي، لا تؤسسه الشعارات مهما كانت براقة، والنمو الاقتصادي، لا تبنيه خطابات بلا مشروع، ورغبات بلا برامج. استثمر الانقلاب في هذا الغضب المجتمعي، الذي سرعان ما تحول إلى مطالب سياسية، بشحن حزبي وسياسي رهيب، حتى ارتفع سقف الخطاب الرسمي (الانقلابي)، إلى درجة تجاوزت طموحاته ورغباته، فرسم خريطة بلا جغرافيا، وبرامج بلا سياسات، وآمال بلا مشاريع، ومشاريع بلا تمويلات، فاصطدم بواقع مرير، وتطلعات تجاوزت إمكانات الدولة. وزادت التجربة المحدودة، والجهل بميكانيزمات الدولة، ونواميسها، وحسابات الخارج الذي ضاقت مساحته، وتكتيكات الداخل المرتبك، ولهث "الحوزة" المحيطة بالقيادة الجديدة، وراء المناصب والغنيمة السياسية، في الدفع بقوة، بل وبسرعة فائقة، نحو جميع مؤشرات الفشل، والحصاد الصفر، إذا صحّ القول، وعدم إنجاز ما يمكن اعتماده في أيّ بناء جديد طموح، إن كان للطموحات في هذا السياق، معنى. وعلينا هنا أن نطرح ثلاثة تساؤلات أساسية، لتفكيك "الحصيلة الصفر" للانقلاب إلى الآن: ما الذي جعل هذا الانقلاب يعجز عن تحقيق أيّ شيء، رغم كل اليد الطولى التي لديه، خلال السنوات الخمس الماضية؟ ما هي مؤشرات الفشل، التي نتحدث عنها، ويلاحظها كل خبير أو متخصص في الشأن الاقتصادي والمالي، وفي مستوى التداعيات الاجتماعية، من بطالة وفقر وخصاصة وغيرها؟ أسباب العجز الرئيسية أما لماذا عجز "الانقلاب" عن تحقيق الشعارات التي رفعها، والطموحات والتطلعات التي أعلن عنها، فيمكن اختزال ذلك ــ في نظرنا ــ في ثلاثة أسباب رئيسية: 1- أنه أراد أن ينطلق من الصفر، فألغى كل شيء: الدستور، والمؤسسات، والنظام السياسي (شبه البرلماني/ أو البرلماني المعدّل)، والسياسات، والقوانين الجديدة المعدّلة، والعلاقة بالمانحين الدوليين، والعلاقات الدبلوماسية التقليدية، التي عرفتها البلاد، وكانت الأنظمة التي حكمت منذ سبعين عامًا تستثمر فيها، شدًّا وجذبًا، نزولًا وصعودًا، بحثًا عن مفاتيح أو مخارج للأزمات الداخلية العصيبة. وعلى النقيض من ذلك، بدأ في إرساء ما وصفه "النظام المنقلب" بـ"المشروع الجديد"، الذي لم تتعوّد عليه "ماكينة" الدولة، ولم تهضمه الكفاءات الوطنية الموجودة، ولم يجد له التمويلات اللازمة.. فخسر الوقت والزمن والإرث المتوفر، فكان الفشل والعجز، والدوران في ذات المكان.. فالدول لا تتقدّم بفسخ ماضيها وتراكمات نخبها وهياكل الدولة القائمة وتقاليدها. 2- إنّ نظام الرئيس قيس سعيّد، عمل على خلق خصومات ومعارك سياسية وهمية، سماها "حرب التحرير الوطني"، واتخذ لها شعار "مكافحة الفساد"، فاكتشف أن الفساد أُخطبوط، يمتدّ في عمق الدولة ومؤسساتها، فظل كمن يقشّر مبنى خربًا، وكلما أسقط حجرًا تداعت له بقية الأحجار، ليجد النظام نفسه في دوامة لم يعد بإمكانه التخلّص منها، أو الانتصار عليها. والنتيجة، هي أنّ الدولة غرقت في هذه المعارك، فالتفّ الحبل حول رقبتها، حتى باتت عاجزة عن الفكاك منه، فلا هي قضت على الفساد (ببعديه السياسي والمالي)، ولا هي استطاعت أن تخرج من هذه الدوامة. وهكذا تاه التحرير، وضاع "المشروع"، ولم ينتهِ الفساد، بل امتدّت عروقه لمجالات أخرى، وتعقّدت الأدوار، وأُعيد توزيعها من جديد، دون القدرة على التقدّم قِيد أنملة. إنّ تحرير الأوطان، يحتاج إلى مشروع ضخم، وجمع شتات النخب والشخوص الفاعلة، وتشريك الجميع في "الهمّ الوطني" المتضخم، بفعل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمؤسساتية. فالدولة في هذه الحالة البنائية الجديدة المفترضة، مثل تلك الدجاجة التي تضمّ كتاكيتها تحت جناحيها، حتى تعبر بها المسالك الوعرة، لا أن تلعن اليوم الذي ولدتها فيه. 3- إنّ المحيطين بـ"مشروع الرئيس"، بدؤُوا بالانسحاب، أو التخلّي عن الوضع الجديد، بعد أن تراكمت مشكلاته، وبات جزءًا من المشكل، وليس سبيلًا للحل، كما تمّ التسويق لذلك قبل خمس سنوات، ما جعل عديد الأطراف، التي التحقت به، وطبّلت لقراراته، وصفّقت للمحاكمات السياسية الجارية على قدم وساق إلى الآن، وبرّرت قرارات القمع وتكميم الأفواه، وسكتت عمّا يسميه معارضو الرئيس سعيّد، بـ"عملية التخريب الشامل" التي جرت خلال السنوات الماضية.. هؤلاء قفزوا من السفينة، قبل أن تغمرها مياه المحيط.. فوجد الانقلاب نفسه، مع تقدم الأيام والشهور والأعوام، وحيدًا، يواجه المشكلات المجتمعية والاقتصادية والسياسية، متشبثًا بتلك الشعارات المتكررة، التي باتت محل نقد القريبين والموالين للحكم الجديد، قبل خصومه ومعارضيه. تصريحات غير مسبوقة فهذا المنجي الرحوي، زعيم حزب "الوطنيين الديمقراطيين الموحّد"، الموالي للانقلاب، ينتقد النظام الراهن بوضوح، قائلًا: "نحن متمسّكون بـ25 يوليو/ تموز، لكننا غير معنيين بالبطء الحاصل في المنجزات واتخاذ القرارات"، مضيفًا: "إنّ مجالات السلطة الجديدة، لم تحقق ما كان منتظرًا منها"، مشيرًا إلى أنّ "الإصلاحات الدستورية لم تُنجز.. والمجلس الأعلى للقضاء لم يقع إرساؤه، والمحكمة الدستورية، لم يتم تشكيلها، وما قيل عن الثورة التشريعية، لم يُنجز إلى الآن". ولفت الرحوي إلى أنّ "سلطة 25 يوليو/ تموز.. ليست منسجمة، فهناك أعلى هرم السلطة، وثمّة البقية التي تعمل في عزلة عنه". من جهته، أكد عبيد البريكي، رئيس حزب "تونس إلى الأمام" (يسار)، وأحد المكونات المناصرة بقوة لانقلاب 25 يوليو/ تموز، أنّ نسق إنجاز الأهداف المعلنة، بطيء جدًا، والتشغيل متوقف، والأسعار ترتفع يومًا بعد يوم، فيما الأجور مجمّدة منذ عدّة سنوات، والمرسوم 54 الذي ضرب الحريات، لم يعد له معنى في ظل وجود برلمان تشريعي..". ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، فحزب "أوفياء للوطن"، القريب من السلطة الحالية، أطلق تصريحًا خطيرًا منذ عدة أيام، على لسان رئيسته، زكية الكسراوي، التي أعلنت أنّ "رئيس الجمهورية محاصر.. وبعض المحيطين به معرقلون لمسار الإصلاح". أما أكثر التصريحات اللافتة للنظر، والتي تعكس مستوى جريئًا من النقد للانقلاب ومساره، وأداء رئيسه، السيد قيس سعيّد، فهو الصادر عن النائب اليساري بالبرلمان، أحمد سعيداني، الذي كتب تدوينة على فيسبوك بتاريخ 20 يوليو/ تموز الجاري، شدّد فيها على أنّ "رئيس الجمهورية كسيح سياسيًا، لا يستمع لأحد، يريد أن يبدأ تحريرًا لا برنامج له، لا مال له فيه، ولا رجال.. مجلس نواب أُحيل على وضعية الشلل التشريعي العام، وأصبح منصة مصادقة على قروض.. مجلس جهات وأقاليم، اكتفى بدور يونس شلبي في مسرحية مدرسة المشاغبين ولا أزيد.. حكومة يطالبها الرئيس بالنصوص، ولا يتجرأ وزير واحد على إخباره بأنّ المشكلة مشكلة فلوس، لا معضلة نصوص.. حكومة كاملة لا يوجد فيها وزير قادر على صياغة الجملة السياسية.. مجالس محلية (بلديات)، أُقصيت عن دورها الحقيقي..". والحقيقة، أن الاسترسال في عرض نصوص وتصريحات مماثلة، سيجعلنا أمام كمّ هائل من الانتقادات الشديدة للانقلاب، من داخل مكوناته، إلى حدّ التبرّؤ منه أحيانًا، بل إنّ أحد النواب، توجّه لرئيس البرلمان بالقول: "أتوجّه للرئيس قيس سعيّد بالقول: إن تونس تتجه نحو الهاوية، وعليه أن يسمعنا جيدًا؛ لأننا كنواب الأقرب للشعب"، وفق تعبيره. بلا شك، فإنّ هذه التصريحات والتدوينات، تغني عن كلّ تعليق. مؤشرات سلبية للغاية أما مؤشرات ما يصفه الخبراء وكثير من مكونات المعارضة للرئيس قيس سعيّد بـ"الفشل"، فهي كثيرة، وذات دلالات هامة، في علاقة بالدولة ومستقبلها: 1- نسبة النمو الاقتصادي والتنموي التي لا تتجاوز 1.5 بالمائة، وهي نسبة لا تخلق الثروة، ولا توفر فرص عمل، ولا تحرّك دواليب الاقتصاد، المعطّل منذ خمس سنوات، بفعل الخصومة مع "صندوق النقد الدولي"، وبعض المانحين في الخارج، ورجال الأعمال في الداخل، بسبب ما يسمى "مكافحة الفساد". 2- جمود كلي في أجور الموظفين، مقابل ارتفاع مشطّ للغاية في الأسعار. 3- مستوى البطالة المرتفع، إذ يبلغ حاليًا نسبة 15.7 بالمائة خلال الربع الأول من العام الجاري، وفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء، التي تشير إلى وجود 664.5 ألف تونسي عاطلين عن العمل. 4- ارتفاع حجم الدين العمومي إلى مستويات قياسية منذ 2021، تاريخ القيام بالانقلاب، من 109.23 مليارات دينار، إلى 147.40 مليار دينار في العام الجاري (2025)، ما سوف يضع ضغوطًا كبيرة على الحكومة، ويجعل تونس تواجه تحديات ضخمة على مستوى قدرتها على سداد ديونها الخارجية. 5- تواجه تونس تحديات في جذب الاستثمارات الأجنبية، بل إنّ الاستثمارات الداخلية تكاد تكون معطّلة، نتيجة تخوّف رجال الأعمال من إمكانية المساءلة القضائية، بتهم الفساد، وهو ما كان له تأثيره على النمو الاقتصادي. اتفاقيات قروض أجنبية بالجملة صادق عليها البرلمان التونسي منذ انتخابه قبل ثلاث سنوات، بشكل أثار اهتمام غالبية المحللين في المجال الاقتصادي والمالي، في وقت كان نظام الرئيس قيس سعيّد، ينتقد تضخم القروض الأجنبية، ويعتبرها من أسس خراب الحكومات السابقة، ومن أسباب المساس بالسيادة الوطنية. وإذا أضفنا إلى ذلك، شبه العزلة الدبلوماسية التي يعيشها النظام حاليًا، قياسًا بالمرحلة السابقة، إذا استثنينا العلاقة بالجزائر وليبيا، والنظامين الإيطالي والفرنسي، والجمهورية الإسلامية الإيرانية ومصر، لا يكاد المرء يعثر على حراك مهم مع الدول الصديقة والشقيقة لتونس تقليديًا، وحتى إن وجدت علاقات، فهي من قبيل المجاملات الدبلوماسية، التي لا تعكس اتفاقيات ولا بروتوكولات تعاون، ولا لجانًا عليا مشتركة، كما كان يجري منذ أكثر من عشرين عامًا في البلاد على الأقل. فهل يبقى بعد كلّ ذلك، بصيص أمل، أو أفق للمرحلة المقبلة؟ لا يمكن لتونس أن تستمرّ في هذا النهج، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، لأنّ للدولة، أيّ دولة، منطقًا للتقدّم، وليس للتراجع، والشعوب لا تعيش على وقع الخطابات الرنّانة، والأمعاء الخاوية، والفقر المتزايد، وخطاب الاحتراب الذي تستخدمه السلطة ضدّ كل المعارضين مهما كانت هوياتهم. إنّ العلاقات الدولية، لها شروطها الدنيا، ومن أهمها، الاستقرار السياسي، وهو ما لا يلاحظه الكثير من الملاحظين، الذين يُبدون قلقهم من محاصرة الحريات، واستخدام المحاكمات السياسية لتصفية المعارضين، والزجّ بالصحفيين في السجون، ويدعون إلى العودة للديمقراطية، حتى وإن لم يكن ذلك بالجدّية المطلوبة. لذلك يبقى المشكل في تقديرنا، تونسيًا- تونسيًا، والتسوية الداخلية أنجع لتونس، ولاستقرارها، ولكلّ مرحلة ثمنها.. أما الخارج، فسيكون في كلّ الأحوال رقمًا مهمًا في أيّ تطورات قادمة، لكن بأيّ صيغة؟ وضمن أيّ شروط؟ وبأيّ كيفية؟ ذاك ما تُخبّئه الأيام المقبلة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store