
ما أنجزه الأوروبيون من الاتفاق التجاري مع الأميركيين: كأس ترامب المرّة ولا حرب مع أكبر شريك
رسوم جمركية
بقيمة 30% على الصادرات الأوروبية إلى السوق الأميركية في أول أغسطس/آب. فالحاصل أن الاتحاد الأوروبي، الطرف الأضعف في تلك العلاقة، كان يلوح برسوم عقابية، تدعو لها فرنسا وتعارضها ألمانيا، بفاتورة تزيد عن 100 مليار دولار ضدّ الصادرات الأميركية، التي كانت وستظل معفاة من الضرائب في الأسواق الأميركية.
ومن شأن الاتفاق الذي وصفه
الرئيس الأميركي
بـ"أعظم الصفقات" أن يوفر للخزانة الأميركية حوالي 90 مليار دولار يمكن للإدارة أن توظفها في التخفيضات الضريبية التي يعتزمها ترامب لتعزيز شعبيته، وإظهار أن سياسته "التفاوضية" تسير على الطريق الصحيح، لكنه قبل ذلك سيضمن استمرار التدفق التجاري عبر الأطلسي والذي تبلغ قيمته 1.7 تريليون دولار سنوياً، مضفياً حالة من الوضوح والقدرة على التخطيط للمستقبل تحتاجه التجارة والاستثمارات بشدة.
اقتصاد دولي
التحديثات الحية
ألزمها استثمار 550 مليار دولار... رسوم ترامب الجمركية تُخضع اليابان
وبالفعل، تنفست الأسواق المالية، والأوروبية خاصة، الصعداء بعد الاتفاق، وتجلى ذلك في انتعاش سريع خلال التعاملات الصباحية ليوم الاثنين، حيث سجلت البورصات المالية في فرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا ارتفاعات تراوحت بين 0.4% و0.8%، كما سجلت أسعار أسهم شركات السيارات والصناعات الدوائية الأوروبية تحسناً ملحوظاً وتقدم اليورو على العملات المنافسة مثل الدولار والجنيه الإسترليني والين. رغم ذلك، يتفق محللون كثيرون على أن الاتفاق لا يعكس قواعد التبادل التجاري المتعارف عليها بين الجانبين منذ عقود، قدر ما يعكس ميزان القوى الفج الذي يطبقه ترامب دون هوادة.
الاتفاق في الميزان
ربما تكشف ردود الأفعال الأوروبية المنقسمة حيال الاتفاق تلك الحالة من عدم الرضا، وكأنها تشير إلى تسليم المغلوب للغالب وليس المخاض الطبيعي لتفاوض متكافئ. والمغلوب بالتأكيد، هنا، هو الاتحاد الأوروبي الذي ستتعرض كل صادراته لرسوم جمركية تبلغ 15% لدخولها إلى السوق الأميركية نزولا من 30% كانت موضع التهديد، إضافة إلى 50% على صادرات الحديد والألومنيوم، واستثمارات أوروبية بقيمة 600 مليار دولار في الاقتصاد الأميركي ومشتريات أسلحة ومنتجات طاقة بقيمة 750 مليار دولار. في المقابل، لن تتعرض الصادرات الأميركية إلى الأسواق الأوروبية إلى أي ضرائب أو قيود، كان من الطبيعي في مرحلة ما قبل ترامب أن يتوقع الأوروبيون علاقة المثل بالمثل، أي صفر رسوم على الجانبين، لكن الرئيس الأميركي، الذي يتبع في مفاوضاته سياسة حافة الهاوية، لا يكترث كثيراً بما يتوقع الأوروبيون.
إن الاتفاق "يبعث على الراحة وليس على الاحتفال
ورغم تأكيدات رئيسة
المفوضية الأوروبية
أورسولا فون ديرلاين بأن الاتفاق هو "أفضل ما يمكن التوصل إليه"، فإن زعماء أوروبيين آخرين انتقدوه بشدة، منهم رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي اعتبر الاتفاق نتيجة حتمية لمفاوضات بين "مفاوض من الوزن الثقيل مثل ترامب، ومفاوضة من وزن الريشة مثل فون ديرلاين". أما رئيس الوزراء البلجيكي بارت دي فيفر، فاعتبر في تعليق على منصة "إكس" أن الاتفاق "يبعث على الراحة وليس على الاحتفال".
وتحذر وكالة بلومبيرغ من أن الرسوم الجمركية المتفق عليها سوف تؤدي إلى انخفاض إجمالي الناتج المحلي للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بنسبة مبدئية تبلغ 0.4% قد ترتفع إلى 0.7% في حال ظهور مفاجآت في ثنايا الاتفاق. كما تشير الوكالة إلى أن أوروبا اختارت وضع حد للمخاوف تجنباً للمواجهة، فوافقت على دفع الكثير مقابل القليل من الجانب الأميركي.
بدورها، لم تخف إدارة ترامب ابتهاجها بالاتفاق معتبرة إياه دليلاً على براعة "ترامب مفاوضاً". نائب الرئيس دي جي فانس كتب على منصة إكس يقول: "كل الصحف الأوروبية تمتلئ بالمديح للرئيس، إنني سعيد للغاية بالاتفاق الذي تفاوض عليه نيابة عن الأميركيين". لكن الحقيقة أن من امتدح دور ترامب مفاوضاً هم الأقلية التي شعرت بارتياح لزوال شبح حرب تجارية قد تكون فادحة على الاتحاد الأوروبي، في حين تؤكد الأغلبية أن ما يقوم به الرئيس الأميركي هو نوع من سياسة "لي الذراع" مع شركائه التجاريين بعيداً عن قواعد التجارة الحرة.
الأرشيف
التحديثات الحية
الصلب الزائد يثير مخاوف أوروبا وأميركا
وكان ترامب قد بدأ التهديد بفرض سياسات حمائية في تجارة أميركا منذ بداية فترته الرئاسية الثانية، معتبراً أن شركاء بلاده التجاريين يستغلونها منذ عقود وأنه سيضع حداً لذلك. وبالفعل، كشف ترامب في الثاني من إبريل/ نيسان الماضي تحت ما سماه بـ"يوم التحرير" عن رسوم جمركية أساسية بنسبة 10% على صادرات جميع الدول إلى السوق الأميركية، وعززها برسوم متزايدة على كل دولة حسب حجم الفارق في الميزان التجاري لها مع الولايات المتحدة. وكان الاتحاد الأوروبي يتمتع بفائض يزيد عن 250 مليار دولار في ميزانه التجاري مع الولايات المتحدة رغم أنه يفتح أبوابه أمام السلع الأميركية، لكنها، ومن بينها السيارات والأدوية، لا تلقى قبولاً في الأسواق الأوروبية على عكس السلع الأوروبية التي تلقى رواجاً في السوق الأميركية.
ويسود اعتقاد في الدوائر الأوروبية بأن الاتفاق الأخير هو نتيجة طبيعية لـ"علاقات القوة" بين الجانبين خاصة القوة السياسية والعسكرية، إذ كشفت الحرب في أوكرانيا والمواجهة مع روسيا أن العملاق التجاري الأوروبي ليس لديه ما يكفي من العضلات السياسية أو العسكرية، وأن بحوزة واشنطن الكثير من الأوراق التي قد تزعزع استقرار أوروبا سياسياً وهو ما سينعكس بالتأكيد على استقرارها التجاري والاقتصادي، مثل سحب القوات الأميركية التي تُعد ضماناً لأمن أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية، أو الانسحاب من الناتو أو وقف تزويد أوكرانيا بالأسلحة، إذا ما قرر ترامب "تركيع" خصمه الأوروبي.
من ثم، فإن وجهة النظر الأوروبية، كما تعكسها تصريحات رئيس وزراء بلجيكا وفرنسا ومستشار ألمانيا، هي ضرورة إصلاح البيت الأوروبي من الداخل بحيث يصبح قادراً على الصمود أمام تحديات مشابهة لما يفعله ترامب. لكن حتى حدوث ذلك، يفضل الأوروبيون تجرع كأس ترامب المرّة على الدخول في حرب مفتوحة مع أكبر شريك تجاري لهم في وقت تسيطر فيه على الاقتصاد العالمي حالة من التوجس وعدم اليقين.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 29 دقائق
- العربي الجديد
زيلينسكي وترامب يناقشان خطوات التسوية مع روسيا
مع ترقّب جولة مكوكية من المنتظر أن يقوم بها مبعوث الرئيس الأميركي، ستيف ويتكوف ، تشمل موسكو وكييف هذا الأسبوع، كشف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اليوم الثلاثاء، أنه أجرى اتصالًا هاتفيًا مع نظيره الأميركي دونالد ترامب ، تناول خطوات نحو تسوية النزاع مع روسيا، والعقوبات بحق موسكو، والاتفاقية الأوكرانية-الأميركية المحتملة بشأن إنتاج المسيّرات. وكتب زيلينسكي عبر صفحته على "إكس": "أجريت حوارًا مثمرًا مع الرئيس ترامب تركز بشكل أساسي، بالطبع، على وقف الحرب. نمتنّ للرئيس الأميركي على كافة الجهود من أجل سلام عادل ومستديم. نسقنا اليوم مواقف أوكرانيا والولايات المتحدة". واعتبر أن العقوبات التي توعّد ترامب بفرضها على روسيا "قد تغيّر الكثير"، في إشارة إلى تهديدات الرئيس الأميركي بفرض تعريفات تصل نسبتها إلى 100% على روسيا وشركائها التجاريين ما لم يتم تحقيق تقدم في تسوية النزاع بحلول 8 أغسطس/آب الجاري. A productive conversation with President Trump, with the key focus of course being ending the war. We are grateful to @POTUS for all efforts toward a just and lasting peace. It is truly a must to stop the killing as soon as possible, and we fully support this. Many months could… — Volodymyr Zelenskyy / Володимир Зеленський (@ZelenskyyUa) August 5, 2025 وعلاوة على ذلك، تناول الاتصال قضايا التعاون الأميركي-الأوكراني في مجال الإنتاج الحربي، إذ أكد زيلينسكي استكمال إعداد مشروع اتفاقية إنتاج المسيّرات، وكذلك قرار دول أوروبية عدة، بما فيها هولندا والسويد والنرويج والدنمارك، تخصيص ما يزيد في مجموعه عن مليار دولار لسداد قيمة الأسلحة الأميركية التي ستحصل عليها أوكرانيا. وهذا الاتصال هو الثاني من نوعه بين زيلينسكي وترامب في ظرف أقل من شهر، إذ أُجري الاتصال السابق في 14 يوليو/تموز الماضي، وهو نفس اليوم الذي أعلن فيه ترامب عن عزمه فرض رسوم مرتفعة على روسيا وشركائها. وفي 27 يوليو/تموز الماضي، أجرى زيلينسكي اتصالًا آخر مع نظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، تناول مخرجات الجولة الثالثة من المفاوضات الروسية-الأوكرانية المباشرة في إسطنبول، وإمكانية عقد لقاء بينه وبين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قبل نهاية أغسطس/آب. تقارير دولية التحديثات الحية الجيش الروسي يعلن السيطرة على قرية جديدة في وسط أوكرانيا إلا أن بوتين جدد، خلال لقائه مع نظيره البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، في جزيرة فالام شمالي روسيا، يوم الجمعة الماضي، تمسكه بالشروط الروسية للتسوية في أوكرانيا، في ما يتعلق بمطالبه بانسحاب القوات الأوكرانية من مناطق شرق أوكرانيا التي ضمّتها روسيا في عام 2022، مشددًا على أهمية ما اعتبره إزالة "الأسباب الجذرية" للأزمة وتسوية المسائل الإنسانية.


القدس العربي
منذ ساعة واحدة
- القدس العربي
هل يداوي القنب الهندي اقتصاد لبنان؟
بيروت: يأمل لبنان أن تسهم نبتة القنب الهندي (الحشيش) في فتح نافذة اقتصادية جديدة أمام البلاد، بعد قرار مجلس الوزراء منتصف يوليو/ تموز الماضي تشكيل هيئة لتنظيم زراعتها واستخدامها لأغراض طبية وصناعية، في خطوة طال انتظارها منذ إقرار البرلمان القانون المتعلق بها عام 2020. وتُعد زراعة القنب واحدة من أبرز توصيات شركة 'ماكنزي' للاستشارات، ضمن خطة إنقاذ اقتصادي قدمتها للحكومة اللبنانية عام 2018، قدّرت فيها إمكان تحقيق عائدات تصل إلى مليار دولار سنوياً في حال تنظيم هذا القطاع. وقال رئيس الهيئة الناظمة لزراعة القنب الهندي، داني جورج فاضل، إن 'الجدوى الاقتصادية لهذا القطاع عالية جدا إذا تم تنظيمه بشكل فعال'. وأضاف أن 'الدراسات العالمية تشير إلى أن سوق القنب الطبي والصناعي في العالم يقدر بمليارات الدولارات سنويا، ويشمل استخدامات دوائية، وصناعية، وتجميلية، وغذائية'. وأشار إلى أن تنظيم هذا القطاع 'قد يفتح للبنان بابا لتأمين العملات الأجنبية عبر التصدير، وتوفير فرص عمل للمواطنين، وتشجيع الاستثمار من خلال إنشاء مصانع لاستخراج الزيوت والمستحضرات الطبية، بالإضافة إلى صناعات أخرى مرتبطة بهذه الزراعة'. وتابع فاضل: 'إذا نفذ هذا المشروع بالشكل الصحيح، فيمكن أن يشكل بالفعل نافذة أمل للمساهمة في تعافي الاقتصاد اللبناني'. واقع اقتصادي مترد ويعاني لبنان أوضاعا اقتصادية متردية زادت حدتها جراء حرب مدمرة شنتها إسرائيل بين 23 سبتمبر/ أيلول و27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024. إذ يستورد لبنان معظم حاجاته، خاصة في مجالات الغذاء والطاقة والسلع الاستهلاكية، ما يشكل استنزافا للعملات الصعبة، كما يجعل البلاد عرضة لتقلبات الأسواق العالمية والأزمات الاقتصادية. ومنذ عام 2019، يعاني لبنان انهيارا ماليا يُعد من أسوأ الأزمات في العصر الحديث وفقًا للبنك الدولي، إذ فقدت الليرة أكثر من 98 بالمئة من قيمتها إلى متوسط 90 ألفا أمام الدولار من 1500 سابقا، بجانب شح في الوقود والدواء. وبينما انهارت الثقة بالنظام المصرفي بالكامل، فإن البنوك التي كانت يوما رمزا للاستقرار، أصبحت عاجزة عن تلبية طلبات السحب بالدولار، ما أدى إلى تآكل مدخرات المواطنين. ووفقا لإحصائيات الأمم المتحدة لعام 2023، يعيش أكثر من 80 بالمئة من السكان تحت خط الفقر وسط تضخم مرتفع تجاوز في بعض المراحل 300 بالمئة، ما أثّر على القوة الشرائية للمواطنين وجعل تأمين الاحتياجات تحديا يوميا. تعاون دولي وأوضح فاضل أن التعاون مع دول أخرى سيكون ركيزة أساسية في عمل الهيئة، من خلال إبرام اتفاقيات شراكة مع دول تملك خبرات في زراعة القنب وتصنيعه، والانضمام إلى شبكات دولية في المجال لضمان جودة المنتجات والامتثال للمعايير العالمية. وأضاف أن 'التعاون الدولي في هذا المجال يهدف أيضا إلى فتح أسواق تصديرية للإنتاج اللبناني، بجانب إدخال تكنولوجيا حديثة في مجالات الزراعة الذكية، واستخراج المواد الفعالة، والتصنيع الدوائي'. ولفت المسؤول اللبناني إلى أن 'الهيئة تعتبر التعاون الإقليمي والدولي اليوم عنصرا ضروريا لضمان نجاح القطاع واستدامته'. رقابة شاملة وأشار فاضل إلى أن الهيئة ستشرف على كافة مراحل سلسلة الإنتاج، بدءا من تحليل التربة والمياه واختيار البذور والشتول، مرورا بمنح التراخيص للمزارعين، وإنشاء مركز أبحاث متخصص. وتابع أن الهيئة ستتولى أيضا الإشراف الفني على عمليات الزراعة والتوضيب والتصنيع، وضمان مطابقة المنتجات للمعايير الدولية، بالتعاون مع وزارات الزراعة، والصحة، والصناعة، والداخلية، والاقتصاد، والتربية، والمالية. وتهدف الهيئة إلى أن يكون الإنتاج موجها حصرا نحو الأغراض المشروعة الطبية والصناعية، بحسب فاضل. تقييم المحصول وعن توقيت انطلاق عملية التصنيع، كشف فاضل أن هناك بالفعل أراضي مزروعة حاليا بهذه النبتة والهيئة ستجتمع لاتخاذ القرار المناسب بشأن محصول هذا العام (الذي سبق أن زُرع قبل تشكيل الهيئة) وذلك بعد إجراء التحاليل اللازمة له. وأشار إلى أن تنظيم العملية سيبدأ اعتبارا من العام المقبل، مضيفا أن التنظيم سيكون معتمدا كما هو متبع في أهم الدول المنتجة للقنب، وذلك بعد إصدار التراخيص وتحديد المساحات، وإطلاق مسار التصنيع لضمان أن تكون الزراعة موجهة مباشرة إلى مصانع مرخصة. وبعيدا عن الاستخدامات المشروعة، لا تزال آلاف الهكتارات في لبنان تزرع بالقنب الهندي منذ عقود بطريقة غير قانونية، بغرض استخراج المواد المخدرة، حيث صنفت الأمم المتحدة لبنان عام 2017، رابع أكبر منتج للحشيش في العالم، رغم أن القانون اللبناني يعاقب على زراعته بالسجن والغرامة المالية. (الأناضول)


العربي الجديد
منذ ساعة واحدة
- العربي الجديد
ترامب وباول... السمسار المتهور في مواجهة الثعلب العنيد
بات المشهد داخل الساحة الأميركية يبدو كالتالي: الثعلب العنيد محافظ مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) جيروم بأول الصورة جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول، محام أميركي ومصرفي استثماري، عضو في مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) منذ عام 2012، وفي 23 يناير/ كانون الثاني 2018، وافق مجلس الشيوخ على تعيينه رئيسًا للمجلس، وتم التجديد له عام 2022، وتنتهي ولايته في مايو/ أيار 2026. في مواجهة السمسار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، والهادئ في مواجهة المتهور، والماكر في مواجهة الأهوج والأرعن والبلطجي ، والمصرفي المحترف الحاصل على درجة الدكتوراه في القانون في مواجهة رجل الأعمال والبزنس مان، والاقتصادي الفذ في مواجهة قناص الصفقات، والمحامي والأستاذ الجامعي في مواجهة السياسي الشعبوي الأقرب إلى الشخص الفوضوي، ورئيس "دولة وول ستريت" في مواجهة الداعم الأول لهوامير البورصات ومصالح مستثمري أسواق "وول ستريت" ومؤشرات ناسداك وداو جونز وستاندرد آند بورز 500 SPX وفولاتيليتي وغيرها. ولا نعرف لمن الغلبة في النهاية، للرئيس ترامب الذي يدير الاقتصاد الأميركي بمنطق سمسار العقارات ومدير المنتجعات السياحية والفنادق وهوامير البورصات وأسواق المال، أم لمحافظ البنك الفيدرالي بأول الذي يدير الاقتصاد النقدي بشكل منظم، ويملك وحده الحق في إدارة السياسة النقدية وأسواق الصرف الأجنبي، وقيادة أهم وأعرق بنك مركزي في العالم منفرداً، وإدارة خطط مواجهة أزمة التضخم داخل أكبر اقتصاد في العالم، خاصة وأن الهوة تتعمق يوم بعد يوم والخلافات تتزايد، وهو ما كشفت عنه تصريحات ترامب وآخرها اليوم الثلاثاء. قبل أيام، خرج علينا ترامب واصفاً جيروم بأول بأنه "عنيد ومتأخر للغاية"، وذامّاً الرجل بقوله: "في الواقع غاضب للغاية وغبي جدا وللغاية ومسيس للغاية للقيام بهذه الوظيفة". والسبب هو رفض البنك الفيدرالي الضغوط الشديدة التي مارسها ترامب على مجلس إدارته برئاسة باول بهدف دفعه نحو خفض سعر الفائدة على الدولار رغم المؤشرات المقلقة ومنها زيادة التضخم عن 2%، وارتفاع نسب البطالة، ومخاوف متزايدة من دخول الاقتصاد الأميركي في مرحلة ركود، أو على الأقل تباطئ كبير لتصل نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.4% فقط العام الجاري، مقابل 2.8% في عام 2024. موقف التحديثات الحية ليلة تركيع أوروبا أمام السمسار ترامب ليست تلك المرة الأولى التي يهاجم فيها ترامب محافظ البنك الفيدرالي ويهدده بفقدان وظيفته، ولو أحصينا عدد المرات التي هاجم فيها الرئيس الأميركي الرجل لوجدنا أنها قد تفوق المرات التي يتحدث فيها عن حروب دولية وقضايا معقدة ومخاطر جيوسياسية وقضايا الأمن القومي الأميركي. وعلى الرغم من أن ترامب هو الذي اختار باول لمنصب محافظ البنك الفيدرالي خلفاً للمصرفية الكبيرة جانيت يلين، وجدد له في منصبه للمرة الثانية خاصة أن باول له باعٌ طويل في الحزب الجمهوري، كما في القطاع المالي والمصرفي الأميركي، إلا أن ترامب دائم الهجوم على محافظ البنك الفيدرالي منذ توليه منصبه في 25 يناير الماضي. ولا نعرف من الذي ينتصر في النهاية، ترامب الذي يريد أن يضع يده على البنك المركزي ويوجه سياساته بما يخدم أهواءه ومصالح النخب الحاكمة ورجال الأعمال الداعمين له في حملته الانتخابية الأخيرة، أم باول الذي يتمسك باستقلالية البنك المركزي، ويدعم بقوة تلك الاستقلالية في مواجهة دعوات ترامب له بالتنحي وتهديده بإقالته من منصبه من وقت لأخر. وبغض النظر عن النتيجة التي ستصل إليها المعركة الدائرة بين الرجلين، فإن باول نجح حتى الآن في أن يثبت لصانعي السياسات النقدية البنوك المركزية حول العالم أن المركزي الأميركي هو الذي يحول دون انزلاق الاقتصاد الأميركي نحو الهاوية ووقوع الأسواق في مستنقع التضخم والإفلاس والركود وربما الانكماش. كما نجح في أن يعطي درساً لقادة الاقتصاد ورموز المصارف حول العالم في أهمية القيادة الثابتة وهدوء الأعصاب، وكيفية اتخاذ تلك القيادة القرارات الحاسمة والصائبة في الوقت المناسب ودون التأثر بالضغوطات المحيطة والصراعات السياسية والحزبية، مع المحافظة على هدوء الأعصاب رغم الأزمات المالية والاقتصادية الضخمة. موقف التحديثات الحية بلطجة ترامب من الاقتصاد للسياسة ونجح المصرفي بأول محافظ البنك الفيدرالي في هندسة الصراعات المحيطة به، وإدارة الضغوط سواء السياسية أو الاقتصادية لصالح الدولة، وعدم التسرع في اتخاذ القرارات بهدف إرضاء القيادة السياسية على حساب الصالح العام ومصالح المجتمع والاقتصاد والأسواق، والعمل ضمن فريق سواء داخل البنك المركزي أو مع قادة البنوك والمؤسسات المالية والاقتصادية الأميركية أو مع المشرعين في الكونغرس، وعدم الدخول في معارك جانبية، ولو أراد باول تأليب الرأي العام الأميركي على ترامب وسياساته الاقتصادية خاصة حربه التجارية ورسومه الجمركية ضد الشركاء التجاريين للولايات المتحدة لفعل ذلك ونجح بسهولة، لكنه يفضل العمل في صمت، وبعيداً عن ضوضاء وسائل الإعلام ومواقع التواصل، وهذا درس مهم لمحافظي البنوك المركزية في المنطقة العربية وحول العالم.