
لماذا تحظى زيارة مدير المخابرات الإثيوبي للسودان باهتمام كبير؟
الخرطوم- كشفت مصادر سودانية رسمية للجزيرة نت أن مدير المخابرات الإثيوبي رضوان حسين زار اليوم الاثنين بورتسودان العاصمة الإدارية المؤقتة للبلاد، حاملا في حقيبته ملفات عدة مهمة، واعتبرت الزيارة نقلة جديدة في علاقات البلدين بعد فترة من الجمود.
الزيارة -التي كانت تحت الأضواء على غير العادة- أجرى فيها حسين مباحثات مع نظيره السوداني أحمد إبراهيم مفضل تناولت سبل تعزيز التعاون الأمني بين البلدين، وتبادل المعلومات والتجارب بما يخدم المصالح المشتركة.
كما نقل رسالة من الرئيس الإثيوبي آبي أحمد إلى رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان تناولت أهمية دعم السودان في جهوده الرامية لاستعادة السلام والاستقرار وسط التحديات الراهنة.
وأكد حسين عقب اللقاء أن إثيوبيا ملتزمة التزاما راسخا بمساندة السودان في تجاوز أزماته، مشيرا إلى استعداد بلاده لتقاسم خبراتها وتجاربها في مجالات بناء السلام وإدارة التنوع، مما يعزز استقرار السودان ويحفظ وحدته الوطنية.
تواصل بعد جمود
وسبق أن زار الرئيس الإثيوبي آبي أحمد مدينة بورتسودان في يوليو/تموز 2024 كأول زيارة لزعيم أفريقي منذ اندلاع الحرب في السودان بين الجيش السوداني و قوات الدعم السريع في أبريل/نيسان 2023.
وكان الهدف الرئيسي من زيارة أحمد التوسط لإنهاء التوتر بين الخرطوم وأبو ظبي، حيث نجح في إجراء تواصل هاتفي بين رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان مع الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد لتسوية الخلافات، لكنه لم يحقق اختراقا حسب حديث البرهان لإعلاميين سودانيين ومصريين في أغسطس/آب الماضي.
لكن الزيارة أذابت الجليد بين قيادتي السودان وإثيوبيا نتيجة تصريحات آبي أحمد في الأسابيع الأولى للحرب عندما قال إن السودان يعاني من فراغ دستوري، وطالب بنشر قوات من شرق أفريقيا للفصل بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وهو ما رفضته القيادة السودانية بشدة.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي زار وزير الخارجية السوداني السابق علي يوسف الشريف العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، والتقى نظيره الإثيوبي قيديون تموثيث، وذلك بعد أيام من استدعاء الخارجية الإثيوبية السفير السوداني الزين إبراهيم، حيث أبلغته رفضها تصريحات الشريف بشأن التهديد بالحرب إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بين السودان ومصر وإثيوبيا بشأن مياه النيل.
وسبق أن انتقد الإعلام السوداني الموالي للحكومة استضافة إثيوبيا قادة من قوات الدعم السريع وتحالف القوى المدنية الديمقراطية "تقدم" سابقا، والسماح لهم بممارسة أنشطة مناهضة للسودان على أراضيها.
مواقف جديدة
وكشفت مصادر قريبة من مجلس السيادة للجزيرة نت أن زيارة مدير المخابرات الإثيوبي ناقشت ملفات عدة مرتبطة بالدولتين والتطورات في القرن الأفريقي ووقّعت اتفاقات بشأنها، وذلك بعد اتصالات ثنائية وبعد زيارة مدير المخابرات السودانية إلى أديس أبابا في وقت سابق "والتي أزالت كثيرا من الرواسب، وصححت الصورة بشأن ما يجري في السودان"، حسب وصفها.
وأكدت المصادر ذاتها أن الطرفين تعهدا بعدم السماح بأي أنشطة أو أعمال معادية من أي بلد تجاه الآخر، والتعاون لتعزيز الاستقرار على جانبي الحدود لتحقيق مصالح الشعبين، وذلك عبر التبادل التجاري وحرية حركة مواطني الدولتين، ومنع أي تحركات سلبية يمكن أن تؤثر على الأمن والتنسيق بشأن الأوضاع في القرن الأفريقي.
كما يرافق مدير المخابرات في زيارته الحالية الحاكم السابق لإقليم تيغراي غيتاتشو ردا الذي عُيّن مستشارا لرئيس الوزراء الإثيوبي للشؤون الأفريقية، حيث تعد هذه أول زيارة خارجية له.
وكان غيتاتشو ردا -الذي تولى سابقا رئاسة الحكومة المؤقتة لإقليم تيغراي- عُيّن في 11 أبريل/نيسان الماضي مستشارا لرئيس الوزراء الإثيوبي للشؤون الأفريقية.
وتزامنت زيارة الوفد الإثيوبي مع تسلم رئيس الوزراء السوداني الجديد كامل إدريس مهامه.
من جهة أخرى، تتصاعد التوترات بين إثيوبيا وإريتريا، وقال الإعلام الإثيوبي -الذي اهتم بزيارة رضوان حسين- إن منطقة القرن الأفريقي تمر بتحديات كبيرة.
وحسب المصادر الرسمية، فإن إثيوبيا -التي تستضيف مقر الاتحاد الأفريقي – وعدت بلعب دور إيجابي لإنهاء تعليق نشاط السودان في الاتحاد، وتوقعت أن تشمل زيارات كامل إدريس الأفريقية التي تحدث عنها في أول خطابه بأديس أبابا.
تقاطعات إقليمية
بدوره، يقول الكاتب والخبير في العلاقات السودانية الإثيوبية محمد حامد جمعة إن مدير المخابرات رضوان حسين هو أرفع مسؤول إثيوبي يزور السودان منذ وصول آبي أحمد إلى بورتسودان قبل نحو عام، وزيارة الشريف إلى أديس أبابا التي اقتصرت على لقاء نظيره الإثيوبي، مما عكس برودا في علاقات البلدين.
ويوضح الكاتب للجزيرة نت أن أغلب تحركات المسؤولين الأمنيين ومديري المخابرات لا تكون معلنة، لكن زيارة حسين إلى بورتسودان اهتم بها الإعلام -خاصة الإثيوبي- على نطاق واسع، ونشر تأكيدات الموقف الإثيوبي التي نقلها إلى القيادة السودانية، وهو ما يعتبر رسالة إثيوبية للرأي العام الداخلي والخارجي.
ووفقا له، فإن إثيوبيا تستشعر خطرا على أمنها من تصاعد أزمتها مع إريتريا، وتحالف أسمرا مع تيار في إقليم تيغراي الإثيوبي يرفض اتفاق بريتوريا بين أديس أبابا والإقليم للسلام، كما أن السودان غير بعيد عن ذلك لتداخل حدود البلدين وصلات الخرطوم مع أطراف الأزمة وإريتريا.
وكان لافتا -كما يقول الخبير في علاقات البلدين- تصريحات مستشار رئيس الوزراء الإثيوبي للشؤون الأفريقية الإيجابية بشأن إعادة عدد كبير من الإثيوبيين المخالفين لشروط الإقامة في السودان، الأمر الذي يجد ترحيبا من الجانب الإثيوبي، لأنه مرتبط بالأوضاع في إقليم تيغراي، حيث نص اتفاق بريتوريا على إعادة اللاجئين الذين ظلوا محل استقطاب من التيارات المتنافسة في الإقليم.
ويعتقد الخبير أن من مصلحة البلدين التوافق على تواصل إيجابي والتعاون الأمني والسياسي رغم أن ذلك قد يصطدم بنقاط حاكمة في مسار علاقاتهما، حيث تتحالف إثيوبيا مع قوى إقليمية عربية، في حين يتقارب السودان مع مصر وإثيوبيا، ويمكن تجاوز ذلك بمراعاة مصالح كل بلد مع ترك التقديرات الموضوعية للتحالفات حيث لا تتأثر بها العلاقات الرسمية.
ويرجح المتحدث أن الاتجاهات الإثيوبية الجديدة التي عبرت عنها زيارة حسين باتت تميل إلى دعم الموقف السوداني وحكومة كامل إدريس، حيث تخشى أديس أبابا من أن استمرار الحرب في السودان ونشوء كيان انفصالي يغذيان التيارات الانفصالية في إثيوبيا ويشجعانها.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
انتخاب الكونغو الديمقراطية وليبيريا لعضوية مجلس الأمن
في خطوة تعزز الحضور الأفريقي داخل أروقة صنع القرار الدولي، انتخبت الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم الثلاثاء، جمهورية الكونغو الديمقراطية وليبيريا لعضوية مجلس الأمن الدولي لفترة تمتد عامين، تبدأ في الأول من يناير/كانون الثاني 2026، إلى جانب ثلاث دول أخرى هي البحرين وكولومبيا ولاتفيا. وقد حصلت الكونغو الديمقراطية على 183 صوتًا، في حين نالت ليبيريا 181 صوتًا من أصل 193، ما يعكس دعمًا واسعًا داخل الجمعية العامة، رغم خوض المرشحين السباق دون منافسين في مجموعاتهم الإقليمية. تمثيل أفريقي متجدد تحل الكونغو الديمقراطية وليبيريا محل الجزائر وسيراليون في المقاعد المخصصة لأفريقيا، في إطار نظام التوزيع الجغرافي الذي يضمن تمثيلًا متوازنًا لمختلف القارات داخل مجلس الأمن. ويُنظر إلى دخول البلدين الأفريقيين على أنه فرصة لإبراز قضايا القارة على طاولة المجلس، من النزاعات المسلحة وتغير المناخ إلى الأمن الغذائي والتنمية. الكونغو.. من الصراع إلى منصة قرار تُعد الكونغو الديمقراطية، بما تمتلكه من ثقل جغرافي وبشري وموارد طبيعية هائلة، من أبرز دول أفريقيا جنوب الصحراء. ورغم معاناتها الطويلة من نزاعات داخلية مزمنة، خاصة في شرق البلاد، فإن انتخابها لمجلس الأمن يُعد اعترافًا دوليًا بأهمية دورها الإقليمي، وتأكيدًا على قدرتها على الإسهام في تعزيز الاستقرار والسلم العالميين. ومن المرجح أن تستثمر كينشاسا عضويتها للدفع بمقاربة جديدة في معالجة النزاعات بمنطقة البحيرات الكبرى، وتسليط الضوء على قضية استغلال الثروات الأفريقية في سياق النزاعات المسلحة. ليبيريا تعود إلى المسرح الدولي تشكل عضوية ليبيريا في مجلس الأمن تطورًا بارزًا في مسارها السياسي، بعد عقود من الحرب الأهلية والصراعات الداخلية التي مزقت البلاد حتى مطلع القرن الحالي. وتسعى مونروفيا اليوم إلى ترسيخ مكانتها كدولة أفريقية فاعلة، قادرة على لعب دور دبلوماسي يعكس التحولات التي شهدتها داخليًا. ويرى مراقبون أن ليبيريا قد تركز خلال عضويتها على الدفع بأجندات تتعلق بالعدالة الانتقالية، ودعم عمليات حفظ السلام، وتمكين الدول الخارجة من النزاعات. بين النفوذ العالمي والصوت الإقليمي تكتسب عضوية مجلس الأمن أهمية خاصة، كونه الهيئة الأممية الوحيدة المخولة باتخاذ قرارات ملزمة قانونيًا، كفرض العقوبات أو الإذن بالتدخل العسكري. ويتألف المجلس من خمسة أعضاء دائمين يتمتعون بحق النقض (الفيتو) هم الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وفرنسا، والمملكة المتحدة – إلى جانب عشرة أعضاء غير دائمين يُنتخب نصفهم سنويًا بالتناوب.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
فرار تحت النار.. الأمم المتحدة: 239 ألفا عالقون في حدود السودان وتشاد
قالت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إن نحو 239 ألف لاجئ لا يزالون عالقين على الحدود بين السودان و تشاد ، موضحة أنهم معرضون لمخاطر تقلبات الطقس وانعدام الأمن. وفي إحاطة من الحدود التشادية السودانية للصحفيين في جنيف، قال منسق المفوضية في تشاد، دوسو باتريس أهوانسو، إن عدد اللاجئين القادمين من السودان نحو تشاد تصاعد بشكل كبير منذ تكثيف الهجمات على المدنيين بشمال دارفور في أواخر أبريل/ نيسان الماضي. وأضاف: "وصل ما يقرب من 69 ألف شخص إلى تشاد خلال ما يزيد قليلا عن شهر، وبلغ متوسط من يعبرون الحدود يوميا 1400 شخص في الأيام الأخيرة". وقال أهوانسو، إن هؤلاء المدنيين "يفرون تحت النار، ويتنقلون عبر نقاط التفتيش المسلحة والابتزاز والقيود الصارمة التي تفرضها الجماعات المسلحة". وأوضح أن ما يقرب من 72% من اللاجئين الذين قابلتهم المفوضية أخيرا أبلغوا عن تعرضهم لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما فيها العنف الجسدي والجنسي، والاحتجاز التعسفي، والتجنيد القسري، وقال 60% منهم إنهم انفصلوا عن أفراد أسرهم. ومنذ بدء الحرب في السودان في أبريل/نيسان 2023، عبر أكثر من 844 ألف لاجئ سوداني إلى تشاد، التي كانت تستضيف فعلا ما يقرب من 409 آلاف سوداني فروا من موجات سابقة من الصراع في دارفور. إعلان وأضاف منسق المفوضية في تشاد أن "نحو 239 ألف لاجئ لا يزالون عالقين على الحدود، ومعرضين لتقلبات الطقس وانعدام الأمن وخطر المزيد من العنف". ووفقا للمفوضية، فر أربعة ملايين شخص من السودان إلى الدول المجاورة منذ بداية الحرب، مما يمثل "نقطة تحول كارثية في أزمة النزوح الأكبر في العالم". وقالت إنه "مع استمرار الصراع سيستمر آلاف آخرون في الفرار، مما يعرض الاستقرار الإقليمي والعالمي للخطر". ويخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023 حربا أسفرت عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص، ونزوح ولجوء نحو 15 مليونا، بحسب الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدّرت دراسة أعدتها جامعات أميركية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.


الجزيرة
منذ 21 ساعات
- الجزيرة
لماذا تتصدّر الدول الأفريقية قائمة الأزمات الأكثر إهمالا في العالم؟
وسط مخاوف وتحذيرات من تفاقم الأزمات الإنسانية في أفريقيا خلال سنة 2025، بسبب الحروب وتغييرات المناخ، يتجاهل المانحون الدوليون القارة السمراء التي يعاني ملايين من سكانها من انعدام الأمن الغذائي وارتفاع معدّلات النزوح. ووفقا لأحدث تقرير من المجلس النرويجي للاجئين حول "الأزمات الأكثر إهمالا في العالم"، فقد تصدّرت الدول الأفريقية قائمة البلدان ذات الأزمات الأكثر تهميشا على الصعيد الدولي. وقد أشار التقرير النرويجي إلى أن الدول الأفريقية التي تعاني من أعباء جسيمة نتيجة العنف والنزوح، هي نفسها الأكثر إهمالا وتهميشا من قِبل المانحين والداعمين في المجالات الإنسانية. وتأتي هذه المخاوف في وقت خفّضت فيه الولايات المتحدة -التي كانت في السابق أكبر داعم للمساعدات في العالم- تمويلها التنموي بشكل كبير، إذ لم تتلقَّ الوكالات الإنسانية سوى نصف ما كانت تحتاجه في 2024. ويحذّر الخبراء من أن استمرار هذا التراجع سيجعل عام 2025 أكثر قسوة على المحتاجين، خاصة في أفريقيا التي تصدّرت قائمة التقرير النرويجي بأزمات الدول الأكثر إهمالا. ما مضمون التقرير؟ حسب تقرير المجلس النرويجي للاجئين لعام 2024، فإن ملايين الأشخاص الذين نزحوا ويعانون من انعدام الأمن الغذائي أو من فقدان المأوى، يتلقون القليل من المساعدات بسبب "إرهاق المانحين"، وضعف التغطية الإعلامية، وغياب الحلول السياسية. وقد حدّد التقرير الدول المتأزمة على أنها تلك التي تضم أكثر من 200 ألف نازح، وتمّ تصنيفها على أنها تمر بأزمات شديدة. ومن بين 34 دولة تمّ تحليلها، جاءت مجموعة من الدول الأفريقية على قائمة الأكثر إهمالا واختفاءً عن أنظار العالم، وهذه الدول هي: الكاميرون وإثيوبيا وموزمبيق وبوركينا فاسو ومالي وأوغندا وإيران وجمهورية الكونغو الديمقراطية وهندوراس والصومال. وإلى جانب نقص التمويل، سجّل التقرير غياب التقدم في جهود حلّ النزاعات، وعدم الاهتمام بمنع الكوارث، في جميع هذه الدول. وأشار التقرير إلى أن تمويل المساعدات الإنسانية انخفض بشكل عام في سنة 2024، إذ بلغت الفجوة بين الاحتياجات والمتوفر حوالي 25 مليار دولار، وهو ما يعني أن أكثر من نصف الطلبات لم تتم تلبيتها. ما أسباب تجاهل الأزمات في أفريقيا؟ يقول الخبراء إن "إرهاق المانحين" والموجات المتزايدة من السياسات القومية داخل الدول المانحة التقليدية تدفع الحكومات الأغنى إلى خفض تمويل المساعدات الخارجية، كما أن البُعد الجغرافي عن مناطق الأزمات يساهم في ضعف الاهتمام. وقالت كريستيل هور، رئيسة قسم المناصرة في المجلس النرويجي للاجئين لمنطقة غرب ووسط أفريقيا، للجزيرة"إن العديد من الأزمات في جميع أنحاء القارة تبقى في الظل، ويتمّ تجاهلها لأنها لا تتصدر عناوين الأخبار، أو لأنها لا تُعد ذات مصلحة إستراتيجية فورية للشركاء الدوليين". وأضافت هور -في حديثها للجزيرة- أن الأزمات التي تطرق أبواب أوروبا -كما حدث في 2015 مع موجات الهجرة- تحظى بأكبر قدر من الاهتمام الإعلامي، في حين تبقى المشاكل البعيدة خارج دائرة الضوء، وحتى خارج الحسابات السياسية. ما الدول الأفريقية الأكثر إهمالا؟ وحسب التقرير النرويجي، فإن الدول الواقعة بين غرب ووسط أفريقيا، تتصدّر قائمة المناطق الأكثر إهمالا في سنة 2024. وفي ما يلي نستعرض الدول الأكثر تهميشا من قِبل المانحين حسب تصنيف المركز النرويجي للاجئين: الكاميرون تصدّرت الكاميرون قائمة الدول الأكثر إهمالا في العالم لسنة 2024، رغم أنها تعيش حربا أهلية مستمرة منذ ما يربو على 7 سنوات. ففي منطقتي الشمال الغربي والجنوب الغربي الناطقتين بالإنجليزية، تتواصل حرب أهلية اندلعت في 2017، بعد احتجاجات ضد التمييز من قِبل الحكومة الفرانكفونية، ورفضا لتعيين قضاة ناطقين بالفرنسية. وقد أدّى القمع العنيف إلى ظهور جماعات مسلحة أعلنت الاستقلال، فيما ردّت الحكومة بإعلان الحرب، الأمر الذي تسبّب في استهداف واسع للمدنيين، أسفر عن مئات القتلى، ونزوح الآلاف داخليا، ولجوء الكثيرين إلى نيجيريا. وفي شمال البلاد قرب حوض بحيرة تشاد، يستمر العنف من قِبل جماعة بوكو حرام، التي تزايدت أنشطتها بعد انسحاب نجامينا والنيجر من القوة المشتركة المدعومة من الولايات المتحدة، وهو ما زاد الضغط على الكاميرون ونيجيريا وبنين. وتتفاقم الأوضاع الإنسانية في الكاميرون بسبب ضغط اللاجئين من نيجيريا وجمهورية أفريقيا الوسطى، وتستضيف حاليا 1.1 مليون نازح، و500 ألف لاجئ. ورغم هذا الوضع، لم يُذكر الوضع في الكاميرون سوى في أقل من 30 ألف مقال إعلامي بلغات دولية مختلفة عام 2024، مقارنة بـ451 ألف مقال عن حرب أوكرانيا، حسب المجلس النرويجي للاجئين. كما لم يُجمع سوى 45% فقط من التمويل المطلوب، أي 168 مليون دولار من أصل 371 مليون دولار كانت مطلوبة لتمويل المساعدات، حسب الأمم المتحدة. وبالإضافة للأزمات المتعددة في الكاميرون، تتعرّض الحكومة لانتقادات واسعة، وتوصف باللامبالاة وعدم الاهتمام، إذ غالبا ما يقضي الرئيس بول بيا -البالغ من العمر 82 عاما ويحكم البلاد منذ 1982- أوقاتا عديدة في سويسرا. أشار تقرير المجلس النرويجي للاجئين إلى أن تداعيات حرب تيغراي في شمال البلاد (2020-2022) تداخلت مع موجات جديدة من القتال بين الجماعات العرقية في منطقتي أوروميا وأمهرة، مما أسفر عن مزيج خطير من الأزمات، أدّى إلى نزوح 10 ملايين شخص داخل البلاد. إعلان وتخوض جماعة "فانو" المسلحة، التي تقول إنها تدافع عن مصالح شعب الأمهرة -أحد المكونات العرقية الرئيسية في إثيوبيا- قتالا ضد الجيش الفدرالي، الذي حاول نزع سلاحها بعد أن قاتلت إلى جانبه ضد قوات تيغراي خلال حرب 2020. من جهة أخرى، يطالب مقاتلو "أورومو" بالاستقلال لشعب الأورومو، الذي يُصنّف أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا. وقد ردّت الحكومة في أديس أبابا باستخدام القوة ضد المجموعتين، وشنت ضربات جوّية عنيفة أسفرت عن مقتل عشرات من المدنيين الأبرياء. موزمبيق وظهرت موزمبيق في القائمة لأول مرة هذا العام، إذ تسبّبت الانتخابات المتنازع عليها في أكتوبر/تشرين الأول 2024 في أعمال عنف، قُتل فيها نحو 400 شخص، وفق وسائل إعلام محلية. وفي شمال البلاد الغنية بالنفط، تجدّدت هجمات تنظيم مسلّح تابع لمجموعة داعش، أسفرت عن تعطّل مشاريع تنموية، ونزوح مئات الأشخاص. ورغم تمكّن القوات الحكومية والإقليمية من استعادة بعض المناطق في 2023، فإن المقاتلين ظلوا يعيشون داخل المجتمعات المحلية، ما جعل النزاع يتجدّد بسرعة. كما ضرب إعصار "تشيدو" سواحل موزمبيق في ديسمبر/كانون الأول، الأمر الذي أدّى إلى مقتل 120 شخصا، وتدمير أكثر من 155 ألف مبنى، وفاقم الوضع الإنساني في مناطق الصراع. بوركينا فاسو ومالي منذ عام 2015، نزح أكثر من مليوني شخص في بوركينا فاسو بسبب هجمات الجماعات المسلحة التي تسيطر على أجزاء واسعة من البلاد، وتسعى إلى إقامة دولة مستقلّة. وقد حاصرت هذه الجماعات عشرات المدن والقرى، ومنعت دخول وخروج السكان، فيما اتهمت تقارير دولية القوات الحكومية أيضا بارتكاب مجازر ضد المدنيين المشتبه بمساعدتهم الجماعات المسلحة. أما دولة مالي، فإنها تواجه وضعا مشابها لحال جارتها بوركينا فاسو، وتأتي في المرتبة الرابعة على قائمة الأزمات الإنسانية الأكثر تجاهلا على مستوى العالم. ويرى محللون أن تقليص المساعدات الإنسانية يعود إلى مواقف الدول العسكرية الثلاث في الساحل، مالي وبوركينا فاسو والنيجر، التي قطعت علاقاتها مع الشركاء الغربيين مثل فرنسا، وأبدت عداء تجاه منظمات إنسانية دولية. وبالإضافة لهذه البلدان، توجد دول أفريقية عديدة تعاني من أزمات إنسانية تختلف أسبابها، مثل أوغندا والكونغو الديمقراطية والصومال. هل ستُزيد تخفيضات ترامب للمساعدات حدة الأزمات؟ أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب تقليص المساعدات الخارجية، التي كانت تقدّمها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية مخاوف من تفاقم الأزمات الإنسانية في 2025. ففي السنوات الماضية، كانت الولايات المتحدة توزّع حوالي 70 مليار دولار من المساعدات سنويا، خصوصا في مجال الرعاية الصحية، وفي عام 2024 حصلت إثيوبيا والأردن والكونغو الديمقراطية والصومال واليمن وأفغانستان ونيجيريا وجنوب السودان على أكبر قدر من هذه المِنح. ومع تراجع أو توقّف هذه التمويلات بقرار الرئيس ترامب، يحذّر عمال الإغاثة من أن الأزمات في القارة الأفريقية قد تزداد سوءا. وتزداد المخاوف من قِبل المراقبين، خاصّة بعد قرار دول مانحة أخرى تقليص مساعداتها، مثل بريطانيا التي خفّضت 0.2% من المساعدات في فبراير، وهولندا التي ستخفض 2.4 مليار يورو بدءا من 2027، إضافة إلى فرنسا وألمانيا وبلجيكا وسويسرا والسويد، التي أعلنت جميعها عن خطوات مماثلة بدءا من العام 2027. ما الدور المنتظر من الاتحاد الأفريقي؟ وقالت هول عضو المجلس النرويجي للاجئين إن على الاتحاد الأفريقي أن يتحمّل المسؤولية في قيادة الجهود السياسية لحل أزمات القارة، مشيرة إلى أن مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد غالبا ما يُنتقد لبطئه في التحرك. وأضافت "ما نحتاجه بشكل عاجل اليوم ليس فقط المزيد من التمويل، بل التزام سياسي واضح، ليس فقط من المانحين، بل من الاتحاد الأفريقي ودوله الأعضاء". وشدّدت هول على ضرورة تقليل العراقيل الإدارية والتنظيمية التي تُعيق عمل المنظمات الإنسانية، مضيفة أن تخفيف هذه القيود، بالتعاون مع السلطات الوطنية والاتحاد الأفريقي، سيعزز كثيرا كفاءة الاستجابة الإنسانية المشتركة.