
إدارة ترامب تكشف عن وثائق جديدة حول اغتيال الرئيس السابق جون كينيدي
نشرت مؤخراً آلاف الوثائق المتعلقة بالتحقيق في اغتيال الرئيس الأمريكي السابق، جون. إف. كينيدي.
وكما توقع خبراء، فإن هذه الوثائق الأخيرة الصادرة من إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب، لا تجيب على كل الأسئلة العالقة حول إحدى نقاط التحول التاريخية في الولايات المتحدة - اغتيال الرئيس الأسبق كينيدي في دالاس عام 1963.
لكن الدفعة الأخيرة من الوثائق التي كشف عن بعضها جزئياً، والبعض الأخر كلياً، تتحدث عن مراقبة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لقاتل جون كينيدي قبل عملية إطلاق النار.
وخلص تحقيق أجرته الحكومة الأمريكية في ستينيات القرن الماضي إلى أن لي هارفي أوزوالد، وهو رحّال وضابط سابق في قوات مشاة البحرية الأمريكية انشق في مرحلة ما إلى جانب الاتحاد السوفييتي آنذاك، وتصرف بمفرده عندما أطلق النار على موكب كينيدي من مبنى قريب.
لكن القضية لا تزال تُثير تساؤلات، إلى جانب نظريات المؤامرة الواسعة بعد أكثر من 60 عاماً، ومن غير المرجح أن يُغيّر نشر الوثائق مؤخراً هذا الوضع.
وإليكم بعض النقاط الرئيسية الواردة في الوثائق.
1- المزيد عن أوزوالد لكن دون مفاجآت
قال المراسل السابق لصحيفة واشنطن بوست، جيفرسون مورلي، إن "الوثائق ألقت مزيداً من الضوء على المراقبة القوية لوكالة الاستخبارات المركزية لأوزوالد".
وأضاف مورلي وهو محرر في مدونة "حقائق جون كينيدي"، أن أوزوالد "موضوع اهتمام عميق لوكالة الاستخبارات المركزية" قبل وقت طويل من الاغتيال، لكن لم يتضح مدى هذا الاهتمام إلا في السنوات القليلة الماضية.
ونشرت العديد من الوثائق سابقاً، لكن الآن تتوفر نسخ أكثر اكتمالاً، رغم أن متخصصين ما زالوا يبحثون في الأمر، إذ لم تظهر أي قصص مدوية حتى الآن.
ومع ذلك، يصف مورلي الوثائق الأخيرة بأنها "الخبر الأكثر إثارة فيما يتعلق بجون كينيدي منذ التسعينيات"، موضحاً: "لقد أصبحت عدة وثائق مهمة للغاية، متاحة الآن".
وأشاد خبراء بنشر الوثائق باعتباره خطوة نحو الشفافية، ففي الماضي أُتيحت مئات الآلاف من الوثائق، مع حجب أجزاء منها، بينما حُجِب نشر وثائق أخرى بحجة مخاوف الأمن القومي.
وقال فيليب شينون، الذي ألف كتاباً عام 2013 عن الاغتيال، لوكالة أسوشيتد برس، إن الوثائق التي كُشف عنها سابقاً وصفت رحلة قام بها أوزوالد إلى مدينة مكسيكو في سبتمبر/أيلول 1963، قبل أشهر من الاغتيال.
وأوضح أن وكالة الاستخبارات المركزية كانت تراقبه في ذلك الوقت، بحسب ما نقلت وكالة أسوشيتد برس، مضيفاً أن "هناك سبب للاعتقاد بأنه تحدث علانية عن قتل كينيدي في مدينة مكسيكو، وأن الناس سمعوه يقول ذلك".
وفي مذكرة سابقة صدرت في أبريل/نيسان 1975، قللت وكالة الاستخبارات المركزية من أهمية ما كانت تعرفه عن رحلة أوزوالد إلى مدينة مكسيكو، وفق ما أوردت وكالة أسوشييتد برس.
وأوضحت أن وكالة الاستخبارات المركزية سجلت ثلاث مكالمات هاتفية بين أوزوالد وحارس في السفارة السوفيتية، لكن أوزوالد لم يعرف عن نفسه إلا في واحدة منها.
2 - كشف أساليب الاستخبارات
وتسلط عدد من الوثائق الضوء على علاقة كينيدي بوكالة الاستخبارات المركزية قبل وفاته، وعلى تقنيات جمع المعلومات الاستخباراتية، مما يوفر معلومات عن عمليات الحرب الباردة.
وتكشف مذكرة حديثة عن نسخة مكتملة لملاحظة كتبها آرثر شليزنجر، أحد مساعدي كينيدي.
وتنتقد المذكرة، وكالة الاستخبارات المركزية ودورها في تشكيل السياسة الخارجية، وتظهر الوجود الكبير للوكالة في السفارات الأمريكية، حتى في دول حليفة مثل فرنسا.
ويُحذّر شليزنجر في المذكرة، كينيدي من تأثير الوكالة على السياسة الخارجية الأمريكية، ورغم أن المذكرة لا ترتبط مباشرة بالاغتيال، لكنها توضح تفاصيل العلاقة المضطربة بين الرئيس ووكالات الاستخبارات.
وتعارض وكالة الاستخبارات المركزية، نشر معلومات تشغيلية أو تتعلق بالميزانية، بحسب ديفيد باريت، الأستاذ في جامعة فيلانوفا والمختص في شؤون وكالة الاستخبارات المركزية والسلطة الرئاسية.
وقال باريت: "إنه أمر جيد للغاية بالنسبة للحكومة أن تنشر هذه الوثائق حتى لو كانت لا تزال تحتوي على بعض التعديلات".
وتوضح وثيقة أخرى تفاصيل استخدام المسح الفلوري، باستخدام الأشعة السينية للكشف عن الأجزاء الداخلية من الجسم.
وطُورت هذه التقنية للكشف عن أجهزة تنصت مخفية يُحتمل استخدامها للتجسس على مكاتب وكالة الاستخبارات المركزية.
وفي وثيقة أخرى، تصف وكالة الاستخبارات المركزية نظاماً لوضع علامة سرية وتحديد صناديق هواتف عامة يتم التنصت عليها، باستخدام طلاء لا يمكن رؤيته إلا تحت ضوء الأشعة فوق البنفسجية.
ويبرز في المذكرة اسم جيمس ماكورد، الذي ذاع صيته لاحقاً كأحد المشاركين في اقتحام مجمع ووترغيت، وهو ما أشعل شرارة الفضيحة التي أطاحت بالرئيس ريتشارد نيكسون.
3 - إحياء نظريات قديمة
وادعت بعض الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، أن الوثائق الأخيرة تكشف عن تفاصيل جديدة بشأن مؤامرات مزعومة منذ فترة طويلة ضد كينيدي، على الرغم من أن بعض هذه التفاصيل كانت معلنة منذ سنوات.
وتتضمن هذه الوثائق منشورات عدة انتشرت على نطاق واسع عن غاري أندرهيل، عميل الاستخبارات العسكرية خلال الحرب العالمية الثانية.
ويزعم أندرهيل أن مجموعة من عملاء وكالة الاستخبارات المركزية، كانت وراء عملية الاغتيال، وهي نظرية نشرت علانية في مجلة رامبارتس اليسارية في عام 1967.
وصُنفت وفاة أندرهيل عام 1964، على أنها عملية انتحار، لكن المجلة شككت في ذلك.
وانتشرت صور مذكرة من سبع صفحات تتعلق بأندرهيل، الثلاثاء، لكن الجزء الأكبر منها ليس جديداً، إذ تداولت مواقع على الانترنت قصته منذ فترة طويلة، ونُشرت مذكرة وكالة الاستخبارات المركزية التي ذكرت هذه القصة لأول مرة عام 2017.
وكانت هناك بعض الجمل التي وردت في صفحة واحدة من المذكرة، لم يتم تنقيحها في الإصدار الأخير.
والأهم من ذلك، هو أن النظرية تستند إلى رواية من مصدر غير مباشر، ونُشرت بعد وفاة أندرهيل ولا تتضمن أي أدلة قاطعة.
ومع ذلك، كانت هذه القصة واحدة من بين عدد من النظريات غير المؤكدة المتداولة بعد نشر الوثائق.
4 - هل كُشف عن الوثائق بشكل كامل؟
ونص قانون صدر عام 1992 على ضرورة الكشف عن جميع الوثائق المتعلقة بالاغتيال خلال 25 عاماً، لكن هذا القانون تضمن أيضاً استثناءات تتعلق بالأمن القومي.
وأدى الضغط من أجل مزيد من الشفافية إلى إصدار المزيد من الوثائق مع مرور الوقت، فأصدر كل من ترامب في ولايته الأولى، وبايدن في عام 2023، دفعات من الوثائق.
وقبيل إصدار الوثائق الجديدة، قال ترامب إنه طلب من موظفيه "عدم حجب أي شيء" منها.
لا يبدو أن هذا صحيح، فالوثائق الجديدة لا تزال تحتوي على بعض التعديلات، ومع ذلك، اتفق خبراء على أن الإصدار الأخير يُعدّ خطوة للأمام نحو الشفافية.
وتحدث مورلي المحرر في مدونة "حقائق جون كينيدي"، عن وثائق أخرى في الأرشيف الوطني لم يفرج عنها بعد، إضافة إلى وثائق تحتفظ بها وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي.
ورغم إمكانية نشر المزيد من الوثائق، إلا أن التساؤلات بشأن اغتيال جون كينيدي ستظل قائمة بلا شك.
وقال باريت، المؤرخ من فيلانوفا: "كلما وقعت حادثة اغتيال، تُثار نقاشات، وتُطرح نظريات مؤامرة إلى حد ما. ولن يتغير هذا الوضع بفضل هذه الوثائق أو غيرها".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 2 أيام
- العربي الجديد
صدمة خفض "موديز" و"لخبطة" حسابات ترامب
إبان حملته في الانتخابات الرئاسية الأولى، وعد دونالد ترامب الأميركيين بمواجهة واحدة من أبرز الأزمات الاقتصادية، وهي التخلص من الدين العام والقضاء عليه، وقال لصحيفة واشنطن بوست في العام 2016 إنه يمكن أن يجعل الولايات المتحدة خالية من الديون على مدى ثماني سنوات. وغادر ترامب فترته الرئاسية الأولى في العام 2021، وبدلاً من أن يضع حداً لتلك الأزمة المزمنة، ارتفع الدين العام للولايات المتحدة بنسبة 39%، ليصل إلى 27.75 تريليون دولار بنهاية فترة ولايته، بزيادة تبلغ نحو 7.1 تريليونات دولار. ووصلت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوياتها بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تراوحت بين 108 و109%. وارتفع عجز الموازنة الفيدرالية بنسبة 50% تقريباً، ليصل إلى ما يقرب من تريليون دولار. وكان من أبرز أسباب تلك القفزة الزيادات الكبيرة في الإنفاق الحكومي، والتخفيضات الضريبية لعام 2017. وعقب فوزه في الانتخابات الأخيرة حاول ترامب تدارك الأمر، حيث اتخذ خطوات سريعة لمواجهة تفاقم الدين العام، والذي يتجاوز حالياً 36.2 تريليون دولار ومن المتوقع أن يقفز إلى 40 تريليوناً بنهاية العام، أو على الأقل الحد من خطورته، ومع توليه منصبه طرح القضية أولوية قصوى لإدارته، وعمل على محاور عدة، الأول زيادة الرسوم الجمركية على واردات كل دول العالم بهدف جمع حصيلة ضخمة توجه لعلاج العجز المزمن في الموازنة، والثاني خفض الإنفاق الحكومي والمساعدات الداخلية والخارجية، وكلف الملياردير إيلون ماسك بمهمة إصلاح شامل للحكومة الفيدرالية والموازنة العامة، والثالث جذب مزيد من الاستثمارات الخارجية سواء المباشرة أو لأدوات الدين الحكومية. وعلى الرغم من أنه حقق نجاحاً في ملف الرسوم الجمركية، حيث ساهمت زيادتها في تخفيف بعض الاختلالات المالية الشهر الماضي، إلا أنه تعرض لصدمات عنيفة، الأولى هي ارتفاع حجم الدين العام للولايات المتحدة 541.8 مليار دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من ولايته، وفقاً لبيانات وزارة الخزانة، ومعها باتت الولايات المتحدة تُعاني من عجز ضخم في الميزانية بلغ 1.05 تريليون دولار. اقتصاد دولي التحديثات الحية "موديز" تخفّض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة إلى "إيه إيه 1" والصدمة الثانية تمثلت في رفض بنك الاحتياط الفيدرالي الشديد لضغوط ترامب الرامية لخفض سعر الفائدة، وهو الأمر الذي كان يراهن عليه في خفض تكلفة الأموال الحكومية والدين العام والقروض المصرفية. أما الصدمة الثالثة والأعنف فجاءت من وكالات التصنيف العالمية، حيث خفضت وكالة موديز التصنيف الائتماني للولايات المتحدة على خلفية تفاقم أزمة الدين العام وزيادة العبء المالي الذي تواجهه البلاد في ظل ارتفاع أسعار الفائدة وكلفة الدين. وهنا تكون الوكالات العالمية الثلاث اتفقت على خفض تصنيف أكبر اقتصاد في العالم من أعلى تقييم والبالغ " AAA "، حيث انضمت "موديز" إلى وكالتي فيتش وستاندرد آند بورز في قرار الخفض. وبسبب حساسية قرار موديز فقد شن البيت الأبيض ووزير الخزانة الأميركي، سكوت بينست، هجوماً شرساً على الوكالة ومحاولة تشويه صورتها والتشكيك في تصنيفاتها. هذه الصدمات الثلاث قد تسفر عن تعميق هوة الخلافات والصدامات بين ترامب والبنك الفيدرالي في الفترة المقبلة من جهة، وحدوث صدام بين الجمهوريين والديمقراطيين داخل الكونغرس بشأن مشروع خفض الضرائب، كما قد تسفر عن لخبطة في حسابات ترامب حيث كان يعتزم إنشاء صندوق ثروة أميركي، تشكل الإيرادات المُحصّلة من الرسوم الجمركية على الواردات أساساً لإيراداته.


العربي الجديد
منذ 3 أيام
- العربي الجديد
اغتيال جون كينيدي... أوليفر ستون يفضّل الصمت عن تورط إسرائيل
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع السرية عن آلاف الوثائق الجديدة التي تخص اغتيال جون كينيدي الرئيس الخامس والثلاثين للولايات المتحدة ، وكشفت ردود الأفعال أن الرأي العام لم يفقد بعد اهتمامه بهذه الحادثة؛ فتحوّلت الوثائق الجديدة المنشورة لتكون أشبه بحقنة أدرينالين أعادت النشاط إلى كل المهتمين بالقضية، وكان على رأسهم بالطبع المخرج الأميركي الشهير أوليفر ستون الذي شملت قائمة أفلامه عملين ارتبطا بحادثة الاغتيال. فيلم JFK (جيه إف كيه) تحديداً حقق نجاحاً باهراً؛ إذ حمل مكونات ضمنت له النجاح، فالناس تميل عموماً إلى القصص البوليسية، وتستهويهم جرائم القتل الغامضة. هذا الوله الذي تحرّكه رغبات مدفونة في أعماق النفوس هو تماماً ما حوّل الغموض والتشويق وعالم الجريمة إلى جانرا لها خصائص تسويقية هائلة في الأدب والدراما، وربما كانت قصّة اغتيال كينيدي واحدة من أبرز هذه القصص، فكيف قُدّم الحادث المروع مادة دسمة لواحد من أشهر أفلام هوليوود؟ وكيف رد الفيلم الجميل؟ وكيف يبدو الفيلم اليوم بعد أن كُشف عن الأغلبية الساحقة من الوثائق؟ أصدر ستون فيلمه هذا عام 1991، وقدّم من خلاله سرداً غير اعتيادي للحدث، مستنداً إلى كتابين منشورين هما "على درب القتلة" و"النيران المتقاطعة: المؤامرة التي قتلت كينيدي"، وكتب النص برفقة زكاري سكلار، وتحول رغم مدته (189 دقيقة) إلى فيلم تشويقي بامتياز. لكن ما لا يعرفه كثيرون أن الجدل الناتج عن عرض الفيلم فرض إعادة طرح مسألة اغتيال كينيدي، وكان أحد العوامل الضاغطة باتجاه رفع السرية عن الوثائق؛ إذ ظلّ الغموض يحيط بحادثة الاغتيال التي وقعت في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1963. لجنة وارن المكلفة بالتحقيق كانت محط انتقادات وتشكيك، وأعلنت أن هارفي أوزوالد المتهم باغتيال جون كينيدي تصرّف منفرداً ولم يكن جزءاً من مؤامرة مخطط لها، ولذلك كان على اللجنة أن تقول إن "رصاصة سحرية" أحدثت سبعة جروح في شخصين. ستون في طرحه كان يشير إلى أن لدى "سي آي إيه" ما تخفيه، وأنّها متورطة في مقتل جون كينيدي وإخفاء الأدلة والتلاعب بالتحقيق وإرهاب الشهود، إضافةً إلى أن جاك روبي الذي اغتال أوزوالد كان عميلاً لـ"سي آي إيه"، وأسكت المتهم إلى الأبد بعد أن قال أوزوالد آخر كلماته "لست سوى كبش فداء". حتى قبل أسابيع قليلة، ظلّ الحديث عن حادثة الاغتيال يظهر بوصفه صراعاً بين تيارين، أحدهما مقتنع بنتائج لجنة وارن، والآخر يوجّه أصابع الاتهام بشجاعة إلى الـ"سي آي إيه". لكن تطوّراً لافتاً رافق نشر الوثائق الجديدة قلبَ القصة رأساً على عقب، وذلك مع بروز إسرائيل بقوة في هذا الملف، فالعديد من الوثائق كانت منشورة منذ زمن، لكن مع طمس بعض السطور والكلمات، ليتبين لاحقاً أن هناك من حرص طوال سنوات على إبعاد ذكر إسرائيل عن هذه الوثائق. والأهم أن البحث عن الدافع يمثّل أبرز أركان التحقيق الجنائي، فكشفت الوثائق أن لدى إسرائيل دافعاً حقيقياً وكبيراً للتخلص من كينيدي. نعرف اليوم أن صراعاً كبيراً كان يدور في الخفاء بين إسرائيل وكينيدي الذي اطلع على تقارير مثيرة للقلق عن أنشطة نووية تمارسها تل أبيب في مفاعل ديمونة، وكان يصر على تفتيشه، ويهدّد باتخاذ إجراءات قاسية إذا ما تبين فعلاً أن إسرائيل تطور سلاحاً نووياً، ووصلت الأزمة إلى حد استقالة بن غوريون بسبب رفضه تفتيش المفاعل، وهناك مسألة أخرى مهمة للغاية، وهي تلك التي ترتبط بـAZC (المجلس الصهيوني الأميركي) الذي كان يمارس نشاطه لوبياً صهيونياً داخل واشنطن، ويتدخل في السياسة الأميركية، وتربطه علاقات عميقة مع صهاينة موجودين داخل الولايات المتحدة، وهم جزء من آلية صناعة القرار، لكن جون كينيدي كان يريد أن تخضع AZC إلى قانون تسجيل العملاء الأجانب (FARA)، ما يفرض على المجلس الإفصاح عن نشاطه ومصادر تمويله، وهو آخر ما تريده الحركة الصهيونية. المثير للاهتمام أن إصرار كينيدي على إلزام المجلس الصهيوني الأميركي تلاشى مع اغتياله، واستطاع المجلس أن يواصل عمله خارج القانون المذكور، وبات يعرف اليوم باسم لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (AIPAC). للقصة المشوّقة فصولٌ كثيرة، ربما أقلّها شهرة هو ما يعيدنا إلى أوليفر ستون وفيلم JFK الذي لا يستطيع المشاهد إلا أن يقر بجرأة طرحه. لكن إشارة استفهام كبيرة بدأت تظهر الآن حول الفيلم، فبالنسبة إلى متابعي أعمال ستون، لا يبدو JFK حالة شاذة، بل هو فعلياً حلقة ضمن سلسلة أعمال قدّمها المخرج تحمل جرعة انتقادية عالية تجاه حكومات الولايات المتحدة، حتى أن ستون أخرج سلسلة وثائقية حملت عنوان The Untold History of the United States (التاريخ غير المحكي للولايات المتحدة الأميركية) يفّند فيه المخرج الأكاذيب التي تروجها الماكينة الإعلامية عن تاريخ "أميركا البرّاق". سينما ودراما التحديثات الحية ترامب على الشاشة: تساؤلات معلقة حول صورة الرئيس لكن أوليفر ستون حتى اللحظة يلتزم الصمت حول الاتهامات الموجهة إلى إسرائيل، رغم ظهوره الإعلامي الكثيف خلال الأيام القليلة الماضية، وفي خطابه الذي ألقاه في الكونغرس للمطالبة بإعادة فتح التحقيق، لم يذكر ستون إسرائيل إطلاقاً، مع أنّها حلقة كانت مخفية في القصة ولا تلغي تورط وكالة الاستخبارات المركزية أبداً. وبدا موقف ستون مستغرباً حتى فاجأه صحافي في الأول مايو/أيار الحالي بسؤال محرج: "متى عَلمت أن المنتج أرنون ميلتشان (أحد المنتجين الأساسيين لفيلم JFK) كان عميلاً إسرائيلياً؟". ليضحك ستون ويجيب: "بعد الفيلم". وأقر بأنّه كان يعلم بأنّه إسرائيلي الجنسية، وأنّه لربما كان على اتصال بنشاط استخباري ما. لكن ميلتشان بالنسبة إلى ستون قدّم له ما يريد ولم يتدخل إطلاقاً في مضمون الفيلم. وأشار المخرج إلى أن ميلتشان انضم لاحقاً إلى المشروع ولم يكن منذ البداية. وهذا صحيح في الواقع، لكن انضمامه المتأخر لا يقلّل من إسهامه، وأصر ستون على أنّه "غير قادر على الجزم إن كانت إسرائيل متورطة". ففي وقت سابق، قال المنتج والعميل الإسرائيلي إنّ المشروع كان على وشك أن يتوقّف نظراً إلى ميزانيته الكبيرة، لكن دخوله كان الضامن لإنجازه. وبحسب ميلتشان، كان الفيلم مثيراً للجدل وطويلاً جداً، لكّنه صرّح عن دافعه عندما قال: "نحن لا نعلم حتى اليوم من اغتال الرئيس ولا يمكننا فتح ملفات لهارفي أوزوالد، والسبب هو (الأمن القومي) وما زلت حتى اليوم أتساءل: ما الذي له علاقة بالأمن القومي يمنع فتح تلك الملفات؟"، ليأتي الجواب أن ذكر إسرائيل ربما كان المانع الحقيقي لفتح هذه الملفات. على ضوء المعطيات الموجودة بين أيدينا، يبدو أن فيلم JFK أثار سحباً من الضباب ووضع "سي آي إيه" مسؤولاً وحيداً. وإن كانت الإشارات إلى تورط إسرائيل لم تكن معروفة في حينه، لكن ذلك لا يكفي لاستبعاد الشكوك حول غرض ميلتشان من إنتاج الفيلم، خصوصاً أن نشاطه الاستخباري ارتبط إلى حد كبير بمفاعل ديمونة. وأقر ميلتشان لاحقاً بأنه قدّم خدمات كبيرة للمشروع، إذ جنّده شمعون بيريز في ستينيات القرن الماضي، وعمل في مكتب العلاقات العلمية (ليكيم)، وهي وحدة استخبارية كانت مهمتها الحصول على التكنولوجيا والمعدات اللازمة للبرامج العسكرية السرية. وأدار ميلتشان 30 شركة في 17 دولة هدفها شراء المعدات والتقنيات الحساسة، وكشف مكتب التحقيقات الفيدرالي إحدى هذه الصفقات التي هدفت إلى الحصول على الكريترونات التي تستخدم مفاتيحَ تفجير في الأسلحة النووية. ميلتشان أقر أيضاً بأن هناك بعض الشخصيات في هوليوود شاركت في تسهيل بعض هذه العمليات، من دون أن يذكر أي دور واضح لشركته Regency Enterprises في المشاركة في أي حملة تضليل. يرتبط اسم أوليفر ستون بكثير من القضايا العادلة في التاريخ، ويكاد يكون واحداً من قلائل في هوليوود يتمتعون بهذا القدر من الجرأة، لكن عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، وتحديداً نشاطها داخل الولايات المتحدة، يكون لنجوم هوليوود حسابات أخرى، إذ إن الإجهار بالعداء لإسرائيل من شأنه أن يؤدي إلى تهميشهم وإنهاء مسيرتهم الفنية بكل بساطة. ستون يعد من مناصري القضية الفلسطينية، ويرى بعضهم أن مجرد إصراره على إعادة فتح التحقيق سيعيد إسرائيل إلى الأضواء، لكن الملايين من متابعيه كانوا ينتظرون موقفاً أكثر وضوحاً وجرأة وتحديداً في ما يخص اغتيال جون كينيدي نظراً إلى الإسهامات التي قدمها لكشف الحقيقة الكاملة.


العربي الجديد
منذ 3 أيام
- العربي الجديد
حلّ "العمّال الكردستاني" ومآلاته في سورية
يثير قرار حلّ حزبٍ سياسيٍّ وعسكريٍّ مثل حزب العمّال الكردستاني، بعد عقود من النضال، مشاعرَ متباينةً لدى الكرد، تتراوح بين الخيبة والتخفّف، مع مقارنات تاريخية لتغييرات جذرية. ربما شعر بعض الكرد بالخيبة، بعد مشروع نضالي استمرّ قرابة نصف قرن، فقد كثيرون خلاله رفاقَ طريق، وأهلاً وأقاربَ، وربّما شعر فريق آخر بالتخفّف من ثقل العسكرة والإجبار على التجنيد. يعيد هذا القرار إلى الذاكرة الـ"بيريسترويكا" التي أطلقها ميخائيل غورباتشوف، وكانت برنامجاً جذرياً لإعادة هيكلة النظام الاقتصادي في الاتحاد السوفييتي. هذه التجربة خطوة شجاعة صوب تفكيك العمل العسكري، وفتح الباب لإعادة الهيكلة السياسية لحزب العمّال الكردستاني، للتوجّه صوب العمل السياسي، وإعادة ترتيب أوراقه، إذ تتعرّض المنطقة بأسرها لترتيب جديد للأوراق السياسية، ولتعديلات جذرية في الأدوار السياسية وتحديد اللاعبين الجُدد. ويبقى السؤال المهم عن دلالات قرار حلّ الحزب وتأثيره في القضية الكردية في سورية. يمثل إنهاء الكفاح المسلّح لتنظيم حزب العمّال الكردستاني غالباً منعطفاً تاريخياً قد يفتح آفاقاً سياسيةً جديدةً أو يُحدث فراغاً سياسياً. رغم الحرص على عدم الوقوع في فخّ التفاؤل المُفرِط، فإن إعلان الحزب حلّ نفسه، وإنهاء الكفاح المسلّح، يُعدّ منعطفاً حاسماً في تاريخ النضال الكردي، ليس في تركيا وحدها، بل في المنطقة بأسرها، لا سيّما في سورية، حيث بقيت القضية الكردية عقوداً رهينةً لتقلّبات السياسة الإقليمية وارتباطاتها. بعد عقود من العسكرة، والدم، والعزلة، والشرعية الدولية الملتبسة، يأتي هذا القرار ليطرح تساؤلاتٍ جوهريةً عن مستقبل النضال الكردي: هل يفتح القرار أفقاً لنموّ خطاب كردي سوري مستقلّ؟ أم أنه ينذر بفراغ سياسي قد تستثمره أطراف متضادّة؟ من الناحية الرمزية، يحمل حلّ الحزب (بعد قرابة خمسة عقود من النضال المسلّح) وزناً نفسياً كبيراً، خصوصاً أن الحزب لم يكن مجرّد تنظيم عسكري، بل شكّل مرجعيةً فكريةً وتنظيميةً لأجيال من الكرد في تركيا وسورية والعراق. لقد بدا وكأنّ وجود الحزب، بسلطته الأيديولوجية وخطابه الثوري، حارساً لتاريخ طويل من الأحلام بتكريس وتأسيس الوجود الكردي والشخصية الكردية، وحين يتّخذ هذا الحزب قراراً بالتخلّي عن السلاح، فهو لا يُنهي فقط دورة من الصراع، بل يُنهي أسطورةً عاشت في مخيّلة كثير من أنصار هذا الحزب. بناء جيش وطني خالٍ من التأثيرات الأجنبية لا يزال أمراً صعب المنال في المرحلة الراهنة المشهد السياسي السوري اليوم أمام فرصة تاريخية، لأنّ التخلّي عن العمل المسلّح يفتح المجال للحوار السياسي والشراكة الديمقراطية، ما يعزّز بناء الدولة المدنية. إنهاء القتال يعني فتح المجال نحو مزيد من العمل السياسي الديمقراطي، وتوسيع أفق الحرّيات والحوار الكردي - الكردي من جهة، والكردي - العربي من جهة. إنهاء العمل المسلّح يعني القطيعة مع العسكرة والدخول في تأسيس الحوار والشراكة في المواطنة وبناء الدولة المدنية. قرار حلّ تنظيم مؤثّر مثل حزب العمال الكردستاني قد يمنح القوى الكردية في سورية فرصةً لصياغة مشروع سياسي مستقلّ، لكنّه يتطلّب نضجاً سياسياً. يتقاطع هذا القرار مع دعواتٍ سابقةٍ في سورية، منذ سقوط نظام الأسد خاصّة، بضرورة التحوّل إلى نضال سياسي واندماج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ضمن مؤسّسات الدولة. قرار حزب العمّال، في هذا السياق، يمكن أن يشكّل فرصةً للكرد السوريين لابتكار مشروعهم السياسي المستقلّ، متحرّرين من ظلال القيادات في جبل قنديل وتوجّهاتهم. كان حزب العمّال الكردستاني، بحكم قوته التنظيمية والتاريخية، لاعباً رئيساً في توجيه القرار الكردي في سورية، عبر ارتباطاته مع وحدات حماية الشعب الكردية، ومنظومة الإدارة الذاتية. وهذا الارتباط، وإنْ وفّر نوعاً من الحماية والتنظيم، إلا أنه، في الوقت نفسه، جعل من القضية الكردية في سورية رهينةَ توازناتِ حزبٍ لم يكن همّه الأساس دائماً هو سورية. هل تستطيع القوى الكردية السورية اليوم استغلال قرار حلّ الحزب لصياغة مشروع سياسي جديد أكثر انسجاماً مع مشروع الدولة السورية؟ لقد بدأت بوادر المشروع السياسي الكردي والتقارب مع حكومة دمشق منذ 10 مارس/ آذار 2025، حين وُقّع الاتفاق بين مظلوم عبدي والرئيس أحمد الشرع لوقف إطلاق النار واندماج "قسد" ضمن مؤسّسات الدولة، ثمّ تلا ذلك (إبريل/ نيسان الفائت) عقد مؤتمر وحدة الصفّ الكردي في القامشلي، شارك فيه أكثر من أربعمائة شخصية من ممثّلي التنظيمات الكردية السورية، ومن مستقلّين أيضاً. لهذا، ليس قرار حلّ حزب العمّال الكردستاني نهايةً لتنظيم فقط، بل نهايةً لرؤية عمرها أكثر من 40 عاماً، وقد تكون بدايات لتصوّرات سياسية أكثر مرونةً ونضجاً، لأن الانتقال إلى العمل السياسي المحض يساهم في تعزيز التعايش بين الكرد والمكوّنات الأخرى في سورية. لا يزال نزع العسكرة في سورية متوقّفاً على مزيد من التفاهمات السياسية بين القامشلي ودمشق، فمصير المقاتلين الأجانب معلّق لدى الطرفَين، وبناء جيش وطني خالٍ من التأثيرات الأجنبية لا يزال أمراً صعب المنال في المرحلة الراهنة. ولكنّها تبقى فرصةً مهمّةً لوضع السلاح جانباً، والدخول في مرحلة الحوار والتعايش، والذهاب بخطوات جادّة صوب السلم الأهلي، وعقد المواطنة، وتعزيز قيم الديمقراطية والدولة المدنية.