logo
ما وراء رسائل أنقرة لقسد من استغلال أحداث السويداء

ما وراء رسائل أنقرة لقسد من استغلال أحداث السويداء

الجزيرة١٩-٠٧-٢٠٢٥
أنقرة- في تحذير شديد اللهجة، وجه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ، الأربعاء الماضي، رسالة إلى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وأذرعها العسكرية (وحدات حماية الشعب الكردية)، محذرا إياها من مغبة استغلال الاضطرابات الأخيرة في محافظة السويداء جنوب سوريا لتحقيق مكاسب ميدانية.
وقال فيدان، في تصريحات للصحفيين بنيويورك على هامش اجتماع حول قبرص، إن أنقرة تلقت معلومات عن تحركات محتملة لعناصر "الوحدات الكردية"، قائلا "عليهم الامتناع عن استغلال الفوضى في سوريا أو الدخول في مغامرات غير محسوبة تزيد الوضع تعقيدا، فالانتهازية في هذه المرحلة قد تجلب مخاطر جسيمة".
كما شدد الوزير التركي على أن أي خطوة خاطئة من تلك القوات في الوقت الراهن "ستهدد الاستقرار الإقليمي برمته".
تحركات تركية
وجاء تحذير أنقرة في أعقاب أيام من تجدد الاشتباكات العنيفة في محافظة السويداء بين فصائل درزية وعشائر عربية (من أبناء البدو المحليين)، والتي أسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى من الجانبين.
وفي ظل المناخ الإقليمي المتوتر، كشفت وسائل إعلام تركية عن أن أنقرة أجرت اتصالات استخباراتية مع إسرائيل لبحث تطورات الوضع في السويداء والغارات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية.
وأكد فيدان أن بلاده "ترفض أي مساعٍ من شأنها زعزعة الاستقرار في سوريا"، وأن الحكومة السورية الجديدة "لن تتمكن من معالجة الأزمة دون اتخاذ تدابير حقيقية لضمان الأمن الإقليمي". مشددا على أن أنقرة طالبت إسرائيل بوقف عملياتها العسكرية التي وصفها بأنها "استفزازية"، ومحذرا من أن استمرار الهجمات على دمشق والسويداء لن يمر من دون رد دولي.
وفي السياق ذاته، أفادت مصادر تركية بأن رئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم قالن، أجرى سلسلة اتصالات مكثفة مع نظرائه الأميركيين والسوريين والإسرائيليين لمتابعة التطورات الميدانية.
وشملت الاتصالات الرئيس السوري أحمد الشرع ، والوسيط الأميركي توم باراك ، إلى جانب زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط ، في محاولة لاحتواء التصعيد ووقف نزيف الدم في السويداء.
رسائل أنقرة
في السياق، يعتقد المحلل السياسي محمود علوش أن التحركات التركية الأخيرة تعكس مخاوف أنقرة من إمكانية سعي قوات قسد إلى استغلال الوضع الأمني الراهن في سوريا، في ظل انشغال الحكومة بأحداث الجنوب والتصعيد الإسرائيلي ضد الأراضي السورية، بهدف إرباك المشهد في الشمال وفرض واقع جديد من شأنه تعقيد جهود التوصل إلى تسوية لملف قسد، إضافة إلى عرقلة تنفيذ اتفاق الاندماج المبرم بين قسد ودمشق في مارس/آذار الماضي.
وأشار علوش إلى أن تركيا تراقب الأوضاع شمال سوريا عن كثب، في ظل قلق متزايد من أن تؤدي الاضطرابات في الجنوب إلى زعزعة المرحلة الحالية من الاستقرار، الأمر الذي قد يترتب عليه تداعيات خطيرة ليس فقط على المستوى السياسي، بل أيضا على الصعيد الأمني.
وأضاف في حديثه للجزيرة نت، أن أنقرة ستكون مطالبة بمراقبة تحركات قسد في الشمال بحذر شديد، وتوجيه رسائل تحذير واضحة إلى قياداتها بأن أي محاولة انتهازية لاستغلال الوضع القائم قد تحمل مخاطر كبيرة.
ورجح المحلل السياسي أن تضطر تركيا إلى تكثيف اتصالاتها مع الولايات المتحدة لحثها على ممارسة ضغوط على قسد لمنع أي خطوات قد تزيد المشهد السوري تعقيدا في هذه المرحلة الحساسة.
مخاوف تركية
وتعتبر تركيا أي تحرك تقوم به قسد في شمال شرقي سوريا تهديدا مباشرا لأمنها القومي، إذ ترى أن هذه القوات، التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري، ليست سوى امتداد ل حزب العمال الكردستاني المصنف لديها كمنظمة إرهابية.
ومنذ سنوات، تطالب أنقرة بشكل متكرر بحل هذه المليشيات ودمج عناصرها ضمن الجيش السوري الموحد، كجزء من أي تسوية سياسية شاملة للصراع السوري.
وفي الوقت ذاته، تكثف أنقرة ضغوطها لإخراج القوات الأميركية من المناطق التي يسيطر عليها الأكراد شرق الفرات، مؤكدة في خطابها الرسمي أن أي تحرك كردي أحادي الجانب من شأنه تهديد حدودها الجنوبية سيواجه برد حازم.
في المقابل، تنفي قسد بشكل قاطع وجود أي نوايا انفصالية لديها، مؤكدة أن أولويتها تتمثل في التعاون السياسي.
وأوضحت إلهام أحمد، عضو هيئة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، أن هناك قناة اتصال مباشرة ومفتوحة مع تركيا تُعنى بالتنسيق الأمني فقط، مشددة على أن التركيز الأساسي في هذه المرحلة ينصب على استكمال مسار الاندماج مع دمشق، وليس على نزع السلاح.
وعلى الصعيد العسكري، تتبنى تركيا موقفا أكثر وضوحا وحزما، إذ أعلن مصدر مسؤول في وزارة الدفاع التركية أن القوات المسلحة ماضية في عملياتها ضد العناصر الإرهابية في شمال سوريا، بهدف تأمين الحدود التركية ومنع قيام ما تسميه أنقرة بـ"الممر الإرهابي" على حدودها الجنوبية.
مخططات إسرائيلية
ويرى الأكاديمي والمحلل السياسي مصطفى يتيم أن هناك مؤشرات على تواصل وتنسيق بين وحدات حماية الشعب الكردية، المصنفة كمنظمة إرهابية في تركيا، وبعض المجموعات الدرزية المدعومة من إسرائيل في السويداء، وعلى رأسها التشكيلات التي يقودها حكمت الهجري ومجلس السويداء العسكري.
إعلان
وأوضح يتيم في حديث للجزيرة نت، أن هذه المجموعات الدرزية، التي تحظى بدعم إسرائيلي، تسعى إلى إنشاء كيان "ذاتي الحكم" شبيه بالنموذج الذي تسعى إليه قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرقي سوريا.
وأشار إلى أنه رغم أن جميع الفصائل الدرزية في السويداء لا تشترك بالضرورة في هذه الرؤية، فإن إسرائيل معروفة بسعيها لتفكيك سوريا وإنشاء كيانات صغيرة خاضعة لسيطرتها، بما يضمن لها مناطق نفوذ مباشرة على حدودها.
وأضاف يتيم أن أخذ الدور التركي في شمال سوريا بعين الاعتبار، ضمن إستراتيجية "تركيا خالية من الإرهاب"، إلى جانب الضغوط الإقليمية والدولية المتزايدة على إسرائيل وحلفائها، يجعل من المستبعد أن تقدم وحدات حماية الشعب على مثل هذه المغامرة.
وحذر في الوقت نفسه من أنه في حال أقدمت وحدات حماية الشعب على استغلال الوضع القائم، فإن تركيا لن تسمح بتمرير ذلك، كما أن الحكومة المركزية في دمشق لن تقبل بأي سيناريو يؤدي إلى تقسيم البلاد، مؤكدا أن أي محاولة إسرائيلية لتوسيع نفوذها أو الاقتراب من الحدود التركية ستواجه مقاومة قوية باستخدام كل الوسائل المتاحة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

4 محركات تُشعل الطائفية في سوريا
4 محركات تُشعل الطائفية في سوريا

الجزيرة

timeمنذ 12 ساعات

  • الجزيرة

4 محركات تُشعل الطائفية في سوريا

أحدثت أعمال العنف المأساوية التي شهدتها محافظة السويداء مؤخرا صدعا طائفيا جديدا في سوريا بعد أشهر قليلة على صدع طائفي آخر نتج عن التمرد الذي قاده فلول النظام السابق في الساحل. ومع أن هذين الصدعين لهما جذور عميقة تمتد إلى ما قبل اندلاع أعمال العنف، إلا أنهما نقلا الاستقطاب الطائفي في سوريا إلى مستويات أكثر خطورة من ذي قبل. إن التركة الثقيلة للحرب وحقبة دكتاتورية نظام البعث، التي غذّت العلاقة العدائية بين مختلف المكونات السورية طوال العقود الماضية، والتدخلات الخارجية في فترة الصراع وبعده ودورها المؤثر في تعميق الشرخ الطائفي، كلها عوامل موضوعية تفسر سياسة الهويات الطائفية التي تبدو مهيمنة في العلاقة بين مختلف الطوائف في سوريا بعد سقوط نظام الأسد. يمكن تحديد ثلاثة محركات رئيسية تدفع هذا الاستقطاب الطائفي نحو صراع يتمحور حول منطق الأقليات في مواجهة الأكثرية، أو العكس: أول هذه المحركات، هو البيئة التي أنتجتها الحرب والتدخلات الخارجية، والتي أسست لواقع الكيانات الطائفية والعرقية. في شمال سوريا، ساهم تدخل التحالف الدولي في الحرب على الإرهاب في ظهور مشروع الحكم الذاتي الكردي بقيادة قوات سوريا الديمقراطية "قسَد". وفي الجنوب، سعى نظام الأسد إلى تحييد الدروز عن الانخراط في الثورة من خلال منحهم نوعا من الإدارة اللامركزية. وعليه، فإن أطروحات اللامركزية التي تتبناها قوات سوريا الديمقراطية، والشيخ حكمت الهجري تستمد قوتها بدرجة أساسية من واقع هذه اللامركزية الذي تأسس في حقبة الصراع. في السويداء، ازداد الوضع تعقيدا مع التدخل الإسرائيلي في الاشتباكات الأخيرة، حيث دعمت إسرائيل الجماعات المسلحة التي يقودها الشيخ الهجري في مواجهة الدولة السورية، التي حاولت تعزيز وجودها في المدينة ونزع السلاح غير الخاضع لسلطتها. هذا التدخل يثير تساؤلات حول أهداف الهجري، وما إذا كان صراعه ضد الدولة يهدف إلى تأسيس خصوصية إدارية للسويداء على غرار النموذج الكردي في الشمال. فإسرائيل لا تخفي طموحها في تقسيم سوريا إلى كيانات طائفية، مستفيدة من تقديم نفسها داعمة للدروز كجزء من إستراتيجية طويلة الأمد للتأثير في استقرار البنية الطائفية في سوريا. المحرك الثاني، يكمن في الهواجس التي تعبر عنها بعض المكونات تجاه الحكم الجديد، سواء بسبب تمثيله الأكثرية، أو بسبب خلفيته الأيديولوجية. هذه الهواجس قد تكون مفهومة جزئيا، لكنها تبدو هامشية مقارنة بالدوافع الحقيقية التي تشكل سلوك هذه المكونات. فأطروحات "قسَد"، التي تراجعت من الفدرالية إلى اللامركزية، ستبقى حاضرة بغض النظر عن هوية السلطة في دمشق. والأمر نفسه ينطبق على حالة الشيخ الهجري، الذي طالب منذ بداية التحول بأطروحات الفدرالية واللامركزية. وبالنسبة للساحل، فإن التمرد الذي قام به فلول النظام السابق في مارس/ آذار الماضي كان مصمما لإسقاط الدولة في الساحل، والتأسيس لواقع مشابه لما يبدو الوضع عليه في الجنوب ومناطق سيطرة "قسد" من حيث الخصوصية الطائفية والعرقية. المحرك الثالث، يتمثل في تقاطع مصالح الأطراف الداخلية المعادية للحكم الجديد في تقويضه، وفرض تصوراتها لمستقبل النظام السياسي في سوريا. هذا التقاطع يُبرز بوضوح منطق الصراع بين الأقليات والأكثرية، التي يمثلها الحكم الجديد بقيادة الرئيس أحمد الشرع. على الرغم من النهج الوطني الذي يتبناه الشرع، فإن ذلك لا يبدو كافيا لتبديد هواجس هذه المكونات، مما شكل حافزا إضافيا للتمسك بسياسات الهوية الطائفية والعرقية. ومع أن رفض الشرع نظام المحاصصة الطائفية يستند إلى تجارب فاشلة في دول مثل لبنان والعراق، فإن البنية الطائفية للمجتمع السوري تفرض ضرورة إشراك مختلف المكونات في السلطة كمدخل لتحقيق الاستقرار الطائفي، وهو التحدي الأبرز الذي تواجهه سوريا في هذه المرحلة. ليست أحداث السويداء والساحل مجرد اضطرابات طائفية عابرة، بل تعبر عن عمق الشرخ الطائفي الذي يهدد تماسك المجتمع السوري ويضغط على الحفاظ على بلد موحد. ففي السويداء، ساهمت أعمال العنف الأخيرة في التأسيس لبيئة عداء دائمة بين المكون الدرزي والدولة، وأضعف التيارات الدرزية التي ترفض الاستثمار الإسرائيلي في حالة الدروز، والاندماج في مشروع وطني شامل. والأمر نفسه ينطبق على الساحل، حيث أدت أحداث مارس/ آذار الماضي إلى تعميق الشرخ الطائفي الذي كان قائما أصلا في فترة الحرب. هذه البيئة العدائية بين مختلف المكونات يراد لها أن تصبح جزءا أساسيا من هوية سوريا الجديدة، مما يعيق بناء دولة متماسكة، ويؤسس لحقبة طويلة الأمد من سياسة الهويات. تقف سوريا اليوم على مفترق طرق حاسم. فخ منطق الأقليات والأكثرية يهدد بتقويض جهود بناء دولة موحدة، ويعزز من احتمالات دوامة لا تنتهي من الاضطرابات الطائفية والعرقية. إن نجاح الحكم الجديد في تجاوز هذه التحديات يتطلب رؤية إستراتيجية شاملة تركز بصورة رئيسية على إعادة ترميم النسيج الوطني المفكك، وبناء علاقة ثقة مع المكونات المختلفة من خلال إشراكها في عملية بناء الدولة الجديدة، وتدشين حقبة المصالحة الوطنية الشاملة التي تشكل مدخلا حاسما للحد من حالة الاضطراب الطائفي. ومثل هذه الخطوات ليست مجرد عناوين، بل تترجم إلى مسارات سياسية واضحة وممكنة تحقق هذا الهدف. وبقدر ما إن مثل هذه الاضطرابات تجلب مزيدا من الضغط على عملية التحول في سوريا، فإنها تجلب أيضا فرصا لتشخيص مكامن الضعف والخلل في هذه العملية.

قمة تركية ليبية إيطالية تبحث ملف الهجرة وتحديات حوض المتوسط
قمة تركية ليبية إيطالية تبحث ملف الهجرة وتحديات حوض المتوسط

الجزيرة

timeمنذ 13 ساعات

  • الجزيرة

قمة تركية ليبية إيطالية تبحث ملف الهجرة وتحديات حوض المتوسط

استضاف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إسطنبول اليوم الجمعة، قمة مصغّرة بمشاركة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني ورئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة ، تناولت التعاون المشترك وقضايا إقليمية. وقالت وكالة الأناضول التركية إن أردوغان أكد أهمية التعاون بين الدول الثلاث لمواجهة التحديات في حوض المتوسط بما في ذلك الهجرة غير النظامية ، مشيرا إلى الحاجة إلى حلول مستدامة وطويلة الأمد لتجفيف مصادر الهجرة غير النظامية، وضرورة التنسيق متعدد الأطراف في هذا الصدد. وأوضح بيان صادر عن الرئاسة التركية أن الزعماء قرروا عقد اجتماع عقب انعقاد لجان التعاون بين البلدان الثلاثة، من أجل تقييم القرارات المتخذة. نقطة عبور من جانبها، قالت وكالة الصحافة الفرنسية إن القمة الثلاثية بإسطنبول تمحورت حول ملفي الهجرة والاستقرار في ليبيا. وحسب الوكالة ذاتها، تعدّ ليبيا نقطة عبور رئيسية للمهاجرين الأفارقة الساعين للوصول إلى أوروبا، وغالبا ما يعبرون البحر نحو السواحل الإيطالية أو اليونانية. ووصل أكثر من ألفَي مهاجر إلى السواحل اليونانية، خصوصا إلى جزيرة كريت، وافدين من ليبيا خلال يوليو/تموز، مما دفع السلطات اليونانية إلى تجميد طلبات اللجوء. ودعت ميلوني وفق البيان الصادر عن روما إلى "دعم جهود حكومة الوحدة الوطنية الليبية في ملف الهجرة والتعاون في مكافحة الشبكات الدولية للاتجار بالبشر". وتقيم أنقرة وروما علاقات وثيقة مع طرابلس، ويتعاون البلدان مع ليبيا في مجالي الدفاع والطاقة. وتفتقر ليبيا إلى الاستقرار منذ إطاحة معمر القذافي في العام 2011. وتتنازع السلطة في هذا البلد حكومة الوحدة الوطنية التي تتخذ من طرابلس مقرا، وتعترف بها الأمم المتحدة ويرأسها الدبيبة، وحكومة موازية في بنغازي في الشرق مدعومة من اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

هل تنجح تركيا في فرض رؤيتها على واشنطن بشأن مستقبل "قسد"؟
هل تنجح تركيا في فرض رؤيتها على واشنطن بشأن مستقبل "قسد"؟

الجزيرة

timeمنذ 20 ساعات

  • الجزيرة

هل تنجح تركيا في فرض رؤيتها على واشنطن بشأن مستقبل "قسد"؟

أنقرة ـ في لحظة إقليمية حساسة تتداخل فيها الملفات الأمنية والسياسية على الأرض السورية، استقبل وزير الدفاع التركي يشار غولر، الاثنين الماضي، السفير الأميركي لدى أنقرة والمبعوث الخاص إلى سوريا توماس برّاك في مقر الوزارة بالعاصمة التركية. ورغم أن الإعلان الرسمي اكتفى بنشر صورة اللقاء دون تفاصيل، فإن برّاك كشف لاحقا أن المحادثات تناولت قضايا الأمن والاستقرار الإقليمي، مؤكدا وصف العلاقات بين واشنطن وأنقرة بأنها "تحالف وشراكة في هذه الجهود". ويأتي الاجتماع بينما تكثف تركيا عملياتها ضمن مبادرة "تركيا خالية من الإرهاب" التي أطلقت في مايو/أيار الماضي لتفكيك حزب العمال الكردستاني وإعادة دمج عناصره في الحياة المدنية. في المقابل، تعمل واشنطن توازيا مع دمشق على تنفيذ اتفاق دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ضمن مؤسسات الدولة السورية، في مسار يثير أسئلة عن مستقبل شمال سوريا والكيانات المسلحة فيه. كانت الرئاسة السورية قد أعلنت في 10 مارس/آذار الماضي توقيع اتفاق مبدئي مع قوات سوريا الديمقراطية لدمج هياكلها العسكرية والإدارية في شمال شرقي البلاد في مؤسسات الدولة. لكن الاتفاق دخل في حالة جمود خلال الأشهر التالية، إذ لم تسجل خطوات تنفيذية ملموسة حتى يوليو/تموز الماضي، بسبب تمسك "قسد" بصيغة اللامركزية، تمنحها صلاحيات واسعة في إدارة مناطقها، وهو ما رفضته دمشق باعتباره انتهاكا لوحدة الدولة والجيش. وفي محاولة لكسر الجمود، عقد في 9 يوليو/تموز اجتماع رفيع المستوى في دمشق جمع الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي بحضور المبعوث الأميركي توماس برّاك وممثل عن الحكومة الفرنسية. ورغم الأجواء التصالحية، لم يسفر الاجتماع عن اختراق حاسم، إذ بقيت الخلافات عن صلاحيات الإدارة الذاتية ومستقبل التمثيل السياسي لقسد ومصير عناصرها المسلحين قائمة. تحول أميركي في تحول بارز في موقفها من الملف الكردي، عبرت الولايات المتحدة أخيرا عن رفضها أي مشروع انفصالي لقسد، معلنة دعمها جهود دمجها في مؤسسات الدولة السورية. وخلال مؤتمر صحفي في نيويورك منتصف يوليو/تموز الماضي، أكد المبعوث الأميركي توم براك أن "الفدرالية لا تصلح لسوريا"، وأن واشنطن ترفض قيام أي كيان سياسي مستقل لقسد أو مشروع "كردستان حرة". وأضاف براك أن "الحل الوحيد المقبول هو دولة واحدة وجيش واحد وأمة واحدة"، مشددا على ضرورة اندماج وحدات حماية الشعب –العمود الفقري لقسد– في الجيش السوري الموحد. وحذر من أن مماطلة قسد في تنفيذ الاتفاق قد تترتب عليها "عواقب وخيمة" مع دمشق وأنقرة. هذا التحول في نبرة واشنطن، التي كانت الحليف العسكري الأبرز لقسد خلال الحرب ضد تنظيم الدولة ، انسجم لأول مرة بوضوح مع الموقفين التركي والسوري الرافضين لأي صيغة انفصالية في الشمال الشرقي. تحذير تركي على الجانب التركي، صعدت أنقرة خطابها ضد أي محاولات لتقسيم سوريا، مؤكدة أن إنشاء كيان كردي ذاتي الحكم في الشمال يمثل خطا أحمر يمس أمنها القومي. ووجه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان رسالة تحذيرية قال فيها "لا يحق لأي طرف اتخاذ خطوات تؤدي إلى تقسيم سوريا.. وإذا حدث ذلك فسنتدخل"، مؤكدا أن تركيا سترد بحزم على أي محاولة لفرض "أمر واقع انفصالي". وجدد مجلس الأمن القومي التركي، الأسبوع الماضي، رفضه القاطع لأي نشاط انفصالي على الأراضي السورية، معلنا دعم بلاده الحكومة السورية الجديدة وجهودها في توحيد البلاد وضمان استقرارها، في موقف غير مألوف بعد سنوات من القطيعة مع دمشق. وفي السياق نفسه، أعلنت وزارة الدفاع التركية متابعتها الدقيقة لتطورات عملية دمج قسد ضمن الجيش السوري بموجب الاتفاق الموقع مع حكومة أحمد الشرع. تنسيق وتقاطع مصالح يرى المحلل السياسي مراد تورال، أن لقاء وزير الدفاع التركي بالمبعوث الأميركي يعكس دلالات إستراتيجية في "لحظة مفصلية" تعيد رسم خريطة التوازنات في شمال سوريا. ويقول تورال للجزيرة نت، إن الاجتماع يعكس سعي واشنطن إلى تنسيق أمني مباشر مع أنقرة، لضمان دمج قسد دون تهديد الأمن القومي التركي. ويشير إلى أن الولايات المتحدة ، بعد رفضها العلني فكرة "كردستان حرة"، تسعى لاحتواء أي تصعيد تركي قد يعرقل ترتيباتها مع دمشق وقسد. ويعتقد تورال، أن اللقاء ربما تطرق إلى سيناريوهات عسكرية بديلة إذا فشل تنفيذ الاتفاق خلال المهلة المحددة، خصوصا في ظل استمرار عملية نزع سلاح حزب العمال الكردستاني وتصاعد التوتر في الجنوب السوري. أما المحلل السياسي عمر أفشار، فيرى أن تغيّر لهجة واشنطن لا يعكس تحولا إستراتيجيا كاملا، بل يعبر عن تقاطع مصالح تكتيكي فرضته التحالفات الجديدة في سوريا. ويقول أفشار للجزيرة نت، إن الولايات المتحدة لا تسعى إلى حل "قسد" بل لإعادة تموضعها ضمن الدولة السورية بما يحفظ نفوذها، دون خسارة أوراق الضغط على دمشق أو إثارة غضب أنقرة. ويخلص إلى أن هذا التفاهم المؤقت لا يلغي التباين العميق بين الطرفين، إذ تسعى تركيا لإنهاء البنية العسكرية والإدارية لقسد بالكامل، بينما تحاول واشنطن دمجها بطريقة لا تفقدها وزنها السياسي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store