
طهران تهدد بإجراءين إذا زاد ضغط العقوبات
وقال رضائي في مقابلة مع وكالة "تسنيم"، السبت: "في الوقت الحالي، علقت إيران بشكل طوعي فقط تنفيذ البروتوكول الإضافي (بشأن التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية)، وبقيت طرفاً في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. لكن إذا استمر الضغط، فإن الانسحاب من المعاهدة، وتخصيب اليورانيوم فوق مستوى 60%، وإنتاج وتصدير أجهزة الطرد المركزي الحديثة وتوسيع التعاون النووي قد يكون على جدول الأعمال".
كما أشار إلى أنه لا يتوقع حدوث تغييرات كبيرة بالنسبة لإيران حتى لو قامت الترويكا الأوروبية (بريطانيا وألمانيا وفرنسا) بتنشيط آلية "سناب باك" التي تتضمن استئناف جميع عقوبات مجلس الأمن الدولي ضد طهران "لأن البلاد تخضع بالفعل لأقسى العقوبات الدولية".
لا يملكون أي "أساس أخلاقي وقانوني"
يأتي ذلك فيما صرح وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الجمعة، أن الأوروبيين لا يملكون أي "أساس أخلاقي وقانوني" لتفعيل آلية الزناد في مجلس الأمن، بعد تلويحهم بإعادة فرض العقوبات الدولية على طهران في حال عدم تحقيق تقدم في المباحثات بشأن ملفها النووي.
وكتب عراقجي على منصة إكس: "إذا أراد الاتحاد الأوروبي والترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) أداء دور، عليهم التصرف بمسؤولية وأن يضعوا جانباً سياسات التهديد والضغط المستهلَكة، بما في ذلك آلية الزناد، في حين أنهم لا يحظون بأي أساس أخلاقي (أو) قانوني".
I had a joint teleconference with E3 FMs & EU HR last night, in which I made the following points clear:
It was the US that withdrew from a two-year negotiated deal -coordinated by EU in 2015- not Iran; and it was US that left the negotiation table in June this year and chose a… pic.twitter.com/NFQdK2HZD4
— Seyed Abbas Araghchi (@araghchi) July 18, 2025
كما لفت إلى أن "عقد جولة جديدة من المباحثات ممكن فقط في حال كان الطرف الآخر مستعداً لاتفاق نووي عادل، متوازن، ويعود بالفائدة المتبادلة".
"بحلول نهاية الصيف"
جاءت ذلك بعد أن أبلغت فرنسا وبريطانيا وألمانيا إيران، الخميس، برغبتها في استئناف طهران للجهود الدبلوماسية فوراً بشأن برنامجها النووي، وحذرت من أنها ستعيد فرض عقوبات الأمم المتحدة في حالة عدم اتخاذ خطوات ملموسة بحلول نهاية الصيف، وفق رويترز.
وأجرى وزراء خارجية الدول الأوروبية الثلاث، إلى جانب مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، أول اتصال هاتفي لهم مع وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، منذ أن شنت إسرائيل والولايات المتحدة غارات جوية في منتصف يونيو الفائت تستهدف البرنامج النووي الإيراني.
من جهته قال مصدر دبلوماسي فرنسي عقب الاتصال الهاتفي إن الوزراء دعوا إيران إلى استئناف الجهود الدبلوماسية فوراً للتوصل إلى اتفاق نووي "قابل للتحقق ومستدام".
كما أضاف المصدر أن "الوزراء أكدوا أيضاً عزمهم على استخدام ما تسمى بآلية إعادة فرض العقوبات في حالة عدم إحراز تقدم ملموس نحو مثل هذا الاتفاق بحلول نهاية الصيف". غير أنه لم يوضح ماهية التقدم الملموس المشار إليه.
18 أكتوبر
يشار إلى أن الدول الثلاث إلى جانب الصين وروسيا هي الأطراف المتبقية في اتفاق 2015 مع إيران، والذي رفعت بموجبه العقوبات عن البلاد مقابل فرض قيود على برنامجها النووي.
فيما ينتهي قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يكرس للاتفاق في 18 أكتوبر، وبموجب شروطه، يمكن إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة السابقة. وستستغرق هذه العملية نحو 30 يوماً.
وحذر الأوروبيون مراراً من أنه ما لم يتم التوصل إلى اتفاق نووي جديد، فإنهم سيطلقون "آلية الزناد"، التي ستعيد فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة السابقة على إيران إذا ثبت انتهاكها لبنود الاتفاق.
مفتشو الوكالة الذرية
يذكر أنه منذ الغارات الجوية، غادر مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة إيران. وبينما أشارت طهران إلى انفتاحها على الجهود الدبلوماسية، لا توجد مؤشرات على استئناف جولة سادسة من المحادثات النووية بين واشنطن وإيران في وقت قريب.
وحسب دبلوماسيين، حتى لو استؤنفت المحادثات، فإن التوصل إلى اتفاق شامل قبل نهاية أغسطس، وهو الموعد النهائي الذي حدده الأوروبيون، يبدو غير واقعي، خاصة في ظل عدم وجود مفتشين على الأرض لتقييم ما تبقى من البرنامج النووي الإيراني.
في حين قال دبلوماسيان أوروبيان إنهما يأملان في تنسيق الاستراتيجية مع الولايات المتحدة خلال الأيام المقبلة بهدف إجراء محادثات محتملة مع إيران قريباً.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

العربية
منذ 33 دقائق
- العربية
أكثر من 100 منظمة غير حكومية تحذر من "مجاعة جماعية" بغزة
حذّرت أكثر من 100 منظمة غير حكومية الأربعاء من خطر تفشي "مجاعة جماعية" في قطاع غزة المدمر من جراء الحرب المتواصلة فيه منذ أكثر من 21 شهراً. وقالت المنظمات غير الحكومية ومن بينها "أطباء بلا حدود"، و"منظمة العفو الدولية"، و"أوكسفام إنترناشونال" وفروع عديدة من منظمتي "أطباء العالم" و"كاريتاس" إنه "مع انتشار مجاعة جماعية في قطاع غزة، يعاني زملاؤنا والأشخاص الذين نساعدهم من الهزال"، وفق فرانس برس. العرب والعالم الأونروا: سكان غزة يتعرضون لإغماءات بسبب الجوع الشديد كما دعت في بيانها المشترك إلى وقف فوري لإطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، وفتح كل المعابر البرية للقطاع، وضمان التدفق الحر للمساعدات الإنسانية إليه. كذلك أضافت أنه "خارج قطاع غزة مباشرة، في المستودعات - وحتى داخله - لا تزال أطنان من الغذاء ومياه الشرب والإمدادات الطبية ومواد الإيواء والوقود غير مستخدمة، في ظل عدم السماح للمنظمات الإنسانية بالوصول إليها أو تسليمها". "قتل أكثر من ألف" يأتي هذا البيان غداة اتهام المفوضية العليا للأمم المتحدة لحقوق الإنسان الجيش الإسرائيلي بقتل أكثر من ألف شخص عند نقاط توزيع المساعدات في غزة منذ نهاية مايو، غالبيتهم كانوا قرب مواقع تابعة لـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، وهي منظمة تدعمها الولايات المتحدة وإسرائيل. من جانبه أعلن مجمع الشفاء الطبي الثلاثاء أن 21 طفلاً توفوا في غزة خلال الساعات الـ72 الماضية "بسبب سوء التغذية والمجاعة"، مع بلوغ الكارثة الإنسانية التي يعانيها سكان القطاع مستويات غير مسبوقة وتحذير الأمم المتحدة من أن "المجاعة تقرع كل الأبواب". اتهام حماس بـ"نهب المساعدات" في المقابل تتهم إسرائيل حماس باستغلال معاناة المدنيين، لا سيما عبر نهب المساعدات الإنسانية من أجل إعادة بيعها بأسعار باهظة أو عبر إطلاق النار على منتظري هذه المساعدات. كما تؤكد السلطات الإسرائيلية باستمرار أنها تسمح بمرور كميات كبيرة من المساعدات، غير أن المنظمات غير الحكومية تؤكد وجود قيود عديدة تعرقل إدخال هذه المساعدات وتوزيعها. بدورها، تحمّل "مؤسسة غزة الإنسانية" حماس المسؤولية عن الوضع الإنساني في القطاع. ضغوط دولية متزايدة يشار إلى أن إسرائيل تواجه ضغوطاً دولية متزايدة بسبب الوضع الإنساني في القطاع الفلسطيني المحاصر والمدمر من جراء الحرب الدائرة فيه بين إسرائيل وحماس. وفي نهاية مايو، خففت إسرائيل جزئياً الحصار الشامل الذي فرضته على القطاع مطلع مارس وأدى إلى نقص حاد في الغذاء والدواء وغيرها من السلع الأساسية.


الشرق الأوسط
منذ 2 ساعات
- الشرق الأوسط
«اشتراطات خاصة» تشعل انتخابات مجالس إدارات الأندية السعودية الكبرى
تدخل الأندية السعودية الأربعة الكبرى «الهلال والنصر والأهلي والاتحاد» مرحلة جديدة من تشكيل مجالس إداراتها، مع إعلان وزارة الرياضة، عبر اللجنة العامة لانتخابات الأندية الرياضية، الثلاثاء، فتح باب الترشح للمؤسسات غير الربحية بدءاً من الأحد المقبل، وفقاً للتنظيمات الحديثة التي أعلنتها الوزارة. فهد بن نافل (الشرق الأوسط) وتنتهي ولاية الرؤساء الحاليين للأندية الأربعة مع فتح باب الترشح، على أن تُنتخب مجالس إدارات جديدة وفقاً للتنظيمات التي تنظّم العلاقة بين المؤسسة غير الربحية وشركة النادي. وأوضحت اللجنة أن هذه التنظيمات لا تشترط أن يكون أحد مرشحي المؤسسة رئيساً لمجلس إدارة الشركة، إلا إذا استوفى الاشتراطات التي تحددها الجمعية العامة لشركة النادي، والمكوّنة من صندوق الاستثمارات العامة والمؤسسة غير الربحية. وفي حال عدم استيفاء الاشتراطات، تختار الجمعية العامة رئيس الشركة من بين الأعضاء السبعة المرشحين لمجلس الإدارة. وتهدف هذه التنظيمات إلى تعزيز العلاقة بين الجهات المالكة للأندية، وتنظيم العمل الإداري، وتطوير الحوكمة، بما يساهم في استقرار الأندية وتنميتها وتحقيق مستهدفاتها. عبد الله الماجد (نادي النصر) وكانت «الشرق الأوسط» قد نشرت في السابع عشر من الشهر الحالي، وفقاً لمصادر مطلعة، أن وزارة الرياضة تتجه نحو إقرار لائحة تنظيمية جديدة تخصُّ آلية رئاسة الأندية المملوكة من قبل الشركات، تتضمَّن تغييرات جوهرية في مدة التعيين والمقابل المالي. وبحسب المصادر ذاتها، فإن اللائحة الجديدة، التي تنتظر الاعتماد النهائي، ستنصُّ على أن ولاية رئيس النادي ستكون مشروطة بدفعه مبلغاً قدره 40 مليون ريال مقابل توليه المنصب. كما أشارت مصادر «الشرق الأوسط» إلى وجود تعديلات إضافية أخرى على اللائحة. ويبدو أن شرط الـ40 مليوناً سيجعل الراغبين في الترشح يفكرون جيداً، إذ إنه مطلوب منهم دفع هذا المبلغ ليتجاوزا شرط الرئاسة. في نادي الهلال، يبدو المشهد أكثر وضوحاً، إذ يسير الرئيس الحالي فهد بن نافل بخطوات ثابتة نحو البقاء في منصبه لموسم سابع، رغم تصريحات سابقة لمح خلالها إلى إمكانية الرحيل. ويحظى بن نافل بدعم وثقة العضو الذهبي الأمير الوليد بن طلال، الذي يمتلك غالبية أصوات الجمعية العمومية، مع توقعات بتغييرات محدودة في مجلس الإدارة. فهد سندي (حسابه في منصة إكس) أما في النصر، فلا يزال الغموض يكتنف المشهد، رغم أن المؤشرات تشير إلى استمرار الرئيس الحالي عبد الله الماجد، الذي تولى المنصب خلفاً لإبراهيم المهيدب بعد اعتراض الأخير على آلية العمل بين المؤسسة غير الربحية والشركة. ويملك الماجد غالبية الأصوات في الجمعية العمومية ولا يبدو أن هناك منافساً واضحاً له حتى الآن، فيما يتركز اهتمام الجماهير على تغييرات محتملة في أعضاء الشركة الربحية أكثر من كرسي الرئاسة نفسه. في الأهلي، تتجه الأنظار إلى الرئيس الحالي الدكتور خالد الغامدي، الذي يسير نحو التزكية للاستمرار لموسم ثالث على التوالي، مع امتلاكه غالبية الأصوات وعدم وجود منافس بارز حتى اللحظة. أما المشهد الأكثر سخونة فيتجلى في نادي الاتحاد، حيث احتدم الصراع بين فهد سندي وأنمار الحائلي فور إعلان الوزارة عن فتح باب الترشح. وكان الرئيس السابق لؤي مشعبي قد أعلن رحيله بعد موسم ناجح حقق فيه «الدوري» و«الكأس»، فاتحاً الباب أمام منافسة مفتوحة. وسارع فهد سندي إلى إعلان ترشحه عبر منصة «إكس» بقوله: «بسم الله توكلنا على الله»، وكشف عن قائمة مجلس إدارته التي تضم عبد القادر العمودي نائباً للرئيس، إلى جانب فيصل باشا، عبد الإله فقيه، إبراهيم القرشي، سماهر الشلالي، عماد سالم، عمر بغلف، المحامية سفانة دحلان. من جانبه، أعلن أنمار الحائلي ترشحه ببيان أشاد فيه بجماهير الاتحاد وبدورها في دعم النادي، مؤكداً عزمه على استكمال المشروع الذي بدأه، وتعزيز مكانة النادي فنياً وإدارياً. وقال الحائلي في بيانه: «إلى جماهير الاتحاد العظيمة، نبض هذا الكيان وروحه... إلى من وقف دوماً في الصف الأول، في الفرح والحزن، في القمة وفي الشدة. كنتم السند والدّعم، والفرح الذي لا يعيب، والمكانة التي لا تُكسر». الدكتور خالد الغامدي (الشرق الأوسط) وأكد أنه عاش مع الاتحاد مشاعر الحب والانتماء، وكان دائماً داعماً للنادي سواء مشجعاً أو عاشقاً لنادٍ بحجم الاتحاد، مضيفاً: «بإيماني العميق بالله أولاً، وبثقتي برجال مجلس الإدارة الذين يعملون بكل عزيمة وإصرار، نعود اليوم لنكمل معاً مسيرة الحلم الكبير». وأشار الحائلي إلى أنه تقدم بطلب الترشح بفخر واعتزاز، متسلحاً بتاريخ الاتحاد وجماهيره، متعهداً بالحفاظ على مكتسبات النادي وتعزيز موقعه في القمة، وكاشفاً عن ملامح رؤيته المقبلة لتطوير مؤسسة نادي الاتحاد الرياضية غير الربحية، بدعم الاستقرار الفني والإداري.


الشرق الأوسط
منذ 3 ساعات
- الشرق الأوسط
من «غلاف غزة» إلى «غلاف الإقليم»
استكمالاً لمقال «فلسطين الدولة الضرورة للأمن الإقليمي» الذي نُشر على صفحات هذه الجريدة بعنوان «الدولة الضرورة: فلسطين كحجر زاوية في إطار أمني إقليمي جديد، الشرق الأوسط 30 يونيو (حزيران) 2025»، أود هنا أن ألفت النظر إلى مفارقة ضرورية لمن يفكرون في مسألة الأمن الإقليمي في دول المنطقة، بما في ذلك إسرائيل ذاتها. جوهر المفارقة أن إسرائيل، التي تسعى إلى الانخراط في المنطقة من خلال معاهدات أو تفاهمات سلام منفردة أو جماعية، والتي ترى أن السلام هو المفهوم الحاكم للأمن الإقليمي، هي ذاتها التي كانت عقيدتها الأمنية قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) تقوم على بناء المناطق العازلة بينها وبين الجوار العربي. من غلاف غزة كمنطقة عازلة، إلى الترتيبات الأمنية في سيناء، إلى غور الأردن وجنوب لبنان، وطبعاً الجولان السوري. فكيف يمكن لدولة تريد أن تكون جزءاً من منطقة تعزل نفسها عنها طوعاً بجدار أمني وسياج إلكتروني؟ لفهم هذه المفارقة بوصفها معضلة للأمن الإقليمي، علينا أن ننظر في مفهوم إسرائيل للأمن قبل السابع من أكتوبر وبعده، وكيف تغيّر، وهل لهذا التحوّل علاقة بمفهوم السلام المزعوم؟ العقيدة الأمنية الإسرائيلية قبل السابع من أكتوبر كانت قائمة على «إدارة التهديد» وردع الخصوم عبر التفوق العسكري والتكنولوجي والاستخباراتي، من دون التورط في مواجهات شاملة أو إعادة احتلال، كما في حالة غزة. أدوات هذه العقيدة كانت تشمل «الحدود الذكية»: جدراناً عازلة، حواجز، القبة الحديدية، استخبارات استباقية، ومستوطنات أمنية كما في غلاف غزة، إلى جانب الردع مع بقية دول الإقليم وحركاته المسلحة. هجوم «حماس» في السابع من أكتوبر مثّل اختراقاً أمنياً واستخباراتياً غير مسبوق، اقتلع هذه العقيدة من جذورها، وكشف أن الردع لم يعد يعمل، وأن الجدران الذكية لم تكن سوى أوهام. الانهيار التام خلال ساعات شكّل صدمة وجودية لإسرائيل، إذ اختُرقت السيادة، وقُتل مئات المستوطنين، وخُطفت عائلات من قلب «غلاف غزة»، الذي كان يُفترض أنه نموذج للأمن الإسرائيلي الناجح. هذا اليوم نقل العقل الأمني الإسرائيلي من مفهوم «إدارة التهديد» إلى تدمير البنية التحتية وغزة كاملة، بما في ذلك البيئة الحاضنة لـ«حماس» من المدنيين العزل. هذا التحول هو الذي جعل من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي بالنسبة لإسرائيل وقادتها «ضرورة أمنية» لا تحتمل المعايير القانونية؛ لذلك لا يلتفتون إلى المحكمة الجنائية الدولية، ولا إلى الإبادة وجرائم الحرب. لم تعد إسرائيل ترى الردع كافياً، ولا الاكتفاء بالحدود مقبولاً، بل تبنّت عقيدة أمنية تقوم على اجتثاث التهديد بالكامل، أي أنه لا يُدار بل يُزال، وهذا يشمل ليس فقط التنظيمات المسلحة، بل أيضاً البيئات السياسية والاجتماعية والسكانية التي تنتجها. حين تحدث وزير الدفاع الإسرائيلي السابق عن «الحيوانات البشرية» في غزة، لم يكن يعبر عن رأي شخصي بقدر ما كان يجسّد جوهر العقيدة الأمنية الجديدة: كما يمثل الرأي العام السائد داخل النخب الإسرائيلية بكل أطيافها. غزة ليست مجرد «خطر حدودي» بل خطر وجودي يجب القضاء عليه بالكامل، بما يشمل تهجير سكانها. الحرب الشاملة التي شنتها إسرائيل استهدفت البنية التحتية، والمجتمع المدني، والنظام الإداري والاقتصادي، وأعادت ترسيم خريطة القطاع ديموغرافياً وجغرافياً. انتهى عصر «الردع المتبادل»، وبدأ عصر «الإبادة الأمنية». لكن ما معنى هذا التحول في مفهوم الأمن بالنسبة لنظرة إسرائيل إلى الإقليم؟ من السذاجة أن نعتقد أن هذه العقيدة ستُطبَّق فقط على غزة. ما يحدث هو تحوّل إلى عقيدة إقليمية جديدة. نتنياهو لم يكن يهذي حين تحدث عن شرق أوسط جديد، بل كان يعبِّر عن مشروع توسعة غلاف غزة ليشمل كل حدود إسرائيل ومحيطها الإقليمي. جنوباً، تطالب إسرائيل بإنشاء منطقة أمنية داخل سيناء تُراقب بآليات مشتركة لمنع التهريب. شرقاً، ترفض أي سيادة فلسطينية على غور الأردن. شمالاً، تريد منطقة منزوعة السلاح في جنوب لبنان إلى ما بعد الليطاني، سواء عبر اتفاق أو باستخدام القوة. أما سوريا، فنتنياهو طالب بعدم وجود قوات سورية جنوب دمشق. وبعد الحرب الأخيرة التي استمرت اثني عشر يوماً مع إيران، اتضح أن مفهوم «غلاف غزة» لم يعد يخص غزة وحدها، بل أصبح يشمل المفاعلات النووية الإيرانية ومدى الصواريخ الإيرانية، كما ظهر في مطالب نتنياهو للإدارة الأميركية. غلاف إسرائيل الأمني الجديد بات يمتد لأكثر من ألف كيلومتر. المفارقة الصارخة هنا هي أن إسرائيل وأميركا تسعيان للاندماج الاقتصادي في المنطقة، عبر اتفاقات تطبيع، ومشاريع طاقة، وشراكات تكنولوجية، في الوقت الذي تطبق فيه إسرائيل عقيدة أمنية انفصالية وعدوانية. تريد إسرائيل أن تكون شريكاً اقتصادياً للمنطقة، لكنها أمنياً تعد نفسها جسداً غريباً عنها. إسرائيل تريد السلام مع الشعوب دون أن تتعايش أمنياً معها. وهنا تكمن مفارقة الأمن الإسرائيلي الجديد. ما تعلمناه من نظريات الأمن في أنظمة غير متكافئة، مثل منطقتنا هو أن الأمن الإقليمي لا يتحقق إلا بتسويات سياسية تشاركية، لا بالهيمنة أو النصر المطلق. الأمن المشترك يتطلب اعترافاً متبادلاً، وقبولاً جماعياً بمصادر التهديد، وتحديداً مشتركاً لأدوات الرد عليه. أما إسرائيل، في عقيدتها الجديدة، فهي تُعرّف التهديد وحدها، وتضع معايير الرد وحدها، وتُعيد رسم خرائط المنطقة وحدها. أصبح الرد على التهديد عندها هو بناء غلاف عازل مع كل الجوار، لا احتواءه بل إبادته، كما رأينا في غزة. السؤال الآن: كيف نستطيع حلَّ هذه المعضلة مع إسرائيل؟ فهي من جهة تسعى كلامياً إلى السلام، ومن جهة أخرى تقيم الحواجز والأسلاك الشائكة حولها، ولا تكتفي بذلك بل إنَّها تستولي على أراضٍ أخرى بالقوة، ولا تريد أن تُرجع ما احتلته إلى أهله؟ العقيدة الأمنية الإسرائيلية الجديدة لا تصنع أمناً مشتركاً، بل تُكرّس منطق الحرب الدائمة والتدخل المستمر والردع الاستباقي. «غلاف الإقليم»، الذي يمتد من غزة شمالاً إلى لبنان، وشرقاً إلى الأردن والعراق، وجنوباً إلى سيناء والبحر الأحمر، ليس استراتيجية دفاعية، بل مشروع هندسة أمنية عنيفة يعيد تشكيل الحدود والسيادة والوجود، دون توافق إقليمي أو إطار قانوني جامع. هذا هو جوهر الشرق الأوسط الجديد في تصور نتنياهو، وهو تصور محكوم عليه بالفشل. من هنا، على العرب أن يصرّوا على الدولة الفلسطينية المستقلة كشرط للأمن الإقليمي الحقيقي، فهذا هو البديل العقلاني والوحيد لمشروع الشرق الأوسط المزعوم الذي تطرحه إسرائيل.