
أجداد الأوروبيين كانوا من ذوي البشرة السمراء قبل 3000 سنة
في دراسة جينية حديثة أجراها باحثون في جامعة فيرارا الإيطالية، أثيرت من جديد الشكوك بشأن الاعتقاد السائد في سمات الإنسان الأوروبي القديم، حيث ظهر أنه قبل 3 آلاف سنة فقط، كانت البشرة السمراء موجودة في أوروبا.
إذ كشف تحليل الحمض النووي لـ 348 عيّنة، كانت معظمها لبشر عاشوا في أوروبا في الفترة الممتدة بين ألف و700 سنةـ 45 ألف سنة مضت، أنّ البشرة الداكنة كانت السائدة في القارة الأوروبية حقبا طويلة، خلافًا لما كان يُعتقد سابقًا، أن التحول إلى البشرة الفاتحة كان بوتيرة سريعة.
مثّلت الهجرة من أفريقيا نحو آسيا وأوروبا قبل نحو 50 ألف سنة و70 ألف سنة على التوالي نقطة تحول في تاريخ البشر، حيث واجهوا بيئات جديدة ذات مستويات أقل من الأشعة فوق البنفسجية، وقد أدّى هذا التغير المناخي والجغرافي إلى ظهور تحوّلات جينية مرتبطة بلون البشرة، ما أسهم لاحقاً في انتشار البشرة الفاتحة تدريجيًا نظرًا لقدرتها الأكبر على امتصاص أشعة الشمس اللازمة لإنتاج فيتامين د الضروري للجسم.
بداية التحول إلى البشرة الفاتحة
تشير التحليلات إلى أن ما يقارب 60% من الأفراد الذين عاشوا في أوروبا صارت بشرتهم داكنة، مقابل أقل من 10% فقط لصالح البشرة الفاتحة، بينما كانت النسبة الباقية لأصحاب البشرة المتوسطة، خلال غالبية الحقبات الزمنية التي شملتها عينات الحمض النووي.
وتشير الدراسة إلى أنّ التحوّل نحو البشرة الفاتحة بدأ قبل نحو 14 ألف سنة، ولم تصبح البشرة الفاتحة هي السائدة إلا في وقت حديث نسبياً، قبل نحو 3 آلاف سنة، ما يؤكد أنّ الانتقال إلى اللون الفاتح كان بطيئاً ومتفاوتاً زمنياً وجغرافياً.
جدير بالذكر أنّ الدراسة لم تركز فقط على لون البشرة وإنما أظهرت تحليلات خاصة بلون العيون والشعر، ومن اللافت أنه وخلال العصر البرونزي (3000ـ7000 سنة مضت) والذي لاحظ الباحثون خلاله حدوث ازدياد في نسبة انتشار العيون والشعر الأفتح لوناً بشكل أكبر في أوروبا.
وقد أظهرت عيّنتان مأخوذتان من الأردن وكازاخسنان شرقاً شعراً فاتحاً وعيوناً فاتحة بالرغم من أنّ الشعر الداكن والعيون الداكنة كانت لا تزال هي السائدة في غالب العيّنات حينها.
كما لوحظ خلال هذه الفترة الزمنية زيادة في اجتماع السمات الفاتحة في ذات العيّنة؛ مثل ظهور البشرة الفاتحة، والعيون الزرقاء، والشعر الأشقر معاً، وذلك في أربعٍ من عيّنات أوروبا.
في حديث مع الجزيرة نت، أشار غويدو باربوجاني، أستاذ علم الوراثة والوراثة السكانية وأحد المشاركين في هذا البحث إلى أنّ بعض أفراد النياندرتال امتلكوا بشرة فاتحة وذلك حتى قبل وصول البشر الحاليين إلى أوروبا.
ويضيف باربوجاني أنه مع ذلك، فإن البشرة الفاتحة لدى إنسان نياندرتال والإنسان الأوروبي الحديث نشأت لأسباب مختلفة؛ فجميع السمات المتعلقة بالتصبغ، مثل لون البشرة والعينين والشعر، تُعد صفات معقدة تعتمد على تفاعل عدة جينات ما يعزز فرضية، أن تطور تصبغ الجلد عملية متعددة المسارات حدثت في أوقات وأماكن مختلفة.
تبيّن الدراسة أنّ الانتقاء الطبيعي وفوائد البشرة الفاتحة في إنتاج فيتامين د لا تفسر وحدها ظهور السمات الفاتحة، إذ من المرجح أن تدفق الجينات بفعل الهجرات واسعة النطاق والتزاوج بين المجموعات السكانية قد لعب دوراً أساسياً أيضاً في ذلك، كما وقد يكون حصول انحراف جيني ساهم ولو بشكل محدود في هذا التحول.
ويشير باربوجاني إلى أنّ للتغييرات الغذائية، ـالتي صاحبت نشوء الزراعة وانتشار المزارعين الأوائل من منطقة الهلال الخصيب باتجاه أوراسيا خلال العصر الحجري الحديث (قبل نحو 8500 سنة)ـ تأثيرا كبيرا جداً على التركيبة الوراثية للأوروبيين.
ويضيف: "بالرغم من أنّ الانتقال إلى الزراعة جلب معه زيادةً في الأمراض المعدية وتدهوراً في جودة الغذاء ونسباً أقل من فيتامين د في الغذاء على المستوى الفردي، إلا أنّ الصورة كانت مختلفة تماماً على المستوى الجمعي؛ إذ امتلك المزارعون ميزتين مهمتين ساعدتهم على التفوق، تتلخص في قدرتهم على إنتاج مزيد من الغذاء بالزراعة وتربية المواشي، وامتلاكهم بشرة فاتحة تُعدّ أكثر ملاءمةً للبيئات ذات الأشعة الشمسية المنخفضة، ما منحهم فرصة للنمو السكاني السريع، ومنه التأثير بقوة على الجينات الأوروبية".
ومع ذلك يرد باربوجاني استمرار وجود البشرة الداكنة إلى بطء وتيرة عملية التحول إلى البشرة الأفتح لوناً جزئيا إلى استمرار تواجد بعض المجتمعات المحلية من الصيادين وجامعي الثمار، لا سيما تلك التي اعتمدت على الصيد البحري، حيث واصلت الحصول على حاجتها من فيتامين د من الغذاء.
تعيد هذه النتائج النظر إلى الرواية التقليدية القائلة، إن البشرة الفاتحة ظهرت بسرعة استجابة للظروف البيئية الجديدة، وبدلاً من ذلك تُظهر أنّ التغير لم يكن خطياً، بل تدريجياً ومعقداً بفعل مجموعة من العوامل البيئية والوراثية والاجتماعية على مدار آلاف السنين، ما يشير إلى أنّ تنوع لون البشرة كان واسعاً حتى بين الأفراد الذين عاشوا في نفس الفترات الزمنية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 15 ساعات
- الجزيرة
لاعبو كمال الأجسام يواجهون احتمالية أكبر للموت.. لماذا؟
توصلت دراسة حديثة إلى أن لاعبي كمال الأجسام يواجهون خطرا كبيرا للوفاة القلبية المفاجئة، وخاصة أولئك الذين يتنافسون في المسابقات الاحترافية. وأجرى الدراسة باحثون بقيادة الدكتور ماركو فيشياتو، خبير الطب الرياضي من جامعة بادوفا في إيطاليا، ونشرت في مجلة القلب الأوروبية. وفحص الباحثون سجلات 20 ألفا و286 لاعب كمال أجسام شاركوا في فعالية رسمية واحدة على الأقل بين عامي 2005 و2020. بعد تحليل البيانات، وجدوا أن 121 رياضيا قد توفوا، بمتوسط عمر عند الوفاة 45 عاما. ووجد الباحثون أن أولئك الذين بنوا مستويات عالية من العضلات على مدار حياتهم كانوا أكثر عرضة للوفاة بسبب الوفاة القلبية المفاجئة بمرتين، مقارنة بعامة السكان. كما ازداد خطر الوفاة المفاجئة لدى المشاركين في مسابقات كمال الأجسام المنتظمة، مثل حاملي لقب "مستر أولمبيا"، 5 أضعاف مقارنة بنظرائهم الهواة. ومن المثير للقلق أن نحو 40% من الوفيات بين جميع لاعبي كمال الأجسام الذين خضعوا للدراسة كانت مفاجئة ومرتبطة بأمراض القلب. أشار المؤلفون إلى أن أرقامهم قد تكون أقل من الواقع، حيث تم تصنيف العديد من الوفيات على أنها "مجهولة". تقارير التشريح وقال الدكتور فيشياتو، إن تحليل تقارير التشريح يشير إلى أن مجموعة من العوامل هي المسؤولة، وفقا لما نقلت صحيفة ديلي ميل البريطانية. وأضاف: "تتضمن رياضة كمال الأجسام العديد من الممارسات التي قد تؤثر على الصحة، مثل تدريب القوة الشديد، وإستراتيجيات إنقاص الوزن السريعة، بما في ذلك القيود الغذائية الشديدة، والجفاف". كما أشار إلى مخاطر "الاستخدام الواسع النطاق للمنشطات". كان الخطر أعلى لدى لاعبي كمال الأجسام المحترفين، مثل حاملي لقب "مستر أولمبيا" أرنولد شوارزنيجر، الذين كانوا أكثر عرضة للوفاة القلبية المفاجئة بـ5 مرات مقارنة بنظرائهم الهواة. وشرح "يمكن أن تسبب هذه الأساليب ضغطا كبيرا على الجهاز القلبي الوعائي، وتزيد من خطر عدم انتظام ضربات القلب، وقد تؤدي إلى تغييرات هيكلية في القلب مع مرور الوقت". أشارت دراسات سابقة إلى أن ما يصل إلى 3 من كل 4 لاعبي كمال أجسام استخدموا عقاقير محسنة للأداء، مثل المنشطات، المعروفة بإجهادها الإضافي للقلب. قال الدكتور فيكياتو: "في حين أن السعي لتحقيق التميز البدني أمر جدير بالإعجاب، فإن السعي وراء تغيير جذري في الجسم بأي ثمن قد يحمل مخاطر صحية كبيرة، وخاصة على القلب". وأضاف "ينبغي أن يشجع الوعي بهذه المخاطر على اتباع ممارسات تدريب أكثر أمانا، وتحسين الإشراف الطبي، واتباع نهج ثقافي مختلف يرفض بشدة استخدام المواد المحسنة للأداء". كما شجع على تشديد قواعد مكافحة المنشطات في المسابقات، بالإضافة إلى إطلاق حملات في الأوساط الرياضية حول مخاطر استخدام المواد المحسنة للأداء. وأضاف الدكتور فيكياتو أن البحث يذكر بأنه مهما بدت صحة الشخص جيدة، فقد يمارس سلوكا يعرضه للخطر. وقال: "يشكك البحث في فكرة أن المظهر وحده مؤشر على الصحة، ويسلط الضوء على المخاطر الخفية التي قد تكمن حتى وراء أكثر الأجساد رشاقة". ومع ذلك، أضاف أنه لا ينبغي اعتبار النتائج دليلا على أن كمال الأجسام، أو أي نوع آخر من اللياقة البدنية، ضار بطبيعته. إعلان وأضاف: "يمكن أن يكون النشاط البدني المنتظم وتمارين القوة مفيدا للغاية للصحة وجودة الحياة وخطر الوفاة". لا تعد الوفاة القلبية المفاجئة حالة طبية محددة، بل هي وصف لوفاة غير متوقعة بسبب مشكلة قلبية خفية. قد تكون هذه نوبة قلبية مفاجئة دون أعراض سابقة، أو عيبا خلقيا في القلب لم يكتشف منذ الولادة. وقد سلط الضوء مؤخرا على تأثير المنشطات على لاعبي كمال الأجسام ومرتادي الصالات الرياضية بشكل عام من خلال حالة زاك ويلكنسون، البالغ من العمر 32 عاما. مضاعفات ولجأ السيد ويلكنسون، كغيره من الشباب، إلى المنشطات، التي تحاكي دور هرمون التستوستيرون الطبيعي، لتعزيز نمو عضلاته. إلا أن هذا كان له ثمن باهظ على صحته، حيث بدأ يعاني من نوبات صرع وقيء وتعرق غزير، وفي مرحلة ما، أدى إلى دخوله في غيبوبة. وقال الأطباء إنه من المرجح أن يعاني من مضاعفات طوال حياته. تعد المنشطات الابتنائية الأندروجينية أكثر أنواع المنشطات شيوعا. وتحقن هذه الأدوية عادة في العضلات مباشرة، ويمكن تناولها أيضا عن طريق الفم على شكل أقراص أو حتى كريم. تشمل الآثار الجانبية الشائعة حب الشباب الحاد، والفشل الكلوي، وارتفاع نسبة الكوليسترول، وحتى السكتة الدماغية. ومن النتائج الأخرى للدراسة الجديدة أن عددا كبيرا من الوفيات بين لاعبي كمال الأجسام صنفها الباحثون على أنها "وفيات مفاجئة ناجمة عن صدمة". ويشمل ذلك حوادث مثل حوادث السيارات، والانتحار، وجرائم القتل، والجرعات الزائدة. قال الدكتور فيكياتو إن هذه البيانات تشير إلى الحاجة إلى زيادة الوعي بالصحة النفسية والدعم بين مجتمع كمال الأجسام. وقال: "تؤكد هذه النتائج على ضرورة معالجة التأثير النفسي لثقافة كمال الأجسام". وأضاف: "تتفاقم هذه التحديات المتعلقة بالصحة النفسية أحيانا مع تعاطي المخدرات، ويمكن أن تزيد من خطر السلوكيات الاندفاعية أو المدمرة للذات". يخطط الفريق الآن لإجراء دراسة مماثلة على لاعبات كمال الأجسام للتحقق مما إذا كن معرضات أيضا لخطر متزايد للوفاة القلبية المفاجئة. معلومات عن المنشطات الرياضية المنشطات الرياضية على عمومها هي هرمونات ومواد تنتج في الجسم طبيعيا وتقوم بتحفيز بناء أنسجته وتطورها، ولكن يقوم متعاطوها بتزويد أجسامهم بها من مصدر خارجي، عبر الحقن مثلا، وبتركيز مرتفع جدا ظانين أنهم بذلك يحفزون بناء عضلاتهم. ومع أن بعض المنشطات قد تزيد حجم العضلات وقوتها إلا أن ثمن ذلك يكون غاليا. من المنشطات الرياضية التستوستيرون والأندروستينيدون والغونداتروبين. كما قد يتعاطى البعض مدرات البول التي وإن لم تكن تعتبر من المنشطات إلا أن البعض قد يستخدمها لغرض تخفيض الوزن وتخفيف البول لإخفاء آثار المنشطات الرياضية، مما يؤدي أيضا إلى عواقب خطيرة على الصحة. التستوستيرون هرمون من عائلة الإسترويدات البنائية "Anabolic hormones"، وهو هرمون بنائي، أي أن الجسم يقوم بإفرازه لتحفيز عملية البناء. وللتستوستيرون في أجسامنا تأثيران أساسيان، الأول تحفيز عملية بناء العضلات، والثاني مسؤوليته عن تطوير صفات الذكورة، مثل شعر الوجه وخشونة الصوت. التستوستيرون هو أحد الهرمونات التي تفرز في الجسم من الخصيتين لدى الذكور والمبيضين لدى الإناث، وهو هرمون الذكورة الأساسي لدى الذكور. وبسبب خصائصه فإن له استعمالات طبية وعلاجية، ولكن ليس من بينها على الإطلاق تحفيز الأداء الرياضي، ولذلك فإن تعاطيه يعد أمرا غير قانوني. كما توجد مجموعة صناعية من الهرمونات تم تصميمها خصيصا للتنشيط الرياضي، ويطلق عليها اسم "الإسترويدات البنائية المصممة"، وهي ليست مواد تم تصنيعها لأغراض طبية كهرمون التستوستيرون المذكور وبالتالي لم تخضع لاختبارات على الإطلاق، وهذا يعني أنه لا توجد وسيلة لتقييم مخاطرها التي قد تكون وخيمة. مخاطر التستوستيرون والإسترويدات البنائية: الشعور بالغثيان والتقيؤ. زيادة مخاطر التهابات الأوتار وتمزقها. مشاكل الكبد وأورامه. حب الشباب. ارتفاع تركيز الدهنيات المنخفضة الكثافة "LDL" السيئة، وانخفاض تركيز الدهنيات المرتفعة الكثافة "HDL" الجيدة، مما يزيد مخاطر الإصابة بأمراض القلب. ارتفاع ضغط الدم. مشاكل في المزاج كالاكتئاب والغضب والسلوك العنيف. الإدمان على المنشطات. مشاكل في النمو. ازدياد مخاطر الإصابة ببعض أنواع السرطان. الصلع. صعوبة في التبول. العقم. ضمور الخصيتين. العنة. الأندروستينيدون هرمون تفرزه الغدة الكظرية والمبيض والخصية، ويتم تحويله في الجسم إلى التستوستيرون. ويتعاطى البعض هذا الهرمون معتقدين أنه يساعد على تحسين أدائهم الرياضي، ولكن الدراسات العلمية تشير إلى أن غالبية الأندروستينيدون الذي يتم تعاطيه لا يحسن الأداء الرياضي ويتحول إلى إستروجين، وهو الهرمون الجنسي الأساسي لدى الإناث. حب الشباب. تناقص إنتاج المني. ضمور الخصيتين. تضخم الثدي. هرمون النمو البشري هرمون بنائي يفرز في الجسم، ويعرف أيضا باسم غونداتروبين. ويأخذه الرياضيون لزيادة حجم عضلاتهم وقوتها، ورغم أنه لا يوجد دليل علمي قاطع على فعالية هرمون النمو البشري فإن مخاطره ثابتة ومؤكدة على صحة الشخص، وتشمل: ألم المفاصل وضعف العضلات. احتباس السوائل في الجسم. مشاكل في تنظيم الغلوكوز في الدم. داء السكري. ارتفاع الكوليسترول في الدم. ارتفاع ضغط الدم. أمراض القلب.


الجزيرة
منذ 17 ساعات
- الجزيرة
الأجساد الحية "تتوهج" بضوء خافت يختفي حين تموت
عرف العلماء منذ عقود أن الكائنات الحية تصدر ضوءا خافتا للغاية، يعرف علميا بـ"الانبعاث الفوتوني الضعيف جدا"، وهو ضعيف لدرجة أنه يكاد يكون غير قابل للرصد بأجهزة القياس المعروفة. وفي دراسة سابقة أجريت عام 2009، ونشرت بدورية "بلوس وان"، توصل باحثون من معهد توهوكو للتكنولوجيا باليابان إلى أن البشر أنفسهم يتمتعون بهذا الانبعاث الضوئي، وكتب مؤلفو الدراسة آنذاك: "يتوهج جسم الإنسان حرفيا، لكن شدة الضوء المنبعث من الجسم أقل بألف مرة من حساسية أعيننا المجردة". لكن هذا الضوء سواء الصادر من الإنسان أو الكائنات الحية الأخرى بقي لغزا، وبشكل خاص أرادوا معرفة هل يمكن لهذا الضوء أن يكشف لنا عن الصحة والمرض، أو حتى الحياة والموت؟ وهل يمكن أن نصنع منه أداة طبية غير جراحية ترصد ما تعجز عنه أعيننا؟ تجربة الفأر الحي والميت في بيئة مظلمة تماما، وداخل حجرة محكمة تمنع تسرب أي شعاع، وضع الباحثون من جامعة كالغاري الكندية فأرا صغيرا تحت عدسة كاميرا شديدة الحساسية. ما ظهر على الشاشة كان مذهلا، وهو بقع من الضوء الخافت تتلألأ من جسمه، كأن الحياة نفسها تشع، لكن عندما توقف قلب الفأر، وتم تعريض جسده لنفس الظروف، اختفى الضوء تقريبا. كان الجسم في التجربتين بنفس درجة الحرارة، لكن الفارق الوحيد، أن الحياة قد غادرته. إعلان هذا المشهد لم يكن مجرد لحظة مثيرة، بل كان أحد الأدلة الحية والمهمة التي قدموها في دراسة نشرت قبل أيام بدورية"جورنال أوف فيزيكال كمستري ليترز"، على أن" الانبعاث الفوتوني الضعيف جدا"، يرتبط ارتباطا وثيقا بالحياة. النباتات تتألم وتضيء لم يكتف الباحثون بتجربة الفئران، ففي تجارب أخرى، عرضوا أوراق النباتات لتغيرات في درجة الحرارة، وأخرى لجرح مباشر أو مواد كيميائية. والنتيجة زاد انبعاث الضوء في المناطق المصابة، حتى قبل أن تظهر أي علامات مرئية، وكانت النباتات "تضيء" استجابة للضغط أو الإصابة، وكأنها تصدر صرخة صامتة من الضوء، لا تسمعها الأذن، ولا تراها العين المجردة. ما ينتجه هذا الضوء الخافت داخل أجسام الكائنات الحية، كما كشف الباحثون في دراستهم، كان سلسلة من التفاعلات الكيميائية الحيوية. وأوضحت الدراسة، أنه "في قلب كل خلية، تولد عملية التمثيل الغذائي جزيئات نشطة تسمى الجذور الحرة، وهذه الجزيئات، حين تتزايد تحت الضغط أو الإصابة، تحدث اضطرابات صغيرة في الإلكترونات، تؤدي إلى إطلاق فوتونات، أي جزيئات من الضوء، وهنا يكمن السر، فكلما زاد التوتر داخل الجسم، زاد هذا الضوء الخافت، ليكون بمثابة مؤشر حيوي على ما يحدث في الداخل". وبعيدا عن الجانب المثير لهذا الاكتشاف، فإن الدراسة تعد بأن نتائجها ستكون لها تطبيقات طبية واعدة، إذ يمكن أن تحفز نتائجهم تطبيق التصوير بالموجات فوق الصوتية كتقنية غير جراحية لكل من البحث البيولوجي الأساسي والتشخيص السريري لاكتشاف الإجهاد الخلوي مبكرا، وتقييم إصابات الأنسجة بدقة، وربما لرصد علامات المرض قبل ظهورها خارجيا.


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
مفاجأة علمية.. هل تتوقع "أشجار التنوب" الظواهر الفلكية قبل حدوثها؟
في لحظة تثير الدهشة وتقلب مفاهيمنا التقليدية حول عالم النبات، كشفت دراسة علمية حديثة أن أشجار التنوب في جبال الدولوميت الإيطالية لا تكتفي بالاستجابة للكسوف الشمسي، بل تتوقع حدوثه، وتتفاعل معا في تناغم كهربي عجيب قبل ساعات من الحدث الفلكي الكبير. نُشرت نتائج هذه الدراسة في مجلة "رويال سوسايتي أوبن ساينس"، وقادها فريق دولي من الباحثين من إيطاليا والمملكة المتحدة وإسبانيا وأستراليا. وإذا صدقت هذه النتائج بعد مزيد من البحث لتأكيدها، فإنها ستمثل نقلة نوعية في فهمنا لسلوك الغابة، حيث تظهر النباتات بغير الصورة السلبية الصامتة التي اعتدناها، بل تمتلك قدرات تواصل وتنسيق قد تُضاهي وتفوق ما نراه في عالم الحيوان. الغابة كوحدة نابضة استخدم الفريق البحثي أجهزة استشعار كهربائية خاصة، مصممة للعمل في ظروف قاسية، ووزعها على مساحة أقل من هكتار داخل غابة تنوب على ارتفاع 1950 مترا عن سطح البحر. وتم تسجيل إشارات بيولوجية كهربائية من عدة أشجار وأجزاء مختلفة منها، ومقارنتها على مدار الزمن، وبشكل خاص قبل الكسوف الشمسي. ويوضح أليساندرو كيوليريو، الباحث في المعهد الإيطالي للتكنولوجيا والمؤلف الرئيسي في الدراسة، أن ما تم قياسه يُعرف باسم الإلكتروم، وهو إشارة كهربائية بيولوجية شبيهة بتلك التي يتم قياسها في الدماغ البشري باستخدام جهاز تخطيط الدماغ الطبي. ويُمكن قياس الإلكتروم باختراق لحاء شجرة بضعة سنتيمترات، ووضع قضيب فولاذي هناك، مُتصل بأجهزة قياس. ويقول كيوليريو في تصريحات حصرية للجزيرة نت: "تخيل أن كل نبتة تُنتج فرق جهد كهربائي بين نقطتين، مثل البطارية. لكن هذا الجهد لا يبقى ثابتا، بل يتغير بتغير العوامل الخارجية كدرجة الحرارة والأمطار، وغيرها". ويضيف: "عندما تحدث ظاهرة مثل الكسوف، تتغير هذه الإشارات بين الأشجار بطريقة يمكن تتبع بدايتها قبل حدوث الكسوف بما يصل إلى 14 ساعة". وتشير النتائج الأولية إلى أن الأشجار الأكبر سنا تُظهر استجابة مبكرة وأقوى للكسوف، مقارنة بالأشجار الأصغر. وهذا ما يثير تساؤلات عما إذا كانت هذه الأشجار تمتلك نوعا من "الذاكرة البيئية". ذاكرة الأشجار حقيقة أم خيال؟ يتعامل كيوليريو مع هذا الاحتمال بحذر كبير، ويقول: "لا يمكنني استبعاد أي خيار، ولا يمكنني تأكيد أي منها أيضا. يجب أن أكون حذرا جدا في النظر إلى ما هو موجود، لا إلى ما أود رؤيته. فالعقل البشري قد يُخدع بسهولة. فإذا كانت الإشارة الكهربائية في الأشجار الأكبر أقوى، فقد يكون هذا ببساطة ناتجا عن اختلاف في استجاباتها الفسيولوجية. أما إذا كانت هناك ذاكرة بالفعل، فأقترح النظر في نظرية الحقل الكمومي لفهم الآليات المحتملة". ووفقا لنظرية الشبكة، لا يمكن التمييز بين السلوك التوقعي الحقيقي والاستجابة البيئية إلا من خلال إجراء تحفيز محلي. فإذا أدى ذلك إلى استجابة واحدة، فهذا يعني أنها استجابة بيئية. وأما إذا أدى إلى استجابة جماعية، فهذا يعني أن السلوك صحيح. وهناك حاجة إلى مزيد من التجارب في هذه المرحلة، بحسب الباحثين. ويتضح من ذلك أن الدراسة تتعرض لعملية الرصد وليس التفسير، فيشير كيوليريو إلى أن تحليل هذه الإشارات الكهربائية المتغيرة باستمرار يتطلب أدوات متقدمة، ويقول: "تخيل أنك ترى شكل موجة ترتجف على الشاشة، وتُسجَّل 5 موجات كهذه لكل شجرة تحت المراقبة. حتى صورة ثابتة من هذا المشهد تُعد معقدة جدا لتحليلها بشكل يدوي". ويقيس الفريق عددا من المعايير المناخية، مثل درجة الحرارة، وسرعة الرياح واتجاهها، والرطوبة النسبية، ورطوبة الأوراق، والإشعاع الشمسي، والضغط، وهطول الأمطار. وبحسب الأرقام، لم تُمثل درجات الحرارة والإشعاع الشمسي مصدرا مرتبطا بالتغيّر. ودفعت تلك البيانات غير المفسرة الفريق البحثي إلى الاستعانة بالخوارزميات الرياضية والتعلم الآلي، لتحويل هذه البيانات المعقدة إلى أرقام بسيطة وأنماط ذات مغزى. ومن بين هذه الأدوات مفهوم "الإنتروبيا"، وهو مقياس يعبر عن مدى تعقيد الإشارة ومقدار المعلومات التي تحملها. فيزياء الغابة يقول جوزيبي فيتييلو، الباحث في قسم الفيزياء من جامعة ساليرنو الإيطالية، والمشارك في الدراسة، في تصريحات حصرية للجزيرة: "عند دراسة الأشجار، لا بد من مراعاة أن حياتها تتطور ضمن نطاق محدد من درجات الحرارة. لذا، من الطبيعي، بل من الضروري، مراعاة الديناميكا الحرارية المرتبطة بها، حيث يلعب تبادل الطاقة والحرارة مع البيئة دورا مهما. لذلك، يجب مراعاة اختلافات درجات حرارتها لكل درجة حرارة، والتي تُعرف بطبيعتها بالإنتروبيا". فعندما تخلط الحليب بالماء، لن يمكنك فصلهما بعد الخلط، فحالة كل منهما كانت مستقرة، ولكن بعد الخلط سادت الفوضى أو الإنتروبيا وعجزنا عن فصل المكونات إلى أصلها. كذلك في الغابة، فعندما تكون الغابة في حالة طبيعية، تختلف الإشارات من شجرة لأخرى. لكن مع اقتراب الكسوف، تصبح الإشارات أكثر تشابها وتناغما تدريجيا. وهذا يشير إلى انخفاض في الإنتروبيا، أي أن النظام (الغابة) أصبح أكثر تنسيقا وتناغما. ويستلهم الفريق رؤية أخرى من نظرية الحقل الكمومي، التي تقول إن كل شيء في الكون عبارة عن مجال، وهذه المجالات تتفاعل فيما بينها باستمرار. حتى الجسيمات نفسها ليست سوى اهتزازات صغيرة في هذه المجالات. ويقول كيوليريو: "من خلال رؤية نظرية الحقل الكمومي، يمكننا أن نرى الغابة على أنها كائن جماعي، حيث كل نبتة تعمل مثل آلة موسيقية تعزف بتناغم داخل أوركسترا". ويضيف فيتييلو: "تتناول القياسات التجريبية سلوك المكونات الجزيئية مثل جزيئات الماء، والجزيئات اللمفاوية، وغيرها، بالإضافة إلى ثنائيات أقطابها الكهربائية، وتوزيعات شحناتها، وبالتالي، فإن الأدوات النظرية الوحيدة المتاحة للتعامل معها هي نظريات الكم. فعدد هذه المكونات كبير للغاية، وعند درجة حرارة غير صفرية، وبالتالي فإن الرياضيات المستخدمة هي تلك المستخدمة في نظرية المجال الكمومي عند درجة حرارة محدودة، وهي في الواقع الرياضيات المستخدمة في عملنا". وفي سياق أوسع، يرى كيوليريو أن هذه الدراسة، التي أطلق عليها "تجربة الغابة السيبرانية"، تُمثل خطوة فريدة في دراسة تواصل النباتات تحت ظروف حقيقية ميدانية. أما الخطوة التالية، فيصفها كيوليريو بأنها طموحة لكنها قابلة للتحقيق، ويقول: "نحن نتطلع لتكرار الدراسة في موقع آخر وخلال كسوف آخر للتحقق من النتائج. وعلى المدى الأبعد، وربما أقرب إلى الخيال العلمي، نطمح إلى تحقيق تواصل حقيقي وثنائي الاتجاه مع النباتات. وأنا أؤمن بصدق أن هذا ممكن!". غياب التفسير عن الظاهرة يحيط الدراسة ببعض الغموض والشكوكية العلمية، لكنها تكشف أن النباتات ربما ليست تلك الكائنات الساكنة التي لطالما ظنناها، بل كيانات تمتلك قدرة على التفاعل الجماعي، وربما على التعلم والتذكر. وقد تكون هذه الخطوة تمهيدا لعصر جديد من التفاعل بين الإنسان والطبيعة، ليس فقط من خلال المنفعة، بل من خلال الحوار. فهل سنشهد مستقبلا تتحدث فيه الأشجار إلينا بشكل ما؟ يبدو أن الجواب ما زال عصيا.