
لي جاي ميونج.. من عامل في مصنع إلى رئاسة كوريا الجنوبية
بعدما فشل لي جاي ميونج في الفوز بالانتخابات الرئاسية في كوريا الجنوبية عام 2022، عاد ليفوز بها في خضم اضطرابات وسلسلة أخطاء من منافسيه يرافقها عجز المحافظين عن تنظيم حملة انتخابية موّحدة، ليظفر بالكرسي الرئاسي "على طبق من ذهب".
لو أن الرئيس السابق يون سوك يول أكمل ولايته الممتدة لأربع سنوات، أو حتى أُجريت انتخابات مُبكرة، لكان من المُرَجح أن يُمنع لي جاي ميونغ من الترشح، ولكن الظروف التي اعتبرها البعض بأنها خدمته وبشعار "الآن.. لي جاي ميونج" المناسب لحملته، تمكن من حسم سباق الرئاسة.
ستكون ملقاة على عاتق لي جاي "مهمة صعبة"، تتمثل في تحسين اقتصاد البلاد المتعثر، بالإضافة إلى القضية الملحة المتمثلة في المفاوضات بشأن التعريفات الجمركية الأميركية، التي تُشكِّل نسبتها عاملاً مهماً للشركات الكوريّة الجنوبية، وصادِراتها، والتي تعتبر "عَصَب" اقتصاد سول.
"ثورة النور"
تصدّر لي جاي استطلاعات الرأي بفارق كبير منذ بداية حملته الانتخابية، وتمتع بميزة كبيرة كمرشح عن الحزب الديمقراطي، الذي يشغل 171 مقعداً من أصل 300 مقعد في الجمعية الوطنية.
وعلى الرغم من أن لي جاي بدأ حملته الانتخابية رسمياً في الوقت نفسه مع جميع المرشحين، لكنه كان متوقعاً على نطاقٍ واسع، ومنذ فترة طويلة، أن يكون مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة.
على النقيض من ذلك، لم يدخل حزب قوة الشعب المحافظ (PPP) في أجواء الانتخابات، إلا بعد عزل يون سوك يول، وعانى الحزب من ارتباطه بأمر الأحكام العرفية الذي أصدره يون في الثالث من ديسمبر 2024.
ولإبراز ذلك، تمثلت استراتيجية لي جاي في جعل هذه الانتخابات استفتاء على إعلان يون الأحكام العرفية، وأقام عمداً تجمعه الانتخابي الأخير خارج الجمعية الوطنية، وهو الموقع الذي اقتحمته القوات خلال الأحكام العرفية، ووصف حملته بأنها "ثورة نور" تهدف لـ"التغلب على التمرد".
وواجه حزب قوة الشعب صعوبة في اختيار مرشح، ولم يدعم كيم مون سو، إلا في الأسابيع الأخيرة من الحملة الانتخابية. كما عانى من وضع غير مواتٍ، بسبب انقسام أصوات المحافظين، بين "قوة الشعب" وحزب ثالث، وهو "الإصلاح"، بقيادة لي جون سوك، الزعيم السابق لحزب "قوة الشعب". وتمثّلت استراتيجيتهم الرئيسية في تسليط الضوء على المشاكل القانونية التي واجهها لي جاي وفضائح أخرى.
ويواجه لي العديد من القضايا القانونية، والتي حال وصلت إلى نهايتها، لكان من المحتمل أن تصدر ضده أحكاماً كان سيمنعه من تولي منصبه.
وقد طالت بعض هذه القضايا إلى ما يتجاوز الإطار الزمني المعتاد لقضايا المحاكم في كوريا الجنوبية. مع العلم، أن أي غرامة، ناتجة عن حُكم قضائي، تزيد عن مليون وون (725 دولاراً أميركياً) تكفي لمنع أي شخص من الترشح لمنصب سياسي لمدة 5 سنوات.
وعندما أحالت المحكمة العليا القضية إلى المحاكم الأدنى في مايو، كان الاحتمال كبيراً أن يُقضي على فرص استمرار لي في السباق الرئاسي لو انتهت المحاكمة قبل انتهاء هذا السباق.
ولكن، لحُسن حظ لي جاي تم تأجيل هذه القضايا طوال مدة الحملة الرئاسية. وكانت النتيجة أن أصبح رئيساُ. ومن غير المرجح أن يواجه أي مشاكل بسببها، على الأقل خلال فترة ولايته. وهذا ما يتوقعه جيفري روبرتسون، الأستاذ المشارك في الدبلوماسية بجامعة يونسي، في حديث لـ"الشرق"، موضحاً أنه "بالنظر إلى تفضيل القضاء لحالة الاستقرار، فإن المخاطر القانونية التي يواجهها لي.. ستختفي بهدوء".
عامل مصنع أصبح رئيساً
وقد أُثير الكثير حول خلفية لي جاي المتواضعة، وقصة صعوده من الفقر إلى الثراء. فعندما غادر مسقط رأسه في الجنوب الشرقي ،وهو طفل ليعمل في مصنع بمدينة سيونجنام، الواقعة على أطراف سول، أُصيب معصمه في حادث، ما أدى إلى إعاقة مستدامة.
وعمل لي جاي كمحام ثم سياسي، ليصبح في النهاية عمدة مدينة سيونجنام، ثم حاكم مقاطعة جيونجي دو، والمقاطعة المحيطة بالعاصمة سول. كما تعرّض لي لمحاولة اغتيال في يناير 2024، وارتدى سترة واقية من الرصاص خلال حملته الرئاسية الأخيرة.
وتشمل سياساته في هذه الانتخابات استثماراً ضخماً في الذكاء الاصطناعي، والتركيز على الاقتصاد، والالتزام بالتحالف مع الولايات المتحدة.
ويعتبر هذا التركيز على الاقتصاد ضرورياً، إذ إن توقعات بنك كوريا للنمو لهذا العام ضئيلة للغاية، حيث بلغت 0.8% فقط. كما أدت الرسوم الجمركية الأميركية إلى انخفاض صادرات السيارات بنسبة 32% في مايو مقارنةً بالعام السابق، مع انخفاض صادرات قطع غيار السيارات والصلب أيضاً بنسب مئوية مزدوجة.
وفي تعهداته، يبدو أن لي قد تراجع عن سياساته السابقة ذات التوجه اليساري، مثل الدخل الأساسي الشامل، بل إن الحزب الديمقراطي أضاف مثلثاً أحمر صغيراً إلى مخطط ألوانه الزرقاء لمحاولة الإيحاء بأن لديه جانباً محافظاً أيضاً. لكن تعهداته تشمل تعزيز النقابات العمالية وفرض أسبوع عمل لمدة 4.5 أيام.
كما يخطط لتوسيع برامج قسائم العملة المحلية، حيث يُمنح الناس قسائم لإنفاقها في الأسواق والشركات الصغيرة، وهو ما لا يختلف كثيراً من حيث المفهوم عن الدخل الأساسي الشامل، وإن كان على نطاق أصغر.
وحاول لي جاي إبراز مؤهلاته المؤيدة للأعمال من خلال الاجتماع مع قادة أكبر الشركات الكورية، بل وتعهد بمضاعفة قيمة مؤشر "كوسبي"، وهو مؤشر الأسهم الرئيسي في كوريا.
سيكون لدى لي سلطة كبيرة لتنفيذ سياساته، وفق ديلان موتين، الباحث في مركز آسيا بجامعة سيول الوطنية، الذي توقع، في حديث لـ"الشرق"، بأن لي لا يُمانع في إقرار قوانين عادية نظراً لهيمنة الحزب الديمقراطي في الجمعية الوطنية، ولكن في المقابل سيستغل الأغلبية المطلوبة لبعض القوانين، مثل تعديل الدستور، إلا أنه كان قد صرّح سابقاً برغبته في تعديل الدستور لتمكين الرؤساء من الترشح لولاية ثانية، بدلًا من نظام الرئاسة لولاية واحدة المعمول به حالياً.
إلا أن روبرتسون يشير إلى أن الجمعية الوطنية مستقلة تمامًا عن الرئاسة، وأنه سيتعين على لي وضع سياسات تناسب الحزب الديمقراطي.
بعد فوزه، لن يجد لي وقتًا للراحة، إذ يأتي تنصيبه بعد يوم واحد من الانتخابات. ويتصدر عناوين بريده الإلكتروني – الرئاسي، موضوع التعريفات التجارية الأميركية.
الضغط مستمر.. المهلة قليلة
ويرى روبرتسون إن "الضغط مستمر" على الرئيس الجديد، لسببين. أولًا، هناك مهلة زمنية ضيقة قبل دخول التعريفات حيز التنفيذ، والتي كان علّق تفعيلها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في التاسع من أبريل الماضي، لمدة 90 يوماً، بعدما فرضها على أكثر من 75 بلداً، بما فيها كوريا الجنوبية.
هل يكون لي أكثر صرامة مع واشنطن؟
وثانيًا، يضيف روبرتسون، أن ترمب، الذي وصف كوريا الجنوبية بـ"الصراف الآلي"، يستطيع الجمع، في مفاوضاته، بين التعريفات والتلويح بالخفض المحتمل في أعداد القوات الأميركية المرابطة في شبه الجزيرة؛ ما يعني أن هناك "العديد من الزوايا التي يمكن للولايات المتحدة طرحها".
من جانبه، توقع موتين إن يتخذ لي جاي ميونغ نهجًا أكثر صرامة تجاه مفاوضات التعريفات، مما كان سيتخذه منافسه كيم مون سو، مُذكراً بأن الرئيس الجديد كان ذهب إلى حد اقتراح العمل مع اليابان لزيادة نفوذها في محادثات التجارة مع إدارة ترمب.
كانت العلاقات بين سيول وطوكيو فاترة خلال حكومة الحزب الديمقراطي السابقة، قبل أن تتحسن في ظل حكومة يون، حزب الشعب التقدمي. وقد صرّح لي بأنه سيفصل القضايا الراهنة، مثل التجارة والأمن، عن القضايا التاريخية، إبان احتلال اليابان لكوريا (بين 1910 و1945، أي حتى نهاية الحرب العالمية الثانية) ومرافق هذه الحقبة من ارتكاب الفظائع من قبل الجيش الياباني في حق النساء الكوريات الجنوبية والنزاع على السيادة على بعض الجزر. لكن موتين يتوقع أن لا يكون هذا الفصل في التعامل مع طوكيو سهلاً بالنسبة إلى لي.
وفيما يتعلق بكوريا الشمالية، يقول روبرتسون إن لي مهتم أكثر بإقامة علاقات مع بيونغ يانغ، لكن لا تتوقعوا حدوث أي شيء قبل عام أو نحو ذلك، لأن الإطار الزمني يعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة، وكوريا الشمالية ليست أولوية لواشنطن في الوقت الحالي.
وفي حين أن الاقتصاد في حالة ركود، فإن كوريا الشمالية ليست أولوية للكوريين الجنوبيين في الوقت الحالي أيضًا. ومن المرجح أن يُحكم على ولاية لي من خلال قدرته على إحياء الاقتصاد الكوري الجنوبي المتعثر والوفاء بوعوده الجريئة بإنعاش الاقتصاد وتحسين سبل عيش الناس.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أرقام
منذ ساعة واحدة
- أرقام
وكالة: أمريكا تحظر تصدير المعدات النووية للصين
علّقت الولايات المتحدة تراخيص تصدير المعدات النووية للمحطات الصينية، وذلك في ضوء الحرب التجارية المستعرة بين الدولتين، وفقاً لما ذكرته وكالة "رويترز" نقلاً عن مصادر على دراية بالأمر. أفادت المصادر بأن وزارة التجارة هي من أصدرت قرار تعليق التصاريح الممنوحة للموردين المحليين لهذه المعدات، والتي تسمح لهم بالتعامل مع محطات الطاقة النووية في الصين. وأوضحت أن القرار صدر قبل بضعة أيام، ويأتي بعد فرض قيود على مجموعة واسعة من الشركات العاملة في هذا المجال على مدار الأسبوعين الماضيين إثر تبادل الدولتين اتهامات بانتهاك الهدنة التجارية المبرمة في الثاني عشر من مايو.


الشرق السعودية
منذ ساعة واحدة
- الشرق السعودية
للمرة الثانية.. "آي سبيس" اليابانية تفشل في الهبوط على سطح القمر
قالت شركة "آي سبيس" (iSpace) اليابانية إن مركبتها غير المأهولة للهبوط على سطح القمر "ريزيليانس" (Resilience) تحطمت على الأرجح على سطحه خلال محاولة هبوط الجمعة، ما يُمثّل فشلاً آخر بعد عامين من مهمة أولى غير ناجحة. وكانت الشركة، ومقرها طوكيو، تأمل في الانضمام إلى الشركتين الأميركيتين "إنتويتيف ماشينز" (Intuitive Machines) و"فايرفلاي إيروسبيس" (Firefly Aerospace) في تحقيق هبوط تجاري ناجح على سطح القمر وسط سباق عالمي يشتمل على مهام قمرية حكومية من الصين والهند. وعلى الرغم من أن الفشل يعني توقفاً آخر لعدة سنوات في وصول اليابان تجارياً إلى القمر، فإن البلاد لا تزال ملتزمة تجاه برنامج "أرتميس" الذي تقوده الولايات المتحدة وتدرس مجموعة واسعة من الشركات اليابانية استكشاف القمر لأغراض تجارية. وقالت الشركة إن المركبة "ريزيليانس"، وهي ثاني مركبة للهبوط على سطح القمر من شركة "آي سبيس"، واجهت مشاكل في قياس المسافة التي تفصلها عن السطح ولم تتمكن من إبطاء هبوطها بالسرعة الكافية، مضيفة أنها لم تتمكن من التواصل مع المركبة بعد هبوط عنيف على الأرجح. وقال كبير مسؤولي التكنولوجيا في شركة "آي سبيس" ريو أوجيي في مؤتمر صحافي "هناك احتمالات متنوعة، بما في ذلك مشكلات في نظام الدفع أو البرمجيات أو الأجهزة، ولا سيما مع أجهزة الاستشعار". وعم الصمت فجأة في غرفة تضم أكثر من 500 من موظفي شركة "آي سبيس" ومساهمين وجهات راعية ومسؤولين حكوميين عندما فُقدت بيانات الرحلة قبل أقل من دقيقتين من الموعد المحدد للهبوط خلال فعالية للعرض العام في شركة "سوميتومو ميتسوي" (Sumitomo Mitsui) المصرفية الشريكة في المهمة في الساعات الأولى من صباح الجمعة في طوكيو.


الشرق الأوسط
منذ 2 ساعات
- الشرق الأوسط
فتاة عمرها 6 سنوات ضمن مجموعة «إرهابية» معتقلة في ميانمار
ذكرت صحيفة تابعة للمجلس العسكري في ميانمار، اليوم الجمعة، أن الجيش ألقى القبض على طفلة عمرها ست سنوات ضمن مجموعة صنفها «إرهابية»؛ لقتلها ضابط جيش متقاعداً، الشهر الماضي. وقُتل تشو هتون أونغ (68 عاماً)، وهو بريغادير جنرال متقاعد عمل سفيراً أيضاً، بالرصاص في يانغون العاصمة التجارية لميانمار، يوم 22 مايو (أيار)، في واحدة من أبرز عمليات الاغتيال ببلد يشهد حرباً أهلية متصاعدة. وقالت صحيفة «غلوبال نيو لايت أوف ميانمار»: «جرى إلقاء القبض على 16 مجرماً؛ 13 ذكراً، وثلاث إناث». وفي موادّ مرئية مصاحبة، نشرت الصحيفة صورة الطفلة البالغة من العمر ست سنوات، والتي عُرفت بأنها ابنة القاتل المزعوم. وكانت ملامح الفتاة محجوبة في النسخة الإلكترونية من الصحيفة، التي اطلعت عليها «رويترز»، لكنها ظهرت في منشوراتٍ أخرى لسلطات المجلس العسكري على وسائل التواصل الاجتماعي. وقالت جماعة «محاربو الوادي الذهبي» المتمردة المناهضة للمجلس العسكري، في بيان، إنها قتلت الجنرال المتقاعد بسبب دعمه المستمر للعمليات العسكرية، ولا سيما الهجمات على المدنيين. ويزعم المجلس العسكري أن المجموعة مدعومة من حكومة ظِل تحارب الجيش تُعرف باسم «حكومة الوحدة الوطنية». وقالت الصحيفة إن المجموعة دفعت لقاتل مقابل عملية القتل. لكن المتحدث باسم «حكومة الوحدة الوطنية» ناي فون لات نفى أن تكون حكومة الظل دفعت أي مبالغ. وقال: «ليس صحيحاً أننا ندفع أموالاً لأشخاص لقتل آخرين».