
قراءة تحليلية في الاستثمارات والاقتصاد السوري
يُمثل هذا القرار منعطفا مهما في السياسة الأميركية الشرق أوسطية، ويفتح الباب أمام تدفقات استثمارية محتملة من الدول العربية والغربية، ما يستدعي قراءة تحليلية دقيقة للفرص والتحديات الاقتصادية المقبلة.
أولا: السياق السياسي لقرار ترامب
أتى قرار ترامب بإنهاء العقوبات استنادا إلى رؤية سياسية ترتكز على البراغماتية الاقتصادية، إذ اعتبر أن العقوبات المفروضة على سوريا قد فشلت في تحقيق نتائج سياسية ملموسة.
وبالنظر إلى المتغيرات الجيوسياسية، رأى ترامب أن الوقت مناسب لإعادة توجيه السياسة الأميركية تجاه سوريا عبر القنوات الاقتصادية؛ بهدف كبح تمدد خصوم الولايات المتحدة وإعادة فتح السوق السورية أمام الشركات الغربية.
كما ترافق القرار مع بوادر سياسية من دمشق، شملت تشكيل حكومة انتقالية مؤقتة وتقديم تعهدات بإطلاق إصلاحات اقتصادية وهيكلية.
ثانيا: الواقع الاقتصادي السوري حاليا
يعاني الاقتصاد السوري من أزمة خانقة هي الأسوأ منذ عقود، نتيجة الحرب الطويلة والعقوبات الغربية وتدمير البنى التحتية. تشير تقديرات المؤسسات المالية الدولية إلى أن الناتج المحلي الإجمالي لسوريا في العام 2023 تراوح بين 29 و60 مليار دولار، ما يعكس حالة من عدم الاستقرار في التقديرات بسبب ضعف الشفافية. وشهد الاقتصاد السوري انكماشا بلغ نحو -1.5 % في العام 2024، مع استمرار ارتفاع تكاليف المعيشة وتآكل القدرة الشرائية.
أما على مستوى الأسعار، فقد سجلت البلاد معدلات تضخم تجاوزت 25 % سنويا، وسط تدهور كبير في قيمة الليرة السورية، التي وصلت إلى نحو 15,000 ليرة مقابل الدولار الأمريكي بحلول منتصف 2025. وترافق هذا الانهيار المالي مع نسب بطالة مرتفعة تجاوزت 15 %، فيما يعيش أكثر من 69 % من السوريين تحت خط الفقر، بينهم نحو 27 % يعانون من فقر مدقع، ما يعكس هشاشة الوضع المعيشي والاقتصادي.
ثالثا: التوقعات الاستثمارية بعد رفع العقوبات
يُتوقع أن يسهم قرار رفع العقوبات في فتح أبواب جديدة أمام الاستثمارات، خصوصا مع إمكان عودة سوريا إلى النظام المالي العالمي، ما يتيح الحصول على تمويل خارجي وتسهيل حركة التحويلات المالية والاستثمارية.
من بين أبرز القطاعات المرشحة للاستثمار هناك مشروعات الطاقة، حيث تخطط الحكومة لتنفيذ مشروعات ضخمة لإنتاج ما يقارب 4000 ميجاواط من الطاقة الغازية و1000 ميجاواط من الطاقة الشمسية، بدعم مباشر من مستثمرين خليجيين وأميركيين.
كما يُتوقع أن تستقطب عمليات إعادة الإعمار استثمارات ضخمة، خصوصا في مجالات الإسكان والنقل والاتصالات والصناعات الزراعية. وتشير تقديرات غير رسمية إلى إمكان دخول ما بين 5 و10 مليارات دولار من الاستثمارات بالعامين المقبلين، خصوصا من دول الخليج مثل السعودية والإمارات وقطر، التي بدأت بالفعل بعقد محادثات تمهيدية مع شركاء سوريين. أما الشركات الأميركية، فمن المرجح أن يكون دخولها حذرا ومحدودا، مركّزا على القطاعات الخاصة وتحت ضمانات قانونية صارمة.
رابعا: التحديات التي تواجه الاستثمارات
على الرغم من الإيجابية الظاهرة في قرار رفع العقوبات، إلا أن عقبات عدة ما تزال قائمة أمام المستثمرين. فبعض العقوبات الفردية المتعلقة بشخصيات في النظام السوري ما تزال فعالة، ما يُبقي حالة من الحذر لدى الشركات الدولية. كما يشكل غياب الاستقرار الأمني الكامل تهديدا مباشرا لأي استثمار طويل الأمد، خصوصا في المناطق التي لم تُحسم فيها السيطرة بشكل نهائي.
وإضافة إلى ذلك، ما تزال البيئة القانونية في سوريا تعاني من ضعف واضح، مع غياب نظام قضائي نزيه وشفاف قادر على حماية الاستثمارات الأجنبية. ويبقى قانون قيصر، المعتمد من الكونغرس الأميركي، عقبة إضافية، إذ إنه لم يُلغَ بالكامل رغم الخطوات التي اتخذها ترامب، ما يترك حالة من الغموض القانوني لدى المستثمرين، خصوصا في ما يتعلق بالتعاملات بالدولار الأميركي.
خامسا: السيناريوهات المستقبلية المحتملة
في ظل هذا التحول السياسي، يمكن تصور سيناريوهات عدة لمستقبل الاقتصاد السوري.
في السيناريو المتفائل، قد تؤدي التسهيلات الأميركية إلى تدفق استثمارات عربية واسعة، وتطبيع إقليمي شامل مع سوريا، ودعم أميركي تدريجي يمهد لعودة كبرى الشركات الغربية إلى السوق السورية.
أما في السيناريو الواقعي، فقد تقتصر الاستثمارات على مشروعات البنى التحتية والطاقة، مع اشتراطات سياسية واضحة لتمويل عمليات إعادة الإعمار، فيما تُبقي الولايات المتحدة بعض العقوبات كأداة ضغط مستمرة.
أما السيناريو المتشائم، فيفترض تعثر الحكومة الانتقالية في تنفيذ إصلاحات فعلية، وتأخر الاستثمارات؛ بسبب استمرار الفساد وانعدام الأمن، مع احتمال عودة التوترات الإقليمية والدولية التي تعرقل أي تقدم اقتصادي.
خاتمة
يمثل قرار ترامب برفع العقوبات عن سوريا تحولا استراتيجيا في مسار العلاقات بين واشنطن ودمشق، ويُعد فرصة نادرة لإعادة بناء الاقتصاد السوري المنهك.
إلا أن هذه الفرصة تظل رهينة بمدى جدية الحكومة السورية في تنفيذ إصلاحات جذرية وتهيئة بيئة استثمارية شفافة وآمنة. كما أن مواقف القوى الإقليمية والدولية، لاسيما الكونغرس الأميركي والاتحاد لنهوض اقتصادي شامل، سيكون لها تأثير مباشر على حجم ونوعية الاستثمارات المتدفقة إلى سوريا. في النهاية، فإن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان القرار سيمثل بداية حقيقية قليل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البلاد البحرينية
منذ 3 ساعات
- البلاد البحرينية
روبوتات دردشة ميتا تبدأ بإرسال رسائل تلقائية لتعزيز التفاعل
تسعى شركة ميتا الأمريكية، المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي الكبرى مثل فيسبوك وإنستغرام وواتسآب، إلى توسيع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وذلك من خلال اختبار ميزة جديدة في روبوتات المحادثة التابعة لها. شركة ميتا تختبر رسائل ذكاء اصطناعي تلقائية لتعزيز التفاعل على منصاتها وبحسب ما ذكرته تقارير تقنية، تهدف هذه الميزة إلى إرسال رسائل تلقائية للمستخدمين الذين سبق لهم التفاعل مع روبوتات الدردشة، وذلك كجزء من استراتيجية أوسع لزيادة التفاعل، وتحسين معدلات الاحتفاظ بالمستخدمين على المدى الطويل. وتأتي هذه التجربة الجديدة ضمن مشروع داخلي يحمل اسم Project Omni، والذي يعتمد على منصة AI Studio المطورة من قبل شركة ميتا. وتتيح هذه المنصة لأي مستخدم، تصميم روبوت ذكاء اصطناعي مخصص، دون الحاجة لأي مهارات برمجية، مما يفتح الباب أمام مجموعة واسعة من الاستخدامات التفاعلية الجديدة. وقالت التقارير إن الميزة الجديدة مصممة بطريقة تضمن عدم انتهاك خصوصية المستخدم، أو إرهاقه بالإشعارات، حيث تنص السياسات التجريبية على أن الروبوت لن يرسل الرسائل إلا إذا كان المستخدم هو من بدأ المحادثة في البداية، ولن ترسل أي رسالة إضافية إذا تجاهل المستخدم التفاعل لاحقاً. كما أن محتوى الرسائل سيكون مخصصاً ليناسب شخصية الروبوت وسياق المحادثات السابقة، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على نبرة ودية، وتجنب المواضيع المثيرة للجدل أو الحساسة، إلا إذا بادر المستخدم بطرحها. ويعد هذا التوجه جزء من خطة ميتا الأوسع لتعظيم عوائدها من الذكاء الاصطناعي، حيث تتوقع الشركة أن تدر منتجاتها في هذا المجال أكثر من 3 مليارات دولار في عام 2025، مع طموحات للوصول إلى 1.4 تريليون دولار بحلول عام 2035. ونوهت التقارير إلى أنه مع ذلك، يثار جدل متزايد حول قضايا الخصوصية، خاصة في ظل التحذيرات الأخيرة التي وجهتها ميتا للمستخدمين بعد مشاركة البعض لمعلومات شخصية أو حساسة مع روبوتاتها، والتي قد تعرض لاحقاً بشكل علني. وتبقى هذه الميزة في مرحلة الاختبار، مع ترقب واسع لما قد تعنيه هذه الخطوة لمستقبل الذكاء الاصطناعي في منصات التواصل الاجتماعي. تم نشر هذا المقال على موقع


البلاد البحرينية
منذ 4 ساعات
- البلاد البحرينية
أوبن إيه آي وأوراكل: أكبر اتفاق حوسبة سحابية في التاريخ
أفادت تقارير تقنية بأن شركة أوبن إيه آي قد عقدت اتفاقية ضخمة مع عملاق البرمجيات أوراكل، لاستئجار قدرات حوسبة هائلة تصل إلى 4.5 غيغاواط من الطاقة الحاسوبية، بقيمة سنوية تقدر بنحو 30 مليار دولار. صفقة تاريخية: أوبن إيه آي تستأجر 4.5 غيغاواط من أوراكل مقابل 30 مليار دولار سنوياً وبحسب ما جاء في التقارير، تعد هذه الصفقة واحدة من أضخم صفقات الحوسبة السحابية على الإطلاق في تاريخ صناعة الذكاء الاصطناعي. وتندرج هذه الخطوة ضمن خطط التوسع الطموحة لمشروع ستارغيت، الذي أطلقته أوبن إيه آي بالتعاون مع شركة سوفت بنك في يناير الماضي. ويهدف هذا المشروع إلى إنشاء مراكز بيانات عملاقة متطورة، مخصصة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة التي تطورها أوبن إيه آي، خاصة في ظل الطلب العالمي المتزايد على تطبيقاتها، مثل ChatGPT، وخدماتها المرتبطة بالذكاء الاصطناعي التوليدي. وقالت التقارير إن أوراكل تخطط لبناء عدة مراكز بيانات حديثة في مختلف الولايات الأمريكية خلال الفترة المقبلة، من أجل الوفاء بالتزاماتها تجاه المشروع. وتعتبر الطاقة المتفق عليها، وهي 4.5 غيغاواط، كمية هائلة تمثل نحو ربع القدرة الإجمالية لمراكز البيانات القائمة في الولايات المتحدة حالياً، مما يعكس حجم المشروع غير المسبوق. جدير بالذكر أن كلا من أوبن إيه آي وسوفت بنك سبق وأن أعلنتا عن إمكانية وصول حجم الاستثمارات الإجمالية في مشروع ستارغيت إلى 500 مليار دولار، لتشمل بناء مراكز بيانات داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها. وحتى الآن، نجح المشروع في تأمين تمويل بقيمة 50 مليار دولار من مستثمرين وشركاء كبار، أبرزهم أوراكل وصندوق MGX الإماراتي، دون الكشف عن حجم الإنفاق الفعلي الذي تم حتى اللحظة. ونوهت التقارير إلى أن هذه التطورات تأتي في إطار سعي أوبن إيه آي لتوسيع شبكة مزوديها بخدمات الحوسبة السحابية، وعدم الاعتماد على مزود واحد فقط. فقد أعادت الشركة مؤخراً التفاوض بشأن شراكتها مع مايكروسوفت، التي تعد أكبر مساهميها، لتنهي حالة الحصرية التي كانت تمنح مايكروسوفت الأولوية المطلقة. وبدلاً من ذلك، حصلت مايكروسوفت على حق الأولوية فقط في العقود المستقبلية. وبعد هذه الخطوة، قامت أوبن إيه آي بتوسيع علاقاتها التعاقدية، لتشمل توقيع اتفاقيات حوسبة سحابية جديدة مع كل من قوقل وشركة CoreWeave الناشئة المتخصصة في حلول الحوسبة عالية الأداء، في خطوة استراتيجية تهدف لتأمين موارد حوسبية ضخمة، لتلبية طموحاتها المستقبلية في مجال الذكاء الاصطناعي. تم نشر هذا المقال على موقع


البلاد البحرينية
منذ 6 ساعات
- البلاد البحرينية
الحوثيون يتبنّون استهداف سفينة في البحر الأحمر
أعلن الحوثيون، الإثنين، أنهم استهدفوا ناقلة البضائع "ماجيك سيز" في البحر الأحمر. وأضافت جماعة الحوثي، في بيان نشر على تلغرام، أن الاستهداف تم بزورقين مسيَّرين، وخمسة صواريخ باليستية ومجنحة، وثلاث طائرات مسيرة، موضحة أن "الناقلة معرضة الآن لخطر الغرق". والأحد، استهدف هجوم سفينة ترفع علم ليبيريا في البحر الأحمر، قبل أن تندلع فيها النيران وتغمرها المياه، مما أجبر طاقمها لاحقا على مغادرة السفينة. وقالت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية إنه جرى إنقاذ طاقم السفينة. وتوجهت أصابع الاتهام في الهجوم على سفينة الشحن "ماجيك سيز" المملوكة لليونان إلى الحوثيين على الفور، خاصة وأن شركة أمنية قالت إن قوارب مسيرة مفخخة يبدو أنها ضربت السفينة بعد استهدافها بأسلحة خفيفة وقذائف صاروخية. وقد يؤدي استئناف حملة الحوثيين ضد الملاحة البحرية إلى عودة القوات الأميركية والغربية إلى المنطقة مرة أخرى، خاصة بعدما استهدف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المتمردين عبر شن هجمات جوية كبيرة. وعبرت الولايات المتحدة عن إدانتها الشديدة، الإثنين، للهجوم الذي استهدف سفينة أثناء "عبورها السلمي" في البحر الأحمر.