logo
كتّاب وناشرون عرب في عصر ما بعد الورق

كتّاب وناشرون عرب في عصر ما بعد الورق

العربي الجديد٠٦-٠٥-٢٠٢٥

ما الآليات الجديدة التي يجب على
صنّاع المعرفة
والفكر والثقافة والإبداع في العالم العربي إيجادها لمخاطبة المتلقّي بطُرق مبتكرة للنشر؟ وما سُبل توصيل المحتوى القرائي وتمرير الرسائل بصيغ عصرية جذّابة، تراعي المضمون المُثمِر ولا تهمل الجانب التسويقي؟ تفرض مثل هذه التساؤلات نفسها بقوة على المشهد العربي الراهن، في ظلّ واقع مؤلم تتراجع فيه أرقام النشر والتوزيع، وتتآكل معدّلات
القراءة
، إضافة إلى تهافت المحتوى الرقمي العربي، في الوقت الذي تؤكّد فيه الدراسات أيضاً تغيّر خصائص الكائن الآدمي، وخُضوعه لعبودية التكنولوجيا.
على سبيل المثال، يفيد المسح الذي أجرته خلال العام الجاري "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" (OECD)، في أكثر من ثلاثين دولة، بتغيّر الدماغ البشري ووصوله إلى نهايته بفعل سيطرة التكنولوجيا، ومن ثم تراجعت معدّلات القراءة والكتابة ومهارات التفكير والتعلّم والقدرة على حلّ المشكلات. ويُنذر ذلك بكارثة معرفية في مجتمعات ما بعد القراءة، التي تفقد الكلمة المكتوبة فيها مكانتها تدريجياً، لصالح الكليشيهات و
مقاطع الفيديو
القصيرة والصور المتداولة والألعاب الإلكترونية وغيرها من مظاهر صناعة التسطيح والصخب والآراء الهشة المنمّطة التي لا تعتمد التفكير المتعمق.
تتفاقم خطورة هذه الأوضاع في العالم العربي، الذي تسوده مستويات تعليمية وقرائية متدنّية، وتبلغ فيه أزمة النشر الورقي حد التعقيد مع ارتفاع كلفة الطباعة ولوازمها من حبر وورق ومعدّات بسبب المشكلات الاقتصادية والسياسية والحروب العالمية وغيرها، إضافة إلى انتشار القرصنة وتزوير الكتب وضياع حقوق المؤلفين والناشرين، ووجود قيود إجرائية ورقابية. أدت هذه الملابسات، وغيرها، وفق بيانات "اتحاد الناشرين العرب"، برئاسة المصري محمد رشاد، إلى تخفيض دور النشر العربية إصداراتها، وتقليص أعداد العاملين بها إلى النصف، والتوقف أحياناً عن الصناعة لعدم القدرة على مواجهة تحدياتها المتعاظمة، وعلى رأسها تآكل القرّاء، والركود التجاري.
حيث تقوم التكنولوجيا بكلّ المهام يغدو الإبداع خاملاً
ولا يبدو النشر الإلكتروني أسعد حظّاً في العالم العربي، فالمحتوى العربي الرقمي يعاني ضآلة الحضور والتداول، فلا يتخطى ثلاثة بالمئة فقط من المحتوى الرقمي العالمي. كما يعاني ضعف القيمة والتأثير، لاتسامه بالفقر والتكرار، وعدم اعتماده الابتكار والأصالة والتدقيق في طرح المعلومات والأفكار، وتضاف إلى ذلك عوائق تقنية، مثل بدائية البنية التحتية للاتصالات. كيف يمكن تجاوز هذه الأنفاق المظلمة كلّها، ليجد صنّاع المعرفة والإبداع في العالم العربي طريقهم إلى المتلقي بطُرق مغايرة عصرية، تُراعي جودة المحتوى القرائي وجِدّته، ولا تغفل قوانين السوق والعوامل الترويجية؟
محمد سناجلة
في حديثه لـ"العربي الجديد"، يرى رئيس "اتحاد كتّاب الإنترنت العرب"، الكاتب الأردني محمد سناجلة، صاحب التجارب الرائدة في كتابة الروايات الرقمية وترسيخ الأدب التفاعلي في عصر ما بعد الورق، أنّ "هناك ضرورة لابتداع آليات جديدة للنشر والتواصل الثقافي، منها: إعادة تصميم المحتوى ليتلاءم مع الوسائط الرقمية المرئية، كتحويل المفاهيم الفكرية والموضوعات المعرفية العميقة إلى فيديوهات قصيرة، ورسوم توضيحية، وخرائط ذهنية تفاعلية، تفتح أبواب الفهم السريع دون الإخلال بالمضمون".
ويُضيف: "مطلوب أيضاً التحوّل للأدب الرقمي من قصة ورواية وشعر، بمزج السرد والموسيقى والصورة والمؤثرات، لتقديم أطروحات إبداعية وثقافية بشكل مشوّق يلامس وجدان المتلقي وعقله، واستخدام المنصات التفاعلية التي تتيح للمستخدم أن يكون مشاركاً في صناعة المحتوى، كالمعارض الرقمية، والبودكاست الجماعي، والمساحات الحوارية على تطبيقات التواصل". ويوضح سناجلة أهمية دمج عِلم التسويق الثقافي في الخطاب المعرفي، عبر حملات ذكية تستهدف الجمهور بلغته واهتماماته، وتستخدم خوارزميات التوزيع الرقمي بفعالية، للوصول إلى الفئات الأكثر تأثيراً.
أحمد سويلم
من جهته، يوضح صاحب التجربة الواسعة في ميدان النشر بصفته مسؤولاً عن إصدارات "دار المعارف"، الشاعر والكاتب المصري أحمد سويلم، لـ"العربي الجديد"، أنّ "العصر الحالي تسوده التكنولوجيا، ما يزيد الحاجة المُلحّة إلى تحقيق الذات وتنمية حواس الإنسان بالمعرفة والقراءة، سواء القراءة الورقية، أو القراءة الإلكترونية التي تشمل مطالعة الكتب ورؤية اللوحات التشكيلية والفيديوهات وغيرها".
ماذا تبقى للناشر في زمن يديره الذكاء الاصطناعي؟
ويبدو الإنسان، وفقاً لسويلم، مُطالباً إزاء هذا الصراع بأن يكون جسوراً ومتمرّداً تمرداً إيجابيّاً، بمعنى الجمع بين المتناقضين، وتوجيه كل طرف إلى أداء دوره دون أن يطغى على دور الطرف الآخر. فالتكنولوجيا مثلاً توجه إلى المعرفة العلمية والابتكارات والتطور في الآلات والمعدات. أما الحواس، فعليها ألا تترك دورها في تنمية الوعي القرائي، وشحذ المشاعر، وإذكاء الروح.
نسرين كريدية
وبحسب المديرة التنفيذية لـ"دار النهضة العربية" في بيروت، الناشرة اللبنانية نسرين كريدية، فإنه "خلال السنوات العشرين الماضية، شمل التطور التكنولوجي الهائل جميع المجالات، بدءاً من الإنترنت وصولاً إلى الذكاء الاصطناعي الذي بات يُسيطر على معظم القطاعات والاختصاصات. ولقد نجت الفئة العمرية التي تجاوزت الثلاثين عاماً من التبلّد الفكري، بينما أصبح صغار السنّ أسرى التقنيات الحديثة التي تتحكم في حياتهم وأفكارهم، فارضة أسلوب حياة تديره الشاشات". وتتابع كريدية حديثها إلى "العربي الجديد" بالقول: "بما أن الناشر لم يعد قادراً على التحكّم بالمحتوى المتاح عبر وسائل الذكاء الاصطناعي، بات من الضروري تحميل الكتب والمضامين الغنية على هذه المنصات، لتغذية المتلقّي بمعلومات قيّمة وأسلوب أدبي رفيع، حرصاً على مواكبة التطور".
وتُضيف الناشرة اللبنانية: "كما كان الخوف يسيطر سابقاً على الناشرين قبل أن يتبيّن لهم حجم الاستفادة من الكتاب الإلكتروني، فمن الحكمة التروي قبل الحُكم النهائي على تأثير الذكاء الاصطناعي. فهو، من جهة، سهّل على الباحثين والطلاب تنفيذ أبحاثهم، ومن جهة أخرى قلل الحاجة إلى التفكير النقدي، ما قد يؤثر سلباً على الإبداع والابتكار".
سهير المصادقة
كذلك تحدّثت "العربي الجديد" مع رئيسة الإدارة المركزية للنشر في "الهيئة المصرية العامة للكتاب" سابقاً، الروائية المصرية سهير المصادفة، التي ترى أنه "منذ القِدم والمخترعات الحديثة تُواصل حضورها وتصاعُدها، وصولاً إلى التكنولوجيا الحديثة التي يصعُب إحصاء محطاتها المتلاحقة، وعلينا الاستفادة منها، ولكن ما حدث هو أن المحتوى المقدّم أراد منافسة الكتاب، فجاء هزيلاً، وأصبح كل شخص لديه قناة على اليوتيوب يقول فيها ما يريد، فلماذا يقرأ أو يتعلم؟ المدارس نفسها فقدت البوصلة منذ سنوات، واستعملت التابلت محل الكتاب، والحاسوب بدل جدول الضرب، فلم يعد التلميذ يدري حاصل ضرب رقمين. ومع هذه التحديات كلها، لا نجد استراتيجيات ثقافية وتعليمية مهمّة لإعادة الكتاب الورقي والرقمي إلى مكانته. وهذه الدائرة الجهنمية ليس لها مخرج إلا التعليم أولاً وأخيراً باعتبارها نقطة انطلاق محورية".
أماني فؤاد
من جانبها، تُشير أستاذة النقد الأدبي الحديث في "أكاديمية الفنون" بالقاهرة، الكاتبة والأكاديمية أماني فؤاد، إلى بحث أجراه "معهد كارولنسكا" في السويد، يؤكد أنّ أدوات التكنولوجيا و"السوفت وير" تُعيق عملية التعلّم بدلاً من تطويرها. وتوصي بفتح العوالم المعرفية من خلال الكتب مرّة ثانية، وإتاحة المساحات البيضاء، لتتحرك فيها أقلام الطلبة بأفكار وخيالات دون التقيد بحدود ما تقدّمه الشاشات. فالجاهزية والأفلام المصوّرة والفيديوهات الملوّنة المتحرّكة، لا تحفّز قدراتهم وابتكاراتهم، لأن التكنولوجيا تقوم بكلّ المهام، وتترك مهاراتهم خاملة.
وتختم حديثها إلى "العربي الجديد" بالقول: "يجب أن تتضمّن الكتب محتوىً محفزاً للتفكير، دون التعامل مع سطح المعلومات والقضايا فقط، مع مراعاة الجانب الجمالي للكتاب، وجودة طباعته، وتمتّعه بالجاذبية، وإمكانية تضمّنه عناصر تكنولوجية إضافية مشوّقة وتطبيقية، مثل لينكات مواقع أو أفلام مصوّرة، وهو ما نصحت به اليونسكو لدعم عملية التعلم ومخرجاتها".
آداب
التحديثات الحية
الأدب بصرياً.. عن الرسومات المصاحبة للروايات العربية

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

هل يجعلنا الذكاء الاصطناعي "أكثر غباء"؟
هل يجعلنا الذكاء الاصطناعي "أكثر غباء"؟

BBC عربية

time١٠-٠٥-٢٠٢٥

  • BBC عربية

هل يجعلنا الذكاء الاصطناعي "أكثر غباء"؟

تطبيقات الذكاء الاصطناعي ستحسن من حياة البشر من خلال تأدية مهام مملة أو شاقة تتطلب الكثير من الوقت والجهد، ومن ثم تمنحنا فرصة أكبر للاستمتاع بالحياة أو التفرغ لأشياء أخرى أكثر أهمية. هذه هي وجهة نظر المتحمسين لما يعرف بتقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI) التي انتشرت بشكل مهول في الأعوام القليلة الماضية، ولا سيما وسط الشعبية الهائلة التي حظي بها روبوت الدردشة "تشات جي. بي. تي" الذي بلغ العدد الأسبوعي لمستخدميه النشطين في فبراير/شباط الماضي مليون مستخدم، وفق شركة "أوبن. إيه. آي" التي أطلقته في عام 2022. على سبيل المثال، مهام مثل تلخيص الوثائق الطويلة أو صياغة رسائل إلكترونية روتينية أو ترجمة نصوص بسيطة أو كتابة سيرتك الذاتية بطريقة مهنية – كلها أشياء يستطيع الذكاء الاصطناعي التوليدي القيام بها في ثوان معدودات. لكن هناك من يحذر من أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدلا من أن يطلق العنان لأدمغتنا للانخراط في أشياء أهم وأعمق، قد يجعلنا "أكثر غباء". فكيف يمكن أن يحدث ذلك؟ وهل نستطيع الاستفادة من إمكانياته الهائلة من دون أن يؤدي ذلك إلى أن نصبح أقل ذكاء وإبداعا؟ إضعاف مهارات التفكير النقدي من بين أحدث الدراسات التي ربطت بين الاعتماد على الذكاء الاصطناعي التوليدي وانخفاض القدرات المعرفية والإدراكية للبشر دراسة أجرتها شركة مايكروسوفت بالتعاون مع باحثين من جامعة كارنيغي ميلون في وقت سابق من العام الحالي. الدراسة، التي شملت 319 شخصا يعملون في مهن تستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي على الأقل مرة واحدة في الأسبوع، وجدت أن هذه التقنية تغير طريقة التفكير النقدي لدى هؤلاء الأشخاص. فهي تقلل المجهود الذهني المطلوب لتنفيذ المهام، فيفرط المستخدمون في اعتمادهم على مخرجات الذكاء الاصطناعي، خصوصا عندما يثقون بها أكثر من اللازم. ويتحول المستخدمون من جامعين للمعلومات إلى متحققين من صحتها، من منفذين نشطين للمهام إلى مشرفين على مخرجات الذكاء الاصطناعي. وحددت الدراسة عدة أشياء قالت إنها تعرقل التفكير النقدي في المهام التي يساعد الذكاء الاصطناعي في تنفيذها، من بينها انخفاض الدافع للتفاعل بعمق مع المحتوى، وعدم امتلاك القدرة أو المعرفة الكافية لتقييم مخرجات الذكاء الاصطناعي بشكل فعال. وهناك دراسة أخرى أجراها الدكتور مايكل غرليتش مدير معهد الاستشراف الاستراتيجي والاستدامة المؤسساتية بكلية التجارة السويسرية (إس.بي.إس) على 666 شخصا، وجدت أن ثمة صلة بين الاستخدام المستمر للذكاء الاصطناعي التوليدي وانخفاض القدرة على التفكير النقدي. يقول البروفيسور غرليتش لـ"بي. بي. سي. عربي" إن البحث الذي أجراه أظهر أن أدوات الذكاء الاصطناعي "تشجع على التفريغ الإدراكي، أو بعبارة أخرى الاستعانة بمصدر خارجي هو الآلات للتفكير نيابة عنا. هذا ليس سلبيا في حد ذاته، ولكن إذا اعتدنا عليه، فإنه قد يقوض من قدرتنا على القيام بالتفكير المنطقي المعقد أو حل المشكلات أو التفكير النقدي". التفكير النقدي لا يعني مجرد اكتشاف الأخطاء، بل هو عملية ذهنية معقدة تمكن الشخص من الحكم على معلومة ما بشكل منطقي وموضوعي من خلال فهم وتفسير الأدلة التي يجمعها عن طريق الملاحظة والقراءة والتجربة والنظر بعين الشك إلى الافتراضات القائمة وأخذ وجهات النظر المختلفة بعين الاعتبار. وللتفكير النقدي أهمية كبيرة في تعزيز اتخاذ القرارات وتحسين مهارات حل المشكلات وتقييم المعلومات وبناء الحجج القوية وزيادة الوعي بالذات والإبداع وتحسين مهارات اللغة والتعبير عن الأفكار. يضيف غرليتش أن "عضلاتنا الذهنية، كتلك التي تستخدم في التفكير التحليلي، من الممكن أن يصيبها الوهن إذا لم تُدَرب بانتظام. ومع مرور الوقت، قد يؤدي اعتمادنا على الذكاء الاصطناعي إلى تقويض قدرتنا على التفكير النقدي، ولا سيما في المواقف المصيرية أو الغامضة التي لا يستطيع الذكاء الاصطناعي التعامل معها. لقد أظهرت دراستي أن الشباب والأشخاص محدودي التعليم بوجه خاص يميلون إلى الاستعانة بتلك التقنية للقيام بعملية التفكير، وهو ما أدى إلى انخفاض مهارات التفكير النقدي لديهم". هل تحارب أدمغتنا على عدة جبهات؟ التحذير من الإفراط في استخدام روبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي لما قد يكون له من تأثير سلبي محتمل على وظائفنا المعرفية والإدراكية يضاف إلى تحذيرات مماثلة من الإفراط في استخدام التقنيات الرقمية الحديثة خلال العقد الأخير. على سبيل المثال، هناك دراسات تربط بين قضاء فترات طويلة أمام شاشات الهواتف الذكية وانخفاض الانتباه وضعف نمو الدماغ. وفي نهاية عام 2024، اختار قاموس أوكسفورد للغة الإنجليزية مصطلح "brain rot" أو "تعفن الدماغ" ليكون مصطلح العام. يشير المصطلح إلى "التدهور المفترض لحالة الشخص العقلية والفكرية، ولا سيما عندما يُنظر إليه على أنه نتيجة للاستهلاك المفرط للمواد (خاصة محتويات الإنترنت) التي تعد تافهة أو لا تشكل تحدياً للعقل"، وفق تعريف القاموس. ربما يتساءل البعض عما إذا كان اعتمادنا على الذكاء الاصطناعي التوليدي أسوأ من اعتمادنا على محركات البحث على الإنترنت، أو الإفراط في مشاهدة المحتوى "التافه" على وسائل التواصل الاجتماعي. يرى البروفيسور غرليتش أن "ما تفعله وسائل التواصل ومحركات البحث بالأساس هو تشتيت انتباهنا أو توجيهه، وعادة ما يؤدي ذلك إلى تفتيت تفكيرنا وإغراقنا بالمعلومات الضحلة. أما الذكاء الاصطناعي التوليدي فينتج لنا محتوى، ومن ثم يخطو خطوة إضافية، إذ يفكر بالنيابة عنا. إنه اختلاف صغير ولكن مهم للغاية. عندما نتوقف عن صياغة حججنا أو التحقق من صحة المعلومات بشكل مستقل، فإننا نخاطر ليس فقط بفقدان تركيزنا، ولكن أيضا باستقلالنا المعرفي". ويضيف: "لذا، فإنه رغم أن الاتجاهين مثيران للقلق، فإن قدرة الذكاء الاصطناعي على محاكاة الفكر البشري قد تشكل تحدياً أعمق وأطول أمدا لكيفية بنائنا للمعرفة واتخاذنا للقرارات". الوجه الآخر قد يبدو الأمر بسيطا: اعتمادنا الزائد على الذكاء الاصطناعي وجعله يفكر بدلا من أن نفكر نحن ونستخدم وظائفنا الإدراكية والمعرفية سيؤدي إلى تقويض قدرتنا على التفكير المنطقي أو النقدي، ومن ثم يجعلنا أقل ذكاء أو "أكثر غباء" كما يحلو لبعضهم أن يقول. لكنّ للصورة أبعادا أخرى. فالذكاء البشري مفهوم معقد يتأثر سلبيا أو إيجابيا بعوامل عديدة، منها الجينات الوراثية والتغذية والصحة البدنية والتعليم والتربية والتلوث، وهو ما يجعل من الصعب برأي بعض الخبراء النظر إلى تأثير عامل واحد بمعزل عن باقي العوامل. كما أن هناك من يرى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي قد يغير الطريقة التي نفكر بها، ولكن ليس بالضرورة إلى الأسوأ. يقول دكتور كارلوس زدنيك مدير مركز فلسفة الذكاء الاصطناعي بجامعة إيندهوفين في هولندا لـ بي. بي. سي. عربي إن من بين الآثار التي قد تترتب على ذلك هو "أن تفكيرنا، أو الطريقة التي نعبر بها عن تفكيرنا، على الأرجح سوف تتغير. ففي حين كنا في السابق نعبر عما نفكر فيه بالكلام أو الكتابة أو الرسم أو عزف الموسيقى مثلا، في المستقبل قد نعبر عنه بطرق تعتمد على التفاعل مع أدوات الذكاء الاصطناعي أو استخدامها لمساعدتنا على القيام بكافة تلك الأنشطة وغيرها. وبالطبع هذه ليست ظاهرة جديدة، ففان غوخ أظهر عبقريته بالطريقة التي كان يستخدم بها فرشاة الرسم، وروجر فيدرر بطريقة استخدامه لمضرب التنس...الجيل القادم من المفكرين ربما سيظهر مواهبه بالطريقة التي يستخدم بها الذكاء الاصطناعي". كيف نستفيد من دون أن نصبح "أكثر غباء"؟ الدراسة التي أجرتها مايكروسوفت أظهرت أن الأشخاص الذين لديهم ثقة بالنفس كانوا أكثر نزوعا لاستخدام التفكير النقدي للتحقق من مخرجات الذكاء الاصطناعي. وخلصت إلى أن ثمة حاجة إلى أن تكون أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي مصممة بحيث تعزز التفكير النقدي لدى العاملين في مجالات تتطلب استخدام المعلومات. وإلى أن يتحقق ذلك، يتعين على المستخدم التعاطي مع الذكاء الاصطناعي بطريقة تجعله يتفادى خطر أن يؤدي ذلك إلى إضعاف قدراته على اتخاذ القرارات وعلى مهاراته الإدراكية والمعرفية. يقول البروفيسور غرليتش: "كلما تعاملنا مع الذكاء الاصطناعي التوليدي على أنه مساعد قائد الطائرة وليس طيارا آليا، كلما حافظنا على قدراتنا الإدراكية والمعرفية بل وعززناها". ويضيف أنه ينبغي أن "نتعامل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي ليس بوصفه بديلا للتفكير، ولكن كشريك نتناقش معه، كشيء يتحدانا وينقح أفكارنا ويساعدنا على استكشاف وجهات نظر مختلفة. ولتفادي البلادة الفكرية، يجب أن نتفاعل بشكل واعٍ مع مخرجات الذكاء الاصطناعي، ونطرح أسئلة وننتقد الافتراضات ونتحقق من صحة المزاعم". أما الدكتور زدنيك فيشدد على أهمية "محو الأمية" في مجال الذكاء الاصطناعي، ويشمل ذلك التعريف بما تعنيه تلك التقنية، وكيف تعمل، وما تستطيع وما لا تستطيع تحقيقه، ومتى ينبغي استخدامها، ومتى لا ينبغي استخدامها. ويضيف: "أتوقع أن تنتشر تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد، ولذا من المهم أن يتم هذا النوع من محو الأمية مبكرا وعلى نطاق موسع. الأطفال ينبغي أن يتعلموه، والمعلمون ينبغي أن يدرسّوه. لا يجب أن نحظر على الأطفال استخدام الذكاء الاصطناعي، ولكن يجب أن نعلمهم كيف يستخدمونه بحكمة". ويشير زدنيك كذلك إلى أهمية تحمل الحكومات مسؤولية إدارة تقنية الذكاء الاصطناعي "بما يحقق توازنا بين سلامة المجتمع من جهة، والنمو الاقتصادي والابتكار من جهة أخرى". خلاصة القول: الذكاء الاصطناعي التوليدي مثله مثل أي تقنية أخرى يمكن أن تكون له منافع هائلة للأفراد والمجتمعات، ويمكن أن يعود علينا بالضرر، والأمر يتوقف إلى حد كبير على طريقة استخدامنا له. ومن خلال التوعية بإمكانياته وطريقة عمله ومواطن ضعفه، والتشجيع على التفاعل معه بشكل لا يلغي تفكيرنا، يمكننا استثمار إمكاناته الهائلة من دون أن نصبح أقل ذكاء.

كتّاب وناشرون عرب في عصر ما بعد الورق
كتّاب وناشرون عرب في عصر ما بعد الورق

العربي الجديد

time٠٦-٠٥-٢٠٢٥

  • العربي الجديد

كتّاب وناشرون عرب في عصر ما بعد الورق

ما الآليات الجديدة التي يجب على صنّاع المعرفة والفكر والثقافة والإبداع في العالم العربي إيجادها لمخاطبة المتلقّي بطُرق مبتكرة للنشر؟ وما سُبل توصيل المحتوى القرائي وتمرير الرسائل بصيغ عصرية جذّابة، تراعي المضمون المُثمِر ولا تهمل الجانب التسويقي؟ تفرض مثل هذه التساؤلات نفسها بقوة على المشهد العربي الراهن، في ظلّ واقع مؤلم تتراجع فيه أرقام النشر والتوزيع، وتتآكل معدّلات القراءة ، إضافة إلى تهافت المحتوى الرقمي العربي، في الوقت الذي تؤكّد فيه الدراسات أيضاً تغيّر خصائص الكائن الآدمي، وخُضوعه لعبودية التكنولوجيا. على سبيل المثال، يفيد المسح الذي أجرته خلال العام الجاري "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" (OECD)، في أكثر من ثلاثين دولة، بتغيّر الدماغ البشري ووصوله إلى نهايته بفعل سيطرة التكنولوجيا، ومن ثم تراجعت معدّلات القراءة والكتابة ومهارات التفكير والتعلّم والقدرة على حلّ المشكلات. ويُنذر ذلك بكارثة معرفية في مجتمعات ما بعد القراءة، التي تفقد الكلمة المكتوبة فيها مكانتها تدريجياً، لصالح الكليشيهات و مقاطع الفيديو القصيرة والصور المتداولة والألعاب الإلكترونية وغيرها من مظاهر صناعة التسطيح والصخب والآراء الهشة المنمّطة التي لا تعتمد التفكير المتعمق. تتفاقم خطورة هذه الأوضاع في العالم العربي، الذي تسوده مستويات تعليمية وقرائية متدنّية، وتبلغ فيه أزمة النشر الورقي حد التعقيد مع ارتفاع كلفة الطباعة ولوازمها من حبر وورق ومعدّات بسبب المشكلات الاقتصادية والسياسية والحروب العالمية وغيرها، إضافة إلى انتشار القرصنة وتزوير الكتب وضياع حقوق المؤلفين والناشرين، ووجود قيود إجرائية ورقابية. أدت هذه الملابسات، وغيرها، وفق بيانات "اتحاد الناشرين العرب"، برئاسة المصري محمد رشاد، إلى تخفيض دور النشر العربية إصداراتها، وتقليص أعداد العاملين بها إلى النصف، والتوقف أحياناً عن الصناعة لعدم القدرة على مواجهة تحدياتها المتعاظمة، وعلى رأسها تآكل القرّاء، والركود التجاري. حيث تقوم التكنولوجيا بكلّ المهام يغدو الإبداع خاملاً ولا يبدو النشر الإلكتروني أسعد حظّاً في العالم العربي، فالمحتوى العربي الرقمي يعاني ضآلة الحضور والتداول، فلا يتخطى ثلاثة بالمئة فقط من المحتوى الرقمي العالمي. كما يعاني ضعف القيمة والتأثير، لاتسامه بالفقر والتكرار، وعدم اعتماده الابتكار والأصالة والتدقيق في طرح المعلومات والأفكار، وتضاف إلى ذلك عوائق تقنية، مثل بدائية البنية التحتية للاتصالات. كيف يمكن تجاوز هذه الأنفاق المظلمة كلّها، ليجد صنّاع المعرفة والإبداع في العالم العربي طريقهم إلى المتلقي بطُرق مغايرة عصرية، تُراعي جودة المحتوى القرائي وجِدّته، ولا تغفل قوانين السوق والعوامل الترويجية؟ محمد سناجلة في حديثه لـ"العربي الجديد"، يرى رئيس "اتحاد كتّاب الإنترنت العرب"، الكاتب الأردني محمد سناجلة، صاحب التجارب الرائدة في كتابة الروايات الرقمية وترسيخ الأدب التفاعلي في عصر ما بعد الورق، أنّ "هناك ضرورة لابتداع آليات جديدة للنشر والتواصل الثقافي، منها: إعادة تصميم المحتوى ليتلاءم مع الوسائط الرقمية المرئية، كتحويل المفاهيم الفكرية والموضوعات المعرفية العميقة إلى فيديوهات قصيرة، ورسوم توضيحية، وخرائط ذهنية تفاعلية، تفتح أبواب الفهم السريع دون الإخلال بالمضمون". ويُضيف: "مطلوب أيضاً التحوّل للأدب الرقمي من قصة ورواية وشعر، بمزج السرد والموسيقى والصورة والمؤثرات، لتقديم أطروحات إبداعية وثقافية بشكل مشوّق يلامس وجدان المتلقي وعقله، واستخدام المنصات التفاعلية التي تتيح للمستخدم أن يكون مشاركاً في صناعة المحتوى، كالمعارض الرقمية، والبودكاست الجماعي، والمساحات الحوارية على تطبيقات التواصل". ويوضح سناجلة أهمية دمج عِلم التسويق الثقافي في الخطاب المعرفي، عبر حملات ذكية تستهدف الجمهور بلغته واهتماماته، وتستخدم خوارزميات التوزيع الرقمي بفعالية، للوصول إلى الفئات الأكثر تأثيراً. أحمد سويلم من جهته، يوضح صاحب التجربة الواسعة في ميدان النشر بصفته مسؤولاً عن إصدارات "دار المعارف"، الشاعر والكاتب المصري أحمد سويلم، لـ"العربي الجديد"، أنّ "العصر الحالي تسوده التكنولوجيا، ما يزيد الحاجة المُلحّة إلى تحقيق الذات وتنمية حواس الإنسان بالمعرفة والقراءة، سواء القراءة الورقية، أو القراءة الإلكترونية التي تشمل مطالعة الكتب ورؤية اللوحات التشكيلية والفيديوهات وغيرها". ماذا تبقى للناشر في زمن يديره الذكاء الاصطناعي؟ ويبدو الإنسان، وفقاً لسويلم، مُطالباً إزاء هذا الصراع بأن يكون جسوراً ومتمرّداً تمرداً إيجابيّاً، بمعنى الجمع بين المتناقضين، وتوجيه كل طرف إلى أداء دوره دون أن يطغى على دور الطرف الآخر. فالتكنولوجيا مثلاً توجه إلى المعرفة العلمية والابتكارات والتطور في الآلات والمعدات. أما الحواس، فعليها ألا تترك دورها في تنمية الوعي القرائي، وشحذ المشاعر، وإذكاء الروح. نسرين كريدية وبحسب المديرة التنفيذية لـ"دار النهضة العربية" في بيروت، الناشرة اللبنانية نسرين كريدية، فإنه "خلال السنوات العشرين الماضية، شمل التطور التكنولوجي الهائل جميع المجالات، بدءاً من الإنترنت وصولاً إلى الذكاء الاصطناعي الذي بات يُسيطر على معظم القطاعات والاختصاصات. ولقد نجت الفئة العمرية التي تجاوزت الثلاثين عاماً من التبلّد الفكري، بينما أصبح صغار السنّ أسرى التقنيات الحديثة التي تتحكم في حياتهم وأفكارهم، فارضة أسلوب حياة تديره الشاشات". وتتابع كريدية حديثها إلى "العربي الجديد" بالقول: "بما أن الناشر لم يعد قادراً على التحكّم بالمحتوى المتاح عبر وسائل الذكاء الاصطناعي، بات من الضروري تحميل الكتب والمضامين الغنية على هذه المنصات، لتغذية المتلقّي بمعلومات قيّمة وأسلوب أدبي رفيع، حرصاً على مواكبة التطور". وتُضيف الناشرة اللبنانية: "كما كان الخوف يسيطر سابقاً على الناشرين قبل أن يتبيّن لهم حجم الاستفادة من الكتاب الإلكتروني، فمن الحكمة التروي قبل الحُكم النهائي على تأثير الذكاء الاصطناعي. فهو، من جهة، سهّل على الباحثين والطلاب تنفيذ أبحاثهم، ومن جهة أخرى قلل الحاجة إلى التفكير النقدي، ما قد يؤثر سلباً على الإبداع والابتكار". سهير المصادقة كذلك تحدّثت "العربي الجديد" مع رئيسة الإدارة المركزية للنشر في "الهيئة المصرية العامة للكتاب" سابقاً، الروائية المصرية سهير المصادفة، التي ترى أنه "منذ القِدم والمخترعات الحديثة تُواصل حضورها وتصاعُدها، وصولاً إلى التكنولوجيا الحديثة التي يصعُب إحصاء محطاتها المتلاحقة، وعلينا الاستفادة منها، ولكن ما حدث هو أن المحتوى المقدّم أراد منافسة الكتاب، فجاء هزيلاً، وأصبح كل شخص لديه قناة على اليوتيوب يقول فيها ما يريد، فلماذا يقرأ أو يتعلم؟ المدارس نفسها فقدت البوصلة منذ سنوات، واستعملت التابلت محل الكتاب، والحاسوب بدل جدول الضرب، فلم يعد التلميذ يدري حاصل ضرب رقمين. ومع هذه التحديات كلها، لا نجد استراتيجيات ثقافية وتعليمية مهمّة لإعادة الكتاب الورقي والرقمي إلى مكانته. وهذه الدائرة الجهنمية ليس لها مخرج إلا التعليم أولاً وأخيراً باعتبارها نقطة انطلاق محورية". أماني فؤاد من جانبها، تُشير أستاذة النقد الأدبي الحديث في "أكاديمية الفنون" بالقاهرة، الكاتبة والأكاديمية أماني فؤاد، إلى بحث أجراه "معهد كارولنسكا" في السويد، يؤكد أنّ أدوات التكنولوجيا و"السوفت وير" تُعيق عملية التعلّم بدلاً من تطويرها. وتوصي بفتح العوالم المعرفية من خلال الكتب مرّة ثانية، وإتاحة المساحات البيضاء، لتتحرك فيها أقلام الطلبة بأفكار وخيالات دون التقيد بحدود ما تقدّمه الشاشات. فالجاهزية والأفلام المصوّرة والفيديوهات الملوّنة المتحرّكة، لا تحفّز قدراتهم وابتكاراتهم، لأن التكنولوجيا تقوم بكلّ المهام، وتترك مهاراتهم خاملة. وتختم حديثها إلى "العربي الجديد" بالقول: "يجب أن تتضمّن الكتب محتوىً محفزاً للتفكير، دون التعامل مع سطح المعلومات والقضايا فقط، مع مراعاة الجانب الجمالي للكتاب، وجودة طباعته، وتمتّعه بالجاذبية، وإمكانية تضمّنه عناصر تكنولوجية إضافية مشوّقة وتطبيقية، مثل لينكات مواقع أو أفلام مصوّرة، وهو ما نصحت به اليونسكو لدعم عملية التعلم ومخرجاتها". آداب التحديثات الحية الأدب بصرياً.. عن الرسومات المصاحبة للروايات العربية

العالم التونسي الذي قرب البشرية من الشمس يتحدث لترندينغ
العالم التونسي الذي قرب البشرية من الشمس يتحدث لترندينغ

BBC عربية

time١٧-٠١-٢٠٢٥

  • BBC عربية

العالم التونسي الذي قرب البشرية من الشمس يتحدث لترندينغ

نور الدين روافي، عالم فيزياء فلكي تونسي، تحت قيادته تمكن مسبار باركر الشمسي التابع لوكالةِ ناسا من تحقيق رقم قياسي بالوصول إلى أقرب نقطة على الإطلاق من الشمس. روافي تحدث لبير بي سي ترندينغ عن تجربته ومشروع مسبار باركر. يمكنكم مشاهدة الحلقات اليومية من البرنامج الساعة الثالثة بتوقيت غرينيتش، من الإثنين إلى الجمعة، وبإمكانكم أيضا الاطلاع على قصص ترندينغ بالضغط هنا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store