
ترامب وهندسة النظام العالمي.. إستراتيجية 'يالطا' الجديدة
غداة دخوله البيت الأبيض في ولاية ثانية، أطاح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالمفاهيم الكلاسيكية للسياسة الخارجية لبلاده، والتي ترتكز حول مفهوم حارس النظام العالمي في عصر القطب الواحد، مثل ضبط التوازنات، ونشر القيم الغربية، وخلافه.
لكن السؤال الكبير المطروح في أوساط النخب الأميركية، والغربية عمومًا، هو على الشكل التالي: بينما يعمل ترامب على هدم النسخة القديمة من السياسة الخارجية الأميركية، ماذا يريد أن يبني مكانها؟
هندسة النظام العالمي
في الواقع، تبين أفعال ترامب ومواقفه أنه يعتزم إعادة هندسة النظام العالمي، عبر توازن قوى جديد يرتكز على 3 أقطاب: أميركا وروسيا والصين.
نظرته تبتعد عن سياسة إدارة الأزمات المعقدة، وضبط التوازنات، والتخلص من الأعباء المالية المترتبة عنها، لصالح النظر إلى الصراعات بمنطق استثماري بحت، حيث تتحول مناطق الصراع إلى فرص استثمارية.
على سبيل المثال، هو يعتبر أن الشرق الأوسط يشكل منصة استثمار، تحتاج إلى من يملك جرأة تجاوز البروتوكولات الدبلوماسية القديمة، من أجل عقد صفقات ذات نتائج سريعة وبكلفة زهيدة للغاية. وبذا ترتسم ملامح السياسة الخارجية الأميركية للسنوات المقبلة على الشكل التالي: كلام أقل، أسلوب مباشر، صفقات أكثر.
يريد ترامب أن يطوي حقبة طويلة انطلقت عقب تفكك الاتحاد السوفياتي، وانسحاب الصين من الواجهة من أجل تطوير قدراتها الذاتية، ما أتاح هيمنة القطب الأميركي الأوحد على صناعة القرار العالمي، بالشراكة مع القوى الأوروبية، خصوصًا بعد تأسيس الاتحاد الأوروبي كقوة جيوسياسية- اقتصادية بارزة، وكان حلف شمال الأطلسي (الناتو) الأداة التوسعية الضاربة لهذا التوازن.
يرى الرئيس الأميركي ضرورة قلب هذا التوازن لتأسيس توازنات جديدة، تنسجم مع الوقائع الصلبة ومعادلات القوة والنفوذ، ولا سيما بعد فشل كل الجهود المبذولة لعزل روسيا أو إضعافها، رغم كل ما أنفق لذلك من موارد سياسية وعسكرية واقتصادية، وكذلك ضعف الحليف التقليدي المتمثل بالاتحاد الأوروبي وهشاشته.
'يالطا' الجديدة
في فبراير/ شباط الماضي، قال رئيس الاستخبارات البريطانية السابق، أليكس يونغر، في مقابلة على قناة 'BBC 2″، إن سياسة لي الذراع التي يتبعها ترامب تشبه مؤتمر 'يالطا'، الذي عقد عام 1945 عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية.
في ذلك المؤتمر الشهير، حدد قادة 3 دول قوية: فرانكلين روزفلت رئيس أميركا، وجوزيف ستالين الزعيم السوفياتي، وونستون تشرتشل رئيس وزراء بريطانيا، مصيرَ القارة الأوروبية، بدون أي اعتبار للدول الصغرى، وانسحب الأمر ليشمل تقريبًا العالم كله.
ويرى يونغر أن ترامب يعيد بناء النظام العالمي عبر 'يالطا' جديدة تضم أميركا وروسيا والصين.
كذلك، يقول المعلق الشهير في صحيفة 'واشنطن بوست' في مارس/ آذار الماضي، إن ترامب يتصور نظامًا يتسيده الأقوياء وتصنع فيه القوة الحق. بنظره -وحسب مفاهيمه كمطور عقاري- فإن الدول القوية هي التي تهيمن في النهاية، والقوة دائمًا على صواب.
ويبين أغناتيوس أن الرئيس الأميركي بدأ بتنفيذ هذه الرؤية بشكل سريع، من خلال التخلي عن الحلفاء القدامى، وعبر أدوات أخرى، مثل: قطع برامج المساعدات، والدعم العسكري والأمني وغيرها، مقابل الانفتاح على روسيا، حيث لا ينفك عن كيل المديح لرئيسها فلاديمير بوتين.
تأثير هذه الإستراتيجية ظهر سريعًا في أوكرانيا، مع ميل ترامب إلى الاعتراف بالسيادة الروسية على شبه جزيرة القرم، وكذلك على الأقاليم الأربعة شرقي أوكرانيا: لوغانسك، دونيتسك، زابورجيا، خيرسون، مقابل الحصول على حق استثمار الثروة المعدنية.
مناطق النفوذ
وفي الإطار عينه، أشار الكاتب البارز في صحيفة 'نيويورك تايمز'، إدوارد وونغ، أواخر مايو/ أيار الماضي، إلى تحول هائل في السياسة الخارجية الأميركية على يد ترامب، ينسف التوازنات القائمة، ويستند إلى فكرة تقاسم النفوذ الجيوسياسي بين القوى العظمى الثلاث: أميركا وروسيا والصين، بحيث تفرض كل واحدة منها نفوذها على مجالها الحيوي في الكرة الأرضية.
ويرى وونغ في هذا التصور اقتباسًا لأسلوب الحكم الإمبراطوري، الذي كان قائمًا في القرن التاسع عشر وفق مفهوم 'مناطق النفوذ'، وهو مصطلح نشأ في 'مؤتمر برلين' (1884-1885)، الذي اعتمدت فيه القوى الأوروبية خطة رسمية لتقسيم القارة الأفريقية.
ويستدل بعض خبراء السياسة والمحللين الإستراتيجيين على هذه النزعة لدى ترامب في سعيه لتوسيع نفوذ الولايات المتحدة في النصف الغربي من الكرة الأرضية، من خلال محاولة ضم غرينلاند وكندا، وإعادة السيطرة على 'قناة باناما'.
ويرى هؤلاء أن الرئيس الأميركي ومساعديه يصرون على توسيع النفوذ من الدائرة القطبية الشمالية إلى أميركا الجنوبية، باعتبارها المجال الحيوي للولايات المتحدة، مقابل الاعتراف بنفوذ جيوسياسي لروسيا في مجالها الحيوي، أي الجيوبوليتيك السوفياتي الذي يمتد ليشمل أوروبا الشرقية والبلقان والقوقاز ويصل إلى آسيا الوسطى.
في الوقت نفسه، تشير تقارير غربية إلى أن ترامب يرى أن الحفاظ على قيادة أميركا للعالم توجب التكيف مع المتغيرات والوقائع، من خلال الاعتراف بقوة روسيا الجيوسياسية والاقتصادية، وتنظيم العلاقة معها ومع الصين، وإدارة الخلافات من خلال منظومة جديدة، تتضمن إيجاد طرق للتعاون في المصالح والقضايا ذات الاهتمام المشترك.
هذا سيفضي في النهاية إلى إعادة تعريف التحالفات بين القوى العالمية، فتسقط قوى وتصعد قوى أخرى.. والمستفيد الأول من هذه المنظومة الجديدة سيكون روسيا، التي لطالما أكد رئيسها فلاديمير بوتين أن النظام السائد مجحف، ولا يمكنه أن يدوم.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار
منذ ساعة واحدة
- النهار
وزير الخزانة الأميركي: على ماسك أن يظل بعيداً عن السياسة
قال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت إن الملياردير إيلون ماسك يجب أن يركز على إدارة شركاته، وذلك بعد يوم من تصعيد ماسك خلافاته مع الرئيس دونالد ترامب وإعلانه تشكيل حزب سياسي جديد في الولايات المتحدة. وذكرت شركة أزوريا بارتنرز، التي كانت تعتزم إطلاق صندوق مرتبط بشركة صناعة السيارات (تسلا) المملوكة لماسك، إنها قررت تأجيل إطلاق المشروع وذلك لأن إنشاء الحزب "يتعارض مع مسؤوليات (ماسك) بالعمل رئيسا تنفيذيا بدوام كامل". وقال ماسك أمس السبت إنه سيؤسس "حزب أميركا" ردا على مشروع قانون ترامب لخفض الضرائب والإنفاق، والذي يؤكد ماسك أنه سيؤدي إلى إفلاس الولايات المتحدة. وذكر بيسنت في حديث مع شبكة (سي.إن.إن) اليوم الأحد أن مجلسي إدارة شركتي تسلا وسبيس إكس المملوكتين لماسك من المرجح أن يفضلا بقاءه بعيدا عن السياسة. وقال بيسنت: "أعتقد أن مجلسي الإدارة في الشركتين لم يعجبهما إعلان أمس وسيشجعانه على التركيز على أنشطته التجارية وليس السياسية". وقال ماسك، الذي عمل مستشارا كبيرا للبيت الأبيض خلال الأشهر القليلة الأولى من رئاسة ترامب، إن حزبه الجديد سيسعى في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل إلى إزاحة الجمهوريين في الكونغرس الذين دعموا "مشروع القانون الكبير والجميل". ولم يتطرق البيت الأبيض مباشرة إلى التهديد الذي أطلقه ماسك لكنه قال إن إقرار مشروع القانون يُظهر قوة الحزب الجمهوري. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض هاريسون فيلدز: "بصفته زعيم الحزب الجمهوري، وحد الرئيس ترامب الحزب وساهم في نموه بطريقة لم نشهدها من قبل". وأنفق ماسك ملايين الدولارات لدعم جهود ترامب للفوز بولاية جديدة عام 2024، ولفترة من الوقت كان يظهر بانتظام إلى جانب الرئيس في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض وفي مناسبات أخرى.


بيروت نيوز
منذ ساعة واحدة
- بيروت نيوز
خلال إجتماعٍ… هل طرد ترامب فعلاً مارك زوكربيرغ من مكتبه؟
طرد مارك زوكربيرغ المدير التنفيذي لشركة 'ميتا' من المكتب البيضاوي بعد أن دخل بشكل مفاجئ على اجتماع بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وعدة مسؤولين عسكريين رفيعي المستوى، وذلك وفق ما جاء في عدة تقارير نشرت في 'إيكونوميك تايمز' و'نيويورك بوست' و'إن بي سي'. من جانبها، أوضحت 'نيويورك بوست' أن الاجتماع كان عن الجيل التالي من الطائرات المقاتلة الأميركية التي تحمل اسم 'إف-47″، مضيفا أن الحضور شمل نخبة من طياري سلاح الجوّ الأميركي والقادة العسكريين، وهم المسؤولون عن طرد زوكربيرغ من المكتب البيضاوي بعد دخوله المفاجئ وانتظاره لبعض الوقت. وأثار دخول زوكربيرغ المفاجئ للمكتب ذهول الحاضرين الذين أعربوا عن قلقهم إزاء انعدام الخصوصية في المكتب البيضاوي فضلا عن وصف أحد المسؤولين لهذا الاجتماع بأنه 'اجتماع غريب' كما جاء في تقرير 'إن بي سي'. ومن جانبه، نفى البيت الأبيض أن زوكربيرغ طُرد من الاجتماع، إذ أوضح أحد المسؤولين في البيت الأبيض أنه مر لإلقاء التحية على الرئيس الأميركي بعدما طلب ترامب منه ذلك، ثم خرج لينتظر اجتماعه الذي كان يفترض أن يبدأ بعد اجتماع الطيارين، وذلك وفق تقرير 'نيويورك بوست'. (الجزيرة)


النهار
منذ 2 ساعات
- النهار
مسؤولان فلسطينيان: الجلسة الأولى من المحادثات بين حماس وإسرائيل انتهت دون حسم
أكّد مصدران فلسطينيان مطلعان أنّ الجلسة الأولى من محادثات وقف إطلاق النار غير المباشرة بين حركة (حماس) وإسرائيل في قطر انتهت بشكل غير حاسم، وأضافا أنّ الوفد الإسرائيلي لم يكن لديه تفويض كاف للتوصل إلى اتفاق مع حماس. واستؤنفت المحادثات اليوم الأحد، قبيل الزيارة الثالثة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى البيت الأبيض منذ عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السلطة قبل نحو ستة أشهر. وقال المصدران لرويترز "بعد الجلسة الأولى للمفاوضات غير المباشرة في الدوحة، الوفد الإسرائيلي غير مفوض بشكل كاف وغير مخول بالوصول إلى اتفاق مع حماس حيث لا صلاحيات حقيقية له". وقال نتنياهو، قبل مغادرته إلى واشنطن إن المفاوضين الإسرائيليين المشاركين في محادثات وقف إطلاق النار لديهم تعليمات واضحة بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وفق شروط قبلت بها إسرائيل. وفي مساء أمس السبت، تجمعت حشود في ساحة عامة في تل أبيب بالقرب من مقر وزارة الدفاع للمطالبة بالتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار وعودة نحو 50 رهينة لا يزالون محتجزين في غزة. ولوح المتظاهرون بالأعلام الإسرائيلية وهتفوا وحملوا ملصقات تحمل صور الرهائن. واندلعت أحدث جولة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ عقود في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023، عندما هاجمت حماس جنوب إسرائيل، مما أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص واحتجاز 251 رهينة، وفقاً للإحصاءات الإسرائيلية. ويُعتقد أن حوالي 20 من الرهائن المتبقين ما زالوا على قيد الحياة. وقد تم إطلاق سراح غالبية الرهائن من خلال المفاوضات الديبلوماسية، على الرغم من أن الجيش الإسرائيلي استعاد بعضهم أيضاً. وتقول وزارة الصحة في غزة إن الهجوم العسكري الإسرائيلي على القطاع الذي أعقب ذلك أدى إلى مقتل أكثر من 57 ألف فلسطيني. كما تسبب أيضاً في أزمة جوع ونزوح السكان، في الغالب داخل غزة وحول القطاع إلى أنقاض.